وقف خالد بن الوليد t في جمعٍ للمشركين بعد خروج الرسول r من مكة في عمرة القضاء في أواخر العام السابع من الهجرة، وقال للجميع كلامًا عجيبًا، قال لهم: لقد استبان لكل ذي عقل أن محمدًا ليس بساحر ولا شاعر، وأن كلامه من كلام رب العالمين[20].
في هذا الموقف انبهر خالد بقوة وعزة الإسلام، فقام في هذا المقام وقال هذه الكلمات، وهو من أعظم زعماء مكة مطلقًا، ودائمًا كان خالد قائد الفرسان في كل معارك قريش، ولعل هذا هو الذي أخَّر إسلامه إلى هذا الوقت، فقد أسلم خالد وكان عمره سبعة وأربعين عامًا، وفي كل هذه الفترة كان زعيمًا وقائدًا في قريش. ولا شك أنه كان يخشى على مكانته إذا انضم إلى الإسلام، ولا شك أنه كان له مكانة مرموقة في الجيش المكي، وله مكانة مرموقة في العرب، وخاف على هذه المكانة أن تضيع، إضافةً إلى أن أباه كان الوليد بن المغيرة، وهو من أشد أعداء الدعوة الإسلامية، ولكن خالد بن الوليد تغير وانبهر بقوة الإسلام، وانبهر بالرسول r، فقال خالد هذه الكلمات التي تعبر عن رغبته في دخول الإسلام: فحقٌّ لكل ذي لبٍّ أن يتبعه[21]. إنها كلمة خطيرة على قريش، وسمع أبو سفيان كلام خالد بن الوليد فناداه بسرعة، حتى يتأكد من قول خالد لهذا الكلام، فأكد له خالد صحة ما قال، وكرر نفس الكلمات أمام أبي سفيان، واندفع أبو سفيان إلى خالد بن الوليد، وكاد يضربه، وحجز بينهما عكرمة بن أبي جهل، وكان عكرمة ساعتها لا يزال مشركًا، وعكرمة من أكثر الرجال قربًا إلى قلب خالد بن الوليد، وبينهما صداقة قديمة، فحجز عكرمة بين أبي سفيان وخالد، وقال كلمات عجيبة هو الآخر لأبي سفيان:
"مهلاً يا أبا سفيان، فوالله خفتُ للذي خفتَ أن أقول مثل ما قال خالد وأكون على دينه". أي أنني خفتُ أن أكون على دين محمد بعد هذا الذي رأيت في عمرة القضاء، ثم قال له:
"أنتم تقتلون خالدًا على رأي رآه؟! وهذه قريش كلها تبايعت عليه، والله لقد خفت ألاّ يحول الحول حتى يتبعه أهل مكة كلهم"[22].
فالجميع منبهر بالرسول r وبجيش المؤمنين، يقول تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14].
إن الجميع يعلم أن الإسلام هو الدين الحق، وأن الرسول حق، ولكن بعضهم كسر كبرياءه ودخل في دين الرسول r، وبعضهم ظل في كبريائه ومات على كفره. والحمد لله أن كل من اشترك في هذا الحوار قد أسلموا بعد ذلك، ولكن تأخر إسلام بعضهم عن بعض. فهذا كان موقف خالد بن الوليد t، ولا ننسى أن خالد بن الوليد t قال في الحديبية كلمة عظيمة في حق المسلمين: "إن القوم ممنوعون".
عندما نزلت صلاة الخوف كما فسرنا قبل ذلك "إن القوم ممنوعون" أي أن الله U يحيطهم برعايته وعنايته، وكان لهذا الموقف أثر كبير في قلب خالد بن الوليد، وشيء آخر كان له تأثير في خالد ونقف معه وقفة مهمة، وهو أن خالد بن الوليد t عندما رأى جيش المسلمين وهو يدخل مكة المكرمة للعمرة في العام السابع لم يستطع أن يتحمل هذا المنظر في بدايته وخرج من مكة وتركها.
رسالة الوليد بن الوليد لأخيه خالد
دخل الوليد بن الوليد بن المغيرة -وهو من الصحابة الكرام- مع النبي r إلى مكة للعمرة، فلما دخل بحث عن أخيه خالد بن الوليد حتى يدعوه للإسلام فلم يجده، فكتب له كتابًا، وقال له فيه:
"بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فإني لم أرَ أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وعقلك عقلك! ومثل الإسلام يجهله أحد؟! وقد سألني رسول الله r عنك وقال: (أَيْنَ خَالِدٌ؟) فقلت: يأتي الله به. فقال: "مِثْلُهُ جَهِلَ الإِسْلاَمَ؟! وَلَوْ كَانَ جَعَلَ نِكَايَتَهُ وَجَدَّهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَقَدَّمْنَاهُ عَلَى غَيْرِهِ"، فاستدرك يا أخي ما قد فاتك من مواطن صالحة"[23].
قال خالد: فلما جاءني كتابه نشطت للخروج، وزادني رغبة في الإسلام، وسرني سؤال رسول الله r عني، وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقة مجدبة، فخرجت في بلاد خضراء واسعة، فقلت: إن هذه لرؤيا. فلما أن قدمت المدينة قلت: لأذكرنَّها لأبي بكر. فقال: هو مخرجك الذي هداك الله للإسلام، والضيق الذي كنت فيه من الشرك.
ولننظر إلى الحكمة النبوية، فالرسول r يقول لخالد بن الوليد: لو أضفت قوتك لقوة المسلمين، فلن تكون تابعًا، ولكن سوف نقدِّمك على غيرك، فأنت قائد عظيم، وأنت فارس عظيم، وأنت مجاهد كبير، فأضف هذه القوة إلى قوة الإسلام، وبذلك يكون لك فضل السبق على المسلمين، وإن سبقوك قبل ذلك في دخول الإسلام. هذه الكلمات وصلت إلى قلب خالد بن الوليد t، وهو تأليف عظيم من الرسول r لقلب خالد بن الوليد، فلن تضيع منك القيادة والسيادة، ولن يضيع منك أي شيء، وهذه هي الحكمة الحقيقية، ثم يقول الوليد بن الوليد t: "فاستدرك يا أخي ما قد فاتك".
لقد فاتتك مواطن صالحة وغزوات كنا نحتاجك فيها، وهذا تحفيز لخالد بن الوليد ألاّ يضيِّع وقتًا آخر. وقد وقعت هذه الكلمات في قلب خالد بن الوليد، قال: "فلما جاءني كتابه نشطت للخروج، وزادني رغبة في الإسلام، وسرتني مقالة رسول الله r". ثم قال خالد t: "وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقة فخرجت إلى بلد أخضر واسع، فقلت: إن هذه لرؤيا"[24].
وفهم تفسير الرؤيا أنها الخروج من الشرك إلى الإيمان.
خالد يرحل إلى المدينة لإعلان إسلامه
أجمع خالد بن الوليد للخروج إلى الرسول r مهاجرًا من مكة إلى المدينة المنورة، يقول:
قلت: "من أصاحب إلى الرسول r؟" فهو لا يريد أن يذهب وحده، يقول خالد t:
"فلقيت صفوان بن أمية فقلت: يا أبا وهب، أمَا ترى ما نحن فيه، إنما نحن أكلة رأس -يعني مجموعة قليلة يكفيها رأس من الإبل للأكل، يعني مجموعة قليلة من الناس- والأرض تتناقص من حول قريش، وقد ظهر محمد على العرب والعجم، فلو قدمنا على محمد فاتبعناه".
فأَبَى صفوان أشد الإباء، وقال: "لو لم يبقَ غيري من قريش لما اتبعته".
لأن صفوان بن أمية موتور؛ فقد قُتل أبوه أمية بن خلف في بدر، ونفس الموقف لخالد بن الوليد فقد قتل أبوه الوليد بن المغيرة في بدر، ولكن الله U يهدي من يشاء، وقد أسلم صفوان بن أمية بعد فتح مكة. فقابل خالد بن الوليد عكرمة بن أبي جهل، فعرض عليه نفس الكلام، فقال له مثل ما قال صفوان، ورفض تمام الرفض، فقال خالد نفس الكلام: هذا رجل موتور، قُتل أبوه أبو جهل. ولكن خالد لم ييْئَس، وذهب إلى عثمان بن طلحة t، وكان في هذا الوقت مشركًا، فقال له نحوًا مما قال لصاحبيه، فأسرع عثمان بالإجابة.
أي قَبِل فكرة الإسلام، واتفق الاثنان على الخروج للمدينة المنورة وتواعدا، وبالفعل خرجا إلى المدينة المنورة لإعلان إسلامهما بين يدي الرسول r.
في هذا الموقف انبهر خالد بقوة وعزة الإسلام، فقام في هذا المقام وقال هذه الكلمات، وهو من أعظم زعماء مكة مطلقًا، ودائمًا كان خالد قائد الفرسان في كل معارك قريش، ولعل هذا هو الذي أخَّر إسلامه إلى هذا الوقت، فقد أسلم خالد وكان عمره سبعة وأربعين عامًا، وفي كل هذه الفترة كان زعيمًا وقائدًا في قريش. ولا شك أنه كان يخشى على مكانته إذا انضم إلى الإسلام، ولا شك أنه كان له مكانة مرموقة في الجيش المكي، وله مكانة مرموقة في العرب، وخاف على هذه المكانة أن تضيع، إضافةً إلى أن أباه كان الوليد بن المغيرة، وهو من أشد أعداء الدعوة الإسلامية، ولكن خالد بن الوليد تغير وانبهر بقوة الإسلام، وانبهر بالرسول r، فقال خالد هذه الكلمات التي تعبر عن رغبته في دخول الإسلام: فحقٌّ لكل ذي لبٍّ أن يتبعه[21]. إنها كلمة خطيرة على قريش، وسمع أبو سفيان كلام خالد بن الوليد فناداه بسرعة، حتى يتأكد من قول خالد لهذا الكلام، فأكد له خالد صحة ما قال، وكرر نفس الكلمات أمام أبي سفيان، واندفع أبو سفيان إلى خالد بن الوليد، وكاد يضربه، وحجز بينهما عكرمة بن أبي جهل، وكان عكرمة ساعتها لا يزال مشركًا، وعكرمة من أكثر الرجال قربًا إلى قلب خالد بن الوليد، وبينهما صداقة قديمة، فحجز عكرمة بين أبي سفيان وخالد، وقال كلمات عجيبة هو الآخر لأبي سفيان:
"مهلاً يا أبا سفيان، فوالله خفتُ للذي خفتَ أن أقول مثل ما قال خالد وأكون على دينه". أي أنني خفتُ أن أكون على دين محمد بعد هذا الذي رأيت في عمرة القضاء، ثم قال له:
"أنتم تقتلون خالدًا على رأي رآه؟! وهذه قريش كلها تبايعت عليه، والله لقد خفت ألاّ يحول الحول حتى يتبعه أهل مكة كلهم"[22].
فالجميع منبهر بالرسول r وبجيش المؤمنين، يقول تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14].
إن الجميع يعلم أن الإسلام هو الدين الحق، وأن الرسول حق، ولكن بعضهم كسر كبرياءه ودخل في دين الرسول r، وبعضهم ظل في كبريائه ومات على كفره. والحمد لله أن كل من اشترك في هذا الحوار قد أسلموا بعد ذلك، ولكن تأخر إسلام بعضهم عن بعض. فهذا كان موقف خالد بن الوليد t، ولا ننسى أن خالد بن الوليد t قال في الحديبية كلمة عظيمة في حق المسلمين: "إن القوم ممنوعون".
عندما نزلت صلاة الخوف كما فسرنا قبل ذلك "إن القوم ممنوعون" أي أن الله U يحيطهم برعايته وعنايته، وكان لهذا الموقف أثر كبير في قلب خالد بن الوليد، وشيء آخر كان له تأثير في خالد ونقف معه وقفة مهمة، وهو أن خالد بن الوليد t عندما رأى جيش المسلمين وهو يدخل مكة المكرمة للعمرة في العام السابع لم يستطع أن يتحمل هذا المنظر في بدايته وخرج من مكة وتركها.
رسالة الوليد بن الوليد لأخيه خالد
دخل الوليد بن الوليد بن المغيرة -وهو من الصحابة الكرام- مع النبي r إلى مكة للعمرة، فلما دخل بحث عن أخيه خالد بن الوليد حتى يدعوه للإسلام فلم يجده، فكتب له كتابًا، وقال له فيه:
"بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فإني لم أرَ أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وعقلك عقلك! ومثل الإسلام يجهله أحد؟! وقد سألني رسول الله r عنك وقال: (أَيْنَ خَالِدٌ؟) فقلت: يأتي الله به. فقال: "مِثْلُهُ جَهِلَ الإِسْلاَمَ؟! وَلَوْ كَانَ جَعَلَ نِكَايَتَهُ وَجَدَّهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَقَدَّمْنَاهُ عَلَى غَيْرِهِ"، فاستدرك يا أخي ما قد فاتك من مواطن صالحة"[23].
قال خالد: فلما جاءني كتابه نشطت للخروج، وزادني رغبة في الإسلام، وسرني سؤال رسول الله r عني، وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقة مجدبة، فخرجت في بلاد خضراء واسعة، فقلت: إن هذه لرؤيا. فلما أن قدمت المدينة قلت: لأذكرنَّها لأبي بكر. فقال: هو مخرجك الذي هداك الله للإسلام، والضيق الذي كنت فيه من الشرك.
ولننظر إلى الحكمة النبوية، فالرسول r يقول لخالد بن الوليد: لو أضفت قوتك لقوة المسلمين، فلن تكون تابعًا، ولكن سوف نقدِّمك على غيرك، فأنت قائد عظيم، وأنت فارس عظيم، وأنت مجاهد كبير، فأضف هذه القوة إلى قوة الإسلام، وبذلك يكون لك فضل السبق على المسلمين، وإن سبقوك قبل ذلك في دخول الإسلام. هذه الكلمات وصلت إلى قلب خالد بن الوليد t، وهو تأليف عظيم من الرسول r لقلب خالد بن الوليد، فلن تضيع منك القيادة والسيادة، ولن يضيع منك أي شيء، وهذه هي الحكمة الحقيقية، ثم يقول الوليد بن الوليد t: "فاستدرك يا أخي ما قد فاتك".
لقد فاتتك مواطن صالحة وغزوات كنا نحتاجك فيها، وهذا تحفيز لخالد بن الوليد ألاّ يضيِّع وقتًا آخر. وقد وقعت هذه الكلمات في قلب خالد بن الوليد، قال: "فلما جاءني كتابه نشطت للخروج، وزادني رغبة في الإسلام، وسرتني مقالة رسول الله r". ثم قال خالد t: "وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقة فخرجت إلى بلد أخضر واسع، فقلت: إن هذه لرؤيا"[24].
وفهم تفسير الرؤيا أنها الخروج من الشرك إلى الإيمان.
خالد يرحل إلى المدينة لإعلان إسلامه
أجمع خالد بن الوليد للخروج إلى الرسول r مهاجرًا من مكة إلى المدينة المنورة، يقول:
قلت: "من أصاحب إلى الرسول r؟" فهو لا يريد أن يذهب وحده، يقول خالد t:
"فلقيت صفوان بن أمية فقلت: يا أبا وهب، أمَا ترى ما نحن فيه، إنما نحن أكلة رأس -يعني مجموعة قليلة يكفيها رأس من الإبل للأكل، يعني مجموعة قليلة من الناس- والأرض تتناقص من حول قريش، وقد ظهر محمد على العرب والعجم، فلو قدمنا على محمد فاتبعناه".
فأَبَى صفوان أشد الإباء، وقال: "لو لم يبقَ غيري من قريش لما اتبعته".
لأن صفوان بن أمية موتور؛ فقد قُتل أبوه أمية بن خلف في بدر، ونفس الموقف لخالد بن الوليد فقد قتل أبوه الوليد بن المغيرة في بدر، ولكن الله U يهدي من يشاء، وقد أسلم صفوان بن أمية بعد فتح مكة. فقابل خالد بن الوليد عكرمة بن أبي جهل، فعرض عليه نفس الكلام، فقال له مثل ما قال صفوان، ورفض تمام الرفض، فقال خالد نفس الكلام: هذا رجل موتور، قُتل أبوه أبو جهل. ولكن خالد لم ييْئَس، وذهب إلى عثمان بن طلحة t، وكان في هذا الوقت مشركًا، فقال له نحوًا مما قال لصاحبيه، فأسرع عثمان بالإجابة.
أي قَبِل فكرة الإسلام، واتفق الاثنان على الخروج للمدينة المنورة وتواعدا، وبالفعل خرجا إلى المدينة المنورة لإعلان إسلامهما بين يدي الرسول r.