دأبت قبائل الطوارق
في الجنوب الجزائري على الاحتفال بليلة المولد النبوي الشريف
وفق طقوس خاصة، من خلال مجالس الذكر وسهرات في المدائح والأناشيد الدينية
بكل البيوت والمساجد ودور العبادة، ولا يزال الطوارق يحتفظون بعادات
احتفالية متوارثة عبر الأجيال.
“موقع الإذاعة الجزائرية” وعشية
الاحتفالات بليلة المولد النبوي هذا الخميس، يتطرق إلى تفاصيل المناسبة
العظيمة عند الطوارق.
ويشتهر الطوارق بتمجيدهم الأعياد الدينية على مدار قرون طويلة عبر التاريخ،
بهذا الصدد، يولي “أهل اللثام” الذين اشتهروا بكنية “الرجل الأزرق”
لتفنّنهم في ارتداء الكوفية والعمامة الزرقاء، وكذا للون بشرتهم اللافح،
اهتماما بالغا بإحياء ليلة مولد سيد الآنام، حيث تشهد مدينة “تمنراست”
ومنطقة “الطاسيلي آزقر” التابعة لولاية إيليزي، إقامة عديد الاجتماعات
العائلية الموّسعة ولقاءات فيما بين الجيران والمعارف من البدو الرحل الذين
يقصدون القرى بغية الاحتفال بمعية عائلاتهم وأقاربهم ليجعلوا من ليلة
المولد مناسبة متميزة.
ويجري تحضير وجبات تقليدية خاصة بالمولد
النبوي، حيث تقوم ربات البيوت بإعداد أطباق الكسكسي المُحلّى وأكلة الفتات
وكذا (الغجيرة) هذه الأخيرة تمتاز بكونها محبوبة من طرف السكان المحليين،
وفي ديكور بديع، تنتظم مئات اللقاءات العائلية الضخمة التي تستوعب أيضا
الجيران، في عادة تذكّر بمعاني رسالة التوحيد، وتركّز على عمق الوشائج
العائلية التي تربط بين سكان المنطقة وعشائرها، إذ تستغل مثل هذه اللقاءات
لتجديد العهد فيما بين الرجال الزرق لتعزيز علاقات التواصل بينهم وصلات
الأرحام وفقا لما تدعو إليه رسالة الإسلام السمحة.
ويقول الشيخ “محمد جيلالي خويلدي” أحد
أعيان الطوارق، أنّ الاحتفال بمولد الرسول (ص) يكتسي طابعا خاصا لدى سكان
هذه المنطقة من أقصى الصحراء، وهي في أصلها عادات استلهمت من عظمة رسالة
الإسلام التي حملها الرسول الكريم، وبين هذه التقاليد التي تتميز بها قبائل
الطوارق، يتفنن أبنائها في التغني بقصيدة “البردة ” للشيخ البصيري في مدح
النبي محمد، حيث ينخرط المدّاحون وحفظة القرآن الكريم في حلقات بعد أداء
صلاة العصر ليتواصل الانشاد إلى غاية صلاة المغرب وذلك إلى أن تحل ليلة
الميلاد، ويجري استئناف حلقات الإنشاد من بعد صلاة العشاء مباشرة، لتتواصل
إلى غاية بزوغ فجر يوم الميلاد، ويتم طيلة هذا اليوم العظيم زيارة الأقارب
وتوزيع ما توفر من الأكلات التقليدية المحضرة خصيصا لهذا الغرض وذلك تبركا
بميلاد خاتم الأنبياء والمرسلين.
ويحكي مخضرمون بحنين ظاهر، أنّ الاحتفالات
بمناسبة المولد النبوي الشريف تتواصل لمدة أسبوع كامل على نفس الوتيرة،
وذلك من خلال حلقات الذكر وإنشاد المدائح الدينية عبر الأحياء والمساجد
لتأخذ هذه المظاهر الاحتفالية بذلك طابع المنافسة ما بين مختلف الفرق
الدينية الموزعة عبر أغلبية المساجد بما فيها تلك المتواجدة بأعماق المناطق
النائية.
ويضم برنامج الاحتفالات بالمولد النبوي كل
عام، مسابقات تشترك فيها مجموعات إنشادية على غرار فرقتي العشراني
والبغدادي، ويتم رصد جوائز لأحسن مداح وتسلم له جائزة تشجيعية في نهاية
أسبوع الاحتفالات الدينية تقديرا له على حسن أداءه لقصيدة “البردة”، كما
تعتني قبائل الطوارق بتنظيم عدة نشاطات ترفيهية وثقافية منها لعبة
(تكريكرا) وهي عبارة عن لعبة تقليدية مستلهمة من التراث المحلي، يجري فيها
استخدام كرة مصنوعة من بقايا النخيل تلعب من طرف فريقين ويتكون كل واحد
منها من عشرة لاعبين، ويتحمس لهذه اللعبة كل فئات المجتمع الطارقي من شيوخ
ونساء وشباب، حيث يمارسونها في جو احتفالي يفور بالمرح والحماسة.