أسلم البطلان خالد بن الوليد وعمرو بن العاص بعد سنوات طويلة من الصدِّ عن دين الله U، وإسلام هذين الرجلين يحتاج منا إلى وقفة وتحليل، فما الذي دفع هؤلاء إلى الإسلام؟ إنه الانبهار بقوة الإسلام، والانبهار بعظمة الرسول r كقائد، فهؤلاء جميعًا من القادة العسكريين، ومن الفرسان المشهورين في بلاد العرب، ولكنهم وجدوا أنفسهم أمام قائد بارع وعظيم من القوَّاد لم يروا مثله قبل ذلك، وفي موقعة أُحد فشل خالد بن الوليد تمامًا في قهر الخطة التي وضعها الرسول r، وفي إحباط هذه الخطة إلا بعد أن خالف الرماة أمر الرسول r، ولكن الخطة كانت في تمام الإحكام، وكان خالد يرى ذلك ويعلم أنه لن يهزم الرسول r، ولولا مخالفة الرماة ما استطاع خالد أن يغزو المسلمين من خلفهم، ولهرب مع من يهرب. وعادت قريش في الأحزاب، ولم تدخل المدينة المنورة، وعاد خالد من الحديبية ولم يتمكن من قتال المسلمين، يواجه خالد الفشل أمام الرسول r، وهو منبهر تمام الانبهار بقوة وبأس وتخطيط الرسول r، وفوق ذلك هو منبهر بأخلاق الرسول r كداعية وإنسان يعيش في وسط الناس بمبادئ وقيم معينة ما يخالفها، والعسكريون عادةً يدوسون على كل القيم والأخلاق، ويحققون الأهداف بصرف النظر عن الوسائل، ولكن خالد بن الوليد t شَاهَدَ في الرسول r رجلاً عسكريًّا حكيمًا، وقائدًا قويًّا، ومع ذلك يتحلى بكامل الأخلاق الحميدة، وبلغ فيها الذروة، والرسول r طوال حياته الصادق الأمين، وما استطاع أبو سفيان - مع شدة عداوته له - أن يقول في حقه كلمة سلبية واحدة أمام هرقل زعيم الروم، هذا قائد أخلاقي من الدرجة الأولى؛ فخالد بن الوليد منبهر تمام الانبهار، وكذلك عمرو بن العاص مذهول بشخصية الرسول r، وهذا الذي دفعهم بعد ذلك للإسلام، ولكن القوة الإسلامية التي ظهرت في صلح الحديبية، والتي ظهرت في عمرة القضاء، كان لها أبلغ الأثر في إسراع خطوات إسلام القائدين العظيمين خالد وعمرو رضي الله عنهما.