منتديات التاريخ المنسي
<div style="text-align: center;"><img src="https://i.servimg.com/u/f27/11/57/48/93/m0dy_n10.gif"><br></div>


منتديات التاريخ المنسي
<div style="text-align: center;"><img src="https://i.servimg.com/u/f27/11/57/48/93/m0dy_n10.gif"><br></div>

منتديات التاريخ المنسي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات التاريخ المنسيدخول

التاريخ المنسي


رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد
4 مشترك

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
المقدمة:



بين
أسراب زهور ذات لون ذهبي......ولد حب ربط بين إنسانين.....ربط روحيهما مع
نفحة من رحيق تلك الأزهار وخلد أسميهما.......بين ثنايا التاريخ قصة لقلوب
غزاها الغرام فلم يهزم ولم يطويه الموت في ظلاله.....

وجاء الشتاء ليرسل رياحه العاتية لتطيح بما تلاقيه ......رياح القدر المليئة بلعنات قلوب حاقدة لتطير أوراق الزهور الذهبية ....
لكن
إذا كان الحب هو الذي يربط إنسانا وآخر إذا فلطالما كان الإنسان حيا لا
يستطيع أن يتوقف عن الحب بل يزداد حبه كل صباح حتى يأتي اليوم الذي يموت
فيه

إذا
كان الحب يعني أن ترتبط روحا اثنان حتى لو فرقهما الموت وأصبح كل في
عالم.....يبقى الحب حتى وإن ذهب المحبان....فالحب إذن هو إكسير الحياة.....

وهنا
قصة قلبين أزهر حبهما بين أسراب الزهور الذبية التي نبتت مع حبهما وهو
ينمو ويزدهر الى أن أصبح قوة تقف في وجه رياح الشتاء المظلم وبقيت تلك
الأزهار شاهد على حبهما


.......الزهور الذهبية....





||| الشخصيات |||




قصر (كازابيانكا) :

تعيش فيه اسرة (فان دييجو) ......


أسرة (فان دييجو) :


1- (فرناندو) : هو رئيس الأسرة والرجل الأكثر نفوذا في المنطقة وهو والد (الفريدو) و (سيسل)

2- (الفريدو) : الأبن الأكبر للسيد (فرناندو) وهو المسئول عن إدارة أملاك الأسرة كما أنه الوريث الشرعي (لفان دييجو)

3- (سيسل) : أخت (الفريدو) وابنة (فرناندو)


4- (آنا) : الأم الراحلة لكل من (الفريدو) و (سيسل) وزوجة (فرناندو)

5- السيدة (سوزي) : هى المربية الأساسية (لالفريدو) التي عاشت معه منذ ولد وعاشت مع السيدة (آنا) طويلا وتعتبر (الفريدو) كابن لها....


6- (لوسيانو) : هو كبير الخدم والمتحدث الرسمي باسم السيد (فرناندو) ...


7- (أنجليتا خوسيه) :هي بطلة القصة وهي من أصل كولومبي مدربة ماهرة للخيولالأصيلة وامرأة ذات جمال أخاذ نادر , رقيقة تتمنى السعادة وتحب والدها بشدة....

8- (خوسيه) :هو السائس الخاص بأسرة (فان دييجو) والمسئول عن الإسطبلات ومدرب الخيول وهو والد (أنجليتا)


قصر (روزانيرا) :

تعيش فيه عائلة (فلاديمير)

عائلة (فلاديمير) :


1- السيدة (ساندرا) :هي رئيسة الأسرة وهي أرملة لصديق قديم وعزيز للسيد (فرناندو)

2- (فلوريا) :هي البنة الوحيدة للأسرة الصديقة الوحيدة (لسيسل) وصديقة (الفريدو) منذ الصغر

3- (روبرتو) :هو أحد أقرباء الأسرة من بعيد أبواه يعيشان في أمريكا وهو لا يعتبر ثريافثراءه الوحيد هو علمه...


قصر (لوتشى أورو) :

تعيش فيه أسرة (ديميتريوس)

عائلة (ديميتريوس) :


1- (اندريه) :هو رئيس الأسرة على الرغم من صغر سنه وهو الصديق الحميم (لالفريدو)

2- (جابريلا) :هي والدة (اندريه) التي تؤمن بابنها وبذكاءه وتترك له أعمال الأسرة جميعا.

قرية أسترا : هي القرية المجاوري لأراضي القصور الثلاثة وتعيش فيها (نيلا) صديقة (أنجليتا) الحميمة







الفصل الأول



[[ القصور الثلاثة [[





إيطاليا – ميلانو – عام 1870 م



مع
نسمات إبريل الهادئة حيث الشمس ترسل أشعة كخيوط ذهبية تصل السماء بالأرض
...... إنطلقت عربة مكشوفة يجرها جوادان , عربة ذات اطار خشبي مطلي باللون
الأحمر حيث طلي كرسي السائق بنفس اللون وكان اللون في تعاكس صارخ مع لون
الخشب البني القاتم وهناك جلس بعض الفلاحون الإيطاليون الذاهبون في اتجاة
قرية (أسترا) الواقعة خلف التلة الخضراء من الجهة الغربية ومنهم من جلب معه
بعض أزواج من البط البري التي كانت تصدر صوتا عاليا يعيق نوم رجل عجوز في
مقدمة العربة , كان يسند رأسه على القش الأصفر اليابس الموضوع في هذا
المكان والذي كان رطبا بعض الشئ ....كان واضحا أن الرجل العجوز ليس من
إيطاليا على الإطلاق فلقد كان كولومبي الأصل ذو بشرة داكنة مائلة للحمرة
وشعره أسود كثيف تتخلله بعض الشعيرات البيضاء في مقدمة رأسه , كان يحاول
عبثا أن ينام لعله لايشعر بطول الرحلة الى قصر مخدومه فلقد أتى مع ابنته من
بلاد بعيدة نسبيا لأن السيد (فان دييجو) قال أنه سيدفع له راتبا لابأس به
وكان يحمل معه ابنته البالغة من العمر أربع وعشرون عاما والتي كانت تجلس
الى جانبه تتبادل حديثا طويلا مع الفلاحة التي تجاورها , كانت ابنته رائعة
الجمال يكاد يجزم أنها أروع امرأة كولومبية عرفها فلقد ورثت الجمال عن امها
, هكذا حدث نفسه بافتخار.....وعلم أن طبعها الفضولي لابد وأن يضغي عليها
فتناهى الى مسامعه اطراف من حديثها مع تلك الفلاحة التي لم تلاحظ اختلاف
لهجتها فلقد كانا يتحدثان الإيطالية بطلاقة وهذا لأنهم خدموا من قبل في وقت
نشأة ابنته (أنجيليتا) في بيت ايطالي فتربت (أنجيليتا) تعرف اللغتين
وتتقنهما اتقانا تاما وسمعها تسأل الفلاحة :


"إذن فقرية (استرا) هي القرية الوحيدة في هذة المنطقة المتطرفة من شرق ميلانو!! ولكن ماذا عن عائلة (فان دييجو) هل سمعت عنها ؟!..."


"أجل إنهم أصحاب قصر (كازابيانكا) الموجود في الجهة الشرقية من التلة لقد اقتربت العربة منه كثيرا "


"أهو القصر الوحيد هنا في هذا المكان ؟!.."



"بل
يجاوره قصران لعائلتي (فلاديمير) وعائلة (ديميتريوس) حيث يقع قصر عائلة
(فلاديمير) والذي يسمى (روزانيرا) في الجهة الغربية من (كازابيانكا) وهما
قريبان من بعضهما في حين يبعد قصر عائلة (ديميتريوس) والذي يسمى
(لوتشيأورو) قليلا عن أراضي القصرين بحوالي أربعة أميال ولكن هذا لايمنع
الصلة الوثيقة بين الثلاث اسرات كما أن كثير من عائلات خدم القصور الثلاثة
يعيشون في قرية (أسترا) والحق يقال أن قصر (كازابيانكا) هو أجملهم كما أن
السيد (فرناندو فان دييجو) رئيس الأسرة صاحب أكبر نفوذ هنا وهو الأغنى أيضا
والأكثر رفعة في المكانة ولكنه ازداد قسوة بعد موت زوجته (آنا)....لقد
كانت امرأة طيبة للغاية تساعد المحتاجين كما كانت فاتنة الجمال وذات عينان
لازورديتان فاتنتان وعلى الرغم انها انجبت ابن وابنة إلا أن ابنتها لم ترث
شيئا من جمالها بل لا أعتقد أنها تشبهها البتة أوهكذا يقال...بينما ورث
ابنها الأكبر كل ما لها....عيناها,ملامح وجهها,شعرها الكستنائي وطيبة قلبها
مما جعله هدفا لكل الفتيات النبيلات في المنطقة وخارق المنطقة.....وأظن أن
السيدة (ساندرا فلاديمير) الأرملة تريد تزويجه من ابنتها (ڤلوريا) الوحيدة
لتضمن لأبنتها معيشة هانئة ماتبقى من حياتها......كم أتوق الى حفل زفافهما
لابد وأن يكون أجمل حفل عرفه التاريخ...."



فابتسم
(خوسيه) الكولومبي العجوز وأكمل نومه وبعد ذلك بساعة ونصف كانا قد نزلا من
العربة وودعت ابنته (أنجيليتا) الفلاحة واعدة إياها بزيارة في القرية في
وقت قريب وتقدم الكولمبيان (خوسيه) وابنته الي أعتاب أراضي قصر
(كازابيانكا) ...كانت حديقته جميلة ذات طرقات متفرعة ممتلئة بالأزهار
ومجهزة لأستعمال الخيول وكان الخدم في كل مكان معظمهم ايطاليين وماإن وصلوا
الي النافورة التي تسبق بوابة القصر الرئيسية والتي كانت من الرخام
المتعدد الألوان والتي يتوسطها تمثال رائع لعاشق نبيل يقبل عروس بحر خارجة
من مياة النافورة بشكل رومانسي جميل وكان القصر مليئ بالحجرات وتوجد الى
جانبه بيوت ذات طابق واحد أوطابقين للخدم ومايتعلق بهم وملحق بهم مبنى كبير
للإسطبلات التي تحوي العديد من الخيول الأصيلة المتنوعة والتي ستكون مهمة
(خوسيه) وابنته..... قادهم رئيس الخدم الى الغرفة الخاصة بصاحب القصر
لعائلة (فان دييجو) السيد (فرناندو) .....عندما نهض (فرناندو) من كرسيه
تقدم بخطوات ثابتة متعالية نحو خادمه الجديد (خوسيه) وعامله بتكبر واضح
ذاكرا ماهي مهمته في الإعتناء بالخيول الأصيلة وتزويجها للحصول على سلالة
متميزة فهو يحضر افضل الخيول من مختلف أنحاء العالم كما أحضر حصانا جديدا
غير مروض لأبنه الأكبر الذي ناداه (ألفريدو) وطلب من (خوسيه) أن يروضه فقال
العجوزبلهجة ودودة :


"لقد دب الشيب في رأسي ياسيدي ولم أعد أفعل ذلك لكني واثق أن ابنتي الوحيدة (أنجيليتا) ستتولى هذة المهمة عن طيب خاطر....."

وهنا
نقل (فرناندو) عيناه ببرود تجاة الفتاة الفاتنة التي تقف الى جانب أبيها
فابتسمت له وحيته بخجل فلم يرد لها تحيتها بل قال بصوت قاسي :



"لا يهمني من الذي سيفعل , المهم أن تنفذ ما أقوله لك والآن سيريك (لوسيانو) مكان اقامتك"


وكان
(لوسيانو) هو رئيس الخدم في (كازابيانكا) كما كان ذات سلطة قوية فلقد كان
يتولى كل أمور السيد والمتحدث الرسمي بأسمه والذي يحل محله في بعض الحالات
الخاصة وكان جميع الخدم يهابونه ويعملون له ألف حساب وحمل الكولومبيان
حاجاتهما وذهبا لإكتشاف حجرتيهما.......




بعد
مغادرة (خوسيه) و (أنجيليتا) عم الهدوء غرفة (فرناندو) من جديد الذي ظل
ينظر الى جهة واحدة دون أن تطرف عيناه فلقد تذكر أن اليوم قد أقام مائدة
كبرى يجمع فيها افراد عائلة (فلاديمير) وعائلة (ديميتريوس) حين يجمع
الأولاد ويستطيع أن يفاتح ابنه بصراحة مطلقة عن رغبته في تزويجه من
(فلوريا) ابنة الأرملة (ساندرا فلاديمير) وصديقه الراحل (فرانسوا) وقد يضرب
عصفوران بحجر واحد ويري ماستؤل إليه الأمور مع ابنته الأخرى (سيسل) فقد
يعرض عليها (أندريه) الإبن الوحيد لعائلة (ديميتريوس) الزواج وسيكون هذا
أفضل مايمكن أن يحدث له فسوف يبني امبراطورية كبيرة وتدخل أملاك الأسرتين
العريقتين في أملاكه سيكون سيد المنطقة دون أدني شك كم حلم طويلا بجمع
الأسرتان ليكونا تحت امرته فلقد كان كل مايهمه الثراء والسلطة وبعدهما يأتي
الطوفان وفكر في نفسه بسخرية كم فرح لموت (آنا) زوجته والتي كانت عاطفية
تؤمن بالحب وبتلك الأشياء السخيفة ونقل عيناه لتقع على كرسي في أقصى الغرفة
قريب من المكتبة وقال محدثا نفسه كانت تجلس في هذا المكان دائما تطالع
رواية رومانسية للقرون الغابرة وكانت حينها عيناها تصفيان وتصبح رائعتان ,
تينيك العينين اللازورديتان ....فشعر بغصة في حلقه إذ تذكر أنها اشبعت رأس
ولديه بتلك الأفكار السخيفة والأقوال المهترئة والتي لاتلبث أن تجعل سيطرته
عليهما صعبا فلم يكن الزواج بالنسبة له سوى لتحقيق مصالح لطرفين الرابطة
حتى اتخذ عنده طابعا تجاريا محض وكان من السهل السيطرة على (سيسل) ابنته
فهي تميل اليه أكثر والى أفكاره ولكن المشكلة عنده كانت في (ألفريدو) ذلك
الشاب الطائش والذي من المفترض أن يستلم زمام امبراطوريته التجارية
والإجتماعية ولكن لم يبدو أبدا على استعداد لذلك.......




لم
يمضي وقت طويل على الكولومبيان -أوهكذا كان يسميهما الخدم- حتى شعرا
بالراحة في المنطقة وبدأا يمارسان عملهما بشكل جيد وكان الجميع يشيد بجمال
(أنجيليتا) وأدبها وأخلاقها الفذة فلقد كانت ذات طباع سامية تحب مساعدة
الجميع متفائلة وخفيفة الظل باختصار كانت تدخل البهجة على قلوب الجميع من
حولها فلقد كانت فاتنة في ريعان شبابها زهرة ناضرة تنتظر من سيقطفها ولم
تكن قد رأت أحدا من سادتها غير السيد (فرناندو) وكان رويته كافية لتنفرها
من الأسرة أجمع فلم تكن تميل اليه بل كانت في داخلها تكرهه وتكره أن يعامله
أبوها بخنوع شديد هكذا وبدأت الخادمات الشابات يخبرنها عن كل مايدور في
هذا البيت فعرفت أن الإبن الأكبر (ألفريدو) شاب وسيم لأقصى حد وعيناه هما
سر جماله و عينيه لازوردية تجعل أي فتاة تسقط صريعة لحبه كما كان جيد
الطباع حسن المعشررقيق القلب وكان يحب الشعر ويعزف الجيتار بطلاقة وكان
صديقا حميما (لأندريه ديميتريوس) منذ الصغر ولعل هذا هو الذي شجع (أندريه)
على أن ينظر بعين عاشقة لأخت صديقه الحميم (سيسل) ولكن تلك الأخيرة لم تكن
تبادله أدنى ذرة من العاطفة بل كانت تميل الى زميل لها في الجامعة وهو قريب
في الواقع لعائلة (فلاديمير) ويدعى (روبرتو) ولكنه لم يكن يأتي كثيرا
للدارفكانت تكتفي بارسال رسائل له بين الحين والآخر لتعرفه بكل مايجري هنا
وتعطيه لصديقتها الحميمة الخطيبة المستقبلية (لألفريدو) وهي (فلوريا
فلاديمير) وكان هذا طبعا دون علم والدها ولكن الجميع كان يعلم أن (أندريه)
كان أفضل عريس لها وكان أفضل خلفا وعلما منه كما كان ذات شأن عنه ومهابة
ولكن قلب (سيسل) لم يكترث لهذا أبدا.........




فابتسمت
انجيليتا وهي تسمع هذا وخرجت من المطبخ بطريق مختلف لاتؤدي الى الحديقة
مباشرة بل تؤدي الى ممرات القصر وظلت تفرج على التحف واللوحات لأفراد
الأسرة على مر العصور حتى وقعت عيناها على صورة امرأة شقراء فاتنة للغاية
عيناها لازوردية تبتسم لتضيف لسحرها سحرا آخر فظلت تحدق بها مدهوشة وقالت
بشهقة إعجاب :


"كم هي رائعة"

فسمعت صوتا من خلفها يقول :


"هذا أكيد فهي أمي (آنا ڤان دييجو) "


فاستدارت
(أنجيليتا) لترى محدثتها وكانت شابة في مثل سنها شعرها بني داكن لكنها
كانت عادية الجمال وعرفت على الفور أنها (سيسل فان دييجو) كانت تحمل عينا
والدها الباردتان التي تحدق بأي شئ أدنى منها بكبرياء واحتقار لاذع وقالت
لها دون أن تحيها :



"والآن وبعد أن انتهيت من التطلع لصور أفراد عائلتنا الأفضل أن تعودي لعملك "


فرحلت
(أنجيليتا) مسرعة شاعرة بالإحراج فهي لم ترتح (لسيسل) كذلك هل أفراد هذة
الأسرة بهذا البرود والتعالي ؟!....وعادت الى المطبخ مجددا لأنها لن تستطيع
الخروج من الباب الرئيسي وقابلت السيدة (سوزي) وهي رئيسة الخادمات
والمربية التي ربت أبناء السيد (فرناندو) منذ ولدا لقد كانت سيدة طيبة
للغاية سمينة وقصيرة ولكنها ذات صحة قوية وكالعادة رحبت بها بشدة حيث أنها
قالت لها في أول يوم رأتها أنها تشبه ابنتها التي توفيت منذ خمس سنوات
وقالت لها هذة المرة :


"عزيزتي (أنجيليتا) تبدين شاحبة ....يبدو أن الطعام الإيطالي لايعجبك أو لايتناسب مع ذوقك"


فردت (أنجيليتا) :


"ماذا تعنين ياسيدة (سوزي) هذا مستحيل فلا يوجد ماهو أشهى من الطعام الإيطالي ولكن ماكل هذا الطعام هل هناك حفل ما ؟!.."


"نعم
حفل العائلات أننا نسميها هكذا لأن السيد (فرناندو) يجمع فيه جيرانه من
عائلتي (ديميتريوس) و (فلاديمير) ليأكلا عنده آملا أن يحقق ماكان يصبو إليه
دائما"



"أتعنين أن يزوج ابنه (ألفريدو) من (فلوريا فلاديمير)؟!..."


"نعم
هذا صحيح أنه من ناحيته يرغب بذلك بشدة و (فلوريا) أصلا مدلهة في غرام
(ألفريدو) منذ كانا صغارا أما والدتها (ساندرا) فإنها تفضل أن يدق لسانها
على طاولة خشبية على أن تزوج ابنتها لرجل آخرغير (ألفريدو) "



"وماذا عن (ألفريدو) هل يحب (فلوريا) ؟!....."



"
آه ياعزيزتي...... السيد (ألفريدو) صعب التكهن بمشاعره وأحاسيسه فكل
مايهمه في العالم الفن والمسرح والروايات والأشعار مثل والدته السيدة (آنا)
واعتقد في داخلي أنه قد يميل الى (فلوريا) ولكنه لايحبها.....أو على الأقل
لايسهر الليالي يفكر بها....إنك لم تقابليه بعد أليس كذلك ؟!....."



"بل
أتجنب مقابلته....مع كل أسفي اعتبر أفراد هذة الأسرة جميعا متحجري القلوب
متعالون لايفكرون الا في أنفسهم ولاأريد مقابلة المزيد منهم أنا هنا
للإهتمام بالخيول ولاشئ غير ذلك.....في كل مرة يأتي السيد الشاب ليأخذ فرسا
ليمطتيه أحاول ألا أكون في طريقه فجل ماينقصني هو متكبر آخر!!!"




فضحكت السيدة (سوزي) ملئ شدقيها وقالت :


"لهذا
السبب عندما يأتي ليكلمني في المطبخ يتساءل قائلا(ذهبت لآخذ جوادي
(سيرجيو) ولكن مهلا....أين تلك الكولومبية التي يتحدث عنها الجميع)
وحينهاأقول له أي حجة قد تكون سبب اختفاءك....ياعزيزتي لقد ورث السيد
(ألفريدو) الكثير من صفات آل ( فان دييجو) ولكن أؤكد لك أنه ليس متكبرا بل
طيب القلب ودائما يكسر قواعد العائلات النبيلة في التحدث الى الخدم بطلاقة
وكأنهم أفراد أسرته ومصادقتهم وكسب ودهم فهو دائما يقول(إنهم يقومون على
خدمتنا في كل وقت كما أنهم يتعايشون مع أحداث حياتنا بل ويكون لهم دور فيها
وقد يسرون عنا في لحظات حزننا ويقيمون المآدب والزينة في لحظات أفراحنا
فكيف لانعتبرهم من أهلنا)"



فابتسمت
(أنجيليتا) لتلك المقولة وشعرت بشئ من الإرتياح لكلام (ألفريدو) ذاك وعادت
الى الإسطبل لتكمل عملها وقررت داخلها أنها لن تختفي من مجرد مقابلته بعد
الآن ثم دخلت على الحصان (روبن) الغير مروض والذي كلفها السيد (فرناندو)
نفسه بترويضه......كان فعلا حصانا صعب المراس وهائج دائما لكنه كان فرسا
رائع الجمال يقف بشموخ وكأنه يعتز بنفسه ولن يسمح لأحد بامتطاءه ولكنها
كانت في الأيام القليلة السابقة تلاطفه وتجعله يعتاد على وجودها وتطعمه
بنفسها فهي مؤمنة أن على الإنسان أن يصادق الحصان أولا قبل أن يفكر في
امتطاءه وأحدث هذا تقدما ملحوظا فلم يعد يزمجر بغضب بمجرد اقترابها بل
أحيانا يلمس رأسه بيدها الممتدة نحوه في مودة.......




بعد
أن أنهت عملها في وقت قياسي شعرت ببعض الملل فلقد ذهب والدها للقرية لجلب
بعض الأشياء وجميع الخدم مشغولون بمأدبة اليوم ففكرت أن تتمشى قليلا في
أملاك عائلة (فان دييجو) وعندما مرت بجانب القصر أطلقت نظرة على الباب
الرئيسي فوجدت سيارة تقف عند الباب وخرج منها شاب ومعه سيدة لاتصلح أن تكون
قرينة له بل تبدو وكأنها أمه وقام (لوسيانو) رئيس الخدم بتحيتهم وارشادهم
لدخول القصر فأكملت سيرها وهي مستغربة أن يأتي المدعوون باكرا هكذا وهذا
يعني أنهم فعلا معتادون عليهم كثيرا وفكرت ربما يكون ذلك الشاب هو (أندريه
ديميتريوس) وأمه.......



جابت
الحقول الواسعة وتأملت الأزهار الجميلة فرأت زهرة بنفسجية فاتنة فقطفت
إحداها واشتمتها بفرح ثم وضعتها في شعرها......لاتعلم كم من الوقت ظلت تسير
وشعرت فعلا أنها ابتعدت كثيرا عن القصر وندمت لأنها لم تحضر معها
جوادا...شعرت بتعب شديد فقررت أن ترتاح تحت شجرة ما....ومن استغرقت في
النوم ولكنها صحت على صوت غراب يصدر صوتا مزعجا فشعرت بالفزع وتساءلت كم من
الوقت نامت هنا ولكن الشمس كانت لاتزال مشرقة , ثم شعرت بحركة في الأوراق
المتشابكة التي أمامهاوظلت متوجسة الى أن وجدت بندقية مصوبة ناحيتها فصرخت
مذعورة قائلة :



"لا توقف!!!......توقف!!!..."



ونهضت
واقفة ولكن قدماها لم تحتملاها فترنح حتى أمسكتها ذراعان قويتان وأحاطتا
بجزعها فتماسكت وشعرت بدوار خفيف ولكنها سمعت صوت الرجل الذي يسندها قائلا
قائلا:



"ياإلهي
لم أظن أبدا أن أجد فتاة نائمة هنا.....ظننتك غزال وكنت أهم بصيدك فلا أحد
يمكنه أن ينام هنا....لولا أنك صرخت فلم أكن لأعرف أنك هنا....لاأظن أن
غزال سيقول توقف....توقف!!!!..."



وسمعت
ضحكة رقيقة فرفعت رأسها لتنظر له......كان أطول منها بقليل بشرته بيضاء
بياضا ناصعا وشعره كستنائي انفلق عند وسط رأسه لينساب على الجهتين بتماثل
ولكنه كان مشعث قليلا نتيجة للقفزة السريعة كانت عيناه لازورديتان فاتنتان
وحالمتان لأقصى درجة وتحت أنفه البارز كانت تقبع ابتسامة رقيقة حالمة
جميلة.......كان باختصار فاتن للغاية فنظرت اليه ببرود لأنها عرفت أنه
ابن(آنا) السيد (ألفريدو) لأنه كان يشبهها فعلا لحد رهيب وعرفت لما تدلهت
(فلوريا) في هواه ولما أغرمت معظم الفتيات به فلايمكن لأحد أن يقاوم سحره
ولكنها دفعته بقوة وقالت له:



"كدت تقتلني ذعرا ياسيد (ألفريدو) !!"


فاكتسحت وجهه الصدمة بطريقة سينمائية وقال مذهولا :


"
هل أعرفك؟!.....لو رأيتك من قبل لكنت قد تذكرت بالطبع فلا يمكن أن أنسى
امرأة رائعة الجمال هكذا وحادة الطباع أيضا.....كيف عرفت أني
(ألفريدو)؟!.... "



"لاشئ .....لاتهتم.....عرفتك من صورة السيدة (آنا)..!!"


"آه هل رأيت أمي.....لكنك لم تخبريني بعد من تكونين..."


"أنا (أنجيليتا خوسيه) وأعمل في الإسطبل"


فضحك بمرح وقال :


"إذن
انت هي الكولومبية...ياإلهي مايقولونه عنك صحيح فانت جميلة فعلا وتعرفين
كيف تظهرين جمالك....إن لتلك الزهرة التي تضعينها في شعرك وقع مدمر علي
وشعرك الأسود الرائع.....لا أظنني رأيت شعرا بهذا السواد في
حياتي.....دعيني ألمسه من فضلك"



وهم بامساك أحد اطراف شعرها فدفعته بغضب وقالت :


"انك تشبة السيدة(آنا) ولكن لا يبدو لي أنك ورثت عنها أي شئ من اللباقة والإحترام"


"ماذا
تقولين؟!....ومن أين تعرفين أمي لتقولي هذا....على أي حال آسف إن كنت
أزعجتك ولكنك فعلا عصبية لحد رهيب.....ألا تخافين أن أطلب من والدي ألا
يقبل عملك عنده لأنك عاملتني بجفاء ؟!...."



قال هذا بمرح وكأنه يحكي عن مسرحية كوميدية فقالت ببرود:


"وهل تغازلني وتتوقع مني أن أتقبل ذلك لمجرد أنني أعمل عندك.....إذن فلتعلم أنك مخطئ"


كانت
تشعر أنها ضاقت ذرعا بتكبرهؤلاء القوم فقررت أن ترد لهم الصاع صاعين وشعرت
في قرارة نفسها أنها لن تنال منه أي أذية بل شعرت بأنه يبدو رقيق القلب
وضحك بطرب وأحضر جواده الذي كان قد لحق به وقال :



"يبدو
أني أخفتك فعلا لأثير غضبك هذا لكن لاتهتمي...تبدين شاحبة للغاية وكأنك
على وشك الإغماء أرجو منك أن تركبي على جوادي فلا يمكنك أن تعودي الى القصر
سيرا على الأقدام وأنت بهذة الحالة.....هيا أصعدي....من فضلك هيا فلن
أعضك..."



وساعدها على الصعود وكانت تشعر فعلا بإعياء شديد وربط بندقيته في جواده ثم نظر إليها بابتسامة ساحرة وقال :


"على
الرغم مما قلتيه فأنا أظن أنك كنت مستمتعة فعلا بمغازلتي....كما لن
تستطيعي منعي من مغازلتك وقول كل مايأتي ببالي فهذا طبعي ولن أستطيع تغييره
مهما فعلت "



وحينها
شعرت أن رأسها يكاد ينفجر غيظا ورأته منشغلا بأن يحكم ربط حزامه الذي يبدو
أنه تراخى مع كل تلك الحركات فدفعت الحصان الى الركض سريعا وقالت في نفسها
غاضبة:



(إذن فليعد الى البيت هو سائرا فلن أحتمل أن يركب ورائي ويكمل كلامه الوقح معي وليذهب الى الجحيم!!!!......)



وقف
(ألفريدو) مذهولا لماحصل فلم يصدق أن تثار ثائرتها لدرجة أن تأخذ جواده
هاربة وتتركه وكأنها تعاقبه ولايدري ماهو السبب ولكن ذلك جعله ينفجر مقهقها
بصوت عالي فلم يتخيل أن أي امرأة في هذا العالم يمكن أن تعامله هكذا فهو
معتاد على الإعجاب الدائم من الفتيات من حوله ولكن لقاءه بتلك الفتاة سيبقى
في ذاكرته طوال العمر وفكر قليلا....لابد أن (أندريه) قريب بجواده من هنا
فظل يصفر في كل ناحية ومالبث بعد قليل أن سمع جوادا يقترب منه ورأي
(أندريه) قادما وهو يقول :



" ماذا؟!...هل أصطدت شيئا؟!..."

ولكنه وجده خاوي اليدين دون بندقية أوفرس فقال له :


" ماذا حصل ؟!....لايمكن أن تكون قد تعرضت للسرقة؟!..."


فزاد هذا من رغبة (ألفريدو) في الضحك وقال له :


"الواقع لم أكن الصياد هذة المرة بل كنت الضحية !!!!.."


وامتطى الحصان وراء (أندريه) ثم حكى له ماحصل فرد (أندريه) بعد أن فرغ (ألفريدو) من حكايته :


"يالها من فتاة غريبة فعلا..... ولابد أن تنال عقابها!!..."


فلم يرد عليه (ألفريدو) وبقي ساهما يفكر.........



عادت
(أنجيليتا) الى القصر ولاحظت أن سيارة أخرى قد أتت الى القصر فعلمت أن
الأسرة الأخرى قد أتت كذلك وكانت طيلة طريق العودة تفكر فيما حصل لها وما
ستكون نتائج تصرفها الفظ مع سيدها الشاب ولكنها اندهشت لأنها في داخلها
أحست أنه لن يؤذيها ولكنها لم تستطع أن تطمئن ودخلت الإسطبل ووضعت الفرس
مكانه واهتمت به وعادت الى غرفتها تفكر فيما وقع حتى سمعت والدها يتحدث الى
السيدة (سوزي) بالخارج فخرجت لملاقاتهم فقال الأب في اندهاش :



"أوه
هل عدت يا أبنتي من نزهتك....لم أعلم بذلك.....جاءت السيدة (سوزي) لتسأل
عنك فأخبرتها بأنك لم تعودي بعد.....لما تأخرت هكذا ياعزيزتي؟!..."




"آسفة يا أبي....كنت أتمشى فسرقني الوقت...تعالى ياسيدتي لنتكلم قليلا"



وبمجرد
أن دخلتا الغرفة وأغلقت الباب حكت لها عن كل شئ فاستاءت (سوزي) كثيرا من
تصرفها ووصفته بأنه وقاحة شديدة كان عليها ألا تفعلها مهما أسئ اليها فهو
سيدها كما أضافت أن (ألفريدو) يحب المزاح وإطراء من حوله وقالت في لهجة
رقيقة "كما أنه لم يكذب فأنت ساحرة الجمال ياعزيزتي ولابد أن تسلبي لب أي
شاب يراك" فشعرت (أنجيليتا) بالحرج الشديد وفكرت أنه ربما يخبر والده
(فرناندو) ذلك الرجل القاسي وقد يؤذي والدها أو يهينه لقاء مافعلت فخرجت
لتصحح مافعلت ولكنها وجدت نفسها قد تأخرت كثيرا فلقد طلب السيد (فرناندو)
والدها لمكتبه وعلمت من الخدم الآخرين أن السيد (ألفريدو) عاد وهو في مكتب
والده كذلك فغاص قلبها وأسرعت الى مكتب السيد (فرناندو) غير عابئة
باعتراضات (لوسيانو) الى أن وصلت الى الباب وهمت بالإقتراب والطرق فوقه
لكنه فتح فجأة وخرج منه (ألفريدو) ونظر اليها مدهوشا ونظرت اليه هي بحرج
وظل الإثنان يحدقان في بعضهما وقتا طويلا.....بدا على (ألفريدو) الجد
والتأمل فشعرت أنه سيقول لها شيئا لن يعجبها فاقتربت منه وكادت تهم بالكلام
لكنه رحل وتجاهلها تماما فحزنت حزنا رهيبا وأحست فعلا أنها ارتكبت خطأ لن
يغفره أبدا بل وشعرت أنه ليس طيبا كما قال لها حدسها بل هو فعلا قد ورث
الكثير من صفات آل (فان دييجو) ومالبث أن خرج والدها من مكتب (فرناندو)
ولكن لدهشتها لم يبدو عليه أي ضيق بل وقال عندما رآها:



"(أنجيليتا) ؟!......ماذا تفعلين هنا يابنيتي؟!...."


"ماذا تفعل انت هنا؟!....ظننت أن السيد (فرناندو) استدعاك ليهينك فقررت أن آتي لأدافع عنك"


فابتسم (خوسيه) بحنان وقال:

"يا
حبيبتي كم انت طيبة القلب....لكنك نسيت أني أقوم بواجبي على أكمل وجه وليس
هناك مايهينني عليه بل لقد استدعاني لأن السيد (ألفريدو) أقترح أن يحضر
نوعا من الخيول الإسبانية لنقوم بتزويجها للخيول التي عندنا لعلنا نحصل على
نوع أصيل لامثيل له وطلب رأيي في هذا......أتعرفين أن (ألفريدو) هذا شاب
لطيف للغاية لقد كان في غاية اللطف معي , استطيع القول أنه لايشبه والده في
شئ مطلقا.....أتصدقين أنه تحدث عنك في أثناء حديثنا.....لقد قال أنك جيدة
تجيدين الخيل.....هكذا قال أمام والده فزاد إيمانا بي وبعملنا أنا وأنت"



عندما
سمعت (أنجيليتا) كلام والدها شعرت بالدوار وعلمت أنه كان يسخر منها دون أن
يدري والدها وإلا لما ذهب هكذا دون قول كلمة لها ولكن غريب ألا يتطرق الى
مافعلته ويغطي عليها مع أن كانت له الفرصة كاملة وحمدت ربها بشدة أنه لم
يفعل.......



كانت
المأدبة كبيرة جدا عليها جميع أصناف الطعام وهناك في أقصي اليمين حوالي
ثمانية أشخاص يشكلون فرقة موسيقية يعزفون من أجل المدعويين مع أن عددهم لم
يتعدى العشرة , كان السيد (فرناندو) على رأس الطاولة يتحدث برسمية وبصوت
جاد بارد وكان قلما يبتسم وجلست السيدة (ساندرا فلاديمير) على يمينه وهي
تتكلم بتكلف وإنفة مع (جابريلا ديميتريوس) والتي كانت تقابلها فهي لم تكن
تحبها مطلقا وحمدت ربها أن (أندريه) ابن عائلة (ديميتريوس) لم يفكر في
الزواج من ابنتها (فلوريا) لأنها ماكانت لتقبل به أو بأمه وجلس (ألفريدو)
يطلق النكات ويتحدث بمرح شديد (لفلوريا) التي أمامه ولأخته التي تجاورها
وبقي (أندريه) الى جانبه صامتا يحدق بهيام في (سيسل) أخت صديقه وكانت في
بداية الجلسة تبادله بعض النظرات وتبتسم بأدب ولكنها شعرت أنه زاد عن حده
فبدأت تتجاهل نظراته كليا ولكنه لم يستطع أن يمنع نفسه من التحديق بها وبكل
لفتة أو حركة منها ولم يستطع التركيز في أي كلمة من كلام (ألفريدو) لأنه
كان مشغولا بها وكم كان يحز في نفسه أنها لم تبادله نفس الإهتمام وحانت
لحظة الرقص فنهض (ألفريدو) على الفور وراقص السيدة (ساندرا) وراقص
(فرناندو) (فلوريا) الصغيرة وراقص بعدها السيدة (جابريلا) ونهض (أندريه)
وطلب من (سيسل) الرقص معه فلم تستطع أن تعترض وظلا يرقصان سويا فترة طويلة
دون أن تأتي الجرأة (لأندريه) على أن يقول كلمة واحدة , كان كلامه في عينيه
ولكنها لم تفهم تلك اللغة وظلت تحدق في أخيها (ألفريدو) وهو يضحك ويرقص مع
هذة وهذة بينما هي عالقة مع هذا الصامت حتى شعرت بالضجر ولكن مالبث أن ضغط
على يدها بشدة فنظرت اليه وقال لها وكأنه كان يستجمع أطراف صوته :



" هل يكنني أن أتحدث معك قليلا......على انفراد؟!...."


فقالت بدهشة :


" أجل لابأس"


وشدها
من يدها في اتجاه الحديقة حتى وصل الى جذع شجرة كان قابعا في الطريق يشكل
مجلسا لشخصين متلاصقين فجلسا عليه وظل صامتا فترة من الزمن حتى قالت هي
بضجر:



"لابد أن السيدة (ساندرا) ستحكي لنا عن رحلتها الى واشنطن بعد قليل..."



فلم يرد وسكت دهرا ثم نظر اليها بتمعن شديد حتى شعرت بالحرج ثم قال فجأة :


" أنا أحبك"




فذهلت
(سيسل) وشعرت بإحراج شديد ولم تدري ماذا تقول أو تفعل وتمنت لو أن أخها
يلحظ اختفاءها ليأتي لينقذها من صديقه هذا ولم تدري هل تواجهه أم ماذا ثم
قالت محالة لكسب المزيد من الوقت :


"هذة مفاجأة لم أتوقعها حقا.....كما لم يلمح لي (ألفريدو) بشئ "


" (ألفريدو) لايعرف....لم أخبره شيئا....الواقع لم أصرح لأحد حتى لنفسي.....ولكنني أريد أن أعرف حقيقة مشاعرك.....بصراحة"


"هل أحببتني لأني شقيقة صديقك؟!....."


"تعلمين
أنه لا يمكن أن يكون السبب كما لا أريدك أن تجامليني أوتدعي بوجود مشاعر
لديك لمجرد أنك لا تريدين جرح مشاعر صديق أخيك الحميم.....فإن هذا لاعلاقة
له بصداقتي (لألفريدو) كما أنني أحب الصراحة في هذة الأمور"



فاحمر وجهها خجلا وكأنه قرأ جميع أفكارها وظلت صامتة تتلاعب بالخاتم الذي بيدها منتظرة عون السماء لكنه قال بعد صمتها بشكل مفاجئ :

"هل هناك شخص آخر؟!...."


فأجفلت وانتفضت من مكانها ونظرت اليه بدهشة وعندما اطمئنت أنه مجرد تخمين وليس معرفة بالحقيقة قالت بعد أن وجدت أنه خلاصها الوحيد :

"
الواقع نعم....هناك شخص آخر.....وليست المسألة لها علاقة بك فأنت شاب رائع
يا (أندريه) وأظن أن أي فتاة في الدنيا كانت تتمنى مشاعرك.....ولكن لأسف
تضيعها على الفتاة الخطأ"



فشعرت
أنه تحول الى تمثال متحجر بعد كلماتها لم يحرك ساكنا بل كادت تجزم أنه لم
يتنفس ولم تجرؤ على النظرالى وجهه ولم تدري كم لبثا جالسين دون أي كلمة
ولكنه نهض فجأة وقال:



".....هيا
بنا لابد أنهم يتساءلون عن مكان وجودنا الآن" فنهضت مسرعة وما لإن وصلا
معا حتى قال (ألفريدو) " هاي أين كنتما أنتما الإثنان لقد فاتتكما أجمل
رواية ولكن لا ياسيدة (ساندرا) لا تعيدي شيئا منها حتى يتعلما ألا يغادرا
فجأة هكذا "




ضحك
الجميع على كلام (ألفريدو) لكن (فرناندو) نظر الى ابنته في أمل ولكنه
وجدها قد بدى عليها الحرج بينما وقف (أندريه) ووجهه شاحب بشدة فعرف أن
الخطة التي رسمها لم تنجح وأن (أندريه) لن يكون (لسيسل) فشعر بالغضب يجتاحه
وفي هذة اللحظة كانت (فلوريا) قد استغلت غيابهما وجلست الى جانب (ألفريدو)
وظلت تتدلل عليه قدر إمكانها وتضع يدها على كتفه كحركة لكسب وده بين
الفينة والأخرى ولكنه كان دائما يمرح ويضحك ولايهتم لحركاتها تلك مما جعل
غضب (فرناندو) يتضاعف وهكذا اضطر (أندريه) الى الجلوس بجانب (سيسل) ما تبقى
من الليلة ولم يتبادلا كلمة واحدة طوال الأمسية بينما وقفت (أنجيليتا)
تراقبهم من خلف أحد الأعمدة ورأت أن (فلوريا) رائعة الجمال جدا واستغربت
عدم انتباه (ألفريدو) اليها كما أعجبها مرح (ألفريدو) وحديثه الشيق الذي لا
ينتهي وأعجبها كذلك الصداقة القوية بينه وبين (أندريه) كانا يبدوان
وكأنهما أخوان ولدا بنفس اليوم وعاشا نفس الأحداث بل وأحيانا كانا يقولا
نفس الجمل أويقول أحدهما نصفها ويكملها له الآخر ولكن (سيسل) لم تعجبها
مطلقا وعذرت (أندريه) أنه لم يبادلها كلمة........




كان
(ألفريدو) بعد مع حصل يراقب (أنجيليتا) ليل نهار دون أن تراه.....يراها
وهي تحادث هذة وتضحك مع هذة تحمل هذة بحركة رشيقة وتدلل هذة ,
تضحك.....تعبس...تقفز....تركض.... ما هذا الذي يحدث لي؟!....- هكذا حدث
نفسه - أنني أراقبها دون سبب واضح وتواصل كامل أراقب حركاتها أفكارها صوتها
كلماتها لكل من حولها.....أحلل كل كلمة لأخرج منها صفة ما قد تكون جزءا
ليكمل صورة شخصيتها بداخلي.....هنا جريئة....هنا شجاعة....هنا حادة....لا
ليست حادة.....لا يمكن لهذا الجمال أن يكون حادا...إنها مجرد لحظة غضب
لها....هنا فاتنة... هنا رقيقة....هنا عاطفية ....أجل إنها دائما عاطفية
هكذا هي قلبها بجمال وجهها....روحها بفتنة عينيها أجل هي....هي من كنت أبحث
عنها طوال حياتي...هي المياة التي كنت أنتظر أن تجري في وديان قلبي
المقفرة.....هي الوحيدة التي يمكن أن تكملني.....ولكن كيف؟!....كيف
هي؟!.... ولما هي؟!.....هي بالذات.......




في
تلك الأيام كان (ألفريدو) يسلم قلبه شيئا فشيئا لها ويتركها تغزوه في
خطوات ثابتة فما لبث يفكر في لقاءهما سويا يتذكر كل رؤية من عينيه لها كل
لفتة كل تكشيرة أعتلت وجهها وعندما سقطت بين يديه....يذكر كلماتها حرفا
حرفا ويحلل ويحلل حتى يلصق بها مايعجبه ويطرد عنها وعن صورتها في داخله
مالا يعجبه..... وعلم أنه لن يحتمل أن يبقى في الخفاء مدة طويلة بل
يجب...أن يواجهها.....على الفور.......

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل الثاني
[[ الحقيقة الساطعة [[
في
اليوم التالي كانت (أنجيليتا) في الإسطبل تنظف المكان الخاص (بروبن)
الحصان حتى رأت ظلا يحوم حولها واستدارت فرأت (ألفريدو) يرتدي ملابس الخيل
ويحدق بها بوجه جاد فاستدارت لتخفي احراجها وخجلها وعندما طال صمته وقفت
واستدارت اليه قائلة :



"أعرف ماتريد أن تقوله فلا تتعب نفسك....ماذا تريد مني؟!...إذا أردت مني أن أرحل فسأفعل!"

وهنا نظر اليها بدهشة يشوبها الجد قائلا:


"ترحلين ؟!....إلى أين؟!......"


فانتقلت الدهشة اليها فهي ظنته يريد رحيلها ولكن من الواضح أن ذلك لم يخطر بباله قط فقالت متلعثمة :

"ذلك اليوم عندما كنت عند مكتب السيد (فرناندو) ظننتك تريد رحيلي...لأنك لم تتحدث الى مطلقا.."


"يا
الهي أهذا ماظننته؟!....ظننتي أني غاضب منك.....الواقع سأقول لك
ولاتغضبي....عندما نظرت اليك في تلك اللحظة كنت جميلة للغاية وأردت في لحظة
مجنونة أن أحتويك بين ذراعي ولكني رحلت مسرعا لأني علمت أن خطوة كهذة
كفيلة لتثير حفيظتك ضدي"



فاحمر وجهها رغما عنها وقالت له وهي مذهولة :


" جميلة؟!...لقد أخذت حصانك وتركتك تعود سائرا..."


"حسنا لقد كان (أندريه) قريب مني...كما أظن أن الخطأ كان خطأي ولكن أرجو في المرة القادمة ألا اضطر للسير أميال لأنك غضبت مني...."


وابتسم
ابتسامته الساحرة فابتسمت رغما عنها......وبقيا صامتين كلاهما يحدقان في
بعضهما وازدادت الشمس سطوعا واجتاحت الأشعة الذهبية الإسطبل فرمت سحرها على
كل منهما ليرى كل منهما الآخر بهالته الذهبية.....أخذت تحدق به وشعره
يشتعل باللون الذهبي تحت أشعة الشمس وعيناه اللازوردية الرائعة تحدقان بها
ببريق لم ولن ترى مثيل له في حياتها ... بريق إعجاب سافر يشوبه التقدير
والشوق....بدأت ابتسامته تتلاشى وظل يحدق بها.... بجمالها الآخاذ....ووجهها
الأسمر الفاتن وعيناها السوداوتان.....لم يرى في حياته عينان بهذا السواد
وهذا التألق ومالبث أن اقترب منها بخطوات رقيقة بطيئة حتى أصبح ملاصقا لها
وغمرت انفاسه وجهها وقال وهو يتنهد شوقا :



"هل انت حقيقية؟!....أشعر أنك كالسراب الذي أراه في صحراء حياتي.....أركض خلفه لاهثا لعلي أمسك به ولكنك دائما تبتعدين...."


فاستجمعت شجاعتها وأغلقت عيناها لكي لا يؤثرعليها سحره وقالت:


"نعم
أنا كالسراب لن تحصل عليه لأني لست موجودة في حياتك....أنا غير
حقيقية....وكل ما تراه مني من صنع خيالك....لايمكن أن تصل يداك اليه
مطلقا...لايمكن...لايمكن.."



وعندما فتحت عيناها رأت عيناه تضيقان حزنا وألما وقال:


"لا يمكن ألا تكوني حقيقية...لما تعذبينني هكذا وأنت تعلمين مايجول بقلبي نحوك....لما العذاب"


"إذا
تناسينا من نحن...فسيأتي العذاب الحقيقي لاحقا وحينها سنكون ضائعان حائران
ممزقان حزنا على المشاعرالتي ولدت ونمت بيننا حتى أصبح من الصعب السيطرة
عليها...ولا أعلم ماقد يجري....قد تتخلى عني نتيجة للمصاعب....وفي
النهاية...انت السيد وأنا الخاد...."



"لا
لاتقوليها...لايهمني أي شئ مما تقولين....وكيف تظنين أنه يمكن أن أتخلى
عنك في يوم من الأيام ...أنت لا تعرفين شيئا عن الرجل الإيطالي كما
أظن...ولا كيف يدافع عن شرفه وما له" "أنا لست لك ....ولن أكون لك
يوما...والآن دعني وشأني.."



وحاولت التملص منه ولكنه أمسك ذراعها فنظرت الي عيناه للمرة الأخيرة حتى نطق اسمها بشوق :


" (أنجيليتا) .....لاتفعلي بي هذا...."

كم
كان وقع اسمها في فمه رائعا مذهلا ولكنها دفعته بعيدا ورحلت مسرعة...ظلت
تركض حتى وصلت الى غرفتها وحبست نفسها وجلست لتستعيد أنفاسها واندهشت كيف
استطاع من مقابلتهما الثانية أن يوقظ في قلبها كل تلك الأحاسيس الجياشة
نحوه....حتى أنها لم تعرف نفسها...كيف يمكن أن يحدث كل هذا السحر في لقاء
لايتعدى الدقائق وعرفت لما ترغب به جميع فتيات المنطقة فهو لا يقاوم وحذرت
نفسها من الوقوع في هواه فهي لن تكون أبدا اسما في لائحة معجباته مهما
كلفها الأمر....



كان
(ألفريدو) في الأيام التي تلت هذا الموقف يجلس ساهما ويحبس نفسه في غرفته
كثيرا حتى أصبح من الصعب على (فلوريا) أن تحدثه لتؤثر عليه ولكن (ساندرا)
ما كانت لتسمح بهذا فدفعت ابنتها لتصعد الى غرفته وتحدثه على انفراد هناك
ثم قالت لها هامسة بخبث :



"مهما تطلب الأمر فافعلي.....لقد تأخرت كثيرا في ايقاعه في شباكك..!!.."


"ولكن يا أمي لاأريده أن يقع في شباكي...أريده أن يحبني كما أعشقه بارادته وليس أن أؤثر عليه......كما أنني لا أعرف كيف أفعل هذا..."


"لاتكوني
حمقاء سخيفة ولاتظني أني سأتركك تضيعين الفرصة من أيدينا إذا لم تتزوجي
هذا الأحمق في خلال شهرين فسترين ما سأفعله لك والآن إذهبي اليه....حالا"



فقامت
(فلوريا) نافرة مستنكرة ووصلت الى غرفته بالطابق العلوي وطرقتها برقة فلم
يجب ففتحت الباب ببطء فرأته جالسا على كرسي قربه من النافذة وظل يحدق
بنظرات جوفاء الي المنظر الخلاب الذي يقابل عينيه وكأنه لا يراه......وكان
بين الفينة والأخرى يتنهد حائرا فاندهشت (فلوريا) بشدة فهي لم تره بهذة
الحالة في حياته مطلقا واقتربت منه ووضعت يدها برقة على كتفه ولكنه لم
يتحرك ولم يتكلم فجلست على ركبتيها الى جانبه وقالت برقة :



"ما الأمر يا (ألفريدو)؟!.......أفصح وأفتح لي قلبك....ولو لمرة واحدة....اشركني فيما تشعر به لعلي أكون ذات نفع لك...."

ولكنه
لم يجب فحزنت وعلمت أنه لا فائدة ترجى من علاقتهما وشعرت بحسرة رهيبة
ونظرت الى الأرض تريد أن تنفجر باكية ولكنه مالبث أن نطق بوهن قائلا :


"
(فلوريا) هل تعرفين ماهو الحب؟!....تلك المشاعر الغريبة التي تغزو قلبك
ومنه الى كيانك عندها تشعرين أنك فقدت السيطرة وتستسلمين له....بل وترحبين
به فاتحة ذراعيك دون أن تفكري لحظة واحدة في المنطق أو العقل...."



فأشرق وجهها بسعادة ليس لها مثيل وقالت بشوق ولهفة بعد أن وضعت رأسها على ركبته متوسلة :


"بلى....بلى
يا (ألفريدو) ....لا أحد يعلم الحب بقدر ما أعلمه...ولا أحد اجترع من كأس
عذاب الحب....كما اجترعت ....نعم يا (ألفريدو) ...يا حبيب عمري!!!!!"



فنظر اليها بدهشة ورفعت رأسها وعيناها تكادان تلتهمانه عشقا وفي تلك اللحظة دخل (أندريه) وقال :


"(ألفريدو) ؟!....آه المعذرة هل أتيت في وقت غير مناسب؟!...لقد طرقت الباب عدة مرات فلم يجب أحد....على أية حال سأرحل حالا "


" لا انتظر يا اندريه....أريد التحدث معك...في الواقع لقد كنت انتظرك منذ يومين...."


فعلمت (فلوريا) ألا مكان لها هنا فقامت ورحلت دون كلمة فنظر إليها (أندريه) ثم نظر الى (ألفريدو) وقال :


" مابها ؟!....هل فاتني شئ؟!..."

" فاتك كل شئ كالعادة....أظنني أظنني يا (أندريه) .....قد وقعت في الحب...."



فنظر اليه (أندريه) في هدوء وقال :


"لا
بأس الجميع كان يتوقع هذا ويتمناه فوالدك كان يريدك أن تتزوج (فلوريا)
فيبدو لي أنها تحبك هي الأخرى....كما أن أمها تكاد تفقد عقلها في انتظار
زفافكما"



"ما الذي تقوله......لم أعني (فلوريا) مطلقا أيها الذكي...وإنما هي!!....هي!!"


"و هل هي تلك.....لها اسم محدد؟!..."


" (أنجيليتا) ...آه..... (أنجيليتا) "


فبحث (أندريه) في رأسه ولكنه انتهى حائرا ثم قال :


"لا
أحد في معارفنا يحمل هذا الأسم كما لا أظن أنها فتاة من اللاتي قابلتهن في
أحد الحفلات تحمل هذا الأسم .....فابنة أي عائلة هي؟!...."



"
لا تعرفها فهي ليست ابنة عائلة و هي لا تسكن بعيدا بل هي هنا الى
جواري....أراها كل يوم وأتمزق شوقا ....إنها (أنجيليتا خوسيه)
الكولومبية..."



" مهلا ....لا تقل لي أنها الخادمة..."


"لا تقل هذا عليها...أجل هي.... "


" بالله عليك .....هل فقدت عقلك؟!...هل تريد لوالدك أن يدفنك حيا؟!....هل نسيت الشرف والكرامة ونبل العائلة؟!....."


فوقف (ألفريدو) غاضبا مهتاجا وقال صارخا :


"إن
حبي لها لا يقلل أي من هذا بل على العكس أنه يزيد من شرفي واحترامي
لذاتي...لا تقل هذا يا (أندريه)....ليس منك انت...لا تكن مثلهم....فانت
صديقي ويفترض أن تكون الى جانبي أنا ....نعم أحبها.....لقد بقيت الأيام
السابقة ألاحقها من مكان الى آخر....أصارعها بالكلام وأترجاها أن تعيد
التفكير في ما بيننا ولكن قلبها أصلب من أن أطرق على بابه وعقلها يحتل زمام
نفسها.....لا أدري ماذا أفعل....حقا لا أدري أنها قوية...رابطة الجأش لا
يؤثر فيها أيا من أسلحتي التي اعتدت أن أصرع قلوب الفتيات بها حتى أني أظن
أنها ليست من هذا العالم...إنها مختلفة...ولعمري أني لا أريد شيئا من
العالم سواها.."



فكان
ذهول (أندريه) عارما وقال في نفسه (مستحيل ألهذة الدرجة؟!) ولكن كلمات
النصح التي قالها بعد ذلك لم تصب شيئا من عقل (ألفريدو) وحاول عابثا أن
يخبره أي علاقة كهذة لن تكون نهايتها إلا الحسرة والأسى فما لبث (ألفريدو)
أن أمسك رأسه بألم وقال:




"توقف !!..أنت تكرر نفس....كلماتها!!"


عندما
عاد (أندريه) لبيته ظل يفكر طويلا فيما حصل وشعر أن (ألفريدو) قد فقد عقله
كليا فالفتاة لم تأتي سوى من اسبوعان فقط ولكن الذي جعله حائرا هو أن
(ألفريدو) دائما شديد المناعة تجاه تلك الأمور ولم يسبق في حياته مطلقا -
منذ لعبا سويا وهما في الخامسة- أن رآه بهذة الحال....



فهي
فعلا المرة الأولى.....ولكنه ليس مراهقا لكي يقع في حب خادمة....وليس
جاهلا بالأمور العاطفية لكي ينصحه ويخاف عليه فماذا عليه أن يفعل؟!...ظل
يفكر طويلا حتى انتهى الى نتيجة واحدة..أفضل شئ أن تظل تلك الكولومبية
متمسكة بموقفها ولابد أن يمل (ألفريدو) يوما ما....ولكنه مالبث أن تذكر
نفسه وحبه لأخت (ألفريدو) (سيسل) فعلى الرغم من موقفها معه الأخير إلا أن
ذرة من حبه لم تنقص بل ويكاد يجزم أن حبه لها زاد وما يشعل نار هذا الحب
عذاب قلبه الذي يملك حبا من طرف واحد وفجأة لاحت له مشاعر صديقه بوضوح
ضارية وقوية فمثيلتها تندلع داخله ولم يملك سوى أن يرثى لحال صديقه ولكنه
كان واثقا أن حب صديقه لتلك الخادمة لايمكن أن يصل لدرجة حبه (لسيسل).....



وكان
حال (ألفريدو) نفس حال (أنجيليتا) التي كانت تتعذب وهي تصده بقوة ولكنها
كانت متأكدة أنه لا سبيل لقلبيهما أن يتفقا ولا سبيل لروحيهما أن يتحدا
وكانت تفضى بعذابها للسيدة (سوزي) التي كانت تحتضنها لتخفف من آلامها وفي
كل مرة تحتضنها كانت تشعر بالأمومة - التي دفنتها بقلبها بعد موت ابنتها-
تنهض وتترعرع من جديد حيث أيقظت (أنجيليتا) فيها حس الأمومة الذي ظنت أنه
لن يعتمر قلبها مجددا وكانت تطلب منها الصبر والجلد....وكان (خوسيه) يراقب
ابنته ويعرف في نفسه ما يسوءها ويعذبها ولكنه بقي صامتا فهو يثق في ابنته
واختيارها ويثق أن أيا كان قرارها فسيكون قرارا سليما فهي ابنته التي رباها
وعرفها كيف تتصرف بحكمة دون أن يحكم قلبها إلا في الوقت المناسب....



ذهبت (أنجيليتا) ذات صباح للإسطبل الذي يحوي (روبن) الحصان فوجدت هناك (ألفريدو) يتأمله ويحاول الإقتراب منه فصرخت فيه قائلة :


"انتبه!!!...هذا الحصان لم يعتد عليك بعد وقد يصيبك بأذي...."


فتحول
إليها ثم نظر الى الحصان فوجده يحفر بأقدامه وكأنه على استعداد لينقض عليه
فذهبت (أنجيليتا) اليه تلاطفه وتحاول تهدئته وتحدثه في أذنيه بصوت منخفض
حتى هدأ تدريجيا فقال (ألفريدو) :



"يبدو
أني لست الوحيد هنا الذي لا يستطيع مقاومة سحرك فهاك أكثر حصان خطر في
الإسطبل يسلم أسلحته لك ويقف أمامك خانعا بينما يعجز عشرة من الرجال تهدئته
أو جعله يطاوعهم "



"أرجوك
كف عن غزلك ولو لدقيقة ثم...........لو تأخرت قليلا فلربما دفعك دفعة قد
تؤدي لكسر عظامك.....فأرجوك لا تقترب منه حتى أروضه تماما"



"هل انت خائفة على يا عزيزتي؟!.....كم أنا سعيد لهذا..."


"بل خائفة من عقاب السيد (فرناندو) إذا حصل لك شئ وحينها لن يكون يوما سعيدا لنا"


"لا
أدري كيف أشرح لك ذلك ولكن لدي حدس يقول أن قلبك يحمل قبسا من تلك المشاعر
التي تحتل قلبي ولكنك تأبين ألا تعترفي بها...ولكن مهلك..... إن جفاك يحرق
كل ذرة في قلبي ويحوله رمادا "



فابتسمت بسخرية وقالت :

"انك فعلا تكثر من قراءة الشعر هذة الإيام!!!"


"كل الشعر وكلماته أصبحت خاوية لا تعبرعن أي شئ مما يختلج في صدري..أرجوك لاتجافيني وأتركي لقلبينا فرصة لكي يلتقيا ويتفاهما..."


"إن
آخر ما أريده لقلبي هو أن يتفاهم مع قلبك وإما أن ترحل وإما.... أن أرحل
أنا من المكان" فتخاذلت كتفاه يأسا واستدار راحلا ثم قال :



"إني راحل ولكني لن أهدأ أبدا ولن أتركك فإن هذا هو الشئ الوحيد الذي لن أقوى على فعله ما تبقى من حياتي"


وظلت هي واقفة تحدق في المكان الذي كان واقفا فيه وكلماته ترن في أذنيها مرات ومرات......

في اليوم التالي كانت (سيسل) تتحدث مع (ألفريدو) ولكنه كان ساهما غير مبالي لكلامها فصرخت باسمه حتى انتبه لها فقالت :


"هذا لايحتمل!!! أنا أحدثك في موضوع مهم وأنت لا تفعل شيئا سوى التفكير....عليك الإستماع إلي..."


" حسنا ها أنا استمع......ماذا تقولين يعني..."


"أقول
لك أن عليك أن تطلب من (فلوريا) الزواج لقد تأخر الوقت كان من
المفترض...على حد كلام أبي...أن تفعل هذا منذ أكثر من شهر......."



"ها قولي لي أن والدي هو من حرضك....أنا لا أفكر في الزواج الآن ومطلقا..!!"


"ولكن
ألا تحب (فلوريا) ؟!...المسكينة تحبك بشدة وتحاول عبثا إخفاء مشاعرها
أمامي ولكنها صديقتي وأنا أعرفها جيدا....كما أنها طيبة القلب ولن تجد من
هو أفضل منها لتكون زوجتك وهي رغبة والدنا أيضا....."



"لا
تظني لأني طاوعت أبي في كل رغباته في حياتي السابقة أن أطاوعه في قرار
مصيري كهذا ....الزواج هو الشئ الوحيد الذي لايوجد فيه أوامر على
الإطلاق..."



" أتعني أنك فعلا لا تحب (فلوريا) ؟!....يا للمسكينة"


"لم
أقل هذا...إنها تعجبني....ولكن هذا ليس كافيا...ثم من يتحدث عن أوامر أبي
وانت أول من عارضها عندما مستك فلقد كان أبي يريدك بأي طريقة أن توافقي على
(أندريه) وانت لا تكرهينه.....فلما لم توافقي عليك؟!..."



فاحمر
خداها وخافت أن يكون علم شيئا عن رسائل الغرام بينها وبين (روبرتو)....لا
يمكن أن يكون قد علم أن (فلوريا) هي الوحيدة التي تعلم بهذة العلاقة ولكن
لا يمكن أن تكون قد أخبرته فصمتت ولم تجبه فقال :



"ها
انت لم تجيبي وهذا دليل على صدق كلامي....لقد اقتربت من الخامسة والعشرين
وهو سن الرشد وسأرث كل شئ حينها سأكون المتصرف الأول ولن يكون لأبي كلمة
على بعد ذلك"



وهنا
جاء خادم أخبر (ألفريدو) أن السيد (أندريه) جاء لزيارته فرحلت (سيسل) وهي
تفكر فيما قاله أخوها ولكنه لا يبدو أنه علم شيئا وانعطفت لتسير لغرفتها
فاصطدمت (بأندريه) الذي نسيت أنه كان في طريقه لغرفة (ألفريدو) فصعقت وصعق
هو أكثر منها وظلا واقفان هكذا دون كلمة حتى تنحنح (أندريه) وقال بما
استطاع أن يجمعه من صوته:


"صباح الخيريا.... (سيسل) "


"صباح الخير (أندريه)...أرجو منك المعذرة فلدي أعمال كثيرة أريد القيام بها...."


ورحلت
مسرعة ووقف هو يحدق بها طويلا حتى شعر بيد على كتفه فنظر الى الوراء فوجد
(ألفريدو) ينظر اليه بعين مدركة فعرف أنه يعلم بمشاعره نحو أخته فشعر
بالحرج الشديد وبقليل من العار لأنها رفضته وهاهو أخاها وصديقه الحميم
يواسيه جراء هذا ولم يعلم ماذا يقول فأنهى (ألفريدو) حيرته قائلا :



"لستما
متناسبان يا (أندريه)....وهي ليست آخر فتاة في الدنيا....كما أني واثق أن
التي ستتزوجها ستكون أروع امرأة في التاريخ....إنك لا تستحق غير ذلك"



فاراحته كلمات صديقه ولو أنها زادت من حرجه ومضيا معا يتحدثان......


كانت
(أنجيليتا) في عملها المعتاد ورأت (ألفريدو) قادما اتجاه الإسطبل فشعرت
بالأمان هذة المرة لأن والدها يقف قربها ورأته يخرج الحصان (روبن) فهي
لاحظت هذة الأيام أنه يحاول مصادقة الحصان وتقديم الطعام له ولكن خطوة
امتطاءه كانت خطوة متقدمة جدا فهي قد امتطته مرة واحدة وفقط للتمشية ليس
إلا ولكنها لم تفعل شيئا واستمرت في عملها بينما أخذ (ألفريدو) الحصان وظل
ممسكا بلجامه ويتمشى به حتى ابتعد عن ناظرها......



بعد
أن اطمئن (ألفريدو) أن (روبن) يسير الى جانبه بهدوء قرر امتطاءه فركب فوقه
ومشى به ولكن الحصان اهتاج بقوة وكان هذا متوقع منه فمال (ألفريدو) الى
الأمام ببراعة ولكن هذا زاد من اهتياج الحصان كان مصرا على اسقاطه الى أن
نجح في ايقاعه من فوقه لكن (ألفريدو) وقع وقعة خفيفة نتيجة لحذره ونظر الى
(روبن) فإذا به يركض عائدا من حيث أتى فشعر (ألفريدو) بألم في ظهره ونظر
حوله فوجد الشمس ساطعة والأزهار حوله في كل مكان فنام على ظهره أرضا ....ظل
يسترجع في ذهنه شعرا عن الطبيعة قرأه في إحدى المرات وكانت هذة أكثر
اللحظات متعة بالنسبة له.....بينما رجع الحصان الى حيث كانت (أنجيليتا)
وعندما رأت الحصان وحده دون راكبه شهقت بفزع ورمت ما كان بيدها وركضت نحو
الحصان فوجدت فعلا أنه من الواضح أنه سقط من عليه فشعرت بقلبها يعتصر ويكاد
ينفجر داخل صدرها شعرت أنها نهاية العالم وجاء لها خاطر مر كالبرق في
رأسها ماذا لو أنه مات أوتكسرت عظامه فوجدت نفسها فوق الحصان تركض الى حيث
ذهب (ألفريدو)....كانت شهقاتها لا تنتهي تذكرت ابتسامته الساحرة وكلماته
التي كانت تدخل من أذنيها مباشرة الى قلبها فتجعله ينبض كالمجنون وشعرت
بخوف حقيقي لدرجة أنها لاتريد أن تكمل طريقها......



سمع
(ألفريدو) صوت أقدام حصان قادم باتجاهه فرفع رأسه ونظر اليه فوجده قادم من
بعيد ورأى راكبه يحمل شعر أسود طويل فعرف أنها (أنجيليتا) فاستلقى مكانه
وتظاهر بالموت وقال في نفسه(و الآن سأضحك عليها قدر ما أشاء) وما إن رأته
مستلقيا حتى قفزت من على الحصان وهي تنادي بجزع اسمه :


" (ألفريدو) ؟!..."

وركعت الى جانبه ودموعها تغرق وجهها وهي تقول:


" (ألفريدو) .....(ألفريدو) أرجوك كلمني...يا الهي سأموت إن مت....لا تمت أرجوك!!"


ووضعت
رأسها فوق صدره لعلها تسمع نبضا لكن سترته المقواه لم تمكنها من أن تسمع
أي شئ فاقتربت من رأسه ووضعته على فخدها ووضعت إصبعها - وهي تبكي بحرقة –
على وريد رقبته حتى تسمع نبضه بينما يدها الأخرى ترتب خصلات شعره وتبعدها
عن عينيه بينما شعر (ألفريدو) أن تلك هي الجنة الحقيقية فلم يسطر أعلى كاتب
للشعر مكانة كلمات تعبر عن شئ مما يحسه في لحظة كهذة وشعر كم أحبها بل أنه
يعشقها ففتح عينيه اللازوردية ببطء وابتسم لها ابتسامة والهة وقال :


"آه ياحبيبتي....كم أعشقك...لم أكن أبدا أكثر راحة أو صحة مما أنا الآن"


فتسمرت مكانها تحدق به بعدم تصديق حتى نهض واقفا وقال لها :


"لقد وقعت في الفخ....ألست ممثلا بارعا؟!....لا تقلقي لم يصبني شيئا فأنا بكامل صحتى كما ترين..."


وظل
يضحك فرحا لأنها قلقت عليه بينما هي تكاد تجزم أن شخصا رمى بآلاف عيدان
الحطب المشتعلة في قلبها ونهضت واقفة ولم تشعر بنفسها إلا وهي
تصفعه......!!!!




دوت الصفعة بشدة في الأرجاء وتناثرت خصلات شعره على عينيه ووجهه وأذنيه ورقبته وهو يحدق بها مذهولا وانفجرت باكية وهي تقول :


" أيها النذل الوقح....وأنا التي انفطر قلبي لرؤياك هكذا...أنت تتلاعب بمشاعر الناس....أنت وقح!!!!"



وجرت
مسرعة بعيدا عنه وأخذت الحصان وعادت به الى الحظيرة ولكنها عادت بسرعة الى
غرفتها ولم تكمل عملها وظلت تبكي بحرقة على سريرها وهي تشعر أنه حقا قد
أوقعها في الفخ فهي الآن تحبه لأنها تأكدت فعلا من ذلك عندما رأته مستلقي
بتلك الطريقة عرفت أن رغم كل حذرها أحبته فعلا ولم تعلم ماذا تفعل.....



أما
(ألفريدو) فلقد شعر بالخزي لأنها غضبت منه هكذا ولأنه تصرف هكذا ولكنه
أراد ممازحتها فقط ولم يعلم أنها ستخاف عليه هكذا فشعر بالعزاء لأن هذا
دليل على الأقل أنها تكن له إعجابا....وما لبث أن عاد الى القصر ودخل غرفته
وأغلق على نفسه هو الآخر...

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
machkour

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل الثالث
[[ ليلة القمر [[

جاءت (فلوريا)
في ذلك الوقت تزور (سيسل) ولكنها قررت أن تمر على (ألفريدو) أولا فهي لم
تره منذ فترة ولكن الخدم أخبروها أنه لا يريد أن يكلم أحدا الآن فحزنت
لأنها علمت أنها مثل أي أحد بالنسبة له وذهبت (لسيسل) مباشرة وعندما رأتها
تلك الأخيرة أشرقت فرحا فهذا ميعاد رسائل حبيبها (روبرتو) وقالت لها بجذل :



"هل جئت بكنزي ؟!.."


فردت (فلوريا) :

"نعم ها هو كنزك....رسالة جديدة من (روبرتو) .....رسالة طويلة على ما أظن لأن الظرف ثقيل!!!"


فكادت (سيسل) تفقز فرحا وظلت تعانق الظرف وقالت والإبتسامة تكاد تشق شفتيها :


"ولكن لما أتعبت نفسك وأتيت الى هنا....كنت سآتي اليك على أي حال"


"أتيت لأرى (ألفريدو) أيضا ولكنه لا يريد مقابلة أحد......أتساءل ماذا جرى له؟!...."


"لا أدري لعله تذكر شيئا أوقرر قراءة الشعر فهوعادة عندما يقرأ الشعر يرفض أن يزعجه أحد"


فقالت (فلوريا) بحزن :

"حتى أنا ؟!...ما كنت لأزعجه أبدا "


فحزنت
(سيسل) لأجل (فلوريا) ولكنها ما كانت لتبدد فرحتها فرتبت على كتف (فلوريا)
ثم فتحت الظرف بشوق وظلت تلتهم كل كلمة فيه وعندما رأتها (فلوريا) عرفت أن
لا ضرورة لوجودها فرحلت وعادت لبيتها وما إن دخلت قصر (روزانيرا) رأت أمها
بإنتظارها وقالت لها بتسلط :



"ماذا ؟!...هل قابلت (ألفريدو) ؟!...."


"لا يا أمي لم استطع...."


فاهتاجت وقالت :

"لما؟!......إذن لماذا ذهبت؟!......... أنت هكذا دائما بلا أي نفع....كيف تريدينه أن يحبك وهو بالكاد يراك ليتذكر من تكونين"


"أمي
كفى أرجوك......لقد رفض مقابلة أي أحد....ثم أنا لا أستطيع أن أرغمه على
أن يحبني...أنا لا أعرف كيف أفعل هذا.....إذا لم يحبني قلبه وحده.....فلا
تزعجي نفسك ولتبحثي عن نبيل غني آخر لترمي عليه شباكك...."



قالتها
بسخرية لاذعة لأمها ورحلت باكية فهي تكره تفكير أمها وأنها تريد تزويجها
(لألفريدو) لأجل انقاذ أسرتها واستغلال ثروته فهي كانت تحبه حقا ولا تدري
لما كانت تشعر دائما بأن عيناه إذ تنظران إليها لا تراها وإذا غاب عقله في
أفكار فهي لا تدور حولها وإذا دق قلبه فهو أكيد ليس لها وزادها هذا بؤسا
وشفقة على نفسها وطلبت من ربها أن يساعدها وظلت تبكي على سريرها......


أما
(سيسل) فكانت في أوج فرحها وسعادتها فلقد كانت رسالة (روبرتو) هذة المرة
زاخرة بالمشاعر الملتهبة كما تحمل خبرا رائعا أنه قادم عما قريب في غضون
أسبوع لملاقاتها وقال بمجرد أن يحضر الى ميلانو سيأتي ليراها أولا قبل أن
يذهب الى قصر (روزانيرا) حيث أهله وعمته (ساندرا فلاديمير) وسيراها سرا في
الحديقة واتفق معها على الوقت الذي سيجمعهما فاستلقت (سيسل) على سريرها وهي
تضم الرسالة بكلتا يديها الى قلبها وفرحتها لا تسعها.....


تحدث
(خوسيه) مع ابنته (أنجيليتا) وأخبرته باكية عن ما آلت إليه أمورها وكيف
تشعر بمشاعر قوية تجاه (ألفريدو) فتألم (خوسيه) لأجل أبنته وعلم أن صراعها
مع نفسها لتقاوم (ألفريدو) لم يفلح فرتب على كتفيها وضمها اليه وقال بحنان :



"يا
ابنتي إن لكل قلب أحكامه وأحيانا لا تكفي قوة العقل للسيطرة عليه وخصوصا
إذا كان الغازي هو الحب....حاولي أن تتجنبيه ولتبقي يومين في القرية عند
صديقتك (نيلا) هناك فأنت لم تزوريها إلا قليلا.....حتى تنسي كل ما جري.."



كانت
(أنجيليتا) تعشق والدها وتعلم أنه في لحظات ضعفها تلجأ اليه كأم لها وليس
كأب فهو لطالما قام بدور الأثنين معا وكان دائما يحتويها ويحتضنها في أكثر
الأمور حساسية ولم يكن قد صرخ في وجهها أو عنفها في حياته قط كان فعلا أحن
أب يمكن أن تحصل عليه ابنة في حياتها ووجدت أن فكرة والدها معقولة أن تبتعد
عن (ألفريدو) قليلا فحملت حقيبة صغيرة وذهبت الى القرية وعندما وصلت لبيت
صديقتها رحبت بها أشد ترحيب وقررت أن تجعلها تنام بغرفتها و أعطتها من
ثيابها وقالت لها :


"لقد
نسيتي أن تأتي للأحتفال الذي أقيم منذ أسبوعان ولكن لا تقلقي هناك احتفال
غدا.....احتفال كبير تقيمه كل مرة في قريتنا يشبه الحفلات التنكرية للنبلاء
فكل فتاة تصنع قماشا رقيقا على بقية وجهها دون عينيها ويتلثم الرجال وفي
النهاية بعد أن يختار كل رجل رفيقته فأنه يريها وجهه وهي كذلك...!!"



ففرحت (أنجيليتا) كثيرا لهذا وقررت أنها لن تفكر في أي شئ وستستمتع بكل لحظة هنا وقررت مشاركة الفلاحات في أعمالهن....



جاء (أندريه) في اليوم التالي ليزور (ألفريدو) ولكنه وجده عائدا من الإسطبل وهو حزين وقال له (أندريه) :

"ماذا
؟!..هل صدتك مرة أخرى الكولومبية ؟!...هل تدرك حماقة ما تقدم عليه.... أن
تحب....لا لن أقولها فأنت تدركها ألا كف عن ما تفعل وعد لرشدك من فضلك.."



فقال له (ألفريدو) :


"
آه يا (أندريه) إنني في كامل رشدي....إنك لم ترها حتى تقرر لم ترى جمالها
الأخاذ....ولم تحدثها لتدرك...لتدرك جمال روحها التي تغمرني بالشوق والهوان
وعلى أية حال فلقد ذهبت لمصالحتها لكنني لم أجدها وقابلت والدها (خوسيه)
الذي عاملني بجفاء قال لي أنها ذهبت للقرية لتبتعد عني بضعة أيام وقال أنه
لن يسامح استغلالي لإبنته وطلب الى أن ابتعد عنها نهائيا.."



"خير ما فعل الرجل وأكثر خيرا لو أنك تستمع اليه..."


"
كيف استمع اليه بالله عليك.....إنني أحبها...أحبها حبا لم يسبق أن أحتل
قلبي لأي مخلوق....ولقد تأكدت أنها تحمل في قلبها شيئا تجاهي...لن أهدأ حتى
أنتزعه من لسانها!!"



"ألا
أحمد ربك أنها لم تكن من تلك الخادمات اللاتي يستغلنك ولم تقم بما هو أفظع
ولم تجاريك إنها الخادمة الوحيدة التي عرفتها والتي تحفظ عقلا كريما داخل
رأسها فكن ممتنا لأنك لم تقع في يد واحدة أخرى غيرها....."



"أي عقل هذا....عقلها أصلب من الفولاذ....لقد سمعت أن في القرية احتفال اليوم...ولابد أن أذهب اليه.....فلعلها ستكون هناك.."


وعندما سمع (أندريه) هذا الكلام عرف ألا فائدة ترجى من محادثة (ألفريدو) وقال له بسأم :


"أتعلم
لن أعارضك بعد اليوم في حبك لتلك....الفتاة.......فأتركها تعلمك درسا
بنفسها....لقد نسيت ما كنت سأكلمك فيه...والآن سأعود للبيت..."



ورحل (أندريه) غاضبا بينما ظل (ألفريدو) يدبر حتى توصل لحل نهائي .......

وضعت
(نيلا) آخر اللمسات على وجه (أنجيليتا) لتجعله جميلا تزيد فتنته أضعافا
ووضعت على وجهها المنديل الشفاف لتصبح جاهزة لحفل الليلة ونزلتا معا فقالت
أم (نيلا) :



"نيلا ها قد أحضرت أجمل فتاة على الإطلاق ومحوت صورتك من الوجود الى جانبها فبجمالها يصعب على المرء رؤية أحد غيرها"


فضحكت
الفتاتان وإتجهتا الى مكان الحفل الذي يعج بالفتيات الفاتنات الواضعات
نقابا شفافا والرجال الملثمبن الذين يشبهون فرسان الصحراء وكانت الضحكات في
كل مكان ومختلف الأنواع من الطعام والزينة والورود وهناك من لديه من
الرجال موهبة العزف فعزف على الآلات البدائية ليصنع جوا رومانسيا للحفل
وهناك من تتباهى بمهارتها في الرقص فترقص على أنغام تلك الآلات وهناك من
يصفق لها ويراقبها وهناك من انشغل في أحاديث مع رفيقه بعيدا عن هذا المكان
فكل رجل أتى ليقابل فتاة أحلامه لعله يقع في الحب هذة الليلة......ليلة
اكتمال القمر...وكل فتاة تنتظر أن تقابل فتى أحلامها ليأسر قلبها ويخطفها
على حصانه الأبيض....هكذا هي حفلة..(ليلة القمر)....كانت (أنجيليتا) في
غاية السعادة لحضور حفل كهذا كان كل شئ جميلا مبهجا ولكنها كانت تكتفي
بالمراقبة ليس إلا ولم توافق على أن ترافق أي رجل طلب اليها ذلك الى أن
ذهبت (نيلا) مع أحدهم فأصبحت هي وحيدة ولكن لم يكن لهذا أهمية عندها فهناك
رجل في قلبها يداعب أفكارها ولا تستطيع نسيانه ولكنها صممت على أن تفعل فهي
هنا من أجل هذا وظلت تطرده من فكرها كلما جاء حتى ظهر القمر فوق القرية
فهلل الجميع وأقاموا رقصة ثنائية فامتدت يد الى يدها وأخذتها دون أن تدري
وأنطلق الملثم بين الجموع ساحبا يدها دون أن يزعج نفسه حتى بسؤالها عن إذا
كانت موافقة أن ترقص معه أم لا لكنها قررت أن ترقص وتستمتع فلم تبالي ووقف
بها في المنتصف ثم استدار لها ليتقابلا ويتلاصقا....فأسرت عيناه
عيناها....فلم تستطع تحويلها عنها وقام هو بقيادتها أصابعه تلتف حول
أصابعها يدور بها....في أفلاك غامضة....بعيدة عن هذا العالم...حيث كل شئ
يتلألأ....مثل النجوم في السماء...فشعرت أنها تطير....تسبح في
السماء....تكاد تلامس القمر المكتمل الذي يطل عليهم....شعرت بسعادة لم تشعر
بها في حياتها....ّذلك العالم الذي خرج من عينيه ليحويها....شعرت أنها
تستطيع أن تنظر الى عينيه ما تبقى ما من عمرها وحدثت نفسها أنها لا تريد
لهاتين العينين أن تنظران لأحد سواها هي فقط...لا أحد آخر...عيناه
اللازوردية...العاشقة الولهانة ونسيت كل شئ والدها وسوزي وآل (فان
دييجو)....و (ألفريدو) فقط الملثم الذي يقف أمامها..هو كل عالمها...عالمها
الحاضر.....


ارتفعت
صيحات الإعجاب....و ارتفع التصفيق فأفاقت من سحر عينيه ونظرت حولها فلم
تجد في مكان الرقص سواها هي وهو فلقد تميزا عن الجميع فوقف الجميع يحدق
بهما وبولعهما الواضح للعيان ولو أنهما لم يريا بعضهما قبل الآن....لم تدري
كيف هذا و شعرت أنه جنون ولكنها شعرت أنها تعرفه....وأنها تحبه وأنه لو
طلب روحها في هذة اللحظة لأعطته إياها دون أدنى تردد...فقبض على يدها
وأخذها من جديد ولكن بعيدا عن الحفل وبعيدا عن الناس وعن العيون المراقبة
ووقفا تحت ظل شجرة حيث نسمات الليل تلفح وجهيهما والقمر فوقهما
يراقبهما...وعيناهما لا تزال متعانقتان...استندت (أنجيليتا) على جزع شجرة
ووقف الملثم ملاصقا لها واضعا يده على وجهها....أصابعه تداعب خدها
وعيناه...عيناه تكاد تجزم أنهما يتكلمان...حتى تكلم هو وقال :


"لقد
انتظرت هذة اللحظة طويلا جدا...انت وأنا...حبنا....أصبح الآن واضحا...لا
إختلاف على وجوده...لقد نمى رغما عنا....وخرج عن سيطرتنا...سواء رغبنا أم
لم نرغب....سواء قسونا..أو رحمنا أنفسنا...سواء بعدنا أو إقتربنا...انت
وأنا المهزومان....والحب...حبنا...هو المنتصر مهما حاربنا...."



تلألأت الدموع في عينيها تأثرا وأمتدت يدها لوجهه...لترفع عنه اللثام ولكنه أمسك معصمها وقال :


"مهما أكون...هل سأكون..فارس أحلامك..؟!...الرجل الذي ستحبين؟!..مهماأكون؟!.." فقالت هامسة شوقا : "مهما تكون....لم أعد أكترث..!!"


فرفعت
اللثام عن وجه....ووجدته لا أحد غير رب قلبها التي حاولت جاهدة تجاهله
وحاولت مهما حاولت أن تحب غيره فوجدته هو نفسه مالك أمرها (ألفريدو)
.....ولكنها لم تنفر ولم تجزع...فلم تعد تبالي (بفرناندو) أو (سيسل) أو أي
أحد...لا يهمها العالم أجمع...هي تريده ...تريده لها وحدها.....ولا يهم أي
شئ آخر...فوداعا لإعتراضات عقلها...فلم تعد تجدي...ولم يعد يجدي الحذر أو
التجاهل..فلقد انفجر نبع حبهما بين رمال قلبها ليحولها الى جنات خضراء
وقالت له مؤكدة :



"مهما تكن....لن أكترث...لا أكترث للعادات والتقاليد....لاأكترث للعالم أجمع....لا أكترث..."

فدمعت
عينا (ألفريدو) وشعر أنه بعد كلماتها لن يكون أبدا الرجل الذي كان فهو رجل
جديد وقلبه قلب جديد فإحساس أن تحب شخصا يجعل قلبك يرفرف سعيدا ويجعلك
تشعر بسعادة لم تشعر بها من قبل لكن أن تشعر أن هذا الحب متبادل وأنه يحبك
بقدر ما تحبه ويحمل لك نفس أنواع المشاعر التي في قلبك فهو شعور مختلف تمام
يجعلك تشعر أنك سيد العالم ومالكه.... وقال لها :


"أني أحبك....يا (أنجيليتا) ....يا حبيبة روحي الوحيدة...."


وقبل راحة يدها ونزلت الدمعة من عينيه فسارعت يدها الى وجهه لتمسحها وقالت هي :


"وأنا أحبك يا (ألفريدو) .....يا أغلى ما في الوجود...."


وبقيا متعانقين ما تبقى من الليل.......

كانت
الأيام التالية هي أجمل ما في عمرهما كان يأتي الإسطبل ليحدثها ويضاحكها
وإذا كانا في حضرة من الناس فكانا يلتزمان الصمت ويتركان العنان لحديث
عيونهما ولم تخبر (أنجيليتا) أحدا عن أمرها سوى السيدة (سوزي) التي كانت
تشعر بقلق كبير عليها وعلى ابنها الذي ربته وإن لم يكن من دمها....خافت على
مصير أحب ولدين إليها وتمنت من كل قلبها لو ينتهي حبهما نهاية سعيدة وراقب
(خوسيه) ابنته وهي تتفتح يوما بعد يوم بعد أن يسقيها (ألفريدو) من رؤياه
وعشقه....كان يعلم أن العالم كله لو حاول منع هذين الإثنين من أن يحبا
بعضهما لما أفلح وبقي صامتا يرتقب جالسا في الهدوء ما قبل العاصفة........



ومن
ناحية (ألفريدو) كان الوحيد الذي يعلم بحبه (لأنجيليتا) هو (أندريه) صديقه
ولكنه لم يكن يزوره كثيرا في الآونة الأخيرة فلقد كان مسافرا لبعض الأعمال
أما السيد (فرناندو) فلقد كان غافلا كليا عما يحصل في قصره وشعرت (فلوريا)
هي الأخرى أن (ألفريدو) يقصيها عن حياته شيئا فشيئا ولكن (سيسل) لم تكترث
لأي تغير من ناحية أخيها فلقد كان لقاءها بحبيبها (روبرتو) هو كل ما يهمها
في هذا العالم.....كان (ألفريدو) يأتي ليلا ليجلس تحت نافذة (أنجيليتا)
ويعزف لها لحنا على جيتاره فتستلقي هي على سريرها حالمة تفكر به وما إن
ينتهي تظهر له وتبعث له قبلة في الهواء....فيقابلها بمثلها ويعود لغرفته
متأخرا كل ليلة على هذة الحالة وأحيانا تذهب هي صباحا بالحصان (روبن) الى
أقصى أملاك عائلة (فان دييجو) ويلحقها هو بجواده حتى يتحدثان لمدة ساعة أو
ساعتين تحت ظل شجرة ومع زقزقة العصافير...كانت تراه دائما يضع قلادة من
الذهب حول عنقه ولا يخلعها مطلقا تلك القلادة كانت حوتين ملفوفين حول
بعضهما بحب وشوق وكأنهما عاشقان وسألته :


"لما ترتدي هذة القلادة دائما؟!..."


"هذة؟!....آه
إني أرتديها منذ كنت في الثامنة فهي تخص أمي الراحلة ورثتها عن أمها فهي
ترمز للحب وأذكر عندما البستني إياها قالت لي - فليغمر الحب قلبك ذات يوم
ليجعلك أسعد مخلوق- وشعرت أني لطالما كنت مرتديا هذة القلادة فسيأتي الحب
إلي لأعيش سعيدا بوجوده في قلبي الى الأبد.....كم كانت أمي محقة....فشعور
الحب وحده من يجعل الإنسان يشعر بالسعادة الحقيقية ولا شئ آخر....أحبك"...




فابتسمت له وقالت :


"إذا كنت تحبني...أحضر لم من تلك الورود الذهبية هناك.."


"إنها زهور الكلوديا...إنها ليست في أملاكنا فهي تخص أملاك عائلة صديقي (أندريه ديميتريوس) لقد ابتعدنا كثيرا عن (كازا بيانكا) "


"ولكن هل يمنعك هذا من أن تقطف لي منها..؟!.."


"لا أبدا انتظري حتى أقفز فوق السياج لأحضر لك منها..."


وقفز
هناك واختفى بين غصون الأزهار فابتسمت بفرح أنه يجعل قلبها يدق بأسرع مما
لو ركضت ألف ميل ثم شعرت بحركة تجاهها فوقفت بقلق واتجهت الى حيث سمعت
الصوت عند بقعة مختفية خلف الأشجار فرأت اثنان متعانقان وكأنهما بقيا هكذا
ساعات وساعات...لم تستطع أن تتبين من تكون الفتاة وكذلك لم تعرف الشاب على
الرغم أن وجهه في مقابلتها كان شابا يافعا وعلى الرغم من شكله المبالغ إلا
أنه كان يبدو حقا في قمة عشقه لتلك الفتاة وما إن انفصلا حتى سمعت صوت
(سيسل) تقول :


"
(روبرتو)...كم انتظرت هذة اللحظة.....لقد اشتقت إليك كثيرا جدا....أرجوك
لا تسافر وتتركني هكذا مجددا أبدا....فلم تكن رسائلك تفلح حتى في تهدئة نار
شوقي وحنيني إليك..."



فقال الشاب :


"وماذا
بيدي ياحبيبتي (سيسل)؟!...على أن أدرس لأحصل على شهادة عالية تكفي لتعادل
قلة ثروتي أمام والدك حتى يقبل بي فتصبحبن عروسي ولا أنفصل عنك ما تبقى من
عمرى أيتها الغالية.."

فعرفت
(أنجيليتا) حقيقة الأمر وشعرت أن (ألفريدو) لن يكون سعيدا إذا رأى هذا
فاتجهت بسرعة الى حيث كان وحاولت أن تشغله قدر الإمكان ثم طلبت منه أن
يعودا سويا على أن يتقابلا غذا في نفس المكان ليقطف لها المزيد من زهور
الكلوديا...




لا
تدري لما فكرت (أنجيليتا) في اخفاء أمر (سيسل) وذلك الشاب عن (ألفريدو)
ولكنها فضلت أن تقرر (سيسل) وحدها لحظة اخباره بالأمر فلابد أنها تخفي هذا
الأمر لسبب ما وخصوصا أن (روبرتو) حضر لزيارتهم كثيرا في القصر وحل ضيفا
على مائدتهم أكثر من مرة دون أن يبدو (ألفريدو) عالما بأي شئ وعامله بشكل
محايد بينما أخفت (سيسل) تماما الألفة والمودة التي تجمعهما بل من يراهما
يجدهما يتعاملان بتكلف النبلاء المعتاد ولا يمكن أن يشك في أنهما كانا
عاشقان قبل ذلك بساعات قليلة....كما لم يبدو على أحد أنه علم بالأمر سواء
(فرناندو) أو (أندريه) أو غيرهم.....



دخل
(ألفريدو) ذات يوم الى المطبخ ونظر حوله فلم يجد سوى السيدة (سوزي) فشعر
بالإحباط لأنه كان يتمني رؤية (أنجيليتا) فهو كان دائما يتذرع بأي حجة
لينزل المطبخ ويراها ولكن السيدة (سوزي) رمقته بنظرة ناقدة وقالت له بتجهم :



" إنها ليست هنا..!!!"


فقال مستنكرا :


" ومن هي؟!....أتيت لآكل بعض الحلويات...."


"إن
حبك لها سيزيد من وزنك دون شك....لاتتظاهر بأنك لا تعرف عما أتكلم فلقد
كانت هي أكرم أصلا منك بأن باحت لي بكل شئ معتبرة أني أم لها وأنت....الذي
ربيتك طوال عمري لم تفكر أن تبوح لي بشئ من هذا "



"أعذريني
يا عزيزتي....لم اكن أفكر في إخبار أي أحد ولم أقصدك أنت...وبما أنك
تعرفين فإنني أعترف لك أني لم أكن قط سعيدا كما أنا الآن ولم أكن عاشقا
هكذا من قبل بل ولا أظني سأكون أبدا لسواها ما تبقى من حياتي"



فطلبت السيدة منه الجلوس واقتربت منه وركزت في عينيه بنظرة جادة وقالت بلهجة قوية:


"اسمع
يا (ألفريدو)......رغم أني لم أعرف (أنجيليتا) إلا منذ أن جاءت الى هنا
ورغم أن معرفتي بك تفوقها بكثير إلا أني أحذرك....إياك وأن تفكر لحظة في
التسلية بها أو اللعب بمشاعرها أو خداعها.....فهذا دون شك سيقتلها وسيحطم
كيانها كله.....وإن حدث ذلك.....فلن أسامحك طيلة حياتي ولن يريح أبدا
السيدة (آنا) رحمها الله في قبرها....هل تفهم هذا؟!.."



"انت
تخيفينني يا سيدة (سوزي) صديقيني لا يمكن في يوم من الأيام أن أفكر في حب
أحد سواها أبد....آه لو تدخلين قلبي وتعلمين مقدار حبي لها....وترين كم
اسمها محفور داخله بحروف من نار لا يمكن أن يطفئها أي شئ في هذا
العالم....فلا تتعبي قلبك الرقيق في القلق عليها أو على علاقتنا فأنا وهي
كيان واحد وقلب واحد وإذا ما هزها شئ فكوني موقنة أن هذا كفيل بقتلي قبلها
ثم أنت تعرفين الطفل الذي ربيته طوال عمرك....فهل ترين هذا الوجه البرئ
يمكن أن تكون لخائن أو مخادع؟!..."



ونظر
إليها ببراءة واستكانة ممازحا فابتسمت السيدة (سوزي) فعانقها وضحكت هي من
كل قلبها.....ورحل بعد ذلك ليكمل ما بقي من أعماله وبينما هو يسير اتجاه
غرفته حتى ظهر السيد (فرناندو) من مكتبه وناداه بصوت قوي :



" (ألفريدو) ؟!...تعال أريد أن أتحدث معك..."


فذهب
(ألفريدو) الى مكتبه قلقا وعندما جلس والده ولكن (ألفريدو) ظل واقفا مكانه
في مقابلة ابيه الذي بقي يحدق به فلقد ظهرت ملامحه بجلاء تحت ضوء المكتب
وظهر الشبه السافر بينه وبين أمه مما تسبب (لفرناندو) بالضيق حتى حل ربطة
عنقه وقال له :



"اقترب فلا أريد الصراخ بصوت عالي حتى تسمعني......"


وما
إن اقترب حتى لمع في صدره شئ معلق....كانت قلادة الحوتان وعندما رآها شهق
الأب (فرناندو) ذاهلا فهي كانت قلادة (آنا) التي عشقتها طوال حياتها وكان
هو يمقتها بشدة حتى طلب منها مرات عديدة أن تتخلص منها على أنها ليست أصلية
وذات شكل سخيف للغاية ولكنها أبت أن ترتدي أي قلادة من الماس بدلا منها
وظلت محتفظة بها في رقبتها وظن أنها اختفت مع موت زوجته ولكن وجودها في صدر
ابنه كان كما لو أن روحها ظهرت بجلاء أمامه وشعر في لحظة جنون أنها أمامه
وأنها تنظر اليه بسخرية لما آلت اليه أموره بعد أن نحاها جانبا ورفض كل ما
كانت تقوله أو تؤمن به فعبس بضيق وصرخ :



"لما تلبس هذة القلادة؟!...أخلعها حالا......أخلعها....أنا لا أطيقها..!!"


فامسك بها (ألفريدو) في حركة دفاعية وقال متعجبا :


"لقد كانت لأمي يا أبي....فلما أخلعها أني أحبها.....لقد وعدت أمي ألا أخلعها أبدا...."


فازداد ضيق والده وقال له محاولا تناسي الموضوع :


"ما ناديتك لأحدثك في هذا....أريد أن أعرف ماذا ستفعل بشأن (فلوريا) "


"وماذا عنها؟!....."


"لا تتذاكى معى أيها الشاب أنا أعني لما لم تطلب يدها الى الآن؟!"



فصدم
(ألفريدو) وشعر أنه ليس موقف في صالحه كما ليس في صالحه أن يعرب عن رغباته
الحقيقية الآن فالأفضل أن يترك الأمور هكذا الى أن يجد حلا فقال :



"إني
لا استطيع أن أفعل ذلك الآن....احتاج الى المزيد من الوقت لأنهي بعض
الأمور وأختار اللحظة المناسبة وحينها سأتخذ القرار الصحيح وسيكون كل شئ
على ما يرام.."



فكان
(فرناندو) على وشك قول شئ لكنه تراجع وقرر ألا يضغط عليه كثيرا حتى لا
يتراجع في قراره وقرر انتظار بعض الوقت وهذا لن يضير كما شعر باختناق شديد
من وجوده معه وهو يشبه أمه هكذا فطلب إليه الرحيل مسرعا....



ومرت
الأيام التالية دون مشاكل فلقد استمرت لقاءات (ألفريدو) و (أنجيليتا)
واستمرت وعود الحب بينهما حتى استطاع أن يعمل معزوفة لها خصيصا على جيتاره
وكان يعزفها لها مرارا دون أن يظهر لأحد أنه يقصدها هي دون غيرها بهذا
اللحن كذلك (سيسل) قررت أن تجعل لقاءاتها مع (روبرتو) تنحصر في قصر (روزا
نيرا) لعائلة (فلاديمير) ولم تكن (ساندرا) أو (فلوريا) تعارض هذا الأمر لكن
(فلوريا) لم تقابل (ألفريدو) أبدا في هذة الفترة بل كانت تتجنب لقاءه مما
كان يثير حفيظة أمها ولكنها كانت تشعر بقلبها جريحا (فألفريدو) يعيش في
عالم آخر ولا يحس بأدنى مشاعر مما يعتمرقلبها وشعرت برغبة ليس فقط بهجره بل
بهجر العالم أجمع وظلت معظم ساعات يومها حابسة نفسها في بيتها وفي غرفتها
تحديدا.....



لم
يستطع (ألفريدو) أن يحمل الحصان (روبن) على طاعته ولم تبوء محاولته
بامتطاءه إلا بالفشل فلم يكن يقبل لأحد أن يقترب منه سوى (أنجيليتا) وكانت
هي تتفاخر بهذا الأمر ولذلك استسلم هذة المرة وأخذ حصانه المعتاد (سرجيو)
وذهب الى زيارة صديقه (أندريه)...وكانت (أنجيليتا) قد افتقدت (ألفريدو)
كثيرا فقررت ملاقاته على حدود الأراضي بين أملاك عائلتي آل (فان دييجو) وآل
(ديميتريوس) بالقرب من مزارع زهور الكلوديا وشعرت بصوت يقترب منها وأصوات
جياد أيضا فاقتربت ليتناهى لمسامعها حديث كل من (ألفريدو) و (أندريه) الذي
لم يكن سوى عنها فسمعت (أندريه) يقول :




"انت لست صديقي الذي أعرفه....لقد غيرت تلك المرأة طبعك كثيرا وجعلت ولاءك
لا لأحد بل لها وحدها....لقد فقدت عقلك تماما ولم يعد في تصرفاتك ذرة من
العقل ...بحق السماء افق مما انت فيه وانظر لما تصنع قبل أن تأتي ضربة
القدر لتفيقك وترى ما دمرت من حياتك وعلاقتك بالناس الذي يحبونك.."



فنظرت الى (أندريه) ووجهها الهادئ عادة يحمل علامات الغضب والإستنكار بينما يحمل وجه (ألفريدو) الهدوء والسكينة وهو يقول :


"أدرك
خوفك علي من النتائج وقلقك ولكنك وأؤكد لك ذلك يا (أندريه) ستعرف حقيقة
الأمر وتعذرني حينها فهي ليست بنزوة عابرة وليست حب مراهق بين رجل وخادمته
بل هي أسمى علاقة يمكن أن تربط الرجل بالمرأة.....فأنا أحبها بل أشعر أنه
لاتوجد امرأة في هذا العالم يمكن أن تكون الى جواري أوتفهمني غيرها ما تبقى
من عمري..."



فرحلت
(أنجيليتا) مكتفية بما سمعت ولكن كلمات (أندريه) جعلتها تشك فيما يحدث
وجعلتها تغرق في التفكير في كل ما قد يحصل جراء هذا الحب الذي لن يكون هناك
من ينصره من جميع الناس من حولها اللهم إلا (سوزي) رئيسة الخدم ولكن هذا
ليس كافيا وظلت هكذا حتى استسلمت لنوم عميق....



في
اليوم التالي حضر (روبرتو) لزيارة آل (فان دييجو)وكان يأمل أن يرى (سيسل)
فهي لم تحضر لقصر (روزانيرا) منذ زمن طويل وأخبر رئيس الخدم (لوسيانو) بأن
يخطرها بقدومه وانتظرها في الردهة حتى خرج (فرناندو) من مكتبه فجأة وكان
منظره يبعث على الرهبة كما المعتاد فنظر إليه (روبرتو) كما لو كان متهما
يوشك على الإعتراف بما اقترفه من ذنب فبادره (فرناندو) :



"آه أنت هنا؟!......كيف هي السيدة (ساندرا) وابنتها؟!...."


"إنهما بألف خير شكرا...جئت لأني أشعر بالوحدة هناك وقررت أن أتحدث مع (سيسل) قليلا....أعني الآنسة (سيسل) "


فنظر اليه السيد (فرناندو) بازدراء وقال :


" (سيسل) ...لا بأس بهذا....أخبرني أيها الشاب....ألم تفكر في الزواج الى الآن؟!..."


فأجفل (روبرتو) بقلق وقال :


"أنا؟!...بلى...بلى ولكني...لم أجد الوقت المناسب بعد..."


"لماذا يقول الشباب جميعا نفس الكلمة؟!...ترى هل تفكر في فتاة محددة...؟!.."


"نعم...نعم ياسيدي...ولكني انتظر لأكون شخصا مناسبا كفؤا لأثير اهتمام والدها حتى يقبل بي"


فابتسم السيد (فرناندو) بسخرية وقال :


"أفهم
قصدك تماما....فأنت شخص بلا ثروة وبلا أي شئ يميزك لتقبل بك أي
فتاة....عليك أن تعمل طويلا....حتى تصل الى المكانة المناسبة هاها"



فغضب (روبرتو) وشعر بخجل وخزي كبيرين ولم يدري بما يجيب وقال متلعثما من فرط الغضب :

"أنت
مخطئ يا سيد (فرناندو) في أني لا أملك أي شئ...أنني أملك العلم فلقد
تخرجت من أشهر جامعة في امريكا....وهذا هو ما يهم هذة الأيام..."



فقال السيد (فرناندو) بصوت مرتفع :


"أنا
لا أخطئ يا (روبرتو)......فلو كنت مكان والد تلك الفتاة......لما أعرت
شهادتك التي تتفاخر بها إهتماما فالمهم هو كيف تدير أملاكك وتتفاعل مع
مشاكل الحياة بصلابة ورابطة جأش وهذا لا يمنح لشخص جلس وراء الكتب في أهم
سنين حياته.....وعلى كل حال فأنا أتمنى لك التوفيق "



فظل (روبرتو) يتميز غيظا ولا يدري ما يقول فاستأذنه واستدار راحلا فناداه (فرناندو) :


"ألم تقل أنك قادم للتحدث قليلا مع (سيسل) أيها الشاب؟!..."


"بلى ولكني لم أعد أريد ذلك الآن.....أعني أني تذكرت شيئا طارئا على انجازه....بإذنك"


ورحل
مسرعا وابتسم (فرناندو) بسخريته المعهودة بينما سقطت (سيسل) باكية عند
أعلى الدرج المؤدي للطابق العلوي من القصر لأنها سمعت حديثهما وشعرت أن كل
قصور الأحلام التي بنتها قد تهدمت بين طيات بعض الكلمات.....

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل الرابع


[[ الجراح الدامية [[

في تلك الليلة كان (أندريه)
يسير بحصانه.....كان يسير طويلا ويفكر ويفكر فيما آلت إليه أمور الجميع من
حوله وفيما أصبح عليه حال قلبه بعد مع حصل معه ومع (سيسل) فهو لم يرها من
فترة طويلة للغاية والغريب أنه لم يشتق لها كما كان يتوقع بل توقع أنه لن
يصمد أكثر من أسبوع دون أن يهرع لملاقاتها من جديد ولكن حجم حبها في قلبه
قد تضاءل مع الوقت والبعاد كما ساعدته عزة نفسه وكرامته التي جرحت بعد أن
رفضت حبه بالتوقف عن التفكير فيها شيئا فشيئا........ظل سائرا بحصانه حتى
طلوع الفجر فهو كان يحب هذا الوقت دائما للتنزه بحصانه ورؤية العالم وهو في
ظلام دامس لا يلبث أن يتلاشى شيئا فشيئا ويحل الصباح ونور الشمس الذي يحول
كل شئ وكل كائن سواء حيوان أو نبات بل ويحول صورة العالم المظلم الموحش
الى عالم ممتلئ بالحياة والحيوية......كان يحدق في كل ماحوله حتى وصل الى
سفح عال ووقف بحصانه على ضخرة كبيرة تحتها على بعد لابأس به يقبع نهر رفيع
يوصل أملاك الأسرتين معا.....ولم يشعر بالصخور وهي تتحطم فجأة من أسفله إلا
عندما تراجع الحصان في حركة فجائية فجعلته يندفع الى الأمام ليقذف من على
ظهر الحصان الى أسفل......!!!





كانت
لحظات رهيبة هي التي تلت هذا وهو في أسفل الطريق يتأوه ويتألم ويعلم ألا
أحد سيسمعه أو يأتي لنجدته أبدا ولا يلبث أن يموت هنا وشعر بألم رهيب في
ساقه ونظر اليها بإعياء فوجد جزعا من أحد الأشجار قد اخترقها وفجر الدم
الذي تناثر هنا وهناك فشعر بالهوان وإستسلام ولم يدري ماذا يمكن أن يفعل
وظل يصفر في كل اتجاه لعل (ألفريدو) يفهم اشارته فهو الآن في أرض آل (فان
دييجو) وكانت تلك الصفارة هي سبيل الحديث بينه وبين (ألفريدو) أثناء
رحلاتهما للصيد وتمنى لو أنه يسمع أوفكر فيما قد يكون حصل له.....ظل يصفر
لمدة نصف ساعة حتى أصابه الإنهاك وجعله فقدان الكثير من الدم يشعر بدوار
رهيب ولم يعد قادرا على فعل شئ فشعر ألا حل له سوى الإستسلام وبقى في مكانه
لا يدري ما يحدث من حوله ولا يعلم كيف سينتهي به الأمر وكل ما يرجوه أن
ينتهي بسرعة.........الى أن سمع خطوات قادمة نحوه وما هي إلا لحظات حتى شعر
بشخص الى جواره يضمد له جروحه ويمسح عنه عرقه والتراب الذي غطى وجهه ففتح
عينيه ببطء.....بعد أن استطاع الرؤية بشكل جيد وجد فتاة ذات بشرة برونزية
سوداء الشعر غدائرها تنسال من جانبي رقبتها.....تحدق به بأسى وتقول :




"أرجوك تماسك يا سيد (أندريه).......سوف تكون بخير فقط ساعدني..."



وأشارت
الى جذع الشجرة الذي اخترق قدمه وفهم أنها سوف تقوم باقتلاعه فتحمل الألم
وعندما فعلت صرخ بشدة ثم تهاوى لكنها هدأت من روعه وخلعت القماش الذي كانت
تلفه حول رقبتها كزينة ثم لفته حول قدمه لتوقف النزيف وأحضرت له ماء بين
راحتيها وقامت بارواءه فكاد يبتلع يدها من عطشه وظل يتلوى من الألم بعض
الوقت الى أن هدأ وهي الى جانبه ثم قالت :




"يجب أن نعود الآن أنا وأنت....هل يمكن أن تساعدني على أن أجعلك تركب على الحصان ... فقط الى أن تركب؟!..."



"أجل....أجل....لكن لنرتح دقائق فقط....أشعر بإعياء ودوار شديدين...."



وظل
يتنفس بهدوء وانتظام ثم أدار رأسه ونظر إليها بعين متفحصة...كانت فعلا
رائعة الجمال.....هكذا حدث نفسه....كانت كالملاك الذي يأتي لإنقاذ الرجال
في حالة أن أصيبوا في معركة ما.....ملاك رائع الجمال يطل عليهم من بين
آلامهم ....ولكنه كان واثقا أنها ليست إيطالية ووجد نفسه ودون سبب يقارن
بينها وبين (سيسل) فوجدها على النقيض كانت تبدو واثقة معتدة بنفسها رقيقة
لأبعد حد يمكن الإعتماد عليها في أصعب الظروف فلم يملك نفسه إلا أن أعجب
بها بشدة وبشجاعتها وشعر بالإمتنان الشديد لها ثم قال بإعياء :



"أشكرك بشدة....أنت انسانة رائعة....... لابد أنك تعلمين أني (أندريه ديميتريوس).....ولكن أنت من تكونين؟!....."


فنظرت اليه بريبة وقالت :


"قد لا يسرك أن تعرف......وقد تغير رأيك في بعد ذلك....."


"هذا مستحيل.....مستحيل تماما.......لقد أنقذت حياتي ويعلم الله كم كنت سأبقى هنا لو لم تحضري الى وتنقذيني..."


"لقد سمعت صفارتك ورأيت حصانك عندما اقتربت وعندما نظرت لأسفل رأيتك مستلقيا هنا...على أية حال أنا هي (أنجيليتا خوسيه)...!!"


فجمد
(أندريه) في مكانه ونظر إليها بعينان جادتان فشعرت أنه من المؤكد سوف يغضب
كثيرا فلقد كان ينهر (ألفريدو) لإعجابه بها ولكنه قال :



"أستطيع الآن أن أدرك مشاعر (ألفريدو).......والواقع أصبحت أقدر إحساسه....بل ولا أملك إلا أن أناصره....!!!"


فأشرق وجهها ابتهاجا وقالت :


"أعتقد أن (ألفريدو) سيسعد كثيرا إذا سمعك تقول هذا ..."


"لابد
وأن يسمعني وسأقولها له ألف مرة....كما لم يخطئ عندما وصف جمالك بأنه جمال
فريد من نوعه...حقا أنه محظوظ!!" فابتسمت (أنجيليتا) خجلا.....وابتسم لها
(أندريه) ثم قال :



"والآن أنا مستعد.... فلتساعديني لأصل الى حصاني....."


فاتكأ
عليها بثقل جسمه وكم كان ثقيلا ومتجمد العضلات...كان يشعر أن جسده قد توقف
عن الحركة كليا وظل يتأوه بشدة وعلى الرغم من قرب الحصان منهما بدت الرحلة
طويلة إليه وكان الأصعب أن يرفع نفسه ليكون فوق جواده وكانت (أنجيليتا)
تكاد تحمله حملا وبمجرد أن ركبت أمامه حتى شعر بشبه إغماء ومال
فوقها.....ولما كان (اندريه) في نفس حجم (ألفريدو) فلقد كان ضخما بالنسبة
لها بحيث صعب عليها قيادة الحصان وهذا الثقل فوق ظهرها ورأسها أيضا ولكنها
كافحت وتحملت وصممت أنها ستصل حتى لو كلفها هذا حياتها.....



عندما
عاد (ألفريدو) الى القصر علم بما حصل لصديقه المسكين فأسرع الى الغرفة
التي وضعوه فيها وكم ساءه منظر صديقه وعلم من الخدم ما فعلته (أنجيليتا)
فاستبشر فرحا لهذا وما إن فتح (أندريه) عينيه حتى قال :



" (أندريه) ياعزيزي...هل أنت بخير؟!...لا أصدق أن هذا حصل لك.....ليتني كنت هناك....أحمد الله أنك بخير"


فابتسم (أندريه) وقال :
"الفضل
يعود لحبيبتك......إنها انسانة رائعة.....حقا رائعة.....أنا آسف على ما
قلته لك في حقها.....وكما حاولت إقناعك من قبل أن تتركها فأقول لك
الآن......إياك أن تضيع هذة الجوهرة من بين يديك...."


فضحك (ألفريدو) بفرح وأمسك يد صديقه ثم قال :


"من الواضح فعلا أن الإعياء قد أثر عليك......إنسى كل هذا ونم ياعزيزي واسترح.....فكل ما يهم الآن هو صحتك......."


وما
لبث أن تحسن (أندريه) بالوقت وازداد حب (ألفريدو) (لأنجيليتا) حتى أصبح
مضاعفا ولم يعد بمقدوره أن يترك يوما يمر دون أن يراها فكان يتصرف بصبيانيه
أحيانا تكاد تفضح أمرهما ولكن السيدة (سوزي) كانت تفعل ما بوسعها لتغطي
على ما يفعلانه وكان البيت في حالة هدوء عام ولكن كان هناك شخص لا يستطيع
أن يغمض له جفن وهو (سيسل) التي كادت تجن بعد أن أختفى (روبرتو) منذ آخر
لقاء بوالدها ولم يرد على رسائلها له التي أرسلتها له مع خادمتها لقصر
عائلة (فلاديمير) على أنها (لفلوريا) ولم يزرهم بعد ذلك قط وتساءلت بحنق
كيف يستطيع أن يهجرها هكذا لمجرد أن والدها قال له بضع كلمات لم تعجبه
وكانت تريد أن تفعل أي شئ فتذكرت أن (فلوريا) حابسة نفسها في غرفتها منذ
فترة والجميع يقول أنها مريضة فنزلت وقالت (للوسيانو) رئيس الخدم إذا سأله
والدها عنها فليقل له أنها ذهبت لزيارة (فلوريا) ولكن (ألفريدو) ناداها
ثم قال :



"مهلا يا (سيسل)......هل هناك مشكلة مع (فلوريا)..؟!...."


"أجل
يا (ألفريدو)......فعلى الرغم أنك تنام يوميا في هذا البيت إلا أني أكاد
أجزم أنك لا تعيش فيه ولا تعلم عن أهله شيئا (ففلوريا) مريضة وحابسة نفسها
منذ مدة وانت لم تكلف نفسك بالسؤال عن سبب إختفائها فجأة بل إنك حتى على ما
يبدو لم تلحظ ذلك..."



"أنا آسف حقا...كنت منشغلا كما تعلمين بأمور الشركات والأعمال التي أوكلها لي والدي...ولكن مهلك.....سوف أذهب معك لزيارتها..!!"


وركبا
العربة سويا وذهبا الى قصر (روزانيرا) ولكن (سيسل) لم تكن سعيدة بمجئ
(ألفريدو) فهي لا تريده أن يعلم شيئا عما بينها وبين (روبرتو) كما تمنت لو
أنها تستطيع الإنفراد (بروبرتو) وظلت تفكر طوال الطريق في حجة تستطيع
اتباعها لتحقق ذلك.....




ما
إن وصلوا حتى صعد الإخوان الى غرفة (فلوريا) ومعهما السيدة (ساندرا) أم
(فلوريا) ودخلت (سيسل) أولا وسلمت على (فلوريا) بحرارة ثم دخل (ألفريدو)
وما إن رأته (فلوريا) حتى أشاحت بوجهها بحزن وأسى فقرصتها أمها في ذراعها
ثم قالت :



"
(فلوريا) لديها الكثير لتحدثك عنه يا (ألفريدو) فهي كانت تنتظر زيارتك
بفارغ الصبر....هيا بنا يا عزيزتي (سيسل) لننتظر قي الخارج..."



وبذلك
وفرت على (سيسل) مشقة التهرب والتحجج وطبعا كانت (ساندرا) على علم
بالرسائل بين (سيسل) و (روبرتو) ولكنها لم تكن ذات حكم في هذا الموضوع
فقررت أن تدعهما يفعلان ما يريدان وأخبرتها عن مكان (روبرتو) فأسرعت (سيسل)
إليه.....كان يدخن غليونه ويحدق في اللاشئ فجرت إليه وعانقته ظهره وقالت :



"ياإلهي كم اشتقت إليك يا حبيبي...."


فاستدار مندهشا وقال :


" (سيسل)؟!....متى أتيت؟!...لم يعلمني أحد بوجودك....."


"لماذا
ذهبت عني كل تلك الفترة؟!.....ألا تعلم أني كدت أموت حزنا وأنت بعيد
عني؟!....ألم يكفيك ما قاسيته من سفرك كل تلك المدة.؟!...والآن انت وأنا في
نفس البقعة ولا يفصلك عني شئ......وترفض ملاقاتي؟!...."



ثم انفجرت باكية فحرقت قلبه دموعها وحاول تهدئتها ومسح دموعها ثم قال :


"لقد اشتقت كثيرا لك أنا أيضا....ولكن والدك..."


"أعلم ما حصل فلا تشرحه لي....وما ذنبي أنا إن كان قد قسى عليك...؟!..."


"قسى
علي؟!......لقد سحق كرامتى وشرف أسرتي و كياني تحت قدميه دون أدنى
رحمة....لقد سخر من كل ما أملكه وأحلم به لمجرد أني آملت أمامه الحصول على
الفتاة التي أريدها فما بالك لو علم أنه والدها....."



"أنه مجرد كلام..........لا يمكن أن يحدث شئ من هذا........ألست تحبني وتضحي بأي شئ من أجلي؟!......."


فعبس بجد وقال :


"لقد
ضحيت من اجلك كثيرا جدا من وقتي وجهدي وأدرت دفة مستقبلي مئة وثمانون درجة
لأكون عند حسن ظنك ولم أفكر لحظة ما إذا كان مستقبلي هذا محبب إلي أم لا
وأنا على استعداد لأضحي بالمزيد ولكن هذا كله بلا فائدة فوالدك لن يقبل
شابا مثلي وهو دائما يضعكما انت وأخاك في مكان عال.....عالي على كل الناس
لا يصل إليكما إلا من هم مثلكما فوق...... أما أنا......أنا لا يسعني إلا
أن أنظر إليك من أسفل ..........وأندب حظي على أني لا استطيع الوصول
لك...."




"ماهذا
الذي تقوله؟!.....لست بحاجة للوصول إلي....أنا من سيأتي إليك....أنا أحبك
وسأظل دائما أحبك مهما حصل.....ولكني لا استطيع الزواج إلا بموافقة والدي
وما عليك سوى أن تتقدم إليه واترك إلي البقية"



"أتقدم
إليه ليهينني ويهين أسلافي من جديد ؟!...أستطيع تحمل أي شئ لأجلك لكن أن
يهين كرامتي فهذا شئ لا استطيع احتماله مطلقا لن يغير من الأمر شئ فأنا
كما أنا...... عملة فضية.....مهما طليتني باللون الأصفر .....فلن أكون
ذهبيا"



"توقف
عن الكلام السخيف الذي تقوله....إن تضحيتك لأجلي مجرد كلام واه....كلام
تقنعني به ليس إلا ولكن عندما وضعت في المواقف الحقيقية مثل لقاءك بأبي
فررت هاربا مع كلمتين قالهما لك.......أنه سيقول لك المزيد وعليك تحمله
لأجلي.....لأجل حبنا.....هذا قدرنا وعلينا أن نسعى ونضحي بأي شئ لأجل
الوصول إليه...."



كانت
تمسك ذراعه بقوة ولكنه حل ذراعه من يدها واستدار بعيدا عنها فنزل الأمر
عليها كالصاعقة وشعرت أنها ربما تحلم بكابوس ولكن لا يمكن أن يكون هذا
حقيقيا هذا مستحيل.... مستحيل أن يتخلى عنها الآن وبعد كل هذا......بعد
حبهما والعالم الذي بنته في خيالها كلوحة لم يبقى لها سوى أن
تنفذ......عالمهما سويا وحياتهما سويا تقطعت الى قطع صغيرة...... فلم تملك
إلا أن ضربت ظهره بغضب بكلتا قبضتيها وجرت باكية بعيدا...




وفي
تلك الأثناء كان (ألفريدو) يحدق في (فلوريا) بإستغراب من تصرفاتها فهي
عادة تقابله بسعادة وبهجة لا يوصفان وهذة هي المرة الأولى التي يراها فيها
عابسة بهذا الشكل وحزينة الى هذا الحد ثم جلس على السرير الى جوارها بعد أن
تفحصها ما فيه الكفاية وقال :

"ياعزيزتي
(فلوريا) كم أنا حزين لأجلك ولأجل مرضك.....صدقيني لم أعلم إلا من (سيسل)
لذلك جئت مسرعا لأراك....ما رأيك أن أقرأ لك قليلا من كتاب ما حتى
أسليك؟!..."



ولكنها رفعت الغطاء إلى ما فوق أنفها وبدأت عيناها تدمعان ولم تجبه فازدادت حيرته فقال بصوت حنون بعد إن اقترب منها :


"ما
الأمر ياعزيزتي؟!.....هلا أخبرتني....ألسنا صديقان حميمان وتخبريني بكل ما
يجول بخاطرك؟!.....ألم نعتد على ذلك؟!.....هيا أخبريني قد أستطيع مساعدتك"



"وانت يا (ألفريدو).....هل تخبرني دائما......بما يجول في خاطرك ويقلقك؟!...."


فاندهش من ردها وتراجع قليلا فرفعت الغطاء وقالت بتحد ودموعها تغطي وجهها :


"الإجابة
هي بالتأكيد لا.....أنت لا تهتم بي ولم تكترث لعدم حضوري مطلقا ولم تكترث
حتى بالسؤال عن السبب....أنت لا تهتم بي مثقال ذرة....فكيف بربك ستساعدني"



وانخرطت
في بكاء مرير فتأثر (ألفريدو) ولمنظرها وشعر بالخزي والخجل لما فعله ولم
يعرف ما يفعل ليصحح الوضع فوضع يده على كتفها وقال بحنان :



"أنا
جد آسف يا (فلوريا)......لم أدرك حجم الإهانة التي سببتها لك إلا بعد أن
سمعت كلامك.... وأعلم أنك دائما طيبة القلب ورقيقة....هلا سامحتني
أرجوك.....لأجل خاطري لا تظلي غاضبة على....والآن أرجوك أخبريني عن سبب
حزنك ومرضك المفاجئ فلا تبدين لي مريضة جسمانيا..."



فهدأت
تدريجيا ويداها تغطيان وجهها وانتظم تنفسها وما إن نظرت إليه حتى جزع من
نظرتها الحانقة الحزينة وهي تبعد يده عن كتفها وهي تقول :



"انت
هو سبب كل ما أنا فيه......أنت فقط ولا أحد سواك.....والآن بعد أن أيقنت
أنه لا سبيل لك لمساعدتي.....أرجوك دعني وحدي فرؤياك تمزق قلبي وتعذبه..."



ولم
تفتح فمها بكلمة بعد ذلك فخرج (ألفريدو) وهو الآخر دون كلمة وشعر أنه من
الأفضل له ان يقابلها في وقت آخر فهي تبدو في أسوء حالاتها الآن ولكنه لم
يجد أخته مع السيدة (ساندرا) بل وجدها في السيارة وهي تحاول جاهدة أن تخفي
أنها كانت تبكي ورحلت السيارة حاملة الإثنان وهما في أشد حالاتهما حيرة
واستهجانا......




مالبث
(ألفريدو) أن تناسى حادثة (فلوريا) بعد أن أمضى وقته مع حبيبة قلبه
(أنجيليتا) وكان قد لحن لها لحنا جديدا وسأل عنها فعلم أنها في الإسطبل
وعندما ذهب الى هناك وجدها تنظف الحصان (روبن) فوقف بعيدا عنها قليلا وظل
يعزف على جيتاره اللحن وكان رائعا مؤثرا واستدارت له تحدق به بعشق دون أن
يكونا على مرأى من أحد وبعد أن انتهى من اللحن اقتربت منه وقالت :


"أنه رائع يا (ألفريدو)......رائع....ما اسمه..؟!..."


"أسمه لحن (أنجيليتا) .....!!"


ففرحت
وأخذته بين ذراعيها....كان كل اطمئنان العالم يدخل قلبها عندما تكون هناك
في حضنه.....لا يمكن أبدا أن يؤذيها أحد وهي هناك ولكن في أعماق قلبها كان
هناك خوف كبير.....خوف من القدر أن يسلبها إياه شعرت أنه إذا حصل هذا فقد
تموت حقا وعندما جاء لها هذا الخاطر اضطرب قلبها فشعر (ألفريدو) به وقال
بحنان :



"يا عزيزتي....لما اضطرب قلبك؟!.......أهناك ما تخافين منه؟!...."


"أخاف من غدر الزمن يا (ألفريدو).......أخاف أن أصحو يوما ولا أجد لحبنا وجود....أخاف مما يخبئه لنا مستقلبنا...."


"ما
كل تلك الأوهام.......إنك تصنعين المشاكل في خيالك ليس إلا.....ثم مهما
خبئ لنا الزمان فهذا لن ينقص من حبنا ذرة أو على الأقل من حبي أنا.....لا
يمكن ألا أحبك أو أن أتخلى عنك مهما حصل.....مهما حصل...فليكن عندك الإيمان
بي وبنفسك وبحبنا هذا أهم شئ ياحبيبتي.."



مر
يومان كاملان و(سيسل) تكاد تتمزق إربا من فرط حسرتها على نفسها وألمها وما
آلت اليه أمورها وشعرت أنه لا يمكن أن تكون تلك نهاية حبها مع (روبرتو)
وأنه لابد وأن يتصرف أو أن يتقدم لأباها لمحاولة إصلاح ما فسد من علاقتها
ولكنها شعرت بداخل أعماق قلبها أن هذا لن يحدث وأن (روبرتو) كان متغيرا في
تلك المرة فعلا لم يكن الرجل المستعد دائما للتضحية بأي شئ لأجلها لا لم
يكن هو بل كان في نظرته جملة واحدة طعنتها (انت لا تستحقين كل هذا العناء)
وكلما تذكرت هذا الخاطر انهارت باكية تضرب بذراعيها على صدرها من شدة حنقها
وحسرتها والمشكلة أن الوسيط الوحيد بينهما وهو (فلوريا) لم تأتي لزيارتها
منذ فترة طويلة أولا مرضها وثانيا غضبها من (ألفريدو) وهي لا تستطيع الذهاب
إليها أيضا لغضبها من (روبرتو) وأرسلت رسالة مع خادم صغير الى (فلوريا)
تشرح لها فيها ما آلت إليه أمورها مع (روبرتو) وكان بين سطور الرسالة رجاء
وتوسل خفي أن تحاول أن تحدثه ليعيد التفكير في الموضوع ويغير رأيه ويتصرف
ثم مر يومان آخران وهي تكاد تموت فلم يصلها رد من (فلوريا) أو (روبرتو)
وشعرت أنه لا فائدة وجاءت لها فكرة غريبة في رأسها أن تفكر في
الإنتحارولكنها شعرت برعدة في جسدها وحاولت طرد تلك الفكرة من رأسها ثم
تناهى الى أذنيها صوت عربة قادمة فأسرعت الى النافذة فوجدتها سيارة
(فلوريا) فكاد قلبها يخرج من صدرها فرحا وجذلا ولبست ملابس مناسبة
لإستقبالها وبعد قليل كانت (فلوريا) في غرفتها.....ما إن رأتها حتى أخذتها
(فلوريا) بين ذراعيها وقالت :




" يا إلهي يا (سيسل) تبدين شاحبة للغاية.....ألم يرك السيد (فرناندو) ليحضر لك طبيبا أو أي شئ؟!.."


"لا
أبي لا......لا يجب ان يعلم شيئا عن ألمي فلن يستسيغه أو يشعر به كما لا
أستطيع إخباره بالحقيقة....ولكن يا (فلوريا)...لقد كدت أموت كمدا في انتظار
أي شئ منك.....لقد ظننت أنك تخليت عني بسبب ما حصل بينك وبين (ألفريدو) "



"لا...لا
يا (سيسل)....مهما غضبت من (ألفريدو).....فأنت ستظلين صديقتي الوحيدة مهما
حصل.....كما أن (روبرتو) في حال سيئة منذ أيام ولم تسنح لي الفرصة لإثناءه
عن قراره أو الحصول على رد منه إلا ليلة أمس فأتيت لك اليوم فورا....."



فمدت (سيسل) يدها بلهفة مؤثرة وقالت :


"أرجوك أعطني أياها يا عزيزتي ....هيا"


فأعطتها الرسالة ثم قالت بصوت حزين :

"هناك
بعض الأمور حصلت (لروبرتو) على مع أعتقد فلقد وصلت له رسالة من أمريكا حيث
يعيش أهله..... أرجو أن يكون خيرا فهو لم يحدثني لا أنا ولا أمي عن
الأمر.....والآن سأتركك تقرأينها وسآتي إليك فيما بعد.."



ثم تركتها ورحلت فأسرعت (سيسل) بفتح الرسالة وقرأت :




عزيزتي (سيسل) :

أدرك
ما آلت إليه أمورنا وما جاء بيننا من احداث وأدرك جيدا أنها قد صنعت شرخا
كبيرا في علاقتنا....لن يجعل هذا الشرخ لقاءنا سهلا أو تفاهمنا وبالتالي لن
يجعلنا نستمر طويلا لذا فلقد فكرت في أن نأخذ فترة راحة حتى يعيد كل منا
ترتيب أموره والتفكير بروية بالخطوات التي سيتخذها فيما بعد وبعد أن فكرت
بذلك بيومان جاءت إلي رسالة من أسرتي في أمريكا تفيد أن والدي مريض جدا وأن
علي الحضور فورا لمساعدته...وهذا ما قررت فعله سأسافر لأمريكا لفترة غير
معروفة حيث أني لا أعرف كيف هي حالة والدي على وجه التحديد كما لا أعرف كم
سأبقى هناك......وحتى ذلك الحين فلنترك كل شئ مكانه حتى نتخذ القرار
السليم....


المخلص (روبرتو)





تراخت أصابع (سيسل) وسقطت الورقة من يدها ثم وقفت تحدق في اللاشئ بعينان جاحظتان وكاد قلبها يتوقف عن الخفقان وظلت تقول بصوت مسموع :


"النذل....كيف يجرؤ ؟!... كيف أمكنه؟!.......ذلك النذل"


وتهاوت
على إحدى التحف على مكتبها وهمت بقذفها ولكنها تذكرت أن هذا لابد سيجعل
(ألفريدو) ووالدها يشكان فيها ويريان حالتها المزرية وقد يعرفان بكل ما حصل
فوضعته مكانه وانهارت على الأرض باكية وما إن ازدادت صرخاتها علوا حتى
وضعت وسادة على فمها حتى لا تصدر صوتا كان ألمها قاتلا ما كانت لتتحمله
وحدها ولكنها علمت أنها لا يمكن أن تشارك أحدا فيه فزاد ذلك من ألمها
أضعافا ومن شفقتها عل نفسها....



عندما
نزلت (فلوريا) من عندها علمت من الخادمة أن (ألفريدو) ليس في غرفته بل في
الإسطبل فذهبت لتراه ولم تحدد ما ستقوله له بل لم تدري لما ستذهب لتراه
ولكنها ذهبت على أية حال والتفت حول مبنى الخدم ودخلت الإسطبل من الباب
الخلفي فسمعته يضحك ويقول :



"آه حبيبتي....كم اشتقت إليك....اشتقت لكلماتك وضحكاتك.....كيف لي أن أعيش بدونك؟!."


وسمعت صوت فتاة ترد قائلة :


"كل هذا لأني لم ارك يوم امس....على أية حال لقد اشاتقت عيني لك أيضا"


فمدت
(فلوريا) رأسها لترى ووجدت (ألفريدو) يمسك بيد فتاة سوداء الشعر يبدو من
ملابسها أنها خادمة وتذكرت أنها خادمة الإسطبل التي ذكرها (ألفريدو) في
حديثه مرة فكادت تشهق ذعرا لولا أنها وضعت يدها على فمها لتمنع الصرخة ثم
خرجت مسرعة وهي تبحث عن أي شئ تستند عليه فلقد أخارت الصدمة من قواها ووجدت
صخرة قرب شجرة أمامها فتهاوت فوقها ووجدت نفسها تبكي بحرقة فلقد ضاعت
آمالها هباءا وذهبت كل أحلامها أدراج الريح وتمزق قلبها إربا بفعل
من....بفعل الشخص الوحيد الذي أعطته مفتاح قلبها , حبيبها الذي لن تستطيع
أن تحب أي رجل في هذا العالم كما تحبه....لما تركها ولم يعطيها مشاعر
بالمقابل.؟!.. لما هذا؟!....لأجل مجرد خادمة...خادمة في الإسطبل....هذا
يعني أنها أدنى مكانة منها بالنسبة له.....أدنى بكثير فتلك الخادمة تعامله
بعزة نفس على الأقل وهو الذي يقدم لها الولاء والحب فجعلها هذا تحقر من شأن
نفسها في داخلها وجعل دموعها أنهارا وفي تلك اللحظة خرج (ألفريدو) من
الباب الخلفي فرآها جالسة تبكي فقال :




" (فلوريا) ؟!...أنت هنا؟!....هذا رائع...كنت أريد التحدث معك لكنك تلك
الليلة كنت بغاية الإستياء....ولكن....يا إلهي هل تبكين؟!...ماذا جرى؟!..."



وعندما
رأته ازداد ألمها حتى أصبح شعورها وكأنه مطرقة من الفولاذ تطرق فوق قلبها
فازدادت صراخا واهتياجا وحاولت الهرب منه ولكنه أمسك بها وقال :



"
(فلوريا)..؟!...أرجوك إهدئي....ماذا أصابك؟!.. أرجوك أخبريني يا
عزيزتي.....لهذة الدرجة أنت حزينة مني.؟....لا لا تذهبي...لن أتركك حتى
تخبريني ماذا يحدث لك...لقد فطرت قلبي"



وأمسك
بكلتا ذراعيها وجعلها في مواجهته وقربها منه فرؤيتها بتلك الحالة كان أمرا
في منتهى السوء بالنسبة له وفي تلك اللحظة سمعت (أنجيليتا) صوته فخرجت
لترى ما يجري فوجدت تلك الفتاة بين يديه وهو يتوسل لها لتخبره وكأنه يعتذر
منها عن شئ ما فاختبئت خلف الباب واستمعت الى ما يقولانه فقالت له الفتاة :




"حسنا إذا كنت تريد أن تعرف.....لقد حطمتني....حطمت قلبي وكسرت كل السعادة
في داخل نفسي....أهذا ما كان يبعدك عني ويجعلك لا تتقبل حبي....أهذة هي من
حصلت على قلبك دوني....تلك الخادمة..؟!"



فذهل (ألفريدو) وتركها وقال :


"....هل رأيتنا؟!.....كيف علمت بالأمر؟!......هل أخبرك احد؟!....."


"لقد
رأيتك بعيني وسمعتك بأذني....ومهما حاولت ان تعتذر لي عما حصل فلن يصلح
شيئا.....كيف تفعل بي هذا يا (ألفريدو) ؟!....ماذا فعلت لك لتفعل بي كل
هذا؟!....لقد كنا صديقان منذ الطفولة......لقد كنا معا منذ ولدنا والجميع
كان يعلم أننا لبعض وأنه لن يتزوج احدنا غير الآخر....كل هذا تتخلى عنه
لأجل تلك الفتاة؟!...لما؟!....لما؟!..."




وانهارت باكية فقال متلعثما :


"لا.....لقد فهمت كل شئ خطأ.....صدقيني....ولكن يجب ألا تخبري أحدا بما رأيتي....ستفسدين كل ما خططت له.."


فنزلت
كلمات (ألفريدو) كالصاعقة على (أنجيليتا).....فلقد اتضح لها فجأة من يكون
وما كان ينويه في داخله.....فهو لم يكن يحبها حقا بل كان كل هذا
تمثيلا....لأجل ماذا لأجل أن يتسلى بها لأجل خطة في رأسه وهو لا يريد لأحد
أن يعلم عن علاقتهما حتى لا يصغر هذا من قيمته او منظره......وشعرت أن
قلبها يكاد ينفطر بينما قالت (فلوريا) :



"حتى
لوأخبرتني أنها مجرد نزوة بالنسبة لك..فهذا لن يغير شيئا....لقد أحببتك
...نعم وأعترف بذلك.......أحببتك منذ كنا صغارا ولكني يوما لم أشعر بجزء من
تلك المشاعر بداخلك إتجاهي ولكن كان عندي أمل...أمل بعيد أن تكون لي يوما
حتى أصبح هذا هاجسي الوحيد ولكن الآن وبعد ما رأيته لم يعد الأمر يهم شيئا "




وظلت تبكي ورأته (أنجيليتا) ينظر الى (فلوريا) بأسى شديد وكأنه...وكأنه يحبها وسمعته يقول :

"آه ياعزيزتي.....لا يمكن هذا....لا أصدق ما يحصل.....لم أتوقع أن يأتي هذا اليوم ابدا....أنت لا تعلمين كم انت مهمة بالنسبة لي...."


فلم
تستطع (أنجيليتا) أن تسمع المزيد وجرت بأسرع ما يمكن.....بعيدا
عنه.....أقسى ما يمكنها اتبتعد عنه فلقد عرفت حقيقته ولكن للأسف متأخرا
جدا.....



بينما
(ألفريدو) لم يدري ماذا يفعل في موقف كهذا فلقد انفطر قلبه حزنا على
(فلوريا) وعلى أحاسيسها ولم يتخيل أن يكون يوما ما سببا في أساها هذا ولم
يدري ما يقول فأمسك بيدها وحاول تهدئتها وقال :



"كم
أنا حزين يا (فلوريا) لأسمع هذا منك.....كم أشعر بالحزن والأسف لأجلك
ولأجل ما تشعرين به.....لقد كنا صديقان حميمان جدا ونفهم بعضنا جيدا وقضينا
أوقاتا لطيفة معا ولم أتخيل أن يحصل موقف كهذا بيننا.....أنا مدرك أني لم
أعطك حبا مقابل حبك ولكن لتعلمي أني أحمل لك حبا بالمقابل كبيرا جدا ولكن
فقط ليس من نفس النوع وليس السبب انت بل السبب قلبي......قلبي الذي وقع
لأجل فتاة واحدة...قد ترين فيها مجرد خادمة في الإسطبل.....ولكنها افضل من
ذلك بكثير أنها أروع امراة قابلتها بقلبها وروحها ورقتها وحنانها وقوتها
وعزة نفسها.....لا أعرف كيف أحببتها أوحملت تلك المشاعر لها ولكن الأمر حصل
وليس بيدي حيلة ولكن لا علاقة لك بالأمر أبدا فأرجوك توقفي عن البكاء فهذا
يقتلني ولتعلمي اني أحسد الشخص الذي ستتزوجيه منذ الآن على قلبك الرقيق
وحبك الصافي الذي سيحصل عليه حتى دون ان أعرفه......كل ما أعرفه أنه أكثر
الرجال حظا....كنت أتمنى أن أكون مكانه ولكن قلبي.....انت تعلمين....أنه
قلبي....وليس بيدي حيلة فيه....فأرجوك يا (فلوريا) توقفي عن البكاء
ولتسامحيني.....ليفهمني قلبك كما كان يفعل دوما.....فأنا أعلم أنه سيفعل.."



وأمسك بكلتا يديها ومسح دموعها وقام بإيصالها لبيتها أما هي فلم تنطق بكلمة بعد كل ما قاله.......لم يستطع فمها ان ينطق بكلمة.....

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل الخامس


[[ نضوج الحب [[





عندما عاد (ألفريدو) مر بجانب الإسطبل فرأى (أنجيليتا) من بعيد تلاعب بعض الخيول وشعر انها تتعامل ببعض العصبية فاقترب منها وقال :


"أنظري ماذا أحضرت لك يا حبيبتي وأنا في طريق العودة......بعض الزهور التي تعشقينها....ألا تريدين أن تشتميها وتضميها إليك؟!...."


ولكنها ظلت متجاهلة له وقالت :


"لا شكرا....لست بحاجة للورود بعد الآن.....!!!"


فاندهش من لهجتها وقال لها :


"ماذا حصل يا عزيزتي هل هناك شئ؟!....."


فظلت بهدوءها وقالت :


"لا
شئ......ولما يجب ان يكون هناك شئ؟!ّ....هل لأني لا ابتسم لك وأمازحك
كالعادة؟!.......يجب أن تعلم اني لست دائما على استعداد لفعل ذلك ولست
دائما في مزاج جيد للحديث معك"



"ما
الأمر؟!....هل فعلت شيئا جعلك تغضبين؟!....ولكني لم أغب سوى ساعة ولقد كنا
في افضل حال عندما كنت معك في الأسطبل......مالذي حصل منذ ذهبت وحتى
أتيت...؟!......"



"قلت لك لم يحصل شئ.......والآن ابتعد عن طريقي أنت تؤخر عملي..."


فأمسك بذراعها مانعا إياها من الحركة وقال : "أنظري إلي.....أخبريني ماذا حصل....تكلمي يا (أنجيليتا) "


"ولماذا يجب أن تعرف؟!.....ابتعد عني..."


فهتف ظافرا :


"هناك شئ إذن.....لن أتركك حتى تخريني.....هيا..!!!"


"كفى...كفى ابتعد عني لن أخبرك شيئا......ولما افعل؟!..."


ودفعته
بغضب فعلى الرغم من حبها الشديد له تمنت لو تضربه وهرولت مسرعة بينما
تسارع تنفسه وشعر بغضب حقيقي لأنه لا يستطيع أن يفهم ما بها ثم قال فجأة
جملته صارخا...كادت تجعلها تسقط على الأرض حيث قال :





"أريد منك أن تتزوجيني....!!!!!"






استدارت له مذهولة وكان هو مذهولا بكلماته مثلها تماما وكأنها خرجت من
عقله الباطن فشعر بالغضب لأن هذا دمر كل مخططاته واقترب منها....كانت
النظرة الذاهلة لا تفارق وجهها ثم قال مؤكدا :




"أجل أريد منك أن تتزوجيني..."



"....لا!!!!!!"



قالتها بصرخة فزع فجرحته الكلمة وقال :



"هل تنفرين من الفكرة لهذا الحد.....فكرة أن تكوني امراتي....أم أولادي؟!.."


"كفى لا تكمل....لا تكمل"


وحاولت الهرب مجددا ولكنها أمسكها بقوة هذة المرة وأدارها إليه وقال بعينين معذبتين :



"أحبك....أحبك كثيرا.."
"كفى ..!!!"
"وأريدك أن تكوني زوجتي...إلى أن يفرقنا الموت..."
"كفى ..!!!"
"وننجب أولادا كثيرين ونعيش ما تبقى من حياتنا سعداء لا ينقصنا شئ.."
"قلت لك توقف.!!"
ودفعته فكان هذة المرة وكأن الحزن تملكه وقال قانطا :


"لماذا لا تريدين الزواج بي؟!....لماذا؟!....ماذا تريدين أن تكون نهاية حبنا إذا؟!....."


"كفى
كذبا ونفاقا....أهي الخطة التالية التي اتبعتها؟!....ماذا ستكسب من
ذلك؟!.....لقد اكتشفت حبيبتك خدعتك فأردت التصرف بسرعة....ولكن ماذا ستجني
من ذلك؟!....أن تستمتع بإذلالي؟!.."



كانت صدمته حقيقية وقال :


"عما تتحدثين؟!....."


"لا
تحاول خداعي فلن تنجح بعد الآن.....وأنا التي احببتك وتوقفت عن الإستماع
لعقلي لأني وثقت بك وقلت انه مهما حصل فلن تتركني ولن تتخلى عني ولكن كل
هذا كان أوهاما.....العالم الذي بنيته كان وهما....لقد خدعتني وحطمت
قلبي....كل هذا لأنك سيد المنطقة وأنا الخادمة؟!....ولكن ألا تعلم أن الخدم
لهم مشاعر ايضا وأحاسيس؟!.....أنهم بشر مثلك....كيف فعلت بي هذا؟!....لقد
دمرتني......حطمت قلبي..."



ووقعت على ركبتيها تبكي بحرقة فرفع (ألفريدو) رأسها بعنف وقال صارخا :


"ماهذا الهراء الذي يخرج من فمك؟!......ماذا جرى لك ؟!....تكلمي!!!!"


"لقد....سمعتك انت و (فلوريا).....سمعت
كل شئ.....سمعت كيف توددت إليها حتى لا تنطق بحرف عن علاقتنا التي تمثل
أكبر عار في حياتك....سمعتك وأنت تقول أن ذلك سيفسد حياتك ومخطاطك.....سمعت
كيف أنفيت أي تأثير لعلاقتنا على حبك لها....."



"هذا
إذن ما حصل؟!.....أيتها الحمقاء.....لابد انك لم تسمعي ما تبقى من
الحديث.....ألم تسمعي كيف اعترفت لها بحبي لك وحاولت ان أفهمها بكلمات
رقيقة أن حبها لن يجد له مقابل في قلبي لأني احبك انت؟!.....كم انت سريعة
الشك.....كان عليك أن تثقي بي ولو قليلا...أما بالنسبة لمخططاتي فلم يكن
منها أني سأطلب منك الزواج اليوم.....كنت سأفعل هذا يوم عيد ميلاك القريب
وكنت سأقدم لك خاتم الزفاف كهدية عيد ميلادك ها هي أنظري..!!"



وأخرج
علبة من جيبه وفتحها وظهر خاتم من الزمرد في وسطها....كان أروع خاتم وقعت
عليه عيناها...كان بلون لازوردي مثل عينيه تماما وقالت وسط دموعها :




"هذا .....هذا غير حقيقي....انت تخدعني...."


فركع أمامها وقال بابتسامته العاشقة :


"ماذا؟!.....ألا
تزالين تشكين بي؟!....من الصعب إرضائك أليس كذلك؟!....لقد كنت أخطط لهذا
الأمر منذ زمن....أمر زواجنا والمكان الذي سنعيش فيه....وكيف سأطلع أبي
وأبيك....وماذا سنفعل في شهر عسلنا وكل هذا كان سيدمر في حال حصل شئ مفاجئ
وعلم أحد بما بيننا قبل أن أنفذ كل ما برأسي وقبل ان تكوني زوجتي حقا "



"أنت حقا تريد أن تتزوجني؟!...."


فقال يائسا:


"ماذا؟!....ألم
تصدقيني الى الآن؟!...أرجوك إفهمي ما أقوله.....أنا لا أخادع أو
أمزح...أنا أريد أن أتزوجك الآن وفورا.....وأتمنى لو تقولي نعم"



وقدم
لها الخاتم وهو راكع الى جانبها وظلت تحدق به....كان أوسم من أي مرة رأته
فيها في حياتها وطال صمتها والريح تداعب خصلات شعره بحيث انسدلت على جبهته
فأيقتنت تلك اللحظة أنها لن تعشق في حياتها أي كائن كما تعشقه وايقنت أن سر
ألمها القاتل ليس لأنه خدعها بل لأنها تخيلت أن علاقتها به ستنتهي هكذا
وأنه سيكون من نصيب امرأة أخرى غيرها فشعرت أن قلبها سيتوقف عن الخفقان
وايقنت أنها كانت تتمنى هذة اللحظة منذ أن رأته....أن يطلب منها ان تكون
زوجته فابتسمت وهي تراه يتصبب عرقا منتظرا ردها ثم قالت :



"كيف عرفت مقاس إصبعي؟!..."


"هذا لا يهم.......هل انت موافقة أم لا؟!.."


فرفعت أصابعها تنظم خصلات شعره وقالت :


"انت الذي لا تثق بي الآن ولا تثق بقلبي وبما أحمله لك فيه...انت الذي تتشكك بي الآن......من المستحيل أن يكون جوابي هو لا..."


"أرجوك قوليها......قولي نعم..."




"نعم..!!!!!"





فعانقها بقوة....بقوة لدرجة أنها شعرت أنها ستختنق...كانت سعادته لا توصف وسمعت قلبه يدق بسرعة رهيبة يكاد يسابق قلبها ثم قال :



"الآن أنا رجل جديد....أشعر بروحي ترفرف في السماء....ستكونين زوجتي....لن أصدق حتى أضيف اسم عائلتي الى أسمك.."


فابتعدت عنه قليلا وقالت بجدية :


"ولكن
يا حبيبي الحياة ليست وردية كما تتخيل.....ولا اظن أننا إذا تزوجنا سنعيش
سعيدين كما نتصور وينسى كل من حولنا من نكون ويباركان زواجنا فلابد أن تقوم
حرب لا طائل لها.."



"أعرف
كل هذا وسلاحي هو حبي......لن أخسر هذة المعركة ولن أتخلى عنك ولو فارقت
روحي جسدي أنت الآن جزء مني.....مسئوليتي...انت إمرأتي....ولن أسمح لمخلوق
أن يمسك وسوف أفعل كل ما يتطلب الأمر لنعيش حياتنا بسعادة وليتقبل الجميع
قراري وليعيش أولادنا سعداء هانئين ولكن قبل كل هذا.....فلتفعلي ما سأطلبه
منك....انستطيع أن ننفذ كل ما في رأسي وإذا فعلت....فأنا واثق أننا سننجح"



"ماهو؟!......"


"فلنتزوج...الآن......رسميا
و دون استشارة من أحد ونعود لنضعهم أمام الأمر الواقع بحيث لا يستطيع أن
يفرقنا احد ولن يفلح أبي مهما فعل في تفريقنا فأنت ستكونين زوجتي أمام
القانون سواء أعجبه ذلك أم لا..."



"ولكن.....هذا سيجعل السيد (فرناندو) يغضب غضبا فظيعا......وقد يقوم بطردك وحرمانك من رؤيته مدى الحياة...."


"أني
المالك الرسمي لممتلكات العائلة فلقد بلغت سن الخامسة والعشرين كما أنني
أدير كل املاك والدي حاليا وأصبح كل رجال الأعمال في السوق يعرفونني ولا
يثقون إلا بي....لن يكون ترك كل هذا سهلا على والدي سوف يفكر في الأمر بعقل
فهو يعشق المال أكثر بكثير من أن يفكر شخص زوجة أبنه وقد ينسى ذلك
نهائيا...."



فشعرت
(أنجليتا) بالريبة من توقعات (الفريدو) وهي تستحضر في ذاكرتها ذكرى اليوم
الذي قابلت فيه السيد (فرناندو) وشعرت أنه قد يسحقها إذا علم بهذا ولكن
(الفريدو) يعرفه أكثر منها وقد يكون محقا ثم قالت :



"وماذا عن أبي؟!....أرجوك لا أستطيع أن أتزوج دون أخباره....أنه أبي وهو أقرب الناس لي"
فقال
بحنان : "أدرك ذلك يا عزيزتي وإن كان هذا يرضيك فسوف نعلمه بهذا.....ثم
نتزوج في القرية ونقيم إحتفالا قصيرا هناك قبل عيد ميلادك بليلة.....و قد
نقيم في أحد البيوت هناك ليومين أو ثلاثة بعيدا عن العالم لنعيش أيام شهر
عسلنا ثم أعود لأخبر أبي وأقدمك له على أنك زوجتي......ماذا؟!......هل
تشعرين بالتردد؟!..."



"لا ولكن......ماذا عن الشهود؟!....ألن يكون هناك شهود على زواجنا؟!....."


"سيكونون
من رجال القرية...ويمكن أن نفكر في (اندريه) ليكون شاهد على زواجنا ولو
أني لم أفكر في أخباره ولكن هذا لا يهم فهو الى جانبنا على أية حال والآن
لنبقي هذة العشرة أيام قبل عيد ميلادك هادئين وعاقلين حتى ينفذ كل شئ كما
نتمنى.....وأتركي لي أخبار والدك.."



كان
اخبار السيد (خوسيه) برغبة (الفريدو) و(أنجليتا) بالزواج أمرا في غاية
الصعوبة لذلك اتفق (الفريدو) و (أنجليتا) على أن أفضل شخص لهذة المهمة هو
السيدة (سوزي) فهي تحبهما معا وتستطيع إقناع السيد (خوسيه) وقد تستطيع
إقناعه بالجزء الأصعب وهو زواجهما دون علم أهل (الفريدو) ولكن الذي لم
يتوقعانه أن إقناع السيدة (سوزي) نفسها كان صعبا فرأيها كان انهما يتحديان
السيد الكبير وقد تكون تلك نهايتهما ولكن لم تكن لتصمد أمام توسلاتها
وإلحاحهما فذهبت الى (خوسيه) وجلست معه قائلة أن لديهما أمر مهم حتى سمعا
صوت السيد (خوسيه) يقول :



"لابد انك تمزحين.....لاشك أنها مزحة.....لا يمكن ان تكوني جادة.."


فنظرا إلى بعضهما البعض بقلق وقالت (أنجليتا) :


"كنت أعرف أنه لن يوافق مطلقا"
فرد (الفريدو) :


"لا
لا تقولى هذا....لابد وأن تقنعه السيدة (سوزي) لن يكون هناك من يمنعنا من
الزواج مهما كانت سلطته وسأقول لك شيئا وأرجو أن تكوني معي.....حتى لو رفض
والدك فسوف نتزوج فإن ما نفعله هو إعلامه ليس إلا وليس أخذ رأيه....كما
أني...."



ثم سمع صوت (خوسيه) يقول :


"ليستمتع معها قليلا ثم يتركها للذئاب ليلتهموها؟!.....يتركها مع أفراد أسرته يتقاذفونها ما بينهم؟!.....لن أسمح بهذا...."


فدخل (الفريدو) مندفعا وقال :



"لا يا سيد (خوسيه).....لم ولن يخلق من يستطيع أن يؤذي (أنجليتا) وأنا
حي......إذا كانت في حمايتك في الوقت الحالي فكن واثقا أن حمايتي لها ستكون
أضعافا عندما نتزوج..."




"أسمع
يا سيد (الفريدو) ....ما من سبب منطقي يجعل رجل نبيل مثلك يختار ابنتي
لتكون زوجة له مدى الحياة.....حتى لو كنت تحبها الآن....سيأتي اليوم الذي
ستخجل فيه أن تواجه المجتمع معها فكل ما ستفعله حينها أن تلقي بها في
الشارع وتختار لك ما تناسبك من طبقتك"




فتدخلت السيدة (سوزي) بقوة وقالت :


"لا
يا (خوسيه)....لا تقل هذا على ابني (الفريدو)....نعم أناديه ابني وأعتبره
منذ ولد كذلك وهو يعتبرني أمه ولم يفكر حينها إذا كنت أقل منه شأنا إن
المشاعر الإنسانية لا تعترف بالفروق وليس لأنه من عائلة نبيلة فهذا يعني
أنه من المستحيل أن يحب (أنجليتا) كما ان أبنتك نبيلة القلب وإن لم يكن
أصلها كذلك كما أن النبل صفة وليست ألقاب تورث.....لقد شهدت حب هذين
الإثنين لبعضهما وأعرف كل منهما حق المعرفة وأؤكد لك ان كل منهما خلق ليكمل
الآخر وأنه لن يكون في هذا العالم رجل وامرأة يغرمان ببعضهما البعض كما
فعلا....أرجوك يا (خوسيه) .....أنت تفهم ما اقول"



فقال بضعف :

"إذا
كنت ستحميها يا (الفريدو) كما تقول فلما قررت أن تتزوجها دون علم
أهلك؟!.....هل تريد أن تكون زوجتك في السر؟!.....هذا يؤكد كلامي الأول...."



"لا
يا سيدي مطلقا.....إن تلك خطة.....فلو قلت لوالدي فربما أرسل جيشا ليمنع
عيني من أن تقع عليها مجددا ولكن إذا تزوجتها رسميا فلن تستطيع جيوش العالم
أجمعين التفريق بيننا حتى يفرقنا الموت.....أتوسل إليك يا سيد
(خوسيه)......أرجوك بارك زواجنا...."



فأعطى ظهره لهم وهو يقول :


"لا......لا
يمكن.....إنها ابنتي الوحيدة......إنها خطوة خطرة للغاية.....ليست تلك
الحياة التي تمنيتها لأبنتي.....لا أريد للمخاطر أن تسير بطريقها.....لا
أريد أن أرى دمعة تشق طريقها على خدها وبزواجها منك......فلن تفارق الدموع
مقلتيها....لن أقبل هذة الزيجة.....!!"



وهنا نطقت (أنجليتا) لأول مرة وقالت :


"يا
أبتي أدرك قلقك على.....وأدرك ما تحس به......وأدرك ما في إرتباطنا من
جنون......ولكن أنا.....إني أحبه......كما أحببت أمي تماما......أردكت الآن
الأحاسيس التي كانت تساروك والتي حكيت لي طويلا عنها كما أدرك عذابك
القاتل بفراقك عنها وأتألم لأجلك......والآن.....والآن.....لا تفرقني عن
(الفريدو)....فأحس بأضعاف ألمك.......فأمي ماتت ولن يفيد عذابك في
رجوعها.....أما أنا..... فيكون حيا.......يتنفس الهواء الذي أتنفسه حتى لو
حالت بيننا مئات الأميال فأصرخ ممزقة بألم فراقه......فهل ترضى لي
هذا؟!....لم يعد بإمكان أحدنا أن يفترق عن الآخر....لقد أدرك كلانا
هذا......أرجوك يا والدي..."




فالتفت لها بدهشة مشوبة بالأسى وقال :


"حتى
أنت يا (أنجليتا)؟!......إذا كانت هذة مشيئتك......إفعلا ما يحلو
لكما.....لكن لا تفكرا في بعد الآن......والآن أرجوكما أتركاني وحدي...."



فأخرجتهما (سوزي) وقال :


"لا تقلقا سأستمر بمحاولة إقناعه حتى يوم زفافكما........... والآن عليكما أن تستعدا جيدا فلم يبقى سوى أسبوع..!!!!"



وفعلا
بدأت الترتيبات في القرية بين عائلة (نيلا) صديقة (أنجليتا) والعائلات
التي تجاورهم على أن يبقى هذا سرا بينهما ولا يعلنا عن أسم العروسان وقامت
نيلا بخياطة ثوب عرس (أنجليتا) بنفسها وطلب العروسان أن يكون الإحتفال
صغيرا وقصيرا وقررا أن يتزوجا رسميا قبل الحفل بليلة واحدة حتى يكون كل شئ
معد وحتى لا يستطيع أحد إن عرف أن يوقفهما وأخبر (الفريدو) صديقه بموعد
الزفاف فقال : "يا إلهي.....إذا ستتزوجان هكذا.....لا بد وأن يجن جنون
السيد (فرناندو)......لطالما كنت متهورا يا (الفريدو)......تسعى لهدفك
مسابقا الريح دون ان تنظر الى ما تدمره في طريقك......ولكني أعذرك فلو كنت
مكانك......"



وسكت فجأة وبعد دقيقة أكمل ما أراد قوله :


"لكنت غرقت في حبها أنا الآخر..!!!!!"


"أعلم
ذلك......وسعيد لأنك تحس بي......أرجوك أريدك ألا تخبر أحدا مطلقا بما
سمعته....كذلك أتيت لأطلب منك أن تكون شاهدا على زفافنا.....فهل ستفعل
ذلك...."



"هذا
مؤكد دون شك فإذا لم أحضر زفاف أعز صديق لي فلم سأحضر.....سأكون عندك قبل
الزفاف بيوم في مكتب التسجيل لأكون شاهدا وسأكون في الزفاف في اليوم
التالي...كما سأغطي غيابنا معا وأقول أننا في عملية تجارية سويا في
ميلانو....."



"هذا رائع.....كم هو جميل أن يكون لدى المرء شخص يؤازره في المواقف الصعبة....لن أنسى ما فعلته لأجلي يا (اندريه) ..."


"أنا
الذي لن أنسى ما فعلته لأجلي لقد انقذت حياتي حين كنا صغارا وأنقذت حياتي
عروسك (أنجليتا).....والآن أصبحت مدينا لكما بحياتي وسأظل اذكر ذلك
دائما....."



وبعد
أن رحل (الفريدو) جلس (اندريه) على كرسي مكتبه لمدة ساعتين بلا حراك يفكر
فيما سيحصل ولم يستطع أن يفسر سبب ظهور صورة وجه (أنجليتا) باستمرار أمام
عينيه و كأنها حفرت في ذاكرته ولا يكف عقله عن استدعاء تلك الصورة لتزور
عينيه كل لحظة وظلت جملته التي قالها (لالفريدو) "لكنت غرقت في حبها أنا
الآخر" ترن في أذنه.....لقد قابلها بضع مرات بعد أن أنقذته.......كان يندهش
من جمالها الأخاذ الذي كان مختلفا عن جمال معظم الفتيات اللاتي قابلهن ثم
فجأة شعر أنه يقترف غلطة شنعاء فها هو يفكر في عروس صديقه الحميم الذي جلس
لأشهر يحاول أن يبعده عنها وتذكر الألم الذي سببه حبه الذي من طرف واحد
تجاه (سيسل) وشعر أنه فعلا غبي ومجنون لأنه يقع في الخطأ مرتين وبكامل
إرادته وقرر أن أفضل شئ هو أن يفكر في أعماله فقط...........





لم
يستطع (الفريدو) و (أنجليتا) رؤية بعضهما البعض في ذلك الأسبوع جيدا لأن
كل منهما كان مشغولا بتجهيزات الزفاف وكان فستان العرس فاتنا أبيض مطرز
تطريزا نباتيا يشكل ورودا من خيوط ذهبية كانت تشبه أزهار الكلوديا فقررت
(أنجليتا) أن تحمل باقة من زهور الكلوديا في يدها في العرس فلطالما كانت
تلك زهورها المفضلة وهي بشكل ما ترمز لما بين جنبات قلبها من حب ناحية
(الفريدو) كما كانت تماثل لون خصلات شعره وبينما هي تضبط بعض قياسات الثوب
وقياس خصره مع (نيلا) حتى دخل (الفريدو) وقال :



"يبدو أن كل شئ على أهبة الإستعداد ......"


فصرخت (أنجليتا) ورمت نفسها عليه وقالت :


"لا......لا يمكنك الدخول هنا......كما لا يمكنك رؤية الثوب قبل الحفل......هيا أخرج.....أنه فأل سئ..."


"حاضر......حاضر سأخرج.....أقسم أني لم أرى شيئا......أريد أن أقول لك شيئا هاما أرجوك"


وخرجا معا ثم التفت (الفريدو) لها وقال :


"غدا
سآخذك عند الظهيرة إلى مكتب التسجيل وسيكون (اندريه) وبعض الرجال موجودين
هناك ليشهدوا زواجنا.....وحينها ستكون أنا وأنت زوجان و للأبد.....سآتي
لأخذ من بيت (نيلا) فأرجو أن تبيتي الليلة عندها...."



فرقت نظراتها وقالت :


"أكيد يا حبيبي.....لا تقلق....كل شئ سيسير كما نحب...."


"هناك شئ آخر....!!!!"


ثم خلع (الفريدو) قلادته.......قلادة الحوتان العاشقان وقال :


"هذة
قلادة أمي.....لقد قالت لي أن ألبسها للمرأة التي ستكون زوجتي......كنت
سأعطيها لك غدا......ولكني لا استطيع الإنتظار أريد أن أصدق أنك زوجتي
فعلا.....والآن....."



ثم
ألبسها أياها فشعرت بنشوى رائعة لم تشعر بها في حياتها من قبل حتى أنها
نفسها لم تكن مصدقة في داخلها مما يحصل ولكن عندما لبست تلك القلادة شعرت
بالحب يجتاح قلبها وشعرت بروح السيدة (آنا) ونظراتها الفاتنة تراقبها وتقول
:



"فلتحفظي ابني ولتحميه بحبك و تسكنيه قلبك..."


ثم
نظرت (لألفريدو) الذي كان يحدق بها بحب ورأت فيه زوجها الذي لطالما تمنته
وغطت خصلة من شعره جبهته فرفعت إصبعها بعشق ورقة لتنظم خصلات شعره وتقول :



"أنها أروع هدية يمكن أن تعطيها لي إن فيها يعيش قلبك وقلبي وحبنا و روح والدتك الغالية ولسوف احميها بعمري....."


فأمسك
بكلتا يديها وقبلها راحتيها وتواعدا على لقاء الغد وكانت تلك أصعب ليلة في
عمرهما كله فلم يستطع أي منهما النوم كلاهما يحدق في الظلام نافذته الى
القمر الفضي يسأله المساندة ويسأل إلهه الرأفة وتهوين الصعاب....





لكن
كان هناك شخص ثالث يشاركهما أرقهما كانت تلك (فلوريا)......فلقد كانت تعلم
أن زفافهما بعد غد وظلت تذرع الغرفة ذهابا وإيابا ودموعها تسيل على خدها
لكن دون شهقات ودون بكاء حقيقي فلقد كانت عيناها جاحظتان......كانت تفكر
وتتخيل وتتلوى ألما وكانت أمها السيدة (ساندرا) تراقبها في الأيام الماضية
وهي تشعر أن وراء صمتها كارثة ستحل ولكن لم يكن ليخطر ببالها أن (الفريدو)
سيتزوج من غير ابنتها ولكنها سارت ليلا وسمعت خطوات ابنتها القلقة في
غرفتها فدخلت عليها وصعقها منظرها الذي كان يشبه الأشباح وحاولت أن تعرف ما
أصابها فعاملتها برقة غير معهودة وظلت تحاول إلانة إرادتها حتى أجلستها
الى جانبها على السرير وظلت تمسح على شعرها وتتوسل لها أن تقول ما بداخلها
فاختنقت الكلمات في حلق (فلوريا) وشعرت ان دفاعاتها تنهار فلقد كانت الأيام
السابقة لها بمثابة الجحيم على الأرض وهي تخفي كارثة كهذة في قلبها ولا
تستطيع مشاركة أحد القلق الذي يقتلها والحزن الذي يمزقها فانفجرت باكية
وارتمت على ركبتي أمها تصرخ وتولول وتقول :




"آه
يا أمي......يا أمي....إني أموت.....أحتضر ببطء كوردة قطفت وتركت بلا جذور
لتأخذ وقتها حتى تذبل أوراقها.......وتشاهد هي أوراقها تتساقط
وتتجعد.....يا أمي.....فليرحمني الألم ولو للحظة.....فليرفق بي الحزن
ولتخمد نيران قلبي........ لم أعد أتحمل....."



فشعرت (ساندرا) أن كارثة ستحل بهذا البيت وقالت وهي تمسك بكتفي ابنتها بقوة :


"أفصحي.....ماذا حصل؟!....تكلمي!!!....أنطقي!!!.....قولي..!!!"


فردت : " (الفريدو) ...... (الفريدو)......لقد.....تزوج..."


فكادت (ساندرا) تفقد وعيها ذهولا ودفعت ابنتها أرضا بحنق وقالت :


"ما هذا الجنون الذي تنطقين به؟!...متى وأين وكيف؟!....."


"لقد
تزوج (الفريدو) من فتاة غيري.....قال أنه سيتزوجها رسميا قبل الزفاف
بأيام...وزفافه بعد غد.....فلابد أن تكون تزوجته الآن رسميا....."



فصرخت الأم وظلت تهز ابنتها بعنف وتقول :


"أتقولين
قال لك؟!......كنت تعلمين ولم توقفيه؟!.....هل جننت؟!....هذة هي نتيجة
استهتارك وتقاعسك ولكن لا.....يا إلهي.....لا يمكن أن يحدث هذا لي....من
هي؟!....من هي تلك العروس الشمطاء؟!....."



"إنها......إنها خادمة الإسطبل ......!!!!"



فتجمدت
ثورة الأم لأن تلك الصدمة كانت أعمق من أن تستوعبها وبعد لحظات ظلت تضحك
وتضحك بسخرية حتى تعالت ضحكاتها و(فلوريا) تحدق بها بذهول حتى كفت عن
البكاء فقالت الأم :



"هكذا
إذن .....هذا هو ابن آل (فان دييجو)......أنه يذكرني بأمه (آنا)....فهذا
عقلها..... عقلها المجنون الذي لا يعيش في العالم الذي يحتويه....بل ينتمي
لعالم آخر.....عالم المجانين الوردي الجميل.....لكن لا....يظن نفسه
ذكيا..... ولكني أعرف ما سيحصل نتيجة لهذا الزواج وعلي أن أتدخل.....لأصحح
بعض النتائج لتكون في صالحنا....فأنا لن أفقد الأمل أبدا.....ولكن علينا
الآن أن نبدأ الحرب الباردة...."




ورحلت (ساندرا) تاركة (فلوريا) في ذهول يفوق وحزنها اللذان أستوليا عليها قبل مجئ أمها!

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر 69670

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
شكــرا لكـ جزيلاااا
يعطيك العافيـه

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل السادس


[[ أنا و أنت فقط [[


تمر تلك الليلة الطويلة و تجلس (أنجليتا)
منتظرة (الفريدو) ليأتي ويصحبها لمكتب التسجيل كان قلبها يدق بسرعة رهيبة
وشعرت برهبة حقيقية من تلك اللحظة ولا تدري لماذا فلقد أمسكت بقلادة
الحوتان بكلتا راحتيها كأنها تستمد منها القوة ثم سمعت طرقا على الباب
فنهضت وفتحته ووجدت حبيب قلبها أمامها......كانت النظرة التي على وجهه
جديدة عليها كانت عيناه جادتان إزداد لونهما عمقا ....أبدا لن تنسى كيف نظر
إليها تلك اللحظة تقدم منها ببطء وأمسك بذراعيها وضغط عليهما بقوة وقال :




"هيا بنا يا حبيبتي....!!"




وسارت
معه دون ادنى تفكير كانت تعلم أن حياتها ملك يمينه وأنها كالأسيرة بين
يديه....أنها أسيرته....لا تملك خيارا إلا أن تتجه الى حيث ذهب فلقد امتلك
أعز شئ فيها والمتحكم فيها حاليا وهو قلبها.....لقد تسلل حبه لقلبها ببطء
حتى وجدت نفسها ويدها في يده تحبه.....تحبه حبا كبيرا عميقا لم يسبق لها أن
تخيلت مثيلا له.....لم تعلم أنها يمكن أن تحب شخصا الى هذا الحد وأدركت
أنه كان محقا وأنه لم يكن أمامهما سوى أن يتزوجا فالقوة العجيبة الجامحة
التي تربط قلبيهما خرجت عن السيطرة فأصبح الحل الوحيد هو الزواج فهما لن
يستطيعا حتى لو ارادا أن يبتعدا عن بعضهما البعض ثانية لقد أصبح هذا من
سابع المستحيلات......





دخلت معه الى مكتب التسجيل ورأت (اندريه) وحياهما وبدأت مراسم الزواج وبدأ كل منهما ينطق نذوره وقال الرجل أخيرا :



"أعلنكما زوجا وزوجة...!!!!!!"



فتعانقا بقوة وهتف (اندريه) فرحا ومن ثم فرقهما وقال :



"مهلك
يا (الفريدو).......ليس بهذة السرعة......الزفاف غدا......وعليك يا عزيزتي
(أنجليتا) أن تذهبي وتبقي في بيتك حتى الغد لا ترهقي نفسك في أي شئ حتى
تكوني في كامل استعدادك غدا وانت أيها اللعوب تعال معي فلن أتركك لحظة
واحدة معها بعد الآن.....هيا بنا......"




وعادت
الى بيتها تعد الدقائق والثواني و تطلب إليها المرور سريعا حتى يأتي غدها
المنتظر فلقد كانت الخيالات في قرارة نفسها تسيطر عليها بأن هذا مجرد حلم
جميل ستستيقظ منه فتجده قد اختفى......أما (الفريدو) فلقد بقي طوال الليل
يحدق في النجوم وهو يتخيل وجه (أنجليتا) تنظر إليه ويمني نفسه أنها غدا
ستكون له وحده........





جاء
أخيرا اليوم المنتظر يوم زفاف أكبر عاشقان في التاريخ وقام كل من
(الفريدو) و (اندريه) بالتخطيط جيدا لذهابهما في الوقت المناسب و
الإستعداد.....ارتدى (الفريدو) بذلته السوداء في أحد البيوت بالقرية وكذلك
(اندريه)......كانت يداه ترتعشان وكأنه مقدم على حرب فقال (اندريه) :




"إهدأ
يا صاحبي....كل شئ سيسير كما تحب....كما أنها زوجتك في الواقع.....ليس هذا
الإحتفال سوى مراسم شكلية أمام الناس والمجتمع للإعلان عن
زواجكما......لقد قلت أننا سنكون مسافران لمدة ثلاثة أيام أخرى من أجل
العمل حتى تستطيع أن تحظى ببعض أيام العسل قبل اللعنة الأبدية التي ستصيبك
عند إخبار أسرتك.....والآن هل أنت راض؟!..."




"نعم......الواقع
أني لا اكترث لما يخبئه لنا المستقبل فلقد أصبحت زوجتي الآن ولن يفرق غضب
والدي أو رضاه......كل ما انا قلق منه ألا أكون عند حسن ظن
(أنجليتا).....أتمنى أن أكون زوجا مثاليا لها...."



فابتسم (اندريه) بحنان وقال :



"لا
بأس ستكون كذلك بالتأكيد.....سأضع الوردة الذهبية في جيب سترتي
العلوي......وعليك أن تفعل هذا انت ايضا هكذا هي مراسم الحفل فكل الرجال
عليهم أن يضعوا أزهار الكلوديا في عروة سترتهم وعلى كل فتاة أن تمسك باقة
من هذة الأزهار.....تبدو وسيما....."




"آه
شكرا.....أني أعشق تلك الأزهار......إنها تذكرني بالأيام الرائعة التي كنت
أمضيها مع (أنجليتا) عندما نتسلل الى أطراف أملاككم ونقطف القليل منها..."



"إذن
أنت من يسرق تلك الأزهار.....لقد علمت في الوقت المناسب فبعد الزواج لن
يكون هناك أزهار.....ذكرني أن أضع إفخاخا.....والآن هيا تعال معي....."



وذهبا ووقفا في مكانهما في انتظار العروس وجاءت السيدة (سوزي) وقالت :


"يا عزيزي كم تبدو وسيما في هذا الزي.........ياليت السيدة (آنا) هنا..........لكانت طارت فرحا لرؤيتك هكذا..."


"إنها معي يا عزيزتي......هي دائما بقربي .....وانت كذلك معي يا سيدة (سوزي)....... هل جهزت العروس؟!....."


"ستنزل خلال لحظات.......لكن المشكلة من سيرافقها ليسلمها إليك ؟!.....والدها ليس هنا..."



فاحتار الصديقان ثم قال (الفريدو) :


"نعم (اندريه)....أنت تستطيع أن تفعل هذا.....أرجوك أن تقبل تلك المهمة....."


فشعر
(اندريه) بالحرج ولكن مالبث أن ذهب مع السيدة (سوزي) لينقذ الموقف ودخلا
على غرفة العروس......كانت (نيلا) قد أنهت اللمسات الأخيرة ثم نادتها
السيدة (سوزي) وقالت :



"هيا يا (أنجليتا)....سوف يصحبك السيد (اندريه) الى حيث ينتظرك (الفريدو) "


فقالت بأسى :


"كان من المفترض أن يفعل أبي هذا أليس كذلك؟!......لن تكتمل فرحتي أبدا إلا إذا أتى أبي.....كم تمنيت لو أنه كان بجانبي....."


فقالت (سوزي) :


"لا عليك يا بنيتي....لقد تحدثت معه يوم أمس وأنا واثقة أنه سيتفهم الأمر... والأن تعالي......لا تتركي عريسك ينتظر....."


فالتفتت
لتواجه (اندريه) كانت أجمل عروس وقعت عيناه عليها فلم يتمالك نفسه إلا أن
حدق بها بإعجاب وتمنى في لحظة جنون أن تكون عروسه هو ومد يده إليها فتأبطت
ذراعه وقالت :



"أشكرك يا (اندريه) على كل ما تفعله لأجلي أنا و (الفريدو).....أنا واثقة أني لن أنسى هذا أبدا"




وابتسمت
في وجهه فزاد هذا من جمالها أضعافا وشعر برعدة في جسده أنه لن يشعر قط
إتجاه أي امرأة بما يشعر به نحوها الآن......ظل يحدق بها هكذا دون حراك حتى
نادته السيدة (سوزي) :



"يا سيد (اندريه).....ماذا بك؟!...هيا أسرع الى الأسفل حيث ينتظر (الفريدو) "


فأفاق وقال :


"آه أنا آسف.....ال.....الفستان رائع جدا...سوف يذهل (الفريدو) عندما يراك"


وقادها
ببطء ......كان يسير بين جموع الناس الذين يقفون صفين ليشكلا طريقا في
نهايته (الفريدو).....كان (الفريدو) وسيما للغاية....أمير حقيقي هكذا حدثت
(أنجليتا) نفسها وهي تبتسم له بينما ذهل (الفريدو) من جمالها الفتان وتمنى
لو يسرع (اندريه) في خطواته قليلا.....أما (اندريه) فلقد شعر للحظة جنون
أنها عروسه فعلا وأنه يمسك بها على أنها كذلك وشعر بالخزي لأنه يفكر بتلك
الطريقة السخيفة ولكن هذا ما كان بداخله حقا وسلمها الى عريسها وهتف الجميع
لأجل سعادة هذين الإثنين كان الحفل كإعلان للعالم أن هذان الإثنان لن
يفرقهما شئ على وجه الأرض وعلى حبهما الذي لن يموت وظل (اندريه) متنحيا عن
الصورة في الظل......يحدق بهما بعينين حسودتين رغما عنه......يراقب كل حركة
من حركات العروس , كل رمش , كل التفاتة........وكأن لعنة أصابته فلم يعد
يستطيع أن يبعد عينيه عنها.....كانت ببساطة أروع عذراء مرت بطريق حياته فلم
يملك إلا أن ينظر إليها بحب.....حب شعره حقيقة في قلبه في تلك اللحظة ولكن
جاره كان الولاء والإخلاص لصديقه فلم يتمكن إلا أن يتمسك بإخلاصه لصديقه
في أصعب الظروف.......




وبعد
مضي نصف ساعة دخل رجل عجوز ببطء للحفل واقترب من العروسان فنهضت (أنجليتا)
فرحا وسعادة فقفزت عليه لتأخذه بين ذراعيها وعانقها والدها بحب أيضا وهو
يمسك دموعه بكرامة رجل يأبى أن يبكي حتى في أصعب الظروف وقال :




"أني
لا أملك إلا أن أبارك لك.....يا حبيبتي......ولك أيضا يا بني
(الفريدو).....ولتعيشا في سعادة وتنشرا تلك السعادة في كل شبر تزورونه..."



وفي
تلك اللحظة شعرت (أنجليتا) إنها اكتفت تماما ولم يعد لديها حلم لم
يتحقق.....شعرت أنها أمتلكت العالم وليأتي القدر بما يريد من صعاب وهموم
فلن تبالي فهذا اليوم سياعدها على تخطي كل أحزانها......بعد أن سلم الوالد
على العروسان جلس بالقرب من السيدة (سوزي) التي نظرت اليه بعد فترة فوجدته
يضع يده على صدره بألم فقالت قلقة :



"ما الأمر يا (خوسيه)؟!....هل أصابك مكروه؟!......"


"كلا.....أنه
الألم المعتاد......لقد زاد عندي في الآونة الأخيرة.....أعتقد أني فعلا
أصبحت عجوزا.....وبعد ما حصل الليلة.....لا أظن أن السيد (فرناندو) سيتركني
أعمل في الإسطبل من جديد........لكن لا تقولي (لأنجليتا) شيئا.....لا
تعكري صفو سعادتها.....فما هي إلا بضعة أيام وأعود قويا كالبغل...."



وظل
يضحك بسعادة فشاركته السيدة سوزي الضحك ومر الحفل بسعادة كل برفقة من يحب
كل يرقص ويمرح فالجميع سعداء لا يشغل بالهم سوى السعادة القادمة......




بينما
كانت هناك أفعى تسير بخفة في الظل فلقد ذهبت السيدة (ساندرا) الى قصر
(كازابيانكا) لتنقذ ما يمكن انقاذه وطلبت مقابلة (فرناندو) شخصيا ولم يكن
(فرناندو) ليرفض مقابلتها تحت أي ظرف فأدخلها مكتبه وعرف من نظرة وجهها أن
كارثة حصلت وسألها عن سبب مجيئها فقالت :



"جئت أهنئك بزفاف ابنك......!!!!!!"



فلم يبدو عليه أنه فهم شيئا ثم قال :


"أوضحي من فضلك ما ترمين إليه......"


"أجل
أنه عرسه......اليوم عرسه.....ولكن لم تكن تعلم؟!.....ياللخزي.....لعله لم
يشأ دعوتك...أو ربما شعر أن زفاف القرية لن يكون من مقامك....."



فنظر إليها نظرة من فقد صبره فقالت :


"لا
تصدقني أليس كذلك؟!.... (الفريدو) يا عزيزي السيد (فرناندو) في القرية
حاليا يقيم عرسا لنفسه ويدعو فيه من هم مقربون إليه جدا ليشهدوا زواجه على
خادمة الإسطبل......لا تنظر إلي هكذا و كأني أخرف......فهذا ما يحصل
فعلا.....ابنك تزوج دون علمك لأنه علم أنك ستفعل المستحيل لتمنعه فأراد أن
يواجهك بالواقع والآن انت تجلس هنا وتنظر الى فمي وهو يتحرك ولا تريد أن
تستوعب كلمة تخرج منه...."



فشعر (فرناندو) أنها ربما تتحدث بجدية فنهض بثورة وقال :


"المزاح في هذة الأمور غير مقبول يا سيدة (ساندرا) .!!!"


"ومنذ
متى أمزح معك في أي شئ أقوله يا سيد (فرناندو) وهل تظن أني سآتي لك وحدي
لأخبرك بشئ كهذا على سبيل المزاح.....لقد أفصح (الفريدو) لإبنتي (فلوريا)
عن من ينوي فعله بعد أن ضبطته مع عشيقته في الإسطبل وطلب إليها ألا تفتح
فمها ولكني عرفت كيف أجعلها تتكلم والآن لقد تزوجها فعلا فلقد عرفنا
متأخرين للغاية...."



"الخادمة؟!......خادمة
الإسطبل؟!...........تقصدين الكولومبية؟!...........هذا مستحيل....... هل
فقد عقله؟!....أم ابنتك كانت تهذي؟!...."




"لا بالتأكيد ابنتي لم تكن تهذي......أما بالنسبة (لالفريدو) فلم أعلم أن له عقلا حتى يفقده!!!!"



فبدأ
(فرناندو) يستوعب الحقيقة وشعر بغضب لم يشعر به في حياته لدرجة أنه نظر
حيث يضع مسدسه الخاص وتملكته فكرة أن ينهي حياة ابنه في الحال فأمسك
بالمسدس دون أن يعي لكن يد (ساندرا) هبطت على يده لتوقفه واقتربت منه وقالت
:




"لا
لا......ليس لأنه فقد عقله وفعل فعلة كهذة.....فتحذو انت حذوه......إن
(الفريدو) هذا مدلل جدا ومتهور ولا شئ يخضعه أو يردعه والأفضل أن تتصرف مع
شخصية مثل شخصيته أن تسايره.....وتتعامل معه بذكاء حتى تأخذ منه ما تريد
دون أن ينقلب ضدك......أنه يدير كل أملاك أسرتك وهو ذو مركز مهم
الآن....كما أنك إن تصرفت بتهور فسيعاند معك أكثر.....عليك التروي والتفكير
بحرص ودهاء حتى تحين اللحظة المناسبة للهجوم....."




"ما الذي تعنينه؟!......هل تريدين مني أن أبارك له واستقبله في بيتي؟!...."



"ليس
تماما......ولكن لا تطرده....أو تعاديه.....لابد أنها علاقة عابرة....مجرد
طيش وجري وراء الرغبات فلقد سمعت أنها جميلة للغاية....أتركه حتى يمل منها
هو بنفسه ويطلب أن يطلقها وحينها أعدك أن تكون (فلوريا) جاهزة لتحل محلها
في الوقت المناسب ولكن إن عاديته فسيتمسك بها أكثر فلنتركه حتى يحقق ما
يريده من تلك العلاقة أما هي فلن تنال شيئا مما تسعى إليه فلن يصل إليها
قرش من أملاك الأسرة وستخرج خاوية اليدين......"




كان
غضب (فرناندو) رهيبا فشعر أنها هي الأخرى فقدت عقلها ولكن بعد أن رحلت جلس
يفكر وحده في مكتبه كما هو دائما حتى شعر أن كل كلمة من كلامها يتوافق معه
تماما وشعر للمرة الأولى أنه ليس الوحيد صاحب الدهاء هنا بل هناك من يفوقه
دهاءا وشعر أن صديقه الراحل فعلا تزوج أذكى امرأة على الإطلاق......




بقي
العروسان ليلتهما في كوخ في أطراف القرية الشمالية عند النهر كان الكوخ
رائعا صغيرا يمثل عشهما الصغيرولو أنهما لن يستطيعا أن يبقيا فيه أكثر من
ثلاثة أيام وعندما استيقظت (أنجليتا) في أول صباح لهما معا لم تجد
(الفريدو) الى جانبها فنهضت وارتدت فستان أحمر مزركش وذهبت لتراه خارج
الكوخ فوجدته يصطاد بعض السمك كان قد أمسك بسمكة بطرف سنارته ولكنه لا
يستطيع أن يمسكها بيده لكثرة حركتها ومقاومتها وهي ترش على وجهه الماء فظلت
(أنجليتا) تضحك على منظره فالتفت وشعره متناثر على وجهه في كل مكان وقال :



"صحوت
حبيبتي؟!....أهذا ما تفعله الزوجة لزوجها تضحك عليه؟!.......إذن على الأقل
أضحكي على السمكة وليس علي......كم تبدين فاتنة وأنت تقهقهين هكذا...."




"هاهااه....كم انت ظريف وانت تصطاد السمك......آسفة ولكن منظرك مضحك أكثر من السمكة فلم أملك إلا أن أضحك عليك......."


وعانقته من الخلف ولفت ذراعيها حول كتفيه وقبلته وقالت :


"صباح الخير يا حبيبي......منذ متى وأنت مستيقظ؟!....."


"منذ
ساعة....قلت بما أنه أول أفطار لنا معا فلابد لي أن أعده وبما أني لست
ماهرا في مسائل الطبخ ففكرت أن السمك المقلي هو الشئ الوحيد الذي
أتقنه.....والآن أنظري كم أصطدت....إثنتان فقط!!!!..."




"أنهما كافيتان يا حبيبي.....ثم هل ستقضي وقتك تصطاد السمك وتتركني؟!.....أني أفضل ألا آكل إذا كان هذا هو الثمن......"



وظلت تنظم له خصلات شعره على جبهته .....كانت دائما تحب هذا العمل فقال مبتسما :


"لقد أصبحت عادة لديك.....ولم يعد لي رغبة في تسريح شعري بعد الآن....تعالي الى هنا.....كم اشتقت اليك!!!"


فقلبها
فوقه وهي تضحك وظلا يتدافعان حتى وقع (الفريدو) في الماء بالخطأ فارتمت
(أنجليتا) أرضا تضحك عليه وهو يشهق من برودة الماء فقال :



"ماذا فعلت؟!....هكذا ستبعدين أسراب السمك عن هنا .....أيتها الخبيثة تضحكين على من جديد......"


فأمسك
بمعصمها وهي عاجزة عن مقاومته من شدة الضحك حتى حملها فوقه ورمى بها في
الماء وظلا يتدافعان ويضحكان حتى هدأا وتعانقا في وسط الماء......كان كل
منهما مبلل وبارد ولكن قلوبهما كانت دافئة وقالت (أنجليتا) :



"كم
أتمنى لو أعيش معك هنا للأبد........هذا ما أتمناه......بعيدين عن الناس
والعالم الموحش من حولنا وعن قصر (كازابيانكا) ونعيش سعداء هانئين......"



فرد (الفريدو) :


"كما
قلت لك سابقا لا مكان للأحلام الوردية في الحياة الواقعية ولكن أؤكد لك أن
حياتنا في القصر ستكون جميلة ولن نترك أحد يؤثر على سعادتنا.....لقد أصبحت
زوجتي الآن......هذة حقيقة لا يمكن تجاهلها كالشمس الساطعة ولن أسمح لأحد
أن يحزنك أو يضايقك.......وحتى هذا الحين....هذة الأيام الثلاثة لنا
وحدنا.....فقط نحن والعالم كله لا شئ بالنسبة لنا.....فلننسى
ذلك......ولنفكر بأنفسنا....بحبنا....."




كانت
الأيام الثلاثة كالجنة للعروسان حيث شعرا كأنهما عصفوران يحلقان بعيدا عن
أرض الحقيقة حيث السماء والهواء وجنة حبهما الجميلة يرقصان سويا
ويتعانقان......كان كل شئ جميل ورائع في نظرهما وظلا يبنيان أحلامهما
الجميلة للمستقبل ويفكران في الأبناء ويختاران أسماء لهم حتى قالت
(أنجليتا) :



"هل تعلم حبي؟!......إذا أنجبنا بنتا سنسميها كلوديا.....أني أعشق هذا الأسم ما رأيك؟!...."


"يا له من أسم رائع......ولكن لما تقولين بنتا دائما.....لما لا تقولين أننا سننجب ولدا؟!......"


"لا أدري أشعر أننا سننجب بنتا في البداية ولكن ماذا سنسمي ابننا إذا كان ولدا؟!....."



"آه سنسميه (جوفاني)....لطالما تمنيت هذا الأسم لنفسي أني أحبه كثيرا......وسأعلمه الخيل والعزف على الجيتار...."


وظلا
يضحكان معا.....كانت تترائ لهما لحظة مقابلة الأب (فرناندو) ولكن كل منهما
كان يطرد هذة الفكرة محاولا أن يجعل القلق في يومه وطارت تلك الأيام
الثلاثة بسرعة جبارة فبدا لهما وكأنهما تزوجا منذ ساعة واحدة وعليهما أن
ينهيا عسلهما وينتقلا للواقع المرير....على الرغم من شجاعة (الفريدو) إلا
أنه لم يخف مطلقا كما خاف تلك اللحظة.....لحظه أخذه (لأنجليتا) ليقابل
والده وتمنى لو ان الزمن يمر بسرعة تلك الأيام الثلاثة الماضية في تلك
اللحظة العصيبة ولكن بدى مجرد السير في الطريق الى القصر كأنه يأخذ سنوات
وسنوات......



عاد (اندريه) من المدينة الى قصره قصر (لوتشى أورو) فقابلته أمه وقالت :


"آه عزيزي عدت أخيرا....كيف حالك؟!...هل تمت الأعمال بنجاح؟!....."


"نعم يا أمي كل شئ على ما يرام لا تقلقي...."


"على
عاد (الفريدو) الى (كازابيانكا)؟!.....كان يجب أن يمر علينا أولا ولو
قليلا.....لما لم يدخل معك هل هو مستعجل الى هذا الحد؟!....."



فسكت قليلا وقال :

"الواقع يا أمي (الفريدو) لم يأتي معي قط الى هذة العملية.....لقد قلت هذا لأني اتفقت معه على ذلك......!!"


فقالت أمه غير مصدقة :


"لكن لماذا ؟!....هل كان يحاول الهرب من العمل؟!.....لابد أن والده يثقل عليه بشدة...."


"لقد
تزوج يا أمي..!!!!.........في القرية منذ ثلاثة أيام.....وكنت شاهدا على
قرانه.....أعلم انك مذهولة فهو لم يرد لأحد أن يعلم واليوم بالذات سيعلن
زواجه من (أنجليتا خوسيه) وسيخبر أباه..........كم تمنيت لو أكون هناك الى
جانبه....ترى كيف تسير أموره الآن...."



"يا إلهي......لابد أن السيد (فرناندو) سيثور غضبا ولكن.....قلت لي (أنجليتا خوسيه) ؟!...من أي عائلة هي؟!... لم أسمع بها....."


"إنها.....من
عائلة متواضعة يا أمي لهذا تزوجها (الفريدو) دون استشارة أحد.....لكنها
امرأة رائعة ومثالية......صدقيني يا أمي أتمنى أن تبقى قوية بعد معرفة
السيد (فرناندو) بأمرهما"



وبقيت
امه تحدق به باندهاش فهو لم يمتدح امرأة من قبل بهذة القوة ولا حتى (سيسل)
التي كان ينوي الزواج بها وشعرت أن هناك الكثير من الأمور الخفية
عليها....



كانت
(سيسل) تشعر كل صباح أن أيامها متشابهة فلم يعد هناك سبب يدفعها لحب
الحياة كانت تصحو كل يوم وتفتح نافذتها لتلقي نظرة ساخرة على العالم الذي
سلبها كل ما تملك وتستعد لتعايش أحداث يومها التي تتكرر يوميا ولكن هذا
الصباح شعرت أنها أكثر تكدرا من أي صباح كما كان الجو خانقا فتمنت لو أنها
لم تصحو وقالت بصوت مسموع :



"يا إلهي لماذا صحوت من فراشي لأقابل كل هذا الإحباط...."


ونزلت
وتناولت إفطارها واندهشت لأن (الفريدو) ولم يعد بعد فلقد قال (اندريه) أنه
سيعود اليوم صباحا وكانت مارة بجانب مكتب والدها فسمعته يأمر (لوسيانو)
بعض الأوامر المعتادة كأن يجهزوا غرفة (الفريدو) والى ما هنالك فدخلت وجلست
بجانب مكتبه وما إن رحل (لوسيانو) حتى وقف الأب (فرناندو) واتجه الى
النافذة وظل يسألها الأسئلة المعتادة الجوفاء عن صحتها ودراستها وغيرها
وكانت ترد هي أيضا ردود ساهمة ثم قالت :



"صحيح يا أبي لما تأخر (الفريدو) هكذا؟!.....هل عاد (اندريه) ؟!......"


"نعم عاد.....!!!"


"إذن لابد أن (الفريدو) يقضي بعض الوقت معه فهو عادة يفعل هذا.."



فقال الأب بلهجة غريبة :


"أو ربما يحاول تأخير المواجهة قدر الإمكان........"


فلم
تفهم شيئا مما قصده والدها وفي تلك اللحظة بالذات سمعت طرقا على الباب
وفتح الباب وظهر (الفريدو)......ففرحت (سيسل) ونهضت لمعانقته وما إن فعلت
ذلك حتى لاحظت (أنجليتا) التي تقف خلفه ببضع خطوات فنظرت إليها بدهشة ونظرت
لأخيها الذي بدا جادا أكثر من أي مرة رأته فيها في حياتها وقالت تحدث
(أنجليتا) :



"ماذا تفعلين انت هنا؟!......هيا أذهبي لعملك...."


فأمسك
(الفريدو) يد (أنجليتا) وأدخلها معه فتراجعت (سيسل) بطريقة دفاعية وهي
تحاول أن تفهم ما يجري كل هذا والسيد (فرناندو) يعطي ظهره للباب حتى قال
(الفريدو) أخيرا :




"أبي.... (سيسل).....أعلم أن ما سأقوله قاسي عليكما ولكن أرجوكما أن تتفهما موقفي......أقدم لكما (أنجليتا).....زوجتي..!!!!"


فشهت (سيسل) ولم يتحرك السيد (فرناندو) مطلقا فاستمرت (سيسل) قائلة :


"ما هذا الهراء الذي تقوله يا (الفريدو) ؟!.....كيف؟!....متى؟!....هل تزوجتها فعلا؟!...."


وبنظرة
واحدة من وجهه علمت أنه لم يكن جادا في حياته مثل اليوم فكانت الصدمة تقضي
عليها ونظرت لوالدها لترى ما سيفعله ولكنه لم يتحرك فاستمر (الفريدو) :



"أبي.....إن
(أنجليتا) امرأة رائعة....لقد تعرفت عليها ووجدت فيها المرأة التي كنت
أبحث عنها كنت أعلم أنك ستستاء بشدة لو طلبت إليك هذا ثم اني لم أكن أميل
(لفلوريا) مطلقا....وأريد أن أقول يا أبي أن الزواج هو شئ يختار فيه المرء
شريك حياته بنفسه وهذا ما فعلته....وأنا آسف إذا كنت عصيت أمرك.....وأرجو
أن تتفهم موقفي......"




وضغط
(الفريدو) بقبضته على يد (أنجليتا) وكأنه يستمد منها القوة فالتفت السيد
(فرناندو) ببطء ونظر الى ابنه وزوجته.....كان وجهه مجردا من أي إحساس وكأنه
استحال حجرا وتقدم منهما ببطء حتى وقف أمام (الفريدو) تماما ونظر بازدراء
الى (أنجليتا) التى انكمشت خلف ظهر زوجها ثم وبسرعة البرق نزلت يد السيد
(فرناندو) على وجه ابنه بصفعة كانت كافية لكسر فكه حتى تناثر شعر (الفريدو)
وتشعث وترنح في وقفته فصرخت المرأتان في الغرفة....الأولى جرت لتمنع
والدها من المزيد والثانية لتسند زوجها وهي تقول بذعر :



" (الفريدو)..(الفريدو) "



لكن (الفريدو) استقام من جديد ونظر لأبيه بتحد وكأنه على استعداد لتلقي المزيد فقال (فرناندو) بصوت جوهري :



"خسئت أيها الفتى الطائش.....أهذة هي من أخترتها لنفسك؟!.....يالبئس
الإختيار.....ياللعار....أهذا ما استفدته منك؟!.....ألهذا أنجبتك
(آنا)؟!......لتجلب لي العار ولأسرتي......التي لم يجرؤ أحد فيها على أن
يقول كلمة قد تجعل احدا يتكلم عن الأسرة بسوء وتأتي أنت.....ايها الطفل
لتدمر أجيالا من الشرف والكرامة....لأجل ماذا...لأجل خادمة؟!.... وماذا
تنتظر مني ؟!......تنتظر مني ان أهنئك وأقيم لك إحتفالا؟!...."




فنظر اليه (الفريدو) بعينين مصقولتين وقال ببرود :


"يمكنك
أن تقول ما يحلو لك يا أبي ويمكنك أن تثور وتغضب وتحطم وتدمر.....كما
يمكنك أن تزدريني وتهينني.....ولكني لن أسمح أن تهين زوجتي......أجل هي
زوجتي.....وهذة هي الحقيقة الوحيدة التي لن تستطيع تغييرها مهما بلغت
سلطتك....."



فهم الأب بتوجيه صفعة أخرى له لولا أن أمسكت (سيسل) بذراعه بكل قوتها وصرخت :




"لا يا أبي أرجوك.....إنك لم تضرب أحدنا في حياتك....أرجوك.....وانت يا (الفريدو)....إذهب الآن .....إذهب بسرعة...هيا...."




فقامت
(أنجليتا) بشده بقوة لتخرجه من الغرفة وتبعها (الفريدو) وهو يضع يده بحركة
غريزيه على خده الذي توهج من شدة الألم وقادها الى غرفته جلست معه على
سريره وفتحت فمه لترى الأضرار فآلمه فكه ووجدت بعض الدماء تسيل من جوفه
الداخلي فظلت تهتم به وقال هو :




"هذا
هو أبي.....لو تغير العالم كله فلن يتغير هو.....التقاليد , الإنضباط ,
الشرف ماهو الشرف عندما يجعل أقدس رابطة بين رجل وامرأة تتخذ طابعا تجاريا
بحت لأجل اسم العائلها وما لها.. أني أشفق على أمي المسكينة التي ماتت
محطمة القلب عندما علمت أن والدي تزوجها لأجل رغبة والده واسم أسرتها
ومالها وليس لحبه لها.....لابد أن هذا كان كافيا لقتلها.....لن أسامحه لأنه
فعل هذا بأمي....كما لن أعطه الفرصة ليدمر سعادتي أنا الآخر..."




"لا
تتكلم حتى لا يؤلمك فمك......لما عليك دائما أن تتحداه وتعصي
أوامره....لما لا تعامله برقة وتطلب منه بلطف فأنا واثقة أن نتيجة هذا
ستكون أفضل......إن السيد (فرناندو) رجل قاسي ولكنه ليس مجردا من
الإحساس.....إنه بشر في النهاية.....وتحديك له يزيد من حنقه وعصبيته"




"هل
تظنين أن أبي قد يوافق إذا قلت له يا أحلى أب في الدنيا وقبلت جبينه كما
تفعلين مع والدك؟!......أن هذا يناسب والدك لأنه رجل حنون قلبه مليئ بالحب
فأصعب شئ أن يرفض طلبا لك حتى لو كان ضد رغبته أما أبي أنا.....فمن يظهر
ضعفا إنسانيا أمامه يزيد من رغبته في سحقه....كم تمنيت لو أن لي أبا مثل
والدك...."



"هو والدك الآن عزيزي.....فلترتاح الآن.....ولتذهب لتصالح والدك فيما بعد..."

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل السابع


[[ الوقوف في وجه العاصفة [[







خيم الليل و (الفريدو) و (أنجليتا)
جالسان في الغرفة الى جانب بعضهما يتجاذبان أطراف الحديث وعقلهما يفكر في
فكرة واحدة صامتة كيف سيقنع أباه بهذا الزواج حتى نهض (الفريدو) مجددا وقال
:




"لا أستطيع الإنتظار أكثر......سأذهب لأتحدث اليه....."


فاقتربت منه (أنجليتا) وقالت :


"ارجوك لا تتشاجر معه كن لطيفا وحاوره بالمنطق..من أجلي"


فابتسم وأمسك خديها وقال :


"لا تقلقي يا حبيبتي.....سأكون هكذا لأجلك فقط...."



وذهب الى مكتب أبيه......كان (فرناندو) تماما في المكان الذي تركه فيه قرب النافذة يفكر وغليونه في فمه فناداه (الفريدو) قائلا :


"أبي هل لي أن أحدثك؟!.......أرجوك"


فالتفت له .....كانت عيناه جاحظتان وجبينه متجعد وعروقة بارزة......كان الغضب واضح عليه حتى لو أنه حاول إخفاء هذا فقال (الفريدو) :


"أني
أعتذر......أعتذر على كل شئ......ولكنى أحب (أنجليتا)....أحبها
حقا.....ولن أتحمل الزواج بغيرها مطلقا....أعلم أنك غاضب ولكنك أيضا ذو عقل
راجح وحكيم وستدرك ما أحس به وما دفعني لأن أتصرف وحدي........أرجوك يا
والدي......إن مسامحتك تعني الكثير لي......نريد ان نعيش في
سعادة......وسأفعل أي شئ تطلبه مني...."




كان
غضب (فرناندو) كبيرا لكنه كان يعلم منذ يومان أو ثلاثة فقلل هذا من حدة
غضبه كما جعله يفكر بمادية أكثر وأدرك أنها ليست مشكلة بلا حل بل لها حل
ولكن الحل يحتاج وقتا وصبرا فتظاهر بأنه يحاول إقناع نفسه ثم قال :



"منذ الغد أريدك أن تكون في العمل.....لقد تقاعست في الأيام الماضية كثيرا......والآن إذهب "


فلم
يملك (الفريدو) إلا أن ينصرف قانعا بهذا الكلام الى الأن......ولكن كان
قلقا كما لم يكن مرتاحا لفكرة ذهابه وتركه لعروسه في أول أيام
زواجهما......





بينما
هو يحدث اباه كانت (سيسل) قد طرقت باب غرفة (الفريدو) ففتحت لها (أنجليتا)
فنظرت (سيسل) لها بإزدراء وظلت تذرع الغرفة بعينيها بحثا عن أخيها ثم
أغلقت الباب وراءها وقالت:




"انت وحدك هنا إذن.....أرجو أن يكون (الفريدو) قد ذهب للحديث مع أبي ليطلب
منه السماح على هذا الخطأ الغير معقول بأن يتزوجك......لا أصدق أنك حتى
تقبلين هذا لنفسك.....ولكن مهلا إن أخي عريس لا يعوض.....أنه الأمير الذي
تنتظره أي فتاة......فما بالك بخادمة لم تطمع حتى في سائس......على أية حال
سأعرض عليك عرضا مغريا......ما رأيك لو أعطيتك المبلغ الذي تريدين وتطلبين
من أخي الطلاق؟!.....مثلي عليه أنك مللت منه كما مثلت عليه انك
أحببته.....كم تريدين؟!......سأكون سخية جدا معك"




فكلمتها (أنجليتا) بهدوء ظاهر قائلة :



"يا
آنسة (سيسل) مهما كانت نظرتك لي فهي لن تغير من حقيقتي.....فأنا أحب
(الفريدو) لنفسه لا لماله أو نبل أسرته......وإذا غادر هذا البيت وعاش معي
في كوخ متواضع فلن يكون هناك أسعد مني.....!!!!"



"آه
أجل.....سوف تكون تلك نهايته إذا بقي متزوجا منك.....ولكن أتعلمين؟!....لن
أسمح لك أن تنزلي بمستواه الى الحضيض لأنه زوجك.....فأنت من يجب عليه
مغادرة هذا البيت لا هو ولن أسمح لك بتمزيق أسرتنا وتدنيس دماء اسرتنا
العريقة.....على أية حال.....الكلام معك لا يفيد.....فالفعل أفضل.....والآن
وداعا يا......عروس!!!"



وغادرت غاضبة ثم دخل (الفريدو) بعدها بقليل وقال قلقا :


"ماذا؟!.....هل كانت (سيسل) هنا؟!.....ماذا قالت لك؟!....هل قالت لك شيئا أزعجك؟!..."


فابتسمت (أنجليتا) برقة وقالت :


"لا.....لا تهتم...المهم أننا معا.....هذا هو ما يسعدني...."



ثم
أخبرها (الفريدو) عن إضطراره للإنغماس في العمل منذ صباح الغد وألقى
تعليمات للخدم بخدمتها وأخبرهم بحقيقة أنها عروسه كما أمر بإحضار ملابس لها
وطلب إليهم إعتبارها سيدة البيت الجديدة وحذر من معاملتها بسوء تحت أي ظرف
وكانت أقسى لحظة بالنسبة له أن يتركها ويذهب الى مقر شركات والده في
ميلانو ولكن كان عليهما الصبر كما شجعته هي وطمأنته أنها ستكون بخير وقضت
يومها الأول في الغرفة ولم تخرج منها حتى للوجبات كانت الوجبات تصل لها في
غرفتها فلم تعلم كيف ستجلس على مائدة واحدة مع السيد (فرناندو) و (سيسل)
ولكنها كادت تموت من الملل فنزلت الى مائدة الإفطار في صباح اليوم التالي
وبدا على خادمتها الذهول والريبة من تصرفها ولكنها أطاعتها فجلست في الموعد
ثم دخلت (سيسل) بعدها بدقائق فجلست وكأنها لا تراها ولا تلاحظها ولم تلقي
لها حتى كلمة للسلام......ثم جاء بعدها بدقائق السيد (فرناندو) الذي نظر
إليها بدهشة وسخرية شديدة وبدأ الثلاثة يأكلون والصمت يخيم عليهم كليا حتى
بدأت تتناهى الى أذني (أنجليتا) همسات الخدم ونظراتهم الموحية
إليها....كانت تعلم أنها أصبحت حديث الساعة الكل يتحدث عنها وعن اصلها
ويسخر من تهور (الفريدو).....فنهضت ولم تستطع إكمال الإفطار ولم تدري الى
أين تذهب.....فذهبت الى المطبخ حيث تجلس السيدة (سوزي) وعانقتها بقوة وهي
تبكي وتقول:




"سيدة (سوزي).....الجميع يتحدث عني ويسخر مني.....لا أصدق هذا....كأني وباء يجب التخلص منه.....أخشى أن يؤثر هذا على (الفريدو)...."



لكن
السيدة سوزي طمأنتها قائلة أنه لن يفلح العالم كله في تغيير رأي (الفريدو)
أو إطفاء مشاعره فهي تعرفه جيدا وبعد أن هدأت ظلتا تتحدثان عن أمور أخرى
فقالت (سوزي) :



"سيعود (الفريدو) بعد يومين على ما أظن ولابد أن يكون مشتاقا لك جدا...."


"وأنا أكاد أموت شوقا إليه......كما أشتاق لأبي و(نيلا) وللقرية.....ترى هل يعلمون عما حصل هم أيضا؟!......."


فسكتت (سوزي) فأضافت (أنجليتا) :


"لعلي
أصبحت حديث القرية كلها أيضا......ابن آل (فان دييجو) يقرن اسمه بخادمة
وضيعة.....حكاية مثيرة...ولكنها من نوعية القصص التي لا تبشر بنهاية سعيدة
أو هذا قد تكون نهايتها مفتوحة أليس كذلك...."



فالتفتت لها وقالت :


"ما
هذا الكلام؟!.....وماذا يهم فيما يقوله أهل القرية أو الخدم؟!....كل هذة
مهاترات لا فائدة لها.....فلتركزي على مستقبلك انت و (الفريدو) و في كيفية
إسعاده ولا تهتمي بأولئك الحمقى أبدا...."




فأفرحها
قليلا كلام السيدة (سوزي) وعادت لتحبس نفسها في الغرفة من جديد.....لقد
كانت الغرفة جميلة على الرغم أنها تخص رجل لكنها كانت مزينة بصورة فنية جدا
فلم يزعجها الأمر ولم تفكر مطلقا بأن تطلب من زوجها تغيير شكل الغرفة
لتناسب ذوقها ولكنها في قرارة نفسها لم تكن معتادة بعد على فكرة كونها
زوجته فلم تسنح لها الفرصة لترسخ تلك الحقيقة في نفسها أو لتشعر بسعادة
اقترانها به وقضاء الساعات وهي تحدثه أو تضاحكه واندهشت لذلك لأن أحدا لم
يكلمها أو يزعجها أو يوجه لها كلمة إهانة ما على الرغم أن (الفريدو) ليس
موجود وشعرت أن هذا لأن (الفريدو) حذرهم بشدة من هذا الأمر ولابد أنه وجه
تحذيرا لأخته أيضا كما كانت أتفه من أن يوجه لها السيد (فرناندو) كلمة في
نظره وظلت جالسة على السرير تحدق أمامها دون هدف تفكر وتفكر وشعرت أن تلك
الليالي كالسنين بالنسبة لها وقالت كيف لها أن تتحمل هذا فيما بعد عندما
يغيب عنها (الفريدو) طويلا ثم سمعت طرقا على الباب فتوجست خيفة ودخلت
الخادمة تقول :



"عفوا يا سيدتي......لكن هناك زائر بانتظارك....."


فذهلت وتساءلت ترى من يكون ثم رجحت أنها ربما تكون (نيلا) وقالت :


"سأنزل حالا....."


وذهبت لإرتداء ملابس مناسبة .....




نزلت
(سيسل) الدرج الرئيسي فرأت (اندريه) يقف وسط الساحة فشعرت بالحرج وفكرت أن
تعود أدراجها ولكن الأوان كان قد فات فلقد رآها وقام بتحيتها.....فابتسمت
مرغمة وقالت :



"آسفة لم يخبرني أحد أنك أتيت......أو أنك أتيت للقاء أبي؟!....."


"الواقع أتيت لأقابل السيدة (أنجليتا)......"


فتجمدت (سيسل) في مكانها وقالت :


"ماذا تقول؟!....لماذا؟!......."


"لأبارك لها......فأنا لم أرها منذ الزفاف كما أني كنت مع (الفريدو) في ميلانو ولأني عدت باكرا عنه طلب إلي أن أسلمها شيئا..."


فحدقت به بثورة وقالت :


"أكنت
في الزفاف؟!.....وقادم لتبارك لها؟!....كان عليك أن تأتي لتعزينا يا
(اندريه).....لا أصدق أنك لا تعترض على هذة الزيجة أم أن (الفريدو) استطاع
أن يقنعك بأفكاره الحمقاء....."




"
(الفريدو) لم يقنعني بشئ.....فأنا كنت مقتنعا من البداية...... (أنجليتا)
فتاة رائعة وسوف تقتنعين بها يوما ما......أنها أنسب زوجة
(لالفريدو)......ارجو أن تتقبلي رغبة أخيك....."




فرحلت
من أمامه ثائرة فنظر اليها بسخرية واستغرب لتفاهتها وكيف ظهرت في تلك
اللحظة مختلفة تماما عن الصورة التي وضعها فيها من قبل وكيف بدت له عكس ما
كان يتوقع بل لقد تساءل كيف وقع في حبها فهي لم تكن أبدا تناسبه وعندما
نزلت العروس البرونزية أمامه نظر إليها بتقدير ووجد نفسه يقارن بينها وبين
(سيسل) مرغما وكانت النتيجة واضحة......أكثر شئ أسعده بشدة نظرة الفرح التي
ظهرت على وجهها بمجرد أن رأته بل لو كانت تملك الشجاعة لهرعت الى ذراعيه
راكضة ولكنها وقفت و الإبتسامة تعلو شفتيها وهي تقول :



"يا إلهي (اندريه).....كم أنا مسرورة برؤيتك.....أنه لطف منك أن تتذكرني...."


"أتذكرك؟!...أنا
لم أفكر إلا فيك......أعني أن (الفريدو) طلب الي أن أقابلك بما أنه لن
يعود قبل بعد غد ويقول لك ألا تقلقي عليه فبمجرد أن ينهي أعماله هناك سيعود
مباشرة...."



"أشكرك كثيرا يا (اندريه).......أتمنى لو يعود بسرعة.....اني أشعر بوحدة هنا.....شديدة"


فمرر (اندريه) أصابعه في شعره وقال بارتباك :


"ليس
لك أن تشعري بأي وحدة وأنا موجود......أستطيع أن آتي لزيارتك وقت ما أردت
فأنا عندما أنهي أعمالي في البلدة أبقى متفرغا حتى المرة التالية.....آه
على فكرة لقد أحضرت لك هذا....!!"



وأعطاها كتابا في يده فوجدته رواية رومانسية شهيرة وشيقة وقال :


"أفضل
صديق في أوقات الفراغ.....إقرأيه كلما وجدت نفسك وحيدة......لقد أحضرته لك
من مكتبتي الخاصة....كما يمكنك أن تأتي لتأخذي منها الكتب التي
تريدينها.....كان (الفريدو) يفعل هذا دوما معي.."



فشعرت
(أنجليتا) بسعادة رهيبة ولم تعرف كيف تشكره لم تعرف كيف يمكن ان يكون
حساسا الى هذا الحد فلقد أحضر لها ما تحتاجه تماما ولم تستطع ان تقول شيئا
لكن عيناها أشعتا إمتنانا وشكرا وقابلتها عينا (اندريه) الحنونة ثم قال :



"إياك
أن تعتبري نفسك وحيدة......لا أعرف كيف تعتبريني ولكن أتمنى أن تعتبريني
صديقا......صديقا مخلصا دائما الى جانبك في أي وقت تحتاجينه أنا لا أفعل
هذا لأجل (الفريدو) .....فهذة رغبتي الخاصة...."



فابتسمت وصافحت يده برقة وقالت :


"انت أكثر من كونك صديقا يا (اندريه) ولن أجد شيئا أعبر به عن شكري لك......واتمنى أن تأتي لزيارتي كلما سنحت لك الفرصة....."


وبعد
رحيله عادت (أنجليتا) مبتهجة جدا لغرفتها بينما كان (اندريه) في غاية
السرور لأنه استطاع إدخال شئ من السلوى الى قلبها فلقد كان هذا كل
أمله......




كانت
(أنجليتا) تظن أنه بمجرد عودة (الفريدو) ستحل مشاكلها ولكنها كانت قد بدأت
للتو فلقد كانت الأيام الثلاثة التالية هي أسوء أيام حياتها على الإطلاق
فلسبب ما انشغل (الفريدو) في الأعمال التي وكلها أباه اليه بشكل مستمر وكان
هو الآخر لا يستطيع أن يرفض إمعانا منه في طلب رضا والده وانتشر أمرها
بسرعة رهيبة حتى وصل للأسر النبيلة في ميلانو وكل معارف أسرة (فان دييجو)
كانت فعلا حديث المدينة.....مما زاد الأمر سوءا هو التجاهل التام الذي
يعاملها به السيد (فرناندو) وكأنها ما تزال خادمة لديه ولم تكن (سيسل) أفضل
حالا فلقد كانت تصر على إذلالها وأهانتها بالكلام ذو المعنى
المزدوج......كانت (سيسل) مكتئبة وحانقة على حياتها لأقصى حد فقررت أن تخرج
كل ما تشعر به في وجه (أنجليتا) ولم يكفهم ذلك بل قام السيد (فرناندو)
بتصرف أكثر إذلالا مما سبق فلقد أصر على بقاء والدها (خوسيه) في عمله وكانت
تلك كارثة أثارت (الفريدو) بشدة وحاول جاهدا مع والده أن لا يجعل حماه
يعمل في الإسطبل فكان رده :



"ولما؟!....هذا عمله إنه لم يفعل خطأ حتى أصرفه من عمله.....إذا كنت خجلا فهذا خطأك وحدك.....لم يخبرك أحد أن تتزوج ابنة سائس...."


وكانت
تلك كلمات كافية لإغلاق فمه ولم تعد (أنجليتا) تتحمل إهانتهم برابطة جأش
مثل السابق فشيئا فشيئا بدأت تكتئب بشدة وتشعر بالمهانة والذل والوحدة
أينما ذهبت فلقد كان (الفريدو) يغيب عنها طويلا وبمجرد عودته يحاول الجميع
تجنبها فلقد كانوا يهينونها في عدم وجوده وفي أثناء وجوده يكتفون بتوجيه
كلام لاذع ذات مغزى ومما أثارها حقا أنه إذا أتى أحد من أفراد الأسر
النبيلة لزيارتهم في القصر فإنهم يعاملوها بإزدراء قاسي وكأنها حثالة لا
تستحق النظر إليها فكانت تكتفي بالذهاب الى غرفتها والبكاء ذلا ومهانة لكن
أكثر ما آلمها هو مرض والدها الذي بدأ يظهر واضحا ويزداد وهي لا تعلم السبب
كما حزنت لأن والدها يخفيه عنها حتى لا يزيد من حزنها أضعافا فشعرت أن
جميع الأبواب مغلقة في وجهها ولكن عندما أتى (الفريدو) من سفره تظاهرت بأن
شيئا لم يكن وأخفت حزنها وقلقها عنه كالعادة ثم قال لها :



"سأضطر للسفر مجددا بعد غد..."


فاستدارت بعيدا عنه لتخفي دموعها فقال :


"أعلم
أنه أمر فظيع بالنسبة لك....ولي أيضا ولكني سأحاول أن أقيم تقييما كاملا
للمزانية حتى أرتاح لمدة أسبوعان وحينها أستطيع أن أبقى معك وقتا أطول يا
حبيبتي....كم تمنيت لو أكون معك في حفلة العائلات في نهاية هذا
الإسبوع......!!"



فقالت بحسرة :


"ماذا؟!...حفل آخر وأسر نبيلة؟!....سوف يفرحون بالسخرية مني من جديد....لا......لا يمكن أن أذهب للحفل...."


"لا
يمكن ألا تنزلي لملاقتهم يا حبيبتي فالحفل في بيتنا وسيكون هذا تصرفا غير
لائق مطلقا.....لكن لا تقلقي (فاندريه) سيعود من ميلانو غدا وقد يحضر الحفل
وحينها لن تكوني وحيدة تماما....أليس كذلك؟!...."



وعانقها
فظلت تمسك به بقوة وكأنها خائفة أن يسافر ولا يعود أن يتركها بلا رجعة كم
تمنت لو أنها تبقى بين ذراعيه هكذا دائما فلن يستطيع أحد أن يمسها حينها
لكنها استمدت منه القوة وقالت إنها يجب أن تكون أقوى وألا تستسلم بهذة
السهولة فهذا حبهما و زواجهما ولن تسمح لأناس حمقى كهؤلاء أن يغيروا
مشاعرها تجاه (الفريدو).....




وجاءت
الحفلة وأرتدت (أنجليتا) ثوبا يليق بمركزها ونزلت و سألت (لوسيانو) رئيس
الخدم عن الضيوف فأخبرها عن الحاضرين الى الآن لكن (لوسيانو) دائما كان
يعاملها بشكل غريب فلقد كانت تحت امرته وبين ليلة وضحاها أصبحت سيدته كان
تشعر أحيانا أنه يزدريها ولكنها فكرت أنها ربما تتخيل فحسب ثم وصلت الى
المائدة حيث جلس افراد أسرة (فلاديمير) (فلوريا) و (ساندرا) أمها وهاهي
والدة (اندريه) السيدة (جابريلا ديميتريوس) وبعد أفراد العائلات الأخرى
الذين لا تعرفهم وكان من المؤسف أن (اندريه) لم يحضر حيث شعرت بعدم الأمان
وأنه ليس لها ظهر هنا فجلست بعد أن ألقت تحية عامة وجاءت (سيسل) ووالدها
ليحيوا الحضور وتجاهلوا كالعادة وجودها تماما وبدأ الجميع بالأكل وعزف
الموسيقيون موسيقى خفيفة.....كانت جميع أحاديثهم فارغة تحرق في سمعة هذا
وهذة فلم ترد ان تشاركهم وركزت مع الموسيقى وتخيلت أنها مع (الفريدو) الآن
تحدثه تداعب خصلات شعره وتتعمق في لون عينيه حتى ابتسمت لنفسها فرأتها
(سيسل) فشعرت بالحقد ثم نادتها لأول مرة في الحفل وقالت :



"آه
(أنجليتا) ألم تسمعي السيدة(روزانا) وهي تشرح سبب تأخرها أنها تقول أن
خيول عربتها أثارت ضجة في الطريق وعجز السائق معها على التصرف أو تهدئة
الخيول.....على الأقل وجهي لها نصيحة بشأن ترويض هذة خيول....... "



فاندفعت الدماء في وجهها وسمعت الهمسات تنطلق في كل مكان فحدقت بكأسها وهي لا تعلم ماذا تقول فلم تكتفي (سيسل) بهذا بل قالت :


"ماذا
ألا تريدين الإجابة؟!......إذن على الأقل اسئلي والدك.....ربما يمكننا
استدعاءه الآن.....أوه أظن أنه أنهى دوام عمله أليس كذلك؟!....يا حسرتي..."



فقالت السيدة (روزانا) غير مصدقة :


"ماذا ؟!.....هل يعمل والدها في الأسطبل.....؟!...."


فضحكت (سيسل) بسخرية ونزلت دموع الحنق من عينا (أنجليتا) التي لم تدري ماذا تفعل حتى جاء صوت يقول :


"على الأقل يكسب ماله من عرق جبينه وليس مثل بعض الناس يتركون أعمالهم دائرة ويجلسون في بيوتهم بجانب المدفئة..."


فالتفت الجميع وكان هذا (اندريه) فقال بعد أن ركز عينيه على (أنجليتا) :


"أنا آسف وصلت متأخرا قليلا......أرجو ألا تكون قد فاتتني التحلية...."


وسحب كرسيا وجلس الى جانب (أنجليتا) التي ظلت تحدق به بسعادة وذهول فأعطاها منديله وقال بصوت خافت :


"لا يستحق أحدهم ذرة واحدة من دمعتك هيا أمسحيها وتجلدي ولا تعطيهم فرصة أبدا للنيل منك...."



فمسحتها
بسعادة وقام بتحية أمه ومنذ ذلك الحين ولم يزعجها أحد بشئ واستمروا في
الأحاديث التي لا تنتهي ولكن تلك المرة لم تشعر بالوحدة فلقد كان رفيقها
مسليا يحكي لها عن مواقف طريف عن (الفريدو) وهو عندما كانا صغيران وقال :





"في
البداية كنا نضرب بعضنا طوال الوقت حتى جاء ولد من ابناء الخدم كان ضخما
للغاية وقام بضربي بقوة كان يساوي ضعف حجمي فجاء (الفريدو) وضربه فوق رأسه
واتحدنا لنهزم هذا العدو الجديد ومنذ ذلك الحين ونحن لم نضرب بعضنا أبدا
وقررنا توفير ضرباتنا لشخص غريب..."



فانفجرت
(أنجليتا) ضاحكة كان مسليا أن تسمع عن صفات وتصرفات (الفريدو) وهو صغير
فلقد بدى لها شقيا للغاية لكن شجاعا وجاء وقت الرقص فلم يتجرأ أحد على طلب
مراقصتها ولكن (اندريه) لم يكن ليترك فرصة كهذة ودعاها للرقص....كان يرقص
بخفة ويدور بها برقة وقالت له :




"أتعلم؟! أن تجيد هذة الرقصة أكثر من (الفريدو) ......"


"آه
لا تذكريني برقص (الفريدو)....كان علينا أن نحضر له مدرسا للرقص من اقصى
بلاد العالم ليستطيع تعليمه....أما هذة الرقصة فلقد علمتها له بنفسي ولكني
لم أتحمل الى أن يتقنها"



فضحكت ثم فكرت قليلا وقالت :


"غريب كلما تحدثنا معا.....تحدثنا عن (الفريدو)......لما يحدث هذا دائما؟!...."


"لأن (الفريدو) هو القاسم المشترك بيننا فهو أغلى انسان عندي بعد والدتي وهو على ما أعتقد أغلى انسان عندك بعد أباك....."



"نعم......قد
يكون الذي جمعنا في البداية ولكنه ليس الشئ الوحيد الذي يجمعنا......أشعر
أن هناك الكثير من الصفات التي تجمعنا.....وكثير من الأشياء التي
نحبها.....كما ما أحمله لك في قلبي ليس لأجل (الفريدو)......أنا فعلا أقدرك
من كل قلبي يا (اندريه)...."



كانت هذة الجملة كافية لإرباكه بشدة فقال بعد أن أشاح بنظره بعيدا :


"وأنا أيضا أحمل لك في قلبي.....كل تقدير العالم.!!!"


وبعد أن انتهت الموسيقى أشارت أم (اندريه) الى ابنها وظلت تحدثه ثم جاء بعد قليل وقال :


"أرجو
معذرتك يا (أنجليتا) إن أمي متعبة وسوف آخذها الى القصر الآن.....كما أني
جئت من ميلانو الى الحفلة مباشرة وأحتاج الى بعض الراحة......ولكن أعدك أن
أزورك قريبا..."



"أشكرك من قلبي يا (اندريه)......"


وبعد
أن رحل نظرت حولها فوجدت الجميع منشغل ولن يشعرأحد بغيابها فمشت في
الحديقة تفكر في (اندريه) وفي كلامه لها ومواقفه الرقيقة وتفكر في
(الفريدو) وفي اشتياقها له ووجدت نفسها أمام كرسي خشبي بين الأشجار فجلست
عليه تفكر وتستحضر في ذكرياتها حتى ظهر شخص وسط الظلام ظل يحدق بها دون
حراك جلست فترة حتى لاحظت وجوده وما إن رأته حتى اقترب منها كانت تلك
(فلوريا).......ظلت واقفة تحدق بها ومشاعر كثيرة تختلج في صدرها وظلت
المرأتان متقابلتان وقالت (فلوريا) وقد بدأت دموعها تسيل :



"اعتقد
أنك اسعد امرأة في هذا العالم......أليس كذلك؟!.....تزوجت رجل من عائلة
عريقة.....وثري وضمنت حق أولادك وفوق كل هذا وسيم وجذاب وتتمناه كل فتاة في
إيطاليا بأسرها......"



وازدادت دموعها غزارة ثم قالت :


"لم
أكن أريد أي شئ من هذا......كنت أريد (الفريدو) فحسب.....أتعلمين؟! كنت
أتمنى لو......لو كان خادما لما ترددت لحظة في الزواج منه....لهذا أنا لن
أسامحك أبدا......لقد اخذت مني أعز ما أملك.....أخذت الشخص الوحيد الذي
أحببت ولولا تمثيليتك لإستمالة قلبه وإغراءه لكنا الآن سويا....كان يفترض
أن أكون أنا زوجته لا أنت.......ولكن أتعلمين؟!.....أني لن أتخلى عنه
أبدا......لن أتركك تفوزين ولن أتركه في حوزتك....فسوف أدافع عن كل ما
أملك.."





وجرت باكية ولكن (أنجليتا) استوقفتها قائلة :


"أنا
لم أفعل شيئا لأثير حنقك هذا علي.....(فالفريدو) لم يكن ملكك يوما أبدا
ولن يكون ملكك بعد اليوم وعليك أن تثقي في هذا......ولم تكن تهمني لا اسرته
ولا أمواله وأنا واثقة أنك لن تصدقي هذا.....لأنك مثل الآخرين...تظنون أن
من لا تجري في عروقه دماء النبل فلابد أن يكون حثالة انتهازي لا قيمة
له.....ولكن عليك أن تعلمي أننا نملك مشاعر أيضا وأن النبل في القلب.."



فنظرت إليها بسخرية وقالت :


"وانت كذلك تنصحيني وتقدمين تقريرا عنا....بصفتك قد أصبحت واحدة منا......لكن لا بأس....أؤكد لك أنك لن تكوني كذلك طويلا....."



وجرت مسرعة فارتعشت (أنجليتا) بسبب برودة الجو وقررت العودة الى غرفتها والخلود للنوم مباشرة فلقد كان يوما صعبا وقاسيا عليها.......




أما
(اندريه) فلم يستطع النوم هذة الليلة وهو يتذكر ما قالته له (أنجليتا)
ويستحضره في ذهنه كلمة كلمة....ويعيد استحضاره من جديد دون توقف وكأنه يعيد
سماع مقطوعة موسيقية تثير اعجابه وظلت صورتها بثوبها الرائع تظهر أمامه في
ظلام الغرفة.......كان يشعر بسعادة ولهفة وهو يتذكرها ويشعر بارتياحها له
ولكنه اصيب بحزن مفاجئ وظل يلعن نفسه لأنه هكذا يخون صديقه ويخون
الأمانة.....لا يمكن ان يفكر في زوجة صديقه هكذا و قرر في داخله أنه لن
يزورها حتى يعود (الفريدو) الى القرية...





قررت
(أنجليتا) ألا تترك غرفتها فهي لا تريد المزيد من المواقف السيئة مع أفراد
أسرة (فان دييجو) وتمنت لو أنها تستطيع زيارة والدها لأنها لم تره منذ
ثلاثة أيام وقررت أن تزوره غدا وتبيت الليلة معه وبعد قليل طرقت الخادمة
غرفتها وقالت لها أن هناك زائر في انتظارها ففرحت فربما يكون (اندريه)
ولكنها كانت (نيلا) صديقتها من القرية..... كانت تبدو شاحبة وقلقة فأثارت
قلقها هي الأخرى ولم تنتظر طويلا فلقد قالت (نيلا) بصوت خافت :





"أنا آسفة يا عزيزتي.....لكن والدك.....مريض جدا!!!!"



وبعد
ذلك لا تتذكر جيدا ما حصل فلقد هرعت باقصى سرعة الى القرية ودخلت الغرفة
التي وضعوه فيها ونزل منظره عليها كالصاعقة....كان ممددا فوق السرير يلتقط
انفاسه بصعوبة شديدة.....كان في حالة ضعف شديدة جعلتها تنهار فلقد كان
والدها دائما مثال القوة بالنسبة لها وهو يحميها من العالم وقسوته ولم
تتخيل يوما أنها ستراه في هذا الضعف بحيث تكون هي في وضع من يحميه.....كانت
تلك أقصى لحظات حياتها قسوة وأنهارت فيها باكية وتدافعت دموعها فأغرقت
العالم....... كانت كمن أصابها مس من الجنون......أما هو فكان يضغط على
يدها بين الفينة والأخرى ليطمئنها ويسكتها لكن دون جدوى وجلست الى جانبه
طوال الليل وهو يهمس بكلمات قليلة في أذنها من وقت لآخر حتى قال لها قبل أن
ينام :




"يا
عزيزتي.....ما من شئ يدفعك للحزن....فأنا معك.....في قلبك...حتى لو لم أكن
معك بالفعل....كما...أريدك أن تهتمي (بالفريدو)....وتقلقي عليه فهو الذي
سيعيش معك ما تبقى من حياتك وهو الذي يجب أن تخدميه وترعيه.....متى
سيأتي؟!.....كنت أتمنى أن أراه.....لكن لابد وأن يأتي بعد يوم أو
يومين....أطلبي منه ان يزورني فأنا أريد أن أوصيه عليك حسنا؟!....والآن هيا
ابتسمي....ألا تكفين عن البكاء ابدا....قد تصابين بالجفاف هكذا....."



فضحكت
وسط بكاءها وضحك هو الآخر بصعوبة ثم خلد الى النوم ولم تعرف (أنجليتا) كيف
حدث هذا ولكنها نامت هي الأخرى........ولكن في الصباح وجدته باردا متيبسا
فلقد مات وكانت تلك آخر كلماته لها......

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل الثامن

[[ الكارثة [[


كان (اندريه) في مكتبه يكتب بعض الأوراق عندما دخل عليه خادمه بالشاي وقال له :


"هل سمعت الأخبار الجديدة يا سيدي؟!....."


فقال بعدم اكتراث :


"ماذا لديك؟!.....أرجو أن تقوله بسرعة فأنا مشغول..."


"لقد
سمعت زوجة السيد (الفريدو) لم تعد لبيتها منذ ثلاثة أيام........هذا أمر
فظيع وغير مستحب للأسرة أبدا وسمعتها الآن على كل لسان...."



فنهض (اندريه) بذعر وقال :


"ماذا تقول؟!.....ولكن أين هي؟!...."


"يقولون أنها لم تعد الى القصر منذ موت والدها في القرية......"


"ماذا؟!.....السيد (خوسيه) مات؟!....يا إلهي.....ولما لم تخبرني؟!......."


"أنا آسف ياسيدي.....لكني لم أسمع هذا إلا أمس بعد أن انتشرت تلك الأقاويل عنها......"



فترك
(اندريه) كل ما في يده وجرى مسرعا الى القرية بحصانه ووصل الى بيت (نيلا)
وطلب رؤية (أنجليتا) وعندما دخل صعق لمنظرها.....كانت كمن فقد
الحياة.....جسد بلا روح......مكللة بالسواد وشاحبة كالأموات كأنها لم تذق
الطعام منذ أيام كما بدت في قمة يأسها كمن ترواده نفسه بالإنتحار ولكن
عندما رأته نظرت له كطفل تاه وسط قوم لا يعرفهم ووجد أخيرا أحدا من أهله
فسالت دموعها وجرت نحوه وظلت تبكي بحرقة بين ذراعيه وهي تقول :




"آه يا (اندريه).......يا (اندريه) لقد مات....مات الشخص الوحيد الباقي لي في العالم.....لقد مات أبي يا (اندريه) "




واستمرت
في بكاءها فترة طويلة وهو تكاد أحشاءه تتمزق تأثرا وجزعا لأجلها ولأجل
مصابها.....ظل يهدئها ويواسيها حتى تحولت شهقاتها لتنهيدات وبدأت تهدأ شيئا
فشيئا فقال لها وقد أمسك يدها بقوة :



"أخبريني.....ماذا أفعل لأجلك؟!.....أطلبي مني أي شئ....أرجوك أي شئ"



فسكتت دهرا ثم نظرت إليه بعينين بريئتين معذبتين وقالت :


"أحضر لي (الفريدو)!!!!.....أنا في أمس الحاجة له.....أرجوك "



"لك ما تأمرين.....سيكون هنا في أقرب وقت ممكن.....ولكن أرجوك.....إفعلي لأجلي خدمة....عودي الى قصر (كازابيانكا) ..!!"


فنظرت إليه بذعر فاستمر قائلا :


"لقد
بدأ الناس بالحديث عنك......وليس من الجيد أن تبيتي بعيدا عن بيت زوجك دون
حتى أن تعلمي أهل زوجك بمكان وجودك وخصوصا أنه مسافر.....ارجوك إفعلي هذا
لأجلي...."



"ولكن صدقني أنهم يتمنون عدم وجودي.....بل أني واثقة أنهم في أفضل أحوالهم.....كما لن أتحمل نظرة الشماتة في أعينهم....."


"لا أبدا لن يجرؤوا......جميعا.....تعالي معي وثقي بي....تجاهليهم كليا....."


فلم
تملك إلا أن تستمع الى كلامه وعند عودتها لم يكن أحد منهم في استقبالها
مطلقا فصعدت الى غرفتها وبقيت هناك حتى صباح اليوم التالي عندما طرقت
الخادمة بابها لتدعوها للفطور فرفضت النزول أو تناوله من الأصل وجلست
وفكرها هائم وعينيها مغرقتان بالدموع حين طرق الباب من جديد فصرخت قائلة :



"ألم تسمعي؟!.....لا أريد أن أفطر....."


فسمعت صوتا يقول :


"هذا أنا (اندريه) ....!!!"


فجرت مسرعة وفتحت الباب فابتسم لها وقال :


"لقد نفذت وعدي لك"


وتنحى
جانبا فظهر زوجها وهو يرتدي معطفه وقبعته وما إن رآها حتى عانقها بقوة وهي
صرخت بأسمه......شعرت أن هذا ما كانت طوال تلك الفترة أن تعود الى حضنه
ليحميها فأخذها بين ذراعيه وحملها وجلس بها فوق الكرسي وظل يحن عليها ويمسح
بيده على شعره ويناديها بأعذب الكلمات......كان اشتياقها له يضاعف حزنها
أضعافا فما إن ظهر أمامها حتى أزيل جبل هائل كان يجثم على
قلبها......وتراجع (اندريه) الى الخلف ورحل دون كلمة كان سعيدا لأنه استطاع
أن يحقق لها أي شئ قد يسري عنها وشعر بالخزي لأنه امتنع عن زيارتها في
أحوج أوقاتها لوجوده الى جانبها وقرر أنه لن يكرر ذلك أبدا......أما
(أنجليتا) فلقد بقيت بين ذراعي زوجها فترة طويلة كانت بحاجة لأن تنهل من
حنانه قدر الإمكان.....كان صوته الدافئ ورائحته ولمسات يديه كل تلك الأشياء
كافية لأشعارها بالنعيم ثم قال:




"ياحبيبة
قلبي.....عندما قال لي (اندريه) ما حصل لم أصدق.....تركت أعمالي وجئت
فورا....ليتني كنت معك في تلك اللحظة العصيبة....ليتني قابلته وتحدثت
معه.....كنت مشتاق له كثيرا .....لابد أنك عشت جحيما يا حبيبتي.....أنا
آسف.....أنا جد آسف....."



"أرجوك
يا (الفريدو)......لا تتركني من جديد......لن أتحمل...لن أحتمل الحياة
وحدي ومعاملة الناس لي.....كل من حولي ....أنا أريد أن أبقى بقربك.....الآن
لم يعد لي أحد.....لم يعد لي أهل.....انت الوحيد الذي تبقى لي في هذا
العالم...."




فاشتد من إحكام ذراعيه حولها وقال :


"إياك
يا حبيبتي أن تفكري أنك وحيدة.....لن أتركك مجددا....سوف أبقى معك فترة
طويلة.....فلقد وعد (اندريه) بأن سيأخذ مكاني في الإسبوعان القادمان في كل
الأعمال وسوف أبقى معك أطول وقت ممكن.....لن يزعجك أحد بعد الآن صدقيني..."



وعقب
تلك الأيام أيام سعيدة......فلقد كان (الفريدو) معها كل لحظة في كل وقت
يحاول تعويضها عما فات ويحاول إضحاكها وأن ينسيها كل ما يحزنها وكانت أغرب
الأمور أن أسرته أصبحوا يعاملوها أفضل بكثير من السابق فلقد تغيرت (سيسل)
تماما وأصبحت تعاملها جيدا بشكل مفاجئ غير منطقي كما أن السيد (فرناندو)
أصبح يشملها عندما يطلق السلام على من بالمكان وأصبح يتبادل معها كلمات
قليلة كان كل شئ مذهلا لا يصدق.....لم تكن تعلم أن (لالفريدو) تأثير السحر
عليهم هكذا......حتى أن كل الناس الذين كانوا يزدرونها في السابق من ضيوف
وأصدقاء أسرة (فان دييجو) أصبحوا يعملونها وكأنها واحدة منهم فزاد هذا من
سعادتها وتضاءل يأسها شيئا فشيئا وبعد انتهاء للعشاء قالت لها (سيسل) :



"أرجو
أن تكوني......قد أكلت جيدا يا (أنجليتا)......فالجو بارد هذة الأيام
وعليك أن تعوضي من سعراتك الحرارية.......والآن لأترك الزوجان السعيدان
وحدهما فلا أريد أن أكون عزولا "



فنظرت لها (أنجليتا) بعدم تصديق وأضاف السيد (فرناندو) :


"لما لا تتركي المنزل بأكمله وتتزوجي.....على الأقل رجل الأعمال الذي تقدم لك الأسبوع الماضي كان سيفي بالغرض..."


فتكدر وجه (سيسل) وقالت :


"لا يا أبي......لا أريد الزواج الآن....ومطلقا..."


فقال (الفريدو) لتغيير الموضوع :


"لا داعي لكل هذا....سنذهب وحدنا نحن الإثنان.....هيا يا عزيزتي لنصعد لغرفتنا...."



وبعد
أن صعدا ترك زوجته لتقرأ وظل جالسا بالكرسي بقرب النافذة يحدق أمامه وهو
يفكر.....ويتذكر.....يتذكر كلام والده له وكل ما دار بينهما منذ موت السيد
(خوسيه) تذكر كيف طلب اليه والده أن يعاملها بشكل جيد فهي زوجة ابنه وتذكر
عندما رد عليه والده بالكلمات التي ظلت تتردد في ذهنه كثيرا في الأيام
الماضية حيث القال :



"ومن
قال لك أنها ستيقى زوجة ابني......أسمع لقد صبرت عليك كثيرا انت وهي
متزوجان منذ شهور وأظن أنه ما من شئ يجعلك تستمر في هذة الزيجة.....لقد
أردت الفتاة وها قد أصبحت زوجتك لتتركها الآن ولتتزوج غيرها......إذا كنت
قد استمعت بها كما تريد فماذا تريد أكثر من ذلك ولقد تركتك تفعل ما تشاء
الى الآن....أما الآن فلقد حان وقت الجد ولا وقت لللعب وعليك ان تتخلص
منها..."



فرد عليه بذهول :


"هل
تظن أي تزوجت (أنجليتا) لأجل هذا السبب.....لا أستطيع أن أصدق أنك لم تفهم
الى الآن....يا أبي...أني أحبها هل تعرف ما معنى هذا؟!....هذا يعني أني
أريدها أن تكون زوجتى للأبد وأم أولادي...."



فاحمر وجه (فرناندو) غضبا وقال :


"أولاد من يا ولد؟!....هل نسيت من تكون هي ومن تكون أنت؟!.....أتتلاعب بي؟!.....أم تعاند عناد الأطفال؟!....."


"أني لا أعاند.....ولو كنت أفكر كما تقصد لما تزوجتها من الأصل وقرنت اسمي باسمها...."



فنظر إليه الأب نظرة جادة وقال :


"إذن ليس في نيتك أن تتركها؟!.....أبدا؟!...."



"لا
يا أبي....أبدا....أرجوك....حاول أن تفكر بطريقة أخرى......لقد أصبحت الآن
زوجتي وسينسى الناس من تكون.....وسننجب اطفالا ونعيش حياه سعيدة.....أرجوك
يا والدي.....عاملها جيدا....لأجلي أرجوك...."




فلم
يجبه والده حينها وظل (الفريدو) يسترجع هذا الموقف مرارا ويعيده وهو يحلل
في تعبيرات وجه ابيه وما يخفيه وراءها فلم يستطع أن يتوصل لشئ كما أنه
استغرب أن أباه استمع لكلامه وأصبح يوجه كلاما (لأنجليتا)......



" (الفريدو) ..!!!"



استدار الى زوجته التي قالت :



"مابك؟!.....أين ذهبت برأسك؟!....أتفكر بعملك من جديد؟!..."




"لا....أعني
نعم.....الواقع سأضطر للسفر بعد غد من جديد (فاندريه) لديه بعض المشاكل
هناك وسنضطر لحلها سويا سنغيب ثلاثة أيام ولا أدري من منا سيعود أولا
ولكن....سأحاول أقناع (اندريه) أن يبقى هو وأعود انا....حتى أكون
معك.....كما أنه غير متزوج فعليه أن يتحمل بعض العبئ عني...."



فابتسمت ونهضت وجلست على حجره وقالت :


"صحيح لما لم يتزوج (اندريه) الى الآن.....عليك أن تجد له عروس...كما لا تثقل عليه بالعمل....دع الرجل يرتاح قليلا.."


"أنا لا أفعل فنحن شريكان.....ولكن أتعلمين فكرة أن أجد له عروس هذة فكرة جيدة.....علي البدء في تنفيذها....تعالي الى هنا..."



وبدأ
يدغدغها بقوة حتى ظلت تصرخ وتضحك في آن واحد وهي تحاول التخلص منه وظلا
يلعبان معا بعضهما غير ملاحظان لمن يتنصت على بابهما فلقد كانت (سيسل) تفعل
هذا كل ليلة منتظرة أن تسمع أي شئ قد يفيدها وما إن سمعت أن أخوها سيسافر
بعد غد حتى جرت مسرعة لتخبر والدها بالأمر....





استيقظت (أنجليتا) لتجد (الفريدو) قد ارتدى ملابسه ويستعد للخروج ليسافر للمدينة فنهضت واقفة وقالت :


"أوه عزيزي ستغادر الآن؟!...."


"أنا آسف (أنجليتا) هل أيقظتك؟!....إذهبي للنوم وارتاحي..."


"ليس قبل أن أودعك.....انتبه لنفسك جيدا وأرجو أن تعود بأقصى سرعة ممكنة...."


فاقترب منها وعانقها وقال :


"لا تقلقي حبيبتي بمجرد أن أنهي أعمالي أنا واندريه هناك سنعود فورا.......سأشتاق لك كثيرا..."


وقبل رأسها ونظر لها النظرة الأخيرة قبل ذهابه فابتسمت بخجل وقالت :


"آسفة أني مشعثة وشكلي ليس جميلا.....لا أريد أن تتذكرني هكذا وانت هناك...."


فضحك بمرح وأمسك أنفها وقال :


"انت هكذا أجمل امرأة ألا تفهمين هذا؟!....هيا ارتاحي....تصبحين على خير....."


وبعد ان رحل وركب عربته الى المدينة ووصل الى مكتبه وجد (اندريه) هناك غارق في كومة من الأوراق فقال :


"ها أنا قد أتيت لأنجدك أخيرا......ألست سعيدا برؤيتي...؟!"


"
(الفريدو) ؟!....حمدا لله....كنت بحاجة لتوقيعك على أوراق مهمة....لقد
انهيت الكثير من العمليات سوف نعود للقرية في خلال ثلاثة أيام على
الأكثر.."



"جميل ممتاز......هذا ما أردت سماعه....!!"


وفرح (الفريدو) لأنه سيستطيع أن يعود لزوجته بعد ثلاثة أيام فقط كان كلما خلى الى نفسه ظل يتذكرها فرآه (اندريه) وقال :


"فيما تفكر؟!.....مشتاق لزوجتك كالمعتاد....؟!"


"نعم
يا (اندريه) ......الواقع أقلق عندما أتركها في القصر وحدها.....أعلم أن
أبي و (سيسل) أصبحا لطيفين وبدأا يتقبلانها ولكن...لا أدري..."



"لا عليك غدا سنعود وسيكون كل شئ على ما يرام....."


وركب الإثنان القطار في اليوم التالي وقال (اندريه) :


"اسمع سأنام قليلا......اقرأ جريدة اليوم حتى أصحو مرافق..؟!...."



فضحك
(الفريدو) وبدأ يقرأها فقرأ في الصفحة الأولي غرق سفينة (كاتينا) التي
بدأت الإبحار أول أمس في عرض البحر ومات عليها الآلاف وملحق بالتقرير أسماء
بعض العائلات التي ماتت فانقبض قلب (الفريدو) وشعر بأسى كبير تجاه تلك
الأسر وحمد الله أنه ليس منهم ووصل الإثنان الى المحطة و ركبا السيارة الى
حيث يوجد قصريهما فقال (الفريدو) :




"لن أذهب معك الى بيتك كالمعتاد.....سأعود (لكازابيانكا) مباشرة....فلما لا تأتي معي؟!...."
"لا بأس لا مشكلة لدي....."


وعندما
كانت العربة تسير بين الحقول كان يلاحظ أن الفلاحين يحدقون به وهو بداخل
العربة بشكل يثير التساؤل فلم يبال أحد بقدومه أو عودته من قبل هكذا وعندما
وصلوا الى القصر لاحظ أن (لوسيانو) شاحب للغاية وأن الخدم يرمقونه بنظرات
فاحصة فاستغرب بشدة وسأل (لوسيانو) :



"هل السيدة (أنجليتا) في غرفتها؟!...."



فرد بحدة وارتباك شديد :


"لا....لا يا سيدي....السيد (فرناندو) يريدك في مكتبه أولا..."


"حسنا سأري زوجتى أولا ومن ثم اذهب إليه...."


فأمسك بذراعه وقال :


"لا أرجوك ياسيدي....السيد (فرناندو) أولا....يجب أن تراه أولا"


فاندهش الشابان وهمس (الفريدو) (لاندريه) :


"هذا وضع غير مريح بالمرة...هناك مشكلة ما....وأتنمى ألا تكون (أنجليتا) طرف فيها......تعالى معي يا (اندريه) "


وذهب
الإثنان الى مكتب السيد (فرناندو)....كان المشهد تماما مثل يوم دخل
(الفريدو) على والده ليخبره بنبأ زواجه....والده يحدق بالنافذة وأخته تجلس
على كرسي بجانب المكتب وتوجد على المكتب ورقة مطوية والى جانبها صحيفة ودخل
(الفريدو) قائلا :



"مرحبا يا أبي....مرحبا (سيسل).....هل هناك شئ أردت قوله لي يا أبي؟.!..."


"أجلس يا (الفريدو).....وانت كذلك يا (اندريه) ....."


فنظر الشابان لبعضهما وجلسا والتفت (فرناندو) وهو ينفث الدخان من أنفه وهو يقول :


"ما
سأخبرك به....سيكون خبرا قاسيا عليك يا (الفريدو).....ولكن لتعلم أنه كان
قاسيا علينا كما سيكون عليك.....بل كان صادما لنا في
الحقيقة...الواقع....يوم سفرك....كنت في مكتبتي في الصباح الباكر ففوجئت
بزوجتك تدخل على دون حتى أن تعلم (لوسيانو) أو أي شئ وقالت أن الكلام يجب
أن يكون سري بيننا.....في المرة الأولى التي جئت فيها بزوجتك لتعلمنا بهذة
الزيجة اقترحت عليها مبلغا من المال مقابل أن تتركك وتعود سالمة الى
كولومبيا فجاءت لي في ذلك اليوم وطلبت إلي أن أعطيها ضعف المبلغ على أن
ترحل الليلة....ظننتها تمزح أو انت أرسلتها لأنك بحاجة الى المال ولم أعتقد
أنها سترحل وتتركك حقا....فاعطيتها المبلغ الذي ارادته من الخزنة مباشرة
وماهي إلا ساعة حتى اختفت من البيت بأكمله....ولم تظهر منذ تلك اللحظة
ابدا....لم أصدق أنها ستفعل هذا فارسلت في أثرها (لوسيانو) ليبحث عنها
ولأني أعرف أنها وأبيها قد أتيا عبر البحر سابقا فارسلته الى الميناء
مباشرة كانت السفينة قد غادرت للتو ولم نستطع إيقافها.....والآن إقرا تلك
الجريدة....إنها جريدة الأمس.....إقرأ الخبر..."




رمى
(فرناندو) الجريدة الى قدمي (الفريدو) ولكنه لم يلتقطها وظل يحدق بها غير
مستوعب وغير مصدق فلم يفهم (اندريه) ما يجري والتقط الجريدة فوجد خبر غرق
السفينة ولكن لم يذكروا التفاصيل أو أسماء الغارقين.......فقال :




"ولكن.....مهلا...أليس هذا الخبر الذي جاء في الصفحة الأولى في جريدة اليوم..؟!...."



والتقط
الصحيفة من حقيبته وظل يقرأ أسماء الناجين فلم يجد اسمها......وبدأ يقرأ
في اسماء المتوفين.....فوجد اسمها في القائمة الأخيرة وقرأه بصوت مبحوح :



" (أنجليتا فان دييجو)......هذا.....هذا غير ممكن.... غير معقول.."


ولكن
(الفريدو) نهض وأسرع خارجا دون كلمة فلحق به (اندريه) ووجده يتجه الى
المطبخ وعندما دخل وجد السيدة (سوزي) تبكي بحرقة وعندما رأته قالت :



" (الفريدو).....يا عزيزي.....كم أنا آسفة لما جرى....."


فأمسكها وقال بذعر : "هل غادرت فعلا؟!.....هل كلامه صحيح؟!.....هل غادرت؟!....."


"نعم
يا بني رأيتها وهي تتسلل خارجة.....ولم أفهم لماذا...لقد حدث كل شئ بشكل
سريع للغاية......وعندما سمعت خبر غرق السفينة (كاتينا) انفطر قلبي
حزنا.....كانت دائما تريد أن تعود الى كولومبيا ولكني لم أصدق أنها ستفعلها
هكذا..."



فأدرك (اندريه) أنها لا تعلم شيئا عن صفقة المال ولكن (الفريدو) قال :


"لا من المستحيل أن أصدق....هذا لم يحدث كل هذا كذب....لا يمكن أن تكون ركبت على ظهر السفينة (كاتينا)......هذا كذب....."


فقال (اندريه) :


"سأذهب بنفسي لأتحقق من ركوبها من الميناء...."


وانطلق
(اندريه) و (الفريدو) معا وتركا السيدة (سوزي) تبكي حزنا على المأساة التي
أصابتهم.......وصل الشابان الى الميناء وظل يبحثان في السجلات حتى وجدا
سجلات تذاكر السفينة وعثر (الفريدو) على اسمها فسقطت من يده وقال :



"لا لا يمكن أن تكون قد ركبت......ربما قطعت التذاكر ولم تركب.....اسمع يا (اندريه) هل....هل قرأت اسمها في الجريدة؟!....."


فقال (اندريه) بيأس :


"أجل......لقد كان اسمها من ضمن القائمة....."


"إذن فالنذهب لنتأكد....."

ووصل الإثنان الى مقر الإنقاذ الذين خرجوا بعض الجثث من السفينة فقال الضابط المسئول :


"بالنسبة
للسيدة (فان دييجو) لم نعثر على جثتها فجثتها محبوسة داخل المقطورة ولا
نستطيع إخراجها.....ولكننا عثرنا على هذة الحقيبة...."



وامتدت
يد الرجل بحقيبة نسائية تعرف عليها (الفريدو) على الفور وهنا نزل الخبر
عليه كالصاعقة......ربما هذا ليس كذبا...ربما ليس هذا كابوسا.....يبدو كأنه
الحقيقة الواقعة....أن (أنجليتا) قد.....غرقت مع تلك السفينة وصعدت روحها
الى السماء.....فهمس (الفريدو) :



"لا.....لا...هذا مستحيل...."



فأمسك
(اندريه) بالحقيبة وفتحها فوجد متعلقاتها وبطاقتها الشخصية فوصل اليقين
إليه أيضا إن الإنسانه الذي أحبها قد فارقت الحياة ولم تعد موجودة في هذا
العالم ليعطيها حبه وانهار الإثنان أثر تلك الصاعقة......




((يتبع.....))
نهاية الدفتر الأول



كان
من المستحيل (لالفريدو) أن يصدق أن زوجته الحبيبة قد ماتت....كيف سيستمر
بحياته بعد تلك الكارثة وكيف سيتحمل (اندريه) فقدان حبه مرتين ......و
(سيسل) كيف ستمارس حياتها بعد ان تأكدت من عدم عودة حبيبها (روبرتو)
....هذا ما سنعرفه في الدفتر الثاني......

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
|| الدفتر الثاني ||


ملخص ما سبق:

في
عام 1870م في ميلانو – إيطاليا ذهبت الكولومبية (أنجيليتا) ووالدها
(خوسيه) ليعملا عند أسرة (فان دييجو) بتدريب الخيول الإهتمام بها وصدما
بطبيعة السيد (فرناندو) القاسية رئيس الأسرة وكذلك ابنته الآنسة (سيسل)
التي تشبهه ولكن (أنجيليتا) قابلت الإبن الأكبر السيد (ألفريدو) الذي كان
مختلفا كليا عن أفراد أسرته المتعجرفين والذي كان يتمتع بالمرح والرومانسية
والوسامة التي لا مثيل لها فلم تستطع المقاومة طويلا ووقعت في حبه بعد أن
أشتكى لها طويلا من عذاب قلبه في عشقها ولكن لم يكن ليقبل احد بهذا الحب
فلا يمكن لنبيل أن يتجوز خادمة وكان هذا رأي صديقه (اندريه) ولكنه وبعد أن
انقذت (أنجيليتا) حياته ادرك أي نوع من الفتيات بها ووقف الى جانب صديقه في
حبه لها وقراره بالزواج منها لولا أن شرارة الحب اشتعلت في قلب (أندريه)
تجاه (أنجيليتا) هو الآخر ولكن السيد (فرناندو) كان له رأي آخر فيما يتعلق
بزوجة (ألفريدو) المستقبلية فلقد اتفق هو و (ساندرا) من عائلة (فلاديمير)
ان يتزوج (ألفريدو) من ابنتها (فلوريا) ليوحدا اسرتيهما وتستفيد السيدة
(ساندرا) من ثروة (فان دييجو) كما كان هذا هدف (فلوريا) الوحيد لأنها منذ
الصغر كانت تحب (ألفريدو) الذي لم يشعر بحبها يوما لكن (ألفريدو) تزوج
(أنجيليتا) بدون علم أسرته ليضعهم امام الأمر الواقع وجاء ليواجه أسرته بها
فوضع السيد (فرناندو) خطة محكمة ليتخلص من تلك الزوجة الغير مرغوب فيها
ولكنه كان ينتظر الوقت المناسب.....وفي يوم من الأيام عاد (ألفريدو) من
سفره فوجد ان السيد (فرناندو) يخبره بموت زوجته الغالية بركوبها على سفينة
لتعود لبلدها ولكن السفينة غرقت في نفس اليوم وهنا كانت صدمة (ألفريدو)
وكارثة حياته....


نترككم مع الجزء الثاني




||| الشخصيات |||




قصر (كازابيانكا) :

تعيش فيه اسرة (فان دييجو) ......


أسرة (فان دييجو) :


1- (فرناندو) : هو رئيس الأسرة والرجل الأكثر نفوذا في المنطقة وهو والد (الفريدو) و (سيسل)

2- (الفريدو) : الأبن الأكبر للسيد (فرناندو) وهو المسئول عن إدارة أملاك الأسرة كما أنه الوريث الشرعي (لفان دييجو)

3- (سيسل) : أخت (الفريدو) وابنة (فرناندو)


4- (آنا) : الأم الراحلة لكل من (الفريدو) و (سيسل) وزوجة (فرناندو)

5- السيدة (سوزي) : هى المربية الأساسية (لالفريدو) التي عاشت معه منذ ولد وعاشت مع السيدة (آنا) طويلا وتعتبر (الفريدو) كابن لها....


6- (لوسيانو) : هو كبير الخدم والمتحدث الرسمي باسم السيد (فرناندو) ...


7- (أنجليتا خوسيه) :هي بطلة القصة وهي من أصل كولومبي مدربة ماهرة للخيول الأصيلة وامرأة ذات جمال أخاذ نادر , رقيقة تتمنى السعادة وتحب والدها بشدة....

8- (خوسيه) : هو السائس الخاص بأسرة (فان دييجو) والمسئول عن الإسطبلات ومدرب الخيول وهو والد (أنجليتا)


قصر (روزانيرا) :

تعيش فيه عائلة (فلاديمير)

عائلة (فلاديمير) :


1- السيدة (ساندرا) : هي رئيسة الأسرة وهي أرملة لصديق قديم وعزيز للسيد (فرناندو)

2- (فلوريا) : هي البنة الوحيدة للأسرة الصديقة الوحيدة (لسيسل) وصديقة (الفريدو) منذ الصغر

3- (روبرتو) : هو أحد أقرباء الأسرة من بعيد أبواه يعيشان في أمريكا وهو لا يعتبر ثريا فثراءه الوحيد هو علمه...


قصر (لوتشى أورو) :

تعيش فيه أسرة (ديميتريوس)

عائلة (ديميتريوس) :


1- (اندريه) :هو رئيس الأسرة على الرغم من صغر سنه وهو الصديق الحميم (لالفريدو)

2- (جابريلا) : هي والدة (اندريه) التي تؤمن بابنها وبذكاءه وتترك له أعمال الأسرة جميعا.

قرية أسترا : هي القرية المجاوري لأراضي القصور الثلاثة وتعيش فيها (نيلا) صديقة (أنجليتا) الحميمة


(فون) : صديق جديد (لسيسل) .













الفصل التاسع


[[ خطة محكمة [[





مرت
ثلاث أشهر كان (الفريدو) لا يخرج من غرفته ولا يأكل إلا بالقوة وقد هزل
بشدة ولم يعد يبادل أحدا كلمة الى والده أو (سيسل) كان يرد عليهما في بعض
الأحيان وكان طوال الوقت يجلس بالكرسي أمام النافذة يحدق فيما أمامه دون أن
يطرف له جفن وفي يده رسالة (أنجليتا) الأخيرة التي تركتها على المنضدة
والتي قرأها والده وأعطاها له يوم سمع الخبر.....كانت بخط (أنجليتا) تخبره
فيها أنها اشتاقت للعودة الى وطنها ولم تحتمل موت والدها شعرت بوحدة رهيبة
وغربة فأرادت أن تبقى في بلدها لفترة حتى تستعيد جزءا من
كيانها......وأشارت الى ابتعاده الطويل عنها وتركه لها خائفة وسط أناس
يكرهونها.....كانت تلك الجملة تمزقه أشلاءا وتفتت كل ذرة في قلبه......ثم
كتبت جملة أخيرة تقول :



"ولكني سأظل أحبك في قلبي طوال عمري فلا تبحث عني.....أنا من سيأتي إليك.....عندما يستقر كياني....."



لم
يكن يدري ماذا يفعل......لقد ماتت بطريقة مفاجأة وظل سؤال طوال تلك الأشهر
يرن في أذنه....لماذا؟!.....وتأتي جملة أخرى لتطرق عقله بقوة....



"أنا السبب.!!"


لم
يستطع أن ينكر أنه كان السبب في كل ما حدث.....لم يستطع أن يصدق أن ذلك
اليوم كان آخر يوم يراها فيه....كاد يختنق وهو يفكر هكذا لا يستطيع أن
يتحمل كان هذا فوق طاقته...ظل يمسك رأسه الذي وشك على الإنفجار وظل يبكي
بحرقة فكانت له أمنية واحدة في هذا العالم....هو أن يتوقف قلبه عن النبض
ويسارع باللحاق بها......فلم يعد هناك سبب ليعيش أما (اندريه) فلم يكن أفضل
منه حالا.....كان في أشد حالاته اكتئابا ويأسا ولكنه لم يكن يستطيع أن
يظهر مشاعره لأحد فتلك المشاعر ليست من حقه وهي بلا مبرر فهي لم تكن زوجته
فكان يمارس عمله كالمعتاد ويقابل الناس ويمزح معهم ويقابل أمه ويبتسم في
وجهها كالمعتاد ولكن عندما يختلي لنفسه يصبح كالمجنون وتمنى من كل
قلبه.....لو أنه كان يمتلك صورة لها....شعر برغبة قاتلة في رؤية وجهها
أمامه....كان يتمنى تلك الأمنية من كل قلبه....ولكنها ذهبت.....ذهبت منه
لللأبد وليس هناك سبيل للرجعة ولن يستطيع أن يفعل شئ لإعادتها.....أي
شئ....




أما
(فلوريا) وأمها (ساندرا) فلم يستطيعا أن يصدقا الخبر.....كانت (فلوريا)
تشعر أنها العناية الإلهية التي خلصتها من هذا الكابوس ليبقى (الفريدو) لها
وحدها كما أنه في أشد لحظات ضعفه فكانت تزوره كل يوم تقريبا وتحدثه وتسهر
على راحته وأحيانا تحتضن رأسه وهو يبكي ليخفي ضعفه عن العالم.....كانت على
الرغم من أسفها على حزنه سعيدة جدا لتجد فرصة لتثبت له كم هي مخلصة
لحبه.....وكم هو بالحاجة لها في الوقت الحالي وكانت تعلم أن السيد
(فرناندو) عرض عليه في تلك الأوقات الصعبة أن يتزوجها لكي ينسى الجحيم الذي
يعيش فيه قبل أن يقضي عليه ولكنه كان يبقى صامتا دون رد......كانت تدعو
ربها كل يوم أن يجيب بنعم....وكان لديها أمل كبير أن يستجيب الله
لدعائها.....




أما
السيد (فرناندو) فلقد كان حانقا بشدة على (الفريدو) الذي يترك العمل ويترك
حاله هكذا حتى أوشك على الموت دون أي هدف وكأنه.....يموت ببطء.....كان
سعيدا لأنه انتهى من تلك الخادمة ووالدها والآن يأتي ابنه ليندب حظه على
فقدانهما فيضيع العالم لأنه حزين عليهما....كان يكثر من زياراته له في
الآونة الأخيرة ليقنعه من أن السبيل الوحيد للنسيان هو الإنغماس في العمل
والزواج (بفلوريا) التي تكاد تحرق نفسها لتضئ له ظلمة قدره فكان يكتفي
بالصمت المطبق والتحديق في اللاشئ حتى أن (فرناندو) كان يرسل (سيسل) لتعيد
كلماته على مسامع (الفريدو)......الى أن جاء اليوم الذي انهار فيه وقال :




"لا بأس......ساعود للعمل.....وإذا أردتم تزويجي.....فلتفعلوا ما تريدون.....فلم يعد يفرق عندي سواء (فلوريا) أو غيرها....."




فاسرع
السيد (فرناندو) بتسجيل زواجهما رسميا قبل أن يعود (الفريدو) الى وعيه ولم
يستطيعوا أن يقيموا إحتفالا لأن (الفريدو) رفض ذلك فلم تكترث (فلوريا) لأن
كل ما أرادته أن تكون زوجته رسميا وكانت موقنة في قرارة نفسها أنها ستنجح
في جعله يحبها ولكنها لم تعرف ما ينتظرها.....فلقد فوجئت أن زوجها كان
مريضا.....مريضا نفسيا فلقد كان يتخيل (أنجليتا) في كل مكان أمامه ويحدثها
وتحدثه كالمجنون ويقف لمحادثتها وأحيانا يتخيل أنه يعانقها.....كان طيف
(أنجليتا) يخيم على قصرهم وينغص حياتهم.....إنها تذكر جيدا يوم كان يتقلب
في نومه وهو يحلم بكابوس مزعج حتى حاولت إيقاظه وما إن فتح عينيه حتى ظنها
(أنجليتا) ونهض وقام بمعانقتها بقوة وهو يرتجف ودخل في دوامة من البكاء
الهيستيري وهو يقول :




"لقد
قالوا لي أنك ميتة كنت أعلم أنهم يكذبوا فانت لن تتركيني هكذا أليس
كذلك؟ّ!!...أنت تحبيني كما أحبك ولن تتخلي عني بهذة البساطة....أرجوكي قولي
لي أنك معي وأنك لن تتركيني...."





فشاركته
البكاء حسرة على نفسها وهي مضطرة أن تشاهد (الفريدو) الذي كان مثالا
للرجولة والقوة والتفاؤل في نظرها ينحدر الى هذا المستوى ويفقد عقله شيئا
فشيئا لأجل ارتباط قلبه بامرأة لم تعد تنتمي لهذا العالم الآن فقالت له :



"أجل يا (الفريدو) أنا لن أتركك....سأبقى الى جانبك دائما.....أنا أحبك من كل قلبي...."



فهدأ
وعاد للنوم وعندما نهض اليوم التالي تصرف وكأن شيئا لم يكن كانت تعلم أنه
احيانا يتصرف تصرفات لا يعيها وكان يمزق قلبها أن تتأكد كل يوم أكثر من
الذي قبله انه من المستحيل لها أن تدخل قلبه فهو ببساطة لا يراها حوله
ويعيش في خيالته المعذبة هو وزوجته الراحلة معظم ساعات يومه حتى أنه كان
بإمكانها أن تعد الساعات التي كان يبقى فيها طبيعيا مدركا لموت (أنجليتا)
فكانت تشتكي لأمها والسيد (فرناندو) فلا تجد آذان صاغية بل ويخبرونها أن
عليها أن تتحمل.....وأن ما فيه شئ طبيعي نتيجة لشدة أساه.....بل ويلومونها
احيانا أنها أختارته رغم ما فيه فعليها أن تتحمل نتيجة اختيارها فكانت تبكي
الليالي أسفا على ما آلت اليه أمورها وأمور (الفريدو) وهي التي ظنت أنها
حققت كل احلامها بالزواج منه وأن كل ما سيأتي هو السعادة فقط وليس
غيرها.....كانت تحاول طويلا أن تجعله يحبها وأن ترعاه في كل وقت.....ولكنه
كان يبدو كجسد بلا روح..........كان يبدو ميتا.............ولم تفلح
محاولاتها في جعله حتى يبتسم.......




كان
(اندريه) يلاحظ أن صديقه أصبح فعلا مريضا نفسيا وكان يحاول أن يجعله يتعقل
دون جدوى فلقد أودت الصدمة بعقله تماما وأصبح يهذي ويتخيل اشياء لا وجود
لها.....بدا على حافة الجنون....كان (اندريه) يشعر أن يتمزق فلقد فقد أغلى
الناس له وهاهو على وشك أن يفقد أعز أصدقاءه أيضا....كانت الأشهر تمر ولا
أمل في شفاء (الفريدو)....حتى مر عام تقريبا على تلك الصدمة المروعة وكان
هو عائدا من ميلانو مع (الفريدو) فأوصله الى (كازابيانكا) ولكن (الفريدو)
لم يتجه الى الباب بل اتجه نحو الحديقة فصرخ (اندريه) من العربة :



"ما تنوي أن تفعل يا مجنون؟!.....السماء تمطر بغزارة شديدة....اذهب الى بيتك ستصاب بالتهاب رئوي.."


فالتفت له (الفريدو) وياللعجب كان يبتسم ابتسامة ظافرة وهو يقول :


"أنها
هنا يا (اندريه).....إنها هنا أكاد أراها....أنها تضحكني وتهرب مني وسط
الأشجار....أشعر بروحها قريبة جدا مني.....بل أني اكاد أشعر بأنفاسها تلامس
خدي....!!"



وانطلق بين الأشجار وهو يضحك فصرخ (اندريه) :


"ألم تفهم؟!.....أخبرتك ألف مرة أنك تتوهم هذا...كف عن جنونك هذا وعد للبيت..."


ولكن
كالعادة لم يستمع له فاستسلم (اندريه) وقرر أن يتركه وشأنه وذهبت به
العربة الى بيته كان المطر شديدا فعندما نزل (اندريه) نظر الى السماء وشعر
وكأنها دموع.....دموع قلبه على ما وصل به حاله وحال (الفريدو) وظل يحدق في
السماء حتى تبلل وجهه وقبعته ومعطفه وناداه الخادم :



"أرجو أن تدخل يا سيدي....أرجوك!!!"



فانزل
عينيه باستسلام واستدار ولكن ما لبث أن تجمد في مكانه......وأعاد نظره الى
ذلك الشبح الذي يقف بين الأشجار......كان الشبح يحدق به هو وحده لكنه كان
دون معالم...ولكنه لم يشعر أنه لص مثلا بل شعر بشعور غريب وظل يقترب ويقترب
دون أن يتحرك الغريب خطوة واحدة وما إن أصبح (اندريه) أماه مباشرة حتى
استطاع أن يميز ملامح الغريب....



لم تكن سوى (أنجليتا)!!!!!!.....


كانت
ترتدي معطفا يغطي كل جسمها وكانت شاحبة كالأموات على وجهها نظرة ساهمة
ولكن عيناها كانت تحدق به دون شك.....كانت هي بلحمها وشحمها...ظل يحدق بها
بذهول دون أن يكون قادرا على الإتيان بأي حركة حتى تحركت شفتاها وقالت :



" (اندريه) ......"


بصوت خافت فأخذها بين ذراعيه بسرعة خاطفة....كان يمسك بها بقوة وكأنه شعر أنها ستختفي من أمامه وهو يقول :


" (أنجليتا)؟!.....يا إلهي (أنجليتا)......الحمد لله.....لا أصدق ما أرى.....انت حية؟!......"


ثم ابتعد عنها ليرى وجهها بوضوح.....كانت تحدق به دون كلمة وكأنها لا تراه فقال :


"ما الأمر؟!....أرجوك....قولي شيئا...ماذا أصابك؟!....."


ثم
شعر بشئ بين ذراعيها وهو يعانقها وعندما نظر بوضوح فوجده طفل رضيع مدثر
بقماش سميك ليحميه من البرد والمطر كان الطفل نائما فذهل وقال :



"هل....هل هذا ابنك؟!..."


فهمست :


"(اندريه)...... (اندريه)....أنجدني...!!!"


ومن ثم سقطت مغشيا عليها......بين ذراعيه فأمسك بها وأمسك بالصبي حتى لا يسقط من يدها ثم نادى بصوت عال :


"فليساعدني أحد....أيها السائق.....فليساعدني أحد..."



بعد
ظلام طويل سمعت (أنجليتا) صوتا ينادي باسمها.....كان يناديها من بعيد وظل
يقترب ويقترب حتى فتحت عينيها فوجدت (اندريه) أمامها يناديها فقال عندما
فتحت عيناها :



"صحوت حمدا لله.....لقد بقيت الليلة كلها هنا أحاول مناداتك...."


فنهضت بفزع وقالت :

"ابني؟!....ابني أين هو؟!...."

فأمسك (اندريه) كتفها وأرجعها الى حيث كانت وقال :


"لا تقلقي عليه....أنه نائم....لقد احضرت واحدة من القرية لترضعه بينما كنت نائمة...."


فوجدته
نائم في حجره بهدوء فارتاحت ووجدت أنها نائمة على سرير كبير ذو ستائر
عالية في غرفة ضخمة مليئة بالأثاث الفرنسي العتيق ولوحات زيتية لأشخاص لا
تعرفهم فنظرت الى (اندريه) فرأته يتأملها بشوق ولهفة ثم قال :



"لا أصدق أنني أراك حقيقة....كم أنا سعيد لأنك....عدت.....الجميع هنا ظن أنك...."


"مت؟!...."


"نعم.....ما الذي حصل؟!.....هل ذهبت الى (الفريدو) ؟!...لابد وأن يجن من السعادة...أقصد أن يستعيد عقله...."



فادارت (أنجليتا) رأسها وانسالت دموعها على خدها بغزارة فدهش (اندريه) وقال:



"ماذا بك يا عزيزتي؟!......لما الدموع؟!....ألست سعيدة بعودتك؟!...."




"على العكس......بعد أن عدت أشعر برغبة في الموت...."


"ما
هذا الذي تقولينه؟!.....لماذا ذهبت؟!...لم يكن عليك أن تري كلومبيا في مثل
هذا الوقت العصيب ودون إخطار (الفريدو)....ثم كيف نجوت من السفينة؟!...."




"أي سفينة؟!.....ما الذي تعنيه؟!.....ربما سيكون صعبا أن أشرح لك...لقد كانت كلها خدعة السيد (فرناندو) .."


"ما....ماذا تعنين؟!....أشرحي لي ما حصل بالتفصيل...."


"لقد
أجبرني السيد (فرناندو) و (سيسل) على كتابة تلك الرسالة (لالفريدو)
وأجبراني على كتابة ما فيها كما أخرجاني من إيطاليا وحذراني من العودة
مجددا وهدداني بالقتل وأخبروني أني لن اكون قادرة على العودة فبفضل نفوذ
السيد (فرناندو) جعل اسمي من المحظورين دخولهم للبلاد....مما اضطرني الى
المجئ بطريقة غير شرعية على سفينة أمتعة.....كان على أن أعود (لالفريدو)
بأي ثمن..."



"ولكن هل تعنين أنها كانت مكيدة السيد (فرناندو) ؟!............ولكن لما انتظرت سنة كاملة حتى أتيت؟!...."


"عندما
وصلت الى كولومبيا اكتشفت أني حامل فقررت أن أبقى هناك حتى ألد الطفل فلقد
خفت على نفسي إذا عدت وحاولوا قتلي أن يقتلوا طفلي أيضا..."




"ولكن كيف نجوت من غرق سفينة (كاتينا)؟!..."



"(كاتينا)؟!....أنا
لم أركبها.....لقد غرقت قبل أن أسافر أنا....لقد سافرت بعد غرقها بإثنا
عشر ساعة......لكن لماذا تقول أني ركبتها؟!..."



"لأننا وجدنا حقيبتك ومتعلقاتك في تلك السفينة..."


"ماذا؟!....تعني
الحقيبة التي رفضوا أعطائي إياها....لا بد وأن السيد (فرناندو) تحايل ووضع
حاجياتي هناك عند رجال الميناء ورشاهم أن يقولوا أنها كانت موجودة على
السفينة ليبدو أني كنت على تلك السفينة......الآن فهمت عندما قال لي أن
(الفريدو) لن يسأل عني وسينساني...لأنه...سيظن أني مت...لابد أن السيد
(فرناندو) عندما قرأ خبر غرق سفينة (كاتينا)....جاءت له تلك الفكرة...."




"يا لإلهي.....لابد وأن (الفريدو) سيسعد جدا برؤيتك..."



فعادت لبكائها مجددا وغطت وجهها بيدها وانسدل شعرها الأسود على كتفيها وهي تبكي بحرقة ثم قالت :


"لا.....لقد
كان السيد (فرناندو) محقا.....لقد نسيني (الفريدو).....لقد كنت في
(كازابيانكا) قبل أن آتي إليك....قابلت السيدة (سوزي) التي ذهلت لرؤيتي
وعندما علمت أن (الفريدو) قد تزوج لم أتحمل الخبر وبكيت كثيرا وحينها كان
(لوسيانو) ينادي عليها فقلت لها ألا تذكر شيئا عن ظهوري وأني سآتي لأراها
مجددا ثم خرجت من هناك وأنا كمن شعر بزلزال وعندما عاد لبيته وجده
حطاما........شعرت بوحدة قاتلة ولم أعرف لمن ألجأ.....كانت السماء تمطر
بغزارة فلم أجد غير هذا المكان لآتي إليه......لقد وقفت فترة طويلة أحدق في
بوابة القصر حتى أتيت أنت بسيارتك ورأيتني......لقد كنت كمن بترت كل
جذوره....لا أعلم لو أنك لم تكن موجودا ماذا كنت سأفعل......فحتى زوجي الذي
كنت أعشقه عشقا لن أعشقه لأحد من بعده قد نسيني وتزوج غيري في أسرع
وقت.....لا أستطيع أن أصدق......أنه بعد كل ما بيننا استطاع أن يستبدلني
بغيري بمجرد غيابي...."




فأمسك (اندريه) بذراعيها وهزها بقوة وقال :



"أفيقي
من أوهامك هذة......لا تحكمي على شئ قبل أن تري بنفسك.....أنت لا تعرفين
ما جرى له.....لقد فقد عقله عندما فقدك......أنه الآن كصورة بلا
ألوان....مثل الورق الذابل...ليس فيه أي شئ يدل على أنه حي سوى أنه
يتحرك.....انت نفسك إذا قابلته لن تتعرفي عليه......لم يكن يأكل أو يكلم
أحدا كان يسهر الليالي حابسا نفسه في غرفته يبكي ويهذي.....حتى أن الجميع
أصبح يعرف أنه مريض وأنه يتخيل طيفك في كل مكان ويحدثه......لقد أصبح مريضا
للغاية وعلى حافة الجنون.....وأظن أنك العلاج الوحيد لحالته...."



"لا لن أذهب لرؤيته......لا أستطيع....."


"بل
ستفعلين....يجب أن تفعلي...يكفيه ما عاناه طوال تلك السنة وهو يظن أنك
ميتة....لن أتحمل يوما آخر يعيش فيه في عذاب دامي كل لحظة.....ستذهبين
لمقابلته....يجب ان تفعلي...وليرى ابنه أيضا..."




وتركها وظل يحدق بالصبي ويلمس جلده الناعم ثم ابتسم بحنان وقال :



"أنه
يشبهك كثيرا يا (أنجليتا).....لونه برونزي وشعره أسود.....ولكنه أخذ عينا
(الفريدو) أليس كذلك؟!......عموما لقد أخذ أجمل ما فيه......أخذ سحر
(الفريدو) وسحرك أيضا.....لا بد وأن يكون فاتنا وسيكون محطم قلوب العذارى
عندما يكون شابا.....ماذا أسميته؟!...."



" (جوفاني) ...!!"


فنظر (اندريه) لها بدهشة وقال :



"غريب!!...لطالما أراد (الفريدو) أن يسمى بهذا الإسم....لقد اخترت الإسم المناسب.."


"أعلم......أنه الإسم الذي اتفقنا عليه انا وهو لنسميه لإبننا........لم اصدق عندما علمت انه ولد.....كنت اتمنى لو انجب بنتا...."


"سيطير (الفريدو) من فرط السعادة بتلك الأخبار.....انك تبدين متعبة الآن.....ارتاحي قليلا ومن ثم سآخذك اليه لتريه..."


فعاد الحزن الى وجهها من جديد وقالت :


"سمعت
أنه تزوج (فلوريا).....لابد أنها سعيدة للغاية فهي كانت تحبه بشدة وتمنت
لو تتزوجه.....لابد أنها ستمقتني إذا ظهرت في حياتهم من جديد...لابد أنهما
استمتعا للغاية..."



"لا
تقولي هذا.....لقد كان (الفريدو) يائسا من الحياة يرغب بالموت كما كان
بحاجة لمن يراه ويسهر على راحته.....ولقد ألح عليه السيد (فرناندو)
بهذا....لقد كانت تلك خطته....ذلك الخبيث....حتى أن الزفاف لم يكن باحتفال
كبير أو أي شئ من هذا.....كان كل غرض (فلوريا) أن تتزوج (الفريدو) رسميا
ولا يهمها شئ آخر....ولكني اعتقد أنها لن تحصل على سعادتها المنشودة أبدا
فلابد أن (الفريدو) سيشطاط غضبا لما فعله والده ولابد أن تحصل مهزلة بينهما
بعد ذلك....أتمنى لو تؤول الأمور الى الخير....ولكن عليك مقابلة (الفريدو)
بسرعة...سأذهب لأطلب من الخادمة أن ترسل لك طعاما....هيا إرتاحي ولا تفكري
بأي شئ.....وانت أيها الصغير نم جيدا وغدا ستلعب مع عمك طوال اليوم....."





ثم
غادر الغرفة تاركا (أنجليتا) بين هواجسها ودموعها فهي لم تفق بعد من صدمة
زواج (الفريدو)....ولم تدري ماذا سيكون وضعها بعد ذلك وتساءلت هل سيتخلى
عنها وعن أحلامهما معا.......هل نسي حبها....أم أن الكلام الذي قاله
صحيح....لكن ربما حاول مواساتها....ظل صراعها النفسي محتدما بداخلها وهي
تحمل صغيرها بين ذراعيها ودموعها تتساقط على وجهه وهي تهدهده بحنان وتقول
هامسة :



"حبيبي....سترى والدك وسيعانقك ويقبلك....نعم ستراه!!"



أخذ
(اندريه) (أنجليتا) والطفل الى قصر (كازابيانكا) وابقاهما في العربة ودخل
يسأل عن (الفريدو) ولكنه عاد وحيدا وطلب الى السائق أن يتجه بهم الى
الحديقة ثم ترجلوا من السيارة وظل سائرا بها بضع دقائق ثم قال :



"كدنا نصل....أنه يجلس هنا عادة..."



ولكنها توقفت فاستدار وقال لها :


"ماذا؟!...ألا تريدين رؤية زوجك؟!....أنه على بعد خطوات من هنا...."


"كنت
السنة الماضية أتمنى تلك اللحظة.....بل كنت أتخيلها من وقت لآخر ولكني لم
اتخيل أبدا.....أنه سيفعل ما فعل.....لا أرغب بالذهاب لرؤيته....."




"هيا
يا (أنجليتا) ....لا وقت للكلام.....أنه زوجك وانت زوجته ولن يستطيع أحد
تغيير هذة الحقيقة.....كما أنا واثق أنك لو رأيته ستغيرين رأيك كليا وستزول
بذرة الجفاء في قلبك ويغمره الحنان والشوق....."




ثم
سار بها قليلا ونظر من خلف شجرة عملاقة حولها أشجار متشابكة تسبق ساحة
الأزهار الذهبية التي يتوسطها جذع نائم على جنبه كان يجلس فوقه رجل فقال
لها :



"هذا هو......تعالي وأنظري بنفسك....."


ثم
حمل منها الطفل وهي توقفت مترددة وشعرت بقلبها يكاد يخرج من مكانه أنها
على وشك أن ترى حبيب قلبها الذي افترقت عنه تلك السنة.....سنة كاملة تفصل
بينهما....كالجدار وسألت نفسها هل سيستطيعان أن يمحوا تلك السنة التي شرخت
حبهما ثم قالت لنفسها وماذا يعني.....هاهو الرجل الذي يعشقه قلبها
أمامها....ستذهب اليه وهي لا تكترث بأي شئ حتى لو هجرها أو نعتها بالخادمة
فهي تريد أن تراه وتستقر بين ذراعيه ولا يهمها ما سيكون قراره.....فرفعت
بصرها ببطء ورأت رجلا هزيلا جالس على ذلك الجذع ينظر أمامه دون
حراك.....كان شعره مشعثا بفعل الريح وحركات أنامله العصبية داخل خصلات
شعره....كان وجهه شاحبا بشدة وعيناه ذابلتان محلقتان بالسواد وكأنه قضى
سنوات دون ان يغمض له جفن باختصار لم يكن لحبيبها (الفريدو) المرح المفعم
بالحياة أي أثر فتحطم قلبها لرؤيته وسالت دموعها....شعرت أنها تنظر لرجل
شبه ميت......وتراجعت وهي تشهق بأسى فأمسك (اندريه) بذراعها وقال :



"إذهبي
إليه!!......أعيدي إليه الحياة!!...أعيدي قلبه الذي فارقه راحلا
معك....أنه لا يستحق منك حتى أن تشكي في حبه.....أذهبي وأنا سأبقى هنا مع
(جوفاني) "




فترددت
لحظة ثم سارت ببطء تجاهه ووقفت على مقربة منه....فلم يبدو عليه شئ يدل على
أنه شعر بوجودها فنادته على مقربة منه.... نادته بصوت واهن:



" (الفريدو) ...."



فطرفت
عيناه لحظة وبعد دقيقة من الصمت تحركت عيناه في اتجاهها وما إن رآها حتى
دمعت عيناه وظل يحدق بها للحظة.....كان بريق عينيه منطفأ فسالت دموعها هي
الآخرى ونادته من جديد :


" (الفريدو)..... (الفريدو) "


فأمسك برأسه وضغط على خصلات شعره ثم خرج صوته بكل أسى العالم وقال :

"نعم
أظن أني مريض فعلا.....ربما أن ما يقوله عني الناس صحيح ولكني
أراك.....أراك في كل مكان.....وكل مرة أراك بصورة أوضح من السابق.....حتى
أنك تبدين لي كما لو كنت حقيقية....أه لو تعلمين كم أتعذب....الناس يظنونني
مجنونا....(ثم رفع رأسه وقال)ولكن أتعلمين؟!....إذا كانت رؤيتي لك
وملازمتك لي في كل مكان يعني الجنون..... فأنا أفضل أن أكون سيد المجانين
على أن تختفي من حياتي.....أعرف أنك من خيالي لكن بالله عليك لما فعلت
هذا؟!.....لما تركتني؟!....أتخبط في تلك الحياة وحدي....لما تركتي الأحزان
تهزمني؟!....لما تركتني؟!..."



وغطى وجهه باكيا فكادت تنهار على الأرض حزنا واقتربت أكثر وقالت :


"يا
حبيبي (الفريدو) ......انت روحي وإن تركتك.....فلقد كنت ميتة
بدونك......كان يجب أن أفعل....وإلا لما كنت لأبتعد عنك ميلا واحدا....لو
تعلم كيف كانت حياتي بدونك.....ولكني لن أتركك مجددا.....أبدا لن
افعل....أرجوك تعالي إلي.....تعال.."



فرفع رأسه ودموعه على وجهه ونظر لها نظرة متشككة وقال :


"انك......انك تبدين حقيقية بشكل لا يصدق فانت تعلمين أن كل ما أريده هو ان أضمك بين ذراعي.....أرجوك لا تعذبيني..."



ثم نهض وهو ينظر إليها وتقدم خطوتين ثم قال :


"فليظنوني مجنونا لا يهمني.....فأنا أريدك بشدة...حتى لو كنت في خيالي.....تعالي وأسكني أحضاني....!!"


فاقتربت منه ووضعت يدها على وجهه قائلة :


"لن أعذبك ابدا صدقني يا (الفريدو).....أنا حقيقية لم أمت...أنا معك قلبا وقالبا يا حبيب فؤادي.....ولن نفترق بعد اليوم"


فلمع في عينيه الأمل ومد يدان ترتعشان وأمسك بها وظل يتحسسها ويتحسس وجهها وهو لا يكاد يصدق قائلا :


"انت حقيقية؟!...انت موجودة معي حقا؟!.....انت حية يا (أنجليتا) ؟!....هذا ليس حلما أليس كذلك؟!....."


"لا ليس حلما....خذني الى أحضانك.....فلقد انتظرت طويلا لتلك اللحظة..."


فعانقها......عانقها بكل الطاقة الموجودة بجسده.....وتشبث بها كما يتشبث الغريق بقشة.....كان يضمها بشدة حتى شعرت أنها ستختنق وقال :


"كنت أعلم أنك حية....كنت أشعر بأنفاسك في هوائي....ولم يصدقوني.....لم يصدق أحد قلبي"


فظلت
هي تبكي بين ذراعيه وأصابعها تتخلل شعره وذابت تلك السنة بين نيران
شوقيهما ولم يتبقى منها شئ وأستعر حبهما ليصبح أقوى من الماضي فالنيران
الزرقاء لا تنطفئ حتى لو سكبت أطنان من المياة فوقها بل تزداد استعارا وهمس
في إذنها:



"أحبك...أحبك.."


وقالت هي :


"وأنا أحبك يا أغلى انسان في الوجود.....انت عائلتي الوحيدة في هذا العالم.."


ثم نظرت في عينيه وقالت :


"أريدك أن تراه.....أن ترى (جوفاني) ..!!!"



وذهبت الى (اندريه) فأعطاها الصغير بين ذراعيها فعادت به الى زوجها وقالت :


"هذا .....هو (جوفاني).....بذرة حبنا معا.....أنه ابننا يا (الفريدو) ..!!!"


فابتسم (الفريدو) ابتسامة دهشة بين دموعه وحمل الصغير بين ذراعيه ثم قبله وقال :


"أنه.....أنه أجمل مخلوق وقعت عليه عيناي....أيها المخلوق الملائكي الصغير..."


ثم ظل يقبله حتى بللت دموعه وجه الصبي وحملت هي الطفل بين ذراعيها فعانقها وعانق الصبي وهو يبكي ونظر الى السماء وقال :


"يا اله السماوات.....أحمدك يا إلهي......أحمدك وأشكرك...."



وظل الثلاثة في أحضان بعضهم....ظل الحبيبان يبكيان فتأثر (اندريه) بشدة ومسح دموعه وتقدم منهم فنظر اليه (الفريدو) وقال :


"يا (اندريه)......أشكرك من كل قلبي....لقد أعدت الي روحي من جديد....!!"
فابتسم وقال :


"لم أفعل....بل هي التي لم تحتمل فراقك....."





كان السيد (فرناندو) جالسا يستمع الى (فلوريا) وهي تخبره عن الخبر الذي انتظر سماعه منذ سنوات فضحك بانتصار وهو يدخن غليونه ثم قال :


"لقد حصل ما تمنيت تماما....أحسنت يا (فلوريا).....أنت تستحقين عن جدارة اسم عائلتنا... .......(فان دييجو) !!!"


ولكن (الفريدو) دفع الباب بقوة ودخل وهو يكاد ينفجر غضبا فنظر اليها باشمئزاز ثم نظر الى والده وقال بصوت مثلج :




"إذن....فكل هذا كان من خطتك.....كيف فعلت هذا؟!....كيف أمكنك أن تفعل
هذا؟!.....لقد كدت تدمرني وتحطم حياتي....كل هذا لأن زوجتي لم تأتي على
هواك....كنت تريد أن توهمني أنها ماتت وهي حية؟!....أي قلب هذا الذي تحمله
في صدرك؟!...."




فصعقت (فلوريا) لما سمعت أن (أنجليتا) حية وكاد يغمى عليها فصرخ (فرناندو):



"أخرس يا ولد......أنا أفعل ما يحلو لي....ليس انت من يعلمني كيف أتصرف.."



"لكنها
حياتي.....حياتي أنا التي تتصرف بها....وليست شركة من شركاتك تفكر في
مصيرها.......ولكني لن أسمح لك بأن تتحكم في حياتي من جديد ولن تكون لك
سلطة علي بعد اليوم و (أنجليتا) ستبقى زوجتي وأم طفلي ولن أسمح لك بتغيير
شئ من هذا....أما هذة المرأة...التي وضعتها في حياتي بأمرك......فلن تكون
زوجتي بعد اليوم أبدا..."



فصرخ (فرناندو) :



"أتهددني
يا ولد؟!....هل تعرف من تكلم ايها الشاب الأخرق؟!....إن النساء للرغبات
فقط أيها الوغد ويمكن ان تستبدلها في أي وقت مع من تريد!!!..."



فصرخ (الفريدو) :


"نعم
أنا لا أعرف من اكلم ولكن ما أنا واثق منه أنك لست أبي قطعا....وامرأة
واحدة هي من تسكن كيانك وقلبك بحيث يكون مجرد النظر لغيرها مناف
للعقل.....لقد عرفت الآن أن أمي كانت محقة بشأنك..."



وهم بالرحيل فصرخت (فلوريا) وقالت :



"لا
يا (الفريدو).....لا تفعل....هل ستتركني؟! ....تتخلى عني بعد ان وقفت أنا
الى جانبك وتفهمت حزنك واحتويته دون الناس جميعا؟!....انت تعلم أني أحبك
ولم أحب غيرك طيلة حياتي..."


فالتفت لها ورأت في عينيه حال قلبه المجرد من العاطفة ناحيتها وقال :



"لا يهمني ذلك.....أنا أحب امرأة واحدة.....وهي (أنجليتا) فقط ليس غيرها...!!"


"لا
لا تفعل....ألا يوجد في قلبك ذرة من الرحمة؟!....أقسم أني لست جزءا من تلك
الخطة....ولم أعلم شيئا عن كونها حية وأقسم أني لو علمت لما وافقت على
الزواج بك أبدا..."



"لن
تمنعيني....لقد انتهى الأمر بالنسبة لي.....لن أكون (الفريدو) السابق الذي
يراعي شعور الآخرين بعد اليوم ويسير حسب رغباتهم.....من الآن فصاعدا سأعيش
حياتي كما أريد أنا أن أعيشها مع من أريد أن أعيشها ولن يتدخل أحد في
قراري..!!"



وكاد يغادر فقالت :


"حتى لو كنت....حامل؟!...."


فتجمد (الفريدو) مكانه ونظر اليها بذهول وقال :

"حامل؟!...."


"نعم حامل.....في الشهر الثاني..!!!!"

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل العاشر

[[ عودة الغائب [[



جلس (الفريدو) على صخرة بجانب البحيرة يتأمل ويفكر فيما آلت اليه أحواله وفي سخرية القدر منه واشتد صراع قاتل بداخله عن مصير (فلوريا) وموقعها من حياته فلم يجد إجابة واضحة بداخله ثم شعر بذراع تلتف حول كتفيه فوجدا (أنجليتا) تبتسم له فأخذها بقرب قلبه وتنهد حائرا ولكنها قالت :



"أفهم ما تشعر به....وأفهم مقدار الألم الذي تحسه.....كما أريدك أن تفهم إحساسي أيضا.....أن تفهم أني لست غاضبة لأنك تزوجت (فلوريا) أو حاقدة لأنها تزوجتك وستنجب لك طفلا هي الأخرى......فيكفيني أن قلبك ملكي أنا.....لقد وصل حبي لك لدرجة تجعلني أرى نفسك كروح شفافة أرى فيها ما يشوبها من آلام أو حيرة.....وأريد أن أخلصك من كل هذا......فأنا لست بحاجة لسواك كما لست بحاجة لعائلة (فان دييجو) أو بيتهم أو حياتهم.....أريدك أنت.....أنت وحدك.....وإذا أردت فلتبقى هي زوجتك أمام أسرتك وأمام الناس وأبني لي أنا كوخا صغيرا قرب هذة البحيرة بحيث عندما نكون فيه سويا نكون وحدنا دون العالم كما تمنيت دائما وسيربى ابننا سعيدا بيننا بلا ضغائن أو أحقاد أو رسميات وشكليات خانقة نربي طفلا حرا كما أردت دائما انت نفسك ان تكون....هذا كل ما أريده من العالم..."



"لا أريد غير ذلك.....كما لا أريد زوجة ثانية لي ولا اريد (فلوريا) في حياتي.....ولا أريد أن تكون لي أي صلة بها......أتعلمين أني لا أريد حتى الطفل الذي ستنجبه.....كما اتمنى لو أنها تختفي من حياتي كليا....لا أريد سواك..."




"لكنها أصبحت الآن مسئوليتك وطفلها ابنك من دمك وعليك أن تحبه تماما كما تحب (جوفاني)....هذا حقهما عليك....ولنعش حياتنا في سعادة ودون مشاكل تنغص علينا....أرجوك يا عزيزي...."



فاحتضنها بقوة وقال :



"انت حقا أروع زوجة يمكن أن يحصل عليها رجل في حياته....."





ومنذ ذلك الحين بدأ فصل جديد في حياة (الفريدو فان دييجو) وزوجتيه وجميع من يحيطون بهم فلقد جعل (الفريدو) (أنجليتا) تعيش في فيلا صغيرة ملحقة بالقصر بناءا على طلبها ولكنها ظلت محتفظة بأسمه ومركزها الإجتماعي كزوجة له وبقيت (فلوريا) تعيش في قصر (كازابيانكا) حاملة في داخلها حزن العالم فلقد أصبحت هي الزوجة المرحب بها في كل الأوساط الإجتماعية والمفضلة من جهة الأسرة ولكن منبوذة من جانب (الفريدو) فشعرت أن (أنجليتا) رغم كل شئ أفضل منها حظا فهي منبوذة من العالم كله إلا (الفريدو) نفسه وهو كل ما أرادت....فقتل هذا الفرح في قلب (فلوريا) وشعرت أنها تعيش حياة خاوية فلم يكن اهتمام (الفريدو) لها يتعدى الإهتمام الرسمي لأي امرأة غريبة عنه وكأنها ليست حامل بطفله هو كما كانت تشعر بازدراء خفي في صوته لا تعلم سببه وهو يكلمها فهي لم ترتكب خطأ في حقه وشعرت أن الظلم يشكل حلقة حولها يطوقها يكاد يقتلها وحاولت أن تبث همها لأمها (ساندرا) ولكنها وجدت آذان صماء حاولت الإستنجاد بسلطة (فرناندو) على ولده ولكنها لم تفلح فحتى السيد (فرناندو) لم يعد قادرا على ابنه وتصرفاته الجامحة وحاولت اللجوء لصديقة عمرها (سيسل) فوجدت قلبها مظلم منبوذة مهجورة في حاجة ماسة للحب مثلها تماما.....كانت تصحو كل يوم وحدها في سرير كبير موحش وتتساءل لما تعيش ولمن تعيش....ظلت سائرة ذات صباح حتى وصلت الى الفيلا الصغيرة التي تعيش فيها (أنجليتا) فوصلتها ضحكاتهم قبل ان تصل عينيها صورتهما....زوجة سعيدة جالسة تحيك كنزة من الصوف و (الفريدو) زوجها على وجهه أغرب ابتسامة رأتها في حياتها يحمل طفله الصغير البالغ من العمر بضعة أشهر وهو يلاعبه ويهدهده ويمسك به ويرفعه في الهواء وتسمع ضحكات الصبي البريئة وتقول في بالها....عائلة سعيدة....ولكن أين هي من كل هذا؟......أنها على الهامش بلا أي شئ .....كل شئ مرئي حولها ليس لها.....كما أنها ليست بحاجة لكل هذا فهي بحاجة لشئ غير مرئي.....للحب.!!....فقط لو نظر اليها (الفريدو) بتلك الإبتسامة العذبة ولو لمرة واحدة في حياته فستكون أسعد مخلوقة......لو أنه حتى يعطيها نصف قلبه......فأنها ستكون راضية لكن باب قلبه مغلق لها......أما بالنسبة (لأنجليتا) فقلبه مغلق عليها فحسب......و (فلوريا) فتحت كل أبواب الحياة لها ما عدا باب قلبه......فلم تفدها الحياة وشعرت برغبة قاتلة في الموت.....وفي قتل طفلها الذي ينمو في أحشائها قبل أن يخرج الى الحياة ويتعذب مثلها وتناثرت دموعها هنا وهناك وهي هائمة على وجهها لا ترى شيئا سوى صورة تلك العائلة السعيدة حتى وصلت الى حوض الأزهار الخلفي للفيلا فهبطت على ركبتيها وهي تنحب باكية وتغرز أظافرها في بطنها لعلها تستطيع الوصول لطفلها وهي تبكي وبعد دقائق طويلة.....طويلة وهي على هذا الوضع سمعت صوت (أنجليتا) تقول :




"هل هذا انت يا (فلوريا) ؟!......مابك هل أنت بخير؟!......هل أتاك آلام الوضع باكرا؟!.... هل أستدعي (الفريدو) ؟!......."



فرفعت رأسها ورأت (أنجليتا) الوحش الذي يسكن قلب (فلوريا) ويمزق في جنباته ألا وهو الألم فآلمها بشدة رؤيتها على هذا الوضع المخزي وركعت الى جانبها دون كلمة فترة من الوقت حتى عادت (فلوريا) الى النحيب من جديد فلم تشعر (أنجليتا) بنفسها وهي تعانقها بقوة الى صدرها ولم تشعر (فلوريا) كذلك إلا ووجدت أخيرا حضنا دافئا يفهم آلامها فبكت بكل ما لديها من آلام وأحزان......بكت لقسوة العالم عليها بكت لجحود قلب (الفريدو) ......بكت لحظها الضئيل... بكت لحال طفلها القادم وأصابع عدوتها هي ما تواسيها و تسري عنها......حتى هذا جعلها تتمزق فهي حتى غير قادرة على أن تكرهها وتشفي غلها بالإنتقام منها.....بل وتلجأ الى أحضانها في لحظة مأساوية تشابهت بداخلها فيها حياتها والرقود تحت التراب ثم قالت اخيرا :



"أريد.......أريد أن أموت!!!"
وأستمرت في نحيبها حتى قال (أنجليتا) :



"لن تموتي.....فلتعيشي من اجل طفلك.....ليس له ذنب.......فلا تظلميه....لا تكوني انت ظالمته .......عيشي لأجله.....فهناك معاني أخرى في الحياة لم تكتشفينها بعد....أن الأمومة لشئ يعيش المرء قرونا ليحسه ويتلذذ به.......عليك أن تمنحيه الحب والعطف.....هذا هو أسمى هدف يمكن أن تعيشي لأجله!!!!"



فنزلت دمعة من عيني (اندريه) وهو يراقب المرأتان في أحضان بعضهما ويستمع لكلام (أنجليتا) المرأة التي ملكت عليه نفسه.....إنها حقا ليست من البشر.....هذا حدث نفسه ثم نظر الى حيث يجلس (الفريدو) بعيدا وهو يحدث طفله وكأنه يفهمه وتساءل ماذا تخبئ الحياة لهذا الطفل......ثم رجع ليفكر وماذا تخبئ الحياة لي انا أيضا.....وأعاد النظر (لأنجليتا) وقال في ذاته أن أي امرأة سيقابلها ويفكر بالإرتباط بها سيقارنها قطعا (بأنجليتا) ولكنه لن يجد أي امرأة منتصرة أبدا في هذة المقارنه.....فكيف سيتزوج.....هكذا سأل نفسه...



كان (الفريدو) جالسا مع (اندريه) في العمل ينجزان بعض المهمات ويوثقان الأوراق حتى جاءت لهم مكالمة من قصر (كازابيانكا) وأجاب (الفريدو) ونظر له (اندريه) لعله يجد اجابة في ملامح وجهه لكن ملامحه ظلت جامدة بشكل غريب حتى أغلق الخط فقال (اندريه) :



"ما الأمر؟!.....هل حصل شئ (لأنجليتا) أو (سيسل) .....أو (فلوريا) ؟!..."



"أبدا.......لقد انجبت (فلوريا) طفلها في الصباح الباكر....!!!"


"حقا؟!....مبارك!!.....انت محظوظ للغاية.....أكان صبيا أم بنتا؟!.....علينا العودة اليوم لرؤيته"


"كان صبيا أيضا......يبدو أن خلفي جميعا ذكور.....لا لن أعود قبل الغد كما كان متفق....لقد كانت ولادته طبيعية ولا مشكلة حصلت فلما العجلة؟!...."



فقال (اندريه) بذهول :


"ألست متشوقا لرؤية ابنك؟!...."


"أتعني (جوفاني) ؟!.....أني أتحرق شوقا لملاعبته....ولكني سأكمل عملي ثم سأعود..."


فعلم (اندريه) ما وراء كلماته ثم قال :



"كم انت ظالم يا (الفريدو)......لم أكن أعلم أن لك هذا القلب القاسي.....أنك......أنك تعاملها كما لو كانت قد ارتكبت فعلا شنيعا.....أنك بهذا تعيد تجسيد الرجل الذي تكرهه........أبوك وهو يعامل أمك!!!!!!"



فسقط القلم من يده وهو يفكر مذهولا على وقع كلمات (اندريه) .......



وفي قصر (كازابيانكا) كانت (فلوريا) جالسة على السرير جسدها خامل بعد معركة صعبة في تلك الليلة ثم تذكرت بأسى كيف ساعدتها (أنجليتا) في الولادة وكيف تأخر طبيب الأسرة في المجئ فاستدعت السيدة (سوزي) ضرتها لخبرتها في تلك الأمور وكيف قامت بإرضاع الصغير بالنيابة عنها لأنها كانت متعبة طيلة الليل وظلت تحدق بها وهي ترضع طفلها الى جانبها وتنظر الى أسفل الى (جوفاني) الذي يلعب ببعض المكعبيات على الأرضية.....رأت الفرق القاتل بين الطفلين وكأنهما شقان متقابلان ولكن مع هذا هما أخوان يحملان نفس الدم دم زوجها (الفريدو) وقالت بصوت واهن :


"أريد أن أرى ابني...."


فحملته لها (أنجليتا) وأعطتها إياه.....نظرت الأم له بانتقاد.....كان لا يشبه (الفريدو) في شئ على الرغم أنه أشقر وفاتح البشرة......كان يشبهها هي بكل تأكيد ثم نظرت الى (جوفاني) فرأت عينا (الفريدو) وروحه وإن كان اسمرا.....فسالت الدموع على وجهها وقالت لتخفى ما تحسه.... :



"أنه جميل!!....."


فقالت (أنجليتا) ملاطفة :


"أنه كذلك......كم هو دقيق الملامح.....تعال هنا يا (جوفاني)....تعال لترى أخيك..!!"


ثم حملت (جوفاني) ووضعته على السرير ليرى أخاه ولكنه لم يفهم جيدا وظل يلمسه وكأنه كائن جديد عليه فسالت الدموع بغزارة على وجه (فلوريا) فقالت (أنجليتا) :



"هل تشعرين بالإنزعاج.....لأني أقول أنهما أخوان؟!.....أنا آسف لذلك..."



"لا.....الواقع.....أنه شئ غريب علي هذا كل ما في الأمر.... (الفريدو) لن يأتي أليس كذلك؟"



"لقد كلمناه هذا الصباح....ولا أعلم إذا كان سيأتي أم لا..."



"لن يأتي أنا واثقة......فهذا ليس طارئا على أي حال.."



قالت هذا بأسى فأشفقت عليها (أنجليتا) حتى دخلت عليهما (سيسل) وقالت :


"ومع هذا أفضل لك أن ترحلي فحتى لو كان كانا أخوان بالدم.....فأنا واثقة أنهما لن يكونا كذلك .......خذي طفلك وعودي الى بيتك....."


فنظرت اليها (أنجليتا) بعدم اكتراث كانت (سيسل) تكره (أنجليتا) أكثر من أي شئ في هذا العالم فلقد صب (الفريدو) جام غضبه على أخته بعد ان علم أنها كانت جزء من خطة ابيه وشاركته فيها.....وساءت علاقتهما سويا منذ ذلك الحين.....ولم تملك (أنجليتا) إلا أن تبادلها نفس المشاعر فنهضت حاملة طفلها بين يديها تاركة الغرفة حتى قالت (سيسل) بعد رحيلهما :



"كم انت غبية يا (فلوريا).....أنت أكثر امرأة حمقاء قابلتها في حياتي.....أتطلبين المساعدة من عدوتك؟!....عليك أن تحاربيها وتقهريها وليس أن تستمدي منها العطف....فلعلها تضحك منك في داخلها وتشمت بك.....وانت تظهرين كل ضعفك أمامها....كم انت حمقاء"


فردت (فلوريا) بصوت جاف حاقد :


"ربما تكون عدوتي اللدودة ولكن قلبها أرحم علي من قلب أعز أصدقائي.....!!!"



ظلت (أنجليتا) تلاعب طفلها في بيتها حتى دخل (الفريدو) من الباب فعانقته بقوة وحمل هو الصبي عنها وقبله وظل يلاعبه فقالت (أنجليتا) :



"لقد أتيت.....كم أنا سعيدة بذلك.....أرجوك يا (الفريدو).....اذهب الي (فلوريا) وشاهد ابنك..... انه طفل وسيم للغاية...."


فسكت (الفريدو) ثم قال :


"لا بأس.....سأعود بعد قليل....."


ثم دخل الى قصر (كازابيانكا) ورآه (لوسيانو) فقال :



"سيدي.....أهلا بعودتك.....السيد (فرناندو) في مكتبه....والطبيب قد رحل منذ ساعتين..... السيدة (فلوريا) في غرفتها مع السيد الصغير "



فتجاهله (الفريدو) واكمل طريقه الى غرفة (فلوريا) فرأى (سيسل) خارجة منها......وتبادل الأخوان نظرة نارية ثم استمر (الفريدو) الى الغرفة دون تحيتها وأغلق الباب خلفه......كانت زوجته نائمة في سريرها والرضيع في سرير صغير منفصل فظل (الفريدو) مترددا ثم اتجه اليه بخطوات بطيئة حتى رآه......كان مستيقظا يحدق به......كان فعلا طفلا جميلا كما قالت (أنجليتا) .....ولكنه شعر لحظتها بشعور غريب.....وكأنه يرى طفلا لأحد معارفه.....وليس له....لم يشعر أنه فعلا ابنه.....لم يشعر بنفس الشعور الذي شعره تجاه (جوفاني) ورفع الصبي بين ذراعيه وظل يتفرس في ملامحه.....ثم قال :


"حسنا أيها الصغير.....انت ابن (فلوريا) بكاملك......ولكن أين أنا منك؟!....."


فسمعت(فلوريا) صوته وقالت :


" (الفريدو) ؟!.....هل أتيت؟!....حمدا لله....ظننت أنك لن تأتي قبل الغد...."



فنظر إليها ببعض الذنب ثم اتجه نحوها وعانقها بحنان ففوجئت هي بذلك ولكنها كانت متشوقة كثيرا لتلك اللحظة وقالت :


"ما رأيك في ابننا؟!....أليس جميلا؟!....."


فنهض وعاد به وقال :


"نعم أنه كذلك ......لكننا لم نفكر طوال تلك الفترة ماذا سنسميه....ما رأيك؟!..."


"فلتسميه انت.....فانت أبوه.....سميه باسم تحبه....."


"حسنا....ممممممم........كان لي صديق اسباني كنت معجب باسمه في البداية......كان اسمه (ماريوس) ........سأسميه (ماريوس) ......ما رأيك؟!...."


فابتسمت (فلوريا) وقالت :


"انه اسم جميل.....جميل جدا......فلنسميه (ماريوس)!!!!.."



فنظر لها (الفريدو) وعقله يسبح في ذكريات بعيدة ثم سألها فجأة :


"هل تكرهينني يا (فلوريا) ؟!.....هل تحتقريني؟!......"


فسالت دموعها وقالت :


"إذا كنت تسألني هذا حقا دون مزاح......فانت لا تحس بأي شئ مما يختلج في صدري......قد تكون (أنجليتا) أفضل مني.....في نظرك....ولكنها لن تحبك أكثر مما أحبك أنا...ولن تستطيع امرأة أخرى كذلك......"



فنظر إليها مليا......ونظر الى طفله فترة ثم قال :


"أجل انت محقة......لقد كنت أمزح...."



مرت أربع سنوات كبر فيها الصبيان (ماريوس) و (جوفاني) سويا.....ولكن لم يكونا سويا في الحقيقة.....فلم يستطع الإثنان في ظل الظروف أن ينسجما معا على الرغم ان فارق السن سنة واحدة لكن (ماريوس) الصغير لم يكن يظهر الا العداء لأخيه (جوفاني).....كان يحيطه بكره خفي فحتى هذا الصغير ذو العقل الغير واعي لأمور الحياة وظروفها استطاع أن يلحظ الفارق في معاملة الأب له ولأخيه.....كان يعامل (جوفاني) بحب واحترام كبير لقدراته الذاتية والفكرية على الرغم من صغر سنه كما كان يعامل أم (جوفاني) بحب كبير مختلف تماما عن نوعيه الحب الذي يبثه في قلب أمه هو.......كما كان يعامله بنوع من الحب الممتزج بالشفقة وكأنه يرثى لحاله من شئ ما ولذلك لم يكن ذلك الصغير وإن كان عالمه مبهم ضئيل يرحب بأي علاقة بينه وبين ذلك الأسمر الذي يختلف عنه في كل شئ........حتى أنه كان مدللا للغاية فكانت (فلوريا) تحيطه بحب زائد أشبه بالهوس فلقد كان هو الرجل الوحيد في حياتها تقريبا....



كانت تلك السنوات الأربع بمثابة هدنة عقدها الزمن مع أفراد أسرة (فان دييجو) فلم يعد السيد (فرناندو) يتدخل في حياة (الفريدو) فلقد وقف (الفريدو) كصخر صلب تجاه أي تصرف من أبيه قد يكون تدخل في حياته كما لم يستطع أن يتخذ السيد (فرناندو) خطوة أخرى لأن (الفريدو) كان الرجل الوحيد في العائلة الآن وهو الوحيد القادر على تحمل مسئولية أملاك الأسرة وادارتها فقرر أن يبقى صامتا الى أن يجد مخرج آخر ولكنه كان يحتقر حفيديه للغاية الأول (جوفاني) لأنه كان ابن الخادمة والثاني (ماريوس) لأنه كان طفلا مدللا ورقيقا وضعيف الصحة والبنيان كان يشبه الفتيات لحد كبير وشعر ببعض الخزي لأن الطفل (جوفاني) كان نشيطا وقليلا ما يمرض ولم يكن ضعيفا على الإطلاق....ولكنه لم يقابله ولم يعترف به كحفيد له وتمنى لو كان الطفلان قد تبادلا.....



أما (اندريه) فلقد حزن كثيرا عندما علم أن (أنجليتا) تدبر له عروسا وشعر بالأسى بداخله ولم يستطع أن يفسر لها غضبه بل طلب إليها أن تترك ذلك الأمر تماما وعندما استغربت هي من هذا أخبرها (الفريدو) أن (اندريه) خجول من تلك الناحية ولكنه نفسه كان مستغربا من تصرفه وبقي (اندريه) طوال تلك السنين وحيدا كل يوم بالنسبة له كصحراء جرداء إلا إذا حمل في طياته لقاء (لأنجليتا) أو كلمة أو همسة منها أو حتى رؤيتها من بعيد.....كما كان هو الآخر يدلل (جوفاني) ويحبه وأصبح هو والصبي صديقان حميمان على الفور أما (ماريوس) فكان يكره أي شخص يود (جوفاني) لذا لم يرحب بعلاقته (باندريه) .....




وفي تلك السنوات كانت (سيسل) قد تعبت من حياة الوحدة كليا ولم تعد قادرة على تحملها و امتلأ قلبها يأسا وفقدت الأمل كليا في (روبرتو) الذي لم يرسل لها حرفا ولم يأتي عنه أي خبر منذ رسالته الأخيرة لذا قررت ان تكف عن حماقتها وتعيش حياتها فما ان اخبرها والدها ان السيد (فون) قادم الى القصر وأفهمها أنه شاب وانه رآها في حفل ذات مرة وعبر لوالدها عن أعجابه بها حتى نزلت لمقابلته عندما اتى وما ان رآها حتى هب واقفا وابتسم خجلا وما ان مدت يدها له حتى قبلها وقال بحروف متكسرة :



"سعيد جدا برؤيتك......يا آنسة (فان دييجو) ...."



فأجابت بتلقائية :


"نادني (سيسل) فقط يا سيد (فون)......"



ففرح كثيرا لهذة الجملة واعتبرها بداية حسنة لعلاقته بها ومنذ ذلك اليوم لم يغب عن نظرها فلقد كان يأتي الى القصر تقريبا يوميا حتى أن (الفريدو) أصبح يضيق بصحبته كان كثير الكلام محب للتملق ولكنه كان يرضي غرورها ويضيع وقت يومها الذي كان يمر كالسنين في الماضي........كما أعجبها طاعته الشديدة لها وفعل أي شئ قد يجلب البسمة الى شفتيها كما كان غنيا من عائلة عريقة للغاية وكان رأي الجميع فيه أنه أفضل عريس لها فحزنت في داخلها لأنها لم تفكر أن تنهي حياتها بتلك السهولة......وتوافق على زواجها منه وهذا يعني أنه سيكون معها طيلة حياتها وأنه سيكون الرجل الوحيد في حياتها وتساءلت كيف سيتسنى لها ان تحبه وظلت تتذكر تقاطيع وجهه وشعرت أنها لم تفكر به بهذة الطريقة من قبل......ظلت تلك الأفكار تتراقص في عقلها وهي تستعد لحفل ستحضره في قصر أحد الأسر النبيلة وسيحضره (فون) أيضا ثم أسرعت بالذهاب وبعد ان وصلت وجدت أن الحفل كان اكبر مما توقعت كان يضم الكثير من الفتيات والشباب وأنبل أسر ميلانو جميعا ودخلت وتبادلت الحديث مع هذة وتلك حتى جاء (فون) أخيرا وهو يلهث وقال :



"أنا آسف للغاية لأني تأخرت......تبدين جميلة جدا يا عزيزتي اليوم...."



ثم أمسك بيدها وظل ملازما لها طوال الحفلة حتى أنه كلما تحدث مع أحد آخر وفكرت هي ان تكلم أحدا في الطرف الآخر حتى أمسك بها بقوة مانعا إياها من تركه طوال اليوم فعرف الجميع أن هذا اعلان خفي عن خطوبتهما المستقبلية ورقص معها جميع الرقصات حتى شعرت هي بالدوار ثم قالت :


"اشعر بالإرهاق.......سأجلس أنا هنا.........لما تكمل الرقص؟!...أن الرقصة القادمة هي الفالس أنت تحب هذة الرقصة...."


ولكنه استمر في امساك يدها وقادها الى كرسي في الركن البعيد ثم قال :



"لا....لن أرقص مع أي فتاة غيرك أبدا.....كما لن أتركك طول الحفلة.....لنجلس ونتبادل الحديث سويا"


وجلس ملاصقا لها حتى شعرت (سيسل) بالحرج لأنه الجميع يراقبهما ويطلقون الإشاعات هنا وهناك ولكنه ظل يتحدث معها طوال الوقت ولم يترك لأي أحد فرصة أن يستدرجه ليتحدث معه ويتركها وبعد فترة من الوقت قال لها وقد تحول وجهه للون الأحمر :



"أريد أن أبوح لك بسر.....فهل تستمعين الي؟!...."
"بالتأكيد تفضل...!!"
"الواقع أنا......أنا أحب...."
"أتقصد فتاة؟!.....من هي؟!...."
"انت تعرفينها جيدا.....ولكن لن أذكر اسمها امامك....لكني واثق أنك ستكتشفين من هي وحدك"

"اذن ما هي المشكلة في أن تحبها؟!......"
"الواقع لم أبح لها بذلك بعد......لأني .....لأني متوتر وأشعر بالقلق.....أخاف من ردة فعلها تجاه مشاعري.....لقد حاولت أن تكون مشاعري واضحة في الآونة الأخيرة تجاهها....أتمنى أن تكون قد فهمتها......وأكبر امنية لي.....أن تبادلني ولو القليل من مشاعري تلك..."



فقالت (سيسل) بعد ان فهمت الموقف :



"أنا واثقة أنها تبادلك جزءا من تلك المشاعر....لما وافقتك على اهتمامك بها لو أنها لا تحمل في قلبها ما يوازيه اهتماما...."


فانشرح صدره وفرح متسائلا :



"هل تظنين ذلك؟!.....أني أتمنى من كل قلبي لو ان كلامك صحيح....الواقع سوف آتي في نهاية هذا الأسبوع لأطلب يدها رسميا من أبيها.......ترى هل تظنين أنها ستوافق؟!...."



ففكرت فترة من الزمن كان فيها (فون) غارقا في الحيرة حتى قالت ببطء :


"ليس أمامها إلا أن توافق عليك....."


فرد هو بتوجس :


"ماذا تعنين بليس أمامها؟!....."


فرفعت رأسها وقالت بجدية :


"أقصد أنها لابد وأن توافق عليك.....لا يمكن لأي فتاة يا (فون) أن ترفضك.....لأي سبب...."


فدمعت عيناه من فرط التأثر وأمسك يدها بشدة بكلتا يديه ثم قال :


"لقد داويت عذاب فؤادي بكلماتك يا عزيزتي (سيسل)......وأظن أن جميع الأمور ستسير على ما يرام...."



ثم مال برأسه ليقبل يدها أمام أعين الناس ولكن شخصا من بين الحشود كان يراقبها بنظرات محرقة فلم يصدق أنه سيراها في هذا المكان ......وفي ذلك الوضع بالذات




كان (الفريدو) جالسا يتناول الشاي مع (فلوريا) في الحديقة حين جاء اليهما صوت صراخ فنظر (الفريدو) وراءه فوجد (جوفاني) قادم باتجاههم ويحمل بين يديه (ماريوس) الذي يصرخ بكل قوته ويرفس هنا وهناك والإثنان مبللان للغاية ولأن (جوفاني) كان أضخم حجما من طفل في سنه فلقد استطاع أن يحمل (ماريوس) كل تلك المسافة ثم ركضت (فلوريا) نحوهما واختطفت طفلها من بين يدي (جوفاني) وهو يصرخ ويبكي ونظرت الى (جوفاني) بنوع من الإتهام فحياها (جوفاني) باحترام وقال يخاطب (الفريدو) :



"أبي.....لقد كنت العب بقرب البحيرة المجاورة لبيتنا عندما رأيت (ماريوس) قادما ثم سقط في ماء البحيرة فاحضرته الى هنا"


فقال (الفريدو) :


"لماذا لم تأخذ حذرك يا (ماريوس)؟!...ألم أحذرك من الإقتراب من هناك.....انت دائما كثير السقوط....كان عليك أن تطلب مساعدة (جوفاني) "


فنظر (ماريوس) الى أخيه بحقد ثم قال :


"لماذا تتهمني؟!....هو من أوقعني هناك....هو الذي دفعني....."


فنظر (جوفاني) بغضب الى (ماريوس) وقال :


"لم ادفعك....انت الذي اوقعت نفسك..."


"انت دفعتني عندما اردت الحصول على قبعتك....."


فنظر الجميع له فقال :


"لم أفعل ذلك يا أبي....لقد أراد أن يحطم قبعتي لا أن يرتديها فلم أعطها له عندها قال أنه سيجعلني أدفع الثمن ثم أوقع نفسه في البحيرة..."


فغضبت (فلوريا) وقالت :


"يالك من طفل.....ان (ماريوس) أصغر منك....كان عليك ان تعطيه ما اراد....ثم ....أوقع نفسه؟!....من تظن نفسك لتخدعنا بكذبة كهذة؟!....."


"لم أكذب....أنا لا أكذب أبدا......!!!"


فصرخ (ماريوس) :


"بل انت كاذب......كاذب....انه يكذب يا أبي....."


فنظر اليه (الفريدو) بازدراء وقال :


" (ماريوس) ....يالك من طفل مدلل....ان أم (جوفاني) هي من صنعت له القبعة لذا لابد أن يحافظ عليها حتى لو اضطر لدفعك من جبل على أي حال إذا أردت أن تحصل على قبعة فاطلب من أمك أن تصنعها لك وليس ان تنظر إلى حاجات الغير.....أنك أناني.....وانت يا (جوفاني) تعال معي...."



وأخذ الطفل وسار به بعيدا وظل (ماريوس) يبكي ويصرخ وهو يقول :



"ان أبي يقول أني أناني...وكاذب....بل هو الكاذب وليس أنا....أنه يحبه أكثر مني...!!!"



فضمته (فلوريا) وقالت :


"لا يا عزيزي.....هذا غير صحيح.....أنا احبك أكثر منه....بل أكثر من أي شئ في هذا العالم....لا تحزن.....لا تحزن يا حبيبي..."


وظلت تضمه إليها وما في قلبه هو ما في قلبها تماما......



سار (الفريدو) مع (جوفاني) دون كلمة حتى قال (جوفاني) :



"هل انت غاضب مني يا أبي؟!.....أنا لم اكذب...."


"أعرف أنك لم تكذب....أنا علمتك أن تكون صادقا حتى لو أدى ذلك الى موتك.....ولهذا أثق بك وأثق أنك تنفذ ما أقوله لك دائما.....فلا تخن هذة الثقة يا صغيري...."


"لن أفعل يا أبي...أبدا...."


"ولكن اسمع يا (جوفاني).....(ماريوس).......أنه أخوك الصغير...عليك أن تكون طيبا معه..."



"أنا طيب معه.....ولكنه دائما يتشاجر معي .....أنه يبدأ دائما....."


"أنه أخوك الصغير عليك أن تتحمله بصدر رحب وتكون صديقا له ولا تجعله عدوا.....فأسوء عدو هو عندما يكون أقرب الناس إليك.....أنه اخاك الوحيد فعليك أن تكون حنونا معه ومعطاءا وصبورا هذا هو واجبك نحوه كأخ كبير له....وإذا لم يقم بواجب احترامه لك.....فهذا شأنه....لا تهمل انت واجبك لأنه فعل......ابقى انت الأفضل.....وأذا أراد شيئا فلتعطه ما أراد.....لا تفكر أنه يقصد عداءك ....هل فهمت يا بني؟!....."




فأومأ بالإيجاب فقبله (الفريدو) على رأسه وقال :


"منذ الغد سأعلمك الخيل....."



في اليوم التالي كان (اندريه) ينتظر (الفريدو) أمام بوابة القصر (كازابيانكا) فوجد شابا رقيق الملامح يخرج من عربة ذات أربع جياد فعرف أنه السيد (فون)وقام الآخر بتحيته بتهذيب وقال:



"مساء سعيد يا سيد (ديميتريوس) هل أتيت لمقابلة السيد (الفريدو) ؟!...."


"بلى......وانت؟!..."


"أنا قادم لأجل الآنسة (سيسل) اتمنى ان تأتي لزيارتنا في الوقت القريب.....أسعدت مساءا..!!"



فنظر اليه (اندريه) بتفحص كان يرتدي ملابس رسمية ورأى من عند درج القصر (سيسل) هابطة ترتدي فستانا ورديا أنيقا للغاية وبعض الجوهرات الثمينة فقال لنفسه بسخرية أنها شديدة الإهتمام بأناقتها تلك الأيام وخصوصا بعد مجئ (فون) الى ميلانو وخرجا معا فحيته هي بايماءة من رأسها فلم تعد علاقتهما طيبة بعد أن وقف هو بقوة في صف (أنجليتا) فاعتبرته (سيسل) على الفور من أعدائها وركبا معا العربة وبعدها جاء (الفريدو) ومعه بعض الملفات التي جاء خصيصا لإحضارها فقال (اندريه) :


"أين يسحب (فون) (سيسل) في مثل هذا الوقت؟!..."



"الى الأوبرا....هناك مسرحية معروضة في تلك الفترة..... (فون) سيتقدم لأختي في خلال فترة قصيرة وأبي موافق عليه......طبقا لهذا نحن لسنا قلقين...."


"آه ذلك العرض في الأوبرا لقد ذهبته مع أمي ذات مساء.....ماذا عنك ألم تذهب؟!...."


" (فلوريا) طلبت مني أن أصحبها ولكني لم اكن متفرغا كما ان (أنجليتا) ليست في وضع يسمح لها بالذهاب معي الى الأوبرا......انت تعلم نظرة الناس لها.....لذلك لا أظن أني سأستطيع الذهاب...."



وفي تلك الأثناء كان (فون) و (سيسل) يشاهدان عرض الأوبرا......كان (فون) يمسك بيدها بين اصابعه ويضغط عليها بين الحين والآخر ويهمس لها بكلمات رقيقة.....كان واضح انه لم يركز في ما يشاهده مطلقا......لكن (سيسل) شعرت بمن يراقبها.....ظلت تبحث بعينيها بين الحاضرين هنا وهناك وارتفعت بناظرها الى المقصورات فرأت مقصورة كان يجلس فيها رجل وحيد وكان يحدق بها فنبض قلبها بقوة وظلت تحدق به غير مستوعبة......لم تكن ملامحه واضحة من ذلك العلو فرفعت منظارها الصغير تلقائيا لترى وجهه وكان قلبها محقا فها هو (روبرتو) يحدق بها بتلك العينين العاشقتين اللتان ذابت فيهما مرات ومرات كان هو دون شك واهتاجت ضربات قلبها وظلت تنظر حولها لا تعرف بما تحدق فلم تكن تستطيع التركيز في أي شئ لا في العرض أو حتى في همسات (فون) ولا تحس بأي شئ سوى بوجوده هناك يحدق بها.......كانت تشعر باضطراب قاتل ولم تدري ماذا تفعل وانتهى الفصل الأول فاستأذنت (فون) بأن تذهب لإصلاح زينتها وعندما وصلت الى الممر كان هو يقف في آخر الممر يتحدث الى بعض الآنسات ويتكلم بطريقة مختلفة تماما عما كان فشعرت أن شخصيته تغيرت كثيرا حتى شكله تغير أصبح أكثر أناقة ووسامة فقالت في نفسها ربما هي مخيلتها فحسب وشعرت أنه ازداد طولا وازداد جسده حيوية كانت الرجولة تشع منه بشكل لا يصدق....فكادت لا تعرفه ولكنه نظر اليها نفس النظرات القديمة.....كان بريق عينيه ما يزال كما كان وبدأ يقترب منها شيئا فشيئا فوجدت نفسها قد تجمدت في مكانها حتى وقف على مقربة منها.....وامتدت يده لتمسك يدها فشعر بارتعاشها وارتجافها المستمر ثم قربها الى شفتيه وقبلها برسمية فنظرت له نظرة باردة فقال :




"منذ سنوات لم أرك يا عزيزتي الآنسة (سيسل).....كم كنت مشتاقا لتلك اللحظة....تلك اللحظة التي ظلت تداعب أحلامي ليالي طويلة......لقد تفتح جمالك وصرت اكثر نضوجا...."




فدفعت ذراعه بيدها التي كانت بين اصابعه بغضب وعيناها تفصحان عما يعتمر في قلبها من غضب جامح ثم قالت :



"او تجرؤ على ان تأتي لتراني بعد كل ما حصل...!!!!"



"سآتي اليك حتى لو فررت مني لآخر العالم.....!!!"




"عزيزتي؟!......؟!...."



كانت تلك الكلمة خارجة من فم (فون) الذي كان يقف في آخر الممر ثم اقترب منها مسرعا ثم نظر الى (سيسل) التي حاولت إخفاء غضبها بصعوبة ونظر الى (روبرتو) بريبة ثم قال :


"أسعدت مساءا يا سيدي....ألن تعرفني الى نفسك؟!..."



فقال (روبرتو) بسخرية :



"لما لا تسأل الآنسة أن تعرفنا معا...فهي تذكر اسمي على ما اعتقد"


فنظر اليها (فون) متساءلا فغضبت (سيسل) لمحاولة (روبرتو) أن يظهر انه كان على علاقة بها فقالت :


" السيد (روبرتو فلاديمير).....قريب زوجة أخي (فلوريا).....هذا السيد (فون دي موريسيو)..."


فتصافح الرجلان برسمية فلم تملك إلا أن تقارن بينهما.....كان (فون) أقصر من (روبرتو) يكاد يكون في طولها تقريبا ولم تستطع أن تنكر ان (روبرتو) كان يبدو أكثر وسامة ورجولة منه بكثير كما أنه كان يرمقه بنظرات متعالية فقال (فون) :



"والآن أرجو أن تعذرنا فالفصل الثاني سيبدأ الآن......."


"لا بأس الى اللقاء يا آنسة .."


ثم اقترب منها وقال هامسا بحيث لا يستمع (فون) :



"سأقابلك بعد أن تتخلصي من هذا ال....بعد انتهاء العرض...!!"


فشعر (فون) بغضب عارم بسبب تلك الحركة التي بدت حميمة وعندما جلس مع (سيسل) في مكانهما وبدأ العرض همس في اذنها متسائلا :



"ماذا كان يقول لك ذلك الشاب هامسا؟!..."



فقالت مظهرة قلة الإكتراث :



"كان يوضح لي أنه سيزور أبي في مكتبه قريبا....لا تهتم...فلنتابع المسرحية.."



وحاولت ان تطرد كل الأفكار جميعا من ذهنها مركزة في المسرحية...كانت تحكي عن فتاة حائرة بين رجل تحبه ورجل يحبها وشعرت أنها تماما كحالها ومرت المشاهد وجاء المشهد الآخير الذي سيوضح من ستختار في النهاية ولكنها.....ضاقت صبرا وطلبت الرحيل وقالت في ذاتها لو أن مؤلف تلك المسرحية ذكي حقا لجعلها تختار من يحبها فهذا أفضل لها.....ثم رفضت أن تعود مع فائق الاحترام (فون) قائلة :



"ان بيتك في المدينة و (كازابيانكا) بعيد عن هنا كثيرا ستضطر الى الذهاب والعودة تلك المسافة دون فائدة.....أن صديقتي سوف تقلني وهي تسكن في نفس المنطقة لقد وعدتني بذلك..أرجوك أذهب انت ولا تقلق...."




فشعر (فون) بحنق شديد وعلم أن هناك شئ آخر في بالها ستفعله ولكنها كانت عنيدة وكان من المستحيل أن يغير رأيها فجعل السائق يسير بالعربة بعيدا قليلا عن البوابة بمسافة تسمح له بمراقبتها دون ان تراه ثم حدث ما توقعه فلقد خرج (روبرتو) وقام بإركابها عربته ورحلت معه....وحدث نفسه لهذا إذن كانا يتهامسان.....وشعر بالتكدر والغضب وتساءل ما هي العلاقة التي يمكن أن تربط بين هذين الأثنين ثم قرر الرحيل.......

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل الحادي عشر

[[ الأخوان [[


أما (سيسل) فبقيت جالسة بلا حراك في العربة التي يملكها (روبرتو) وهو يجلس الى جانبها دون كلمة......شعرت باختناق....كان صدرها يعلو ويهبط بسرعة وكأنها ركضت أميالا....تخللت رائحة عطره المميز أنفها فلم تتحمل فصرخت بالسائق ان يتوقف مما أصاب (روبرتو) بالدهشة ثم دفعت الباب وخرجت مسرعة من العربة ورأت السور الذي يسبق البحر فجرت نحوه ووقفت تستند عليه وهي تلهث بينما نزل (روبرتو) ووقف خلفها يحدق بها....كان الإرتباك يطفو على سطح نفسه هو الآخر فلم يعلم ماذا يقول لها.....كانا متحابان فترة طويلة من الزمن وكان يخبرها بكل شئ......كل شئ يجول بخاطره دون خجل أو ارتباك وبمجرد أن يراها تتدفق الكلمات من فمه......أما الآن....لا يعرف ماذا....لم تكتفي السنوات بتغيرهما فحسب بل غيرت قلبيهما أيضا وإحساسهما ثم قال لنفسه لا...أنا لازلت أحبها لن أسمح لهذا أن يحدث فاقترب منها وقال :



" (سيسل)......اسمعيني......أنا...."



فالتفتت بسرعة البرق ولطمته بكل قوتها وقالت والدموع تملأ عينيها :



"ماذا ستقول؟!......هيا قول لي.....ستقول أنا آسف؟!....ستقول أنا أحبك؟!...ستقول لم أفكر بأحد غيرك طوال تلك السنين؟!....فابتسم أنا بحب ثم اجري نحوك بشوق؟!.....هذا جنون....جنون وغباء.....كيف تجرأت؟!....كيف تجرأت على أن تظهر في حياتي بعد كل هذا متوقعا مني أن أعاملك كما السابق أو حتى كصديقين؟!.....كيف سولت لك نفسك؟!..."



"أعلم اني غبت عنك طويلا.......لكن هذا لم يغير من حبنا....!!"




"حبك وحدك.....أما أنا....أنا لم أعد أحمل في قلبي أي شئ أبدا....ماذا تريد مني.....تعتقد أن تتركني طوال تلك السنوات تهرب مني.....ولا ترسل لي أي كلمة حتى.....تتوقع مني.....أن أحبك....هل فقدت عقلك؟!..."



"أنا لم اهرب أبدا منك يا (سيسل) !!...."



"أوه حقا؟!.....مع أول مواجهة غير مباشرة بينك وبين أبي لم تعد مجددا....."



"لقد توفي أبي منذ سنتين يا (سيسل) .......!!"



فابقاها هذا صامتة فاستمر (روبرتو) :



"توفي بعد ان ترك اعمالنا في حالة ركود تام.....وترك أملاكا دون ان يرعاها أحد أو يصلحها ........كنت في حالة مزرية........اعترف أني كنت مخطئا عندما لم اراسلك ولكني كنت متأكدا أنك لن تردي على بأي شئ وستأخذين رسائلي وتقطعينها قطعا دون جدوى....كنت واثقا أن آخر مرة تكلمنا فيها معا انتهينا على غير وفاق.....وكنت آملا أن مرور الوقت سينسيك ما شاب حبنا من غضب او حزن وستتذكرين فقط الأيام الجميلة كما فعلت أنا....لم أكن استطيع أن أعود قبل الآن.....لم أكن لأعود قبل أن أكون أهلا لك...."




فصرخت (سيسل) :



"توقف عن الكلام.....لا أريد أن أسمع حرفا....لا تتكلم....لا أريد أن أسمع حتى صوتك....سوف يتقدم (فون) الي في نهاية الأسبوع.....وسوف اوافق عليه....يؤسفني أنك ضيعت وقتك هباءا.....والآن خذني الى البيت دون كلمة....."




فنفذ (روبرتو) كلامها بالحرف الواحد واندهشت (سيسل) لهذا ولكنها شعرت بالحزن لعدم مقاومته لها وما ان وصلت الى باب (كازابيانكا) حتى هرولت مسرعة الى غرفتها وعندما اغلقت على نفسها الباب ارتمت فوق سريرها تبكي بحرقة وهي تسمع صوت ابتعاد عربة (روبرتو) عن بيتها.....لم تستطع ان تنكر انها لا زالت تحبه......بل لم ينقص حبها شيئا خلال تلك السنوات وظلت جالسة في مكانها تزيح الغبار عن الذكريات وتستدعيها بالترتيب وتتعايش معها وتردد كل كلمة من كلماته في اذنها كما لو كان يقولها في التو واللحظة......ظلت هكذا طوال الليل ثم اتجهت الى الدرج الذي احتفظت فيه برسائله.....كان الغبار قد كون طبقة رقيقة عليها فبدأت تمسحها بحنان وتقرأ الواحدة تلو الأخرى.....كلمة بكلمة بتستعيد الذكريات....ودموعها تسيل دمعة لفرحتها بعودته ودمعة لندمها على مافات وشعورها بأن الوقت مضى بهما ولم يعد ينفع التذكر ولكنها لم تستطع ان توقف قلبها عن حبه أو عقلها عن التفكير فيه أو حتى عيناها عن استحضار صورته بين الفينة والآخرى وطال بها الليل وهي جالسة على هذا الحال فكما كان حالها كان حاله هو كذلك وحيدا بين أربعة جدران على هذا الحال بين أطياف ذكرياته يتذكر كل لمحة من ملامح وجه محبوبته.....يذرع الغرفة ذهابا وإيابا حتى شعر ان رأسه سينفجر.....كم هو مذهل تدفق المشاعر المحمومة الى القلب بعد أن همد طويلا وكأنه مرض يجتاح بقوة ولا شئ يعالجه سوى رؤية الحبيب من جديد......ومن جديد....ومن جديد.....وفي اليوم التالي تناول (الفريدو) الأفطار في قصر (كازابيانكا) مع (فلوريا) التي اهتمت بإطعام طفلها فهي من شدة اهتمامها به لم تتركه في رعاية أي خادمة بل كانت تشرف عليه بنفسها لحظة بلحظة وجلس السيد (فرناندو) وكذلك (سيسل) التي بدأت تسبح في عالم آخر على غير المعتاد وبعد ان انتهى (الفريدو) من افطاره خرج الى الحديقة حيث يوجد بيت (أنجليتا) وعندما وصل وجد (جوفاني) يلعب بطائرته الورقية أمام الباب وأمه تساعده فحياه الإثنان بالقبلات ثم نظر وراءه فوجد (سيسل) مارة في طريقها بهم دون ان تعي وجودهم حقا فلقد كانت بفكرها في عالم آخر فظل يحدق (الفريدو) بها بإندهاش وقال (لأنجليتا) :





"اتساءل حقا ماذا أصابها منذ الأمس...ربما يكون (فون) قد طلب منها الزواج منه اخيرا...."



فقالت (أنجليتا) مفكرة :




"تبدو لي.....مغرمة..!!!"



فالتفت (الفريدو) بذهول اليها ثم قال :



"(سيسل) ؟!....لا أظن أنها وقعت في حب أي رجل في حياتها.....أنها لا تعرف شيئا عن لوعة الحب وعذابه...."



ولكن (أنجليتا) لم تقتنع بكلامه وتذكرت يوم رأتها مع (روبرتو) بالقرب من مكان الورود الذهبية وتساءلت ماذا حدث لهذا الرجل ولما اختفى فجأة



أما (سيسل) فلقد ذهبت الى ذلك المكان بين الأشجار حيث نهاية حديقة قصر (كازابيانكا) عند الورود الذهبية ورود الكلوديا حيث كانت عادة تلتقي (بروبرتو).....وقررت استكمال رحلة ذكرياتها هناك ظلت على هذا الوضع ساعات حتى سمعت صوت خطوات تقترب ثم التفتت فوجدت (روبرتو) أمامها فنهضت بذعر واقفة وتخيلت للحظة أنه خرج من بين ذكرياتها وأنه مجرد وهم من تخيلاتها ولكنه ظل يقترب ويقترب حتى وضع أصابعه على خدها ليمسح الدموع التي غافلتها وشقت طريقها على وجهها فاستسلمت له للحظات ثم قفزت مبتعدة عنه اعتراضا فقال (روبرتو) :



"لا....لا يمكنك أن تمنعيني......عن حبك......أعرف أن صدرك يشتعل بالغضب.....ولكن بربك.....إن هذا قلبي وقلبك اللذان تريدين سحقهما وتدميرهما لتنصري كرامتك...."



"لم أحب أحد كما أحببتك انت....كما لم يهينني أحد كما فعلت انت لو تعلم مقدار الجرح الذي تركته في قلبي......لما تجاسرت على المجئ وإظهار وجهك امامي....!!!"



"ألهذا تبكين؟!.....لأن كبرياءك تأذى؟!........أم لسبب آخر؟!......أني أعرفه...فهو نفس السبب الذي يعذبني وظل يعذبني سنين عديدة منذ آخر مرة أحتوتك حدقتا عيني....أنه الشوق....الحب ......الحسرة......الندم على ضياع لحظات ثمينة من بين أيدينا.....كل تلك المشاعر اجتمعت في دمعة.....أني أعترف بذنبي......فاغفريه لي....ولا تفكري انه فات الآوان على حبنا...فهو لايزال حيا بيننا بل أنه.....على الأقل من جانبي.....ينبض بالحيوية كما لم يكن من قبل....لقد انتصر علينا القدر مرة وفرقنا بعد ان جمعنا.....والآن قد جمعنا.... قد جمعنا من جديد فلن اسمح له أن يفرقنا.....لن ينتصر علينا مجددا أبدا...."



فهمت بالرحيل فأمسك بذراعيها ليواجهها به فقاومته بشدة ثم صرخت وقالت :



"دعني....ماذا تريد؟!...أتريد أن تعطيني صفعة أخرى غير التي أعطيتني إياها من قبل....أتريديني أن أثق بك وانتظرك المرة الثانية حتى تختفي للأبد ويضيع عمري ويشيب قلبي وحزنا وشفقة على نفسي الساذجة....أنا.....لن أترك نفسي بين يديك....لن اجعلك تخدعني مجددا أبدا لن أفعل....."



فازداد تمسكا بها ثم قال :



"قولي أنك تحبيني....قوليها....أريحي فؤادي الذي ظل سنوات طويلة ينتظر تلك اللحظة....."


وظل يقاوم هروبها وظلت هي تقاومه حتى زادت شهقاتها وسالت دموعها وخارت قواها فلم تملك إلا أنم تستسلم لحضنه وعناقه....وكأن نار العذاب ارتمت فوقها المياة وشعرت بسكينة وهدوء يجتاح قلبها وكأنها انتظرت تلك اللحظة....واشتدت ذراعاه حولها وبقيا هكذا فترة طويلة حتى سمعا صوت رصاص فعرفا ان أحدهم يصطاد بالقرب منهما فجرت (سيسل) مسرعة دون أن تنظر الى الوراء وظل (روبرتو) واقفا مكانه دون حركة حتى وصل (اندريه) اليه وهو راكبا جواده وقال:



"أوه.....هل انت بخير يا سيد؟!....هل أصابك مكروه؟!...."



فقال (روبرتو) ساهما :


"لا ياسيدي....أرجو المعذرة فلقد تجاوزت أملاك أسرتك.....سأغادر في الحال...."



ثم ارتدى قبعته واختفى في غضون لحظات ولم يفهم (اندريه) ما كان يدور ولكنه أكد لنفسه أنه رآه سابقا......




كانت السيدة (سوزي) تجلس مع (نيلا) في المطبخ عندما جاء (جوفاني) فرحبا به وظلا يسألانه عن امه ثم قدموا له الطعام وظلا يلاعبانه حتى دخل (ماريوس) يطلب بعض الحلوى وما ان رأى الطبق الذي أمام (جوفاني) حتى جرى نحوه مسرعا وقال :


"ماذا تفعل يا غبي؟!.....هذا لي....."


ثم أخذ الطبق من أمامه ولكن (جوفاني) الذي ظل يأكل بهدوء فقام ماريوس بدفع (جوفاني) من على كرسيه وقال :



"هذا كرسيي.....انت تأخذ طعامي وكرسي....هذا ليس بيتك أذهب الى فيلا البحيرة.....وأطلب من أمك أن تعد لك طعاما...!!!"


فقالت السيدة (سوزي) بغضب :


"ماهذا الكلام السخيف يا سيد (ماريوس) ؟!.....أنه أخوك وهذا بيته دون شك....كم انت متغطرس....أناني..."



فقال :


"بل هو الأناني.....عليك ان تغضبي عليه لا أنا...."



فقال (جوفاني) بهدوء:



"تذكرت أن أمي تريد شراء شئ من القرية......سأذهب الآن لأحضاره لها.......الى اللقاء يا سيدة (سوزي) ...."



وبعدها رحل مسرعا فرمى (ماريوس) الطعام وهم بالرحيل فقال (سوزي) :



"ماذا بك؟!....ألم ترد هذا الطعام؟!.....لما لا تأكله؟!...."


"لم اعد أريده الآن..!!!"



ثم رحل مسرعا فقالت (نيلا) :



"ياله من طفل...."



فقالت (سوزي) :



"إن (ماريوس) حانق وغاضب باستمرار وهو يبكي طوال الوقت وكل متعته هو مشاكسة أخيه الكبير كما ان (جوفاني) صبور جدا معه الى حد غريب أشعر بالأسف عليه (ماريوس) يحاول جعله يظهر دائما المذنب بل أحيانا يدعي عليه ويبكي ليثير اهتمام (الفريدو) به.......تماما مثل أمه التي تحاول ان تفعل أي شئ لتجعل (الفريدو) يهتم بها اكثر من (أنجليتا)....إن الطفل يقلد أمه دائما......يوم أمس عندما كان (الفريدو) يعلمهما الخيل كان فخورا (بجوفاني) لأنه خيال بالفطرة أما (ماريوس) فعندما أحرز تقدما لم يشعر أبيه بذلك فقرر أن يسقط نفسه من على الجواد ليحظى بانتباهه.......المسكين لا يعرف أنه بذلك يثير سخطه اكثر فأكثر........ولكنها غلطة (الفريدو) أيضا......لطالما حذرته أنه يتسبب في كره (ماريوس) له فقال لي (لا تستطيعين أجبار أحد على حب احد آخر) فشعرت بمقدار الفجوة التي في قلبه.... (الفريدو) لم يستطع أن يحب الطفل وأمه لأنه يظن أن هذا رضوخ لوالده ولما فعله به.......أنه يلصق بهما حنقه الشديد على والده......كم أنا حزينة لأجلهم....أتساءل ماذا سيفعلان عندما يكبران هذان الطفلان؟!....."




فقالت (نيلا) :



"إذا بقي الحال هكذا.....أنا واثقة أن نهايتهما ستكون وخيمة....!!!!"




وجاء يوم الخميس وكان متوقعا جدا أن يأتي السيد (فون) في أي وقت حتى أن السيد (فرناندو) تفرغ هذا اليوم وجلس في حجرة الجلوس وكأنه ينتظر قدومه أما (سيسل) فبقيت جالسة في غرفة (فلوريا) وظلت تشعر أن القلق سيقتلها وهي لا تدري ماذا يمكن أن تفعل حتى جاء خادم وقال :



"عفوا يا آنستي......لقد حضر السيد (فون) ......لقد طلبت مني أن أعلمك حالما يصل...أوه عفوا يا آنسة هذة الرسالة طلب مني أن أسلمها لك باليد......تفضلي...."



فامسكت (سيسل) بها وفتحتها فقرأت :








عزيزتي (سيسل) ......

لن أقول حبيبتي ولن أحاول التأثير عليك بالكلام المعسول لكسب قلبك فأنا لست من هذا النوع.....كما لن أقول لك كم أحبك....فانت تعلمين ولطالما علمت...مقدار هذا الحب.....ولكن أنا سأثبت لك بالفعل......هذا الحب....ليكون محسوسا لك....لازال علي أن أنهي بعض الأعمال في روما لذا سافرت اليوم وسوف أعود لكي أجعلك زوجتي.....أعلم أنك لست في وضع يسمح لك بالثقة بكلامي....ولكن عليك أن تثقي بحبي وقلبك فأنا واثق أنه يفهمني أكثر منك....أتوسل أليك.....ألا تفعلي شيئا قد يدمر هذا الحب.....لا تدفني الزهرة الوحيدة في صحراء حياتي....بل أعطها فرصة لتنمو.......ولتنتظريني....
المخلص (روبرتو)






فجلست (سيسل) دون كلمة وعيناها متجمدتان تحاول (فلوريا) أن تحدثها دون جدوى حتى نهضت ونزلت الى حيث يجلس (فون) ووالدها.....دخلت هناك بشجاعة فنهض (فون) وهو يكاد يغمى عليه من فرط الخجل وقال :



"آ....آنسة (سيسل) ......لقد.....لقد كنت اتحدث للتو عنك...."



فقال السيد (فرناندو) :



"السيد (فون) جاء يطلب يدك للزواج.....وكنت سأستدعيك للتو...ما رأيك؟!....أظن أنك موافقة......"


فقالت :



"سيد (فون).....أنا آسفة....في تلك الليلة....لقد أسأت فهم كلامك.....لكن....أنا لست راغبة بالزواج وأرجو ألا تشعر بأي إهانة فليس له علاقة بك شخصيا....أنا آسفة يا أبي...عن أذنكم....!!"


وخرجت من الغرفة.....فجرى (فون) نحوها مسرعا ليمسك ذراعها وقال :



"أنه ذلك الرجل أليس كذلك؟!......في دار الأوبرا....هو السبب...!!!"



فنظرت اليه باندهاش وشعرت أنه ربما أكثر شخص فهمها على وجه الأرض فقالت :



"أنا آسفة حقا يا (فون).....لا استطيع الهرب من قدري بعد الآن..."



فترك ذراعها وقال :



"لن أتدخل في حياتك بعد اليوم ولكن.....سأكون موجودا.....ما إذا غيرت رأيك....أو أردت تغيير قدرك.....!!!!"



ثم رحل مسرعا وبعدها تحملت (سيسل) ثورة والدها و ثورة (الفريدو) كذلك حيث لم يستطيعا ان يفهما ما أرادت فعله بهذا التصرف ولكنها ظلت على عزمها صامتة....منتظرة....وقلبها يطمئنها ان ثقتها هذة المرة في محلها....!!




كانت (أنجليتا) تخيط سترة (لالفريدو) عندما رأت من بعيد (جوفاني) وهو يحمل (ماريوس) على ظهره ويركض به والإثنان يضحكان سويا فاندهشت أنهما تصالحا أخيرا وأصبحا يلعبان سويا وتمنت من كل قلبها لو انهما يجدان طريقا يسيران فيه سويا بدلا من أن يسير كل منهما في طريق بينما شعر (جوفاني) بالتعب فسقط أرضا فقال (ماريوس) بغطرسة :


"ماذا تفعل يا بليد؟!.....أركض بي.....هيا أسرع...."


"لقد تعبت.....لنلعب لعبة أخرى....."


"قلت ان تركض يعني أن تركض...."


"أسمع إذا تصرفت هكذا فلن ألعب معك مجددا.....هاي هل تريد أن نرى من منا الأقوى ؟!..."



فأمسك الطفلان بيدا بعض وظل كل منهما يدفع يد الآخر فتركه (جوفاني) ينتصر عليه فصرخ (ماريوس) :


"لقد فزت!!!!!!.......أنا الأقوى.....وانت الضعيف...!!!!.... (جوفاني) ضعيف!!"



ثم سكت فجأة وقال :


"هل تسمع هذا الصوت؟!...."


وظلا يقتربان سويا من مصدر الصوت حتى وجدا كلبا صغيرا ضعيف ووحيد يشعر بالبرد فأمسك به (جوفاني) وضمه إليه ولفه بسترته وظل يجففه كان واضحا أنه تبلل في البركة وقام الإثنان على ارضاءه وراحته وظلا يلاعبانه حتى هدأ ففرح الإثنان ثم قال (جوفاني) :



"أعتقد أن السماء ستمطر اليوم.....يجب ان نجد له مكانا يبيت فيه....سأجعله يبيت اليوم في بيتي....أنه قريب...."


"ولماذا يجب أن يكون بيتك....بيتي أنا أكبر وأكثر راحة....سيبيت معي...!!"


"قد يغضب السيد (فرناندو) ويرفض بقاءه في البيت...."


"لا.....أنا سآخذه...."


وظل يشده من بين ذراعي (جوفاني) فحاول مقاومته ولكن لما سمع أنين الكلب تركه له حتى لا يتأذي ثم قال :



"ارجوك حافظ عليه....أطلب من السيدة (سوزي) أن تطعمه....لا تنسى ذلك..."




فأخذه (ماريوس) بانتصار ونظر إليه (جوفاني) بحسرة كم تمنى لو يحصل على الكلب ولكنه تذكر قول أبيه وسار بيأس الى البيت حتى أن (أنجيليتا) شعرت أنه حزين يفكر في شئ ما....وما إن جاء الصباح حتى جرى مسرعا الى قصر (كازابيانكا) ....ودخل من الطبخ فقالت السيدة (سوزي) :



"أوه...سيد (جوفاني) ....ماذا أتى بك في هذا الوقت الباكر من الصباح؟!..." "كيف حال الكلب؟!......هل أطعمته؟!..."


"أي كلب؟!......"


"ألم يأتي لك (ماريوس) بكلب مساء أمس وطلب منك أطعامه؟!....."


"كلا....لم يفعل...لم أره منذ الأمس....أظن أنه خلد للنوم مباشرة....ولكن....أنتظر!!!"


جرى (جوفاني) مسرعا ودخل غرفة (ماريوس) فوجده نائم في سريره وهو يربط الكلب بحبل حول رقبته ليصله بيد (ماريوس) حتى لا يهرب....كان (ماريوس) يتقلب طوال الليل ويعذب معه الكلب المسكين لمجرد أنه لا يريده أن يهرب فشعر (جوفاني) بالغضب يتفجر بداخل قلبه وقام بتخليص الكلب من الرباط حول عنقه حتى نبح بضعف.....وظل يهدهده برقة حتى تدحرجت دمعة من عينيه وهو يرى الكلب يئن ونهض (ماريوس) من نومه وقال :



"ماذا....ماذا تفعل أيها السارق؟!...تريد أن تسرقه مني وأنا نائم؟!...أعطيني إياه....."



فدفعه (جوفاني) بغضب شديد فقال (ماريوس) باندهاش :



"لقد دفعتني؟!!..لقد دفعتني....!!!"



فقال (جوفاني) بحنق :



"نعم هذة المرة دفعتك حقا....والآن أذهب للجميع وقل لهم أني دفعتك وأني شرير وأني سرقت الكلب منك فأنا لن أبالي....أنت وغد بلا قلب....لم أعد أبالي بك أو بأفعالك.....لم أعد أحتملك...!!!!!"



ثم غادر وظل (ماريوس) يركض بسرعة خلفه ويحاول أن يوقفه ولكنه دفعه بقوة هذة المرة فظل يصرخ مستغيثا حتى جاءت (فلوريا) مسرعة ورأت المنظر فعانقت طفلها وقالت (لجوفاني):



"ماذا تفعل ؟!....هل هذا الكلب كان مع (ماريوس) ؟!....أعده إليه.....هيا..."



فقال بقسوة :



"لا لن أفعل...حتى لو ضربني أبي......هذا الكلب لي ولن أتركه (لماريوس) أبدا"

فقال (فلوريا) بحنق :
"يالك من طفل وقح عديم التربية....أغرب عن وجهي وأخرج من هذا البيت....حالا....!!!"
فخرج مسرعا وما إن جاء (ألفريدو) حتى حكت له (فلوريا) عن ما حصل ثم قالت في النهاية :
"أسمع عليك أن تقتس من هذا الولد....لقد أذل أبني وأخذ منه ما يحبه....ولكن لا تقل لي أنك لن تصدق (ماريوس)....وستقف الى جانب (جوفاني) من جديد....."
"ساذهب لأعيد الكلب (لماريوس) إذا كان هذا ما تريدينه...."
ثم ذهب فقابل (أنجيليتا) التي قالت :
" (جوفاني) ؟!...أنه يجلس في الحديقة الخلفية يلعب مع كلب صغير على ما يبدو.....ولكنه بدا حزينا....."
فسار (ألفريدو) إليه فوجد (جوفاني) يحدق بالكلب وهو يركض هنا وهناك ووعاء الطعام الى جانبه فارغ فقال :
" (جوفاني)......ماذا تفعل هنا؟!....هل صحيح أنك أخذت هذا الكلب من (ماريوس)؟!.....ألم نتفق معا على ألا تفعل هذا؟!..."
فاستدار له (جوفاني) ووجهه يحمل حزن الكون والدموع تغطيه فقال بلهجة قوية:
"هذا الكلب ليس له.....ولكن يا أبي...لن أتركه له أبدا....حتى لو ضربتني....أفعل ما تريد لتعاقبني.....ولكني أفضل أن أترك هذا الكلب في غابة لوحده على أن أتركه بين يدي (ماريوس)......أنه يعذبه...لأنه يعلم اني أحبه ويعلم أن هذا سيعذبني بالمقابل...لن أترك الكلب له أبدا.....هذا الكلب ملكي.... يمكنه الإحتفاظ بأشيائي بل أن يأخذ منها ما يريد ولكنه لن يأخذ مني هذا الكلب....!!!"
ثم أمسك به بين ذراعيه وظل يبكي فبهت (ألفريدو) وركع الى جانبه يمسح دموعه ويقول :
"إن الرجال الحقيقيون لا يبكون......ألم نتفق على هذا....ألهذة الدرجة أحببت الكلب؟!..."
فأومئ (جوفاني) بالإيجاب فقال له :
"إذن احتفظ به.....وعامله جيدا...!!!"
فأضائت ابتسامة وجه الصبي ونظر الى كلبه بحب وظل يلعب في شعره ويقبله ثم عاد (ألفريدو) الى القصر فوجد (فلوريا) تنتظره فقال لها بهدوء :
"أحضري له كلبا آخر....."
فشعرت (فلوريا) بالظلم والقهر ثم قالت (لماريوس) :
"لا تقلق يا عزيزي....سأشتري لك أغلي وأجمل كلب في إيطاليا كلها...لا تحزن....."

فبكى (ماريوس) وقال
"ولكني لم أرد سوى هذا الكلب....أنا أحبه...."
ونفذت له (فلوريا) كلامها وأحضرت له كلبا جميلا للغاية من فصيلة نادرة وغالية الثمن فظل (ماريوس) يلاعبه في البداية ولكنه شعر أنه على الرغم من كل شئ ليس بقيمة الكلب الصغير البني الذي يملكه أخوه......

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل الثاني عشر

[[ زواج سعيد [[

كان (ألفريدو) يتناول الشاي مع والده و (سيسل) ويتحدثان بأمور الشركات وكانت (سيسل) سارحة تماما في أفكارها حتى أخترقت كلمة من كلمات (ألفريدو) عالمها......فلقد ذكر اسم محبوبها.... (روبرتو) فقالت بذهول :



"هل قلت (روبرتو فلاديمير) للتو؟!....."




فنظر اليها وقال :



"نعم (روبرتو فلاديمير).....أنه قريب (فلوريا).....!!"



"عفوا ماذا كان سبب ذكره في الحديث؟!....."



"كنت أقول لأبي للتو عن اشتراكه معنا في الأعمال....لقد اشترك برأس مال ضخم وهو شخص ذكي للغاية ويعتمد عليه....على الرغم من صغر سنه....."


فقال السيد (فرناندو) :



"هكذا إذن....شخص كهذا عليك أن تتمسك به....سيزيد من ربح شركاتنا.....أني أفضل الشباب الواعي أمثاله...لتضعه في سوق الأسهم..."



فغمر الفرح قلب (سيسل) وشعرت أن الدنيا تفتح لها الباب من جديد فما هي إلا بضعة أيام حتى جاء مدعوا على الغذاء وظل يتقرب من السيد (فرناندو) بخطوات سريعة ويزيد من صداقته (لألفريدو) فلم تشعر (سيسل) بسعادة توازيها سعادة...كان يحدق بها عن بعد......ويحدثها بعينيه ويقول (ها أنا...أفعل كل هذا لأجلك.....لأني أحبك...) وكانت عيناها تجيبانه (وأنا هنا....أنتظر اليوم الذي ستأتي فيه....لتأخذني من هذا العالم الموحش....الى عالمك....الجميل) وما هو إلا شهر واحد حتى طلب من السيد (فرناندو) أن يتزوجها فنظر إليه السيد (فرناندو) ثم قال :



"أتعلم؟!....كل مرة كنت اراك فيها كنت اشعر أني رأيتك سابقا....لقد......أتيت لقصري ذات مرة أليس كذلك؟!....و حدثتني..."




فابتسم (روبرتو) وقال :




"أجل يا سيدي....الواقع لقد كنت يومها تكلمني عن الرجل الحقيقي في نظرك هو الذي يهتم بالعمل الجاد ولا يفني حياته في العلم.....أعترف أن كلماتك غيرت حياتي.....لهذا أعود بالفضل إليك...وأتمنى أن تمنحني موافقتك وبركتك في زواجي من ابنتك (سيسل) "




"أنت تجيد فن الحديث أليس كذلك؟!..... (سيسل) لها رأي غريب في هذا الأمر.....ولا أظن أنها ستوافق....إنها عنيدة بشكل غريب وكأن الزواج يعني إعداما بالمقصلة.....على كل إن لم تصدقني سأستدعيها لتسمعك رأيها بنفسها..."




وما إن حضرت (سيسل) حتى وقف يحدق بها فابتسمت (سيسل) بكل حب العالم وقالت :


"أبي؟!...هل أرسلت في طلبي؟!..."



"هذا الشاب يطلب ان يتزوجك فما هو قولك؟!...."



"أني.....موافقة.....إذا كنت موافقا..."




فاندهش (فرناندو) وظل يدخن غليونه مفكرا وحيته (سيسل) بهدوء ورحلت وبقي (روبرتو) جالسا ووجهه مرتبك يفيض فرحة فقال السيد (فرناندو) أخيرا :




"لست أدري....إذا كانت هناك لعبة ما....أو اتفاق بينكما....ولكني لا أملك إلا أن أوافق!!!"




"شكرا جزيلا يا سيدي....!!!!"




وغادر (روبرتو) من باب قصر (كازابيانكا) ثم وقف لحظة وحدق خلفه الى نافذة محددة يعرفها فرأى حبيبته تحدق به والإبتسامة تعلو وجهها ثم أرسلت له قبلة في الهواء فحياها برفع قبعته لها ثم رحل وهو يشعر أنه أمتلك العالم...




وأخبر (ألفريدو) (أنجيليتا) بهذا وهما جالسان فضحكت (أنجيليتا) وقالت :



"وهكذا انتصر حبهما....!!!!"



فرد (ألفريدو) بذهول :



"ماذا تعنين؟!....."



"لا شئ.....لقد كنت أعلم....كانا متحابان فيما مضى....والآن مخطوبان وسيتزوجان....لقد تأخر هذا لسنوات....ولكنه تحقق...."





"هكذا إذن...كنت أشعر دائما أني أعرفه....يا لإلهي لقد ساعدتهما وأخفيت الأمر عني؟!...."


فعانقته وقالت :



"كم أكون سعيدة عند انتصار الحب.....مثل حبنا تماما...هذة هي السعادة الحقيقية..!!!"



"أجل حبنا انتصر....وسيظل منتصرا دائما........"


وبقي الإثنان يحدقان في نجوم السماء وقلبيهما هانئان سعيدان....






وتزوجت (سيسل) من (روبرتو).....كان حفل زفافهما هو أول حفل حقيقي لأسرة (فان دييجو) كان حفلا ضخما يضم أفضل العائلات وشعرت (سيسل) أنها كالأميرة كانت تنتظر هذة اللحظة منذ زمن بعيد حتى فقدت الأمل في قدومها وهاهي الآن تعيشها حقيقة وهي تمسك بيد (روبرتو) وهو يحدق بها بحب وظل الجميع يقدم لها التهاني حتى دخلت (أنجيليتا) بصحبة (ألفريدو) فحاول الجميع تجاهلها بتهذيب حتى وصلت الى (سيسل) وانحنت لتقبلها وقالت لها:




"اتمنى لك السعادة من كل قلبي....."




ثم مالت على أذنها وقالت :



"لم تستطيعي أن ترضي برجل آخر زوجا لك...لحبك (لروبرتو) هكذا كان حال (ألفريدو) معي....أظن أنك اليوم تفهمين احاسيسه.."



فارتبكت (سيسل) لهذا ثم قالت بعناد :



"هذا لن يغير من نظرتي لك.....ثم شتان الفارق بين حياتي وحياتي....ولكني أتقبل تهانيك!!!!"




فابتسمت لها (أنجيليتا) بشفقة ثم بقيت قليلا في الحفل تراقب (سيسل) وهي تراقص حبيب قلبها فابتسمت واستأذنت (ألفريدو) بأن ترحل وطلبت إليه أن يبقى مع أخته و (فلوريا) ثم أمسكت بيد (جوفاني) ليرحلا لكن (جوفاني) لم يفهم الوضع الى الآن فلم يفهم لما تجاهل الجميع امه ولما شعر أنها ليست في وضع (فلوريا) مع أنها زوجة أبيه كما امه تماما وعندما سألها قالت له :



"ياصغيري...أنا وأبوك تزوجنا لأننا أحببنا بعضنا حبا كبيرا...سواء وافق المجتمع على هذا أم لم يوافق...فهذا قدرنا....فالحب أقوى من كل شئ...وعليك أن تتذكر هذا...."



فقال بعدم استيعاب :



"ولما لا يوافق المجتمع؟!.....وما دخلهم بزواجك بأبي..؟!.."



"يا عزيزي.....ستفهم هذا لا حقا....عندما تكبر والآن حان وقت النوم...."




وظلت صورة أمه - راحلة بعيدا عن القصر لتعود وتجلس في ذلك البيت الصغير نسبيا كمنبوذة- محفورة في ذهن (جوفاني)....صورة آلمته على الرغم من عدم فهمه لمحتواها....ولكنها آلمته بشدة....



وفي تلك الليلة وبعد أن رحل الجميع وأختلى الحبيبان لبعضهما اخيرا حدقا بعيني بعضهما بشوق غالبهما سنين طويلة فغلباه الآن وارتمت (سيسل) بأحضانه كانت تريد أن تشعر به تشعر بذراعيه حولها تحميانها وأحست أن دموعها خانتها فلقد كاد حبه في قلبها يقتلها من داخلها والآن هو معها والى الأبد فأحكم من ذراعيه حولها و أدخل أصابعه بين خصلات شعرها وظل يقبلها بحنان مكان الدموع الباقية من أحزانهما فلن تكون لهما أحزان بعد اليوم ولن يذرع احدهما غرفته ذهابا وإيابا بعذاب يفكر في الآخر فهما معا قلبا وجسدا واحدا....




وما هي إلا شهر واحد وكانت (سيسل) حامل هي الأخرى فشعر (روبرتو) بسعادة غامرة وفرح لأنه سيكون أبا أخيرا وسألته (سيسل) :


"هل تريده أن يكون ولدا أم بنتا؟!..."


"الواقع....أتمنى أن يكون بنتا.....لطالما أحببت البنات..."


"غريب.....ظننتك ستريد ولدا....أما أنا فأريد ولدا....أتمنى ذلك...."


"أريد فتاة لتكون بجمالك ورقتك....ولكن أنا لا تفرق معي....المهم أن أرزق بطفل منك يا عزيزتي...!!!!"


ومرت الشهور سريعا وقامت (سيسل) بإنجاب بنت ولكن الولادة كانت صعبة للغاية فساءت حالتها وأغمي عليها ونزفت كثيرا وجاءت (أنجيليتا) لتقف الى جانبها في تلك المحنة فبقيت معها طوال الليل مع (فلوريا) والسيدة (سوزي) وكذلك (روبرتو) ثم جاء (ألفريدو) في اليوم التالي من المدينة وبارك (لروبرتو) ولأخته لكنها كانت متعبة فنامت طوال الليل ثم سأل (ألفريدو) (روبرتو) :


"والآن يا (روبرتو) لقد اصبحت أبا....ماذا تريد أن تسمي طفلتك؟!..."


فسكت فترة ثم قال :



"لم نفكر أنا و (سيسل) في هذا الأمر...حقا لا اجد اسما مناسبا لها...."


فقالت (فلوريا) :



"فلتسميها (آنا) على أسم والدة (ألفريدو) ....أنه اسم مناسب....."



ثم قالت (أنجيليتا) بهدوء :



"أنني أعرف وردا ذهبي اللون يسمى الكلوديا وهو ورد نادر وساحر...لما لا تسميها (كلوديا) ؟!.."



فلمست في قلبه ذكرى التقاءه مع (سيسل) عندما كان حبهما سرا بينهما كانا يلتقيان عند زهور الكلوديا ففرح بهذا وقال :



"أجل سأسميها (كلوديا)...أنه أجمل اسم يمكن أن اسميه لأبنتي"



وعادت (أنجيليتا) و (ألفريدو) معا الى بيتهم وقابلوا (جوفاني) فقالت له :


"فلتفرح يا عزيزي أصبح لك ابنة عمة.....واسمها (كلوديا) ....."


"هل هي فتاة؟!.......ولكني كنت أريدها صبيا حتى استطيع اللعب معه...."



فقال (ألفريدو) :



"يمكنك ان تلعب معها في كل الأحوال......كما ستكون بثابة أخيها الأكبر الذي يحبها ويحميها......ما رأيك؟!...."



"أريد أن أراها......سأذهب لأراها...."




"لا ليس اليوم.....ولكني سأجعلك تراها في القريب العاجل...."




وفي الصباح التالي تسلل (جوفاني) الى القصر ودخل الى غرفة الطفلة..... كانت الخادمة التي ترعاها غارقة في سبات عميق فتسلل على أطراف أصابعه......واقترب من المهد ثم ألقى نظرة......كانت صغيرة للغاية وناعمة فابتسم وهو يحدق بها....كانت جميلة فعلا فقرب أصبعه من يدها....فالتفت يدها الصغيرة حول أصبعه ولم تفلتها فشعر بالسعادة....ثم شعر أنه في موقف سئ كيف سيخرج من هنا الآن؟!...وحاول أن يفلت يدها لكنه لم يستطع وخاف أن تستيقظ وتبكي وتفضحه فبقي جالسا على هذا الحال لمدة ساعتين دون أن تفلته حتى دخلت (سيسل) عليهما فجأة وعندما رأته غضبت وقالت :



"أيتها الخادمة الخرقاء.....انت نائمة هكذا تاركة طفلتي دون رعاية......وانت كيف تتجرأ على الإقتراب من طفلتي....أخرج حالا ولا تقترب منها مجددا "



فافلت يده بسرعة فاستيقظت الطفلة وظلت تبكي ولكنه استسلم وخرج واستغرب لما يعامله الجميع وكأنه مرض إذا اقترب من أحد فسوف يعديه.....كان حزينا لأن الطفلة تمضي معظم وقتها في القصر مع (ماريوس)....بينما هو غير مسموح له أن يراها ويلاعبها فهذا كان يشعره كم هو منبوذ...كان في الصباح يذهب الى المدرسة في المدينة فلم يكن الفتيان يرحبون بزيارته لمنازلهم قائلين أن أمهاتهم لن توافق فكان هذا يحزنه.....أما (كلوديا) فكانت تنمو بسرعة كبيرة وكانت طفلة ودودة وحبوبة لأقصى حد فحتى جدها (فرناندو) الذي لا يطيق الأطفال كان لا يمانع بوجدودها بالغرفة وكانت دائما تحبو لتصل الى الكرسي الذي يجلس عليه فتظل تلعب في حذاءه وأحيانا تدخل رأسها الصغير في فتحة رجل بنطاله فكان يغضب لها في البداية....ولكنها لم تكف عن احتكاكها به ورفضها لأي أحد يريد حملها بعيدا عنه....كانت متعلقة بجدها بشدة مما أثار فضول الجميع وأيقظ بعض الشاعر في قلب السيد (فرناندو) ......






كان (جوفاني) يقابلها في أحيان قليلة وذات مرة تركت (سيسل) طفلتها مع (ماريوس) الذي رأى ضفدعا في الحديقة وظل يركض وراءه ليمسك به وكان (جوفاني) يلعب وحيدا في منطقة بعيدة فسمع صوت الطفلة وهي تبكي لأنها وحيدة فاقترب منها وجلس الى جانبها لكنها ارتمت في حضنه وظلت تقول :



"أمي......أمي..."




فرد (جوفاني) وقد شعر بالخجل :



"أنا؟!....أنا لست امك يا (كلوديا)....ألا تستطيعين التفريق بين الأشخاص؟!....اسمعى أنا اسمي (جوفاني) .... (جوفاني) !!!.."



وظل يكرر الأسم أمامها حتى قالت :



"جو........ني..... جوني....!!!"




"لا لست (جوني) ..... (جوفاني) ....لقد نسيتي حرفين في الوسط.... (جوفاني) !!"



" (جوني) ....!!!"



وظلت تردد اسمه بفرح ثم ضحكت وقبلته على خده فنظر اليها باستغراب ثم استسلم وقال : "حسنا فليكن (جوني) ..... كما تريدين...."



ولم يرها كثيرا بعد هذا الموقف.....لكن الغريب أنها لم تنسه ولم تنسى أنها اسمته (جوني) .... حتى بعد أن كبرت وأصبح عمرها خمس سنوات.....كانت تراقبه وهو يركب الخيل ويركض به وهي تلعب مع (ماريوس) ....كانت تلاحظ انه يختلف عن كل الأولاد الذين تلعب معهم....كان يعاملها بحنان شديد وفي يوم من الأيام ذهبت الى فيلا البحيرة وظلت تحوم حول المنزل حتى رأته خارجا فجرت نحوه وقالت :




" (جوني) .... (جوني) انتظر!!!!"




فالتفت لها بدهشة وقال :



"ماذا تفعلين وكيف اتيت الى هنا؟!.....وفي مثل هذا الوقت من الليل"




"أريد أن ألعب معك....لقد سئمت (ماريوس) .....كما اني لم العب معك منذ زمن.....هل نلعب الإستغماية؟!...."



"لا ليس في هذا الوقت.....عودي الى بيتك....وسآتي غدا لألعب معك...."




"لا لا أريد...اسمع....سأبيت الليلة هنا ولن يلحظ احد أي شئ...فمن المفترض أن اكون نائمة الآن...هيا....."



فلم يقتنع (جوفاني) بهذة الفكرة ولكنه رضخ لها وجلسا في غرفته بعد ان قدمت لها (أنجيليتا) كترحيب بها بعض الشيكولاتة ونظرت (كلوديا) حولها في غرفة (جوفاني) فوجدت أوراق وأقلام رصاص وبعض الرسومات فقالت :


"ماذا كنت تفعل؟!..."



"كنت أرسم قليلا ولكني لست ماهرا في الرسم.... والأستاذ دائما يوبخني.....أظن اني لا املك الموهبة على أية حال..."



"لما لا تعلمني قليلا....أنا لم اجرب أن أرسم بنفسي من قبل..."



فاحضر لها الأقلام وظل يرسم امامها ويخبرها عن القواعد التي كان يقولها له الأستاذ فتعلمت في وقت قصير....وبدى رسمها جميلا فقال :




"يبدو أنك ستكونين ماهرة في الرسم....عليك أن تتعلميه....أنه يناسبك.."



فضحكت بسعادة ثم عانقته وأعطته قبلة على خده كان يستقبلها دائما بسعادة ولكنه هذة المرة أحمر خجلا ودفعها لتبتعد عنه ثم قال :



"لا تفعلي هذا....لست صغيرة.....هذا عيب.!!!!"



"ولكن لماذا؟!....أنا أحبك.....وأحب أن أقبلك...."



فاستدار والحرج يملأه وهو يقول :



"لا تقولي هذا الكلام لأي رجل....هذا خطأ...ألا تفهمين؟!.."




قالت وهي تضحك :




"ولكنك لست رجلا!!!!!.....أني لا أرى شاربا فوق فمك مثل أبي!!!"





فقال (جوفاني) بغضب :



"ماذا؟!....لا تقولي هذا الكلام...لا تضحكي علي..!!"



"حسنا لن أقبلك إن كان هذا يضايقك ولكن ألن تقبلني انت على الأقل في خدي؟!..."



"لا....أنه نفس الموقف...."



فاقتربت منه وقالت :



"وماذا عن جبيني؟!....ألن تقبل جبيني كما تفعل امي قبل النوم؟!...هل هذا عيب أيضا؟!.."



فظل معطيا إياها ظهره ورد :



"نعم......"



فسارت محبطة وقالت بأسى :



"إذن تصبح على خير....ولو اني لا اعرف كيف سأنام..!!"




ونزلت دمعتين على خدها فرآهما (جوفاني) وشعر بالأسى ثم قال :




"أظن.....أظن أن قبلة الجبين لا بأس بها....."




فتلاشى حزنها وضحكت بفرح وجرت نحوه وقدمت له جبينها وهي سعيدة فاقترب وقبلها قائلا :



"تصبحين على خير يا (كلو)...."




"تصبح على خير يا (جوني) ...."




وهكذا ظل (جوني) يمثل في قلب (كلوديا) مركزا كبيرا فعلى الرغم انها تلعب معظم الوقت مع (ماريوس) إلا أنها كانت تقدر (جوفاني) للغاية وتنفذ أي شئ يقوله بالحرف الواحد وتحب أن تلعب معه ودائما تحوم حوله أما (ماريوس) فكان يخنقها بأنانيته وحبه الدائم للعب دور القائد وهي الخادمة كانت تشعر أن (جوفاني) أكثر حنية عليها منه كما كان سبب حبها للرسم وممارستها الدائمة له......





كان (أندريه) يسير بجواده في الحديقة وظل يقترب من فيلا البحيرة شيئا فشيئا حتى سمع صوت (أنجيليتا) وهي تغني فابتسم بسعادة واقترب من الباب فرأته وقامت بتحيته :



"أهلا يا (أندريه).....تعال تفضل...."



"صباح الخير.....هل (ألفريدو) هنا؟!...."



"غادر في الصباح الباكر لميلانو ....ألا يفترض أن تكونا معا؟!..."



"آه نعم....لكني اليوم أخذت أجازة...من حقي أليس كذلك؟!...."



ثم نهض عن الجواد وجلس الى جانبها فوجدها قد أنهت للتو حياكة سترة بنفسها فدهش وقال :



"مدهش!!!....إنها جميلة للغاية....منذ متى بدأت حياكتها؟!..."





"منذ حوالي ستة أشهر...أنا أشعر بالملل أحيانا وخصوصا بعد ان دخل (جوفاني) المدرسة...أتمنى أن يكون مقاسها مناسبا....أظن أنكما في نفس مقاس (ألفريدو) ....لما لا تجربها؟!......لأتأكد أنها تناسبه...!!"




فشعر (أندريه) بالخجل ثم ارتداها وكانت تناسبه تماما فقال :



"أنها رائعة....أني أحسد (ألفريدو) ..حقا.."



"ليس لك الحق.....لقد أثرت المتاعب لي ولأمك لنجد لك عروس مناسبة طوال تلك السنين.... كنت ترافق كل واحدة فترة ثم تتركها في الحال مدعيا انها لا تناسبك....حتى الفتاة الوحيدة التي قمت بخطبتها رسميا لم يمر على الخطبة شهران حتى افترقتما...بدأت أقتنع ان الخطأ فيك انت"




فابتسم (أندريه) وقال :




"أنا لا أؤمن بالزواج.....أريد ان اعيش حرا بلا التزمات....ثم من سيعمل في الشركة غيري ويريح (ألفريدو) إذا تزوجت؟!..."





فضحكت (أنجيليتا) وبعدها ساد الصمت قليلا فقال (أندريه) :




" (أنجيليتا) ....هل انت سعيدة؟!...."




"أجل يا (أندريه) أنا كذلك....لقد تزوجت الشخص الذي احب...وعشت بعيدا عن المشاكل كما أنجبت طفلا وهو كل حياتي....أني احمد ربي في كل لحظة على ما أنا فيه...ولكن اتعلم؟!. أني خائفة.....خائفة أن يتغير كل شئ...فلا شئ يبقى على حال...وأخاف ان يتغير حالنا... ولا أخفيك سرا خائفة من السيد (فرناندو) فلقد بقى صامتا طويلا ولا اعتقد أنه سيتركنا هكذا للأبد..أخاف على (جوفاني) كثيرا وأتساءل ماذا سيحدث له في المستقبل...."




"لا تخافي ابدا....فمهما حدث ومهما تخلى عنك الناس ولم تجدي احدا يساعدك سأكون موجودا دائما ...... الى جانبك....وتأكدي أنه مهما تغير حال الناس لن أتغير وسأظل في نفس موضعي بالنسبة لك.."




فتأثرت لكلامه ثم ابتسمت وقالت :



"الى ان يحين زواجك....."




"لا....عندما سأتزوج أريد أن أتزوج فتاة تشبهك.....أعني في مثل خصالك...وأعتقد لهذا السبب أني لن اتزوج!!!!"




فابتسمت (أنجيليتا) وقالت :



"كفاك مزاحا وتملقا...!!!"



وظلت تضحك لكن (أندريه) قال في ذهنه أنه لم يكن يمزح مطلقا فقال بصوت عالي :



"حسنا لقد كنت امر عليك فحسب والآن سأذهب....!!!"





فقالت :



"أيها السارق......لن أدعك تذهب....كنت تلهيني حتى تستطيع الهروب بالسترة أليس كذلك؟!...."



فانتبه انه لا يزال يرتديها فخلعها وقال محرجا :




"آسف...لم اقصد ...الى اللقاء (أنجيليتا) بلغي تحياتي (لألفريدو) عندما يعود..."




ورحل.....لم يعد قلبه يشعر بالألم كلما رآها فلقد اعتاد خلال تلك السنوات كيف يعيش حولها دون ان يتأذى قلبه حتى أصبحت تلك الحياة كإدمان له فهو يقابلها يحدثهامرتان على الأقل أسبوعيا ويلاعب طفلها وكأنه أبنه فلقد رضى بتلك الحياة ولم يعد يبالي أو يريد حياة أخرى وانتظرت (أنجيليتا) زوجها حتى تفاجأه بالسترة.....ظلت تنتظره ساعات وساعات بعد نوم (جوفاني)......ظلت هكذا حتى قبل شروق الشمس بساعة حيث طغى النوم أجفانها ونامت في مقعدها ثم جاء (ألفريدو) ونظر إليها وهي نائمة هكذا فشعر أنها رائعة الجمال تحت ضوء القمر فخلع معطفه وقبعته وجثى على الأرض بالقرب منها يحدق بها واقترب وطبع قبلة على جبينها ففتحت عينيها وقالت :



" (ألفريدو) ....هل أتيت؟!...."



"أنا آسف إذا كنت أيقظتك....لما بقيت منتظرة هنا؟!....سوف تصابين بالبرد وانت تعلمين أني سأتأخر....."



فابتسمت وقالت :


"أردت أن أريك أني أنهيت السترة...!!!"



وأحضرتها فابتسم بفرح وقال :




"لقد أنهيتها أخيرا....إنها جميلة للغاية...إنها أروع هدية حصلت عليها!!!!!"



فساعدته في ارتدائها وكانت مناسبة تماما له فظل ينظر لها بسعادة ويقول :



"إنها رائعة....رائعة......سوف أرتديها دائما....وأثير حقد أصدقائي!!!!"




وعانقها بقوة فضحكت ورفعها ودار بها دورتين وهو يسمع ضحكاتها وما إن أنزلها حتى قالت :




"ياإلهي (جوفاني) نائم.....سوف نيقظه هكذا.....أنا سعيدة أنها أعجبتك...."




"أي شئ منك يعجبني....."




وظلا ينظران لبعضهما دون كلمات.....فالكلمات لن توصف حبهما أو سعادتهما وهناءهما واتجه الإثنان للنوم مطئنان وبدأت أشعة الشمس تغزو الكون وتمر الساعات سريعا لكن (ألفريدو) رأى نفسه تلك الليلة يسير في غابة ببطء ودون اكتراث ظل يسير ويسير حتى وجد أمامه نهاية منحدر..لشدة انحداره لم يستطع أن يتبين قاعه ومع هذا خطا خطوتين ليترك نفسه يسقط هناك ويشعر بألم خانق ثم تأتي له صورة زوجته وهي تصرخ وتتألم وصورة ابنه يبكي وهما الإثنان يتعذبان من بعده ويموتان في صحراء رهيبة من الجوع فظل يصرخ ويقول لا لا ثم استيقظ من الحلم صارخا بتلك الكلمة فنهضت (أنجيليتا) فزعة وحاولت أن تهدئه قائلة :




"لا بأس يا عزيزي......لابد أنه كابوس.....إنساه وأهدأ...."





فظل يلهث وهو يحدق حوله ثم ثبت نظره عليها وهدأ تدريجيا ثم عانقها بقوة وقال :



"انت معي.....أنت وأنا لن نفترق...."




ومنذ ذلك اليوم....أصبح الحلم يتكرر كل ليلة فجعل الأرق يسيطر على عالمه ولم يدري ماسبب كل هذا ولما هذا الحلم بالذات وجعله هذا يفكر مليا فيما يعينه الحلم.....لكن اكثر شئ كان يمزقه في هذا الحلم هو رؤية (أنجيليتا) وابنه يموتان من بعده حزنا وكمدا وطرأت له فكرة غريبة... ماذا لو أن شيئا أصابه؟.....ماذا يمكن أن يحصل لهما؟! وماذا سيفعل والده معهما؟! ماذا عن (فلوريا) وابنه (ماريوس) ؟!....لابد وأن تحل كارثة....فكر ان احد ابناءه دون شك سيكون وريث أسرة (فان دييجو) وحدثه حاله أن والده لن يرضى أبدا أن يكون (جوفاني) هو الوريث وبالتالي سيفعل أي ش ليحول دون هذا مع أنه ابنه الأكبر والوريث الشرعي لممتلكات الأسرة ومنذ ذلك الحين لم يغمض له جفن وظل هذا الأمر هاجسه الوحيد حيث أصبح يجلس الليالي ساهرا ولاحظت (أنجيليتا) و (فلوريا) تغيره ولكن أي منهما لم يحاول سؤاله عن السبب ورجحت (أنجيليتا) أنها ولابد مشكلة في العمل ولكنها عندما سألت (أندريه) قال :




"لا ليس هناك أي مشاكل ......فالعمل يسير على أفضل ما يرام..."



"لكن (ألفريدو) متغير هذة الأيام......ألا تعلم السبب؟!...."




"لا......ربما لأن (روبرتو) قرر أخيرا أن ينفصل بشركاته عن مجموعتنا ولكنها لم تشكل مشكلة بالنسبة له.....ولم يبدو عليه أنه تضايق مطلقا....."



"ارجوك يا (أندريه) أسأله وحاول أن تعرف السبب....أنه لا يخفي علي شيئا إلا إذا كان خطيرا ولابد أنه سيخبرك به......فأنت صديقه الوحيد...."



"أمرك يا سيدتي ....سأفعل ما تطلبين....سوف لن اتركه يغادر مكتبي دون أن اجعل الكلام كله يخرج من فمه......وسأعود لأخبرك بكل ما توصلت إليه أبحاثي...!!!"




فضحكت (أنجيليتا) وضحك معها (أندريه) ثم غادر الفيلا وذهب مباشرة الى مكتب (ألفريدو) في ميلانو...وما إن جلس حتى إنهال عليه بالأسئلة المكثفة ولكن (ألفريدو) لم يعطه إجابة واضحة وشعر أنه لن يستفيد من هذة الجلسة من استجوابه فقرر انتظار فرصة أفضل وظلا صامتان فترة من الزمن ثم قال (ألفريدو) هامسا :



" (أندريه) ....أريد ان أعطيك شيئا..."




فنظر (أندريه) اليه وهو ينهض ويحضر مغلف من احد الأدراج...كام المغلف كبيرا يحوي الكثير من الأوراق لكنه كان مغلقا وظل (ألفريدو) ممسكا به فترة ثم اعطاه (لأندريه) وقال:




"اسمعني يا (أندريه) ......لقد فكرت طويلا....لن اجد غيرك أئتمنه عليه....هذا المغلف أريدك أن تحتفظ به في بيتك ولا تفتحه ولا تخبر أحدا أبدا بوجود معك....وأرجو ألا تفتحه لتعرف محتواه.....ولكن ابقه معك حتى يحين الوقت...."




فاندهش (أندريه) بشدة وقال :



"أي وقت تقصد؟!....."




فاكتسى الأسى والقلق ملامح (ألفريدو) ثم قال :




"هذا المغلف يخص ابني (جوفاني)...أريد منك أن تحتفظ به ولا تعلم أحدا بوجوده حتى هو شخصيا وعندما يبلغ الخامسة والعشرون فالتعطه له وقتها....."




فزاد كلامه من حيرة (أندريه) وقال :




"لكن.....لما لا تعطه إياه بنفسك؟!.....كما أن (جوفاني) يبلغ من العمر أحد عشر عاما الآن وهو طفل صغير.....ماذا سيكون في هذا الملف يخصه؟!...."





"أرجوك يا (أندريه) لا تسأل....كل ما أريده منك أن تحفظ هذا السر وهذة الأمانة عندك..."



فسكت (أندريه) مذعنا وأمسك بالمغلف معلنا موافقته وشرد (ألفريدو) من جديد ونظر فجأة الى (أندريه) وقال :



" (أندريه) ....أريد أن أطلب اليك طلبا آخر........أرجوك....إذا حصل لي شئ....فعليك ان تهتم (بأنجيليتا) و (جوفاني) انت الوحيد الذي سأطمئن عليه وهما معك... أريدك أن تهتم بهم في غيابي....أرجوك...."



"إنك فعلا غريب هذة الأيام يا (ألفريدو)....لم يكن قلق (أنجيليتا) عليك من فراغ"



" (أنجيليتا) ؟!....هل هي التي أخبرتك أن تسألني عن مشكلتي.؟!....دائما تحس بي دون أن اخبرها أي شئ....فهي توأم روحي....ولكن أرجوك عدني يا (أندريه)...ارجوك عدني.."



فقال (أندريه) بجدية :


"أسمع يا (ألفريدو)...سواء أوصيتني أم لم تفعل....فأنا لن أتوقف لحظة عن الإهتمام (بأنجيليتا).....و (جوفاني) أيضا فهما غاليان عندي.....أكثر مما هما لديك....ومع هذا أعدك أني لن أتركهما لحظة واحدة..."



فابتسم له (ألفريدو) وقال :





"أتعلم يا (أندريه)؟!...أني اشعر براحة كبير الآن فعلا....أشكرك يا (أندريه) ..."

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل الثالث عشر

[[ الضياع [[


دخل (ماريوس) على (كلوديا) وهي ترسم باقة من الورود فقال :




"هاي....لما تجلسين ساعات ترسمين هذة الأشياء التافهة ولا تلعبين معي؟!...دعك من هذا والعبي معي.....هيا!!!!....لما لا نلعب الإستغماية؟!..."



"لا فأنت تضربني كثيرا إذا أمسكت بك وترفض أن تلعب دور الذي يبحث...."
"وماذا عن الكرة؟!....."
"أنا لا أحب هذة اللعبة أبدا...."
"وماذا يهم؟!.....إلعبيها لتلعبي معي..."
"لما لا ترسم معي انت....وهكذا سنكون سويا..."
"أف أنا أكره الرسم.....أنه ممل وتافه.."
"في هذة الحالة العب وحدك بعد أن انهي هذة الرسمة سأذهب لأريها (لجوني) فهو يحب الرسم.....ويحب ألعابي جميعا...."



"لا إياك ان تفعلي......سوف......سوف أرسم معك إذن...."




وجلس ليبدأ الرسم فعلا فضحكت (كلوديا) بانتصار كانت تعلم أن تلك هي نقطة ضعف (ماريوس) فهو يفضل الموت على أن تفضل (جوفاني) عنه في اللعب ولكن مالبث أن قذف بالقلم بعيدا وقطع الورقة وقال :



"أنا أكره هذا.....!!!!!"




فسكتت قليلا وقالت :




"اسمع سوف أرسمك انت.....لما لا تجلس هناك لأرسمك؟!..."





فبدا (ماريوس) سعيدا بتلك الفكرة وجلس بتعاظم على الكرسي الخشبي وشرعت هي في رسمه ولكنه كان دائم الحركة وفي النهاية صرخت قائلة :




"إذا تحركت ثانية فلن اكمل رسمك .....أتفهم؟!..."




ولكنه ادار رأسه بسرعة وقام بحركة بوجهه لإضحاكها فنهضت وضربته وقامت بإخراجه من الغرفة.....فظل يضحك هازئا وقال من خلف الباب :



"اعترفي (كلوديا) أنت لا تجيدين الرسم ولهذا تتذرعين بأي حجة...من الأفضل لك أن تتركي الرسم فهو لا يناسبك...أنت فاشلة فيه"




فسالت دموعها وشعرت بالحسرة وقامت برمي صورة (ماريوس) في سلة المهملات بغيظ ثم فكرت قليلا....وأسرعت إلى (جوفاني) وعندما دخلت غرفته كان يدرس حينها فطرقت الباب لكنه لم يسمعها فدخلت دون ان يفطن لوجودها وظلت تراقبه وهو يدرس وتنفسه منتظم ولكنها عطست فجأة فذهل (جوفاني) لوجودها وقال :



" (كلوديا) ؟!.....لقد أفزعتني.....منذ متى وانت هنا؟!.....ماذا تفعلين؟!..."



"أنا آسفة يا (جوني).....طرقت الباب ولم تسمعني....."




"إذن لما تقفين هناك؟!....أجلسي...."




ثم جلس فظل يراقبها (جوفاني) ثم قال :



"مابك؟!.....هل أحزنك شئ؟!...."



فحكت له (كلوديا) كل القصة ثم قالت في النهاية باكية :



"هل أنا فاشلة في الرسم حقا يا (جوني) ؟!..."




"آه ذلك الوغد.....لا تصدقيه.....بل ستصبحين فنانة ذات يوم أنا واثق....اسمعي لا تهتمي به وابقي هنا يمكنك أن ترسمي ما تشائين وأنا سأدرس إلى جانبك حسنا؟!.."



فظلت تحدق في عينيه ثم قالت :




"كم هي جميلة عيناك.....تشبه الكريستال تماما...أتمنى لو استطيع رسمهما...كما هما....."



فقال (جوفاني) بلهفة :



"إنها فكرة جميلة....لما لا ترسميني وأنا أدرس ولن أتحرك حينها....ما رأيك؟!....وإذا نجحت سوف أعطيك الساعة التي أعلقها في جيب سترتي...."




"أتعني تلك التي أعطاك إياها خالي (ألفريدو) ؟!...هذا رائع....هيا أجلس ولا تتحرك وسوف أبذل جهدي...."




وبدأت (كلوديا) ترسمه.....كانت دائما تتفحص ملامحه بعين رسام حتى سهل عليها رسمه ولكنها تركت حدقتا عينيه الى النهاية وبعد أن أنهت وجهه وكتفيه أعادت رسم عينيه أكثر من مرة ولكنها لم تستطع أن تحول بريق عينيه الى خطوط مرئية بقلمها الرصاص الصغير وجعلت تلك المحاولة هي الأخيرة ثم نهضت وأعطت (لجوني) اللوحة فأعجبته للغاية وقال :



"إنها فعلا جميلة.....سوف أحتفظ بها....!!!"




"لا إنها ملكي....سوف آخذها معي.....والآن ألن تعطيني الساعة؟!..."




فأخذها من سترته وفك سلسلتها وأعطاها إياها مبتسما وقال :





"تستحقينها عن جدارة!!!!!"





وظلا يضحكان سويا.....ضحكات بريئة....




أنهى (ألفريدو) أعماله في المكتب وقال (لأندريه) :





"أرجو أن تكمل انت ما تبقى....سأعود الى (كازابيانكا) اليوم في قطار الساعة الخامسة....."




"جيد وأنا سأعود بعد أربعة أيام....وسآخذ بعدها إجازة لقد تعبت أيها المدير!!!!"




"لا عليك.....الإجازة مقبولة....ولكن بعد ان تنهي كل العمليات..."



"أمرك يا سيدي.....وداعا....!!!"




قرر (ألفريدو) أن يقضي هذة الأيام القادمة كلها مع عائلته وطلبت إليه (فلوريا) أن يبقى الليلة معها فأذعن لطلبها وظلت تحكي له عن بعض الأفراد من أسرات مختلفة....هذا تزوج, وهذا تطلق وهذة أصبحت عشيقة فلان وهذا سأل عنك فقال (ألفريدو) بضجر :




"ألا تملين من هذة الأحاديث أبدا؟!....ما يهمك من هولاء....أنك تكثرين من حضور الحفلات هذة الأيام مع والدتك (ساندرا) ....لم اكن أحب ان يعتاد (ماريوس) على مثل هذة الأشياء من صغره هكذا..."





"أوه يا (ألفريدو).....انت دائم الشكوى....وخصوصا مني ومن حياتي ومن تربيتي (لماريوس).......لا تنسى أنك تربيت هكذا أيضا وهذا هو أصلك وحياتنا جميعا...."




"إن أمي لم تكن من محبي الحفلات الراقصة وحفلات النميمة التي يحضرها من لا هم لهم سوى تشويه سمعة بعض الناس....."




"آه أصبح هذا الأمر يؤلمك.....فهو يمسك ويمس حبيبة قلبك (أنجيليتا) "




فنظر إليها نظرة نارية وقال :



"كيف تقولين هذا؟!.....أتظنين ان هذا هو السبب؟!.. هل تظنينأني اخجل من كون (أنجيليتا) زوجتي؟!.."



"ولكنك أصبحت لا تحضر تلك الحفلات مطلقا وتدهورت علاقتك الاجتماعية منذ أنجبت (جوفاني) .....صرت اذهب وحدي والجميع يتحدث عني وإذا كنت في موقف حرج تأتي (سيسل) معي لتساعدني....."



"أسمعي....لا تدخلي في حياتي يا (فلوريا) ......أنا ذاهب..."




ثم خرج من غرفتها ورأى (ماريوس) يلعب مع (كلوديا) فنظر إليها طويلا وابتسم ثم رحل..أخذ حصانا كان نادرا ما يركبه...كان هذا الحصان هو الحصان (روبن) ما زال شديد الحساسية وكثيرا ما يهتاج ولكنه امتطاه ليستعيد الأيام القديمة....ظل يسير بين الأشجار ويحدق في كل ما هو حوله ويفكر.....يفكر في السنين الماضية وما آلت إليه حياته وفي جلساته مع والده التي كان يقوم فيها (فرناندو) بتقريعه لزواجه من (أنجيليتا) في أي فرصة تسنح له لكي ينتقد هذا الزواج وتذكر كيف طلب إليه أن يجعل (ماريوس) يدخل جامعة إدارة الأعمال في المستقبل ليتولى الشركات من بعده كما فعل هو في (ألفريدو) نفسه وكأنه يريد أن يقول له لا تفكر أني سأترك (جوفاني) يحلم بامتلاك أي شئ فشعر بحزن يعتصر قلبه وتمنى في قرارة نفسه لو أن (ماريوس) لم يولد لما أصبح (جوفاني) في هذا الوضع ولوافق السيد (فرناندو) مرغما على وراثة (جوفاني) له وإلا انتهى اسم العائلة وظل في أفكاره هذة حتى وصل الى فيلا البحيرة فوجد (جوفاني) يجلس بسكون وهو يفكر فناداه (ألفريدو) :




"هاي (جوفاني) ......تعال..!!!!!"



"أبي؟!...الي أين انت ذاهب؟!..."



"أني آخذ جولة في أراضينا وقد أصل الى أراضي آل (ديمتريوس) .....هل تذهب معي؟!" ففرح الصبي وقال :



"بكل سرور....سأخبر أمي....."




وذهب لإخبارها فخرجت وقالت :




" (ألفريدو) حبيبي .....لا تتأخرا...سأعد لكما وجبة رائعة لنأكلها سويا نحن الثلاثة..."




"لا عليك حبيبتي....سوف لن نتأخر....انتبهي لنفسك..."




وأرسل لها قبلة في الهواء ثم رفع (جوفاني) معه على الحصان وركض به....كان الحصان يركض بسرعة كبيرة فقال (جوفاني) :



"أبي أنك عادة لا تركب هذا الحصان...لما فعلت اليوم؟!...."




"آه جاءت لي الرغبة بالمغامرة...ألا ترى كم هو سريع...أنه ضخم وقوي للغاية..."




وظلا يمرحان في المروج هنا وهناك حتى نام (جوفاني) بين ذراعي أبيه وهو يركض بالحصان....كان (ألفريدو) يشعر بسعادة خارقة وهو يحمل أبنه هكذا وصمم في قرارة نفسه أن يظل يحميه هكذا مدى الحياة ويحمي اسمه وشرفه ويوما ما سوف يعترف به (فرناندو) حفيدا له ثم رأى على بعد حديقة أزهار الكلوديا التي في أملاك عائلة (ديمتريوس) فقرر أن يقطف (لأنجيليتا) منها فأمر حصانه ان يسرع....ولكن في لحظة خاطفة....إنزلقت قدما الحصان على النبات الرطب ببداية نزول الجليد وأصدر الحصان صوتا عاليا وهو يهوي... بينما سقط (جوفاني) من بين ذراعي (ألفريدو) فترك اللجام وأمسك به أبوه ليسقطا معا الى الأرض وأصطدم جسد (ألفريدو) بالأرض ليحمي ابنه من الإصطدام بها بينما شعر بشئ صلب يصطدم برأسه وما لبثت أن أسودت الدنيا في عينيه...استيقظ (جوفاني) من شدة الفزع وهو يسقط وشعر بأبيه يجمد ولا يتحرك فنهض مسرعا ووجد أن رأس أباه اصطدمت بصخرة كبيرة وسالت منها الدماء حتى غطت الأرض من حوله !!!! فصرخ بهلع وظل ينادي أباه ويحاول ان يحركه وينهضه ولا توجد استجابة وبدأت السماء تمطر ثلجا..... فنظر (جوفاني) حوله بعجز وظل يصرخ مناديا أي شخص ليساعده دون جدوى فأسرع راكضا ليستدعي أحد.....وفي تلك اللحظة فتح (ألفريدو) عينيه لينظر حوله فرأى (جوفاني) يركض مبتعدا عنه فحاول مناداته ولم يستطع ورأى تلك الكرات البيضاء تلمس وجهه ونظر في الجهة الأخرى كانت الورود الذهبية قريبة جدا منه....مد يده وتمنى لو أنه يستطيع أن يمسك بها لآخر مرة .....لأنها رمز حبه...ولكن ما لبثت يده ان هوت....وفارق الحياة...!!!!!







بقيت (أنجيليتا) جالسة بجانب الطعام الذي حضرته منتظرة أن يأتيا ليأكلا معها ولكنهما تأخرا وفي تلك اللحظة سمعت صوت (جوفاني) وهو يصرخ مناديا إياها من بعيد فانقبض قلبها وخرجت ومن منظره المزري عرفت كل شئ وجرت لتحضر جوادا آخر وأخذت أبنها معها وأسرعا الى حيث بقي (ألفريدو) ......





عندما أصبح على مرمى بصرها أوقفت الحصان ويالسخرية جاءت في ذاكرتها حادثة (ألفريدو) عندما رأته ساقطا عن جواده وظنته ميتا وما إن بدأت بالبكاء حتى نهض بحيوية ليمازحها وتمنت من كل قلبها لو انه يفعل هذا الآن....اقتربت منه وأمسكت وجهه بين كفيها .......كان قد فارق الحياة فعلا هذة المرة ودماءه تسيل في كل مكان...لم تفكر في مناداته ودموعها تتفجر أنهارا وأبنها إلى جانبها منهار بل عانقته بين ذراعيها وظلت تقبله وتقبل وجهه والألم يخنقها يعصر فؤادها بل أنه حتى أصاب أحبالها الصوتية فلم تعد قادرة على قول أي شئ ولا حتى الصراخ وبقيت قابعة في صدره لتقنع نفسها أنه مازال موجودا يحميها بذراعيه ولكن هذة المرة لم تسمع نبضات قلبه ولا صوت ضحكاته العذبة بل كانت ذراعيه باردتان من حولها وفي تلك اللحظة استوعبت أنه مات فعلا فصرخت إلى السماء دون ان تصدر إلا صوتا ضئيلا متحشرجا ونظرت حولها وهي لازالت تصرخ فلم تجد سوى (روبن) الجواد الذي كان يركبه فنظرت إليه بحقد ورأت بندقية الصيد الخاصة (بألفريدو) معلقة على الحصان فأمسكت بها وصوبتها ناحيته وقالت بصوت مبحوح :




"أنت قتلته!!!!!!......سوف تموت!!!!!!"





ولكن (جوفاني) ركض إليها وهو يبكي وقال :





"لا يا أمي....لقد مات ليحميني أنا....أنا من يجب أن تقتليه....اقتليني انا!!!!..."





وظل يبكي وينوح.....فنظرت إليه (أنجيليتا)) بضعف كانت المرة الأولى التي ترى فيها (جوفاني) ينوح هكذا فهو كان قليلا ما يبكي فسقطت البندقية من يدها واحتضنت طفلها وظلا يبكيان هناك طوال الليل.....





لم يكن هذا اليوم إلا يوم شؤم على عائلة (فان دييجو) فلقد انهارت (فلوريا) تماما أما (ماريوس) فلم يفهم ما معنى الموت ولكنه بكى لبكاء أمه وإنهيارها....وشاركتها (سيسل) حزنا على أخيها الوحيد....وكذلك السيدة (سوزي) التي اصابها الشيب ولم تعد قادرة على إطلاق الصراخ ولم يكن (أندريه) هناك في تلك اللحظة بل كان في ميلانو ينهي بقية أعمال (ألفريدو)....أما السيد (فرناندو) فلقد حبس نفسه في مكتبه ليس لأي شئ ولكن ليخفي فرحته لقد جاءت هذة الفاجعة على هواه تماما.....لم يكن (ألفريدو) يعني له شيئا سوى أنه كان ظلا (لآنا) زوجته الراحلة وهذا الظل كان يخنقه للغاية والآن قد تخلص منه للأبد ولم يعد هناك من يتحكم في مصير أسرة (فان دييجو) سواه لقد عاد هو الآمر الناهي وبهذة الطريقة يمكن أن يتخلص من تلك الخادمة التي ظنت نفسها كسبت عندما تزوجت ابنه...سيتخلص منها هي الأخرى فلم تكاد تمضي تلك الليلة حتى أسرع بالإجراءات وأسرع يأمر الخدم بما في رأسه قبل أن يحصل أي شئ قد يدمر فرصته....






بقيت ساعات قليلة على جنازة (ألفريدو) وفي ذلك الوقت كانت (أنجيليتا) جالسة في تلك الفيلا ودموعها تبلل وجهها وعيناها تحدق في الفراغ حتى جاء لها زائر لأول مرة في حياتها يزور بيتها.....كان هو السيد (فرناندو) نفسه فنهضت واقفة تحدق به بذهول وهو يدخل بيت ابنه للمرة الأولى بعد أن توفي وجاء لها خاطر أن (ألفريدو) لم يسمح لأحد غير مرغوب فيه أن يعكر صفو سعادة (أنجيليتا) وخصوصا في هذا البيت ولكن (ألفريدو) ميت الآن وآن للزمان أن يأخذ منها كما أعطاها وارتعدت أوصالها منتظرة لما سيفعله.....كان يسير بخفة وهو ينظر لكل ما حوله بازدراء شديد ونظر إليها نظرة متشفية ثم قال بإستهزاء :






"آه انت هنا؟!.....كنت أتساءل متى سيحين هذا اليوم...وها قد أتى..!!!!"





"ماذا ستفعل؟!....أرجوك أفعل بي ما تريد....لكن لا تؤذي ابني...لا تفعل له شيئا أرجوك"




فصرخ :




"ابنك من لحمك....لحمك البغيض وهو في نظري لا يقل وضاعة عنك...لقد حان الوقت لأتخلص من القاذورات التي تسكن بيتي...!!!!"




كان عليها أن تنهار أمامه متوسلة.....ولكنها وقفت بشجاعة وكبرياء وقالت :





"إذن لن تتخلص منها....لأنها تسكن نفسك ليس إلا....!!"




فهوت يده بلطمة قوية على وجهها حتى سقطت على الأرض....فنظرت اليه وقالت :




"سأفعل ما تريد....ولكن لدي طلب واحد....دعني احضر جنازة (ألفريدو)...أنه الشئ الوحيد الباقي لي.....أرجوك...."




فنظر إليها وضحك ضحكة تشّفي دوت في ارجاء المكان ثم رحل....






وجاءت الجنازة التي كانت محدودة بأفراد الأسرة فقط لأن السيد (فرناندو) لم يكن يريد لأي احد من العائلات الأخرى أن يشهد ما سوف يحدث...ظهرت (أنجيليتا) وهي ممسكة بيد (جوفاني) وظلت تسير بخطوات هادئة تجاه التابوت ...ولكن في لحظة خاطفة أنطلق بعض الرجال يمسكون بها ليأخذوها في العربة هي وأبنها.....كانوا من رجال (فرناندو) فظلت تصرخ قائلة :



"لا أرجوكم....أرجوكم اريد أن أحضر الجنازة....أرجوكم...توقفوا!!!!"





وحينها انفجر غضب (جوفاني) ووجه لكمة لبطن أحد الرجال فغضب زميله ووجه لوجه الصبي لكمة رهيبة فكسرت أنفه وهو على الأرض يصرخ فأمسكت به (أنجيليتا) باكية وهي تصرخ :




"أرجوكم.....دعوني اراه...للمرة الأخيرة..."





ولكن لم يلتفت احد لها....بل نظرت لها (سيسل) بإزدراء وهي تمنع (كلوديا) من ان تفر من يدها لأنها كانت تصرخ منادية (جوفاني) من هول المنظر الذي تراه مع انها كانت صغيرة لم تبلغ السابعة بعد ...... ومنذ ذلك الحين اختفت (أنجيليتا) وابنها من حياة عائلة (فان دييجو) وقاموا هم الآخرون بمحو اسمها من الأسرة فقاموا بالتخلص من أي مستند يخصها بأي شئ أو يثبت انها حتى زارت إيطاليا في أي وقت من حياتها ونسيها الناس كليا ولم يعد يعلم احد بما جرى لها....ما عدا شخص واحد...هو (أندريه) الذي أحترق قلبه وتمزق مرتين عندما عاد......مرة لسماعه بموت (ألفريدو) اعز أصدقاءه والمرة الثانية بضياع حبيبته تماما عنه وتألم بشدها لما أصابها وما أصاب (جوفاني) وفارق النوم عينيه وهو يبحث عنها و هو لا يكاد يعلم حتى في أي وقت سافرت والى أين لكن إحساسه أنبأه أنها عادت إلى كولومبيا ولكن أين يمكن أن تكون...لابد أن السيد (فرناندو) أخفى أثرها حتى لو حاول أن يبحث عنها أحد لما وجدها ثم تذكر (ألفريدو) وحديثه الأخير معه وكيف انه شعر بأنه موشك على الموت وتذكر انه وعده أنه سيهتم بأسرته لذا صمم أن يجدهم مهما حدث...ولم يتوقف (أندريه) عن البحث عنهم....شهورا وشهورا...سنوات وسنوات....في كل مكان بلا فائدة وشعر بوحشة رهيبة في الحياة وهو وحيد كليا لا صديق له ولا حبيبته الوحيدة حتى والدته توفيت من حزنها أنه هكذا لم يتزوج وكذلك ماتت السيدة (سوزي) في نفس الشهر لحزنها على ما صار لزوجة أبنها الوحيد وابنها وبدأ اليأس يدب في قلب (أندريه) وتمنى بشدة لو انه كان يحمل صورة (لأنجيليتا) أو أنه أمر أحد الرسامين برسمها قبل رحيلها وإن ظلت ملامحها محفورة داخل ذاكرته ولكن قد فات الأوان.......

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل الرابع عشر

[[ براعم الأمل [[

مرت خمس سنوات بالتمام والكمال على موت (ألفريدو) كان فيها (أندريه) قد فعل كل ما بوسعه ليجد (أنجيليتا) أو (جوفاني) ولكنه لم يفلح فنصحه أحدهم بأن يتوقف وأنه إذا كان مقدرا له أن يقابلهم فلينتظر إذن القدر ليرسلهم صدفة في لحظة تتقاطع فيها دروب حياتهم مع درب حياته فظل حيا على هذا الأمل وإن لم يتوقف عن البحث وكان له صديق إيطالي يعيش في كولومبيا ويملك ضيعة هناك وهو من كلفه بالبحث عنهما فدعاه في ذلك اليوم ليجلس عنده بضعة أيام فهو يعلم ان (أندريه) يستغل أي فرصة ليأتي الى كولومبيا ومكث عند صديقه هذا أسبوعا وقرر أن يسافر في الغد ثم أخذ عربته وظل يتمشى في طرق كولومبيا يحدق في ناسها ويتصفح وجوههم لعله يجد ما يبحث عنه ولكنه سمع صوت صراخ سيدة ثم توقفت عربته فجأة فخرج منها مسرعا ليجد ان امرأة عجوز قد سقطت أمام طريق عربته وصرخت ظنا منها أنه سيدهسها فقام بمساعدتها على النهوض وأخذها في عربته ليعيدها سالمة الى بيتها ففرحت العجوز جدا وشكرته وصممت على أن يتناول الشاي في بيتها ولم يستطع ان يرفض وأدخلته بيتها المتواضع وذهبت لتحضر له الشاي فظل يحدق حوله في فضول... كان طراز كل البيوت الكولومبية متشابها مثلما يجمع لون البشرة الداكن والشعر الأسود الغزير بين أفراد الشعب الكولومبي وظلت عيناه تدور حوله مشاهدا لكل شئ حتى توقفت عيناه على صورة.....صورة لرجل عجوز....لم يكن هذا الرجل سوى السيد (خوسيه) نفسه والد (أنجيليتا) فانتفض مذهولا مع لحظة دخول السيدة العجوز وقالت :



"ماذا بك يا بني؟!.....هل نسيت شيئا؟!..."



"سيدتي أرجوك اخبريني من هذا الرجل؟!...."



"أنه السيد (خوسيه) .... وهو ابن عمي الوحيد..."




فرقص قلبه وقال :




"أرجوك أخبريني أين تعيش ابنة هذا الرجل السيدة (أنجيليتا) وابنها (جوفاني) ......!!!!"




"أوه أنت تعرف (أنجيليتا) ؟!......هذا غريب....لقد سافرت من هنا وهي آنسة وعادت لنا بابن.......هل انت والده إذن؟!....."



"أرجوك دليني على مكانهم.....لقد حصل شجار بسيط بيني وبينها وأتيت لأستعيدها.."




"رغم انها طلبت مني ألا أخبر احدا بمكانها ولكن إذا كنت سوف تتصالح معها فخذ هذا هو عنوانها.....وإياك ان تسيئ اليها مرة ثانية هل تفهم؟!..."





فطار فرحا بهذة الورقة الصغيرة وأخذ عربته مسرعا الى حيث يوجد العنوان استغرق ذهابه الى هناك ثلاث ساعات كاملة وهو يبحث ويبحث وعلم أخيرا ان بيتها في هذا الزقاق ولكن أي بيت ياترى.....ظل ينظر هنا وهناك حتى سمع مجموعة شباب يصرخون ويضربون واحدا وينادونه باللقيط ويقولون :




"لن تستطيع ان تمحو أصلك أيها اللقيط....لقد تخلى عنك والدك بعد ان أخذ غرضه من امك..!!!!!"






جعلت هذة الجملة الشاب يتحول الى ثور هائج فقام بضربهم جميعا ضربا مبرحا بحقد وغل وبعد ان تساقطوا الواحد تلو الآخر على الأرض من الألم صرخ قائلا :




"إياكم ان تسيئوا الى أمي أيها الحثالة....أنتم الحثالة وليس أنا...سأكسر عظامكم!!"




واستمر في ضربهم على الرغم من استسلامهم فاسرع اليه (أندريه) يحاول إيقافه وهذا يريد ان يتخلص من قبضته لينقض عليهم....كان ضخما قوي البنية على الرغم أنه يافع في سن الراهقة......تأكد (أندريه) عندما نظر الى وجهه عن قرب أنه حتما (جوفاني) .....فقال :



"أرجوك أن تتوقف يا (جوفاني)...حاول أن تسيطر على غضبك..."





فتوقف فعلا وبصق عليهم بغضب ثم استدار يحدق في محدثه باندهاش واضح وهو يرى ملابسه التي تدل على أنه ليس من كولومبيا قطعا فقال بصوت اجش :



"وأنت أيها الأجنبي.....كيف تعرف اسمي؟!...."




فابتسم (أندريه) بحبور طاغ وقام بمعانقة (جوفاني) بقوة على الرغم أن ملابس هذا الأخير كانت مغطاه بالطين وقال :




"يا إلهي يا (جوفاني).....أنظر الى نفسك....كم كبرت....أنك شاب الآن....كم يبلغ عمرك؟!...."



"ستة عشر عاما....ولكن من أنت قول لي؟!...."




"أنا (أندريه)....عمك (أندريه) .....أنا صديق والدك من عائلة (ديمتريوس)....هل نسيتني؟!"



فجحظت عينا (جوفاني) ولم يصدق أنه يراه حقا وجمدت المفاجأة لسانه فقال (أندريه) :



"أرجوك دلني على أمك...أين هي؟!...أريد أن أراها.."




فقست عيناه وقال صارخا :



"لماذا؟!.....تريد الإنتقام منها انت الآخر.....دعنا وشأننا وعد الى بلادك....فلا شئ يربطنا بعائلة (فان دييجو) القذرة أو حتى أصدقاءها!!!!!"



"إهدا يا (جوفاني).....يبدو أن ذاكرتك لم تسعفك جيدا...أنا وأمك أصدقاء للغاية ولقد جئت لأراها.....لقد امضيت كل تلك السنين أبحث عنكما في كل شبر في كولومبيا...أرجوك دعني ألقاها!!!!!"




لما استشعر (جوفاني) الصدق في صوت (أندريه) توجه مكرها الي بيت في نهاية الطريق بيت صغير يتكون من طابق واحد وحوله مزرعة صغيرة فيها الكثير من البط والإوز ومع كل خطوة تزداد ضربات قلب (أندريه) فهو على وشك أن يرى حبيبة قلبه.....المرأة الوحيدة التي سكنت قلبه كل تلك السنين وهي الآن على بعد بضع لحظات منه وعندما فتح الباب....وجد امرأة جالسة وظهرها الى الباب تقوم بحياكة شئ ما ولم تستدير وإنما قالت :




"اخلع حذائك يا (جوفاني) قبل أن تدخل...."




كان صوتها كما هو...شعر (أندريه) بلذة رهيبة وهو يستمع إليه من جديد ثم قال (جوفاني): "أمي.....لدينا ضيف....!!!"





فنهضت (أنجيليتا) واستدارت ورأت (أندريه) يقف أمامها....كانت كما هي مع بعض الشعيرات البيضاء الغير واضحة في مقدمة رأسها في ثوب زيتي اللون فضفاض جعل جمالها يزداد أضعافا.....قالت بفرحة عارمة وعينان دامعتان :




" (أندريه) !!!!!!"



" (أنجيليتا) ...... (أنجيليتا) !!!!!.....يا أغلى الناس.....!!!!"





جرت مسرعة ناحيته ولم تستطع الا أن ترتمي بين ذراعيه وقالت باكية :



"ظننت أني لن أراك مجددا!!!!!!"




وبعد تلك اللحظة العظيمة أصبح كل شئ يتلألأ....شعر (أندريه) أن كل الأحزان قد فارقته للأبد وأن كل المتاعب التي تكبدها ليجدها قد زالت الى غير رجعة وتمنى لو أن هذة اللحظة لا تنتهي....ثم جلسا معا يتحدثان طوال اليوم قالت (أنجيليتا) :




"ياه.....كل تلك السنوات....كم أنا سعيدة برؤيتك...إنك لم تتغير كثيرا مع تلك التجاعيد القليلة على جانبي فمك......"




"هاهاه......عزيزتي....لو تعلمين ما حصل لي بعد ذهابك......كم أمضيت الليالي والأشهر أبحث عنك..!!!"




"لم تكن لتجدني لولا أنك وجدت ابنة عم والدي....فلقد هددني السيد (فرناندو) بأنه سيؤذي (جوفاني) إذا عثر علينا أحد من معارفه في كولومبيا لذا بقيت مختبئة هنا كل تلك السنين مع (جوفاني) .....لقد عانى معي كثيرا.....منذ كسرت انفه في ذلك اليوم المشئوم أصبح شخصا مختلفا تماما....أصبح عصبي المزاج دوما يكره كل ما يخص عائلة (فان دييجو) أو حتى إيطاليا بأسرها حتى أنني اذكر أنه سألني مرة صارخا (لماذا تزوجت هذا الرجل؟!.... ليذلك ويذل أهلك أيضا....لقد قضيت على حياتك وسمعتك....لما تزوجت برجل كهذا؟!...) فلم أملك إلا أن أجيبه (لأني أحببته....ولازلت أحبه...ولو عشت من جديد وعاد بي الزمن الى تلك اللحظة لتزوجته من جديد أيضا...) أتعرف يومها رد بحقد قائلا (الحب....الحب....الحب... ذلك الشئ التافه الذي يدمر حياة الناس دون جدوى.....ماذا فعل حبه لك؟!...هل حماك؟!... هل قلل من معاناتك؟!...هل أنقذك؟!....بل ظل يعذبك ويعذبك بلا توقف....أني اكره الحب فهو شئ كريه يجلب الدمار.....) ومنذ ذلك الحين لم أجرؤ على ذكر والده أمامه أو أي شئ في تلك الفترة من حياتنا.....ولكن..لا أدري كان في قلبي أمل أن تتغير حياتي....ويعود دربي من جديد ليصل إلى هناك....إلى حيث ولد زوجي وتربى...كم تمنيت لو أراه مرة أخرى لآخر مرة"






وانخرطت في البكاء فأمسك (أندريه) ذقنها بأصابعه وقال :







"لا تبكي.....لن أسمح لأي دمعة غالية من دموعك أن تسيل حزنا بعد اليوم....سوف تمتلئ حياتك بالفرح من جديد كما ستمتلئ حياتي.....يجب ان تعودي معي الى إيطاليا....حيث ولد (ألفريدو) كما تقولين وحيث ولد إبنك أيضا.....فهو إيطالي مهما كانت بشرته داكنة...."





فنهضت (أنجيليتا) وقالت :




"لا...لن اعود الى هناك أبدا بعد اليوم...ولما أرجع؟!. وبأي صفة؟! حتى يؤذنني من جديد؟!"




"لن يستطيعوا إيذائك من جديد أبدا....لن يجرؤ أحد على ذلك ما دمت زوجتي!!!!!!"




فنظرت اليه بذهول صامت فأضاف :




"أجل سوف أتزوجك وسوف تعيشين معي حياة كريمة وكذلك (جوفاني).....كما أراد (ألفريدو) تماما....لقد وعدته أن أرعاك دائما!!!"




"أرجوك كف عن هذا....كف عن العطاء وانتبه لنفسك....انت تظن أن (ألفريدو) أنقذك مرة لذلك فأنت مدين له وكذلك لأني أنقذتك أيضا فليس عليك أن تتزوجني وتمضي بقية حياتك مع أرملة وابنها لأجل هذا الدين.....نحن بخير صدقني....كما أني أحلك من دينك هذا وأشكر لك صنيعك للمجيئ الى هنا والاطمئنان علينا....ولا تقلق علينا من جديد..."




"حسنا لقد استمعت إليك للنهاية...ولكن لن أقول لك لا بأس اعتني بنفسك...لن أبقى صامتا أكثر من ذلك....بقيت هكذا كل تلك السنين منذ اول مرة وقعت عيناي عليك....هل تظنين أني فعلت كل هذا لأني مدين لك أو لأن (ألفريدو) طلب مني ذلك؟!..."



واقترب منها سريعا وأمسك بذراعيها يهزها قائلا :



"لم تفهميني أبدا....لو أني قابلتك قبل (ألفريدو) لما ترددت لحظة بالزواج منك...ألم تسألي نفسك لما بقيت وحيدا كل تلك السنين....لأني لم أجد فتاة في هذا العالم تماثلك أو تحمل شها منك....لقد بقيت وحيدا طوال تلك السنوات وصامتا لحبي (لألفريدو) ولكني لن أصمت الآن حين حانت فرصتي لأقولها لك....لن أدفن مشاعري أكثر من هذا....لقد أحببتك حبا عظيما كل تلك السنين ولن أتزوج سواك حتى لو لن أتزوج أبدا.....فإذا كنت تريديني أن أقضي بقية أيامي وحيدا وأنت وحيدة فهذا شأنك....ولكن...لما تعذبيني أكثر من هذا؟!..."



فازداد ذهول (أنجيليتا) وقالت :




"تحبني؟!......كنت تحبني منذ البداية؟!....لقد كنت سعيدة لأنك الى جانبي دوما وكان قلبي يرقص فرحا عندما أراك قادما وأنا اجلس وحيدة....لكني لم أفكر أبدا أن هذا هو شعورك.....لقد فكرت أنك ربما أحببت امرأة ما في فترة من حياتك ولم تستطع نسيانها.....لهذا بقيت وحيدا كل تلك السنين....ولكن أن تكون أنا...مستحيل"




"أجل لك الحق أن تندهشي.....بل أن تغضبي أيضا.....إذ تفكرين أني كنت أحبك و (ألفريدو) زوجك.....صديقي الوحيد....ولكن هل تظنين أن الأمر كان بيدي؟!....لو كان لمنعت قلبي تماما عن هذة المشاعر.....ولكني لم أفكر أبدا في يوم من الأيام أني سوف أستطيع أن أبوح لك بها.....ولم يكن قلبي يحمل أملا أنك ستكونين لي يوما ما فبقدر سعادتي بحبي لك كنت معتزا بزواجك من (ألفريدو) وسعادتكما معا....أرجوك يا (أنجيليتا) فكري فيما أقوله.... أنا لا أريدك أن تحبيني بل أن تسمحي لي أن أحبك وأعتني بك فسأكون قانعا مرضيا!!!!"







ورحل (أندريه) وهو يشعر أن الجبل الذي كان جاثما على قلبه طوال تلك السنين قد تلاشى.... شعر بسعادة لا توصف فحتى لو لم توافق (أنجيليتا) على الزواج به فهاهو قد باح لها بكل ما في قلبه ولم يعد نادما.....لن يندم على أي شئ....






أما (أنجيليتا) فكانت جالسة تكمل الحياكة و (جوفاني) جالس الى جانبها يرتب الحطب لأجل المدفأة.....ظلت تحدق به وبملابسه الرثة وفكرت كيف تعذب كل تلك السنين ونظرت الى وجهه....كم يشبه أباه.....كلما كبر كلما اقتربت ملامحه من وجه أبيه....كانت تشعر بسعادة وهي تتخيل أن (ألفريدو) معها من خلال النظر الى عيني (جوفاني) ثم نظرت الى أنفه الغير مستقيم في المنتصف نظرا لما اصابه من كسر تذكرت كم تألم وكم شعر بذل لم يشعر به في حياته.....وظلت تسترجع الذكريات وتفكر في كل المواقف التي جمعتها (بأندريه)....نعم لقد كان شخصا مخلصا فلقد أحب (ألفريدو) بإخلاص كما أحبها.....وشعرت أن (ألفريدو) نفسه كان ليقول لها أن تتزوج (أندريه) من بعده فهو الشخص الوحيد في هذا العالم الذي يأتمنه (ألفريدو) عليها كما انه الوحيد القادر على حمايتها....لن تخاف من العودة أن يؤذيها احد لأن (أندريه) سيكون الى جانبها......قطع أفكارها قول (جوفاني) :





"أمي.....ماذا أراد ذلك الإيطالي منك يوم أمس؟!..هل كان يهددك؟!....هل أذاك ولو بكلمة؟!" "لماذا تقول هذا يا (جوفاني) ؟!....أنه صديق والدك الحميم....لقد كان صديقا حميما لك أيضا.....ألا تذكره؟!...."




"لا أريد أن أتذكره...ليس لأنه صديق أبي فهذا يعني أن نأمن جانبه فحتى عمتي نفسها وجدي هما اللذان آذانا وهما أقرب الناس لأبي.....هذا ليس مبررا..."



"لقد أراد أن يتزوجني...!!!!!"





فصعق (جوفاني) ونظر إليها بغضب وقال :




"الوغد!!!.....كيف أمكنه أن يقول هذا....سوف اضربه أن عاد من جديد..."




"لن تفعل.....لأني وافقت...!!!"




"ماذا؟!!!!......مستحيل...هل ستتزوجينه؟!...وماذا بعد ذلك؟!....سترتكبين نفس الخطأ مرتين؟!.....ألم تتعلمي؟!...."




"لا هذة المرة ليس خطأ (فأندريه) رجل ذو نفوذ قوي وعائلته (فلاديمير) ذات اسم كبير ثم أن العالم يتغير بني.....ويوما ما سيتقبلني المجتمع...لم يتقبلني المجتمع سابقا لأني كنت بمثابة الزوجة الثانية.....الزوجة في الخفاء.....أما هذة المرة سأكون زوجته الوحيدة وللأبد....كما لا دخل لك أنت بكل هذا.....أنت يجب أن تعيش حياة كريمة.....وبالوقت سيتحسن كل شئ.... لكن ومهما كان سوء حالنا هناك لن يكون أسوء من هنا.....كما علينا أن نعود مرفوعي الرأس......ومهما حاولت إنكار هذا....فأنت ابن (ألفريدو فان دييجو) إيطالي الأصل.... شئت أم أبيت..."




فدمعت عيناه وقال :




"هل.......نسيت حبك لأبي بهذة السرعة؟!....وتفكرين بالزواج من غيره؟!.."





فنهضت (أنجيليتا) مسرعة وعانقت ابنها وهي تبكي وقالت :





"لا بني.....إياك....إياك أن تفكر اني نسيت أباك....ثانية واحدة....لو تعلم كم أفكر فيه... أنه كياني....أنه روحي......روحي التي سلبت مني...وأنا الآن لست (أنجيليتا) السابقة بدونه هذة ليست بحياة تلك التي أعيشها......فأنا مت منذ فارق أبوك الحياة....ولكن قلبي يعيش فقط ليراك ناجحا.....لأجلك فقط.....هذة فرصتنا الوحيدة للحياة يا (جوفاني).... (أندريه) أعظم رجل في العالم....أرجوك.."




فمسح (جوفاني) دموعه وقال :




"لا بأس أمي...لا تبكي....سأفعل ما تريدين....لكن لا تبكي أبدا...."




وعندما جاء (أندريه) في اليوم التالي وطرق الباب خرج له (جوفاني) و يالدهشة فلقد ابتسم له وقال :



"أهلا يا سيد (أندريه)......أرجوك تفضل بالدخول!!!"



"شكرا جزيلا يا (جوفاني) .....أخبرني أين هي والدتك..."




"سأذهب لأناديها حالا.....أرجوك ارتاح...."



ذهل (أندريه) من التغير المفاجئ الذي طرأ على (جوفاني) وشعر أنها بادرة حسنة....... وجاءت (أنجيليتا) كانت أجمل بكثير من المرة السابقة التي رآها فيها وكانت تعلق بعد الورود في شعرها وتبتسم له بسعادة شعر انه في حلم ثم جلست الى جانبه وبعد ان تبادلا التحية قال (أندريه) :




"من المفترض ان أسافر غدا....لذا جئت استمع الى ردك على عرضي...."



"أي عرض؟!...."
"هاه؟!....عرضي....الذي أخبرتك به المرة الماضية....أن نتزوج ونعود معا...ألم تفكري به"
"ماذا تقصد؟!....أنا لم أفكر إلا به...."
"إذن ما هو ردك؟!.....أتوسل اليك أن يكون نعم....ارجوك..."
فقال (جوفاني) :

"هون عليك يا سيد (أندريه) .....لقد وافقت أمي على عرضك...."


"حقا؟!!!!!....هل وافقت حقا.....؟!...."
فضحكت وقالت :
"نعم!!!!!!......."

فعانقها بقوة وقال :
"أنا أسعد رجل في هذا العالم.....حقا....."

عاد (أندريه) مع زوجته (أنجيليتا) و (جوفاني) الى إيطاليا وقام (أندريه) بإضافة اسم العائلة الى اسميهما فهما الآن من عائلة (ديمتريوس).....كانت هناك بعض التحفظات من جهة العائلات النبيلة ولكن (أنجيليتا) لم تهتم كما أصبح (جوفاني) يدرس ليعوض ما فاته و كان (أندريه) يحضر له المدرسين الى القصر ليستطيع أن يدخل جامعة في أمريكا أو فرنسا وبما ان علاقته كانت قد انقطعت بعائلة (فان دييجو) منذ موت (ألفريدو) فلم يعد (أندريه) حليفا لهذة العائلة بعد اليوم بل أصبح بمثابة عدو لهم......كما لم يكن أفراد (فان دييجو) سعداء لسماعهم بعودة (أنجيليتا) و (جوفاني) ولكنهم كانوا مرتاحين لأنهم لن يستطيعوا مطالبتهم بشئ فلقد تخلصوا من كل ما يثبت هوية (جوفاني) أو أبوة (ألفريدو) له وحاولوا قدر الإمكان إبعاد (ماريوس) و (كلوديا) عنه كما لم تعلم (كلوديا) بعودة (جوفاني) أبدا لكن (ماريوس) كان الوحيد الذي علم بهذا وشعر بالحقد يعود لقلبه من جديد...لقد كان قد رسخ في ذهنه أنه مات منذ زمن ولم يعد له وجود ولكن هاهو يعود ليظهر كالشوكة في حلقه.....وأخيرا قام (جوفاني) بوداع أمه ليسافر الى جامعة في باريس ليقضي هناك خمس سنوات...

الحكاية لم تنتهي بعد فبالنسبة (لجوفاني) فإن أنتقامه سيبدأ مع أفراد أسرة (فان دييجو) واحدا واحدا كما لن يسكت (ماريوس) على عودة شبح الماضي ذاك ليدمر سعادتهم وراحة بالهم متناسيا الذل والإهانة التي ألحقوها أفراد أسرته (بجوفاني) و (أنجيليتا) وهكذا سيضع القدر الشقيقان في مواجهة بعضهما البعض ليدفع كل منهما ثمن أخطاء الماضي وماذا ستفعل (أنجيليتا) لتحمي ابنها وتلملم شتات نفسه وتصلح ما تدمر في حياته.....كيف ستقف في مواجهة مع أعداء الماضي الذين حطموا سعادتها وعلى إستعداد لتحطيم ابنها هو الآخر هل ستقف مكتوفة الأيدي....ماذا يخبئ القدر لهم؟!...

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
|| الدفتر الثالث ||


ملخص ما سبق:



إنها
قصة حب وقعت في إيطاليا بين الخادمة الكولومبية (أنجيليتا) وبين النبيل
(ألفريدو) سليل أسرة (فان دييجو) العريقة حيث وقع النبيل في حب خادمته وأصر
على الزواج بها ونتيجة لعادات المجتمع ورفض الجميع لهذة الزيجة تزوج
(ألفريدو) (أنجيليتا) سرا ورسميا في البداية ثم واجه أسرته بحقيقة زواجه
وأخذها إلى قصر (كازابيانكا) لتعيش معه كزوجة رسمية......أثار هذا أفراد
الأسرة جميعا وجميع الأسر النبيلة الذين صمموا على إحتقار هذة الخادمة
وتجاهلها وعدم التعامل معها وغضب (فرناندو) والد (ألفريدو) غضبا شديدا لأنه
كان يريد تزويجه من (فلوريا) سليلة عائلة (فلاديمير) لتتحد شرف العائلتان
وأملاكهما وصمم (فرناندو) على وضع خطة محكمة للخلاص من (أنجيليتا) حتى
(سيسل) أخت (ألفريدو) كانت ضد هذة الزيجة كما أنها صديقة (فلوريا) وكانت هي
الأخرى قد صدمت في حبها الأول ولم تعد تؤمن بالحب بعد ترك (روبرتو) لها مع
أول مواجهة له مع أبيها.....كان (أندريه) صديق (ألفريدو) الحميم سليل أسرة
(ديمتريوس) من ضمن معارضي هذة الزيجة ولكن القدر جمعه (بأنجيليتا) في يوم
كاد يلقى حتفه فيه لكن (أنجيليتا) أنقذته مما جعله يقع في حبها هو الآخر
لكنه يكتم هذا الحب داخله ويصبح شاهدا على زواجها من (ألفريدو)....وحانت
اللحظة المناسبة (لفرناندو) لينفذ خطته بعد سفر كل من (ألفريدو) و (أندريه)
في عمل مفاجئ فيقوم بالتخلص منها وإعادتها لبلدها وتهديدها بعدم العودة
مرة أخرى ودفع رشاوي كثيرة ليثبت بدلائل أن (أنجيليتا) ماتت وعندما عاد
(ألفريدو) و (أندريه) وجدوا هذة المفاجأة في إنتظارهم أن (أنجيليتا) ماتت!!


لم
يتحمل (ألفريدو) الصدمة وظل هائما على وجهه لا يحس بالدنيا من حوله وأستغل
(فرناندو) هذة الفرصة وقام بتزويجه من (فلوريا) كما أراد وكما أرادت هي
فلطالما أحبت (فلوريا) (ألفريدو) من كل قلبها وتمنته زوجا لكن ما إن تزوجته
حتى ندمت فهو لا يفكر إلا في (أنجيليتا) وأصبح يهلوس بإسمها ويتخيل أنه
يكلمها.....حزن الجميع لحال (ألفريدو) وأكثرهم صديقه (أندريه) لكن (أندريه)
ذات يوم ماطر وجد (أنجيليتا) نفسها تنتظره وهي تحمل رضيعا بين ذراعيها
وكانت في حالة سيئة جدا قام بمساعدتها وتهدئتها وعرف منها أنها لم تمت
وأنها عندما غادرت إيطاليا وجدت نفسها حاملا وأنتظرت حتى تنجب ثم عادت إلى
زوجها فوجدته قد تزوج أخرى......وعندما جمع (أندريه) الزوجان أخيرا كان
لقاءا مليئا بالدموع والأحضان وتخلص (ألفريدو) من مرضه النفسي وحصلت مواجهة
ضارية بينه وبين أبيه الذي أدى إلى هذة المهزلة وقرر (ألفريدو) أن يطلق
(فلوريا) فهو لم يحبها أبدا ولكنها فاجأته أنها هي أيضا حامل!!!...


أنجبت
(فلوريا) صبيا أسموه (ماريوس) الذي كبر ولم يستطع أن يحب أخاه (جوفاني)
أبدا بل كان دائما عدوا له ويحب أن يسرق الإهتمام عنه لكن قلب (ألفريدو)
كان موصدا في وجه (فلوريا) وأبنها (ماريوس) وإن كان أبنه أيضا بل كان دائما
يحب (جوفاني) ويعتبره أبنه الحقيقي لكن الأسرة لم تعترف إلا (بماريوس)
وكانت (أنجيليتا) وأبنها يعيشان في فيلا صغيرة سعيدان هانئان لا يتعرضان
لمشاكسات أفراد الأسرة اليومية.....في ذلك الوقت كانت (سيسل) على وشك
الزواج من (فون) لولا أن ظهر حبها القديم (روبرتو) الذي تخلى عنها فيما
مضى... أراد أن يعود لها من جديد وأخبرها أنه أنتظر طوال هذة الفترة ليكون
جديرا بها ويجمع ثروة تليق بأن يناسب اسرة (فان دييجو) وتقدم لخطبتها فعلا
بعد أن تقرب إلى أبيها وأخيها ولم تستطع (سيسل) أن تخون قلبها وقامت برفض
الزواج من (فون) وتزوجت (روبرتو) كما حلمت دائما وأنجبت (كلوديا) الصغيرة
التي أنضمت إلى (جوفاني) و (ماريوس) وزادت من إختلافهما وكرههما لبعضهما
البعض فكل طفل منهما يريد أن يحظى بصحبتها الدائمة لكن (كلوديا) كانت دائما
تميل (لجوفاني) الذي أطلقت عليه أسم (جوني) وهو أول من علمها الرسم
وشجعها عليه وأصبحا صديقان حميمان.....


لكن
السعادة لا تدوم طويلا فلقد أقلق نوم (ألفريدو) حلم مزعج جعله يفكر في
حاله وحال أسرته وذهب ذات ليلة إلى (أندريه) وقام بتوصيته على أسرته ما إن
حصل شئ له وأعطاه أمانة وطلب منه ألا يخبر أحدا بوجودها بحوزته....كان
(أندريه) كل تلك السنوات لم يتزوج لأنه لم يجد من تشبه حبه (أنجيليتا) وظل
عازبا طوال هذا الوقت حبا لها....وبعد فترة قصيرة مات (ألفريدو) بعد حادث
سقوطه من الحصان بشكل مفاجئ مما جعل (فرناندو) يتخذ إجراءات سريعة بالتخلص
من (أنجيليتا) و (جوفاني) ومحو أسهما من سجل الأسرة وطمس كل ما يتعلق بهما
وبقربهما من الأسرة ليصبح أرث أسرة (فان دييجو) من حق (ماريوس) وليس
(لجوفاني) أي حق فيه.....كما حرمت (أنجيليتا) من حضور جنازة زوجها الحبيب
(ألفريدو) وهشم أنف (جوفاني) وهو يحاول الدفاع عنها في ذلك اليوم
المشئوم.....وأخيرا عاد (أندريه) من سفره ليجد صديقه الوحيد قد مات وضاعت
حبيبته إلى الأبد....فظل سنوات يبحث عنها في كل أرجاء كلومبيا إلى أن وجدها
اخيرا بعد خمس سنوات وجد حالتها يرثى لها ووجد (جوفاني) ليس في حال أفضل
منها....فعرض عليها الزواج وأخبرها أخيرا بالحب الكبير الذي يسكن قلبه منذ
سنوات فلم تملك إلا أن توافق وأصبحت هي وأبنها من أسرة (ديمتريوس) وقام
(أندريه) بالإعتناء جيدا بهما وبإرسال (جوفاني) لأفضل المدارس ورجعت راحة
البال (لأنجيليتا).... لكن القصة لم تنتهي


نترككم مع الجزء الثالث....






||| الشخصيات |||








قصر (كازابيانكا) :

تعيش فيه اسرة (فان دييجو) ......


أسرة (فان دييجو) :


1- (فرناندو) : هو رئيس الأسرة والرجل الأكثر نفوذا في المنطقة وهو والد (الفريدو) و (سيسل)

2- (الفريدو) : الأبن الأكبر للسيد (فرناندو) وهو المسئول عن إدارة أملاك الأسرة كما أنه الوريث الشرعي (لفان دييجو)

3- (سيسل) : أخت (الفريدو) وابنة (فرناندو)


4- (آنا) : الأم الراحلة لكل من (الفريدو) و (سيسل) وزوجة (فرناندو)

5- السيدة (سوزي) : هى المربية الأساسية (لالفريدو) التي عاشت معه منذ ولد وعاشت مع السيدة (آنا) طويلا وتعتبر (الفريدو) كابن لها....


6- (لوسيانو) : هو كبير الخدم والمتحدث الرسمي باسم السيد (فرناندو) ...


7- (أنجليتا خوسيه) :هي بطلة القصة وهي من أصل كولومبي مدربة ماهرة للخيول الأصيلة وامرأة ذات جمال أخاذ نادر , رقيقة تتمنى السعادة وتحب والدها بشدة....

8- (خوسيه) : هو السائس الخاص بأسرة (فان دييجو) والمسئول عن الإسطبلات ومدرب الخيول وهو والد (أنجليتا)

9- (جوفاني) : هو أبن (ألفريدو) من (أنجيليتا) وهو يشبه أباه في عيناه اللازوردية ويشبه امه في جلدها الأسمر وشعرها الأسود .

10- (ماريوس): أبن (ألفريدو) من (فلوريا) وهو يشبه (فلوريا) في كل شئ وورث ن أمه كرهه (لأنجيليتا) وأبنها (جوفاني) أخيه .

11- (كلوديا) :أبنه (سيسل) و (روبرتو) وهي اصغر من (جوفاني) بخمس سنوات ومن (ماريوس) بأربع سنوات سميت على أسم أزهار الكلوديا الذهبية .

قصر (روزانيرا) :

تعيش فيه عائلة (فلاديمير)

عائلة (فلاديمير) :


1- السيدة (ساندرا) : هي رئيسة الأسرة وهي أرملة لصديق قديم وعزيز للسيد (فرناندو)

2- (فلوريا) : هي البنة الوحيدة للأسرة الصديقة الوحيدة (لسيسل) وصديقة (الفريدو) منذ الصغر

3- (روبرتو) : هو أحد أقرباء الأسرة من بعيد أبواه يعيشان في أمريكا وهو لا يعتبر ثريا فثراءه الوحيد هو علمه...


قصر (لوتشى أورو) :

تعيش فيه أسرة (ديميتريوس)

عائلة (ديميتريوس) :


1- (اندريه) :هو رئيس الأسرة على الرغم من صغر سنه وهو الصديق الحميم (لالفريدو)

2- (جابريلا) : هي والدة (اندريه) التي تؤمن بابنها وبذكاءه وتترك له أعمال الأسرة جميعا.

قرية أسترا : هي القرية المجاوري لأراضي القصور الثلاثة وتعيش فيها (نيلا) صديقة (أنجليتا) الحميمة


(فون) : صديق جديد (لسيسل) .


(دانيال) : صديق (جوفاني) من الدراسة درسا معا في الجامعة وأصبحا معا في نادي المبارزة.


(ليتشا) : صديقة (كلوديا) منذ الصغر


















الفصل الخامس عشر


[[ الأميرة [[


إيطاليا – ميلانو – عام 1895 م

جلست
(أنجيليتا) على كراسي محطة القطار تنتظر وتنتظر حتى جاء القطار المنتظر
وظلت تحدق بكل من نزل منه حتى نزل شاب في العشرينات وسيم عيناه كرستاليتان
طويل القامة ضخم الجسد بالنسبة لمن حوله كان يتحدث إلى شاب آخر وما إن رآها
حتى توقف عن الكلام وابتسم بفرح شديد وركض ناحيتها وكأنه طفل صغير ولم تكن
هي قد قطعت خطوتين حتى كان قد وصل إليها واحتضنها بقوة بين ذراعيه مثل
أبيه تماما.....كان (جوفاني) قد بلغ الرابعة والعشرين من عمره شاب كامل في
قمة حيويته وقال :




"أماه.....كم اشتقت إليك....أنظري إلى نفسك لا تزالين جميلة كما أنت!!!!"




"وأنت يا عزيزي......كم كبرت وأصبحت رجلا تشبه أباك تماما....."




وبعد القبلات والأحضان المتلاحقة قال (جوفاني) باسما :




"أمي دعيني أقدم لك أعز أصدقائي (دانيال جراي)....من عائلة (جراي)...."




فتقدم شاب أشقر شعره ملتوي ويرتدي نظارة عتيقة بعض الشئ وقال بارتباك شديد :



"أهلا بك سيدة (ديمتريوس).....كم سعدت بلقاءك....لقد حدثني عنك (جوفاني) كثيرا....الواقع أن جمالك......أخاذ.....آسف يا (جوفاني)..."




فضحك
الاثنان لهذا التعليق وقاموا ثلاثتهم بالعودة إلى ميلانو وأخذ (دانيال)
طريقه إلى بيته في وسط المدينة واعدا (جوفاني) باللقاء قائلا :




"سوف نتقابل في نادي ميلانو دائما....ولا تنسى أن مباريات المبارزة ستبدأ قريبا..."



"لا عليك (دانيال) ....سوف أوافيك هناك قريبا....."




وعاد الابن وأمه إلى قصر عائلة (ديمتريوس) وقال (جوفاني) :



"كم اشتقت إلى هذا البيت.....ولكن أين عمي (أندريه)؟!....ألم يأتي لإستقبالي؟!.."




"أمامه أعمال كثيرة يا عزيزي أنت تعلم...لكنه سيأتي قريبا فلقد فرح بشدة عندما علم أنك ستعود الليلة..."




خلع (جوفاني) معطفه وقبعته واتجه مع أمه إلى حجرة الجلوس وقام الخادم بتقديم الشاي له فجلس وقال :




"هذا هو....كنت انتظر تلك اللحظة...أشعر بالفعل أني قد أنهيت دراستي وأصبح المستقبل أمامي مفتوحا.....كم اشتقت لك يا أمي..."



"أجل يا عزيزي.....لقد كنت أدعو كل ليلة.....أن يأتي هذا اليوم الذي تستقر فيه معي هنا"



فنظر (جوفاني) حوله ووجد لوحة (لجابريلا) أم (أندريه) و نظر إلى جانبها
فوجد في الركن الآخر صورة كبيرة.... (لألفريدو) نفسه....والده....فنهض ووقف
يحدق بها وقال :




"ما أخبار آل (فان دييجو) ؟!......ألم تلتقي بأحدهم؟!...."




"الواقع
لا...أنهم يتجنبون ذلك بشدة وأنا أيضا..فإذا دعيت لحفلة وعلمت أنهم قادمون
لا أذهب إليها....سمعت أن (ماريوس) قد أنهى دراسته هو الآخر..."




"......فهمت....هؤلاء الحفنة من الأفاعي....لا أريد أن أعلم أي شئ عنهم أو ألتقي بهم"




"ولكن هذا لا يمنع ذهابك إلى الحفلات ابتداء من الغد!!!!...."



"ماذا تعنين؟!...."




"موسم
الحفلات قد ابتدأ....أريدك أن تذهب هناك لتقابل كل فتيات الأسر
النبيلة....عليك أن تفكر في الزواج يا عزيزي....لم يعد هناك شئ يمنعك...لقد
حان الوقت.."




"ماذا؟!....أمي!!!!...منذ
الآن؟!....لم ألتقط أنفاسي من السفر بعد وتريدين تزويجي.. هل ستقومين بدور
الخاطبة لي ابتداءا من اليوم؟!...."




"أجل
ولما لا.....أنت ابني الوحيد.....لقد التقيت بالكثير من العائلات وأعرف
فتيات رائعات وأنا واثقة أن أحداهما ستعجبك بني.....قل لي ألم تقابل أي
فتاة في باريس؟!....ألم تحب أي فتاة هناك؟!....قل ولا تقلق....فأي فتاة
مهما كانت طالما أحببتها سنزوجها لك..."




فضحك (جوفاني) وقال :



"فهمت....الحب....أهذا
ما تريدينني أن أحس به أليس كذلك؟!... اطمئني....لم يشغل هذا الأمر بالي
مطلقا...فأنا لست مقتنعا بالحب....في الواقع إذا وجدت أي فتاة مناسبة لي
إجتماعيا وذات شخصية ذكية ومتميزة وتجدينها جيدة في نظرك فأنا على استعداد
أن أتزوج بها دون حتى أن أراها...."




"ما
هذا الكلام السخيف الذي تقوله؟!....يجب أن تتعرف عليها وتحبها....وتشعر
انه لا يمكنك العيش بدونها......حينها.....سوف يكون الزواج....."




"آه
الواقع أنا لا أكترث لكل هذا.....إذا كانت مناسبة لي ومريحة المعشر فلما
لا أتزوجها وسأتعلم أن أحبها بالوقت....المهم اخبريني عنهن....كم واحدة
تظنين أنها مناسبة لي؟!.."




"يالك
من صبي...لا بأس كما تريد....ولكن يوما ما ستصدق ما أقوله لك...غدا هناك
حفلة في قصر أسرة (مانينج) وهناك عائلة (جستين) ستحضر ولديهم فتاة في غاية
الرقة والجمال"




وفي تلك اللحظة دخل (أندريه) وقال :



" (جوفاني) ؟!.....بني!!!!!!...."



وتعانق الرجلان بقوة كان (جوفاني) أطول منه فقال (أندريه) :




"ياه.....لقد أصبحت رجلا كاملا....الآن لن أكون قلقا على مستقبل شركاتنا أبدا...أليس كذلك"



"لا لا داعي للقلق.....فأنا مستعد تماما فلقد قمت بدراسات في هذا القسم لفترة طويلة.. آن لك أن ترتاح يا عمي...."




"أشكرك بني....لكن الأفضل أن ترتاح أولا فترة من الوقت....."



"أجل اتركه يا (أندريه) في الوقت الحالي....فعليه أن يختار فتاة ليتزوجها أولا..."



"آه
هل بدأت يا عزيزتي...إن أمك لم تترك فتاة في الفترة السابقة إلا وحدثتها
وقابلتها... ثم تقول هذة مناسبة لأبني (جوفاني) ..... أمر رهيب...."




وضحك الثلاثة وجلسوا تلك الليلة سويا...كأسرة حقيقية.....




في
اليوم التالي ذهب (جوفاني) الى نادي ميلانو للعائلات الراقية و قابل
(دانيال) هناك وقال له : "لما تأخرت هكذا.....كنت انتظرك منذ زمن....."



"لم انم جيدا.......لا زلت غير معتاد....."


"آه هكذا......هل ستشارك اليوم في مباريات المبارزة؟!......"



"أجل يجب أن أفعل.......ولكن ماذا تفعل مجموعة الفتيات هناك......"




"أنهن يلعبن أيضا....."



فسكت قليلا ثم قال :



"هل من بينهن الآنسة (جستين)؟!......"



فسكت (دانيال) ثم صرخ قائلا :



"يالك من لعوب لم تصل إلا الأمس وتريد أن تتعرف على هذة وتلك....ثم من أين تعرفها؟"



"لا
تفهمني خطأ لم أرها بعد....عليك أن تساعدني في الفترة القادمة في التعرف
على كثير من الفتيات فأمي تريد تزوجي......كما لا أجد مانعا من ذلك....!!"






تتحدث وكأنك ستمارس رياضة جديدة ولا مانع من التجربة فيها!!!....أنه زواج
ألا تدرك؟!.....ثم بمجرد أن تعود هكذا تفكر في الزواج......"





"لا
ينقصني شئ.....الأعمال وسأستلمها عما قريب....الثروة وأملك ثروة عائلة
(ديمتريوس) كاملة......كما أملك اسما عريقا....ووسامة....."





"آه
سنبدأ بالغرور......يالك من محظوظ.....فاسم عائلتك ذو مكانة عالية...لكن
أنا..... لست مثلك.....على العموم الآنسة (جستين) ليست هنا الليلة....
والآن تعالى معي إلى قاعة المبارزة......"





وقاما
بالاستعداد سويا......و ارتديا ثوب المبارزة والقناع ودخلا....كان هناك
بعض المشاهدين من الفتيات وكان هناك اثنان يتبارزان بقوة.......كان أحدهم
يبارز بسرعة وعنف بينما الآخر لا يملك إلا أن يدافع.....فسأله (جوفاني) :




" (دانيال)......من هذا المبارز؟!...."




فلم يرد فنظر إليه فوجده يتصبب عرقا ثم سأله :


"ما بك؟!......"



"اسمع لا استطيع قول شئ.....فلقد أتت..."



"ولكن من هي؟!....."




"إنها هناك......التي ترتدي فستانا ذهبيا وبجانبها مقعد فارغ..... الآنسة (ليتشا ماكبرايد)"



"إنها جميلة.....وماذا عنها؟!.....هل تحبها؟!....."




فسعل (دانيال) بشدة وقال :



"اخفض صوتك.....ستفضحنا.....الواقع لا....ليس هكذا...ليس إلى هذة الدرجة....أعني إنها فاتنة....قل لي بصراحة....هل تحدق بي؟!...."



"لا.....إنما تحدق في باب القاعة....لابد أنها تنتظر أحدا ما...بما أن المقعد الذي بجانبها فارغ........"




"أتعني أنها لا تحدق بي بتاتا؟!....."




"إنها تحدق بالفارسان على ما أظن....ألن تقول لي من هذا؟!..."





"لا يهم الآن ستعرفه عاجلا أم آجلا....اسمع راقبها لأجلي حسنا.....وراقبه إن كان سيجلس إلى جانبها رجل أم فتاة....."





"حسنا......"





كان
ينقل نظره بين الفتاة والفارس الذي يبارز بين الحين والآخر لكن في تلك
اللحظة كانت أكثر اللحظات براعة في مبارزة الشاب حتى انتصر على منافسه
أخيرا فصفق الجميع له وحان دور (جوفاني) فدخل مع احد المبارزين وقام الجميع
بتحيته لأنه جديد....ثم بدأ المبارزة فشعر (دانيال) بالتوتر ونظر إلى حيث
تجلس (ليتشا) فوجد أن التي جلست إلى جانبها فتاة فارتاح باله لكنه شعر
بالتوتر من جديد لأنه رأى أنها وصديقتها ينظران إليه ويتهامسان فتحولت
قطرات عرقه أنهارا.....في تلك اللحظة كانت تقول (ليتشا) لصديقتها (كلوديا
فان دييجو) :




"أنظري...هاهو.....الذي يرتدي نظارات..."




"ولكن هل يعجبك حقا؟!......"




"ليس كثيرا.....لقد علمت انه معجب بي.....ولكنه لم يجرؤ على محادثتي بعد.....لا أعلم ماذا حدث لشباب هذة الأيام....."



فضحكت (كلوديا) وقالت :



"ولكن
انظري إلى المبارزان....أنظري إلي الأول على اليسار.... كم هو رائع.....له
أسلوب غريب.....أشبه بالأسلوب الفرنسي....من هو؟!..."




"لا
أدري.....يقولون انه جديد.....لقد عاد للتو من باريس بعد أن أنهى
دراسته.....أعتقد هذا لأنه عاد مع (دانيال).......ولكنه على عكسه....لم يكن
يعود من العطلات للبقاء مع أسرته وحضور موسم الحفلات الراقصة......لا اعلم
تحديدا من هو..."





وفي لحظة هزم (جوفاني) خصمه وقام بتحيته بتواضع فتقدم الفارس الذي فاز في المباراة السابقة والذي أعجب به (جوفاني) وقال :



"جيد لقد هزمته.....بضربة خاطفة.....ولكن الحظ لا يحالف المرء دائما....."



فاندهش (جوفاني) من العداء الخفي في جملته فهو لم يعرفه ثم قال :



"لا حظ في المبارزة.......فالفوز للأقوى....."



"إذن......هل
تظن أنك الأقوى.....يبدو انك أتيت إلينا متشبعا بالكبر والخيلاء ولكن ما
إن تتعرف على قوة كل منا....حتى تدرك أنك لم تخلق للمبارزة...!!!"




كان (جوفاني) يحدق به من خلف قناعه بذهول...ولكنه شعر لوهلة أن شكله مألوف له فظل يحدق به دون أن يجيب فقال من جديد :



"مابك؟!.....هل خفت؟!..."



فاندفع (دانيال) قائلا :




"اسمع....
(جوفاني) لا يخاف من احد وليس لك الحق في معاملته هكذا......ثم انه حصل
على ثلاثة أوسمة في المبارزة.....ربما عليك أن تفكر في مصيرك قبل أن تقول
هذا الكلام.!!!!!......."




"ماذا تقول أيها الوغد؟!......"



وهنا تدخل شاب آخر وقال :



"كفى
الآن......نحن نشكرك يا سيد (جوفاني) على هذة المبارزة.......وأهلا بك في
نادينا.... غدا لدينا تدريب مكثف من الصباح وحتى الساعة الخامسة.....لا
تنسى...."




وقام بدفع الشاب الآخر نحو الباب فخلع (جوفاني) قناعه وقال :





"ما به؟!.....هذا الأحمق.....هل فقد عقله؟!......"



"لا أعرف أنه دائما عصبي هكذا.....آه تبا.....لقد ذهبت (ليتشا) هي وصديقتها....ترى هل شاهداني وأنا أدافع عنك؟!...."



قاما
بتغيير ملابسهما وخرجا فرأى (جوفاني) الشاب الذي قام بإهانته يتحدث الى
بعض الشباب وما إن رآه حتى تركهم وذهب باتجاه الشرفة..... فقال (جوفاني) :




"أسمع (دانيال) ...... قل للحوذي أن يجهز عربتي.....أنا سألحق بك حالا......"




ثم أسرع إلى الشرفة ووجده كما توقع بانتظاره فقال (جوفاني) :



"ها قد أتيت.....ماذا تريد مني؟!........"



"أن ترحل..!!!!!!....."



"ماذا؟!......."



"أرحل من ميلانو......أرحل بعيدا عنا فأنا لا أريد أن أرى وجهك!!!!!!"



وهنا التفت له واصطدمت عيناه بعينا (جوفاني).......ذهل وظل يحدق به وبملامحه التي تشبه وجه شخص ينظر إلى وحش وتابع :



"لم أتوقع أن تأتي لك الجرأة على الظهور.....بل وفي الأوساط الإجتماعية الراقية...لم اصدق ذلك......."




فقال (جوفاني) :



"هل أنت......... (ماريوس) ........ (فان دييجو) ؟!........"




"ها.....أخيرا
عرفتني....ظننتك ستعرفني من الوهلة الأولي....لقد كنت أراقبك....أتبع
خطواتك الواحدة تلو الأخرى....لم تغب عني لحظة....ماذا تظن نفسك
فاعلا؟!......هل تظن أنك هكذا ستمحو ماضيك الدنس؟!....وستخلق لنفسك اسما من
ذهب؟!.....لكن هذا ليس غريبا على أمك.....لم تكتفي باستغلال رجل ثري واحد
فلعبت على صديقه أيضا..... وها قد كسبت من جديد....!!!!"






فوجه (جوفاني) لوجه (ماريوس) لكمة جعلته يسقط أرضا وشعر أن فكه قد كسر قال له (جوفاني) :




"أنت مجنون قذر.....أنت فعلا من أسرة (فان دييجو) كلكم هكذا...قذرون.... تلك الأسرة البغيضة....سوف تحترقون في الجحيم جميعا!!!!!"



فنهض (ماريوس) ليهم بضربه حتى جاء حوذي (ماريوس) وقال :



"سيد (ماريوس) .....الآنسة (كلوديا) تنتظرك في العربة منذ فترة..وتطلب إليك الإسراع.."



فدفعه بعيدا بغل وقال :


"لا بأس يا ابن الخادمة.....سنصفي حسابنا لاحقا...."



فقام (جوفاني) بضربه من جديد وقال :



"إياك!!!.....أن تذكر أمي في فمك القذر...."



وهنا تدخل الناس للفصل بينهما وجاء (دانيال) ليرى (جوفاني) و (ماريوس) في هذا الوضع فسحب صديقه وقال :


"ماذا تفعل؟!.....هل جننت؟!.....تعال.."



وأركبه العربة وأمر بانطلاقها ثم قال له :



"أنه من أسرة (فان دييجو).....لا احد يجرؤ على الإساءة لتلك الأسرة من أي نوع....لا تفعل هذا من جديد!!!!!....."



"أسكت
يا (دانيال) !!!......لا تذكر اسم تلك الأسرة مطلقا.....لا تقلها...إذا
أردت الحديث عنها فقل الأسرة البغيضة......هل تسمع؟!...."




"حسنا......حسنا
لا تغضب....لا يوجد شئ يستحق ثورة غضبك هذة....عليك أن تحافظ على مزاجك
صافي لأجل حفلة الليلة التي ستقابل فيها الآنسة (جستين) هيا علينا
الإستعداد للحفلة"



ثم
ذهب (جوفاني) لحفلة الليلة وكان الجميع سعيد بلقاءه فلقد كان لبق ومرح مع
الآخرين وما إن جاءت الآنسة (جستين) حتى أشار إليه (دانيال) بوصولها وعندما
رآها (جوفاني) أعجبته شكلا فقرر مراقصتها ودعاها فورا للرقص فرمقته بنظرة
إعجاب ولكن ما إن تبادل معها بضع كلمات حتى تركها معتذرا وقال (لدانيال) :



"شخصيتها مغرورة للغاية..."



ولم تثمر الحفلة عن شئ ثم ذهب لحفلة أخرى بعدها بيومين لأجل الانسة (ميرا) التي حدثته عنها والدته ولكنه عاد ليقول (لدانيال) :


"تضحك بشكل هستيري وأنا أكلمها....أشعرتني وكأني ممثل هزلي!!!!"



وهكذا
تباعا.....كل فتاة تريه إياها أمه حتى يجد فيها شيئا ما وعندما عاد من
الحفلة الأخيرة حتى قال (دانيال) وهو يدخل غرفة الجلوس :




"أسمع....لقد استقلت....لن أعمل لك خاطبة بعد اليوم وأبدا..!!!!...."



وكان (أندريه) و (أنجيليتا) بالداخل فضحكا وقال (أندريه) :



"لماذ؟!......لم
تعجبك من جديد؟!....هذا غريب....يبدو لي أن ذوقك صعب المراس قليلا يا
عزيزي....ولكن أؤكد لك ما إن تقع في الحب حتى يصبح كل شئ فيها في نظرك
فاتنا"




فقالت (أنجيليتا) :



"أجل وحينها لن يفيدك لا (دانيال) ولا حتى أنا!!!!!"





فقال (جوفاني) هازلا :



"لا.....كلهم
فيهم عيوب كبيرة....وحتى لو أحببت فتاة ما فإذا كان لديها شخصية مضجرة
للغاية فلن يفيد حبي لها..وإن كانت دميمة وروحها جميلة فبالنسبة لي مرآة
الحب ليست عمياء....وإن كانت أنانية أو مدللة فلا يمكن أن أتخذها زوجة
مطلقا.. ببساطة جميعهن غير مناسبات لي....هل اقتنعت الآن يا أمي أن الزواج
في الوقت الحالي بالنسبة لي غير مجد...."




فقال (دانيال) :




"هكذا
إذن.....أنت تبحث في كل واحدة منهن عن غلطة حتى تقنع أمك بالكف عن البحث
لك عن عروس وتقوم بقتلي أنا أليس كذلك؟!....أنا الضحية الوحيدة هنا....
ماذا فعلت لك؟!...."




فضحك الثلاثة وقالت (أنجيليتا) :



"أسمع....هناك
حفلة تنكرية مساء يوم السبت ستحضرها الأميرة (دوريس) وأظنها قالت سترتدي
زي عازفة القيثارة أخضر اللون فلا تنسى هذا.... يمكنك أن تعرف من هي دون أن
تتكلم ودون مساعدة (دانيال) "




فانحنى (دانيال) قائلا :



"أشكرك من كل قلبي يا سيدتي..!!!.."



فقال (جوفاني) :



"ها أنت سعيد لأنك لن تضطر لملازمتي وسيخلو لك الجو لتنفرد (بليتشا) لقد أخبرتني أنها ستحضر تلك الحفلة....!!!!"



فتحول وجه (دانيال) للون الأحمر....وضحك الجميع لهذا التعبير...




جاء
يوم الإحتفال ووصل (دانيال) و (جوفاني) باكرا لتكون لهم العديد من
الخيارات في الأثواب التنكرية في قاعة الملابس الخاصة بمنزل الداعي فارتدى
(جوفاني) زي سندباد ووجده مناسب جدا وقام بانتظار (دانيال) وقتا طويلا ثم
قال له :





"ما بك ؟!......هيا أسرع....ماذا اخترت بالضبط؟!......"



فخرج (دانيال) بزي روماني فغرق (جوفاني) في الضحك وهو يراه وقال :



"يا إلهي....أنه لا يناسبك مطلقا......تبدو مضحكا للغاية....هاهاهاهاه...!!!!!!"



"كنت أعرف.......لقد أعجبني في البداية لكن.....سأذهب لتغييره..."



"لا.....لا وقت لهذا.....لقد تأخرنا.....هيا بنا إلى القاعة....هيا....."




ودخلا
قاعة الإحتفال فوجدا العديد من المدعوين......كانت الحفلة كبيرة وممتلئة
بالعائلات الشهيرة ثم ظلت عينا (دانيال) تبحث هنا وهناك حتى قال (لجوفاني) :




"أرجوك إبحث لي عن (ليتشا) ........ أنا لا أستطيع إيجادها...."



"وكيف لي أن أعرفها......أنا لا أتذكر شكلها جيدا فما بالك في زي تنكري....."



فصرخ (دانيال) :




"ها هي!!!!......هناك......التي ترتدي زي الساحرة الشريرة....أنها حقا ساحرة...."




"تماسك
وسر نحوها بهدوء.....حسنا؟!.....ولكن مهلا....في الجهة اليمنى...هل
ترى؟!... إنها....إنها ترتدي ثوبا أخضر.....أليس هذا ثوب عازفة
القيثارة؟!...إذن هذة هي الأميرة (دوريس).....سأذهب إليها أنا
أيضا....بالتوفيق...."





واخترق (جوفاني) الحضور ليجد الأميرة تحدث أحدى السيدات وما إن فرغت من حديثها حتى اتجه (جوفاني) إليها وانحنى لتحيتها قائلا :



"أميرتي.....تشرفت بك.....هل تسمحين لي بمرافقتك؟!........"



فالتفت
له وتقابلت أعينهما......قال (جوفاني) في نفسه.....أنها جميلة
حقا.....جمالها مختلف .......جمالها برئ بشكل لا يصدق أما هي فلم ترى في
حياتها بجمال عينيه....كانت عيناه رائعة ذات بريق مذهل فاحمرت وجنتاها وهو
يحدق بها هكذا وقالت:




"أجل....لنرقص.."



وقادها إلى ساحة الرقص ثم أمسك بيدها بقوة وقال :




"جاهزة.....؟!!..."



فأومأت
بالإيجاب فدار بها ودار بسرعة مذهلة وقوة لا نظير لها فظلت تقاوم ألا
تسقط.... كانت تشعر أنها تطير وعيناهما سابحتان معا فابتسم لها وهو يدور
بها عدة مرات متتالية وكم كانت ابتسامته معدية فلقد ابتسمت ثم ضحكت وهي
تشهق خوفا من السقوط وهو يدور ويدور بلا توقف حتى شعرت بدوار وهو
يضحك.....كانا يضحكان معا مع أنهما لم يتبادلا كلمة وما إن انتهت الموسيقى
حتى دار بها الدورة الأخيرة ثم توقف فمال رأسها على صدره وهي تشعر بالدوار
فقال لها :




"أنا آسف لم أرقص مع فتاة تجيد الرقص لدرجة أن تجاريني في هذة الرقصة فقررت أن أقوم بها كلها....هل أنت بخير؟!.."



"أجل......أحتاج قليلا من الهواء....."




فاتجه
بها إلى الشرفة.....كانت الشرفة واسعة بها بعض العشاق هنا وهناك و حاولت
الفتاة أن ترفع نفسها لتجلس على سور الشرفة ولكنها لم تفلح فرفعها (جوفاني)
ببساطة وكادت رأسها تسقط للوراء لشعورها بالدوار ولكنه ثبتها فقالت مبتسمة
:




"أشكرك......يالها من رقصة.....استمتعت بها كثيرا....."




فقفز وجلس إلى جانبها قائلا :



"وأنا.....لم استمتع برقصة كما استمتعت بها....كما لم استمتع برفقة كما استمتعت برفقتك....."




"آه........ستبدأ كلامك المعسول منذ الآن.....لكنك لم تعرفني بعد...أم أن هذة عادة فيكم أنتم جميعا أيها الرجال؟!....."




"إذا
كنت تتحدثين عن جميع الرجال فالرد سيكون نعم.....وإذا كنت تحدثينني شخصيا
فالجواب لا.....لست من هذا النوع....ثم من لا يعرفك أيتها الأميرة...."






فضحكت
بجزل وظلا يتجاذبان أطراف الحديث.....كان (جوفاني) مندهش للغاية لشدة
رقتها وحسنها ودهش كيف آلفها بسرعة رهيبة بحيث أصبح حديثهما لا ينتهي لكثرة
الأشياء التي تجمعهما وفي كل مرة كانت تضحك بفرح لنكتة قالها كان يشعر أن
شيئا ما يصيب قلبه..... وبعد ساعات توقفا عن الحديث وكل منهما يحدق بالآخر
كانت الأميرة مأخوذة بسحر عينيه فقالت :




"أتساءل من أين ورثت عينيك هاتين....كأنهما مصنوعتان من الكريستال....لقد رأيت مثلهما من قبل أنا واثقة....."



"لقد ورثتهما عن والدي.....ولا ادري لما يقول الناس عنهما أنهما جميلتان بل أرى بريقهما أحيانا بغيضا شريرا......"



"لكن لماذا؟!......."



"لأنهن يجذبن الفتيات دون حتى أن يفكرن في شخصي أو في روحي....أو حتى ما إذا كنت مناسب لأحد منهن....."



"يالك من مغرور.....هذا هو سلاحك إذن.....أنا منيعة له منذ الآن....."



"أجل.....لقد حذرتك سلفا......وإذا كنت تجيدين صعوبة.....سأغلق عيني....ما رأيك؟!.."




فضحكت ثم قالت :




"وماذا عن أنفك؟!......لما هو متعرج في وسطه....هل كسرته من قبل؟!"



فأمسك بأنفه ثم مرت أمامه الذكرى المأساوية في جنازة والده فضحك ليخفي سخطه وقال :
"أجل.....كسرت أنفي في شجار!!!!....."



"يبدو أنك كنت طفلا شقيا.....ولكن دمك ليس إيطاليا مئة بالمئة.... أليس كذلك؟!.... بشرتك السمراء وشعرك الأسود....."



"نعم.....والدتي.......ليست إيطالية...."



"من أي بلد هي؟!......."




"لن
تفرق......المهم أنها ليست إيطالية......والآن تعرفين كل شئ عني.....أنا
شاب في الرابعة والعشرين صعب المراس شقي ولكني املك قلبا طيبا....!!!!"




فضحكت
الفتاة بشدة ثم مرت من أمامها فراشة صغيرة ففرحت بها وحاولت إمساكها
ولكنها لم تفلح فحاول (جوفاني) أيضا إمساكها وظل الإثنان يحاولان حتى فقد
(جوفاني) توازنه

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر 714841308124235805

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل السادس عشر

[[ أزهار العشق الذهبية [[

كانت (كلوديا) جالسة في الحديقة وحدها تفكر في ما حصل في حفلة الأمس وتساءلت لما لم تغضب لأنه كان وقحا معها أكثر من حزنها أنه يكره أسرتها ويعاديها لقاء هذا....ظلت تساؤلاتها عن نظرته الحاقدة التي رمقها بها بعد أن علم أنها من أسرة (فان دييجو) وتساءلت لما تبدو ملامحه مألوفة لها كثيرا ولما شعرت أنها لمحت في عينيه بعد أن عرف اسمها أنه يعرفها.....لم تستطع النوم جيدا وهي تفكر في كل هذا كما شعرت بالأسى لأنها لن تستطيع الحديث معه من جديد فلقد أعجبت به جدا ليلة أمس وبشخصيته الرقيقة اللبقة وبعينيه.



ثم فجأة شعرت بيد تشد شعرها بقوة من الخلف فصرخت حتى سمعت (ماريوس) يضحك قائلا:




"لقد شدت شعرك حوالي مليون مرة في حياتي ولا تتعلمين أبدا.....بل لازلت تفاجئين......هذا مضحك!!!!"



"وكم مرة وبختك بشدة بسبب هذا العمل وأن تكرره دائما وباستمرار...أنا اكره هذا (ماريوس) "



"أما أنا فأحب هذا.....أحب أن ألمس شعرك الجميل هذا بخصلاته البنية الفاتنة.... كم تمنيت لو أن لي شعرا بنيا مثلك..."






"أما أنا فلم أتمنى شعرك الأشقر فأنت دائما تثبته وترجعه إلى الوراء لدرجة تشعرني أنك تخنقه..."




"هذة أناقة يا عزيزتي....ثم إذا كان هذا سيسعدك سأترك خصلتين أو ثلاثة في مقدمة شعري تنسدل على جبيني إذا كان سيجعلني جميلا في نظرك....."



كانت تعلم أنه يمازحها ويريد مضايقتها فتجاهلته ولكنه جلس معلنا أنه سيحدثها ولفترة طويلة ولم تبدو راغبة في الحديث في البداية لكنها أذعنت لمحادثته في النهاية وقال لها فجأة بدون مقدمات :



" (كلوديا) ما رأيك في كرجل؟!......."



"ما هذا السؤال المفاجئ؟!.....تعلم أني لا أحب الحديث في هذة المواضيع..."




"نحن معا منذ ولدنا ونعيش في نفس البيت وأنا اعرف كل طباعك وأنت كذلك.....لما لا تفكري مثل ما أفكر.....أصبحت شابة الآن....في سن العشق وإذا كان هناك شخص عليه أن يحتل قلبك فلا يوجد غيري....."




"يالك من مغرور متعجرف.....ولما أحبك أنت؟!.....هناك آلاف الشباب غيرك"




"ولكنهم ليسوا مثلي...!!!!"




"هذا أفضل ما فيهم.....!!!!!"




"أنا لا أتشاجر معك هنا.....ما أحاول قوله.....لما لا تفكري فينا من هذة الناحية؟! الجميع يعلم أننا لبعضنا....لما تصرين على العناد دوما؟!....وإذا كان هناك شئ في يزعجك.....أنا على استعداد لتغييره.....هل هناك من هو أكثر تواضعا مني؟!..."




"أنا......أنا لا أريد الحديث في هذا الأمر الآن....."




"كما تريدين...ولكن أسرعي في ذلك......فالأسرة لن تتفهم تأخرك...."




ورحل و تركها وشعرت (كلوديا) بغضبها يزداد أضعافا فهي منذ زمن غاضبة لأن أهلها قرروا بالنيابة عنها أنه بما أنها في سن مناسبة (لماريوس) فعليهما أن يكونا متحابان بل ويتزوجان أيضا.......سارت ودخلت القصر حتى وصلت لمكتب جدها فوجدته كالعادة يقرأ ثم طرقت بابه فنظر إليها فابتسمت له بسعادة ثم جرت ورمت نفسها في حضنه فقال :




"على رسلك......قد تكسرين أحد عظامي....!!!!!..."




"اشتقت لك كثيرا يا جدي......كثيرا...."




"لقد كنت معي بالأمس....فكيف اشتقت لي؟!.....يالكلام الشباب المنمق دوما...."




"لا يا جدي لست أجامل.....ثم ألم تشتق إلي أنت أيضا؟!....لما أنت بخيل في حبك لي هكذ؟! حتى أنك بخيل في قبلاتك أيضا.....أنت لم تقبلني أمس؟!...."



فابتسم لها لأول مرة وقال :



"إذن أنا أقدم لك اعتذاري..!!!!!!...."



وأمسك رأسها ثم قبلها وجلست على حجره ثم قالت :



"جدي...قل لي هل أنا كبيرة أما صغيرة؟!....."




"أنت صغيرة....!!!!!....."



فضربته برفق معاقبة فقال :


"صغيرة بالنسبة لي.....!!!"



"أنا كبيرة....عمري تسعة عشر عاما.....أسمع يا جدي ألم يحن الوقت لي لكي أتزوج؟!."




"أجل لقد حان الوقت.....أنا سعيد لأسمع هذا الكلام منك....كنت أنا وأمك وزوجة خالك (فلوريا) ننتظر منك هذا الكلام..... و (ماريوس) كذلك....."



"أف....حتى أنت يا جدي....لا أصدق أنك معهم...."



"لما....ما عيب (ماريوس) ؟!....قد يكون أحمق وغير نافع ولكنه بالتأكيد زوج مناسب لك"
"ولكني لا أحبه....!!!!!....."




فقست ملامح الجد (فرناندو) ثم قال :



"ما هذا الكلام الفارغ؟!....لا وجود للحب وهذة التفاهات.....وخصوصا في أيامنا هذة... يمكنك أن تتزوجيه ثم أن تحبيه بعد ذلك....."



"لما تغضب يا جدي؟!....أنا أخبرك عن أحاسيسي فقط...."



"اسمعي يا (كلوديا) ..... الحب شئ تافه......وهو أكثر شئ يمكن أن يدمر حياتك نهائيا ... كما فعل بخالك وجعله أضحوكة....أنه آخر شئ أريدك أن تفكري به...."




فشعرت أنه لا مجال لها لتفهمه وجهة نظرها فلفت ذراعيها حول عنقه وسكتت مستسلمة...





ذهب (دانيال) إلى النادي ودخل قاعة تدريب المبارزة فوجد (جوفاني) هناك يتدرب فقال :




"ها أنت هنا؟!....لما تركت الحفلة بالأمس فجأة هكذا؟!....هل حصل شئ؟!...."



"أنا آسف يا (دانيال).....شعرت ببعض الغضب فلم أفكر أن أعلمك بذهابي...أعذرني ولا تسألني عن السبب....أخبرني كيف سارت ليلتك مع (ليتشا) ...."



فتحول وجهه إلى اللون الأحمر و قال :



"الواقع.....الواقع......لم أتجرأ على....توجيه الحديث لها...."



"ماذا؟!.....إذن ماذا كنت تفعل كل هذا؟!....أجبني..."



"وقفت مع المجموعة التي كانت تحدثها وظللت أشارك في الحديث فترة ولكني لم استطع توجيه الحديث لها.....شعرت بالحرج ومن ثم دعاها أحدهم للرقص..."



فأمسك (جوفاني) رأسه من الحسرة على حال صديقه وبدأت مباريات المبارزة بينه وبين زملائه وبدأ المشاهدون يدخلون فنظر فوجد (كلوديا) تدخل مع (ليتشا) وذهل أنهما صديقتان ثم بدأ يركز في مباراته....انبهر الجميع بأسلوبه الذكي السريع.....كما كان يفوق زملائه قوة ويكبرهم حجما فصفق له الجميع وكذلك (كلوديا).....كانت تراقبه وهو يبارز......شعرت أنه يشبه فرسان المائدة المستديرة وقررت تسميته في ذهنها (لانسيلوت) ثم جاء بعد ذلك دور (ماريوس) فقام (جوفاني) بالتنحي فناداه (ماريوس) :



"لا لا تذهب....لما لا نلعب جولة أو جولتين معا؟!...لقد دعوتك للمبارزة من قبل لكنك خفت....ألازلت خائفا؟!....لا تقلق سأكون رقيقا معك...!!!!"





ولما صمم (جوفاني) على ألا يفقد أعصابه معه مجددا فتجاهله لكن (ماريوس) صمم على مبارزته فلم يكن بيده حيلة.....وبدأ الإثنان المبارزة وشعرت (كلوديا) بأن ضربات قلبها ازدادت كثيرا وهي تراقبهما....لم تعلم هل بداخلها تشجع (ماريوس) أم شخصا آخر... كان واضحا جدا أن الإثنان متعادلان فهذا ذكي وهذا سريع...هذا قوي وهذا مناور...فدفعه (جوفاني) بضربة بسيفه جعلته يسقط فنهضت (كلوديا) شاهقة لأن أحدا لم يستطع أن يسقط (ماريوس) من قبل ثم قال (جوفاني) :



"هذا يكفي....!!!!...."



ونزع قناعه واتجه خارجا فأسرع (ماريوس) لمواجهته وأشهر سيفه في وجهه قائلا :




"لم تنتهي المبارزة بعد....هيا...!!!!...."




فتقاتل الإثنان من جديد وهذة المرة أسقط (ماريوس) (جوفاني) على الأرض ولكنه وجه إلى ظهره ضربة بسيف المبارزة غير قانونية مما أثار حفيظة (جوفاني) فأسرع كالبرق بضربه لتصيب وجه (ماريوس) بجانب فمه فقام الزملاء بالتدخل و نزلت (كلوديا) درج المتفرجين إلى ساحة القتال لتمسك (ماريوس) الذي دفع الجميع وأمسك (بجوفاني) يحاول أن يضربه ولكن (جوفاني) كان أسرع منه فلكمه لكمة قوية وهنا كسر (ماريوس) نصل سيف المبارزة ليكون حادا واتجه به غير شاعر أن (كلوديا) بجانبه وأن طرف السيف على وشك أصابة وجهها لولا أن اندفع (جوفاني) وأمسك بطرف السيف الحاد بيده قبل أن يصيب (كلوديا) التي صرخت وسقطت على الأرض وعندما فتحت عيناها....كانت قد نزلت على فستانها نقطتان من الدم الذي سال من يد (جوفاني) المصابة وهو يمسك بالنصل....كل هذا جرى في ثوان وقام الزملاء بفصلهم عن بعضهم بسرعة.....كان (دانيال) مذهولا مما حصل وكذلك (كلوديا) و تساءلت لما قام بحمايتها بينما اخذ (دانيال) صديقه بعيدا وحاول معالجة يده في حجرة العناية الخاصة......كان (جوفاني) هادئ تماما لا ينطق بكلمة وكأنه سارح في عالم آخر و (دانيال) يحاول مواساته وفي تلك الأوقات كان أصدقاء (ماريوس) يحاولون أن يفهموا منه سبب عداءه الغير مبرر ناحية هذا القادم الجديد ولكن دون جدوى أما (كلوديا) فلقد جرت مسرعة إلى (جوفاني) لتسأله لما أنقذها ولتحاول مساعدته ولكنها وجدته يركب العربة ليرحل... توقف لحظة ليلقي عليها نظرة من بعيد وكأنه يتأكد أنها بخير ثم رحل وظل ألف سؤال يرن في رأس (كلوديا) عن ما هو خفي عنها في ظل الظروف الراهنة...





في قصر (كازابيانكا) كان هذا الحادث هو موضوع الحديث الذي فتحته (كلوديا) نفسها وقالت أن (ماريوس) معاد لشخص من عائلة (ديمتريوس) دون سبب وأنه كاد يؤذيها لطيشه ولكن الغريب أن أحدا لم يستجب لها بل حاولوا إقناعها أن عائلة (ديمتريوس) أعداء لهم وأن عليها أن تتجنبهم تماما مما أثارها أكثر حتى قالت :




"ولكن لماذا؟!....ماذا حصل بين الأسرتين حتى يولد كل هذا العداء؟!....أرجوكم أخبروني"




فلم يجب احد ثم قال (فرناندو) :



"إن عائلة (ديمتريوس) عار على العائلات النبيلة فلقد تزوج سليل أسرتهم المدعو (أندريه) من سيدة ذات اصل سئ السمعة وأنجبت هي هذا الطفل القذر ليرث كل شئ.... فلقد استغلته لأبشع حد...الجميع يعرف هذا.....أصلهم ليس نبيل....بل اصل مخزي في الحقيقة...وهذا سبب أدعى لكي لا تقتربي منهم مطلقا....!!!!"




فذهلت (كلوديا) من الأخبار الجديدة وظلت حائرة تفكر وهي تسير في طرقات القصر....حتى توقفت عند لوحة خالها المتوفي الذي لا تذكر عنه شيئا تقريبا....وقفت أمامه وظلت تحدق به أمعنت النظر و فجأة رأت صورة (جوفاني) من خلال صورة (ألفريدو).....شعرت أن هناك شبها كبيرا حقا...وخصوصا العينان......العينان متطابقتان تماما ولكن كيف؟!....زاد هذا من حيرتها بشكل مضاعف و خرجت في الصباح الباكر وأخذت جوادا من الأسطبل وظلت تركض به بسرعة آخذة معها أدوات الرسم......كانت لديها رغبة عظيمة في رسم منظر طبيعي أو بعض الورود....ظلت تحدق في كل منظر حولها.....لكنها لم تستقر في مكان وسارت طويلا حتى رأت عن بعد سياج قصيرا يعلن نهاية أملاك أسرة (فان دييجو).....كانت تلك المرة الأولى التي ترى فيها هذا السياج فلم تصل إلى حدود أملاك الأسرة من قبل ثم رأت الكثير من الورود.....كانت ورود من نوع الكلوديا التي سميت على أسمها فشعرت بالنشوى تجتاحها و قررت أن تمر من السياج لترسم هذة الأزهار....نزلت من جوادها و ربطته بشجرة ما ودخلت أملاك أسرة (ديمتريوس) ظلت تتجول وسط الورود الذهبية كان المنظر رائعا حقا و رأت شجرة صنوبر كبيرة قابعة في الوسط كانت ضخمة بحيث لم تستطع أن ترى نهايتها وكانت فروعها مفلطحة تشكل مكان يمكن أن يجلس فيه شخص ولكنها لا تعرف التسلق...ظلت ترسم تلك الورود وبعد أن انتهت قطفت لنفسها بعضا منها و نظرت حولها وأشعة الشمس الذهبية تحول كل شئ لجو ساحر....كان المنظر فوق المعقول فظلت تدور حول نفسها....شعرت أنها أميرة في إحدى القصص الخيالية ربما سنووايت وأن أميرها قادم ليراقصها وظلت تضحك بصوت عالي وتتحدث كالأميرة وتنحني تحية لأميرها الوهمي وتتحرك وكأنها ترتدي فستانا للحفلات ومدت يدها وكأن أميرها دعاها للرقص فردت بالإيجاب....ظلت ترقص مع أميرها الوهمي وتدور هنا وهناك وشعرت وكأن أميرها دفعها بيده لتدور فظلت تدور أكثر من دورة حتى شعرت بالدوار وعندما توقفت بدأ جسدها يميل إلى الخلف....شعرت أنها ستسقط ولكن شخصا أمسك بها من الخلف.....أمسك بكلتا كفيها واصطدم ظهرها بصدره العريض......
ظلت هكذا دون حراك لمدة دقيقة لأنها تشعر بالدوار وشعرت غير واعية أن الذي يقف خلفها هو أميرها الوهمي ولكنها شعرت بدفئ اليدين اللتان تمسكان بها وهو يشبك أصابعه بأصابعها بدت كلحظة ساحرة وسوط الورود وأشعة الشمس....تتكئ هي بثقل جسمها عليه ليشكل هو جدارا و يحميها من الخلف وأصابعهما متشابكة.......وفجأة صحت من غفوتها تلك وأدارت رأسها فقط فرأت (جوفاني) يقف خلفها.....كانت عيناه تحمل ما في قلبها من مشاعر لكن ما لبث أن أخفاها خلف قناع اللامبالاة ففكت أصابعها من أصابعه ودارت بسرعة كان يقف هناك وينظر إليها ببرود وخرج صوته ليكسر السحر الذي غلفهما قائلا :



"هل انتهت مسرحيتك؟!......!!!!"



"ماذا؟!....كيف.....كيف أتيت الى هنا ؟!..."




"هذة أرضي.....علي أن أوجه لك هذا السؤال....أنا كنت نائما فوق أفرع تلك الشجرة حتى أتيت أنت وأزعجتي منامي بحديثك مع نفسك وتمثيل مسرحيتك....ماذا كنت تفعلين هنا؟!"



"كنت......كنت أرسم الأزهار ......"




وأحضرت دفترها كدليل على صدق كلامها فنظر للحظات إلى رسمها.....كان رسمها رائعا حقا وتذكر الأيام الماضية وهما طفلان عندما قامت برسمه...أعاد لها دفترها بسرعة وقال :





"والآن هل انتهيت؟!....عودي إلى أراضي أسرتك بسرعة....فنحن لا نحب المتطفلين!!!!"



"انتظر لحظة.....كيف حال جرح يدك؟!....."



أمسكت بيده وظلت تمرر أصابعها برقة على جرحه العاري دون ضمادة وقد بدأ يلتئم.... كانت حركات أصابعها تثير في نفسه شعورا لا يعرف كونه......فسحب يده وقال :



"إنها بخير......والآن غادري...."



"انتظر....لما أنت مستعجل دوما هكذا؟!..لم يتسنى لي حتى أن أشكرك ولكني ظننت أنك تكره أسرة (فان دييجو)....فلما أنقذت واحدا منها؟!.....قول لي....."




شعرت أنها قد حيرته وقال بعد قليل :



"لقد أنقذت أنسانا فلا تسيئي فهمي.....ثم كانت لحظة....لم استطع أن أفكر فيها إن كنت من تلك الأسرة أم لا...."



فابتسمت (كلوديا) ثم قال :



"هل تسمح لي أن أقول شيئا؟!....أنا لا أبالي بعداء أسرتينا... فأنت شخص لطيف وهذا ما أراه فيك....لا أرى فيك الشخص الشرير الذي يتحدثون عنه... فلما لا نكون صديقين؟!...."




فالتفت لها ونظر إليها طويلا.....كان سحر عينيه مذهلا بشكل لا يصدق فقالت بشكل حالم :



"أرجوك....!!!!"
فأصابت تلك الكلمة وترا حساسا في قلبه فاندفع نافرا وقال :



"هيا...أخرجي من أرضنا.....ألا يكفي ما أخذتموه منا؟!...تريدون أن تأخذوا منا المزيد.. لن ننخدع بطيبتكم الزائفة....!!!!"




فذهلت (كلوديا) وهي تسمع هذا الكلام منه.....ثم غادرت مذعنة....




كانت الأيام المقبلة تجمعهما باستمرار......في الحفلات الراقصة حيث يراقص كل منهما أحدا آخر ويراقبان بعضهما البعض من طرف خفي.....كانت عيونهما تلتقي باستمرار وكأنهم على موعد..... كانت (كلوديا) تراقبه دائما وهو يلعب البارزة......كما لم يحتك به (ماريوس) مجددا.....كان (جوفاني) فارسا رائعا له أسلوب فاتن في المبارزة....بدى لها مثل الأمير تماما فلم تتمالك نفسها وظلت ترسم بعض الرسومات السريعة له....لجسده وهو يقوم بحركة فنية سريعة....لوجهه....كم كان وجهه يثير أحاسيسها....ولكنها كانت دائما تقف أمام عينيه وكأنهما طلاسم أو شكل بلا معالم محددة فتعجز عن رسمه.....حاولت مرارا وتكرارا ثم صرخت مرة :




"ها قد استطعت أن أرسم شيئا مقاربا..!!!!...أنها تشبه عيناه جدا أليس كذلك يا (ليتشا) ؟! "





ولكن بدا وجه (ليتشا) أحمرا وهي تنظر خلف (كلوديا) فنظرت (كلوديا) فوجدت أن (جوفاني) يقف خلفها يحدق في الصورة ثم أمسك بالورقة وبسرعة قام بتمزيقها إلى أجزاء صغيرة فشهقت (كلوديا) بذعر فقال (جوفاني) :




"من أذن لك بأن ترسميني؟!......أنا لا أسمح بذلك....ألا تفهمين؟!...ثم أن رسمك رديئ للغاية...لا تفعلي هذا ثانية...."




ورمى الأوراق في الأرض أمام قدميها ورحل بسرعة....كان مصرا على أن تظل العداوة قائمة بينهما....كان هذا الحدث قد أثر في (كلوديا)....لأنها شعرت في الفترة السابقة أن نظراتهما لبعضهما تعني شيئا ما....شيئا بينهما.....مثل كل أبطال القصص العاطفية التي كانت تقرأها....لا تدري لما في كل مرة كانت تقرأ رواية ما.....كانت تتخيل (جوفاني) هو بطلها... كان يستحوذ على تفكيرها بشكل كبير للغاية وهي لا تعرف السبب على الرغم أن (ماريوس) دائما معها وأنه دائما يحاول أن يظهر بمظهر العاشق المخلص لكنها لا تفكر به كما تفكر (بجوفاني) أبدا.....وظل لغز تشابه صورة خالها (ألفريدو) و (جوفاني) لغزا غامضا لا تفهم له تفسيرا ورسمت لخالها صورة....كانت تشعر بداخلها أنها ترسم (جوفاني) ..... ولكن تصرفات (جوفاني) لم تمنعها أن ترسمه في الخفاء....كانت دفاترها ممتلئة برسومات غير مكتملة له في كل الأوضاع.....شعرت أنها فعلا أصبحت مهووسة به بوجهه وبعينيه وهي تراقبه في كل مكان يقف فيه دون منطق أو شعور....






ذات مرة كانت تسير في حدائق النادي حتى شعرت بقطرات المطر تصطدم برأسها...لم يكن هناك أحد غيرها في الحديقة وهي ترسم فجرت بسرعة ولا تعلم أين تحتمي فالمباني كانت بعيدة عنها فأحتمت تحت شجرة أوراقها كبيرة ومفلطحة وظلت تراقب المطر دون أن يصيبها منه شئ......كانت تشعر أن حالها غريب....فلقد بدأ شعور ما يزورها منذ أن عرفت (جوفاني) ..... شعور لا تعرفه....أصبح يزورها كثيرا في الآونة الأخيرة في كل مرة تلتقي عيناه بعينيها حتى لم يعد زائرا وأصبح يعيش بداخلها باستمرار....شعرت أنها.....أنها عاشقة وتساءلت كيف ولماذا فهو يعتبرها عدوة له....أحيانا تشعر أنه بداخله لا يكرهها في الحقيقة بل يحمل جزءا من مشاعرها.....في عينيه شئ يجيب نداء عينيها الصامت عندما تلتقي نظراتهما دون إنذار مسبق...ولكن ربما تتوهم ذلك....لأن بداخلها مشاعر تجاهه... ومن هناك رأته قادما يركض بسرعة محاولا تجنب المطر فنادته ليحتمي معها تحت تلك الشجرة فوقف لحظة يفكر ثم اندفع ووقف تحتها مع (كلوديا).....كان شعره رطبا من الماء ووجهه وملابسه فأخرجت منديلها وظلت تمسح له وجهه وشعره لكنه امسك بيدها فتوقفت ثم قال ببطء :



"أنا سأقوم بذلك.....!!!"
وأخذ المنديل منها وظل يمسح ملابسه ووجهه.....وقفا هكذا تحت المطر.....قالت بداخلها.. كم هو شعور مرعب.....فوهي تقف قربه هكذا قلبها يؤلمها...لأنها تشعر أن كل تلك المشاعر تريد أن تخرج لتظهر له بكل ما فيها.....فوضعت يدها على قلبها وكأنها تحاول منعه...... وظلت صامتة حتى امتدت يده فأمسك بدفترها وظل يتفحص لوحاتها بعين ناقدة.....ووقع نظره على قطة رسمتها في الجانب الأيسر من اللوحة....قطة صغيرة....تتبول...فضحك.... نعم لقد ضحك وظلت (كلوديا) تنظر إلى ملامح وجهه التي ازدادت روعتها أضعافا وهو يضحك هكذا ثم قال :



"ألم تجدي منظرا أفضل من هذا لتصوري به قطة في لوحتك؟!..."





فشاركته الضحك....ثم توقفا وهما يحدقان ببعضهما البعض ثم مد (جوفاني) يده وأعطاها الدفتر فمدت يدها لتمسك بالدفتر وفي تلك اللحظة دوى صوت الرعد المرعب في أرجاء المكان فصرخت (كلوديا) ذعرا ولم تلتقط الدفتر فسقط أرضا ولم تشعر بشئ إلا أنها في أمان في حضن (جوفاني) !!!!......دوى الرعد مرات متلاحقة وهي ترتعد خوفا بينما ذراعا (جوفاني) تحميانها بقوة وبعد قليل توقف صوت الرعد وابتعدت (كلوديا) قليلا ونظرت إلى (جوفاني) بعينين مغرورقتين بالدموع وهو نظر لها بعينين تحملان ذلك الشعور الرائع الذي تشك بوجود مثله في قلبه ولكنها شعرت أنها بتلك الحركة قد أوضحت ما بداخلها فجرت مسرعة وهي تبكي......وظل (جوفاني) يحدق بها وهي تركض مبتعدة عنه...فأمسك بمنديلها الذي تركته ودفترها.....وحملهما معه إلى بيته....وضعهما على سريره وجلس يفكر بعد أن غير ملابسه......يفكر في ذلك الشئ الغريب الذي يجتاحه كلما رآها....مع كل أسفاره ورؤيته للعالم أجمع التي علمته الكثير من الأشياء لم تعلمه ما يكون ذلك الإحساس الغريب الذي يعتمر قلبه لم يفهم لما يحس بهذا ناحيتها هي فقط.....سمع طرقا على الباب ودخلت (أنجيليتا) مبتسمة ثم عانقت (جوفاني) وأعطته قبلة على جبينه وقالت :




"ولدي يبدو وسيما اليوم.....كيف أنت حبيبي..؟!....."




"بخير أمي.....آه انتبهي لا تجلسي على دفتر الرسم....!!!!"





وهنا لاحظت (أنجيليتا) دفترا على السرير والى جانبه منديل...منديل أنثوي.....فأمسكت بالمنديل وقرأت عليه اسم (كلوديا) فقالت :



"هل هو (كلوديا فان دييجو) ؟!..."




"نعم.....لقد نسيته معي.....سأعطيها إياه غدا...."




جلست (أنجيليتا) الى جانب ولدها تقرأ من ملامحه وعيناه ما يخفي بصدره ثم قالت :




".....هل تحبها؟!......!!!!"
فانتفض (جوفاني) وقال :




"أمي؟!.....مالذي تقولينه؟!....من المستحيل أن أحب (كلوديا) ...!!!!"





"لماذا؟!....."




"لأنها من أسرة (فان دييجو) .....!!!"




"وهل هذا سبب؟!.....لا سبب يمنع اثنين من حب بعضهما البعض....حتى لو كانت أسرتيهما متعاديتان....ألم تسمع بقصة روميو وجولييت أم ماذا؟!...."




"أجل أعرفها....لكني لم أقرأها...إن هذا كله مجرد أحداث تحدث في الخيال....أما أنا فأعيش في الواقع.....(كلوديا) بعيدة عن متناولي ولا يمكن أن أشعر تجاهها بشئ غير الكره........ أنا واثق من هذا....فكلهم...كلهم أناس سيئون للغاية...."



فابتسمت (أنجيليتا) وأمسكت بوجه ابنها بين كفيها ثم قالت :



"لا بأس بني....لا عليك...كل ما أريده أن تكون سعيدا ومرتاحا....مهما كان أختيارك..!!"




ثم بدلت حديثها لتحدثه في أمور أخرى......




ذهب (جوفاني) للنادي ليبحث عن (كلوديا) فلم يجدها وفي تلك الأثناء كان (ماريوس) قد اشترى قبعة جميلة بلون الذهب ليهديها (لكلوديا) فهو يعلم حبها الشديد لتلك الأشياء.....ولكن لم يرها مطلقا في القصر.... فاندهش لذلك وترك القبعة فوق سريرها.....ثم ذهب....بينما ذهب (جوفاني) في الميعاد المعتاد إلى مزرعة الزهور الذهبية ليجلس فوق شجرة الصنوبر يتأمل المنظر من أعلى.... فوجدها هناك....وجد (كلوديا) ترسم هناك وبعض الزهريات الصغيرة عالقة في شعرها..... كانت تبدو فاتنة للغاية وظل يجلس هناك مراقبا لها وهي ترسم.....تمنى تلك اللحظة لو أنه يجيد الرسم لرسمها كما هي....وأشعة الشمس تطلق ضوئها الذهبي عليها ثم أسرع بخطواته باتجاهها ليحدثها....وعندما رأته حيته بطريقتها المعتادة متناسية ما حصل بينهما سابقا فأعطاها الدفتر والمنديل فشكرته....جلس إلى جانبها دون كلمة يحدق فيما ترسم ثم سألته:



"أجئت لتجلس فوق شجرة الصنوبر؟!...."



"نعم....فأنا أفعل هذا دائما.....في هذا الوقت...."




"لما لا تبني بيتا هناك؟!....سيكون جميلا....ويمكن أن أزورك فيه....لن يعلم أحد بوجود مثل هذا البيت في الأعلى لأن الشجرة عالية كما أن أوراقها ستغطي البيت...."



"سأفكر في ما قلت....."




وفجأة أخرجت صورة مرسومة من دفترها وأعطته إياها وقالت :



"أنظر....هذا خالي...... (ألفريدو فان دييجو)....أتعرف لما رسمته؟!...أنه يشبهك.....أنظر إليه....ألا يشبهك كثيرا؟!....هذا أمر غريب...."




فظل يحدق في الصورة ووجهه غير معبر ثم أعطاها إياها دون كلمة....فقالت برقة :





"أرجوك دعني أرسمك....إذا فعلت...سوف أتركك وشأنك فورا...وسوف لن أزعجك أو أزعج أملاكك بعد اليوم...."




فنظر لها وهي راكعة بجانبه وشعرها يتدلى ليلامس ركبته ثم قال :





"حسنا!!!!......"
برقة مماثلة ففرحت للغاية وبدأت بتحضير أقلامها وأمسكت طرف السكين الصغير لتبري به أقلامها حتى تبدأ بالرسم فرفعت رأسها لترى أي وضعية أتخذ فأصابت السكين إصبعها بجرح دون قصد فصرخت بألم فأسرع (جوفاني) يمسك بإصبعها ثم قال :



"هل جننت؟!.....ألا تنتبهي لما تفعلين؟!....لقد آذيت نفسك هات يدك..."




وبدأ يمسح الدم بإصبعه....ثم ضغط على إصبعها بشفتيه ليحاول منع الدم من أن يسيل.... كانت حركته هذة كافية لجعلها تحمر خجلا وبدأت يدها ترتعش بين كفيه فعرفت أن هذا فضح مشعرها تجاهه فسحبت يدها منه وهو يحدق بها وفي عينيه تساؤلات فقالت له دون أن تنظر إليه :



"لا بأس لا تقلق....والآن أجلس هنا لأبدأ برسمك....أرجوك....."




وفي ذلك الوقت أخذت (أنجيليتا) جوادا لتعبر به جسور المستحيل الذي غلفت المكان الوحيد الذي تحب....أرض أسرة (فان دييجو) أرض زوجها (ألفريدو) تلك الأماكن التي تحمل ذكرياتهما معا....أخذت حصانها عابرة به حدود أراضي آل (ديمتريوس) ووجدت نفسها في أراضي أسرة (فان دييجو)....هنا قفز (ألفريدو) عليها بالبندقية...وهنا جرى ورائها يحاول إمساكها وهنا قطف لها وردة نادرة ليضعها في شعرها....وهنا وقف يضحك لها بسعادة... تدفقت الذكريات من رأسها لتحيى أمام عينيها بشكل لا يصدق....هاهو (ألفريدو) أمامها بكل ما فيه....هو بنفسه...كم تعذبت تلك السنين لأنها لن تستطيع أن ترى كل هذا مجددا وكم خافت أن تدخل إلى هناك حتى لا ترى أحدا من أسرة (فان دييجو) فيقوموا بطردها كما فعلوا سابقا بتلك الطريقة الشنيعة.....ثم وقفت بحصانها تحدق بما جاء في الأفق بعيدا....أنه بيتها... فيلا البحيرة...هناك.....فجرت مسرعة بالحصان وأجتازت البحيرة فوق ظهر الحصان حتى وصلت إلى بيتها....كان مهدما مهجورا...مثل أطلال ذكرياتها تماما وسالت دموعها أنهارا ودخلت بيتها الذي عاشت فيه أجمل أيام عمرها مع حبيبها الوحيد (ألفريدو).....هناك أكلا سويا... وهناك نامت في حضنه وهناك وهناك.....جلست على الأرض تذرف دموع الندم والحسرة على ما ضاع ومالا يكن إستعادته....أجل إن (أندريه) قد حماها وانتشلها من البؤس الذي عاشت فيه وجعلها أسعد مخلوقة.....ولكنه لم يستطع بحنانه وحبه اللذان لا ينفذان من قلبه أن يسد الفراغ الذي في قلبها بعد رحيل حبيبها الوحيد (ألفريدو)....هو وحده من تريد..... وهو وحده الذي لا تستطيع أن تناله....من العالم أجمعين....ظلت تبكي لساعات من الوقت لا تعرف عددها حتى شعرت بخطوات شخص يقتحم ذكرياتها ويبدد أطيافها من حولها..... فاستدارت لترى.....كانت تلك (فلوريا) !!!!......غريمتها القديمة....كلا المرأتان لم تصدقا أنهن اجتمعتا هنا وبتلك الطريقة منذ سنوات.....منذ أكثر من عشرة أعوام...كانت (أنجيليتا) قد أخذت (فلوريا) بين ذراعيها وهي تبكي منهارة على ضياع عالمها كما هو حال (أنجيليتا)الآن وها هي الأيام تلف وتدور لتضع كل واحدة منهما في موقع الأخرى....نظرت(فلوريا) إليها وكأنها شخص كان ميتا وعاد للحياة فجأة أمامها...فلقد أقنعت نفسها فعلا أن (أنجيليتا) ماتت ولكنها لم تفعل كما فعلت (أنجيليتا) من قبل...واستدارت راحلة....ثم توقفت لحظة وقال (لأنجيليتا) :






"غادري هذا المكان....أنه ليس لك....لم يعد لك بعد اليوم..أنت دخيلة على أراضينا!!!"




فقالت (أنجيليتا) هامسة :



"نعم لم يعد لي....لم يعد لي أبدا!!!......"
وركبت جوادها عائدة من حيث أتت ودموعها تغرق وجهها....شعرت بالقنوط وبيأس قاتل... ظلت تسير حتى وصلت إلى حديقة الزهور الذهبية وحاولت أن تمسح دموعها ونظرت إلى الحديقة.....رمز حبهما وقالت :




"نعم أنا الآن املكها....قد لا أملك هذا البيت ولكني املك حب (ألفريدو) في قلبي وأملك هذة الحديقة ...."



ونظرت إلى البعيد فرأت هناك (جوفاني) ابنها ينظر إلى لوحة (كلوديا) بسعادة وهما يتحدثان سويا ويضحكان معا ووقفا سويا وبدأ يساعدها على تسلق شجرة الصنوبر يحملها بين ذراعيه.....بدا الاثنان كتجسيد حي للحب الذي جمعها (بألفريدو) والذي لن يموت طالما هي على قيد الحياة فشعرت أنها أورثته دون قصد إلى ابنها...إلى قلبه إلى أحلامه....حتى لو لم يعترف بهذا وابتسمت لتلك الصورة الموجودة أمامها وقالت أن الحياة لم تنتهي ومن يدري.... ماذا يخبئ القدر لهما.....




عادت (كلوديا) الى بيتها سعيدة للغاية...فلقد نضجت براعم حبها (لجوفاني) وأصبحت عاشقة من رأسها حتى قدميها وظلت تدور حول نفسها سعيدة وهي تحدق في لوحتها التي رسمتها له.....كم يبدو وسيما....ثم جلست على سريرها سعيدة تشعر أنها تحلم....لكن أصابع يدها لامست جسما غريبا على سريرها....كانت القبعة الذهبية التي اشتراها لها (ماريوس) فحدقت بها بقلق أخرجها من أحلامها لتدرك الموقع الذي تقف فيه على أرض الواقع....ارتمت فوق السرير تحدق بسقف غرفتها وهي تفكر حائرة....




عاد (جوفاني) الى بيته فوجد أمه جالسة هناك كعادتها كل يوم أمام صورة أبيه تحدق بها بصمت وعندما جلس إلى جابنها ليحدثها ابتسمت له ودون كلمة خلعت القلادة التي تحملها في صدرها....قلادة الحوتان العاشقان وألبسته إياها ثم قالت :



"أرجو أن تحتفظ بتلك القلادة مدى عمرك وأن لا تفرط فيها أبدا...إنها لوالدك وقد ورثها عن والدته...وسأقول لك كما قلت له السيدة آنا....فليغمر الحب قلبك ويسعدك...كما فعل معي... فإن سعادة الحب هي السعادة الحقيقية...."




ولامست القلادة صدره فظل يحدق بها وبأمه....وسرح بفكره بعيدا....

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل السابع عشر

[[ صورة الروح [[

جاءت (ليتشا) لتزور صديقتها (كلوديا) فرأتها ترسم في لوحة ما ومنكبة عليها بشكل كبير ونظرت من خلفها خفية فرأتها ترسم (جوفاني) فقالت :




"يبدو أنك مصرة على ابن عائلة (ديمتريوس) أليس كذلك؟!....."




" (ليتشا) ؟!....لقد أخفتني!!!!.....ظننتك (ماريوس).....فأنا أخاف أن يرى تلك اللوحة.... لو رآها سينفجر غضبا..."



"ألا يعرف بصداقتك (لجوفاني)....."




"لا.....لو عرف...لمنعني من لقاءه دون شك....لا أفهم لما كل أسرتي لا يريدون أن أعرفه أو أن أعرف أصله.....سوف أكتشف هذا الأمر يوما ما...أنا واثقة..."




وفي لحظة سمعت الباب يفتح ويدخل (ماريوس) فأخفت اللوحة في الحال فقال :



"آه...أهلا (ليتشا) ...لم أعلم أنك هنا...كيف حال حبيبتي الصغيرة (كلوديا)؟!...أنك تبدين جميلة وشعرك مشعث هكذا والألوان على ملابسك....ماذا رسمت هذة المرة؟!..."



"هذا لا يعنيك (ماريوس) .....كف عن مضايقتي...قلت لك ألف مرة أن تطرق الباب قبل أن تدخل!!!.."



"وهل استأذن عندما أدخل غرفة زوجتي المستقبلية؟!...هذا شئ غير منطقي...."



"ومن قال هذا؟!.....إن بتصرفاتك هذة لن تكون زوجا لي أبدا....."



فضحك (ماريوس) وقال :



"أني أحب مضايقتك فقط.....أحب أن أراك تثورين غضبا وتصرخين تبدين جميلة هكذا...ولكن ألا ترين أنها طريقة لإظهار حبي لك؟!...."



"يالها من طريقة سيئة وسخيفة!!!!!!....."




"عزيزتي هناك أشياء مقدر أن تحصل لك في حياتك فإما أن تنكريها وتبقى تطاردك مدى الحياة وإما أن تتقبليها.....مثل زواجنا....أنه شئ مقدر منذ صغرنا فعليك تقبله..."



فنفخت (كلوديا) بغضب ونهضت ودفعته خارجا فظل يضحك متسليا....كانت ثقته تلك تثير غيظها ولو أنها شعرت في أعماقها أن كلامه صحيح فيبدو أن زواجهما محتم ولكنها قالت في نفسها مطمئنة أن المور لن تسير بهذا الشكل دون شك.....ووجدت نفسها تسير الى حديقة الأزهار الذهبية ووجدت (جوفاني) هناك كالعادة فنادته من أعلى الشجرة فنزل إليها ..... فقالت له:



"أنظر الى تلك اللوحة......."



فنظر فوجدها صورة لبيت خشبي من فروع الأشجار الكبيرة....كانت قد رسمته من ثلاث جوانب وقالت مبتسمة :



"ما رأيك في هذة الفكرة....أنه تحدي أليس كذلك؟!....ما رأيك أن نبنيه معا؟!....."



"لكن يا (كلوديا) ......سيتطلب هذا عملا كثيرا...وسأحتاج الى كتب ومعدات كثيرة لأعرف كيف أصنع هذا البيت الخشبي....."



"أسمع ألم تحكي لي ذات مرة أنك صنعت قاربا من ألواح خشبية قديمة؟!....لديك الموهبة لتفعل هذا....فلما لا تجرب؟!....سيكون ممتعا..."


فنظر إلى اللوحة مجددا ثم قال :



"سأفكر في الأمر......"



فابتسمت ثم قالت :



"حسنا.....ماذا ستفعل الآن؟!...."




"لا شئ...أن أمي قد طلبت الى أن أحضر لها باقة من تلك الورود لتضعها في غرفتها.."




فهتفت (كلوديا) :



"أسمع.....لما لا أقابل والدتك؟!....سيكون هذا من دواعي سروري.."



كانت (أنجيليتا) جالسة أمام صورة (ألفريدو) وهي سارحة في ذكريات بعيدة عندما دخل عليها (جوفاني) قائلا :



"أمي.....إن هناك زائرة تريد رؤيتك...."




فذهبت (أنجيليتا) الى غرفة استقبال الضيوف ووجدت (كلوديا) وفي يديها باقة من الأزهار الذهبية وهي تبتسم لها بود فاستقبلتها (أنجيليتا) بعناق حار ثم قالت :


"كم أنا سعيدة لرؤيتك يا (كلوديا) ....."



"ولكن يا سيدتي هل تعرفيني؟!......"



"أعرفك من أحاديث (جوفاني) عنك.....فهو يتحدث عنك دائما....."



ففرحت (كلوديا) للغاية بينما اكتست حمرة الخجل وجه (جوفاني) وزمجر قائلا :



"أمي ما هذا الكلام؟!....يبدو لي أنها ستكون جلسة نسائية....سأذهب أنا إذن..."



فضحكت المرأتان وجلستا معا تتبادلان أطراف الحديث....كانت (كلوديا) منبهرة لمقابلة المرأة التي يتحدث عنها الجميع ويقولون أن أصلها غير شريف....فلم تجد أثر لكلامهم في المرأة التي تحدثها.....كانت امرأة حنون رقيقة معتزة بنفسها وراقية لحد كبير فشعرت شعورا حقيقيا أن كل هذة الأحاديث مجرد أكاذيب ولكنها شعرت أنها رأتها من قبل وظلت تجول في سراديب ذكرياتها حتى توقفت أمام صورة في ذاكرتها (لأنجيليتا) نفسها!!!.....كانت ترحب بها وهي صغيرة عندما سألتها عن (جوفاني)!!!....وذهلت لتطابق المرأتان التي أمامها والتي في ذاكرتها وشعرت بحيرة كبيرة ثم قطعت (أنجيليتا) أفكارها وهي تقول :






"يالك من فتاة رقيقة حقا...سأكون سعيدة لو أنك تزورينني كثيرا بين الحين والآخر...ولكن... أخشى أن يؤثر هذا على علاقتك بأسرتك....."



"هل تعلمين بالعداوة بين الأسرتين؟!.."



"أجل.....لابد أن رأي أسرتك بي أني امرأة لا تليق أن تكون زوجة لنبيل من عائلة (ديمتريوس) ...."



ثم ابتسمت لدهشة الفتاة فقالت (كلوديا) :





"أرجوك سيدتي اخبريني السبب.."



"السبب غير مهم يا صغيرتي....لا فائدة من البكاء على الماضي والتقيد به....بل الأجمل أن نعيش في ذكرياته السعيدة فقط...لا تزعجي نفسك بمعرفة أشياء قد لا تسعدك وركزي على مستقبلك...."




عادت (كلوديا) من هذا اللقاء وهي في غاية الإرتباك والحيرة تحاول أن تتذكر....تتذكر تلك المرأة في ذاكرتها...ثم فكرت قليلا..جاءت لها صورة أخرى ويالدهشة مع (جوني) صديقها القديم وهي صغيرة....بقيت الصورة دقائق أمام عينيها وهي واقفة في غرفتها بلا حراك ثم وجدت نفسها تتجه نحو مكتبها كأنها منومة مغناطيسيا ثم فتحت آخر درج وأخرجت دفترا قديما مغطى بطبقة من التراب.....مسحتها وهي سارحة وفتحت على صورة محددة كانت قد رسمتها وهي صغيرة كانت صورة صديقها الصغير (جوني).....ظلت تحدق به فترة من الوقت ثم نهضت وأحضرت دفترها الحالي الذي ترسم فيه وفتحت آخر صورة رسمتها (لجوفاني)... وأدركت الحقيقة....أدركت فجأة أنه صديقها الصغير....كانت تلك مفاجأة مروعة لها حقا وتساءلت كيف يمكن أن يحدث هذا...وكيف يمكن أن يكون حيا فلقد ظنت طوال تلك السنين أنه مات فلقد أخبروها أن ابن خالها مات بعد موت خالها في حادت هو ووالدته وظلت تبكي ليال طويلة لفراق صديق صباها....كيف يمكن أن يظهر في حياتها بهذا الشكل المفاجئ والغير منطقي؟!....وكيف لم تتعرف عليه؟!...لطالما شعرت أن عيناه مألوفتان لها بشدة.... وجدت دموعها تسيل على خدها دون أن تكون لها رغبة حقيقية في البكاء وخرجت مسرعة........ ظلت تركض وتركض....حتى وصلت إلى حديقة الأزهار الذهبية ولكنها لم تجد (جوفاني) وظلت تنتظر وتنتظر حتى خيم عليها الظلام وبدأت تشعر بالخوف وكل ما حولها غارق في الظلام فبدأت تتسلق الشجرة الكبيرة واحتمت بفروعها من المطر ولم تشعر بنفسها عندما غرقت في النوم وفتحت عيناها على ضوء الشمس الذي ينصب على وجهها وهي بين ذراعي شخص يحملها على ظهر جواده فنظرت الى وجهه فوجدته (جوفاني) ولما حاولت الكلام وجدت أن جسدها واهن للغاية وشعرت بتعب لا يوصف فنظر إليها وقد كان يتصبب عرقا وقال :



"إهدئي عزيزتي....أنت بخير أليس كذلك؟!...ردي علي..."





ومالبثت أن أغلقت عينيها وغابت عن الوعي وبعد فترة لا تعرف مقدارها فتحت عيناها مجددا فوجدت نفسها في سرير كبير و بجانبها السيدة (أنجيليتا) وهناك رجلان يتحدثان عند الباب فحركت رأسها فانتبهت (أنجيليتا) وظلت تسألها عن حالها....وعلمت منها أنها أصيبت بالحمى لأنها بقيت في المطر وأن (جوفاني) أحضرها الى هنا وكان الرجلان هما الطبيب الذي كان يفحصها والسيد (أندريه ديمتريوس) وطمأناها على صحتها وقال (أندريه) :



"أنا سعيد أنك لم تصابي بسوء....ولكنها كانت مغامرة يجب ألا تكرريها مجددا يا صغيرتي هل هذا مفهوم؟!.....والآن يا عزيزتي (أنجيليتا) سوف أذهب أنا الآن.....وسأستدعي (جوفاني) لأخبره أنها بألف خير فلقد كان قلقا عليك يا (كلوديا)......"



ورحل هو والطبيب ثم قالت (كلوديا) بخجل :



"هل كان قلقا على حقا؟!...."



فردت (أنجيليتا) :



"نعم يا عزيزتي....لم أره في حياتي بهذا القلق...لقد حملك ورفض تركك أو حتى الذهاب لتغيير ملابسه حتى يأتي الطبيب ويفحصك و يطمئن عليك.....أظنه سيصاب بالبرد هو الآخر....."




وبعد قليل دخل (جوفاني).....كان ينظر إليها بقلق وتساؤل فنهضت لتحاول الجلوس وساعدتها (أنجيليتا) وجلس (جوفاني) على طرف السرير ثم قال :



"هل تشعرين بتحسن الآن يا (كلوديا) ؟!...."



فنظرت إليه وكأنها تراه للمرة الأولي......شعرت أن معرفتها أنه صديقها القديم (جوني) قد أضاف إلى شخصيته بعدا جديدا.....شعرت أنه صار أجمل وأكثر جاذبية وشعرت أن حبها له إزداد ألف مرة وهو يحدق بها هكذا وسمعت صوت الباب وهو يقفل فلقد تركتهما (أنجيليتا) وحدهما....فلم تشعر بشئ إلا وهي ترتمي بين ذراعيه.....ظلت تبكي وتقول :



"أوه يا (جوني)...أنت (جوني).....كم أشتقت إليك.....أحمد الله أنك حي وبخير... (جوني) كيف استطعت أن تخفي عني أنك (جوني) ؟!...."




ذهل (جوفاني) لهذا وأبعدا قليلا ونظر إلي عينيها الباكيتين وقال :



"كيف عرفتي بهذا؟!...."



فنظرت إلى ملابسها التي كانت ترتديها وأخرجت من جيب بنطالها ورقة صغيرة وأعطتها له فوجدها رسمتها القديمة له فابتسم وهو يتذكر وقال :



"لم أتخيل أبدا أنك لا تزالين محتفظة بها...."




"لقد أتيت أمس خصيصا وانتظرتك كل هذة المدة....أكنت تعرفني؟!..."




"بالتأكيد....كان لدي إحساس أني سألقاك يوما ما....وفي تلك الحفلة عندما أخبرتني عن أسمك.....عرفت سبب إرتياحي الغير منطقي لك..."





"أنت (جوني) .....لكن لما لم تخبرني أبدا؟!....لماّ؟!...."



"شعرت أن هذا لم يكن ضروريا....شعرت أنك نسيتني فلا بد أنهم جميعا قد أنسوك من أنا"



"ولكن قل لي...كيف حصل هذا؟!..ما الذي حصل بالضبط؟!...."



وفي تلك اللحظة دخل خادم يقول :




"سيدي...السيد (ماريوس فان دييجو) موجود هنا.."



ولم يعطه (ماريوس) فرصة بل دخل على الفور ورأى (كلوديا) ثم قال :



"ما الذي جاء بك هنا يا (كلوديا) ؟!.....لقد جننا من البحث عنك ليلة أمس....لو لم يرسل لنا السيد (أندريه) رسالة بأنك هنا لكنا أبلغنا الشرطة..."



ثم نظر إلى (جوفاني) باحتقار وأضاف :



"هيا...تبدين مريضة للغاية....سوف أحملك إلى العربة لنعود معا...."



"عليك أن تشكر (جوفاني) أولا....لأنه من ساعدني...."




فضحك بسخرية ثم قال :



"ليس هناك شئ في هذا العالم يمكن أن يجعلني أشكر هذا الشخص"



"حتى لو كان إنقاذ حبيبتك من الموت؟!....."



فامتقع وجه (ماريوس) وقال ساخرا :



"ها أنت تضعينني في موقف محرج أليس كذلك؟!....مع أنه كان مجبرا أن يفعل هذا..."



"كيف تتحدث عن أخاك بهذة الطريقة؟!....."



فكانت تلك صدمة مروعة (لماريوس) الذي قال ذاهلا :



"ولكن كيف عرفتي؟!....هل أخبرتها أنت؟!.....كيف تجرأت على ذلك؟!..."



"لم يخبرني (جوفاني) شئ فلقد عرفت وحدي.....عرفت ما حاولتم جميعا أخفاءه عني... وسأعرف الحقيقة كاملة من الآن...."




فقال (جوفاني) :




"إهدأي الآن يا (كلوديا) فأنت مريضة....عليك بالراحة وملازمة الفراش وسنتحدث فيما بعد....والآن يا (فان دييجو)....يمكنك أن تصحبها الى البيت وأرجو أن توفر على نفسك مشقة شكري....لا أحتاج شكرك المزيف..."




وعاد الإثنان البيت دون أن يتوجه (ماريوس) بالحديث (لكلوديا) فلقد كان مذهولا يحاول أن يفكر فيما سيقوله لها.....وتساءل هل عليه أن يستشير جده (فرناندو) أو أمه (فلوريا).... ولكنه لم يجرؤ على ذلك....كانت (كلوديا) تتعافى بسرعة حتى دخل الى غرفتها ذات صباح فلم يجدها وظل حائرا يفكر فيما سيفعل بعد أن تعلم (كلوديا) كل الحقيقة....في ذلك الوقت كانت (كلوديا) تستمع الى ما حدث (لجوفاني) وإلى كل تلك الآلام التي سببتها أسرتها له ولوالدته وكيف أنقذهما السيد (أندريه) وكيف مُحي اسمهما من الوجود ونسيا من الذاكرة وعوملا باحتقار من جميع من حولهم فأدركت أن كراهية (جوفاني) لأسرتها مبررة تماما عندما قررت أن عليها أن تواجه جدها بالحقيقة وتطالب بحقوقهما عليه حتى منعها (جوفاني) قائلا:




"لا فائدة من هذا....لقد فات الآوان ثم لا تخلقي مشاكل من لا شئ فنحن سعداء هكذا.....فالشخص الوحيد الذي كان يهمنا من الأسرة قد مات ودفن فلا فائدة ترجى من هذا......"




وفهمت (كلوديا) أيضا سبب عداوة (ماريوس) الدائمة (لجوفاني) ورغبته في تحطيمه...... بدت تصرفات الجميع كلها منطقية تماما بعد إن عرفت كل شئ وأخيرا جاءت لها ذكرى رؤيتها لخالها وهو يلف ذراعه حول (أنجيليتا) ويبتسم لها وهي تلعب مع (جوفاني)....... عندما تذكرت هذة الذكرى استطاعت أن تربط في قلبها وعقلها معا تلك الأسرة القديمة بالأسرة الجديدة التي تعرفها الآن.....ذهل (ماريوس) عندما وجدها لم تسأله عن هذا الأمر مطلقا ولم تحاول أن تعيد الحديث في هذا الأمر بل ظن في الواقع أنها سوف تشن حربا على الأسرة مطالبة بما تستحقه (أنجيليتا) وابنها ولكنها لم تفعل....قررت أن تضع الماضي خلفها كما طلب منها (جوفاني)....





كانت الأيام التالية أيام مسالمة وسعيدة.....كانت (كلوديا) تأتي إلى حديقة الأزهار الذهبية كل يوم تقريبا لتساعد (جوفاني) في بناء الكوخ الصغير فوق الشجرة...كانت سعيدة أن تشاركه عملا ما فحبه يتغلغل في أعماقها شيئا فشيئا ولم يعد بالنسبة لها إحساس تستطيع إنكاره أو تناسيه ولم تعد ترى في العالم رجلا مثله بل سواه.....كانت تشعر عندما يكلمها بعفوية أو يضحك ناظرا إليها أو يساعدها على رفع أحد الألواح أن هناك ما يحمله في داخله إتجاهها فلقد تغيرت معاملته لها وأصبح حنونا رقيقا ومبتسما على الدوام وكأنه نسي إلى أي أسرة تنتمي هي كما سعد بصداقتها لأمه وتوقيرها لها.....كانت أمه تعلم جيدا بمشاعر (كلوديا) نحو ابنها وتساءلت (كلوديا) لما علم كل من يراها معه أنها تحبه إلا هو وقررت أن تفعل شيئا ربما يجعله يدرك هذا.....وبعد فترة كانوا قد أنهوا بناء الكوخ كليا ووضع فيه (جوفاني) فراشا من القش وغلفه بقطعة قماش بيضاء ووضع ألواح الزجاج في النوافذ وصنع طاولة وكرسيين للجلوس ثم نظر بسعادة وبعد لحظات سمع طرقا على الباب ففتحه فوجد (كلوديا) تحمل في يدها إناء من أزهار الكلوديا ثم نظرت حولها وقالت:




"وأخيرا أنهيناه....يبدو جميلا جدا.....ستسطيع أن تنام هنا إذا أحببت....ولكن بقيت لمسة من الجمال لتجعل المكان كاملا..!!!"




ثم وضعت إناء الأزهار فوق الطاولة واستدارت له وضحك الإثنان معا بإنتصار واتجهت ناحيته ولف ذراعه حولها وهما يحدقان فيما بنياه سويا ثم قال (جوفاني) :




"لقد صنعت له سلما من الحبال ولن ينزل إلا إذا شددته من طرفه الصغير هناك بالأسفل حتى لا يعرف أحد بوجود هذا الكوخ الذي بنيناه هنا...ويمكنك أن تأتي وتجلسي فيه كما تشائين إذا كنت غير موجود....."



"كما يمكنني أن أترك لك رسالة إذا أتيت ولم أجدك....ما رأيك؟!..."



"فكرة لا بأس بها....ضعيها دائما تحت الوسادة....!!!"




وهكذا كان هذا المكان هو ما يلتقيان فيه دائما يتبادلان الحديث ويحكي كل منهما للآخر عن أحداث يومه....يحكي لها هو عن مباريات المبارزة وعن لقاءه (بدانيال) وهي تحكي له عن ما ترسمه وعن سماعها لإشاعة عن أحد النبلاء ولكنها كانت تتحاشى بحذر الحديث عن أحد أفراد أسرتها بل كانت دائما توجه الأحاديث عن أسرته هو وحكت له عن المسابقة التي قد شاركت فيها بأحد اللوحات وكسبت المركز الثاني العام الماضي و التي ستشارك فيها هذا العام فقام بتشجيعها على الفوز بالمركز الأول وكانت تترك له رسائل بين الحين والآخر وأحيانا تترك بعض قطع من الكيك التي تصنعها لنفسها ليتذوقها فيبتسم بسعادة وهو يأكلها........ كانت رقتها تغمره وتزيد من فرحته دائما ومن ناحية أخرى كان يقضي أوقات طويلة ينتظرها فتتغيب لبضعة أيام ثم يدخل الكوخ فجأة فيجدها جالسة على الطاولة تنتظره فيجلس أمامها ويتبادلا الحديث....كانت تلك أسعد أيام عمرهما وفكر (جوفاني) ثم قال لها عن (دانيال) وعن حبه لصديقتها (ليتشا) فضحكت وقالت أنه لا يظهر عليه هذا فهو لم يحاول مكالمتها أبدا...... ثم معا قررا أن يقابلاهما ببعضهما ويساعداهما على أن يتحابا حين قال (جوفاني) :



"أجل إنهما مناسبان لبعضهما للغاية وصدقيني أن (دانيال) مخلص جدا لها...."



"وأظن أنا أيضا أن (ليتشا) تشعر بشئ نحوه....ما رأيك لو نجمعهما يوم المسابقة التي ستقام في نهاية هذا الأسبوع......والتي سأقدم فيها اللوحة ؟! ..."



"إنها فكرة جيدة.....وهل لوحتك جاهزة؟!...."



"ستكون جاهزة قريبا جدا.....ولكن لا تسألني عما رسمت فلن أخبرك...."



"لما لا تريدين إخباري؟!......ظننتني سأكون أول من يعرف...."



"لا.....لتكون مفاجأة لك وتراها عندما تنتهي تماما...."



"حسنا كما تريدين......ولكني لست واثقا من أنها ستعجبني..!!!!!!"




فضحك الإثنان معا.....




كان (ماريوس) في النادي يمارس المبارزة ولكنه حزن لأن (كلوديا) لم تأتي....فلم تعد تجلس معه وقتا طويلا كالمعتاد بل قلما أصبح يراها....باتت منشغلة دوما وعندما يكلمها أو يسألها تعلل إنشغالها بالإستعداد للمسابقة ولكنه لم يكن يجدها عادة في غرفتها ولم يكن أحد يلحظ هذا سواء (فلوريا) أو (سيسل) أو والدها (روبرتو)....وذات صباح ظل ينتظرها من نزهتها بالحصان وقتا طويلا وتساءل لما تأخذ كل هذا الوقت في تلك النزهة دائما وظل يسير باحثا عنها إلى أن وجدها جالسة إلى جانب شجرة ورابطة حصانها وتمسك بقدمها وكأنها مصابة ولكن عندما رأته امتقع وجهها بشدة فجرى ناحيتها وقال :



"هل أنت بخير يا عزيزتي؟!.....هل أصبت؟!....ماذا حصل؟!...."



"لا......لا شئ.....لقد تعثر الحصان فسقطت من فوقه وتأذت قدمي......"



فأسرع (ماريوس) وفك الحصان ثم حمل (كلوديا) بين ذراعيه....حاول أن يرفعها ويركب فوق الحصان لكنه لم يفلح فبقي يحملها بين ذراعيه وسار بها فقالت :



"لا....لا يمكنك أن تحملني كل تلك المسافة إلى البيت....أنزلني وسوف أستند عليك.."



فابتسم وأحكم قبضته حولها ثم قال :




"لا بأس حبيبتي....أستطيع أن أحملك هكذا وأسير بك....حتى لو كنت سأحملك ما تبقى من حياتي....فهذا يسعدني...."




فتأثرت (كلوديا) لكلامه وظلت تحدق بوجهه مندهشة ثم قالت :



"ما الذي أصابك؟!....ما الذي غيرك هكذا؟!....."



فنظر إليها بطرف عينه ثم قال :



"ألا تعلمين؟!....كنت أحسبك أعلم مني بذلك الذي تقرأين عنه في رواياتك....."



فصمتت ونظرت خلفه فرأت (جوفاني) قادم من بعيد.....كان معها وكانت تعلم أنه سيأتي في أي لحظة مع بعض الأعشاب التي توضع على الجراح وتمنت من كل قلبها لو أن (ماريوس) لا يلاحظه وعندما رآها (جوفاني) تحدق به من خلف ظهر (ماريوس) حيث تعني نظرتها ألا يتقدم أكثر فتوقف مكانه مرغما وظل يحدق (بماريوس) وهو يأخذها منه.....ودون أن يستطيع (جوفاني) أن يفعل أي شئ فرمى الأعشاب على الأرض فهي لم تعد تجدي نفعا..... وظلت (كلوديا) تحدق به من طرف خفي حتى اختفى عن ناظرها ثم أخرجها صوت (ماريوس) من أفكارها وهو يقول :



"سأكون في روما يوم الأحد لإنجاز بعض الأعمال ولكني سأحاول إنهاءها بسرعة حتى أكون موجودا عندما تستلمين جائزة المسابقة...!!!!..."



فاضطربت (كلوديا) وقالت :



"لا حاجة لذلك....فلتنهي إعمالك كما تحب فلا أظن أني سأفوز بأي شئ على أية حال.."



"بل أنا واثق أنك ستفوزين بالجائزة الأولى....أنا أثق في فنك..."



فأحمر وجه (كلوديا) وضربت كتفه بيدها قائلة :



"إنك غريب الأطوار هذا اليوم...بدأت أقتنع أني أفضلك مشاكسا...."



فضحك وقال :



"إذن هل ستتركينني أشد ضفيرتك؟!...لم تفهمي استراجيتي بعد...أكون وديعا حتى تأمني جانبي....ثم أهاجم من جديد....!!!!"



وهكذا سارا معا إلى البيت......





جاء يوم إحتفال المسابقة وبقيت (كلوديا) جالسة وسط الجموع مع صديقتها (ليتشا) منتظرة أن يأتي (جوني) لكنه تأخر....وعندما رأت (دانيال) قادما فرحت ولكنه كان وحيدا فشعرت بالقلق وقام هو بتحيتهم باضطراب ثم قال :



"أنا آسف.....انشغل (جوفاني) ببعض الأمور...لكنه قادم دون شك...قد يتأخر قليلا..."



ثم نظر إلى (ليتشا) وقال بحرج :



"مرحبا.....أعني...كيف حالك؟!..... سررت برؤيتك..."



ولكنه تعثر وهو يتقدم فقالت (ليتشا) :



"انتبه!!!!!.......هل أنت بخير؟!..."



فابتسم وقال :



"أجل.....أجل......أنا بألف خير....."




ثم جلس إلى جانبها دون أن يلاحظ أنه داس على قدم (كلوديا) في الطريق....لكن (كلوديا) لم تهتم فلقد ظلت تنظر حولها....لم يأتي (ماريوس) كذلك....هذا مريح للأعصاب....كان كلا الرجلان ينهيا أعمالهما في روما فعلى الرغم أنهما لا يجتمعان في شئ إجتمعا في تلك اللحظة في قلقهما على (كلوديا) ورغبة كل منهما في الوصول في أسرع وقت ممكن لكن (جوفاني) وصل أولا وعندما دخل القاعة وجدها فارغة وسأل أحد العاملين فقالوا له أن الإحتفال انتهى وأنه تم نقل جميع اللوحات لقاعة العرض الخاصة وسار في الممرات فوجد (دانيال) و (ليتشا) يتحدثان سويا وهما يضحكان ففرح لأجلهما ونظر حوله فوجد (كلوديا) تحدق من النافذة وهي سارحة فأسرع باتجاهها ووقف إلى جانبها لكنها لم تلحظ وجوده ووجد دموعها تسيل على خدها فشعر بالتأثر لأنه السبب فبدأ الكلام :




" (كلوديا)...الفنانة العبقرية....ماذا كسبت؟!..."



فمسحت دموعها بسرعة ونظرت إليه بفرح وقالت:



"أتيت أخيرا.....ظننتك لن تأتي..."



" أنا آسف للغاية...لقد كان لدي أعمال كثيرة...الواقع ظننت أني سأنهيها قبل بداية المسابقة ولكن......تعلمين....المهم...ماذا كانت النتيجة؟!.."



"لقد كسبت الجائزة الثانية أيضا......"



"ماذا؟!....تبا لهم...أريد رؤية اللوحة....أين هي؟!...."




"لا يمكنك فهي في قاعة العرض الخاصة....سوف يتم شراءها من أغني أغنياء العالم.... وقد تعرض في معارض باريس ولندن أيضا...."



"مذهل ولكن يجب أن أراها.....هل هذا هو الباب؟!......لنرى!!!!.."





وأسرع ذاهبا ولم تفلح (كلوديا) في إيقافه....دخل القاعة....كانت صغيرة إلى حد ما وكان بها الحكام الذي يقررون ماذا سيحصل لكل لوحة.....ظل ينظر حوله إلى أن رأى لوحة في أقصى اليمين....عندما رأوه الحكام قاموا بمناداته محاولين إيقافه وما إن وقف أمام اللوحة ونظر إليها دقائق حتى استدار لهم وهم يلومونه فتوقفوا مذهولين لأنه كان نفس الشخص الذي رسم في لوحة (كلوديا)......كانت قد استطاعت أخيرا أن ترسم صورة لروحه....كانت قد استعادت في ذاكرتها كل أوقات لعبهما معا وتذكرت كل الآلام التي أحس بها بفقدان والده وبيته وبما فعلته أسرتها فيه وكيف أثرت في نفسه...فكرت كيف تحمل كل هذا بشجاعة رجل حقيقي....رأت فيه صورة خالها....فهمت أخيرا بريق عينيه الممزوجتين بالأسى واستطاعت أخيرا أن تحول عينيه إلى مجموعة من الألوان فكانت صورة لروحه وهو ينظر إلى السماء المضيئة فوقه....عينيه فيها أسى وشقاء وفي نفس الوقت نقاء وأمل....نظر (جوفاني) إلى نفسه في اللوحة...لم يظن أبدا أنه هكذا في نظرها وعندما خرج سار اتجاه (كلوديا) كانت حمراء الوجه من الخجل ثم قالت :


"والآن؟!......هل أعجبتك؟!....."




فعانقها بقوة قائلا :



"أنت فنانة..!!!...كان يجب إن تأخذي المركز الأول...بل أكثر من الأول"



وأبعدها قليلا ثم قال :




"لقد جعلت من شخص عادي تحفة فنية حقا....."



"أنت لست شخصا عاديا يا (جوني)....!!!!"




ابتسمت له بعذوبة ثم قالت :



"والآن ألست سعيدا من أجلهم؟!...."

وأشارت إلى (ليتشا) و (دانيال) فابتسم وقال :
"نعم......سعيد جدا....!!!"

وغادر الأربعة سعداء هانئين بينما كان هناك شخص قد وصل متأخرا جدا....كان (ماريوس) قد وصل بعد ذهاب الجميع ودخل القاعة متسللا بعد أن غادرها الحكام ورأى اللوحة.... عرف أنها لوحة (كلوديا) من الإمضاء...........لكنه لم يصدق عينيه لأنه لم يرى سوى غريمه.... عدوه الوحيد.....وقف ذاهلا لا يصدق كيف حصل هذا.......ولكنه علم في داخله أن الكثير من الأمور قد حدثت مؤخرا دون أن يدري........و أصبحت رغبة (كلوديا) في تأخير ردها على طلبه بالزواج منها منطقيا جدا.....ولكنه كان واثقا من شئ واحد أنه لن يقف مكتوف الأيدي وهو يراقب هذا

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل الثامن عشر

[[ سطور من ذهب [[


كان ذلك الحدث هو ما فتح عيني (ماريوس) على ما يحصل ولم يخبر (كلوديا) بحقيقة أنه رأى لوحتها فهي لم تكن تعرف أنه أتى أصلا إلى معرضها ولكن (ماريوس) لاحظ غيابها المتكرر في أوقات معينة وهي متجهة بفرسها الى أراضي عائلة (ديمتريوس) ولاحظ أنهما يتكلمان معا عندما يذهبان للنادي وكمحاولة لتفادي لقاءهم به كان (جوفاني) يتدرب على المبارزة في أوقات غير أوقات (ماريوس) وكانت (كلوديا) تشجعه وفي نفس اليوم كانت تكون قد إدعت عدم قدرتها على المجيئ مع (ماريوس) فأشتعل قلب (ماريوس) حقدا وغضبا وغيرة فلم يتخيل في يوم من الأيام أن تفضل (كلوديا) مصادقة هذا الخائن عليه كما في السابق وتساءل ما الذي يعجبها في شخص كهذا.....ألأنه في وضع يظهر لها كالمظلوم بعد أن سمعت القصة من جهته هو فقط ووجد نفسه بعد رحيل (كلوديا) من النادي متجها ناحية (جوفاني) وهو ينظف سيفه بعد انتهاءه من المبارزة ثم وقف أمامه دون أن يتكلم فقال (جوفاني) :


"ما الذي أتى بك إلى هنا في هذا الوقت؟!.....هذا ليس من عادتك....إذا كنت تريد الشجار فليس لي مزاج لهذا....فلتحل عني..."


"أريد التحدث معك على إنفراد......وحالا....."




"ولكني لا أريد ذلك.....هيا غادر ودعني وشأني...."



فأنهضه (ماريوس) بالقوة وقال :




"بل ستسمع ما أقوله لك.....كلمة كلمة....وستأتي معي شئت أم أبيت....!!!!"




فذهل (جوفاني) من منظر (ماريوس)...لم يره غاضبا بتلك الصورة المتوحشة من قبل فذهب معه ولكنه وجد نفسه ما يزال ممسكا بسيفه ولا يعلم لماذا...وبعد أن ذهبا في مكان لا يسمعهم فيه أحد وهنا استدار له (ماريوس) وقال :



"كنت تقول لي أنك تريد أن تعيش بسلام وتقول أني دائما الذي ابحث عن المشاكل.... وتريدني أن أخرج من حياتك.....ولكن بدلا من ذلك تلف وتدور لكي تقحم نفسك في حياتنا لكن من دون أن نشعر....تريد طعننا من الخلف....إلى ماذا تسعى؟!....تسعى للإنتقام منا أم ماذا؟!....ولكن هي ما ذنبها؟!..."



"ما الذي تتحدث عنه؟!....أنا لا أفهم شيئا..."




"أتحدث عن علاقتك الخفية (بكلوديا) أيها الأبله....هل تريد أن تلف وتدور معي أيضا؟!... هذا لا يصلح معي....مهما كنت ذكيا لن تتمكن من خداعي كما خدعت تلك البريئة واستغليت سذاجتها وحبها للخير وكرهها للظلم...."



"آه إذن أنت تعلم أن ما فعلتموه لي ولأمي ظلم فاجر.....جيد تلك بداية حسنة..."




"أنت جعلته يبدو ظلما في نظرها....وهو عين الصواب لأمثالكم من الناس...لقد أنقذنا أسرتنا وأملاكها وأسمها وشرفها من ناس محتالون وطماعون مثلكم....كما أحتالت أمك على أبي بدافع الحب والهيام تريد أن تلعب نفس لعبتها.....لم تيأس أليس كذلك؟!...فلقد نجحت والدتك مرتين....مرة مع والدي ومرة مع صديقه.!!!"




فضربه (جوفاني) فسقط أرضا ثم رفعه (جوفاني) من جديد ممسكا بملابسه وقال :



"ألا تفهم؟!....كلكم متوحشون لا تفهمون....لم نكن أنا وأمي نريد المال....لا أريد المال ولا اسم عائلتكم العزيز لأضعه كعروة على سترتي فلن يفيدني شيئا....لا أريد شيئا يثبت نبل أصلي وأخلاقي ولن أحتاج لعائلتكم بالذات لإثبات ذلك....لقد أحبت أمي السيد (ألفريدو) وأحبها......كان حبا حقيقيا وأنتم حولتموه إلى تلك الصورة البشعة أمام الناس لتنددوا بنا ....لكن جوهره الصادق سيبقى سواء رضيتم أم لا.....كل ما أردناه أن نعيش بسلام مع ذكرى والدي لكن أنتم لا تريدون ذلك....أما (كلوديا) فأنا..."



فتركه حينها ونظر بعيدا....ثم أضاف :



"فعلاقتنا لا تهمكم في شئ...."



"هل جننت؟!....ألم تقل أن علاقتك بأسرتنا قد انتهت؟!.....إذن ما الذي تحاول فعله؟!... لا تقل أن هذا لا علاقة له بهذة.....فواضح جدا أن في رأسك شيئا تسعى إليه....لا أحد يمكنه أن يأمن جانبك...."




"أنا وهي مجرد صديقان لا شئ أكثر...."




"لقد دخلت إلى قلبها بجهة الصداقة وظللت تحوم حولها حتي وقعت في مصيدتك....والآن تريد أن تأخذ منها ما تريد.....وتقول أنك لا تريد التعامل مع أسرتنا؟!....أسمع لن أطيل حديثي معك....أريدك ألا تقترب منها نهائيا....وألا يكون بينك وبينها شئ...إذا أردت أن تعيش بسلام....."





ثم نظر إليه بإحتقار وهو يشعر أنه أفحمه ثم تركه وذهب وبقي (جوفاني) واقفا في مكانه يحدق في اللاشئ....كان قلبه يعتصر داخله لما حصل....فلم يفكر كيف يكون إحساسه في اليوم الذي سيضطر فيه أن يتخلى عنها....كان يريد أن يكون معها دائما ويستمع إليها وهي تتحدث ويراقبها....يراقب لفتاتها وضحكاتها ليهدئ من شوق قلبه ولوعته والآن قد ترك قلبه يدمن بقاءها إلى جانبه حتى بات الإبتعاد عنها شبه مستحيل سيسبب له العذاب والأسى...... ظل يلوم نفسه فلما ترك قلبه يسير في طريق مسدود يعلم أنه عاجلا أم آجلا سيضطر إلى رجوعه كله وتساءل ما الذي سيفعله ليوصل لها هذة الرسالة دون أن يجرح مشاعرها ونقم على (ماريوس) لأنه لم يطلب منها هي أن تبتعد عنه بدلا من أن يطلب منه هو لأنه قد يحتمل أن تبتعد هي عنه ولكنه لن يقدر على فراقها بنفسه.....ظل الصراع محتدما في نفسه حتى وصل إلى كوخ الشجرة الذي صنعه فوجد السلم ظاهرا فعرف أنها في الأعلى تنتظره فأجبر قدماه على أن تكمل طريقها إلى قصر (ديمتريوس) فلن يستطيع مواجهتها الآن....





كانت (كلوديا) في أشد حالاتها استغرابا من تصرفات (جوفاني) طوال الأسبوع فهو لم يقابلها مطلقا....كان يسافر إلى روما لإنجاز أعمال والده بصورة زائدة ولم يأتي مرة واحدة الى كوخ الشجرة.....حتى أنها زارته في القصر فعلمت أنه ليس موجودا وكانت (أنجيليتا) نفسها مستغربة من تصرفات ولدها وحاولت طمئنة (كلوديا) بأنها ستبلغه ولكن ما إن تبلغه حتى يرحل من أمامها ولا يسمع البقية فظنت (أنجيليتا) أن بين الصغيرين شجار ما وقررت عدم التدخل في البداية ولكن عندما زاد الأمر وطال حاولت أن تحدث ولدها وتسأله عما يجري فقال ببساطة أنه لم يعد يريد صحبة (كلوديا) فدهشت (أنجيليتا) لذلك وحاولت الإستفسار مرارا عما حصل دون جدوى حتى قالت له :




"إذن فلتطلعني أو تطلعها على خطأها الذي ارتكبته على الأقل....فهذا حقها عليك..."




"هذا لن يفيد....فخطأها لن تستطيع تصليحه أو الإعتذار عنه لقد فات أوان ذلك...!!"




فكان هذا الأمر يثير جنون (كلوديا) وهي لا تعلم مالذي حصل.....كانت تبكي الليالي في سريرها وهي ترهق نفسها بتذكر أي شئ فعلته يمكن أن يكون قد أثاره لهذا الحد وكان (ماريوس) يراقب ما يحصل عن بعد وشعر بسعادة لأن خطته نجحت وعرف في قرارة نفسه أنها ستنسى في يوم من الأيام وقرر أن يتصرف بسرعة فجلس على المائدة في أحد الأيام عندما كانت الأسرة كلها مجتمعة...السيد (فرناندو) و (سيسل) ووالدته (فلوريا) وكذلك السيد (روبرتو) فقال :




"والآن يا جدي.....بما أنك رئيس العائلة.....أريد مباركتك على زواجي من (كلوديا) ولنعلن الخطبة في اقرب وقت...."




وهنا نظر (فرناندو) و (كلوديا) إليه بدهشة فقال (فرناندو) :




"(كلوديا) ؟!.....هل وافقت أخيرا؟!..كنت أعلم أنك ستفعلين فأنت الوحيدة التي أعترف أنها فعلا من أسرتي وتنتمي إلي.....كنت أعلم أنك لن تخذليني وستفعلين كل شئ لترضيني..... ولما الإنتظار فلنعلن الخطوبة الأسبوع القادم..!!!"




فقامت كل من (فلوريا) و (سيسل) بتهنئة الأخرى ولكن (كلوديا) قالت :




"مهلا....أرجوكم أنتظروا...جدي أنا....أنا لم أقل شيئا في هذا الموضوع حتى تحكمون من أنفسكم وأنت يا (ماريوس) كيف تطلب مباركة جدي على زواجنا وأنا لم أقل بعد أني موافقة على هذا الزواج؟!......"




"ولم ترفضي كذلك.....وموقفك الصامت علامة الموافقة....!!!!"





"هذا غير صحيح كان صمتي دليل تفكيري....فأنا لم أقل رأيي النهائي بعد...."





فقال (فرناندو) بحدة :




"وماذا يعني هذا؟!...هل تعنين انك غير راضية عن ما يحدث؟!....وأنك لا تريدين الزواج من (ماريوس) ؟!....هذا أمر غير مقبول.....لن يكون هناك رجل في إيطاليا بأسرها مناسب كزوج لك أكثر من (ماريوس).....شخص عشتي معه طوال حياتك وتعرفينه جيدا.....أنه من الأسرة فلا يوجد سبب لك لترفضي..."





فشعرت (كلوديا) أنها في مأزق حقيقي وراقب (ماريوس) الموقف وهو ينتشي سعادة من داخله فلقد ربح المعركة تماما وقالت (سيسل) :




" (كلوديا) إن جدك محق......إن رفضك لن يكون مستساغا ولا منطقيا.....كما إذا كان (ماريوس) يضايقك في شئ ما فسوف لن يفعله مجددا أليس كذلك يا (ماريوس) ؟!........ والأن فإنك إن قلت شيئا آخر فأنا نفسي سأغضب منك...."




فنهضت (كلوديا) بغضب وقالت :





"كفى أرجوكم الزواج ليس هكذا.....لن أتزوج (ماريوس) لأنه مناسب لي بل أريد أن أتزوجه لأني أحبه..."





فرد (ماريوس) :




"ألا تحبيني؟!......"





فقالت (كلوديا) محاولة لفعل أي شئ :



"أحتاج إلى وقت...."




فقال (فرناندو) بنفاذ صبر :




"ولو أني أكره كثيرا الكلام الذي تقولينه ولكني سأسايرك حتى النهاية.....أمامك اسبوعان حتى تتقبلي (ماريوس) زوجا لك وتحبيه كما تقولين وليس اكثر من هذا....الموضوع منتهي...."





فرحلت (كلوديا) غاضبة ورحل (ماريوس) وحاول إيقافها فأمسك بذراعها فقالت له والدموع تغطي وجهها :






"لن أسامحك على هذا.....لن تجبرني بهذة الطريقة....لن أسمح بهذا.."




وجرت مسرعة مغادرة القصر بأكمله وأخذت حصانها واتجهت إلى كوخ الشجرة شعرت برغبة ملحة في رؤية (جوفاني) فهو الوحيد القادر على جعلها تشعر بالراحة هو الوحيد الذي تريد أن تكون معه وتمنت من كل قلبها لو تجده هناك.....وصلت وصعدت إلى الأعلى وبقيت جالسة هناك على الطاولة وقتا طويلا تحدق في الورود التي وضعتها في المزهرية في آخر مرة جاءت هنا وقد ذبلت ولم يسقها أحد فحزنت وظلت تبكي لساعات طويلة لكن أحدا لم يأتي إلى الكوخ وعندما غربت الشمس قررت أن تعود ولكنها لم تستطع أن تغادر هكذا دون أن تفعل شيئا فتناولت قلما وأخذت ورقة من الأوراق التي في الكوخ وظلت تكتب لمدة ساعة كاملة كانت متوترة تمسح دموعها بين الحين والآخر ولكنها لن تقف مكتوفة الأيدي ولن تبقى مشاعرها داخلها للأبد....يجب أن تبوح بها....قبل فوات الآوان....




بدأ تساقط المطر تلك الليلة وأيقظ صوت ارتطام قطرات المطر بالزجاج (جوفاني) من أحلام اليقظة فهو يجلس دون حراك سارحا في ما آلت إليه أموره.....شعر أن تلك الأمطار كأنها دموع روحه....كانت تعبر عن شئ بداخله لم يستطع جسده التعبير عنه وقرر أن يخرج ليسير قليلا تحت المطر شعر برغبة في ذلك مع أنه في منتصف الليل وسار هناك بجواده.....كان يحدق في كل ما حوله والمطر يسير على جسده ليحفر على وجهه طريق الدموع التي لم تذرف وتذكر وهو يسير تلك الليلة التي ركب فيها مع والده وكانت آخر مرة يخرج فيها مع والده لقد تركت في ذهنه هذة الليلة أثر لن يمحى ما دام حيا.....ظل هائما في دنيا أحزانه حتى وصل إلى كوخ الشجرة.....كان يأتيه دائما في الوقت الذي يعرف فيه أنها لن تأتي ويجلس حيث ما يظهر أنها كانت تجلس , ينظر إلى الورود التي وضعتها دون أن يلمسها فقط ليعلم أنها كانت هنا.....كل ليلة يفعل هذا.....أنه شعور رهيب ذلك الذي يحتل قلبه....لا يعرف كونه شعور يحرقه حرقا كلما فكر أنه لن يراها مجددا أو يتحدث معها.....ماذا فعلت فيه لتجعله يشعر أن حياته بدونها ليست بحياة مع أنه عاش سنين حياته السابقة دونها....جلس على السرير وهو واضع وجهه بين يديه ثم شعر بصداع فأراح رأسه على الوسادة ولكنه شعر أن هناك شئ تحتها فرفع الوسادة ونظر ....كانت هناك رسالة ومكتوب عليها إلى (جوفاني) من (كلوديا) .....فتأوه آسفا....وقرر أن يتخلص منها ولكن قبل أن يرميها كاد الشوق يقتله لقراءة ما جاء بها ففتحها ببطء ثم قرأ :






عزيزي (جوفاني) ......

أنا آتي إلى هنا بصورة يومية....كل صباح أنتظر حتى تغرب الشمس على أمل أن تأتي....لديك دائما حجة لإختفائك عني ولكني أشعر في قرارة نفسي أنك تتجنبني لسبب ما... خطأ لم أرتكبه أو أرتكبته دون قصد....ليتني أعرف ما بك.....أنا في هذا الكوخ الذي بنيناه معا وجمع بيننا أيام عديدة....أنه كما هو ولكننا تغيرنا...أنت تغيرت علي...أما أنا لم أتغير.... ولم ينقص حبي ذرة....نعم حبي....يا حبيب فؤادي.....فها أنا أعترف لك بما أخفيته عنك هذة المدة السابقة آملة أن تفهمه وحدك....لقد كانت كل تصرفاتي تشي بما في داخلي.....لكنك لم تفهم أو ربما لم ترد أن تفهم أو تصدق.....أنا احبك وإذا لم أقل لك هذا فسأظل طوال عمري نادمة فأنا لم أعتد أن أخفي عن الناس ما أحسه ناحيتهم وأنت تعلم هذا....لو تعلم مقدار الخوف والخجل الذي ينتابني والهواجس التي تؤرقني ولا تتركني بسلام عما ستؤول إليه حياتنا.....ولكنني مطمئنة إليك وإلى قلبك....وأعلم أنك ستخمد كل مخاوفي...فتعال إليى وعاتبني كما تريد ولكن لا تتجنبني وأخبرني صراحة عن مشاعرك ولا تتركني أتخبط وحدي...أرجوك تعال إلي وأنقذني..!!!

(كلوديا) ......





بدأت الرسالة تتأرجح نتيجة أرتعاش يده وهو ينظر إلى الكلمات....تلك الكلمات التي تشبه الجواهر في سطور من ذهب.....كانت تلك السطور قد أصبحت أغلى شئ لديه في هذا العالم فكأنها رمت المياة على نيران قلبه المتأرجح بعذاب اللوعة والحيرة مما يحمله في داخله تجاهها......نعم أنه يحبها....يحبها كثيرا.....كثيرا جدا.....بل أكثر مما أحبت أمه والده.... أكثر بكثير....شئ لا يوصف.....الآن سيحتضنها بين ذراعيه ويخبرها كم يحبها.....سيخبرها أن مشاعرها لا تساوي شيئا أمام حبه هو ونهض مسرعا اتجاه الباب لكن صوتا جعله يتجمد في مكانه صوت (ماريوس) ..!!!.....كلامه الأخير له...أصبح قلبه الآن يحترق بنيران جديدة أشد وطأة من السابقة وأصبح يأخذ خطوة إلى الأمام...ثم خطوة إلى الوراء ثم إلى الأمام من جديد......لم يعد يعرف ماذا يفعل.....لقد تعقدت الأمور كلها أمامه....ظل هناك في الكوخ حتى الصباح.....بين أصابعه أوراق حبيبته....وهو يصارع نفسه ويصارع العالم من حوله...... ذلك العالم القاسي.....الذي لن يتركه يسعد مع (كلوديا) حتى لو أراد ذلك....فهي من تلك الأسرة....هو خطأ لم ترتكبه فعلا.....ولكنه خطأها.....إنها من تلك الأسرة وبذلك لن تكون أبدا له.....وستدمر حياتهما سويا كما حصل مع والداه ولكن هي.....هي ليست مثل والدته..... ليست بقوتها لتتحمل كل هذا وتعيش....إنها رقيقة مثل تلك الورود الذهبية التي سميت على اسمها.....سوف تنكسر روحها بسهولة....سوف تنطفئ سعادتها ورغبتها بالحياة وحينها لن يلوم إلا نفسه....إلا أنه لن يسمح بذلك....لن يريح نفسه الآن ويريحها ليعيشا بقية حياتهما يدفعان ثمن هذة الغلطة مثله ومثل والدته.....عندما غمرت أشعة الشمس الكوخ بأكمله كان قد توصل إلى قراره الحاسم....





في ذلك الصباح ذهبت (كلوديا) الى الكوخ....فوجدته فارغ كما هو فأصابها الإحباط من جديد.....ورفعت الوسادة ولكن لدهشتها لم تجد رسالتها ففرحت بشدة....لقد تأكدت الآن أنه قرأ الرسالة...بقيت هناك تنتظره كالمعتاد ولكنه لم يأتي ذلك النهار.....ولا الذي بعده...... وعادت التساؤلات تؤرقها حتى ذهبت إلى النادي في أحد الأيام فوجدت (ليتشا) تكلم صديقه (دانيال) فلقد توطدت علاقتهما بشدة ووجدت (ليتشا) تتحدث إليه بخجل شديد ووجهها احمر وهو يبدو عليه الإحراج الشديد كذلك ثم أمسك يداها وقبلهما بهيام فسارت ناحيتهما وعندما رأياها قاما بتحيتها بإرتباك فسألتهما عما بهما فقالت (ليتشا) هامسة :




"لقد....أخبرني (دانيال) للتو.....عن حبه لي...."




فهتفت (كلوديا) :




"كم أنا سعيدة لهذا....أخيرا فعلتها يا (دانيال) ....هنيئا لكما....أتمنى أن تظلا سعيدان معا مدى الحياة....يجب أن أترككما معا الآن لتجلسا معا...أخبرني يا (دانيال) .....هل أتى (جوفاني) ؟!..."





"أجل.....أنه في الحديقة على ما أظن....."





سارت (كلوديا) متلهفة وسعيدة لأجل صديقيها....شعرت باستغراب لأنهما سبقاها هي و (جوفاني) لإعلان حبهما سويا فلقد كانت تتخيل دائما أنها سيجلسان وقتا طويلا قبل أن يبوحا بذلك ولكنها شعرت في قرارة نفسها أنه فأل جيد لما على وشك الحصول بينها وبين (جوفاني) ....نظرت حولها فوجدت (جوفاني) يضحك بصوت عال....كان يحدث فتاتين يافعتين وكانتا تحدقان به بإعجاب وهو يمازحهن بذكاء فوقفت بالقرب منه حتى انتهى من حديثه ثم التفت لها ونظر إليها دون تعبير وقال وكأن شيئا لم يكن :



" (كلوديا) !!!......سعيد برؤيتك.....كيف أنت؟!..."




فردت هامسة بدهشة :




"بخير....هل أستطيع التحدث معك؟!..."





"نعم.....بعد لحظة....."





وأكمل حديثه مع الفتاتين دون أن تكون لها وجود في نظره....كانت تحدق به وكأنه فقد عقله أو أنه يمازحها أو يحضر مفاجأة لها أو شئ من هذا وبعد ذلك بقليل كان يجلس معها على أحد الكراسي الخشبية في الحديقة.....كان أنيقا للغاية يرتدي أحدث السترات ويجلس أمامها بثقة ووجهه يحمل ابتسامة هادئة فقالت :





"لم أرك إطلاقا في الآونة الأخيرة ما الذي حصل لك؟!.....هل تتجنبني؟!..."




"لا.....لا أفهم لما تتخيلين هذا....ربما لأنك إعتدت أن نجلس معا فترات طويلة... ولكني أصبحت مشغولا بالعمل في أوقات كثيرة من أيامي....ولكني لا أتجنبك....ثم أن الناس يروننا معا كثيرا وفكرت أن نقلل هذا الأمر بعض الشئ حتى لا يسيئوا الظن بنا....."




"يسيئوا الظن بنا؟!.....ما الذي تعنيه؟!... (جوني) ؟!....هل...هل قرأت رسالتي؟!..."




فأخرج الرسالة من جيبه ومد يده لها بها ثم قال :




"أتعنين هذة؟!.....أجل قرأتها....الواقع لقد أعجبتني كثيرا...!!!!..."




"أعجبتك؟!....!!!!.."





قالت (كلوديا) هذا بدهشة بالغة فنهض ووقف أمامها بطوله الفارع وقال وهو ينظر إليها كأنه ينظر لطفلة قامت بتصرف أحمق :






"أعجبتني صراحتك.....وأثرت في كثيرا فأنت صافية وساذجة بعض الشئ تقولين ما يجول بخاطرك دون تحفظ أو ما تظنينه يجول بخاطرك.!!!.....ولكني لا ألومك....فأنت لا زلت صغيرة بلا خبرات...أنا سعيد أن تلك الرسالة كانت موجهة لي وليس لأحد غيري....لكان أستغل مشاعرك البريئة وقام بتحطيمك....!!!!"





كانت عيناها مفتوحتان على آخرها وطبقة من الدموع تظللها ثم قالت :





"أحد آخر؟!.....مشاعر أظن أنها تجول بخاطري؟!....ولكن ماذا تعني؟!....هل تعني أنك لا.... لا تشعر بشئ تجاهي؟!....."






"إهدأي صغيرتي....ولا تعطي الأمور أكبر من حجمها....قد تكون مشاعرك ناتجة عن بقاءنا وقتا طويلا معا ولكن صدقيني في مثل سنك يسمى إعجاب مراهقة وهذة المشاعر تزول بسرعة....ولكن في المرة القادمة لا تبوحي بها أولا.!!!"





"وهل تظن أن هناك مرة قادمة؟!...!!!!"






"أجل ستكون هناك مرات عديدة قادمة....عليك ألا تخبري الجميع بما يجول في خاطرك دائما وإلا فإن أعدائك سيستغلونه ضدك دون شك...."








"ولكنك لست عدوي......"






فنظر إليها بتمعن وأصبح وجهه متجهما وقال :





"هل أنت متأكدة؟!....ألست كذلك حقا؟!.....إنك الآن في اندفاع إنفعالي ولا ترين العالم حولك على حقيقته.....ترين فقط ما يجول بنفسك...."





"كف عن نصحي وقل لي.....كيف.....كيف تعتبر نفسك عدوي؟!...."





"على الأقل لسنا في نفس الجانب وإن لم أحاربك فعلا....لقد كنت أمقت أسرة (فان دييجو) طوال حياتي.....وأنت أكثر شخص يعلم هذا....في الواقع أنت آخر شخص توقعت أن يوجه إلى هذة الرسالة......هل تظنينني أبله؟!.....حتى أرتكب ما فعله أهلنا سابقا....لن أفعل هذا الخطأ الذي لا يصدق مجددا.....فالتاريخ موجود لنتعلم منه لا أن نكرره...."









"خطأ لا يصدق؟!.....هل تعتقد أن ما بين والديك كان غلطة؟!.....هل تعتقد أن والدتك تندم عليه الآن وتتمنى لو لم يحصل؟!....."





"وهل تظنين أني شككت لحظة في هذا؟!....حتى لو لم تعترف بهذا...."





"إذن لو كنت سليلة أسرة أخرى؟!....لو لم أكن من أسرة (فان دييجو) ؟!....هل كنت ستبادلني الأحاسيس؟!..."




فارتعد جسد (جوفاني) لهذا السؤال ثم استدار خائفا أن ترى الكذب في عينيه وقال :





"هذا سؤال مبني على افتراض.....ولا جواب له عندي.....لا تقولي لي أنك لست من الأسرة أو أنك لم تريدي أن تكوني وأنه ليس ذنبك.....وليس ذنبي أيضا....ولكنه المكان الذي تقف عليه أقدامنا....لا يمكننا أن ننكره....إننا نعيش في أرض الواقع وليس عالمك الإفتراضي.... سوف تندمين على هذا بعد ذلك وتتحطمين....والآن إهدأي وتناسي ما حصل....وأنا سأعتبره لم يحصل....ولنظل صديقين.....نتقابل عفويا....خذي هذة الرسالة وأبقها معك.....حتى لا تشعري بأي خطر أو حرج لأنها في حوزتي...."





فنهضت (كلوديا) واتجهت ناحية اليد الممدودة لها بالرسالة ولكنها لم تلتقطها ثم نظرت إليه بعينين معذبتين قائلة :





"تخاف أن أتعذب بعد ذلك...... لقد تحطمت الآن وبشكل كامل....."




ثم تجاوزته سائرة وتوقفت على بعد خطوات منه ثم قالت :






"شكرا لكرمك يا سيد (جوفاني ديمتريوس)...ولكني لا أريد صداقتك ولا أريد رؤية وجهك بعد اليوم مجددا....فلا يمكن أن أكون صديقة لعدوي....على حد قولك..."





وسارت مبتعدة عنه أما هو فبقي حيث هو وأصابعه ترتعش ممسكة بالرسالة وقلبه ينزف....

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل التاسع عشر

[[ انتقام (كلوديا) [[


جلست (ليتشا) تنتظر وتنظر في الساعة المثبتة على حائط المطعم الذي تجلس فيه....كان (دانيال) قد تأخر عليها ربع ساعة وقررت أن تعاقبه عندما يأتي وعندما أتى وجلس إلى جانبها لاهثا وظل يعتذر لها نصف ساعة أخرى على تأخره فهو من كان يجب ان يجلس وينتظرها ولكنها الظروف ومع ذلك سامحته على الفور وعادت ابتسامتها لها وظلا يتحدثان في حبهما وكيف أشتاق لها وكيف كانت تفكر فيه فلقد توطدت علاقتهما بشدة في الشهران السابقان ثم قال (دانيال) :





"اسمعيني يا (ليتشا) .....أريد التحدث معك عن شئ آخر..... عن (جوفاني) صديقي ومشكلته مع (كلوديا) صديقتك.....إنهما منفصلان منذ شهران تقريبا ولا يكلم أحدهما الآخر.....لقد حصل بينهما شئ أليس كذلك؟!..."




"أجل بالتاكيد......إذ كيف طرأ (لكلوديا) فجأة أن توافق على إعلان خطبتها من (ماريوس) وإقامة الحفلة وهي من المفترض أنها تحب (جوفاني).....وكيف هو إنصاع لهذا دون أي ردة فعل وكأن لا شئ كان بينهما....."





"هما اللذان جمعانا وفي النهاية هما اللذان ينفصلان؟!....لن أسمح بهذا....علينا معرفة ما حدث ومساعدتهما على التصالح فهذا لن يجدي....."





"ماذا تعني يتصالحان؟!....لقد خطبت (كلوديا) (لماريوس) وأنتهى الأمر......فما فائدة صلحهما؟.!.......إنها غلطة (جوفاني) كان عليه أن يفعل أي شئ ليمنعها حتى لو أتى ودمر حفل الخطوبة.....ظننته يحبها بشغف ولكن واضح أنه لا يكن لها شيئا..."





"كيف تقولين هذا؟!....أتذكر وجهه عندما علم بخطبتها...كيف أظلم وشحب....كيف جلس يوما كاملا دون أن ينطق كلمة واحدة....(فجوفاني) كلما حزن لشئ ينطوي على نفسه ولا يخرج حزنه لأحد مطلقا وكأنه عيب قاتل أن يعرف أحد بمضايقته من شئ.....وكيف تقولين انه لم يحضر الخطوبة؟!....لقد حضر وراقبهما عن بعد فلقد قال أن أفراد أسرة (فان دييجو) البغيضة حاضرون ولا يستطيع الدخول ولكنه ظل يراقبهما عن بعد......لقد كان حزن العالم كله في عينيه وكأنه قد فقد عزيزا عليه....."





"لقد أتي؟!.....إذن لما لم يفعل شيئا إذا كان حزينا عليها إلى هذا الحد؟!..لماذا لم يكلمها أو يفعل أي شئ؟!...."




"لا أدري....أظنه ينتظر اللحظة المناسبة فهو يراقبهما كثيرا هذة الأيام....لقد تغيرت طباعه كثيرا في الآونة الأخيرة وغاب مرحه تماما ولم يعد يختلط بالأصدقاء أو يحضر إلى أي حفلة إلا إذا كانت (كلوديا) آتية.....بإختصار أصبح كئيبا للغاية....حتى أن والدته السيدة (أنجيليتا) تنحت بي ذات ليلة وسألتني ما الذي حدث (لجوفاني) هل أساء أحد له أو تشاجر مع (ماريوس) من جديد...فأخبرتها أن لا شئ حدث على حد علمي وهي توافقني أن ما حدث له بسبب خطبة (كلوديا) المفاجئة.."





"كذلك (كلوديا) تغيرت كثيرا....غالبا تكون في الصباح عيناها متورمة من بكاء ليلة طويلة وأصبحت نادرة الكلام.....كما لم تعد ترسم إلا نادرا وتختار ألوانا قاتمة مائلة إلى الرمادي دائما....وكأنها فقدت شغفها بالحياة فجأة.....علينا أن نجد حلا لكل هذا يا (دانيال) أنت مع صديقك وأنا مع صديقتي....."




"إتفقنا إذن......!!!"






ومع ذلك لم تفلح محاولات (دانيال) في فهم (جوفاني) ووجهة نظره في الأمر فهو كلما فتح الموضوع معه يصرخ قائلا أنه ليس من شانه ويرفض كليا الحديث عن الأمر أما (كلوديا) فكلما سمعت بالأمر تنفجر باكية وتظل طوال اليوم هكذا فتندم (ليتشا) أنها فتحت الأمر أمامها وعلمت أن (جوفاني) جرحها جرحا كبيرا ولهذا هي تبدو محطمة هكذا....ولكن المشكلة الحقيقية هي نظرة أهلها أفراد أسرة (فان دييجو) للأمر....فلقد كانت (سيسل) تؤنب (ماريوس) كل يوم لإعتقادها أنه سبب إكتئابها فهو لا يتصرف مثل الخطاب الآخرين ويغرق خطيبته في الحب بمجرد أن خطبها عرف أنها له وظن أنها تعرف مشاعره مسبقا فلم يكن يفعل أي شئ ولم تتغير علاقته بها عن السابق وكذلك (فلوريا) كانت مستغربة بشدة لحال (كلوديا) ولكنها كانت متأكدة أن السبب ليس جفاء (ماريوس) أو عدم معرفته في الأمور العاطفية وحدثت الجد (فرناندو) في الأمر الذي كان رده الوحيد :




"فلتسرعوا بتزويجها من (ماريوس) إذن......قبل أن يحدث أي شئ..."





لذا قرروا أن يبدأوا التحضير للزفاف فزاد هذا من فرحة (ماريوس) ولكنه قتل الأمل في قلب (كلوديا).....ليس أملا بأن يفعل (جوفاني) شيئا بل أملا في أن يتفهم أحد عدم رغبتها في عدم الزواج وزاد إكتئابها أضعافا....





لاحظ (ماريوس) أن سبب اكتئاب (كلوديا) ليس منه وإنما من سبب خارجي وبدأت تتضح الصورة له شيئا فشيئا (فكلوديا) أمام الناس لا تعامله بحب وإنما بطريقة عادية لكن بوجود (جوفاني) بالأجواء تمسك بذراعه وترافقه أينما ذهب وتبتسم لكل شخص دون سبب بل وتضحك أحيانا على أشياء لا تستحق الضحك وتحكي لمن أمامها عن نزهة خرجت فيها مع (ماريوس) وكيف دق قلبها من السعادة مع أن تلك النزهة كانت (كلوديا) فيها تجلس وحدها دون أن تبادل أحد كلمة أو حتى تأكل و تعللت بأن معدتها تؤلمها وتكرر هذا الموقف أمامه فقط بحضور (جوفاني) وما زاد شكوكه أن (جوفاني) كان يراقبها دائما ويحمر وجهه وكأنه يكظم غيظه كلما أبدت إهتمام (بماريوس) وحبا له فأثار هذا (ماريوس) وشعر أن (كلوديا) تستغله لتغيظ (جوفاني).....ولكن لسبب ما وجد فكرة أن يثير (جوفاني) بإظهار سعادته معها فكرة تستحق التمثيل والكذب أيضا فتلك كانت أجمل لحظات حياته وهو يراه لا يستطيع حتى الابتسام نتيجة غيظه....وقال في نفسه رب ضارة نافعة..!!!...





وهناك في الكوخ الذي يتوسط حديقة الأزهار الذهبية جلس رجل يحمل قلبا محطما...جلس هناك فيما تبقى من علاقته (بكلوديا)....هناك يندم على كل شئ...كل لحظة....ينظر حوله ويرى الكوخ مظلما قاتما فهي لم تعد تزوره ولن تزوره بعد اليوم.....ولم تعد تدخل الكوخ أي أزهار لتوضع في الفازة ولم يعد هناك من يسقيها أو يهتم بها وأصبح (جوفاني) كلما جلس هناك لا يفكر في شئ في حياته إلا فيها....ولا يتذكر إلا ذكرياته الجميلة معها وكأن كل الذكريات الأخرى إنمحت من ذاكرته أو أصبحت من التفاهة مقارنة بذكرياته معها بحيث ستكون مضيعة للوقت لو تذكرها....تساءل كيف إنقلبت حياته منذ قرأ رسالتها....رسالة الحب ......كيف تلك الحروف المكتوبة فوق السطور....مجرد كلمات من حبر من جماد تحيي في قلبه أحاسيس لا طائل لها تجعل قلبه يتمزق كلما رآها وهي تتعمد ألا تأتي عيناها في عينيه طوال الوقت مع أنه يراقبها كل تلك الساعات لينظر في عينيها....شعر كم أخطأ في حق نفسه وجرد حياته من كل أسباب السعادة بفراقه لها....ولكن ألا يمكن أن يحدثها ولو قليلا؟!.... فقط بضع كلمات ليوقف مطرقة شوقه التي تنهال على قلبه وعقله....يجلس كل ليلة في الكوخ في الأوقات التي كانت تأتي فيها والتي لا تأتي فيها على أمل أن يضبطها تزور الكوخ دون أن يعلم ولكن دون جدوى...مثل ما كان حبها له جارفا....مثل ما أصبح غضبها عليه الآن وتساءل كيف يمكن أن يجمع قلب مشاعر حب تجاة شخص ومشاعر كره له في نفس اللحظة ولكن ماذا لو أن حبها له قد مات بعد تصرفه الأرعن وارتجف قلبه لهذا السؤال فهو الآن مستعد أن يمنح أي شئ في سبيل عودة حياته كما كانت وهي معه...لقد كانت حياته غرفة مظلمة مغلقة كل نوافذها وأبوابها ولكنه كان قد اعتاد على الظلام فأصبح يرى كل شئ حوله في ذلك الظلام ولكن فجأة جاءت (كلوديا) لتسكن حياته وتفتح نافذة كبيرة تدخل منها أشعة الشمس الذهبية إلى غرفته المظلمة فرأى الأشياء التي حوله بشكل جديد وبألوانها الزاهية.... بعد أن أضاءت حياته وأدفئت وحشة قلبه الذي لم يسكنه أحد من الأزل.....والآن عادت وأغلقت تلك النافذة ولكن هذة المرة وبعد أن أختبر حلاوة الحياة وفيها ضوء الحب ليعكس لعينيه ما في الحياة بصورة جديدة باهرة....لم يعد يستطيع أن يعود عينيه على الظلام كما في السابق....لم يعد بإمكانه....كل من حوله يلاحظون تغيره....صديقه (دانيال) يسأله كل يوم عن سبب القطيعة بينه وبين (كلوديا) ولكن ماذا يفعل؟!...هل يخبره بأنها صرحت له بحبها وهو سخر منها ؟!....كيف يخبره بهذا؟!...الأفضل أن يبقى صامتا....لكنه ارتكب خطأ لن يستطيع أبدا أن يتحمل نتائجه.....نعم لن يسكت على هذا الحال...لا بد وأن يحدثها ولو للمرة الأخيرة يجب أن يفعل أي شئ....قبل أن يفقد عقله وحبه للحياة وجاءت له الفرصة بعد أن دعي لحضور حفل راقص وكان يعلم يقينا أن (كلوديا) ستكون حاضرة مما زاد من فرحته أن (ماريوس) لن يكون معها فهو مسافر في مسابقة للمبارزة في فينيسيا ولن يحضر قبل نهاية الأسبوع كما لم يشارك (جوفاني) في تلك المسابقة نتيجة لتغيبه عن التدريبات الأخيرة..... اعتنى بمظهره جيدا وذهب إلى الحفلة وهو يدعو ربه أن تحصل معجزة ما وينجح في إقناعها.....وبعد حوالي نصف ساعة رآها تحدث صديقاتها هناك فتجمدت عيناه على هذا الوضع وهو يراقبها.....عندما يراقبها فإن أشياء لا يفهمها تحدث داخل صدره شاملة دقات قلبه وسرعة تنفسه وقدرته حتى على الإستنشاق كان هذا أمرا غريبا....رآها تشارك في رقصة يتبادل فيها الراقص راقصته مع كل دورتين وبشكل منتظم بحيث في النهاية يكون كل رجل قد رقص مع كل امرأة في تلك الرقصة فدخلها على الفور داعيا فتاة لم يرها في حياته وظل يدور ويعد الدورات التي ستؤدي به ليراقصها هي.....وهي بدا عليها أنها غارقة في أفكار عالمها الخاص ولم تلاحظ وجوده مطلقا عيناها شاردة باستمرار وغير ثابتة على شئ معين وحانت اللحظة التاريخية التي أمسكت فيها يده اليمنى بيدها....أخيرا أحتوى أصابعها الرقيقة في كفه....وكأنما شعرت هي باختلاف لمسة يده عن بقية الرجال الذين راقصتهم فأخرجها هذا من شرنقة أفكارها ورفعت عيناها لتنظر إليه وأخيرا تلاقت عيونهما اللاتي لم تلتقي من ذلك اليوم الي تركته فيه مع رسالتها....توقف الإثنان ثانية عن الرقص عندما وقفا يحدقان في بعضهما كانت (كلوديا) أيضا تشعر بإشتياق كبير لرؤيته والتحديق في وجهه فلقد فقدت هذا الحق منذ ذلك اليوم وأغضبها شوقها له بعد كل ما فعله فيها فخطفت يدها من يده وجرت مسرعة خارج الرقصة ولم يكن يهمها ما فعلته لتعطيل الرقصة ولكنها غادرت لشعورها بالإختناق وأمسكت بمروحتها وظلت تهيج الهواء بعصبية لعلها تتنفس بشكل أفضل ووقفت في أقصى القاعة تحاول إخفاء انفعالها وتمنت من كل قلبها لو أنه لا يلحق بها ولكنها كانت تعرفه فلقد أتى خلفها مباشرة وقال هامسا :





" (كلوديا)... (كلوديا) اسمعيني أرجوكي..."




فقالت بانفعال :




"أخرس...لا أريد سماع صوتك....لا تقترب مني....ابتعد عني...ألا تفهم لقد أخبرتك من قبل أني لا أريد رؤية وجهك....أم تريدني أن أعلقها لك كإعلان في كل مكان أذهب إليه؟!....لماذا تلاحقني؟!...أنا لا أفهمك حقا..."






"لا يا (كلوديا)....لم أتعهد منك هذة القسوة....إن ما حصل بيننا قد ذهب إلى غير رجعة... ولو أستطيع إستعادة كل كلمة قلتها لفعلت على الفور....لكنك ستقولين أنه لا فائدة فلقد قلتها....أعلم وأنا.....إني آسف للغاية....أريد فقط أن أحدثك ولو قليلا...ليس عن شئ ولكن في الفترة السابقة كنا صديقان حميمان نتحدث معا ساعات يوميا في كل شئ....وفي ليلة واحدة لم أعد أستطيع حتى إلقاء التحية عليك....أعلم أن كله خطأي....ولكن ألا ترين أني تعذبت بما فيه الكفاية...وأناشدك ألا تفعلي هذا....لن أقف أحدثك لفترة طويلة....ولكن على الأقل دعيني أحدثك لدقيقة أو أثنتين كلما سنحت لي الفرصة ولو كل أسبوع....أنا لا أطلب الكثير...."





"أنت لم تفهم بعد....أنا لا أريد أي شئ في هذا العالم أن يربطني بك ويجعلني أراك بأي صورة من الصور...."




"إعتبريه مجرد عطف.....أنا لا أحتمل..أن نظل هكذا دون أي شئ يجمعنا...لا أستطيع....أني لا أجرؤ على أن أطلب منك أن نكون صديقان من جديد ولكن أرجوكي أتركيني أتبادل معك تلك الكلمات الجوفاء لعلها تريحني مثل أي غريب...."






" (جوفاني ديمتريوس)......أنا لن انسى من تكون ومن أكون.....وإلى أي عائلة ينتمي كل منا....وكيف هي تلك العلاقة بين اسرتينا....أنت كنت دائما تذكرني بهذا....والآن أذكرك بها ......ولتتركني وشأني فأنا لا أريد محادثتك ولا دقيقة ولا حتى ثانية.....ولتنعتني بالقسوة .... عن أذنك..."






ورحلت من حيث أتت حتى أنها أخذت معطفها وتركت الحفل بأسره ورحل هو الآخر إلى بيته......




كان قلب (كلوديا) يحترق كلما تذكرت هذا الموقف....كيف يتجرأ على أن يطلب منها أن يكونا صديقان؟!....كم هو أحمق.....هذا دليل أكيد أنه لا يحمل في قلبه لها حبا وإلا ما تحمل أن تكلمه كصديقة وهي ملك لغيره وشعرت بالخزي والقنوط.....كما أن فترة الخطوبة بالنسبة لها لم تكن سعيدة فلقد كانت معاشرة (ماريوس) من أصعب الأمور فهو لا يعرف كيف يعامل النساء كما أنه يفعل كل ما هو مزعج وممل معها ظنا منه أنها تحب ذلك وكان للأسف يفعل ذلك أمام الناس فلم يكن منها إلا أن تصمت.....كان إذا تكلم عنها يقلل من قدرها أحيانا دون أن يقصد ويتباهى بها كما لو كانت دمية جميلة لديه بلا مشاعر أو أحاسيس وكانت تلك الأمور تحدث أمام (جوفاني) نفسه فكان وجهها يشتعل خجلا إذا كان (جوفاني) يراقبهما وكانت تحاول جاهدة أن تظهر سعيدة مع (ماريوس) أمامه لكن تعابير وجهها كانت تخونها أحيانا......





أما (جوفاني) فمع إقتراب يوم زفافها كان يشعر أن حبل الشوق يلف رقبته وصدره ويزداد إختناقا....كم كان يمزقه رؤية (كلوديا) هكذا مع الأبله (ماريوس) الذي لا يدرك قيمة الجوهرة التي يملكها ولا يحمل لها وزنا....كان يشاهد الحزن في عينيها ويعلم يقينا أنه مسئول عنه بصورة أو بأخرى....فهو يشعر أن الذي دفعها إلى (ماريوس) هو تصرفه ولكنه لا يستطيع التراجع فلا يستطيع أن يعترف لها بحبه حتى تبقى معه فهي لن تكون له أبدا ولن يتحمل أن يكرر غلطة الماضي ولن يتحمل رؤية دموع أمه الغالية في وجه حبيبته...لن يتلقى الطعنة مرتين فكان يصبر نفسه بأن يقول لها أن ما هو عليه الآن من عذاب لا يساوي شيئا في العذاب الذي كان سيلاقيه لو تزوجها والأكثر من هذا أنه لن يتعذب وحده بل هي أيضا ففضل أن يكون على هذا الحال حتى جاء ذات يوم إلى حفلة للكونتيسة بمناسبة عيد ميلادها السبعين فرأى أصدقاء (ماريوس) جميعا فعلم أنه قادم ولابد أن تأتي معه (كلوديا)....كان الجميع يرتدي أفضل ما لديه من ثياب إحتفالا بهذة المناسبة المهمة....ظل نظره عالقا بباب القاعة ففي أي لحظة ستدخل حبيبة قلبه وهذا ما حدث فبعد عشر دقائق دخلت مع (ماريوس).....




كان وجهها ممتقعا من الخجل أما (ماريوس) فلقد كان وجهه يحمل علامات الزهو و الفخر وأخذ (كلوديا) ليفرجها لأصحابه فلقد ابتاع لها فستانا من فرنسا خصيصا وكان هذا الفستان يظهر كل مفاتن جسمها بشكل زائد فكانت (كلوديا) غارقة في خجلها لما يفعله (ماريوس) بها ولم تستطع أن ترفض ارتداءه فلم يكن هناك وقت كما أنه أمرها أن ترتديه وكلما علق أحد الرجال على ثوبها حتى إزدادت إمتقاعا وأمسك (ماريوس) بيدها ولفها وكأنه يراقصها لكي يرى أصدقاءه فستانها من جميع الجهات فندت من عينيها دمعة ناتجة عن الخجل فلم يتحمل (جوفاني) ما يرى وجرى مسرعا باتجاههم فرآه (دانيال) وقال (لليتشا) :






"أنظري....ها قد تحرك الفهد...إن المصائب على وشك الحدوث....سأذهب لأمنع إراقة الدماء...."





خطف (جوفاني) يد (كلوديا) من يد (ماريوس) وصرخ في وجهه :





"يالك من وغد..!!!"




ثم أخذها إلى باب القاعة خارجا بها....كانت من الضعف والخجل بحيث لم تقاومه لحظة بل كانت أكثر سعادة بخروجها بهذا الثوب المبتذل لكن (ماريوس) أمسكها من اليد الأخرى وقال:




"هل جننت؟!...أيها الأحمق....أترك خطيبتي...!!!.."





فاستدار إليه (جوفاني) بنية ضربه لكن (دانيال) حال بينهما وقال (جوفاني) وهو يقاومه :




"سأكون مجنونا بحق إذا تركتها لك.....إنك تعذبها وتهينها لأقصى حد...لن أسمح لك بهذا أبدا....."





"ماذا؟!....وما شأنك أنت بهذا؟!....إنها لي وسأفعل بها ما أشاء...!!!"




"ليس في حياتي.....إما أن تسعدها....وإما لن أسمح لك بأخذها...!!!...كن رجلا وواجهني"




كان (دانيال) يصرخ قائلا :




"كفى....كف عن هذا الجنون يا (جوفاني) ....!!!"





فسادت ضحكة (ماريوس) في أرجاء القاعة وشدت انتباه الجميع له ثم قال :




"تريد مواجهة؟!....حسنا....أسمع سنتبارز ومن يحرز نقاط أكثر خلال ستين ثانية سيكون الفائز.....إذا فزت سأفسد بسيفي بذلتك الرائعة هذة وستعود إلى بيتك ولن تحضر أي حفل نحن مدعون له....ما رأيك؟!..."





"وإذا فزت سآخذ (كلوديا) من هنا....ولن أسمح لك بأذيتها مدى الحياة...!!!"







"إتفقنا....أحضروا لنا سيفا مبارزة وليبتعد الجميع قليلا حتى تتركوا لنا مساحة....ليقف أحد ليعد النقاط ويكون حكما.....هيا نبدأ..."





وبدأت المبارزة....كان (جوفاني) مشتعلا بنيران الحقد والغيظ والأسى وكان (ماريوس) يبارز فقط ليسخر منه ويهين اسمه وسمعته لكنه لم يتخيل مطلقا أن براعة وسرعة (جوفاني) تزداد أضعافا إذا كان غاضبا وفي خلال ستين ثانية كان قد أحرز ثمانية نقاط بينما أحرز (ماريوس) خمسا...فكانت هزيمة ساحقة وبهت (ماريوس) بهذة النتيجة وتجمد في مكانه بينما قذف (جوفاني) سيفه على الأرض وأمسك يد (كلوديا) وأنطلق بها خارج الحفل...أخذ معطفه وخبأها داخله وشدها باتجاه عربته....هنا أفاقت (كلوديا) من كل ما يحصل وتأكدت أنه إذا كان (ماريوس) يعاملها بأنانية وكأنها ملكه فإن (جوفاني) لا يتخير عنه فقاومته وخلصت ذراعها من يده فالتفت لها وقال :






"ماذا؟!....أتريدين أن تعودي إليه!؟.....بعد كل ما حصل؟!...لقد أراد الرهان عليك وخسر... وأنا....أنا لن أسمح لك بالعودة له..."





"لقد تراهنتما دون أن تفكرا في مشاعري أنا....تفكران أني لعبة في يديكما تتقاذفانها فيما بينكما ويخطفها أحدكم من الآخر.!!!"





"كنت أعلم أن مشاعرك ليست لهذا الرجل الكريه وأنا لن أسمح له أن يعذبك....أفضل أن أتركك لأي رجل في هذا العالم على أن أتركك له هو..ذلك الوغد..."







"لكن ذلك الوغد هو الرجل الذي يحبني فعلا على الأقل يحمل في قلبه مشاعر حقيقية لي... قد يعبر عنها بطريقة شاذة نسبيا....ولكنه لم يخدعني مطلقا....لم يتصرف تصرف يعني شئ ويقول شيئا آخر!!....مثل شخص أعرفه....كما أني أحبه...أحبه هو وسأظل معه مهما فعل.... فالأفضل لك أن تتركني وشأني....ولتغادر حياتي للأبد.."




فنظر إليها بأسى وقال وكأنه يحدث نفسه :





"تحبينه؟!...هل تحبينه حقا؟!..."




"أجل أحبه....والآن خذ معطفك هذا فلست بحاجة إليه....سأحتمي بمعطف زوجي....فهو أكثر دفئا..!!!!"






وعادت من حيث أتت أما (جوفاني) فلم يدري ماذا يفعل وظل طوال الطريق ساهما وكلماتها تتردد في أذنه وتطرق فوق قلبه لتعصره....وتذكر أن هذا الموقف يشبه موقف بينه وبين (ماريوس) عندما كانا صغارا وأخذ منه الكلب المسكين بدافع من إغاظته فقط ليعذبه.....ظل ليال كثيرة بلا طعام أو شراب....كان العذاب فوق أن يتحمله....وتساءل لماذا؟!...فلقد تحمل صعابا كثيرة في حياته.....لما لا يستطيع احتمال فراق فتاة.....ولكنها ليست أي فتاة...لا ليست أي فتاة.......






وتمر الأيام ويزداد هو يأسا وبؤسا وتزداد هي هما وغما ويزداد (ماريوس) شوقا أما (أنجيليتا) فتزداد حيرة من حال ابنها الذي يجلس كالناسك في غرفته ولا يخرج منها....حتى إذا دخلت عليه لا تجده يقرأ أو يكتب أو يفعل أي شئ سوى الجلوس على كرسي والتحديق في النافذة مثل (ألفريدو) فيما مضى عندما كان يعذبه شئ في قلبه ففي تلك الفترة أصبح يشبه زوجها الراحل في تعابير وجهه بشكل زائد.....حتى أنها ذات مرة أخطأت ونادته (ألفريدو) ولكن لم ينم عنه أي حركة تدل على أنه سمعها....بقي ثلاثة أيام على زفاف (كلوديا) و (جوفاني) لم يأكل منذ صباح الأمس.....فدخلت إلى غرفته فوجدته شاحب بشدة وذقنه غير حليق وشعره أشعث وهناك علامات في عينيه وكأنه كان يبكي فأنقبض قلبها لهذا المشهد وقررت التدخل فجلست على ركبتيها أمامه وأمسكت وجهه بين كفيها وقالت :
" (جوفاني) ..... بني....كلمني.....ماذا أصابك؟!....ما الذي يعذب روحك هكذا ويجعلها وكأنها تريد الخروج من جسمك؟!...أفصح....أنا والدتك ومهما كانت المشكلة فلم يفت الأوان أبدا لحلها....أنا وأبوك (أندريه) في غاية القلق...أرجوك يا بني...أنت لا ترضى لأمك العذاب......"





"أمي....آه يا أمي....ماذا أفعل؟!...لكي أشعر بالسعادة؟!....ماذا أفعل لأعيش بسلام...أن وجودها بقربي يعذبني عذابا لا يتحمله قلبي....لكن وجودها بعيدا عني....يقتلني...أني أتمزق ....أحترق....لفراقها.....لماذا أحمل هذا الشعور بداخلي؟!...لماذا يجثم على قلبي لأجلها هي بالذات؟!.....أمي....أرجوكي ساعديني..."




فنهضت (أنجيليتا) وأحتوت راسه في أحضانها وسالت دموعه وبللت ثوبها....كانت تلك المرة الأولى التي تراه فيها يبكي منذ سنوات طويلة وهو يهتز ويشهق فسالت دموعها هي الأخرى وقال وسط شهقاته :





"أنا....لم أعد احتمل...لم يعد يمكنني أن أنكر أحساسي بعد اليوم أو دفنه تحت ثرى كبريائي وكرهي لتلك الأسرة.....إذا كان هذا ما يسمونه الحب...فأنا أعشقها....أني أحبها يا أمي..... أحبها أكثر من أي رجل أحب امرأة في حياته....إن الحب هذا شئ قاسي وقاتل....أنه يطعنني في كل ذرة من كياني في كل خلية من جسمي ومهما أخفيته أو تناسيته....لا يلبث إلا أن يخرج من أحشائي....مع كل نظرة لها....مع كل همسة أهمسها باسمها بيني وبين نفسي.... أنا أعرف أن حالي أفضل من أن أكون معها ويحاربنا العالم.....ولكني لم أعد أحتمل.....قولي لي بالله عليك.....كيف أستطيع السيطرة على هذا الحب؟!......وأنا كلما جاءت عيني في عينيها يكاد يصرعني ليخرج لها ويحتويها....ماذا علي ان أفعل؟!....أريد الخروج من هذا الحال.....أرجوكي يا أمي ساعديني...."





"يا (جوفاني).....أهدأ يا عزيزي....كيف تخفي آلامك هذة كلها عني؟!....كيف تحملتها وحدك؟!.....يا بني الغالي.....لن يتوقف إحساسك أبدا.....ولن يرحمك الحب الذي بداخلك إلا إذا بحت به....وأظهرته للعالم وأخرجته للنور....لن يتوقف عن طعنك وأن تحبسه داخل فؤادك فالحب لا يقبل أن يكون مسجونا في قلب واحد ولن تستطيع السيطرة عليه مهما أوتيت من رابطة جأش وأعصاب باردة......فقوته جبارة ولا تلبث أن تدمرك....بني لم يفت الأوان أبدا... أنك تحبها.......وهي تحبك....وسوف تكون ملكا لغيرك بعد غد....عليك أن تفعل شيئا....فلتقل لها عن حبك لعله يؤخر المصائب قليلا....وليعطيك وقت لتفكر فيما ستفعل بعد ذلك..."





"ولكن كيف أخبرها؟!........كيف أخبرها أني أحبها بعد أن اعترفت لي ونبذتها؟!....كيف ستسامحني على خطأ فادح كهذا؟!....كم أتمنى لو أني لم أفعل هذا....كم كنت غبيا وأحمقا...!!!"






"لا يا بني....ستسامحك.....على الأقل أعطها فرصة.....أفعل أقصى جهودك وما بوسعك... وعلى الأقل اعترافك سيخفف من آلام قلبك.....لا تستسلم...والآن إهدأ يا بني وأنسى ولو لليلة واحدة.....وكل بعض الطعام لأجلي.....ثم نام بهدوء لأن غدا سينتهي شقاؤك...هيا!!"




وفي اليوم التالي ظل (جوفاني) طوال اليوم في حالة توتر رهيبة وغادر القصر في الصباح الباكر وذهب إلى (ليتشا) ليعلم منها إذا كانت (كلوديا) اليوم ذاهبة لأي مكان لينتظرها فيه ولكنها أعلمته أنها لن تذهب اليوم لأي مكان ولن يفعل كذلك أي أحد من أسرة (فان دييجو)... حتى السيد (فرناندو).....فعاد إلى كوخهما....وظل هناك يفكر ويفكر حتى خيم الليل عليه وأخيرا حسم أمره وذهب إلى قصر (كازابيانكا) راكضا على قدميه يحاول ألا يظهر أمام أي أحد من الخدم وقام بالدوران حول القصر حتى وصل إلى الشرفة التي تخص غرفة (كلوديا).... كان سعيدا أنه ما يزال يتذكر مكانها وظل يحدق بها وقلبه يدق بعنف ثم تسلق الجدار إلى أن وصل على طرف الشرفة فأمسك بها ورمى نفسه داخلها وعلى أثر تلك الحركة استيقظت (فلوريا) التي كانت في النافذة المجاورة بينما انتبهت (كلوديا) التي لم تستطع النوم ليلة عرسها من شدة قلقها وتفكيرها المتواصل فاتجهت إلى زجاج الشرفة فرأت ظلا يقف في الظلام أمامها فصرخت :




"من هناك؟!....!!!!"




فالتقط (جوفاني) أنفاسه وقال :




" (كلوديا) .....هذا أنا (جوني)...أفتحي من فضلك.."




فانتفض قلب (كلوديا) ولم تستطع الإجابة فأضاف :




"أرجوك يا (كلوديا) .....لن أؤذيك...أو أزعجك بالكلام...أتيت لأقول لك شيئا واحدا وسأرحل....أرجوك لن أفعل ما يغضبك....اسمحي لي بالدخول....فالجو بارد هنا.."





فوجدت (كلوديا) يديها تفتحان زجاج الشرفة وتراجعت إلى الوراء بينما دخل هو وأغلق الزجاج خلفه وهنا قررت (فلوريا) أن تتحقق فيما جرى في غرفة عروس إبنها فخرجت بملابس النوم ووقفت أمام باب غرفة (كلوديا) وقبل أن تفتح تناهى إلى مسامعها صوت رجل تأكدت أنه ليس من رجال عائلتها (فلوريا) وسمعته يقول :





" (كلوديا).....لقد تمنيت أن أراك....فلم أستطع أن أنتظر وقررت أن آتي إلى هنا...لذا جئت وصعدت إلى غرفتك..."




"لماذا تلاحقني بهذا الشكل؟!.....لماذا؟!.."





" (كلوديا) ألم تفهمي بعد؟!....ألم تفهمي؟!...كل تلك الليالي....كل تلك المرات التي ألتقينا فيها....ظننت أننا دائما نفهم بعضنا دون أن نتكلم....لكن يبدو أنك أغلقت قلبك بوجهي....أنا يا (كلوديا) أفعل كل هذا...لأني أحبك....أجل أحبك....لك ألا تصدقي هذا....ولكنها الحقيقة الواقعة...أني مدله في غرامك منذ اليوم الأول الذي رأيتك فيه...."





كانت (كلوديا) تحدق به وكأنها غير واعية لما يحصل أمامها....ظنت أنها مجرد تخيلات ولكنه بقي يردد هذة الكلمة أمامها وأمسك بكتفيها و بدأ يهزها ليشعرها بوجوده فأدركت أنه فعلا موجود فقالت :





"الآن؟!......أنت تقول لي هذا الآن؟!....أين كانت كلمتك حين جاءت كلمتي؟!....تركتها وحدها وجردتها من المعاني.....والآن تأتي كلمتك لتطالب بكلمتي....ليس لها الحق في ذلك.....ماذا تنتظر أن ترى؟!....تريد فضيحة إجتماعية!....أهذا ما تريده؟!.."





"لا (كلوديا) .....أقسم أني لم أفكر لحظة في أن أهدم سعادتك ليلة عرسك ولكني شعرت أنه إذا لم أقلها فسأصمت للأبد....وكم قتلني أني بقيت صامتا الأشهر الماضية....فكيف سأحتمل هذا الأمر للأبد...أجل كانت كلمتي حاضرة لحظتها لكن لساني عجز عن نطقها مع أنه أراد نطقها قبلك....ولكن لجمني المجتمع......وحاصرني تاريخنا....تاريخ صراع عائلتينا المرير ولو أننا أصلا من أسرة واحدة.....لم أستطع تجاهل كل هذا.....لم يطاوعني لساني أن أفرحك بكلمة ثم أحزنك ما تبقى من حياتنا....أرجوكي فكري كيف شعرت.......لا تفكري كيف آلمتك ليلتها بل فكري كيف كان ألمي بالمقابل......أرجوك (كلوديا) ...."





فاستدارت (كلوديا) وقالت و دموعها تغرق وجهها :




"ماذا تريد مني؟!....أتريد أن أترك كل شئ وأذهب إليك؟!.....أن أحطم حياتي؟!....كيف أمكنك أن تفكر بأنانية وتقول كل ما في قلبك دون أن تهتم للنتائج....."





"ما من نتائج....لا أنتظر منك شيئا.....وأعرف أنك لن تغيري حياتك أو تحطميها لأجلي وهذا هو الصواب كما لا أريدك إن تردي لي مشاعري بالمقابل...كل ما أردته دقائق من حياتك التي تملكينها الآن تضيعينها لتستمعي لحديث سيسري عني ما تبقى من حياتي من عذاب قلبي الذي أدرك أنه لن ينتهي.....فعلت هذا قبل أن تصبح حياتك ملكا لرجل آخر.....أرجوكي فلتسامحيني....ولا تبكي....أرجوكي (كلوديا) ....."




"أخرج يا (جوفاني).....أرجوك أن تخرج....أنا أصبحت أكرهك...أرجوك أخرج"
"هذا ما أردت سماعه.....ارجوكي أنظري في عيني....وقوليها مجددا...ومجددا...."
فأمسك ذراعيها وأدارها لمواجهته ونظر إلى عينيها بقوة فقالت بوهن :
"أنا......أكرهك...."
"قوليها مجددا....."
"أكرهك....."
"أرجوكي مجددا...أنظري في عيني....مجددا..."
فأنهارت باكية وقالت :
"أجل أكرهك....أكرهك...."
فأحتل الأسى قلب (جوفاني) وملامحه وقال :




"أجل....إنك كذلك....إذا كانت مشاعري تحزنك لهذا الحد....فسأمحوها من الوجود...وإذا كان حضوري يزعجك إلى هذة الدرجة....فلن أمر عابرا طريقك من جديد....ومطلقا....أعدك بذلك....أما أن يكف قلبي عن حبك....فهذا لا أملك أن أفعله...لذا وداعا يا (كلوديا).....يا حبيبة عمري...إلى نهاية الوجود...."







وغادر من حيث أتى وأنهارت (كلوديا) على سريرها وانسلت (فلوريا) إلى غرفتها ممسكة بأنفاسها حتى لا يشعر بها أحد وعندما أغلقت الباب على نفسها أطلقت قلقها وخوفها على ما سيحصل لأبنها الوحيد وما قد يصيبه من فتاة قلبها ليس ملكه فهي كانت مكانه يوما.....وتمنت من كل قلبها لو أن الزفاف لا يتم غدا...





بمجرد أن عاد (جوفاني) إلى بيته حتى جهز أغراضه وسافر إلى روما لقضاء الأعمال ليشغل نفسه قدر الإمكان في هذا اليوم البائس الذي لا يعرف كيف سيمر عليه ظل يعمل ويعمل وتمر ساعات الصباح.....وكلما اقترب المساء إزداد اضطرابا وحيرة حتى دقت الساعة الخامسة مغربا فلم يستطع التحمل وأخذ القطار عائدا إلى ميلانو....طالت الساعات وهو يدرك في كل لحظة أنها الآن في الزفاف.....الآن أصبحت زوجته....الآن يباركون لهما...الآن يرقصان.... ظل ينتقل من قطار لآخر إلى عربة إلى أن وصل إلى أراضي عائلة (ديمتريوس)....ظل سائرا ببطء وكأنه يسير نحو قبره....ظل ينظر حوله وذهب على الطرف الآخر من الأراضي إلى حيث توجد حديقة الأزهار الذهبية.....لقد شعر أن عليه أن يودعها هناك....أجل أنه المكان المناسب....أنزل السلالم الحبلية وصعد ببطء.....وجد المكان مظلم فلم يشأ أن يضيئ شمعة فالشخص الذي كان يضيئ المكان لن يأتي إليه مجددا....جلس على طرف السرير وهو يشعر بإختناق شديد....فك أزرار قميصه وشعر بالشهقات تخنقه والدموع المكبوته بداخله..... فسأل نفسه مما يخاف ولما يمنعها فإن لم يبكي في ليلة زفافها ففي أي يوم سيبكي....وأي شئ يستحق البكاء غير هذا.....فصارعته كرامته كرجل ولكنه انتصر عليها وذرف الدموع وسقطت رأسه بين يديه وظل يهتز دون صوت واضح.....حتى قال بين شهقاته :




"آه.....آه يا (كلوديا) ......"





وظل هكذا بضع دقائق حتى تناهى إلى سمعه صوت شهقات تتبع شهقاته ولكنها ليست خارجة من صدره فوقف مذعورا وقال بصوت قوي :





"من هناك؟!....."






فاستطاع أن يميز الركن الذي يأتي منه الشهقات كان هناك شخص يجلس ضاما ركبتيه معا بذراعيه وهو يبكي ثم توقف قليلا ثم قال :




"إذا أعطيتك يدي.....فهل ستحافظ عليها؟!...وتعتني بها؟!...."




فعرف الصوت على الفور....صوت (كلوديا) ....كانت تنتظره....في هذا المنزل....الذي بنياه معا ليظل قائما يجمعهما باستمرار....فقال :




"هل يدي أنا.....كافية....لترضيك؟!...."





"أجل.....طوال عمري....لم أكن أريد أحدا غيرك...أبدا.."




ثم جرت إليه وأحتواها بين ذراعيه فلم يكن هناك شئ يصف أحساسهما في تلك اللحظة ....





بقيا هكذا ساعات دون أن يسأم أحدهما دون كلمات...حتى قالت :




"لم أستطع أن.....أتزوج منه....لم أذهب إلى الحفل...."





"أنا أحبك يا (كلوديا)....أحبك....لنتزوج....وندعنا من كل هؤلاء الناس...."




"و أنا أيضا احبك....جدا يا (جوني)....منذ كنت صغيرة....وأنا موافقة..!!!!"




"لنتزوج في الغد.....عندما تشرق الشمس سيكون أول مكان نذهب إليه مكتب التسجيل لتسجيل زواجنا رسميا....حتى لا يفكر أحد في معارضتنا أو فصلنا عن بعضنا.....أليس هذا غريبا (كلوديا) ؟!....هذا ما فعله أبي تماما....كم كنت أظنهما أخطأا وأني الوحيد الذي أدفع ثمن خطأهما.....وكم أدرك الآن حقيقة الأمر.....حقيقة أحساسهما....كم كنت أحتقر الحب وأعزي إليه أنه الذي دمر حياتي وجعلها على هذا النحو...وكم أنا ممتن له الآن....ذلك الشئ السحري....الآن أعذر أبي وأمي....وأعرف كيف كانت أمي على استعداد لتضحي بكل شئ لتكون ملكا لأبي....وكيف كان أبي على استعداد لمحاربة العالم والأصول والتقاليد وكل أفكار المجتمع ليحظى بأمي.....وسأفعل الشئ نفسه...والآن....خذي هذة القلادة..."






وخلع قلادة الحوتان عن رقبته ثم لفها حول عنق (كلوديا)....نظرا إلى بعضهما نظرة لا توصف ثم قال :





"سأحبك في السراء والضراء....في كل ما يحضره لنا القدر...يا زوجتي...."

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل العشرون

[[ التاريخ يعيد نفسه [[



في عتمة الليل كان العاشقان سعيدا متجاوران يستعيدان معا أجمل ذكرياتهما سويا فبالنسبة إلى (جوفاني) كانت ليلة عرس (كلوديا) أسوء ليلة في حياته لكن بعد أن أتت إليه من جديد أصبح هذا عيد بالنسبة له وأصبحا يتكلمان معا فيما سيفعلانه غدا فأخبرها (جوفاني) أنهما بعد أن يسجلا زواجهما رسميا سوف يبحث عن مكان ينتقلا إليه في الوقت الراهن فامتعضت (كلوديا) وقالت :





"ولكني ظنت أننا سنبقى هنا فأنا أحب هذا البيت...أنه بيت حبنا!!!"




"وأنا أحبه أكثر منك ولكن ربما يجدوننا هنا بسهولة فمن الأفضل أن نختبئ جيدا في أول فترة زواجنا حتى لا يدمروا سعادتنا...."






نفس الليلة كانت جحيما على (ماريوس) الذي أرسل رجاله في كل مكان بحثا عن عروسه ولم يفهم الذي جرى لها وصرخ بغضب في المدعوين أن يرحلوا فلم يعد هناك زفاف وتحول الحفل إلى مهزلة....كان (روبرتو) وزوجته (سيسل) يكادان يفقدان عقليهما فهي لم تترك حتى رسالة تقول فيها أين هي وكان السيد (فرناندو) يجلس على كرسيه بهدوء يراقب كل ما حوله ولكن بداخله نار يكاد يحترق بها هو الآخر.....لم يعلم ماذا يمكن أن يكون قد حصل لها وظل يتصفح وجوه الجميع لعله يجد الإجابة حتى وقعت عيناه على وجه (فلوريا) أرملة ابنه فوجد أن وجهها ممتقع بشدة وكأنها تخفي شيئا كما كان يبدو عليها أنها توقعت ما حصل فخرج صوته كالرعد ينادي بأسمها فانتفضت ثم اقتربت منه فقال :




"يبدو لي أنك تعرفين شيئا.....قولي ما لديك....فأي شئ مهما كان صغيرا يمكن أن يفيدنا في معرفة مكانها....تكلمي.."




"الواقع.....ليلة أمس يا سيدي...ليلة أمس.."



"ماذا جرى ليلة أمس؟!.....ارفعي صوتك...."




"ليلة أمس سمعت حديثا بين (كلوديا) ورجل غريب في غرفتها في منتصف الليل بعد أن نام الجميع......كان يعترف لها بحبه.....ولكنها طردته.....هذا كل ما حصل...."




فشهق الجميع مما سمعوا وانتفخ وجه (ماريوس) غضبا ثم قال :





"أمي.....من هو ذلك الرجل؟!.....ألم تعرفي من صوته من يكون؟!...."




"لا.....لم أستطع التعرف على صوته..."






قالت (فلوريا) هذا وهي لا تريد إثارة زوبعة...فلقد كانت تظن أنه (جوفاني) لأن (كلوديا) ذكرت اسمه ولكنها فضلت أن تصمت عند هذا الحد....فاقفهر وجه (فرناندو) وقال :





"إن (كلوديا) حفيدتي لن تفعل شيئا يزعجني أو يهين سمعة أسرتنا....أنا واثق من ذلك... فلننتظر إلى الغد.....لعلها خافت من الزواج وشعرت أنه خطوة كبيرة....سأوبخها عندما تعود......."





فصرخ (ماريوس) :






"ولكن هل تظن حقا أنها ستعود؟!....ألم تسمع؟!...رجل يخبرها بحبه .....أنا واثق أنه السبب وأنه إذا لم يكن خطفها أو أخذها فهي التي ذهبت إليه.."






"أصمت يا (ماريوس) .....ألم تسمع انها طردته؟!....ثم لو أرادت الهرب معه لفعلت هذا منذ الأمس......كما أن حفيدتي لا ترتكب مثل هذا الجرم.....سوف نبحث عنها في صباح الغد....وإن لم نجد شيئا....سوف نتصل بالشرطة.!!!"





وعلى أثر هذا ذهب كل إلى غرفته لكن (ماريوس) بقي طوال الليل يفكر فيما قالت أمه ووصل إلى ما كان خائفا حتى أن يفكر فيه.... (جوفاني).....





في الصباح التالي ذهبت (أنجيليتا) إلى غرفة ابنها علما منها أنه سيكون في أسوء أحواله النفسية فليلة أمس كانت عرس حبيبته وعندما دخلت لم تجد أحدا بالغرفة وعلمت أنه لم يعد إلى غرفته أبدا فقلقت عليه وتمنت ألا يكون قد أذى نفسه وتألم قلبها لألم ابنها ولكنها وجدته أمامها فنهضت وعانقته بشدة ثم ابتعدت قليلا ونظرت في عينيه قائلة :





" (جوفاني) حبيبي أين كنت ليلة أمس!؟..أنك تبدو.....سعيدا للغاية..!!!"





"أمي....أعلم أنك ستسعدين بقراري..... (كلوديا)...لم تتزوج ليلة أمس....لقد أتت إلي... ولقد تزوجنا..!!!...."




فاتسعت عيناها دهشة وقالت :




"ولكن....هل تزوجتها رسميا....ليلة أمس؟!.."





"...لا....صباح اليوم يا أمي....وأنت أول من أخبره بذلك ولكن لا تخبري أحدا.....سوف نغادر المكان خلال ساعة ولن نعود على ما اعتقد....سوف نعيش في ميلانو أو ربما روما....... سوف نختفي من هنا حتى لا تأتي أسرة (فان دييجو) وتحاصرنا.....لكن ما بك يا أمي؟!.... تبدين غير سعيدة.....أعلم أنه قرار خاطئ ومفاجئ ولكن لم يكن أمامنا سواه.....إن (فرناندو فان دييجو) لن يترك حفيدته تكرر خطأ أبنه.....وتتزوجني....ولكننا تزوجنا رغم أنفه....إنها الآن زوجتي رسميا....ولعلك تشعرين بأحاسيسنا الآن....كل ما أريده هو مباركتك لزواجنا.... وألا تقلقي علينا....وسأحدثك في أقرب فرصة...لكن يا أمي....لما تملأ الدموع عينيك؟!.."





"يا بني...أنا سعيدة لأجلك....سعيدة لأجل قلبك الهانئ.....ولو أنه كان تصرفا متسرعا منك... ولكن من شبه أباه فما ظلم.....أليس كذلك؟!....كم تشبهه.....الآن في هذة اللحظة....تلك النظرة الظافرة في عينيك تعيدني إلى تلك اللحظة....و (كلوديا)....كم تمنيت أن أقابلها وأقبلها بنفسي لابد أنها سعيدة للغاية....ولابد أن تصرفا كهذا أخذ منها شجاعة رهيبة لتفعله.... فلتحافظ عليها يا بني.....ولتحافظ على نفسك.....وكلما ابتعدت عن هنا كان أفضل....ولا تظهر كثيرا في المدينة....وسأرسل لك ما لك قريبا عندما ترسل لي العنوان حسنا؟!.."





"شكرا يا أمي....كنت أعلم أنك ستفهميني.....طمئني السيد (أندريه) علي.....والآن يجب أن أذهب فلدي الكثير لأفعله......أحبك يا أمي..."





ثم عانقها بقوة مودعا وغادر المكان من الباب الخلفي حتى لا يراه أحد بينما بقيت (أنجيليتا) في غرفة ابنها تشعر أن ما حدث مجرد حلم.....ذكريات دفينة في رأسها تعود لتعيشها من جديد ولم تصدق ما حصل.....لم تدري هل تفرح أم تحزن على ما سيحصل لأبنها وزوجته فيما بعد ذلك ولكنها فكرت أن حالهما أسوء من حالها هي و (ألفريدو) فيما مضى (فألفريدو) كان رجل الأسرة واستطاع أن يوقف سلطة أبيه وغطرسته عند حدها لأنه كان من الأسرة لأن (فرناندو) كان بحاجة إليه أما الآن.....فلا بد أن ذئاب (فان دييجو) جميعا سينهضون لينهشوا في لحم إبنها وانفطر قلبها ذعرا عليه.....






كان (دانيال) يجلس في مكتبه في المدينة عندما وجد رجلا يرتدي رداءا أسود لا يظهر ملامحه مقبلا عليه وعندما أغلق الباب أظهر نفسه.....كان (جوفاني) فاندهش (دانيال) من تصرفه وسأله :







"ما بك (جوفاني) ؟!.....لما هذا الغموض؟!....هل أنت هارب من الشرطة أو ما شابه؟!..."





"أسمع يا (دانيال).....أريدك أن تجد لي شقة في المدينة.....في أقصى ضواحيها بحيث لا يجدنا أحد....ولتكتبها باسم أحد خدمك....أي شخص غير معروف حتى لا يجدها أحد....وأرجو منك أن تفعل هذا خلال ثلاث ساعات...."






"ولكن ما الذي تقوله؟!.....لماذا؟!...هل قتلت أحدا؟!..."






"لقد تزوجت..... (كلوديا فان دييجو)..!!!!"





فسقط (دانيال) في كرسيه وقال مقطوع الأنفاس :





"كنت أفضل لو أنك قتلت أحدا.....ولكن هل انقرض العقلاء من هذة الدنيا؟!...هل تدرك المصيبة التي أقدمت على فعلها؟!....لابد وأن يقتلوك.....ولكن مهلا....ألم يفعل والدك الشئ نفسه؟!....ألم تقل لي أنك كنت غير مقتنع بفعلته؟!....ما الذي حصل إذا؟!... هل ركبتك روحه الراحلة أم ماذا؟!...."





"إهدأ يا (دانيال) وأخفض صوتك.....يمكنك أن تقول أنه أنسب حل لنا ولا تسألني لماذا.... أنا أحبها ولقد تزوجتها.....أنت لم ترني مطلقا منذ سافرت إلى ميلانو ولا تعرف شيئا عني إذا سألك أحد أفهمت؟!....والآن أفعل ما قلته لك بسرعة وسوف آتي لمقابلتك عند البرج بعد ثلاث ساعات بالتمام والكمال وستعطيني حينها مفتاح الغرفة....وداعا.."




"ولكن انتظر....هاي انتظر....ثلاث ساعات لا تكفي....انتظر...."




رحل (جوفاني) كما أتى فقال (دانيال) بيأس :




"سينفجر البركان عما قريب!!!..."





وفي قصر (فان دييجو) لم يستطع أفراد الأسرة جميعا النوم تلك الليلة ولم تفلح محاولات الخدم في البحث عن (كلوديا) و أجتمع أفراد الأسرة في غرفة واحدة ليتباحثوا في الأمر فقال (ماريوس) :





"أنا أعلم أين هي......إنها عند آل (ديمتريوس) ....أنا واثق!!!!"





فشهقت (سيسل) لأنها فهمت ما يرمي إليه لكن (روبرتو) و (فرناندو) لم يفهما فقال (فرناندو):




"ما الذي تعنيه؟!......ماذا ستفعل عند أعدائنا؟!...."





"جدي......هناك ما لا تعلمه عنها......لقد كان (جوفاني)....طوال تلك المدة صديقا (لكلوديا) وكانت هي تتعاطف معه بعد أن علمت الإجراءات التي إتخذناها لنمحو اسمه واسم أمه من حياتنا وكانا يمضيان الوقت معا ولكني تصرفت حيال هذا ووجهت له الإنذار عدة مرات ليبتعد عنها نهائيا وهذا ما فعله بعد خطبتنا ولكن يبدو أنه هو من جاء لها تلك الليلة....أنا واثق أن تلك الأفعال الدنيئة لا تصدر إلا منه...!!!"






جاء على وجه (فرناندو) أغرب التعبيرات ما بين الغضب الأعمي والدهشة والذهول الكامل ثم نهض بغضب وهتف بصوت أهتزت له جدران الغرفة :





"ما هذة السخافات؟!....إن حفيدتي لا تفعل هذا....ولكن كيف أخفيتم هذا عني؟!..... كيف تركتموها ترتبط بأي علاقة من أي نوع مع هذا الدنس الأصل؟!!!!.....كيف تركتم هذا الخطأ أما أعينكم دون أن تعودوا إلي؟!...."





فقالت (سيسل) محاولة تهدئة الموقف :






"لم نرد أن نزعجك يا أبي بأشياء يمكننا التعامل معها فنحن نعلم غضبك وإنزعاجك الشديد من تلك الأمور...."






"وتظنين أنكم تعاملتم معها؟!....كيف تخفين عني أمرا بهذة الخطورة يخص حفيدتي بحجة عدم إزعاجي.....لقد جن أفراد الأسرة جميعا.....هذا كله جنون...جنون كامل!!!!"





فوقف (روبرتو) وقال :




"أنا سأذهب بنفسي إلى آل (ديمتريوس) لأرى ما إذا كان هذا صحيحا"






وحاولت (سيسل) إيقافه فهي لا تريد فضائح ولم تفلح وهناك في قصر آل (ديمتريوس) جاء خادم إلى السيد (أندريه) يخبره بحضور السيد (روبرتو فلاديمير) إلى القصر فاندهش لهذا فالعلاقة بينهما مقطوعة تماما وانقبض قلب (أنجيليتا) فهي لم تخبر زوجها بعد عن ما فعل ابنها......ثم ذهبا سويا إلى غرفة الإستقبال فوجداه هناك....وبعد أن تبادل الرجلان تحية باردة أشار إليه (أندريه) بأن يجلس فقال (روبرتو) :





"لا أفضل الوقوف....فلم آتي إلا للحظة....جئت أسألك سؤال واحد....هل يعرف أبنكم (جوفاني) أين هي ابنتي (كلوديا) ؟!...هي لم تحضر زفافها ليلة أمس...وهي مختفية وأريد أن أعلم ما إذا كان لأبنكم دور في إختفائها...!!!"





"ماذا تقول؟!....إختفت؟!.....هذا أمر مؤسف للغاية.!!!"





فقاطعه (روبرتو) :






"دعك من المجاملات التي لا فائدة منها....أعلم جيدا أنك لست آسفا مطلقا وأريد أن أرى أبنك حالا وأسأله..."




"ابني (جوفاني) ليس هنا فهو لم يعد بعد من ميلانو لأنشغاله ببعض الأعمال في شركتنا.... وسواء صدقت أم لا فأنا فعلا آسف لما يحصل....ولست أفهم مطلقا ما علاقة إختفاء (كلوديا) بأبني (جوفاني) ....!!"






"لا تتظاهر بالبراءة....يعلم الجميع أن أبنك كان يتلاعب بعقل إبنتي ليوهمها بحب لا يحمله حقيقة لها.....هو يفعل ذلك لينتقم لنفسه منا ولكن لا....لن أسمح لصعلوك كهذا أن ينتقم مني عن طريق أبنتي.....أنه جبان!!!!"






"أخرس.....إياك أن تذكر أبني بهذة الطريقة.... (جوفاني) شاب عاقل ومحترم وهو لم يفعل شيئا من هذة السخافات التي تذكرها والرجل الجبان هو الذي يأتي إلى الناس ليهينهم في ديارهم.....أخرج من هنا....حالا..."






"سأخرج ولكن إن ثبت أن لأبنك يد في ما يحصل...سأنتقم منكم شر انتقام!!!!..."





ووجه الجملة الأخيرة إلى (أنجيليتا) شخصيا ثم رحل....فقال (أندريه) :






"يا له من مجنون....إذا ما حصل أي مكروه لأي فرد من عائلة (فان دييجو) فإنهم يشتبهون بنا على الفور.....هذا أمر سخيف....ولكن لما لم يعد (جوفاني) حتى الآن؟!...كان يفترض به أن يعود يوم أمس....سأتصل به في الشركة..."





وقررت (أنجيليتا) البقاء صامتة كما طلب إبنها حفاظا على سلامته ووعدها له وفوجئ (أندريه) أن ابنه فعلا ترك الشركة منذ أمس عصرا ولم يعد إلى القصر فبدأ يقلق هو الآخر وفكر في كلام (روبرتو) ولكنه لم يصدق وحاول سؤال (أنجيليتا) فأخبرته أنها لا تعلم شيئا.!!!....





في تلك الليلة كان العروسان ينامان دافئان في شقة صغيرة تحت إسمين مستعارين هانئان وسعيدان ولا يعلمان شيئا عما يحصل في تلك البقعة التي تضم أسرتيهما....أرسل (جوفاني) رسالة سرية إلى أمه تُسلم باليد ليخبرها عن مكانهما ويطالبها بأن تحضر بعد غد لزيارته ولكن في منتصف الليل بحيث لا يراها أحد وهذا ما فعلته (أنجيليتا) بعد أن مر اليومان كأنهما سنتان فالجميع في حالة توتر وأسرة (فان دييجو) مشتعلة تبحث كمن يبحث عن مجرم طليق وذهبت (أنجيليتا) بمنتهى السرية في عربة مستأجرة إلى حيث يسكن ابنها وزوجته ولفت شالا حول نصف وجهها حتى لا يتعرف عليها أحد وطرقت الباب ففتح لها (جوفاني) وأدخلها بهدوء وبعد أن أغلق الباب عانقها بقوة وسعادة ونظرت إلى وجهه.....كان يبدو مشرقا كما لم تره من قبل....نفس الإبتسامة التي كانت على وجهه وهو صغير عندما كان (ألفريدو) معهم....إبتسامة هناء وسعادة فقالت :




"مبارك لك يا بني.....أين هي العروس.؟!.."




فأحضر (كلوديا)......كانت أجمل بكثير من آخر مرة رأتها فيها.....كانت تتقدم بخجل إليها وما إن وصلت إليها حتى أرتمت في أحضانها فقلت (أنجيليتا) وعيناها تدمعان :





"حبيبتي كم أنت جميلة.....وكم كبرت ونضجت....ماذا فعل بك ذلك الولد؟!...لقد جعلك تزدادين جمالا....كم أنتما رائعان...مثل عصفورا الحب المغردان...آه يا حبيبتي...كيف حالك؟!...هل تأكلين بشكل جيد؟!....هل تطعمها جيدا يا (جوفاني) ؟!..."





"أجل يا أمي....لا تقلقي...أكل ما يهمك هو الطعام؟!..."




"أجل....لكن لا...لابد أن قلبها قد شبع....فهي سعيدة...أستطيع أن أرى هذا في عينيها"






فضحكت (كلوديا) وجرت إلى حضن (جوفاني) فأحتواها وظل ممسكا بها فمسحت (أنجيليتا) دموعها وقالت :




"كم هي تضحية عظيمة منك يا أبنتي.....بأن تضحي بعالمك لأجل من تحبين....عليك ألا تنسى تضحيتها هذة يا (جوفاني) ...."




فقالت (كلوديا) بخجل :




"لم تكن تضحية إلى هذا الحد....أنا كنت أنتظر أي فرصة لأخرج خارج هذا البيت الموحش الذي لا يوجد فيه سوى الأحقاد....كل شخص هناك يقدر مصيري كما يريد....كما أن (جوني) ضحى بعالمه لأجلي أيضا.....كان يجب أن أفعل هذا فأنا لم أكن إلا ملكا له منذ ولدت...."





فإزداد (جوفاني) من إحكام ذراعيه حولها فوضعت (أنجيليتا) كلتا يديها بحنان على وجه (جوفاني) و (كلوديا) وقالت :





"لتسعدا بحياتكما كل السعادة الموجودة في الدنيا ولتحققا كل أحلامكما.....ولكم ما بي أبكي؟!....إن لم أضحك وأفرح في ظرف كهذا فكيف سأفرح بعد الآن!؟...ولكن مهلا.....هناك يوم سيكون أكثر فرحة....عندما أرى أطفالكما يركضون حولي....ياه كم أتمنى هذا اليوم......!!!!"





فأحمر وجه (كلوديا) وبدأت بالسعال فضحك (جوفاني) وقال :







"كنت أقول (لكلوديا) إذا أنجبنا ولدا فلنسميه...... (ألفريدو) !!!!!"





"إنها فكرة رائعة يا بني......والآن يجب أن أذهب فلقد تأخرت....إنتبها لنفسيكما وأنا لن آتي لزيارتكما مجددا حتى لا يعلم أحد بمكانكما.....حاول يا (جوفاني) أن تطمئني عليكما كل ما استطعت.....واعتني بها جيدا...فليحفظكما الله يا ولدي...أني ذاهبة...."





وبعد أن رحلت تمدد الزوجان متعانقان على سريرهما تسند (كلوديا) رأسها على كتفه ثم قالت:




"هل أنت نائم يا حبيبي؟!...."




"لا......فلدي بعض الأعمال قبل أن أخلد إلى النوم......"




"وما هي؟!....هل ستنشغل منذ الآن وتتركني ونحن في شهر عسلنا؟!..."






"لا....لكن يجب أن يقوم كل زوج بواجبه وسوف أقوم بأول عمل لي الآن...سأدغدغك!!!"




وهجم عليها يدغدغها في كل مكان فظلت تضحك وتصرخ في آن معا وقال :



"وبعد هذا سأقوم بأعمالي الأخرى.....بتقبيلك..!!!!"




ثم أنهال على وجهها تقبيلا فازداد ضحكها وقالت :




"هذة هي أعمالك؟!.....توقف.....توقف حالا أنت تضحكني.!!!"





فرفع رأسه وتأمل وجهها المشتعل خجلا وقال :




"أنت ساخنة...يبدو لي أنك خجلة....هل أنت خجلة مني؟!...."




فأخفت وجهها في صدره وقالت :




"أجل أنا خجلة منك!!!...."






فابتعد عنها قليلا وقال بذعر :





"ولكن لماذا؟!....إننا متحابان وقد أصبحنا زوجا وزوجة منذ أيام ولا تزالين خجلة منى....هذا شئ مؤسف..."





"أصمت.....أنا خجلة منك لأنك.....لأنك....وسيم جدا!!!!"




فاقترب وقبل أنفها ثم قال :




"حقا أنا وسيم؟!....."




"أجل أنت وسيم للغاية.....وعيناك...لا أستطيع النظر لعينيك طويلا وهما تنظران إلي بكل هذا العشق.....إن عينيك اللازوردية جوهرتان من الجنة!..!!!..."






فدفن وجهه في صدرها وظل يقول :





"آه...أنا أشعر بالخجل....هذا شئ مخجل!!!"




كأنه يقلدها فظلا يضحكان سويا ثم خلدا إلى النوم.....






عندا عادت (أنجيليتا) وجدت (أندريه) بإنتظارها ووجهه متجهم فعرفت أن المشاكل ستبدأ فقال لها :





"إنك تعلمين كل شئ...أليس كذلك؟!....فلا يمكن أن يختفي أبنك منذ أيام وتبدين هادئة هكذا....وتخرجين في منتصف الليل....هل ذهبت للقاؤه؟!....أين هو؟!...هل (كلوديا) معه حقا؟!...."





فقالت بهدوء :




"أجل......لقد تزوجا!!!!...."




فارتعش (أندريه) في مكانه والغريب أنه لم ينطق بحرف....ولم يكلمها ثانية في هذا الموضوع وبقي يمارس حياته كالمعتاد دون أن يسألها حتى أين هو.....كانت (أنجيليتا) تعلم الصراع النفسي الذي يمر به فهو لم يتوقع هذا التصرف من (جوفاني) كما ذكره هذا بما فعله (ألفريدو) صديقه فلقد كان هو شاهدا على زواجهما ولكنها فرحت أنه لم يكلمها في الموضوع ثانية......





في الصباح التالي كانت (كلوديا) ترتدي أجمل فساتينها وقامت بتسريح شعرها بطريقة جديدة وربطت شريطة زرقاء في أحد خصلاته وقامت بنظيف البيت حتى جاء (جوفاني) ومعه اكياس الطعام والخضروات....دخل مسرعا وخصلات شعره تقطر مياة فقالت :




"حبيبي؟!.....لما أنت مبلل هكذا؟!....السماء تمطر؟!...."





"نعم إن الجو رهيب في الخارج....كما أني لا أعرف المنطقة....فلقد بحثت طويلا عن السوق.....أحضرت لك بعض الخضروات الطازجة....."





فاحمر وجهها ثم قالت :




" (جوني) أنا آسفة.....لكني....لا أجيد الطهو!!!"





"ماذا تعنين؟!.....ومن سيطعمني إذن؟!....الجيران؟!...."






فأعطته ظهرها لتخفي خجلها فاحتضنها من الخلف وقبل رأسها وقال :




"كنت أمزح أيتها الصغيرة.....اسمعي سوف أقوم أنا بطهيه.....لقد تعلمت الطهي فأنا أحبه فأنا اشعر أنه فن خاص.....وكنت أعلم أنك جاهلة كبيرة لأنك عشتي طوال حياتك حياة الأميرات في ذلك القصر وهذة فرصتي لأتفضل عليكي!!!"




"أسكت أيها المغرور.....أرنا قدراتك إن كنت فالحا..!!!"




فاتجها للمطبخ سويا وظلا يطهوان ويسببان الكوارث معا ويضحكان ثم قالت (كلوديا) :




"هاه...أشعر كأننا مثل الزوجين!!!.."




"ولكن حبيبتي نسيتي شيئا....إننا زوجان..!!!!"




"ماذا؟!....حقا....لم أستوعب هذة الفكرة بعد....!!!"




"نعم نعم؟!.....ومتى ستستوعبينها يا هانم؟!....بعد أن نكمل الأربعين؟!...."






"آه يا (جوني) كم أتمنى لو نشيخ معا ويصبح شعرك الفاحم هذا بلون فضي وأغلغل أصابعي فيه كما أفعل الآن وأولادنا يكبرون...."





"أجل يا حبيبتي...ننجب ولدا وبنتا...ونعيش في سويسرا ربما...في الريف البعيد....فلا يسعى أحد وراءنا أو يعرفنا....."



"(جوني) ....أشم رائحة حريق......"




"يا إلهي...!!!....أحترق الغداء.....يبدو أننا لن نتمكن من أن نشيخ معا...لأننا سنموت جوعا معا الآن!!!!!"





ومرت الأيام هادئة على العروسان يحاولان فيها تناسي واقعهما والعيش في أحلامهما وأهل (كلوديا) يزدادون جنونا كانوا جميعا قد وثقوا تماما أن الشابان تزوجا فلقد اختفى (جوفاني) كذلك وحزنت (سيسل) حزنا عميقا على خسارة ابنتها بهذا التصرف الطائش الأرعن....... السليلة الوحيدة لأسرة (فان دييجو) قد ارتكبت مثل هذا الجرم وكان (روبرتو) أسوء حالا منها بمراحل و (فلوريا) كانت دائما صامتة وشاردة كمن ضربها على رأسها فلم تعد تعطي أي استجابة لأي شئ أما (ماريوس) فكان يقذف بكل ما في طريقه ليهشمه فلقد كانت أعصابه محترقة لأقصى حد.....لأنه هكذا خسر أمام (جوفاني) وتمنى من كل قلبه لو أنها انتحرت أو اختطفت أو أي شئ على أن تكون ذهبت مع (جوفاني).....المذهل في الأمر أن السيد (فرناندو) بدلا أن يصيبه غضب عارم من هذا التصرف أصابه حزن يائس وقنوط قاتل وكأن آماله كلها تهدمت وكأن الحياة لم يعد لها معني......لقد كانت (كلوديا) من أحب....الشخص الوحيد الذي أحب...وأتت تلك الخادمة (أنجيليتا) بإبنها فأخذتها منه أيضا....لقد جردته تلك الصعلوكة من أعز ما يملك.....تماما.....شعر أنه بطريقة ما قد هزم.....وكعادته رفض الإعتراف لنفسه بهذا....ثم فكر قليلا وقرر أن يقوم بالتحذير الأخير قبل أن يتصرف.!!!







وهناك كانت (أنجيليتا) جالسة في حديقة القصر تروي الأزهار فعلى الرغم أنها مهمة الخدم إلا أنها كانت تحب أن تسقي الورود بنفسها فلقد ساعدها (أندريه) في زراعة حوض من الأزهار......سرحت بفكرها بعيدا وفجأة أحست بمن يقف خلفها فالتفتت وشهقت للمفاجأة..... لقد كان السيد (فرناندو) نفسه....كانت مفاجأة أذهلتها وكسرت السد الذي جمعت خلفه ذكرياتها القديمة في تلك الفيلا الصغيرة ويوم الجنازة عندا توسلت إليه أن تودع (ألفريدو) وما قاله لها وما فعله بهم....كل الذكريات تدفقت دفعة واحدة وتراجعت خطوة إلى الوراء....لكنه كان يبدو هادئا....نظراته المهيبة تبدو حزينة متجهمة من اليأس....لم يكن مهيبا ولا مرعبا....بل كان مجرد إنسان.....يقف أمامها بهدوء ثم قال :





" أعيدي لي حفيدتي....!!!"




فنهضت بذعر وقالت :




"سيد (فرناندو) ؟!....كيف أتيت إلى هنا؟!...."




"لا يهم كيف أتيت المهم كيف أتيت أنت.....كيف عدت لحياتنا.....أنا أعرف لماذا....لقد أتيت لتنتقمي مني.....أعرف أنك استغليت (أندريه ديمتريوس) لتعودي...كما استغليت ابني من قبل..!!!!"





"أنا لم أستغل (ألفريدو) أبدا......لقد أحببته فقط....لكنها المرة الأولى التي أسمعك فيها تناديه ابني......إن السنوات تغير الكثيرين..."






"تسخرين؟!....جاء اليوم الذي تسخر فيه الخادمة الكولومبية من أسيادها...جاء اليوم الذي ستنتقم فيه منهم....ولكن لما (كلوديا) ؟!...لم لم تختاري أي أحد غيرها؟!....لما لم تختاري (ماريوس) أو (سيسل) ؟!....ولكني أعلم مدى خبثك....تعلمين أنها الوحيدة التي....أحببتها الوحيدة....من كل أفراد أسرتي....لذا جاء انتقامك قويا.....ماذا تريديني أن افعل لتعيديها؟!....أعيديها إلي....هل تريدين مني أن اركع؟!...أن أعتذر؟!...أم تريدين المال؟!.. لا بأس أيتها الكولومبية لقد انتصرت....ها أنا أقر بذلك....أعيدي لي (كلوديا)..."





فاستدارت (أنجيليتا) لتخفي دموعها...على ما فات وما يظنه بحقها بعد أن ظلمها ثم قالت :




"أنا لم أخطف حفيدتك أو أخطط لإختفاءها....كما من المستحيل أن أؤذيها....لم أعد أريد شيئا منك.....الحق الوحيد الذي تألمت عندما أخذته مني هو وجودي يوم جنازة (ألفريدو) وتوديعه الوداع الأخير....وهذ لن تستطيع إرجاعه لي....."





"كم تريدين من المال؟!....أين خبأتها؟!...أم أنه أبنك؟!...هو الذي أخذها؟!....لقد خدع عقلها الصغير بتلك الأوهام التافهة التي تسمى الحب....نفس التمثيلية التي مثلتها على (ألفريدو) يا للسخرية!!!!"





"أرجوك.....على الرغم أنك راقبت حفيدتك طوال سنين حياتها وشاهدت كيف كبرت فأنت لا تعلم شيئا عنها أو كيف تفكر....لقد تزوج كل من (كلوديا) و (جوفاني) بإرادتهما....ولن تستطيع شيئا لتمنعهما.... (كلوديا) لم تعد حفيدتك بعد اليوم ولم تعد ملكا لأحد.....إنها امرأة مستقلة ذات إرادة ورغبة كبيرة في الحياة....لقد إتخذت قرار في حياتها بإرادتها وهي التي ستتحمل نتائجه....لو رأيت وجهها تلك الليلة وهي تنظر إلى (جوفاني) وتشرق فرحا.... لقد أصبحت امرأة كاملة الآن....الأفضل أن تكون رحيما معها وأن تحترم قرارها...وتتعلم من أخطاء الماضي..."





كانت تلك صدمة كبيرة (لفرناندو) حيث شعر أنها خطفت أنفاسه فوضع يده على صدره وهو يحاول أن يتنفس ثم قال :





"لا....لن أسمح بذلك مطلقا...لن أسمح لهذا الدم القذر أن يختلط بدمائنا ولو اضطررت لقتلها بنفسي.....لن يمنعني حبي لها من أنقاذ اسم الأسرة....لن يتكرر مع فعلته مع (ألفريدو).....فلقد تعلمت من الماضي ألا أترك خطأ فادحا كهذا أن يستمر لأجل فائدة مادية للأسرة.....أنت طبعا لن تخبريني عن مكانهما أليس كذلك؟!....لا بأس يا ابنة السائس.....سأجعل أبنك عبرة لك بما أنك لم تتعلمي من الماضي....لتعبثي معي مجددا.."





ورحل وترك (أنجيليتا) ترتعد رغما عنها قلقة على ابنها ثم حاولت تهدئة نفسها قائلة :




"لا.....لن يستطيع....لقد ورث (جوفاني) أصرار وقوة أبيه....سوف يكون بخير.....يجب ألا أزوره في الآونة الأخيرة حتى لا يتبعوني ويعرفوا مكانه..أتمنى أن يظلا بخير..."





كان (دانيال) يسير في أحد شوارع ميلانو ليوقع بعض الوراق وكان يمني نفسه أنه سيرى (ليتشا) بعد ساعة من الآن ويملي عينيه من وجهها الفاتن وابتسم لنفسه وهو يفكر في هذا ظهر فجأة رجل ضخم طلب إليه سيجار فانشغل بالبحث في حقيبته فقام الرجل بضربه ضربة أفقدته وعيه وعندما استيقظ وجد نفسه مقيد ورجال غريبوا الأشكال يحيطون به وكان سؤالهم الوحيد هو أين يسكن (جوفاني) فتجلد (دانيال) في البداية وقرر عدم البوح فقاموا بتلقينه كل أنواع العذاب المتعارف عليها وصمم أن يتحمل من أجل صديقه الوحيد دون أن يفكر في سلامته الشخصية ولكن بعد ساعة من العذاب المستمر سمع صوت صراخ امرأة وما إن ظهرت أمامه حتى انفطر قلبه....كانت (ليتشا) وحينها علم أن هؤلاء الرجال لن يتورعوا عن فعل شئ لأجل الوصول لما يريدون ولم يكن أمامه خيار......





دقت الساعة في الميدان معلنة الثانية بعد منتصف الليل فتقلبت (كلوديا) في السرير وفتحت عيناها فوجدت (جوفاني) لازال مستيقظا يحدق في السقف فقالت هامسة :





"لما لم تنم يا (جوني) ؟!....."




فوضع يده على خدها ثم قال :





"لا شئ يا حبيبتي....أني أفكر...لقد مضت عشرة أيام على زواجنا.....الأيام تمضي كما الثواني....لما تسير الأيام الجميلة بسرعة هكذا؟!...."




"حبيبي......حياتنا كلها ستكون أيام جميلة.....أعلم أنك تفكر في شئ آخر....في الواقع أليس كذلك؟!....فنحن لن نبقى هاربين مدى الحياة...أنا أيضا أفكر في تلك الأمور بشكل متواصل.... أنا لا أحب الحديث عنها مثلك كي لا أعكر صفو سعادتنا....أتعلم كل ما أريده أن أكون هكذا... بين ذراعيك......طوال حياتي.....لا أريد شيئا آخر من الدنيا صدقني..."





"كنت ستتزوجين (ماريوس) ....ماذا كان سيحدث لو لم أخطفك منه في الوقت المناسب هاه؟!......أنا امزح....الأمر أشبه بتكرار الطفولة....كنت أنا وهو نتنافس على صداقتك والآن على حبك.....لا أظنه سعيدا الآن بتلك النتيجة فهو فتى مدلل لأقصى حد إذا لم يحصل على ما يريد فقد يجن.....أنه رجل أحمق بلا مشاعر....."




"كنت دائما أكره (ماريوس) .....لأني كنت أشعر أنه لم يمتلك قلبا داخل صدره.....كان قلبه دائما متحجرا ولم أرى عينيه تدمع لأي سبب أبدا......على الرغم أنه كان طفلا سريع البكاء فيا مضى كنت أنت مثالا للرجل الحقيقي في نظري.....على الرغم أنهم أخبروني أنك مت ظللت دائما أنتظر أن تظهر لي وتعود في يوم من الأيام.....ولكن أتدري كنت دائما أتخيلك صغيرا كما تركتني....لم أتخيل شكلك أبدا عندما كبرت وبمرور السنين نسيت رفيقي الصغير بعد أن فقدت الأمل في عودته.....وعندما تقابلنا في تلك الحفلة عرفتني على الفور....وأنا لم أعرفك......."






"يالقلبك القاسي.....لازلت تذكرين كل هذا؟!....أما أنا فلقد فرحت كثيرا لأني تخلصت من صغيرة مزعجة مثلك...!!!"




فضربته بقبضتها على صدره وضحك الإثنان وأغلقا عيونهما ليحاولا النوم....





فجأة دفع الباب كما لو أصاب البيت زلزال وهجم حوالي عشرة رجال لداخل الغرفة فأصاب العروسان الذعر القاتل وهجم عليهم (جوفاني) ولكن سبعة منهم هجموا عليه وحده وأمسك ثلاثة (بكلوديا) وهي تصرخ طالبة النجدة دون أن تأتي لأحد الجرأة على مساعدتهم....... ظل (جوفاني) يصارع هؤلاء المجرمين وينادي على (كلوديا) وهي تناديه ولكن لم يتركوه ثوان إلا وأنهالوا عليه ضربا وأتجهوا به إلى الشرفة وظلوا يحرقوا ذراعه بالنار كل هذا التعذيب أمام (كلوديا) التي أصابتها نوبة من الصراخ الهيستيري ولكنهم ضربوها هي الأخرى حتى فقدت وعيها وأخذوها عنوة بعيدا عنه وحاول هو رغم آلامه أن يدفعهم ليلحقها لكنهم دفعوه ليسقط من الشرفة إلى أرضية الشارع وتتكسر عظامه وحملوا (كلوديا) ففتحت عينيها لتنظر إلى جسد (جوفاني) الذي تدفق منه الماء في الشارع ونادته للمرة الأخيرة ولكنه لم يجب هذة المرة......!!!

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل الحادي و العشرون

[[ رسالة خبأها الزمن [[


فتحت (كلوديا) عينيها فوجدت نفسها في غرفتها بقصر (كازابيانكا) وفجأة تدفقت الذكريات إلى رأسها فنهضت مذعورة فوجدت أمها و (فلوريا) جالستان في أقصى الغرفة وما إن عرفوا بنهوضها حتى استدعوا (ماريوس) الذي دخل ونظر إليها نظرة قاتلة......كان العرق يتصبب منها وهي ترتعش ثم قالت :



"ماذا فعلتم (بجوفاني) ؟!.....ماذا حصل له!؟....أمي؟!"




فصرخت (سيسل) :




"أوتجرؤين على مناداتي بأمك بعد الكارثة التي فعلتها؟!....أنت مجنونة؟!...كيف تجرأت ؟!...ماذا ظننت أننا سنفعل؟!..هل كنت تظنين أننا سنتركك تمرحين كما تريدين؟!.....هل نسيتي نفسك واسمك وشرف أسرتك أيتها الفاجرة؟!...أنت غبية..."



وصفعتها بكل قوتها فأمسكت بها (فلوريا) وحاولت إخراجها من الغرفة ونادت (ماريوس) حتى يتبعها فسار باتجاه الباب لكنه أقفله عليهما وأستدار إلى (كلوديا) التي تدفقت دموعها وهي تتذكر صورة زوجها وهو ملقى في الشارع وطين الشارع يغطي وجهه مخلوط بدماءه فقالت (لماريوس) :




"ماذا فعلتم به؟!....هل قتلتموه؟!....أرجوك أخبرني ماذا حصل....أتوسل إليك....."



فقام (ماريوس) بصفعها فتهاوت على فراشها تجهش بالبكاء وهي تنادي :




" (جوفاني) .... (جوفاني) !!!!"




فأثار هذا (ماريوس) للغاية وقال صارخا :



"أيتها المعتوهة الحقيرة....تفكرين به؟!...فكري بمصيرك قبل أن تفكري به......لقد لطخت أسماءنا جميعا بالوحل.....أيتها القذرة...... تهربين مني ويوم زفافنا؟!....لتلحقي بهذا السوقي....هل أطفأ نارك؟!....هل ظننت نفسك جولييت ورأيت فيه صورة روميو....نهاية مأساوية.....البكاء الدموع....الدماء والفراق...ياللعار... لقد خنتني ومع من؟!...مع ألد أعدائي....أتذهبين إليه؟!..أنت ملكي!!!"



"لست ملكك......كنت تعلم من البداية أني لم أحبك....أنا الآن زوجة (جوفاني) ومهما فعلتم لن تستطيعوا تغيير هذا....."



فأصابت تلك الكلمات (ماريوس) بالجنون وقال حانقا :




"بل ملكي....ملكي أنا.!!!!"




وتهجم عليها وبدأ بتمزيق ثيابها وفرض نفسه عليها فظلت تصرخ وتبكي وتنادي (جوفاني) حتى دخلت (فلوريا) وأبعدته عنها وصرخت :



"هل جننت؟!....أخرج....هيا حالا هيا...!!"



فخرج مهتاجا وحاولت (فلوريا) تهدئة (كلوديا) ولكنها قالت وسط بكائها :




"ماذا حدث (لجوفاني)؟!..... أرجوك أخبريني.......لابد أنك تعلمين....أرجوكي"




"لا أعلم يا (كلوديا) لا أحد يعلم عنه شيئا.....كل ما أعلمه أنهم تركوه حيث هو!!!"



فبدأت (كلوديا) بالصراخ حتى أغمي عليها من جديد.....





في تلك الأثناء كان (أندريه) قد علم أن (جوفاني) وجد في أحد الشوارع وتم نقله للمستشفى فأسرع إلى هناك فوجد (أنجيليتا) هناك وما إن رأته حتى رمت نفسها بين ذرعيه وهي تبكي وتصرخ قائلة :




"ابني يا (أندريه).....كيف حصل هذا؟!....أبني....لقد أذوه...لقد دمروه.... آه يا (أندريه).....أنجدني...."





فدخل إلى غرفة الكشف فوجده في حال يرثى لها وأجريت له عمليات لأجل كسور عظامه وعرف من الطبيب أنه نجى من الموت بأعجوبة......وإن قدماه الإثنان مكسوران وذراعه الأيمن أصيب بحروق من الدرجة الثانية وذراعه الأيسر مكسور وثلاثة من ضلوع صدره وذلك لحسن حظه لأنه سقط من الدور الثاني.....كما أصيب بنزيف داخلي في منطقة البطن كانت تلك كارثة حقيقية فلم يتعرف (أندريه) على وجه ابنه المتورم من شدة الضرب فشعر أن جسده كله يحترق بنيران الغضب وسأل الشرطة ولكنهم قالوا أنهم لم يجدوا أثرا لهؤلاء الرجال كما لا شئ يثبت أن هؤلاء الرجال كانوا من طرف أسرة (فان دييجو) فشعر (أندريه) بغضب رهيب لأنه لن يستطيع أدانتهم فاتجه إلى قصر (كازابيانكا)......لم يكن قد دخله منذ زواجه من (أنجيليتا) دخل دون أن يهتم لأي من الخدم وحتى (لوسيانو) رئيس الخدم لم يقوى على منعه وقال :



"أريد أن أقابل السيد (فرناندو فان دييجو) وحالا.....هيا أسرع بإبلاغه وإلا سأدخل بنفسي.....أنه في مكتبه أليس كذلك؟!....."




وأقتحم المكتب فوجد العجوز يجلس بوهن على مكتبه وهو يتصبب عرقا لم يكن (أندريه) قد رآه منذ سنوات عديدة وأنتابته الدهشة لرؤية ما آلت إليه حاله ثم قال بغضب :



"كل آل (ديمتريوس) يتمتعون بسوء الخلق......كيف تجرؤ على الدخول عنوة دون إستئذان ولكن هذا ليس مستغربا منك أبدا....."




فضرب (أندريه) سطح المكتب بكلتا يديه وقال بصوت هز القصر بأكمله :




"ما الذي فعلته؟!...كيف تجرأت على الاعتداء على (جوفاني ديمتريوس) بتلك الطريقة القذرة؟!.....من تظن نفسك؟!...ظننت أنك حكمت العالم ويمكنك فعل أي شئ؟!....إذا كنت تظن أنك ستنجو بفعلة كهذة فأنت تحلم..!!!"





"أخرس!!!!.....أو تجرؤ على أهانتي في بيتي...أيا كان ما حصل لذلك الكولومبي الأبله فهو يستحقه فلقد تجاوز حدوده وتعدى على أملاك غيره.....سيكون مصيره هو الموت!!!"




"هل تظن أن حفيدتك دمية تملكها؟!...هل تظن أن أرواح الناس لعبة؟!.....تذهب هباءا؟!.... لقد إزداد جبروتك وفاق كل حد.....هل تظن لأني سكت طوال تلك السنوات على أفعالك الدنيئة فأني سأسكت للأبد؟!....لا لقد بدأت الحرب يا (فرناندو).....وتذكر أنك من بدأها....سأحطمك وأفراد أسرتك جميعا......لتعديك على حقوق أبني....ولا تنسى أن (كلوديا) زوجته وستعيدها إليه عاجلا أم آجلا....."




وهنا دخل (ماريوس) الذي سمع الجلبة فقال صارخا :




"هذا هو المستحيل بعينه.....لن تقع عينا ذلك الوغد على (كلوديا) مجددا......سنعتبر زواجهما كأنه لم يكن....وإذا فكر ذلك الأبله في محاولة إسترجاعها فسأقتله بنفسي...أنت لست مرحبا بك هنا....أخرج حالا....أخرج..!!!"





"بلى سأخرج...ولكنكم ستندمون....جميعكم.....تظن أن نفوذك سوف ينقذك؟!....سأجد طريقة أكسر بها أنفك (فرناندو) !!!!"





وهم بالرحيل فقال (فرناندو) :




"يا لك من غبي يا (أندريه) !!!!...لم تتعظ من خطأ صديقك الحميم وتركت تلك الكولومبية ترث أموالك ولقبك وتعيش في بيتك وهي من كان سبب موت (ألفريدو)....لم تفهم ما أرادته من كل هذا......كانت تريد الأنتقام وأنت مجرد دمية بين يديها.....ستظل أحمقا ما تبقى من حياتك....."





"أنت من قتل (ألفريدو)!!.....قتلته مرتين!!!....مرة عندما فرقته عن (أنجيليتا).... ومرة عندما زوجته (فلوريا).....أنت القاتل الحقيقي هنا.....ولابد أنه يتعذب في قبره لأنك سرقت حق زوجته وأبنه....أبنه الحقيقي الذي يجب أن يرث الأرض التي تعيش عليها....ولكنه لن يتعذب في قبره طويلا.....أعدك (فان دييجو)....."




وخرج مسرعا......عندما كان (أندريه) يسير خارج القصر رأته (كلوديا) من نافذتها وأدركت أنه أتى من أجل (جوفاني) هذا يعني أنه مازال حيا!!....خرجت وتنصتت على غرفة (سيسل) وهي تحدث (فلوريا) فسمعتها تقول أنهم يخططون لأخراج (كلوديا) من هنا والسفر بها بعيدا حتى يتم إبطال زواجهما المسجل وهذا أيضا يؤكد أن (جوفاني) ما يزال حيا فحمدت ربها بشدة وعادت متثاقلة إلى سريرها....كانت في حالة مرضية سيئة جدا فكانت تغيب عن الوعي معظم اليوم كما كانت ترفض الطعام كليا.....شعرت أنه لم يعد يفيدها أن تعيش وهي بعيدة عن (جوفاني) ولم تنتظر طويلا حتى جاءها (ماريوس) ومعه (فلوريا) و (سيسل) يخبرانها بأمر سفرها السري إلى خارج إيطاليا مؤقتا حتى إبطال الزواج وقال (ماريوس) خاتما الكلام :




"لا تظني ولو للحظة أنك قادرة على الهرب والعودة إليه....كما لا تفكري في إخباره عن مكانك بأي صورة من الصور....على أية حال إذا عاود البحث عنك أو حاولت اللقاء به......سنقتله وأظن أنك أيقنت أن هذا أمر في غاية السهولة فلا تحاولي أن تجلبي له سوء الطالع.."




وحينها أدركت أنه لا أمل ثم قالت (سيسل) :




"سوف تغادرين بعد غد...فلتستعدي على الفور....!!!!"







"حاضر.....لكن ارجوكم.....لدي طلب واحد....أريد أن أرى (ليتشا) صديقتي..لآخر مرة"



فقال (ماريوس) :



"سأجعلك ترينها ولكن مع وجودي....لن نتركك وحدك أبدا من اليوم وحتى سفرك....أفهمت؟!..."




بعد بضع ساعات كانت (ليتشا) تطرق باب غرفة (كلوديا).....كانت (ليتشا) شاحبة بشدة وعلمت (كلوديا) أن السبب هو يوم إختطافها عندما أمسكوا (بدانيال) وأنهم عذبوها حتى يعرفوا مكان شقتهما فنظرت (كلوديا) بحقد (لماريوس) وقالت :



"يالكم من أوغاد!!!.....لم يسلم أحد من شركم....!!!"



فقال (ماريوس) بإبتسامة شريرة :



"من الأفضل أن تسرعي بتوديع صديقتك فلم يتبقى سوى خمس دقائق...!!!"



فقالت :



"عزيزتي....أنا آسفة لما حصل لكما بسببي....أعتذري (لدانيال) بالنيابة عني.... سوف أسافر ولا أدري إلى أين.....أرجوك أنتبهي إلى نفسك و (لدانيال)....وأريدك أن تأخذي تلك اللوحة وتحتفظي بها إنها لك....."



وأشارت إلى لوحة كانت قد رسمتها حديثا فاستغربت (ليتشا) لهذا ولكنها فهمت من نظرة (كلوديا) أنها تعني شيئا فأخذتها دون أن تظهر أي دهشة ولكن (ماريوس) أوقفها وظل يتفحص اللوحة واللوح الخشبي المثبتة عليه فلم يعثر على شئ فتركها تذهب بسلام وما إن وصلت (ليتشا) إلى بيتها حتى ظلت تتفحص اللوحة وتتحسسها إلى أن شعرت بجزء بارز تحت القماش في أسفل اللوحة فقامت بفصل القماش عن اللوح الخشبي فوجدت رسالة عليها تقول :




"عزيزتي (ليتشا) أنا كالسجينة هنا كما ترين....أكاد أموت لأعرف ما جرى (لجوفاني) يبدو لي أنها النهاية كما أشعر ان موتي موشك على القدوم....لذا أرجو منك أن تسلمي هذة الرسالة لزوجي شخصيا وقولي له أني بألف خير....سأفتقدك كثيرا..."




فدمعت عينا (ليتشا) تأثرا وتأسفت لحال صديقتها......





كان (أندريه) يتحدث إلى الطبيب حين خرجت (أنجيليتا) وهي تبكي من غرفة (جوفاني) فأحتواها (أندريه) وحاول تهدئتها فقالت أن (جوفاني) يرفض أن يأكل فحالته النفسية تحت الصفر وكأنه يريد لنفسه الموت....يرفض الطعام منذ أيام ويذهب فكره بعيدا لساعات دون أن يقول كلمة واحدة وقالت في النهاية :



"أتوسل إليك يا (أندريه) كلمه أنت...قد يسمع منك أكثر مني....أرجوك أفعل شيئا...."



فدخل إليه فوجده مستلقي والجبس يحيط بمعظم أجزاء جسمه وعلى وجهه نظرة قانطة.....



ينظر إلى النافذة المغلقة فقال له (أندريه) :



"هل أفتح لك الستائر يا (جوفاني) لترى السماء؟!....."



"لا....لا أريد أن أرى الضوء....أريد أن أبقى في الظلام..."



"لماذا؟!.....حتى لا يرى أحد دموعك؟!....."



فاندهش (جوفاني)......لم يعتقد أنها يمكن أن تلاحظ في الظلام....فتوقف عن كبت شهقاته فجلس (أندريه) إلى جانبه وقال له :



"لا تريد أن يرى أحد ضعفك وعجزك....هذا صعب عليك....أني أفهمك جيدا...فأنت مثله.... مثل (ألفريدو) تماما....كان يخبئ ضعفه خلف قناع اللامبالاة....يمكنك أن تخفي جرحك عن عدوك حتى لا يستغله ضدك.....لكن لما تخفيه عني وعن والدتك؟!...أنك تحتاج لقوتنا لتساعدك أن تقف على قدميك من جديد....."




فازدادت شهقات (جوفاني) وأصبح نحيبه مسموعا وقال :




"إنها النهاية.....سوف لن أستطيع الوقوف على قدمي مجددا....لقد انتهى كل شئ.... (كلوديا).....لقد أخذوها مني....لم يعد بإمكاني أستعادتها....أني عاجز كليا حتى عن تحريك إصبع.....من الأفضل أن أموت....أنه أفضل حل للجميع!!...."




"لا يا (جوفاني)....إياك أن تتلفظ بهذا الكلام....أنت لم تعد طفلا.....أنت رجل مسئول ولديك زوجة.....وهي مسئوليتك....ألم تفكر إذا ما تركتها ولم تسعى لإستعادتها فماذا سيحل بها... إنها مسئوليتك الآن.....أمك ألم تفكر بما سيحل بها إذا فقدتك أنت الآخر؟!....أنت رأيتها وعشت معها وهي تحاول أن تعيش بعد أن فقدت (ألفريدو)....هل تريد لها أن تموت كمدا؟!... وأنا؟!.....قد لا أكون والدك الحقيقي....ولكن لطالما أعتبرتك أبني...أبني الوحيد الذي لم أرزق به....أنت مثل (ألفريدو) وعليك أن تكمل طريقه.....هل تدري ماذا فعل (ألفريدو) عندما وقف العالم ضده وأبعده عن زوجته؟!.....حارب الجميع وجعلهم يتقبلون قراره رغما عنهم وأستعاد أمك.....وقف صامدا ولم يفكر لحظة أن يستسلم....إنها ليست ضربتهم الأولي لك... فلتجعلها الأخيرة!!!.....أنت قادر على ذلك أنا واثق....هيا أمسح دموعك يا بني.....ولتأكل وتستعيد صحتك بأقصى سرعة فأنا وأنت لدينا الكثير لنعمله....هيا فلتأكل..."




وقرب صينية الطعام من الفراش وبدأ بمسح دموعه بحنان الأب فنظر إليه (جوفاني) بتأثر وقال :




"سيد (أندريه).....أنا.....لم أناديك أبي وأنا أعنيها في حياتي.....ولم أفكر فيما فعلته لأجلي أنا وأمي....كنت آخذ منك دون تفكير....ولكني الآن أدرك أنك....بمثابة أبي حقا.....فسأناديك أبي وأنا أعينها منذ الآن....."






فقبل (أندريه) جبينه وساعده على الجلوس في تلك اللحظة دخلت (ليتشا) عليهم وكذلك السيدة (أنجيليتا) .....معها جواب (كلوديا) أخبرته (ليتشا) عن ما حصل معها ومع (دانيال) ولما لم يزره (دانيال) لأنه أيضا في المستشفى وشرحت له حال (كلوديا) وكيف رأتها وأعطتها الرسالة ففتحها له (أندريه) وقام (جوفاني) بقراءتها :









زوجي العزيز (جوفاني).....

أنا أبكي الآن بدل الدموع دما وأنا أفكر في ما حصل لك.....كل ذلك كان بسببي....أنا آسفة حقا على ما حصل.....لم أفكر في شئ منذ يوم الحادث إلا في اللحظة التي سأكون فيها بين ذراعيك من جديد......لكن يبدو أن هذة اللحظة لن تأتي....ما فعلناه كان خطأ فادحا ولم نتعلم من أخطاء الماضي ولكن جدي تعلم وحسب حسابا جيدا لخطواتنا وتصرف هذة المرة بطريقة جذرية.....ربما قدرنا فعلا أن لا نعيش سويا.....فعلينا أن نقبل به....وأن نعيش بسلام ونتلافى المزيد من الجرائم وسفك الدماء....ما حصل لك قد يحصل ما هو أكثر منه في المرة القادمة......وقد نفقد أرواحنا وحينها لن ينقذنا حبنا....أرجوك أنسى كل شئ عني كما سأفعل أنا لأجل سلامتنا وسلامة أفراد أسرتينا وليتوقف الصراع الدموي بينهما وللأبد.....لا مزيد من القتال....أرجوك سامحني على كل شئ ولا تبحث عني.....لأجل مصلحتنا نحن الإثنان....... لأني أعلم أنك حي في مكان ما من هذا العالم أستطيع أن أعيش أيضا لكن إذا مت فأنا أريد أن أموت معك لأنه حينها سأكون ميتة على أية حال....لنعش نحن الإثنان ونحب بعضنا بقلوبنا حتى لو لم نستطع أن نكون معا.....ولا تقلق من شئ....لن أتوقف عن حبك ولن أكون لرجل سواك.....عش سعيدا وحافظ على صحتك...يا حبيب روحي الوحيد

زوجتك (كلوديا)






بللت دموع (جوفاني) الورقة فأحتوت (أنجيليتا) رأس ابنها بين ذراعيها وهو يبكي ثم قال :



"لا.....لن أرضى بهذا....لقد قتلوا الأمل في قلبها....ولكنهم لن يفعلوا معي....لن أستسلم.... سوف تعودين من جديد بين ذراعي....وحينها لن يصيبك مكروه مجددا.......أني أقسم بذلك........."






كانت (كلوديا) تسير نحو السيارة التي ستقلها إلى محطة القطار لتسافر خارج إيطاليا....... عندما نظرت خلفها وجدت جدها....لم يكن قد رآها أو زارها من يوم الحادث فوقفت تحدق به وحدق هو بها بغضب مشبوب بالحزن والأسى فقالت :


"جدي....أنا..."


"أسكتي!!....لا تناديني جدي....لقد فقدت هذا الحق منذ زمن....أنت دون أفراد الأسرة جميعا.....أنت الوحيدة التي أستطعت أن تجلب العار الحقيقي لسمعة (فان دييجو).....الوحيدة التي أحببت.....لقد كان هذا خطأ أيضا.....غادري فهذا أفضل للجميع...."



ثم عاد لمكتبه وهو يصارع ألم قلبه الذي أصبح يأتيه كثيرا في الآونة الأخيرة ورحلت (كلوديا) وهي تبكي وعندما جلست بالسيارة جاء لها (ماريوس) وقال :



"سيلغى زواجك بأسرع وقت وعندما تعودين سأتزوجك على الفور وحينها....سأصفي حسابي معك على إنفراد.....أيتها العاهرة....."




ورحلت السيارة فنظرت (كلوديا) من الزجاج الخلفي وقالت في نفسها :



"بيتي (كازابيانكا)....ترى هل سأعود إليك ثانية حية؟!....لا أظن فإن لم أمت سأعود وقلبي ميت وسيكون الأمران واحد....وداعا...."



كانت الأشهر تمر بطيئة كالسنوات والعاشقان مفترقان يفصل بينها آلاف الأميال ولكن قلبيهما متصلان ينبضان بحب واحد....كانت (كلوديا) تصارع اليأس وحدها مع (فلوريا) في فرنسا يكاد القنوط يقتلها وهي لا تعلم إلى متى ستبقى هكذا جسد بلا روح....هي لا تريد شيئا سوى أن تراه مجددا ولو للحظات تريد أن تتأكد أنه بخير فقط لدقيقة واحدة....كانت تقضي لياليها مستيقظة لا تستطيع النوم ولا تتوقف عن البكاء...كانوا يجبرونها على الأكل لتبقى حية ولقد فقدت الكثير من وزنها ولم تعد تكترث لشئ وكذلك (جوفاني)....كان محبوسا على فراش المستشفى ليتعافى مما جرى له تكاد روحه أن تغادر جسده حزنا وهما وتعطشا لنصفه الآخر فلقد علم أنها سافرت ولم يدري إلى أين وهذا ما زاد يأسه وشعوره أنه ربما لن يستطيع أن يرها مجددا لكن أمه و (أندريه) كانا يبذلان ما بوسعهما لكي يبقوا لديه الأمل وخرج من المستشفى على عكازان وعاد لبيته ليحبس في غرفته يفكر في ما آلت إليه اموره....... حتى جاء صباح هادئ كانت الغيوم فيه منتشرة في السماء لكن دون قطرة واحدة...كان الجو مقبضا وأستطاع (جوفاني) أن يتخلص من أحدى عكازاته ووقف يحدق في السماء التي تشبه حياته إلى حد كبير إلى أن دخل عليه (أندريه).....كان يبدو قد كبر في السن كثيرا في الآونة الأخيرة ودخل معه ملف كبير مغلق في يده وقال :



" (جوفاني).....تبدو أفضل اليوم....عيد ميلاد سعيد...!!!"




"عيد ميلاد؟!...آه....فعلا اليوم عيد ميلادي.....يالهذة الصدفة....لقد فكرت في كيفية قضاءه مع (كلوديا) ووعدتني هي بشراء هدية لم أحلم بها...لا أصدق أنها ليست معي..."




"ستكون معك قريبا فما إن تستعدي صحتك حتى نذهب لنستعيدها.....المهم جئت أحدثك في شئ آخر.....اليوم هو اليوم الذي أنتظرته منذ عشر سنوات...فأنت اليوم قد أكملت خمسا وعشرين عاما وبالتالي يحق لك أن تأخذ هذا المظروف...."




"ما هذا؟!.....لا تقل لي أنها ملفات تولي شركاتك وأموالك فأنا لست جاهزا لذلك الآن.."



"أنظر إليها أولا......."




فنظر إليها فوجد خط كان قد رآه منذ زمن طويل ....ثم وجد إمضاء أبيه.....وقرأ :



"إلى (جوفاني فان دييجو) – من (ألفريدو فان دييجو)...."



فكاد يغمى عليه ونظر إلى (أندريه) والتساؤل يكاد يقتله فقال :




"أنه من أبيك.....هو آخر ما تركه والدك لك....ذات ليلة كان قد حلم شيئا ما لا أعلم ما هو وجهز بعض الأوراق ووضعها في هذا المظروف وأتى إلى وطلب مني أن أحتفظ به عندي حتى تبلغ أنت الخامسة والعشرين وإذا لم يكن حيا ليسلمه لك أسلمه لك أنا....لا أحد يعلم بوجود هذا المظروف مطلقا....حتى والدتك لا تعلم.....طلب مني والدك ألا أخبر أحدا مطلقا وهو أحد الأسباب التي جعلتني أبحث عنكما في كولومبيا....لقد كان أمانة علي أن أسلمها... أنا لا أعلم ما يوجد فيه.....فلتفتحه أنت......"



فأمسك به وفتحه ببطء وأخرج أوراق كثيرة منه....لكن عيناه فقدت القدرة على التركيز فلم يستطع رؤية شئ فقال :




"أرجوك أبي....هل لك أن تقرأ أنت....فأني منفعل جدا ولا أستطيع الرؤية بوضوح.."



فأخرج (أندريه) الورقة تلو الأخرى وقرأهم بصمت وعندا طال صمته قال (جوفاني) :




"أخبرني ما هذة الأوراق؟!....أرجوك أخبرني...."



"لا أصدق.....هذة الأوراق التي كانت بحوزة (فرناندو فان دييجو) والتي كانت تثبت هويتك وانتماءك إلى الأسرة والتي مزقها (فرناندو) ليخفي وجودك أنت وأمك....الأوراق جميعا سليمة....إنها الأصل!!.....عقد زواج (ألفريدو) و (أنجيليتا) الذي مضيت عليه بنفسي..... وهذة شهادة ميلادك الأصلية......وهذة وصية (ألفريدو).....يحدد فيها ما سيحدث لأملاك الأسرة....إنها تفيد بأنه ترك لك كل شئ....هذا غير معقول..."






فسقط (جوفاني) على سريره مذهولا....لم يكن بمقدور عقله أن يستوعب هذة المعجزة..... فبطريقة ما شعر (ألفريدو) بما سيحصل له ولأمه قبل أن يموت وشعر بما سيفعله (فرناندو) لهما فقام بحمايتهما على طريقته الخاصة.....وظلت الأفكار تدور بأسه حتى شعر أنه سينفجر ثم قطع (أندريه) حبل الصمت وقال :




"أنظر إلى هذا.....أنه خطاب......إنه لك يا (جوفاني).....وهناك واحد (لأنجيليتا) أيضا.."



"أرجوك استدعي أمي....لعلها تستطيع أن تفهمني ما يحصل الآن..."


وجاءت (أنجيليتا) وذهولها أكبر منهما وأمسكت الخطاب الذي يخصهما من (ألفريدو) وضمته إلى صدرها ولم تستطع كبت دموعها وفتح (جوفاني) الخطاب الخاص به فقرأ :


بني الحبيب (جوفاني).....

بما أنك تقرأ هذة الرسالة فلابد أنك شاب....شاب وسيم ينضح بالصحة...أنت أبني وستظل أبني الذي أفخر به....بني بما أنك قد أكملت الخامسة والعشرين فعليك أن تأخذ مكانك في عائلة (فان دييجو).....عليك أن تهتم بالأموال والشركات الخاصة بالأسرة فهو واجبك الذي سترثه مني كما ورثته عن أبي....وهو حقك الذي لن يسلبه أحد منك....تذكر دائما من تكون ولا تنسى مهما حاولوا أن ينسوك أنك من أسرة (فان دييجو) فحافظ على حقك وحارب من أجله.....كما أنا واثق أنك ستعتني بوالدتك جيدا ولست خائفا عليها وهي معك....فليساعدك الله يا بني......وتذكر دائما من تكون.....لقد قمت بواجبي الأخير تجاهك....فلتذكرني دائما...

والدك (ألفريدو فان دييجو)

قرأ الرسالة بصوت عال لكن صوته تهدج عن نصفها بعد أن غلبته الدموع....شعر أن روح والده موجودة معهم و (أندريه) يسند كتفيه من الخلف ليساعده على التماسك و (أنجيليتا) تبكي بصوت عال فأخذ (جوفاني) رسالة والدته ليقرأها لها فقرأ :



حبيبة عمري (أنجيليتا)

زوجتي الغالية....ساكنة قلبي الوحيدة....قد لا أكون معك وأنت تقرأين تلك الرسالة....لكن لتعلمي أنك الوحيدة التي أحببت طوال عمري.....جلست اليوم أفكر بأيامنا معا وذكرياتنا الجميلة التي ستظل في ذاكرتي فهي كنزي.....كنزي الحقيقي....يوم تلاقينا وصوبت البندقية نحوك.....عندما رأيتك علمت أنه ستكونين ذات شأن في حياتي....يوم رقصنا معا ملثمين... يوم طلبت منك الزواج ولم يكن في فمك سوى كلمة لا.....أذكر كيف شعرت بتوعك مفاجئ في معدتي حينها.....أذكر رقتك وحنانك والسلام الذي أجده وأنا بجانبك...نعم السلام....أنه كل ما أحتاج إليه....لن أتركك بلا سلام....ولن أترك (جوفاني) يتعذب....أنه ثمرة حبنا الذهبية..... لقد وعدتك ألا يمسك أحد وأنا حي.....ولكني شعرت أنه ربما لن أبقى حيا طويلا لأحميك.... كان علي القيام بواجبي.....كما أنا واثق أن (أندريه) قد فعل ما كنت سأفعله معكما لو كنت حيا.....أنه أنبل رجل قابلته في حياتي ولن يجد الإنسان صديقا مثله أبدا........حبي....... فلتمسحي دموعك ولتكون البسمة هي رفيقتك الوحيدة.....هذا ما أرجوه دائما....ولا تحزني على فراقي....ففي كل زهرة ذهبية من أزهار حبنا....ستجدين روحي فيها....هناك ساكنة لتطمئن عليك.....فلتحافظي على صحتك....يا حبيبتي الغالية.....

(ألفريدو)



فانهارت (أنجيليتا) باكية في حضن (أندريه) وغلب الحزن (أندريه) نفسه فتساقطت دموعه هو الآخر وضم الأم وأبنها إلى صدره ليمسح دموعهما ويدفن أحزانهما في صدره كما كان يفعل دائما وبقي الثلاثة هكذا هذة الليلة.....تحوم حولهم روح (ألفريدو) الراحلة


privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد