الجزء الثاني
غرناطة
تقع مدينة غرناطة جنوب مدينة " مدريد " عاصمة أسبانيا الحالية ؛ ومناخ غرناطة غاية في
اللطف والجمال ومنه اشتق اسمها حيث تعنى كلمة غرناطة " رمنته " الحسن والجمال ؛ وتطل
غرناطة على البحر المتوسط من الجنوب وعلى نهر شنيل كذلك ؛ وهى تعلو قُرابة 669 متراً
فوق سطح البحر وهذا سر جمال مناخها ؛ ولما دخلها المسلمون بعد الفتح الإسلامي للأندلس
تم تأسيسها في موضع مدينة رومانية صغيرة تعرف باسم " أليبيري " ثم أصبحت عاصمة فيما
بعد لبنى الأحمر ؛ كانت غرناطة مركزاً إسلامياً علمياً كبيراً؛ وتعتبر واحدة من حلقات الحضارة
الإسلامية في الأندلس مع المدن الأخرى مثل قرطبة وبلنسية ومجريط وأشبيلية وطليطلة
وغيرها ؛ كما كانت غرناطة قبلة الأنصار للطلاب الذين يفيدون من الأقطار المجاورة سواء
الإسلامية وغير الإسلامية فعرف فيها المدرسة اليوسفية والمدرسة النصرية ؛ وقد بدأت
النهضة العلمية في الأندلس مع الفلكي الرياضي أبى القاسم المجريطى عام ( 398هـ -
1008م ) الذي أنشأ مدرسة رياضية معروفة ؛ ولما استقر بنو الأحمر في غرناطة وفى
الشمال الشرقي منها عند موقع الحمراء في مكان مرتفع فوضعوا أساس " قصبة الحمراء "
أو قصر الحمراء ؛ وكانت الحمراء قلعة متواضعة حتى تولى باديس بن حبوس مٌلك غرناطة
المنيع ؛ ويرجع سبب تسمية قصر الحمراء بهذا الاسم لأن لون حجارتها حمراء ؛ ومما يميز
غرناطة كذلك مساجدها حيث يٌعد مسجد غرناطة الجامع من أبدع الجوامع وأحسنها منظراً
واشتهر استخدام الرخام في مساجدها وكذلك البيمارستانات مثل بيمارستان غرناطة أو
بيمارستان المدينة ؛ واشتهر في غرناطة جماعة من العلماء ونبغ فيها عدد منهم في جميع
أنواع المعرفة فمن أشهر علمائها الإمام الشاطبى ولسان الدين الخطيب والسرقسطى وابن
زمرك ومحمد بن الرقاح وأبو يحيى بن رضوان وأبو عبد الله الفحام وابن السراح ويحيى بن
هزيل التجيبى والشقورى وابن زهر ومن النساء حفصة بنت الحاج وحمدونه بنت زياد واختها
زينب .
قــٌــــــــرطٌبة
مدينة قرطبة مدينة أندلسية تقع في الغرب الأسباني ؛ وتمتد على الضفة اليمنى لنهر الوادي
الكبير وهى مدينة إِيبيرية قديمة البناء كان اسمها { إِيبيرى بحت } وترجم باللغة العربية إلى
قرطبة ؛ ولقد تأسست قرطبة في العصر الروماني عام ( 152ق.م ) على نهر الوادي الكبير
وذاعت شهرتها منذ الصراع بين قرطا جنة وروما ؛ واستولى عليها لوثيو الروماني فاتخذها
الرومان عاصمة لأسبانيا السفلى عام ( 169 ق. م ) ومن هذا التاريخ دخلت قرطبة في سلك
الإمبراطورية الرومانية ؛ وفى القرن الأول الميلادي استطاع قائد الإمبراطور يوليوس قيصر
أن يستولى عليها عام ( 45 م ) بعد موقعة { مندا } وبعد فترة أصبحت قرطبة واحدة من أربعة
مراكز قضائية في أسبانيا الجنوبية بجانب قادس وإشبيلية وإستجة ؛ وعندما غزا الفندال
والسواف شبه جزيرة إيبيريا عام ( 409 م ) ظلت قرطبة خاضعة للبيزنطيين حتى نجح ملك
القوط الغربيين في الاستيلاء عليها عام ( 568 م ) ؛ ثم دخل الإسلام قرطبة عام ( 93هـ /
711م ) بقيادة طارق بن زياد الذي كان يقود جيوش المسلمين لفتح الأندلس وكان فتح قرطبة
ميسوراً حيث أرسل طارق بن زياد قائده مغيث الرومي إلى قرطبة في سبعمائة فارس ؛ فأقبلوا
نحو المدينة ليلاً ونجحوا في دخول أسوار المدينة وفتح أبوابها لجيوش المسلمين ففتحت قرطبة
وأصبحت حاضرة أسبانيا الإسلامية ؛ واستقر ولاة الأندلس بها قرابة ثلاثة قرون حتى سقطت
الخلافة في الأندلس ؛ وكان السمح بن مالك الخولانى هو الذي عمرها ورفعها إلى مصاف
الحواضر الكبرى ؛ ثم جعل عبد الرحمن الداخل من قرطبة مركزاً للعلم والثقافة والفنون
والآداب في أوروبا كلها وقام بدعوة الفقهاء والعلماء والفلاسفة والشعراء إليها ؛ وقد وصلت
قرطبة في عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر وابنه الحاكم من بعده مستوى من الرخاء والثراء
لم تبلغه من قبل فنافست آنذاك بغداد عاصمة العباسين والقسطنطينية عاصمة البيزنطيين
والقاهرة عاصمة الفاطميين ووصل سفراء البلاط القرطبى بلاد بعيدة جداً كالهند والصين
وتقاطر عليها مبعوثون ومندوبون عن أباطرة البيزنطيين وألمانيا وملوك كل من فرنسا وإيطاليا
والمماليك الأخرى في أوروبا وشمال أسبانيا وزعماء البربر ورؤساء القبائل الأفريقية ؛ وظلت
قرطبة تنعم بهذا التفوق على سائر مدن أسبانيا زمناً إلى أن سقطت الخلافة الأموية عام ( 404
هـ / 1013م ) ؛ وكانت جامعة قرطبة التي أسسها عبد الرحمن الثالث بجوار الجامع الكبير من
أشهر المؤسسات الثقافية في العالم المتحضر ولقد وصلت الحركة العلمية في قرطبة ذروتها
في زمن الحكم المستنصر الذي كان ملماً بكثير من فروع العلم والمعرفة حتى لقب بالخليفة
العالم ؛ واشتهر في قرطبة كثير من العلماء المسلمين في شتى مجالات المعرفة مثل ابن حزم
والقرطبى وابن رشد والزهراوى وابن وافد وابن جلجل والغافقى والإدريسى والعباس بن
فرناس وغيرهم .
سمـرقـند
تعتبر سمرقند من أقدم بلاد العالم فهي تقع في جمهورية أوزبكستان ؛ وكلمة " قند " إيرانية
تعنى مدينة ولم تٌفسر كلمة " سمر " للآن تفسيراً مقنعاً ؛ وكانت سمرقند عاصمة بلاد ما
وراء النهر لمدة خمسة قرون منذ عهد السامانيين إلى عهد التيموريين كما كانت سمرقند
وبخاري أهم حاضرتين فيما وراء النهر ؛ وعرف موقع سمرقند بأنه جنة بحق ومناخها قاري
كالمناخ السائد في آسيا الوسطي ؛ وعدد سكانها حوالي نصف مليون نسمه ؛ كما تعتبر سمرقند
الآن من أهم المدن نشاطاً في أوزبكستان في مجال الزراعة والتجارة والصناعة ؛ ودٌمرت
سمرقند عبر تاريخها ثلاث مرات أولها كان عام ( 329ق.م ) على يد الإسكندر وكان اسمها
وقتداك " مرقندا " وثانيها في عهد جنكيز خان عام ( 617هـ / 1220 م ) وثالثها كان على
أيدي الأوزبك في منتصف القرن التاسع الهجري – الخامس عشر الميلادي – وكانت قبائل
الأوزبك وقتداك لم تعتنق الإسلام بعد ؛ وبدأ الفتح الإسلامي لمناطق ما وراء النهر " نهر
جيحون " منذ عام ( 46هـ ) ثم عٌين قتيبة بن مسلم والياً على خٌـراسان وكان حاكم سمرقند
يسمى طرخون ؛ وفى عام ( 91هـ / 709م ) تصالح طرخون مع قتيبة بن مسلم على أن يؤدى
الجزية للمسلمين ويقدم لهم الرهائن غير أن ذلك أغضب رعاياه فخلعوه وعٌين إخشيد غورك
مكانه ولكن قتيبة بن مسلم أجبره على التسليم في عام ( 93هـ / 712 م ) بعد أن حاصر
سمرقند وقتاً طويلاً ؛ وظلت سمرقند وبخاري قاعدة للفتوح الإسلامية الاخرى ونشر الإسلام في
البلاد ؛ ومرت سمرقند بفترات من الضعف بعد ذلك بعد أن تقدم الإسلام منها إلى الصين والهند
وروسيا ذاتها حتى إن الاراضى الروسية ظلت خاضعة للسيطرة ثلاثة قرون وكان دوق موسكو
يدفع الجزية سنوياً لأمير بخاري ولكن قياصرة روسيا سرعان ما استردوا هذه المناطق
الإسلامية وسقط أول حصن إسلامي وهو حصن " آق مسجد " في بلاد ما وراء النهر بيد
الروس عام ( 1852م ) وبينما كانت الدولة العثمانية في منتصف القرن السادس عشر تهدد
أوروبا وتزحف إلى أفريقيا وآسيا كانت روسيا القيصرية تهاجم سمرقند وغيرها من تلك البلاد
الإسلامية وحين قام النظام الشيوعي عام ( 1342هـ / 1923م ) في روسيا صارت سمرقند
ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق حتى إنهياره عام ( 1412هـ / 1991م ) فصارت
سمرقند إحدى مدن جمهورية أوزبكستان بعد الاستقلال ؛ ومن أشهر ما يميز سمرقند من
الصناعات القديمة صناعة الورق والمنسوجات والسجاد ؛ كما تميزت سمرقند على مر العصور
بالعديد من المدارس التي تدل على مدى اهتمام أهلها بالعلم ؛ كما اشتهر في سمرقند جماعة
من العلماء منهم محمد بن عدى السمرقندى وأبو منصور الماتريدى وأبو الحسن الميداني
ومنهم أحمد بن عمر أبوبكر السمرقندى ومحمد بن مسعود السمرقندى صاحب التفسير
المعروف بتفسير العياشى وعلاء الدين السمرقندى ونجيب الدين السمرقندى وشمس الدين
السمرقندى وأبو القاسم الليثى السمرقندى وقاضى زاده الرومي ؛ كما يوجد بسمرقند قبر الإمام
البخارى رحمه الله صاحب أصح كتاب من كتب الحديث .
بـٌـخارى
تقع بخارى في غرب جمهورية أوزبكستان الحالية واسم بخارى يقال أنه أٌشتٌق من كلمة "
بخار " المغولية ومعناها العلم الكثير وذلك لكثرة العلماء بها ؛ وبخارى قديمة من قبل الميلاد
فقد وجدت في عهد الدولة الأكمينية الإيرانية ( 553- 330ق.م ) ثم استولى عليها الإسكندر
الأكبر ثم بعد ذلك صارت بخارى تابعة لدولة الباختريين ثم استولى عليها الترك بعد القرن
السادس الميلادي ثم تلاهم الصينيون في القرن السابع الميلادي وظلت بخارى تابعة للصينيين
إلى عهد الخليفة الاموى الوليد بن عبد الملك ( 68-96هـ / 705-715م ) عندما أمر الحجاج
بن يوسف الثقفي وزير الخليفة قائده قتيبة بن مسلم الباهلى بفتح بلاد ما وراء النهر فسار إليها
وتمكن من فتح بخارى سنة ( 90هـ / 709 ) فعمل قتيبة بن مسلم على توطيد أقدم المسلمين
بها وبنى بها مسجداً ودعا أهلها إلى الإسلام ومنذ ذلك الحين أصبحت بخارى تابعة للخلافة
الإسلامية ؛ وبعد الفتح الإسلامي لبخارى ذاع صيت كثير من العلماء فيها والأدباء والفضلاء
وكثرت في بخارى الآثار العلمية والعمرانية والفنية إلى أن استولى عليها السلاجقة فأسهموا
في جعل بخارى أكثر اتساعاً وأزهى حضارة وأغزر ثقافة وعلماً وفناً ؛ ثم استولى عليها جنكيز
خان سنة ( 616هـ / 1219م ) فخربها وهدم كثيراً من صروحها الحضارية وأحرق مكتبتها ثم
استولى عليها تيمورلنك سنة ( 785هـ / 1383م ) وظلت على حالها حتى أعاد حكام الأوزبك
بناءها وجعلوها عاصمة لدولتهم سنة ( 911هـ/ 1505م ) ثم استولى عليها الإيرانيون وظلت
تحت حكمهم حتى استولى عليها الروس سنة ( 1336هـ / 1918م ) وحين قام النظام
الشيوعي سنة ( 1342هـ / 1923م ) في روسيا صارت ضمن جمهوريات الإتحاد السوفيتي
السابق حتى انهياره سنة ( 1412هـ / 1991م ) فصارت إحدى مدن جمهورية أوزبكستان
المستقلة ؛ وينتسب إلى بخارى كثير من العلماء والفقهاء والمحدثين على رأسهم جميعاً الإمام
محمد بن إسماعيل البخارى صاحب كتاب الجامع الصحيح المعروف بصحيح البخارى أصح
كتاب بعد كتاب الله تعالى ومنهم أيضاً ابن سينا الحكيم البخارى الفيلسوف والطبيب وأبو حفص
عمر بن منصور البخاري المعروف بالبزار والحافظ أبوزكريا عبد الرحيم بن نصر البخارى
وأبو العباس المقدسى الحنبلي كما ينتسب إليها كثير من الأدباء والشعراء المعروفين مثل
الرودكى وفاضل البخارى وعمعق البخارى والخجندى ولطف الله النيسابورى واحمد الكرامانى
وغيرهم ؛ كما تشتهر بخارى بإنتاج الفاكهة وبخاصة البرقوق البخارى المعروف الذي ترجع
شهرته إلى أكثر من ألف عام ؛ كما عرفت بخارى بأنها سوق رئيسي تلتقي فيه تجارة الصين
وآسيا الغربية ؛ كما تشتهر بإنتاجها للحرير والقطن وصناعة السجاد والمصنوعات الفضية
والذهبية ومناجم النحاس فيها ؛ كما أن لها تراثاً معمارياً عظيماً.
شـــيراز
تقع شيراز الآن في دولة إيران الحالية جنوب طهران بحوالى 935 كم وسميت شيراز بهذا
الاسم نسبة إلى شيراز بن طهمورث وهى مدينة تقع في سهل خصب مترامي الأطراف جنوب
أصفهان يكسوه العشب وتحتضنه تلال قائمة يكاد يخفى هذا الوادي عن الانظار الحدائق العامرة
بأشجار السرو الداكنة وفيها تتنافس الورود وأشجار الأرجوان الكثيفة مع جموع الزهور ؛
وتعتبر شيراز من ألطف مدن إيران مناخاً واعتدالاً وطيب هواء وكثرة جنائن ودور وعمارة
وغلال وفواكه وخضار وكروم وورود وعيون ويزيد عدد سكانها على نصف مليون نسمة ؛
وشيراز مدينة إسلامية قديمة كانت قصبة بلاد فارس وهى من المدن التي استجدت عمارتها
واختطاطها في الإسلام وأول من تولى عمارتها محمد بن القاسم بن أبى عقيل الثقفى ابن عم
الحجاج بن يوسف الثقفى ؛ وبعد الفتح الاسلامى ظلت شيراز المركز العسكري والإداري لإقليم
فارس منذ عام ( 650 م ) ؛ وقد غزاها أبو موسى الأشعري وعثمان بن أبى العاص رضي الله
عنهما في أواخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ وفى القرون الأولى للإسلام كان لا
يزال فيها هيكلان من هياكل النار التي كان يعبدها الفرس قبل الإسلام ؛ يسمى أحدهما كارنبان
والأخر هرمز ؛ وفى زمن خلافة عمر بن عبد العزيز أظهر رغبة شديدة في توسيع المؤسسات
الخيرية كما بنى كثيراً من المساجد ؛ وتعرضت شيراز فيما بعد لاضظرابات وحروب وتعكر
صفوها لاسيما عندما دخلها تيمورلنك فتحول إقليم فارس كله إلى مقاطعة مهملة في
الإمبراطورية التيمورية ؛ وفى عام ( 1668م ) هطلت الأمطار بغزارة ووافق ذلك وقت ذوبان
الثلوج على الجبال مما سبب فيضاناً عارماً تضررت منه شيراز ضرراً شديداً ؛ فقد تبعه وباء
جعل المدينة في حالة سيئة ؛ وفى عام ( 1137هـ / 1725م ) دخلها الأفغانيــون ثم طردهم
الصّـفويون عنها فيما بعد ؛ ثم أصبحت شيراز عاصمة بلاد فارس في عهد كريم خان زند ؛ وعند
موته عام ( 1193هـ / 1779م ) كانت المدينة قد استعادت كثيراً من مجدها السابق وبعد 15
عاماً تولى الحكم أغا محمد شاه مؤسس العائلة القاجارية أعداء بنى زند ؛ واتخذ طهران
عاصمة له بدلاً من شيراز ؛ حفلت شيراز بمجموعة من المعالم الحضارية كالمساجد الفخمة
والبيمارستانات والحدائق والقصور والقناطر ؛ كما عرفت ببعض الصناعات التقليدية كصناعة
السجاد الذي يعد من أجود أنواع السجاد في العالم ؛ ولشيراز مكانة علمية وثقافية وينسب إليها
جماعة من أهل العلم والفضل وألادب والشعر والفقه والرياسة ؛ منهم القاضي أبو العباس ابن
سريج وأبو إسحاق الشيرازي والحسن بن عثمان الزيادى الشيرازي وابن خفيف الشيرازي
وأحمد بن عبد الرحمن الشيرازي والحافظ الشيرازي ومشرف بن مصلح الشيرازي
والاصطخرى الشيرازي وابن ضياء الشيرازي وقطب الدين بن مسعود الشيرازي وغياث الدين
بن منصور الشيرازي وغيرهم كثير .
أصـــفهان
تقع أصفهان في جمهورية إيران الحالية بين طهران وشيراز ويسكنها اليوم نحو مليون نسمة ؛
وهى تٌـعد الأكثر ثراءً في التاريخ والعمارة من بين المدن الإيرانية جميعاً ؛ ويعود تاريخ
أصفهان إلى نحو خمسمائة عام قبل الميلاد عندما قام الملك ساويروس أول ملوك الأكامانيديين
وقد نشأت الإمبراطورية الفارسية الأولى في عهد خلفاء هذا الملك ؛ وكان اليهود الأوائل
الذين تحرروا من الأسر البابلي قد استقروا في أصفهان ؛ وفى عام ( 19هـ / 640م ) فتح
المسلمون أصفهان وشهدت المدينة بعد ذلك فترات من الازدهار ولما ضعفت الخلافة الإسلامية
في نهاية القرن العاشر الميلادي ؛ نشأت في أصفهان سلالات حاكمة محلية نتيجة التجمعات
الأسرية فكان غرب إيران يسيطر عليه الديلميون والذين انقسموا بدورهم إلى البويهيين
والكاكويين ؛ وفى حوالي عام ( 450هـ / 1057م ) أصبحت أصفهان تحت سيطرة السلاجقة
فجاءت فترة من الازدهار شهدتها أصفهان تحت سيطرة السلاجقة فجاءت فترة من الازدهار
شهدتها أصفهان ثم تلتها فترة من الضعف ثم تحولت أصفهان فصارت تحت سيطرة المظفريين
ابتداء من عام ( 754هـ / 1354م ) ثم جاء العهد الصفوى في أواخر القرن السابع عشر
الميلادي ؛ وتميزت أصفهان عبر العصور بكثير من المعالم الحضارية كفن العمارة من إقامة
الجسور والقصور والمساجد والحدائق ؛ كما لعبت أصفهان دوراً مهماً في تاريخ الفكر
الإسلامي والعربي منذ دخولها الإسلام في خلافة عمربن الخطاب رضي الله عنه فكانت مركزاً
من مراكز الحركة العلمية والأدبية في العالم الإسلامي ؛ كما نبغ في أصفهان جماعة كثيرة من
العلماء في كل علم وفن لا سيما الحفاظ ورجال الحديث وممن لمعوا في سماء أصفهان من
أئمة الحديث ابن حيّان الأصفهانى وجمال الدين الجواد الأصفهانى الوزير ؛ وعماد الدين الكاتب
الأصفهانى ومن المفسرين محمد بن بحر الأصفهانى ومن المؤرخين ابن حمزة بن الحسين
الأصفهانى والحسن بن عبد الله الأصفهانى ومحمد بن داود الأصفهانى وأبو الفرج الأصفهانى
من الأدباء واللغويين ومن الفلكيين الخجندى .
استانبــول
مدينة من أعظم مدن تركيا الحالية ويقارب عدد سكانها اليوم أربعة ملايين نسمة وتعتبر من
أكبر الثغور البحرية وموقعها استراتيجي للغاية حيث أنها همزة الوصل بين قارتي آسيا وأوروبا
؛ وكانت استانبول قديماً مدينة صغيرة تسمى ( بيزنطة ) ثم استولى عليها الأمير الروماني
قسطنطين الأول طمعاً في موقعها الجغرافي الممتاز وأعلنها عاصمة له عام 330م ثم عرفت
بعد ذلك باسم القسطنطينية نسبة إلى هذا الإمبراطور؛ وأقام قسطنطين حولها سوراً عظيماً
حصيناً وظلت القسطنطينية 1100عاماً عاصمة للإمبراطورية الرومانية ؛ وفى العصور الأولى
للإسلام كانت هناك محاولات عديدة لفتح هذه المدينة ؛ وهذا الاهتمام من المسلمين بهذه
المدينة رغبة منهم في تحقيق بشارة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال { لتفتحن القسطنطينية
؛ فلنعم الأمير أميرها ؛ ولنعم الجيش ذلك الجيش } ( رواه أحمد) ؛ وكانت أول محاولة لذلك
حصار القسطنطينية عام ( 34هـ/ 654م ) في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله
عنه حيث أرسل معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه على رأس جيش كبير لحصارها وفتحها
غير أنه عاد دون أن يتمكن من ذلك بسبب الأسوار المنيعة التي كانت حول القسطنطينية ؛ ثم
تلتها محاولات أخرى عديدة كان أهمها محاولتين إحداهما كانت في عهد معاوية بن أبى سفيان
رضي الله عنه والتي توفى فيها الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه والذي دٌفن
عند أسوار القسطنطينية ؛ أما المحاولة الأخرى المهمة فكانت في عهد سليمان بن عبد الملك
حيث سير جيشاً مكوناً من مائة وعشرين ألف مقاتل وما يقرب من مائة قطعة بحرية تجاه
القسطنطينية لحصارها ؛ وقد لاقى ذلك الجيش الكثير من العنت والمشقة بسبب البرد فحال ذلك
دون فتحها ؛ ثم توفى الخليفة سليمان بن عبد الملك وتولى الخلافة عمر بن عبد العزيز رحمه
الله فأمر بعودة الجند خوفاً عليهم من الهلاك ؛ وظلت القسطنطينية ممتنعة على الفاتحين حتى
قامت الدولة العثمانية فحاول العثمانيون فتحها فكانت هناك محاولات عديدة من السلاطين
العثمانيين كان أولها تلك المحاولة التي كانت على عهد السلطان بايزيد الأول ؛ ولكن حال دون
نجاحها هجوم للصليبيين على الدولة العثمانية واستغلالهم لتلك الفرصة وكانت مواجهة الخطر
المغولي الذي كان يتقدم لمهاجمة الدولة العثمانية من جهة الشرق ؛ وفى عهد السلطان محمد
الثاني بن مراد الثاني حاول العثمانيون فتح القسطنطينية بجيش مكون من 265 ألف مقاتل
تصحبهم المدفعية الثقيلة ؛ وكان في مقدمة الجيش الشيوخ والعلماء وكبار رجال الدولة
متوجهين إلى القسطنطينية يتقدم الجميع السلطان محمد الثاني ؛ وتحت وابل من النيران
والسهام اقتحم الجنود وعلى بركة الله أسوار المدينة وتدفقت جموعهم إليها كالسيل الجارف
ودخلها السلطان محمد الثاني فاتحاً في يوم الثلاثاء (20 من جمادى الأولى عام 857هـ/29
من مايو 1453م ) وبعدها لقب السلطان من يومها بالفاتح حتى غلب اللقب على اسمه فصار
لا يٌعرف إلا به ؛ ولما دخل المدينة ترجل عن فرسه ؛ وسجد شكراً لله ؛ ثم توجه إلى كنيسة "
آيا صوفيا " وأمر بتحويلها إلى مسجد ؛ ومنذ ذلك التاريخ أصبحت القسطنطينية عاصمة للدولة
العثمانية ومقراً للخلافة ؛ وأطلق عليها السلطان اسم ( إسلام بول ) أي دار الإسلام ؛ ثم
حٌرفت إلى استانبول ؛ وأظهر السلطان محمد الفاتح تسامحاً عالياً في معاملته لسكان المدينة ؛
وأعطى النصارى حريتهم وأمر بعودة اليونانيين الذين غادروا المدينة أثناء الحصار ؛ واستمر
الاهتمام باستانبول التي سرعان ما أصبحت العاصمة الجديدة والمركز الحضاري والفكري
الأول في العالم الإسلامي وذلك بفضل تسابق السلاطين العثمانين على تعميرها ؛ وجلب أمهر
الصناع والفنيين إليها من مختلف أنحاء البلاد ؛ وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب
العالمية الأولى قام الحلفاء باحتلال استانبول في الفترة من عام ( 1337هـ/1913م) إلى عام
(1341هـ/1922م ) ثم قام أتاتورك بنقل العاصمة من استانبول إلى أنقره بعد أن ظلت
استانبول عاصمة الخلافة العثمانية خمسة قرون من الزمان
غرناطة
تقع مدينة غرناطة جنوب مدينة " مدريد " عاصمة أسبانيا الحالية ؛ ومناخ غرناطة غاية في
اللطف والجمال ومنه اشتق اسمها حيث تعنى كلمة غرناطة " رمنته " الحسن والجمال ؛ وتطل
غرناطة على البحر المتوسط من الجنوب وعلى نهر شنيل كذلك ؛ وهى تعلو قُرابة 669 متراً
فوق سطح البحر وهذا سر جمال مناخها ؛ ولما دخلها المسلمون بعد الفتح الإسلامي للأندلس
تم تأسيسها في موضع مدينة رومانية صغيرة تعرف باسم " أليبيري " ثم أصبحت عاصمة فيما
بعد لبنى الأحمر ؛ كانت غرناطة مركزاً إسلامياً علمياً كبيراً؛ وتعتبر واحدة من حلقات الحضارة
الإسلامية في الأندلس مع المدن الأخرى مثل قرطبة وبلنسية ومجريط وأشبيلية وطليطلة
وغيرها ؛ كما كانت غرناطة قبلة الأنصار للطلاب الذين يفيدون من الأقطار المجاورة سواء
الإسلامية وغير الإسلامية فعرف فيها المدرسة اليوسفية والمدرسة النصرية ؛ وقد بدأت
النهضة العلمية في الأندلس مع الفلكي الرياضي أبى القاسم المجريطى عام ( 398هـ -
1008م ) الذي أنشأ مدرسة رياضية معروفة ؛ ولما استقر بنو الأحمر في غرناطة وفى
الشمال الشرقي منها عند موقع الحمراء في مكان مرتفع فوضعوا أساس " قصبة الحمراء "
أو قصر الحمراء ؛ وكانت الحمراء قلعة متواضعة حتى تولى باديس بن حبوس مٌلك غرناطة
المنيع ؛ ويرجع سبب تسمية قصر الحمراء بهذا الاسم لأن لون حجارتها حمراء ؛ ومما يميز
غرناطة كذلك مساجدها حيث يٌعد مسجد غرناطة الجامع من أبدع الجوامع وأحسنها منظراً
واشتهر استخدام الرخام في مساجدها وكذلك البيمارستانات مثل بيمارستان غرناطة أو
بيمارستان المدينة ؛ واشتهر في غرناطة جماعة من العلماء ونبغ فيها عدد منهم في جميع
أنواع المعرفة فمن أشهر علمائها الإمام الشاطبى ولسان الدين الخطيب والسرقسطى وابن
زمرك ومحمد بن الرقاح وأبو يحيى بن رضوان وأبو عبد الله الفحام وابن السراح ويحيى بن
هزيل التجيبى والشقورى وابن زهر ومن النساء حفصة بنت الحاج وحمدونه بنت زياد واختها
زينب .
قــٌــــــــرطٌبة
مدينة قرطبة مدينة أندلسية تقع في الغرب الأسباني ؛ وتمتد على الضفة اليمنى لنهر الوادي
الكبير وهى مدينة إِيبيرية قديمة البناء كان اسمها { إِيبيرى بحت } وترجم باللغة العربية إلى
قرطبة ؛ ولقد تأسست قرطبة في العصر الروماني عام ( 152ق.م ) على نهر الوادي الكبير
وذاعت شهرتها منذ الصراع بين قرطا جنة وروما ؛ واستولى عليها لوثيو الروماني فاتخذها
الرومان عاصمة لأسبانيا السفلى عام ( 169 ق. م ) ومن هذا التاريخ دخلت قرطبة في سلك
الإمبراطورية الرومانية ؛ وفى القرن الأول الميلادي استطاع قائد الإمبراطور يوليوس قيصر
أن يستولى عليها عام ( 45 م ) بعد موقعة { مندا } وبعد فترة أصبحت قرطبة واحدة من أربعة
مراكز قضائية في أسبانيا الجنوبية بجانب قادس وإشبيلية وإستجة ؛ وعندما غزا الفندال
والسواف شبه جزيرة إيبيريا عام ( 409 م ) ظلت قرطبة خاضعة للبيزنطيين حتى نجح ملك
القوط الغربيين في الاستيلاء عليها عام ( 568 م ) ؛ ثم دخل الإسلام قرطبة عام ( 93هـ /
711م ) بقيادة طارق بن زياد الذي كان يقود جيوش المسلمين لفتح الأندلس وكان فتح قرطبة
ميسوراً حيث أرسل طارق بن زياد قائده مغيث الرومي إلى قرطبة في سبعمائة فارس ؛ فأقبلوا
نحو المدينة ليلاً ونجحوا في دخول أسوار المدينة وفتح أبوابها لجيوش المسلمين ففتحت قرطبة
وأصبحت حاضرة أسبانيا الإسلامية ؛ واستقر ولاة الأندلس بها قرابة ثلاثة قرون حتى سقطت
الخلافة في الأندلس ؛ وكان السمح بن مالك الخولانى هو الذي عمرها ورفعها إلى مصاف
الحواضر الكبرى ؛ ثم جعل عبد الرحمن الداخل من قرطبة مركزاً للعلم والثقافة والفنون
والآداب في أوروبا كلها وقام بدعوة الفقهاء والعلماء والفلاسفة والشعراء إليها ؛ وقد وصلت
قرطبة في عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر وابنه الحاكم من بعده مستوى من الرخاء والثراء
لم تبلغه من قبل فنافست آنذاك بغداد عاصمة العباسين والقسطنطينية عاصمة البيزنطيين
والقاهرة عاصمة الفاطميين ووصل سفراء البلاط القرطبى بلاد بعيدة جداً كالهند والصين
وتقاطر عليها مبعوثون ومندوبون عن أباطرة البيزنطيين وألمانيا وملوك كل من فرنسا وإيطاليا
والمماليك الأخرى في أوروبا وشمال أسبانيا وزعماء البربر ورؤساء القبائل الأفريقية ؛ وظلت
قرطبة تنعم بهذا التفوق على سائر مدن أسبانيا زمناً إلى أن سقطت الخلافة الأموية عام ( 404
هـ / 1013م ) ؛ وكانت جامعة قرطبة التي أسسها عبد الرحمن الثالث بجوار الجامع الكبير من
أشهر المؤسسات الثقافية في العالم المتحضر ولقد وصلت الحركة العلمية في قرطبة ذروتها
في زمن الحكم المستنصر الذي كان ملماً بكثير من فروع العلم والمعرفة حتى لقب بالخليفة
العالم ؛ واشتهر في قرطبة كثير من العلماء المسلمين في شتى مجالات المعرفة مثل ابن حزم
والقرطبى وابن رشد والزهراوى وابن وافد وابن جلجل والغافقى والإدريسى والعباس بن
فرناس وغيرهم .
سمـرقـند
تعتبر سمرقند من أقدم بلاد العالم فهي تقع في جمهورية أوزبكستان ؛ وكلمة " قند " إيرانية
تعنى مدينة ولم تٌفسر كلمة " سمر " للآن تفسيراً مقنعاً ؛ وكانت سمرقند عاصمة بلاد ما
وراء النهر لمدة خمسة قرون منذ عهد السامانيين إلى عهد التيموريين كما كانت سمرقند
وبخاري أهم حاضرتين فيما وراء النهر ؛ وعرف موقع سمرقند بأنه جنة بحق ومناخها قاري
كالمناخ السائد في آسيا الوسطي ؛ وعدد سكانها حوالي نصف مليون نسمه ؛ كما تعتبر سمرقند
الآن من أهم المدن نشاطاً في أوزبكستان في مجال الزراعة والتجارة والصناعة ؛ ودٌمرت
سمرقند عبر تاريخها ثلاث مرات أولها كان عام ( 329ق.م ) على يد الإسكندر وكان اسمها
وقتداك " مرقندا " وثانيها في عهد جنكيز خان عام ( 617هـ / 1220 م ) وثالثها كان على
أيدي الأوزبك في منتصف القرن التاسع الهجري – الخامس عشر الميلادي – وكانت قبائل
الأوزبك وقتداك لم تعتنق الإسلام بعد ؛ وبدأ الفتح الإسلامي لمناطق ما وراء النهر " نهر
جيحون " منذ عام ( 46هـ ) ثم عٌين قتيبة بن مسلم والياً على خٌـراسان وكان حاكم سمرقند
يسمى طرخون ؛ وفى عام ( 91هـ / 709م ) تصالح طرخون مع قتيبة بن مسلم على أن يؤدى
الجزية للمسلمين ويقدم لهم الرهائن غير أن ذلك أغضب رعاياه فخلعوه وعٌين إخشيد غورك
مكانه ولكن قتيبة بن مسلم أجبره على التسليم في عام ( 93هـ / 712 م ) بعد أن حاصر
سمرقند وقتاً طويلاً ؛ وظلت سمرقند وبخاري قاعدة للفتوح الإسلامية الاخرى ونشر الإسلام في
البلاد ؛ ومرت سمرقند بفترات من الضعف بعد ذلك بعد أن تقدم الإسلام منها إلى الصين والهند
وروسيا ذاتها حتى إن الاراضى الروسية ظلت خاضعة للسيطرة ثلاثة قرون وكان دوق موسكو
يدفع الجزية سنوياً لأمير بخاري ولكن قياصرة روسيا سرعان ما استردوا هذه المناطق
الإسلامية وسقط أول حصن إسلامي وهو حصن " آق مسجد " في بلاد ما وراء النهر بيد
الروس عام ( 1852م ) وبينما كانت الدولة العثمانية في منتصف القرن السادس عشر تهدد
أوروبا وتزحف إلى أفريقيا وآسيا كانت روسيا القيصرية تهاجم سمرقند وغيرها من تلك البلاد
الإسلامية وحين قام النظام الشيوعي عام ( 1342هـ / 1923م ) في روسيا صارت سمرقند
ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق حتى إنهياره عام ( 1412هـ / 1991م ) فصارت
سمرقند إحدى مدن جمهورية أوزبكستان بعد الاستقلال ؛ ومن أشهر ما يميز سمرقند من
الصناعات القديمة صناعة الورق والمنسوجات والسجاد ؛ كما تميزت سمرقند على مر العصور
بالعديد من المدارس التي تدل على مدى اهتمام أهلها بالعلم ؛ كما اشتهر في سمرقند جماعة
من العلماء منهم محمد بن عدى السمرقندى وأبو منصور الماتريدى وأبو الحسن الميداني
ومنهم أحمد بن عمر أبوبكر السمرقندى ومحمد بن مسعود السمرقندى صاحب التفسير
المعروف بتفسير العياشى وعلاء الدين السمرقندى ونجيب الدين السمرقندى وشمس الدين
السمرقندى وأبو القاسم الليثى السمرقندى وقاضى زاده الرومي ؛ كما يوجد بسمرقند قبر الإمام
البخارى رحمه الله صاحب أصح كتاب من كتب الحديث .
بـٌـخارى
تقع بخارى في غرب جمهورية أوزبكستان الحالية واسم بخارى يقال أنه أٌشتٌق من كلمة "
بخار " المغولية ومعناها العلم الكثير وذلك لكثرة العلماء بها ؛ وبخارى قديمة من قبل الميلاد
فقد وجدت في عهد الدولة الأكمينية الإيرانية ( 553- 330ق.م ) ثم استولى عليها الإسكندر
الأكبر ثم بعد ذلك صارت بخارى تابعة لدولة الباختريين ثم استولى عليها الترك بعد القرن
السادس الميلادي ثم تلاهم الصينيون في القرن السابع الميلادي وظلت بخارى تابعة للصينيين
إلى عهد الخليفة الاموى الوليد بن عبد الملك ( 68-96هـ / 705-715م ) عندما أمر الحجاج
بن يوسف الثقفي وزير الخليفة قائده قتيبة بن مسلم الباهلى بفتح بلاد ما وراء النهر فسار إليها
وتمكن من فتح بخارى سنة ( 90هـ / 709 ) فعمل قتيبة بن مسلم على توطيد أقدم المسلمين
بها وبنى بها مسجداً ودعا أهلها إلى الإسلام ومنذ ذلك الحين أصبحت بخارى تابعة للخلافة
الإسلامية ؛ وبعد الفتح الإسلامي لبخارى ذاع صيت كثير من العلماء فيها والأدباء والفضلاء
وكثرت في بخارى الآثار العلمية والعمرانية والفنية إلى أن استولى عليها السلاجقة فأسهموا
في جعل بخارى أكثر اتساعاً وأزهى حضارة وأغزر ثقافة وعلماً وفناً ؛ ثم استولى عليها جنكيز
خان سنة ( 616هـ / 1219م ) فخربها وهدم كثيراً من صروحها الحضارية وأحرق مكتبتها ثم
استولى عليها تيمورلنك سنة ( 785هـ / 1383م ) وظلت على حالها حتى أعاد حكام الأوزبك
بناءها وجعلوها عاصمة لدولتهم سنة ( 911هـ/ 1505م ) ثم استولى عليها الإيرانيون وظلت
تحت حكمهم حتى استولى عليها الروس سنة ( 1336هـ / 1918م ) وحين قام النظام
الشيوعي سنة ( 1342هـ / 1923م ) في روسيا صارت ضمن جمهوريات الإتحاد السوفيتي
السابق حتى انهياره سنة ( 1412هـ / 1991م ) فصارت إحدى مدن جمهورية أوزبكستان
المستقلة ؛ وينتسب إلى بخارى كثير من العلماء والفقهاء والمحدثين على رأسهم جميعاً الإمام
محمد بن إسماعيل البخارى صاحب كتاب الجامع الصحيح المعروف بصحيح البخارى أصح
كتاب بعد كتاب الله تعالى ومنهم أيضاً ابن سينا الحكيم البخارى الفيلسوف والطبيب وأبو حفص
عمر بن منصور البخاري المعروف بالبزار والحافظ أبوزكريا عبد الرحيم بن نصر البخارى
وأبو العباس المقدسى الحنبلي كما ينتسب إليها كثير من الأدباء والشعراء المعروفين مثل
الرودكى وفاضل البخارى وعمعق البخارى والخجندى ولطف الله النيسابورى واحمد الكرامانى
وغيرهم ؛ كما تشتهر بخارى بإنتاج الفاكهة وبخاصة البرقوق البخارى المعروف الذي ترجع
شهرته إلى أكثر من ألف عام ؛ كما عرفت بخارى بأنها سوق رئيسي تلتقي فيه تجارة الصين
وآسيا الغربية ؛ كما تشتهر بإنتاجها للحرير والقطن وصناعة السجاد والمصنوعات الفضية
والذهبية ومناجم النحاس فيها ؛ كما أن لها تراثاً معمارياً عظيماً.
شـــيراز
تقع شيراز الآن في دولة إيران الحالية جنوب طهران بحوالى 935 كم وسميت شيراز بهذا
الاسم نسبة إلى شيراز بن طهمورث وهى مدينة تقع في سهل خصب مترامي الأطراف جنوب
أصفهان يكسوه العشب وتحتضنه تلال قائمة يكاد يخفى هذا الوادي عن الانظار الحدائق العامرة
بأشجار السرو الداكنة وفيها تتنافس الورود وأشجار الأرجوان الكثيفة مع جموع الزهور ؛
وتعتبر شيراز من ألطف مدن إيران مناخاً واعتدالاً وطيب هواء وكثرة جنائن ودور وعمارة
وغلال وفواكه وخضار وكروم وورود وعيون ويزيد عدد سكانها على نصف مليون نسمة ؛
وشيراز مدينة إسلامية قديمة كانت قصبة بلاد فارس وهى من المدن التي استجدت عمارتها
واختطاطها في الإسلام وأول من تولى عمارتها محمد بن القاسم بن أبى عقيل الثقفى ابن عم
الحجاج بن يوسف الثقفى ؛ وبعد الفتح الاسلامى ظلت شيراز المركز العسكري والإداري لإقليم
فارس منذ عام ( 650 م ) ؛ وقد غزاها أبو موسى الأشعري وعثمان بن أبى العاص رضي الله
عنهما في أواخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ وفى القرون الأولى للإسلام كان لا
يزال فيها هيكلان من هياكل النار التي كان يعبدها الفرس قبل الإسلام ؛ يسمى أحدهما كارنبان
والأخر هرمز ؛ وفى زمن خلافة عمر بن عبد العزيز أظهر رغبة شديدة في توسيع المؤسسات
الخيرية كما بنى كثيراً من المساجد ؛ وتعرضت شيراز فيما بعد لاضظرابات وحروب وتعكر
صفوها لاسيما عندما دخلها تيمورلنك فتحول إقليم فارس كله إلى مقاطعة مهملة في
الإمبراطورية التيمورية ؛ وفى عام ( 1668م ) هطلت الأمطار بغزارة ووافق ذلك وقت ذوبان
الثلوج على الجبال مما سبب فيضاناً عارماً تضررت منه شيراز ضرراً شديداً ؛ فقد تبعه وباء
جعل المدينة في حالة سيئة ؛ وفى عام ( 1137هـ / 1725م ) دخلها الأفغانيــون ثم طردهم
الصّـفويون عنها فيما بعد ؛ ثم أصبحت شيراز عاصمة بلاد فارس في عهد كريم خان زند ؛ وعند
موته عام ( 1193هـ / 1779م ) كانت المدينة قد استعادت كثيراً من مجدها السابق وبعد 15
عاماً تولى الحكم أغا محمد شاه مؤسس العائلة القاجارية أعداء بنى زند ؛ واتخذ طهران
عاصمة له بدلاً من شيراز ؛ حفلت شيراز بمجموعة من المعالم الحضارية كالمساجد الفخمة
والبيمارستانات والحدائق والقصور والقناطر ؛ كما عرفت ببعض الصناعات التقليدية كصناعة
السجاد الذي يعد من أجود أنواع السجاد في العالم ؛ ولشيراز مكانة علمية وثقافية وينسب إليها
جماعة من أهل العلم والفضل وألادب والشعر والفقه والرياسة ؛ منهم القاضي أبو العباس ابن
سريج وأبو إسحاق الشيرازي والحسن بن عثمان الزيادى الشيرازي وابن خفيف الشيرازي
وأحمد بن عبد الرحمن الشيرازي والحافظ الشيرازي ومشرف بن مصلح الشيرازي
والاصطخرى الشيرازي وابن ضياء الشيرازي وقطب الدين بن مسعود الشيرازي وغياث الدين
بن منصور الشيرازي وغيرهم كثير .
أصـــفهان
تقع أصفهان في جمهورية إيران الحالية بين طهران وشيراز ويسكنها اليوم نحو مليون نسمة ؛
وهى تٌـعد الأكثر ثراءً في التاريخ والعمارة من بين المدن الإيرانية جميعاً ؛ ويعود تاريخ
أصفهان إلى نحو خمسمائة عام قبل الميلاد عندما قام الملك ساويروس أول ملوك الأكامانيديين
وقد نشأت الإمبراطورية الفارسية الأولى في عهد خلفاء هذا الملك ؛ وكان اليهود الأوائل
الذين تحرروا من الأسر البابلي قد استقروا في أصفهان ؛ وفى عام ( 19هـ / 640م ) فتح
المسلمون أصفهان وشهدت المدينة بعد ذلك فترات من الازدهار ولما ضعفت الخلافة الإسلامية
في نهاية القرن العاشر الميلادي ؛ نشأت في أصفهان سلالات حاكمة محلية نتيجة التجمعات
الأسرية فكان غرب إيران يسيطر عليه الديلميون والذين انقسموا بدورهم إلى البويهيين
والكاكويين ؛ وفى حوالي عام ( 450هـ / 1057م ) أصبحت أصفهان تحت سيطرة السلاجقة
فجاءت فترة من الازدهار شهدتها أصفهان تحت سيطرة السلاجقة فجاءت فترة من الازدهار
شهدتها أصفهان ثم تلتها فترة من الضعف ثم تحولت أصفهان فصارت تحت سيطرة المظفريين
ابتداء من عام ( 754هـ / 1354م ) ثم جاء العهد الصفوى في أواخر القرن السابع عشر
الميلادي ؛ وتميزت أصفهان عبر العصور بكثير من المعالم الحضارية كفن العمارة من إقامة
الجسور والقصور والمساجد والحدائق ؛ كما لعبت أصفهان دوراً مهماً في تاريخ الفكر
الإسلامي والعربي منذ دخولها الإسلام في خلافة عمربن الخطاب رضي الله عنه فكانت مركزاً
من مراكز الحركة العلمية والأدبية في العالم الإسلامي ؛ كما نبغ في أصفهان جماعة كثيرة من
العلماء في كل علم وفن لا سيما الحفاظ ورجال الحديث وممن لمعوا في سماء أصفهان من
أئمة الحديث ابن حيّان الأصفهانى وجمال الدين الجواد الأصفهانى الوزير ؛ وعماد الدين الكاتب
الأصفهانى ومن المفسرين محمد بن بحر الأصفهانى ومن المؤرخين ابن حمزة بن الحسين
الأصفهانى والحسن بن عبد الله الأصفهانى ومحمد بن داود الأصفهانى وأبو الفرج الأصفهانى
من الأدباء واللغويين ومن الفلكيين الخجندى .
استانبــول
مدينة من أعظم مدن تركيا الحالية ويقارب عدد سكانها اليوم أربعة ملايين نسمة وتعتبر من
أكبر الثغور البحرية وموقعها استراتيجي للغاية حيث أنها همزة الوصل بين قارتي آسيا وأوروبا
؛ وكانت استانبول قديماً مدينة صغيرة تسمى ( بيزنطة ) ثم استولى عليها الأمير الروماني
قسطنطين الأول طمعاً في موقعها الجغرافي الممتاز وأعلنها عاصمة له عام 330م ثم عرفت
بعد ذلك باسم القسطنطينية نسبة إلى هذا الإمبراطور؛ وأقام قسطنطين حولها سوراً عظيماً
حصيناً وظلت القسطنطينية 1100عاماً عاصمة للإمبراطورية الرومانية ؛ وفى العصور الأولى
للإسلام كانت هناك محاولات عديدة لفتح هذه المدينة ؛ وهذا الاهتمام من المسلمين بهذه
المدينة رغبة منهم في تحقيق بشارة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال { لتفتحن القسطنطينية
؛ فلنعم الأمير أميرها ؛ ولنعم الجيش ذلك الجيش } ( رواه أحمد) ؛ وكانت أول محاولة لذلك
حصار القسطنطينية عام ( 34هـ/ 654م ) في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله
عنه حيث أرسل معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه على رأس جيش كبير لحصارها وفتحها
غير أنه عاد دون أن يتمكن من ذلك بسبب الأسوار المنيعة التي كانت حول القسطنطينية ؛ ثم
تلتها محاولات أخرى عديدة كان أهمها محاولتين إحداهما كانت في عهد معاوية بن أبى سفيان
رضي الله عنه والتي توفى فيها الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه والذي دٌفن
عند أسوار القسطنطينية ؛ أما المحاولة الأخرى المهمة فكانت في عهد سليمان بن عبد الملك
حيث سير جيشاً مكوناً من مائة وعشرين ألف مقاتل وما يقرب من مائة قطعة بحرية تجاه
القسطنطينية لحصارها ؛ وقد لاقى ذلك الجيش الكثير من العنت والمشقة بسبب البرد فحال ذلك
دون فتحها ؛ ثم توفى الخليفة سليمان بن عبد الملك وتولى الخلافة عمر بن عبد العزيز رحمه
الله فأمر بعودة الجند خوفاً عليهم من الهلاك ؛ وظلت القسطنطينية ممتنعة على الفاتحين حتى
قامت الدولة العثمانية فحاول العثمانيون فتحها فكانت هناك محاولات عديدة من السلاطين
العثمانيين كان أولها تلك المحاولة التي كانت على عهد السلطان بايزيد الأول ؛ ولكن حال دون
نجاحها هجوم للصليبيين على الدولة العثمانية واستغلالهم لتلك الفرصة وكانت مواجهة الخطر
المغولي الذي كان يتقدم لمهاجمة الدولة العثمانية من جهة الشرق ؛ وفى عهد السلطان محمد
الثاني بن مراد الثاني حاول العثمانيون فتح القسطنطينية بجيش مكون من 265 ألف مقاتل
تصحبهم المدفعية الثقيلة ؛ وكان في مقدمة الجيش الشيوخ والعلماء وكبار رجال الدولة
متوجهين إلى القسطنطينية يتقدم الجميع السلطان محمد الثاني ؛ وتحت وابل من النيران
والسهام اقتحم الجنود وعلى بركة الله أسوار المدينة وتدفقت جموعهم إليها كالسيل الجارف
ودخلها السلطان محمد الثاني فاتحاً في يوم الثلاثاء (20 من جمادى الأولى عام 857هـ/29
من مايو 1453م ) وبعدها لقب السلطان من يومها بالفاتح حتى غلب اللقب على اسمه فصار
لا يٌعرف إلا به ؛ ولما دخل المدينة ترجل عن فرسه ؛ وسجد شكراً لله ؛ ثم توجه إلى كنيسة "
آيا صوفيا " وأمر بتحويلها إلى مسجد ؛ ومنذ ذلك التاريخ أصبحت القسطنطينية عاصمة للدولة
العثمانية ومقراً للخلافة ؛ وأطلق عليها السلطان اسم ( إسلام بول ) أي دار الإسلام ؛ ثم
حٌرفت إلى استانبول ؛ وأظهر السلطان محمد الفاتح تسامحاً عالياً في معاملته لسكان المدينة ؛
وأعطى النصارى حريتهم وأمر بعودة اليونانيين الذين غادروا المدينة أثناء الحصار ؛ واستمر
الاهتمام باستانبول التي سرعان ما أصبحت العاصمة الجديدة والمركز الحضاري والفكري
الأول في العالم الإسلامي وذلك بفضل تسابق السلاطين العثمانين على تعميرها ؛ وجلب أمهر
الصناع والفنيين إليها من مختلف أنحاء البلاد ؛ وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب
العالمية الأولى قام الحلفاء باحتلال استانبول في الفترة من عام ( 1337هـ/1913م) إلى عام
(1341هـ/1922م ) ثم قام أتاتورك بنقل العاصمة من استانبول إلى أنقره بعد أن ظلت
استانبول عاصمة الخلافة العثمانية خمسة قرون من الزمان