المقدمة:
بين
أسراب زهور ذات لون ذهبي......ولد حب ربط بين إنسانين.....ربط روحيهما مع
نفحة من رحيق تلك الأزهار وخلد أسميهما.......بين ثنايا التاريخ قصة لقلوب
غزاها الغرام فلم يهزم ولم يطويه الموت في ظلاله.....
وجاء الشتاء ليرسل رياحه العاتية لتطيح بما تلاقيه ......رياح القدر المليئة بلعنات قلوب حاقدة لتطير أوراق الزهور الذهبية ....
لكن
إذا كان الحب هو الذي يربط إنسانا وآخر إذا فلطالما كان الإنسان حيا لا
يستطيع أن يتوقف عن الحب بل يزداد حبه كل صباح حتى يأتي اليوم الذي يموت
فيه
إذا
كان الحب يعني أن ترتبط روحا اثنان حتى لو فرقهما الموت وأصبح كل في
عالم.....يبقى الحب حتى وإن ذهب المحبان....فالحب إذن هو إكسير الحياة.....
وهنا
قصة قلبين أزهر حبهما بين أسراب الزهور الذبية التي نبتت مع حبهما وهو
ينمو ويزدهر الى أن أصبح قوة تقف في وجه رياح الشتاء المظلم وبقيت تلك
الأزهار شاهد على حبهما
.......الزهور الذهبية....
قصر (كازابيانكا) :
تعيش فيه اسرة (فان دييجو) ......
أسرة (فان دييجو) :
1- (فرناندو) : هو رئيس الأسرة والرجل الأكثر نفوذا في المنطقة وهو والد (الفريدو) و (سيسل)
2- (الفريدو) : الأبن الأكبر للسيد (فرناندو) وهو المسئول عن إدارة أملاك الأسرة كما أنه الوريث الشرعي (لفان دييجو)
3- (سيسل) : أخت (الفريدو) وابنة (فرناندو)
4- (آنا) : الأم الراحلة لكل من (الفريدو) و (سيسل) وزوجة (فرناندو)
5- السيدة (سوزي) : هى المربية الأساسية (لالفريدو) التي عاشت معه منذ ولد وعاشت مع السيدة (آنا) طويلا وتعتبر (الفريدو) كابن لها....
6- (لوسيانو) : هو كبير الخدم والمتحدث الرسمي باسم السيد (فرناندو) ...
7- (أنجليتا خوسيه) :هي بطلة القصة وهي من أصل كولومبي مدربة ماهرة للخيولالأصيلة وامرأة ذات جمال أخاذ نادر , رقيقة تتمنى السعادة وتحب والدها بشدة....
8- (خوسيه) :هو السائس الخاص بأسرة (فان دييجو) والمسئول عن الإسطبلات ومدرب الخيول وهو والد (أنجليتا)
قصر (روزانيرا) :
تعيش فيه عائلة (فلاديمير)
عائلة (فلاديمير) :
1- السيدة (ساندرا) :هي رئيسة الأسرة وهي أرملة لصديق قديم وعزيز للسيد (فرناندو)
2- (فلوريا) :هي البنة الوحيدة للأسرة الصديقة الوحيدة (لسيسل) وصديقة (الفريدو) منذ الصغر
3- (روبرتو) :هو أحد أقرباء الأسرة من بعيد أبواه يعيشان في أمريكا وهو لا يعتبر ثريافثراءه الوحيد هو علمه...
قصر (لوتشى أورو) :
تعيش فيه أسرة (ديميتريوس)
عائلة (ديميتريوس) :
1- (اندريه) :هو رئيس الأسرة على الرغم من صغر سنه وهو الصديق الحميم (لالفريدو)
2- (جابريلا) :هي والدة (اندريه) التي تؤمن بابنها وبذكاءه وتترك له أعمال الأسرة جميعا.
قرية أسترا : هي القرية المجاوري لأراضي القصور الثلاثة وتعيش فيها (نيلا) صديقة (أنجليتا) الحميمة
مع
نسمات إبريل الهادئة حيث الشمس ترسل أشعة كخيوط ذهبية تصل السماء بالأرض
...... إنطلقت عربة مكشوفة يجرها جوادان , عربة ذات اطار خشبي مطلي باللون
الأحمر حيث طلي كرسي السائق بنفس اللون وكان اللون في تعاكس صارخ مع لون
الخشب البني القاتم وهناك جلس بعض الفلاحون الإيطاليون الذاهبون في اتجاة
قرية (أسترا) الواقعة خلف التلة الخضراء من الجهة الغربية ومنهم من جلب معه
بعض أزواج من البط البري التي كانت تصدر صوتا عاليا يعيق نوم رجل عجوز في
مقدمة العربة , كان يسند رأسه على القش الأصفر اليابس الموضوع في هذا
المكان والذي كان رطبا بعض الشئ ....كان واضحا أن الرجل العجوز ليس من
إيطاليا على الإطلاق فلقد كان كولومبي الأصل ذو بشرة داكنة مائلة للحمرة
وشعره أسود كثيف تتخلله بعض الشعيرات البيضاء في مقدمة رأسه , كان يحاول
عبثا أن ينام لعله لايشعر بطول الرحلة الى قصر مخدومه فلقد أتى مع ابنته من
بلاد بعيدة نسبيا لأن السيد (فان دييجو) قال أنه سيدفع له راتبا لابأس به
وكان يحمل معه ابنته البالغة من العمر أربع وعشرون عاما والتي كانت تجلس
الى جانبه تتبادل حديثا طويلا مع الفلاحة التي تجاورها , كانت ابنته رائعة
الجمال يكاد يجزم أنها أروع امرأة كولومبية عرفها فلقد ورثت الجمال عن امها
, هكذا حدث نفسه بافتخار.....وعلم أن طبعها الفضولي لابد وأن يضغي عليها
فتناهى الى مسامعه اطراف من حديثها مع تلك الفلاحة التي لم تلاحظ اختلاف
لهجتها فلقد كانا يتحدثان الإيطالية بطلاقة وهذا لأنهم خدموا من قبل في وقت
نشأة ابنته (أنجيليتا) في بيت ايطالي فتربت (أنجيليتا) تعرف اللغتين
وتتقنهما اتقانا تاما وسمعها تسأل الفلاحة :
"إذن فقرية (استرا) هي القرية الوحيدة في هذة المنطقة المتطرفة من شرق ميلانو!! ولكن ماذا عن عائلة (فان دييجو) هل سمعت عنها ؟!..."
"أجل إنهم أصحاب قصر (كازابيانكا) الموجود في الجهة الشرقية من التلة لقد اقتربت العربة منه كثيرا "
"أهو القصر الوحيد هنا في هذا المكان ؟!.."
"بل
يجاوره قصران لعائلتي (فلاديمير) وعائلة (ديميتريوس) حيث يقع قصر عائلة
(فلاديمير) والذي يسمى (روزانيرا) في الجهة الغربية من (كازابيانكا) وهما
قريبان من بعضهما في حين يبعد قصر عائلة (ديميتريوس) والذي يسمى
(لوتشيأورو) قليلا عن أراضي القصرين بحوالي أربعة أميال ولكن هذا لايمنع
الصلة الوثيقة بين الثلاث اسرات كما أن كثير من عائلات خدم القصور الثلاثة
يعيشون في قرية (أسترا) والحق يقال أن قصر (كازابيانكا) هو أجملهم كما أن
السيد (فرناندو فان دييجو) رئيس الأسرة صاحب أكبر نفوذ هنا وهو الأغنى أيضا
والأكثر رفعة في المكانة ولكنه ازداد قسوة بعد موت زوجته (آنا)....لقد
كانت امرأة طيبة للغاية تساعد المحتاجين كما كانت فاتنة الجمال وذات عينان
لازورديتان فاتنتان وعلى الرغم انها انجبت ابن وابنة إلا أن ابنتها لم ترث
شيئا من جمالها بل لا أعتقد أنها تشبهها البتة أوهكذا يقال...بينما ورث
ابنها الأكبر كل ما لها....عيناها,ملامح وجهها,شعرها الكستنائي وطيبة قلبها
مما جعله هدفا لكل الفتيات النبيلات في المنطقة وخارق المنطقة.....وأظن أن
السيدة (ساندرا فلاديمير) الأرملة تريد تزويجه من ابنتها (ڤلوريا) الوحيدة
لتضمن لأبنتها معيشة هانئة ماتبقى من حياتها......كم أتوق الى حفل زفافهما
لابد وأن يكون أجمل حفل عرفه التاريخ...."
فابتسم
(خوسيه) الكولومبي العجوز وأكمل نومه وبعد ذلك بساعة ونصف كانا قد نزلا من
العربة وودعت ابنته (أنجيليتا) الفلاحة واعدة إياها بزيارة في القرية في
وقت قريب وتقدم الكولمبيان (خوسيه) وابنته الي أعتاب أراضي قصر
(كازابيانكا) ...كانت حديقته جميلة ذات طرقات متفرعة ممتلئة بالأزهار
ومجهزة لأستعمال الخيول وكان الخدم في كل مكان معظمهم ايطاليين وماإن وصلوا
الي النافورة التي تسبق بوابة القصر الرئيسية والتي كانت من الرخام
المتعدد الألوان والتي يتوسطها تمثال رائع لعاشق نبيل يقبل عروس بحر خارجة
من مياة النافورة بشكل رومانسي جميل وكان القصر مليئ بالحجرات وتوجد الى
جانبه بيوت ذات طابق واحد أوطابقين للخدم ومايتعلق بهم وملحق بهم مبنى كبير
للإسطبلات التي تحوي العديد من الخيول الأصيلة المتنوعة والتي ستكون مهمة
(خوسيه) وابنته..... قادهم رئيس الخدم الى الغرفة الخاصة بصاحب القصر
لعائلة (فان دييجو) السيد (فرناندو) .....عندما نهض (فرناندو) من كرسيه
تقدم بخطوات ثابتة متعالية نحو خادمه الجديد (خوسيه) وعامله بتكبر واضح
ذاكرا ماهي مهمته في الإعتناء بالخيول الأصيلة وتزويجها للحصول على سلالة
متميزة فهو يحضر افضل الخيول من مختلف أنحاء العالم كما أحضر حصانا جديدا
غير مروض لأبنه الأكبر الذي ناداه (ألفريدو) وطلب من (خوسيه) أن يروضه فقال
العجوزبلهجة ودودة :
"لقد دب الشيب في رأسي ياسيدي ولم أعد أفعل ذلك لكني واثق أن ابنتي الوحيدة (أنجيليتا) ستتولى هذة المهمة عن طيب خاطر....."
وهنا
نقل (فرناندو) عيناه ببرود تجاة الفتاة الفاتنة التي تقف الى جانب أبيها
فابتسمت له وحيته بخجل فلم يرد لها تحيتها بل قال بصوت قاسي :
"لا يهمني من الذي سيفعل , المهم أن تنفذ ما أقوله لك والآن سيريك (لوسيانو) مكان اقامتك"
وكان
(لوسيانو) هو رئيس الخدم في (كازابيانكا) كما كان ذات سلطة قوية فلقد كان
يتولى كل أمور السيد والمتحدث الرسمي بأسمه والذي يحل محله في بعض الحالات
الخاصة وكان جميع الخدم يهابونه ويعملون له ألف حساب وحمل الكولومبيان
حاجاتهما وذهبا لإكتشاف حجرتيهما.......
بعد
مغادرة (خوسيه) و (أنجيليتا) عم الهدوء غرفة (فرناندو) من جديد الذي ظل
ينظر الى جهة واحدة دون أن تطرف عيناه فلقد تذكر أن اليوم قد أقام مائدة
كبرى يجمع فيها افراد عائلة (فلاديمير) وعائلة (ديميتريوس) حين يجمع
الأولاد ويستطيع أن يفاتح ابنه بصراحة مطلقة عن رغبته في تزويجه من
(فلوريا) ابنة الأرملة (ساندرا فلاديمير) وصديقه الراحل (فرانسوا) وقد يضرب
عصفوران بحجر واحد ويري ماستؤل إليه الأمور مع ابنته الأخرى (سيسل) فقد
يعرض عليها (أندريه) الإبن الوحيد لعائلة (ديميتريوس) الزواج وسيكون هذا
أفضل مايمكن أن يحدث له فسوف يبني امبراطورية كبيرة وتدخل أملاك الأسرتين
العريقتين في أملاكه سيكون سيد المنطقة دون أدني شك كم حلم طويلا بجمع
الأسرتان ليكونا تحت امرته فلقد كان كل مايهمه الثراء والسلطة وبعدهما يأتي
الطوفان وفكر في نفسه بسخرية كم فرح لموت (آنا) زوجته والتي كانت عاطفية
تؤمن بالحب وبتلك الأشياء السخيفة ونقل عيناه لتقع على كرسي في أقصى الغرفة
قريب من المكتبة وقال محدثا نفسه كانت تجلس في هذا المكان دائما تطالع
رواية رومانسية للقرون الغابرة وكانت حينها عيناها تصفيان وتصبح رائعتان ,
تينيك العينين اللازورديتان ....فشعر بغصة في حلقه إذ تذكر أنها اشبعت رأس
ولديه بتلك الأفكار السخيفة والأقوال المهترئة والتي لاتلبث أن تجعل سيطرته
عليهما صعبا فلم يكن الزواج بالنسبة له سوى لتحقيق مصالح لطرفين الرابطة
حتى اتخذ عنده طابعا تجاريا محض وكان من السهل السيطرة على (سيسل) ابنته
فهي تميل اليه أكثر والى أفكاره ولكن المشكلة عنده كانت في (ألفريدو) ذلك
الشاب الطائش والذي من المفترض أن يستلم زمام امبراطوريته التجارية
والإجتماعية ولكن لم يبدو أبدا على استعداد لذلك.......
لم
يمضي وقت طويل على الكولومبيان -أوهكذا كان يسميهما الخدم- حتى شعرا
بالراحة في المنطقة وبدأا يمارسان عملهما بشكل جيد وكان الجميع يشيد بجمال
(أنجيليتا) وأدبها وأخلاقها الفذة فلقد كانت ذات طباع سامية تحب مساعدة
الجميع متفائلة وخفيفة الظل باختصار كانت تدخل البهجة على قلوب الجميع من
حولها فلقد كانت فاتنة في ريعان شبابها زهرة ناضرة تنتظر من سيقطفها ولم
تكن قد رأت أحدا من سادتها غير السيد (فرناندو) وكان رويته كافية لتنفرها
من الأسرة أجمع فلم تكن تميل اليه بل كانت في داخلها تكرهه وتكره أن يعامله
أبوها بخنوع شديد هكذا وبدأت الخادمات الشابات يخبرنها عن كل مايدور في
هذا البيت فعرفت أن الإبن الأكبر (ألفريدو) شاب وسيم لأقصى حد وعيناه هما
سر جماله و عينيه لازوردية تجعل أي فتاة تسقط صريعة لحبه كما كان جيد
الطباع حسن المعشررقيق القلب وكان يحب الشعر ويعزف الجيتار بطلاقة وكان
صديقا حميما (لأندريه ديميتريوس) منذ الصغر ولعل هذا هو الذي شجع (أندريه)
على أن ينظر بعين عاشقة لأخت صديقه الحميم (سيسل) ولكن تلك الأخيرة لم تكن
تبادله أدنى ذرة من العاطفة بل كانت تميل الى زميل لها في الجامعة وهو قريب
في الواقع لعائلة (فلاديمير) ويدعى (روبرتو) ولكنه لم يكن يأتي كثيرا
للدارفكانت تكتفي بارسال رسائل له بين الحين والآخر لتعرفه بكل مايجري هنا
وتعطيه لصديقتها الحميمة الخطيبة المستقبلية (لألفريدو) وهي (فلوريا
فلاديمير) وكان هذا طبعا دون علم والدها ولكن الجميع كان يعلم أن (أندريه)
كان أفضل عريس لها وكان أفضل خلفا وعلما منه كما كان ذات شأن عنه ومهابة
ولكن قلب (سيسل) لم يكترث لهذا أبدا.........
فابتسمت
انجيليتا وهي تسمع هذا وخرجت من المطبخ بطريق مختلف لاتؤدي الى الحديقة
مباشرة بل تؤدي الى ممرات القصر وظلت تفرج على التحف واللوحات لأفراد
الأسرة على مر العصور حتى وقعت عيناها على صورة امرأة شقراء فاتنة للغاية
عيناها لازوردية تبتسم لتضيف لسحرها سحرا آخر فظلت تحدق بها مدهوشة وقالت
بشهقة إعجاب :
"كم هي رائعة"
فسمعت صوتا من خلفها يقول :
"هذا أكيد فهي أمي (آنا ڤان دييجو) "
فاستدارت
(أنجيليتا) لترى محدثتها وكانت شابة في مثل سنها شعرها بني داكن لكنها
كانت عادية الجمال وعرفت على الفور أنها (سيسل فان دييجو) كانت تحمل عينا
والدها الباردتان التي تحدق بأي شئ أدنى منها بكبرياء واحتقار لاذع وقالت
لها دون أن تحيها :
"والآن وبعد أن انتهيت من التطلع لصور أفراد عائلتنا الأفضل أن تعودي لعملك "
فرحلت
(أنجيليتا) مسرعة شاعرة بالإحراج فهي لم ترتح (لسيسل) كذلك هل أفراد هذة
الأسرة بهذا البرود والتعالي ؟!....وعادت الى المطبخ مجددا لأنها لن تستطيع
الخروج من الباب الرئيسي وقابلت السيدة (سوزي) وهي رئيسة الخادمات
والمربية التي ربت أبناء السيد (فرناندو) منذ ولدا لقد كانت سيدة طيبة
للغاية سمينة وقصيرة ولكنها ذات صحة قوية وكالعادة رحبت بها بشدة حيث أنها
قالت لها في أول يوم رأتها أنها تشبه ابنتها التي توفيت منذ خمس سنوات
وقالت لها هذة المرة :
"عزيزتي (أنجيليتا) تبدين شاحبة ....يبدو أن الطعام الإيطالي لايعجبك أو لايتناسب مع ذوقك"
فردت (أنجيليتا) :
"ماذا تعنين ياسيدة (سوزي) هذا مستحيل فلا يوجد ماهو أشهى من الطعام الإيطالي ولكن ماكل هذا الطعام هل هناك حفل ما ؟!.."
"نعم
حفل العائلات أننا نسميها هكذا لأن السيد (فرناندو) يجمع فيه جيرانه من
عائلتي (ديميتريوس) و (فلاديمير) ليأكلا عنده آملا أن يحقق ماكان يصبو إليه
دائما"
"أتعنين أن يزوج ابنه (ألفريدو) من (فلوريا فلاديمير)؟!..."
"نعم
هذا صحيح أنه من ناحيته يرغب بذلك بشدة و (فلوريا) أصلا مدلهة في غرام
(ألفريدو) منذ كانا صغارا أما والدتها (ساندرا) فإنها تفضل أن يدق لسانها
على طاولة خشبية على أن تزوج ابنتها لرجل آخرغير (ألفريدو) "
"وماذا عن (ألفريدو) هل يحب (فلوريا) ؟!....."
"
آه ياعزيزتي...... السيد (ألفريدو) صعب التكهن بمشاعره وأحاسيسه فكل
مايهمه في العالم الفن والمسرح والروايات والأشعار مثل والدته السيدة (آنا)
واعتقد في داخلي أنه قد يميل الى (فلوريا) ولكنه لايحبها.....أو على الأقل
لايسهر الليالي يفكر بها....إنك لم تقابليه بعد أليس كذلك ؟!....."
"بل
أتجنب مقابلته....مع كل أسفي اعتبر أفراد هذة الأسرة جميعا متحجري القلوب
متعالون لايفكرون الا في أنفسهم ولاأريد مقابلة المزيد منهم أنا هنا
للإهتمام بالخيول ولاشئ غير ذلك.....في كل مرة يأتي السيد الشاب ليأخذ فرسا
ليمطتيه أحاول ألا أكون في طريقه فجل ماينقصني هو متكبر آخر!!!"
فضحكت السيدة (سوزي) ملئ شدقيها وقالت :
"لهذا
السبب عندما يأتي ليكلمني في المطبخ يتساءل قائلا(ذهبت لآخذ جوادي
(سيرجيو) ولكن مهلا....أين تلك الكولومبية التي يتحدث عنها الجميع)
وحينهاأقول له أي حجة قد تكون سبب اختفاءك....ياعزيزتي لقد ورث السيد
(ألفريدو) الكثير من صفات آل ( فان دييجو) ولكن أؤكد لك أنه ليس متكبرا بل
طيب القلب ودائما يكسر قواعد العائلات النبيلة في التحدث الى الخدم بطلاقة
وكأنهم أفراد أسرته ومصادقتهم وكسب ودهم فهو دائما يقول(إنهم يقومون على
خدمتنا في كل وقت كما أنهم يتعايشون مع أحداث حياتنا بل ويكون لهم دور فيها
وقد يسرون عنا في لحظات حزننا ويقيمون المآدب والزينة في لحظات أفراحنا
فكيف لانعتبرهم من أهلنا)"
فابتسمت
(أنجيليتا) لتلك المقولة وشعرت بشئ من الإرتياح لكلام (ألفريدو) ذاك وعادت
الى الإسطبل لتكمل عملها وقررت داخلها أنها لن تختفي من مجرد مقابلته بعد
الآن ثم دخلت على الحصان (روبن) الغير مروض والذي كلفها السيد (فرناندو)
نفسه بترويضه......كان فعلا حصانا صعب المراس وهائج دائما لكنه كان فرسا
رائع الجمال يقف بشموخ وكأنه يعتز بنفسه ولن يسمح لأحد بامتطاءه ولكنها
كانت في الأيام القليلة السابقة تلاطفه وتجعله يعتاد على وجودها وتطعمه
بنفسها فهي مؤمنة أن على الإنسان أن يصادق الحصان أولا قبل أن يفكر في
امتطاءه وأحدث هذا تقدما ملحوظا فلم يعد يزمجر بغضب بمجرد اقترابها بل
أحيانا يلمس رأسه بيدها الممتدة نحوه في مودة.......
بعد
أن أنهت عملها في وقت قياسي شعرت ببعض الملل فلقد ذهب والدها للقرية لجلب
بعض الأشياء وجميع الخدم مشغولون بمأدبة اليوم ففكرت أن تتمشى قليلا في
أملاك عائلة (فان دييجو) وعندما مرت بجانب القصر أطلقت نظرة على الباب
الرئيسي فوجدت سيارة تقف عند الباب وخرج منها شاب ومعه سيدة لاتصلح أن تكون
قرينة له بل تبدو وكأنها أمه وقام (لوسيانو) رئيس الخدم بتحيتهم وارشادهم
لدخول القصر فأكملت سيرها وهي مستغربة أن يأتي المدعوون باكرا هكذا وهذا
يعني أنهم فعلا معتادون عليهم كثيرا وفكرت ربما يكون ذلك الشاب هو (أندريه
ديميتريوس) وأمه.......
جابت
الحقول الواسعة وتأملت الأزهار الجميلة فرأت زهرة بنفسجية فاتنة فقطفت
إحداها واشتمتها بفرح ثم وضعتها في شعرها......لاتعلم كم من الوقت ظلت تسير
وشعرت فعلا أنها ابتعدت كثيرا عن القصر وندمت لأنها لم تحضر معها
جوادا...شعرت بتعب شديد فقررت أن ترتاح تحت شجرة ما....ومن استغرقت في
النوم ولكنها صحت على صوت غراب يصدر صوتا مزعجا فشعرت بالفزع وتساءلت كم من
الوقت نامت هنا ولكن الشمس كانت لاتزال مشرقة , ثم شعرت بحركة في الأوراق
المتشابكة التي أمامهاوظلت متوجسة الى أن وجدت بندقية مصوبة ناحيتها فصرخت
مذعورة قائلة :
"لا توقف!!!......توقف!!!..."
ونهضت
واقفة ولكن قدماها لم تحتملاها فترنح حتى أمسكتها ذراعان قويتان وأحاطتا
بجزعها فتماسكت وشعرت بدوار خفيف ولكنها سمعت صوت الرجل الذي يسندها قائلا
قائلا:
"ياإلهي
لم أظن أبدا أن أجد فتاة نائمة هنا.....ظننتك غزال وكنت أهم بصيدك فلا أحد
يمكنه أن ينام هنا....لولا أنك صرخت فلم أكن لأعرف أنك هنا....لاأظن أن
غزال سيقول توقف....توقف!!!!..."
وسمعت
ضحكة رقيقة فرفعت رأسها لتنظر له......كان أطول منها بقليل بشرته بيضاء
بياضا ناصعا وشعره كستنائي انفلق عند وسط رأسه لينساب على الجهتين بتماثل
ولكنه كان مشعث قليلا نتيجة للقفزة السريعة كانت عيناه لازورديتان فاتنتان
وحالمتان لأقصى درجة وتحت أنفه البارز كانت تقبع ابتسامة رقيقة حالمة
جميلة.......كان باختصار فاتن للغاية فنظرت اليه ببرود لأنها عرفت أنه
ابن(آنا) السيد (ألفريدو) لأنه كان يشبهها فعلا لحد رهيب وعرفت لما تدلهت
(فلوريا) في هواه ولما أغرمت معظم الفتيات به فلايمكن لأحد أن يقاوم سحره
ولكنها دفعته بقوة وقالت له:
"كدت تقتلني ذعرا ياسيد (ألفريدو) !!"
فاكتسحت وجهه الصدمة بطريقة سينمائية وقال مذهولا :
"
هل أعرفك؟!.....لو رأيتك من قبل لكنت قد تذكرت بالطبع فلا يمكن أن أنسى
امرأة رائعة الجمال هكذا وحادة الطباع أيضا.....كيف عرفت أني
(ألفريدو)؟!.... "
"لاشئ .....لاتهتم.....عرفتك من صورة السيدة (آنا)..!!"
"آه هل رأيت أمي.....لكنك لم تخبريني بعد من تكونين..."
"أنا (أنجيليتا خوسيه) وأعمل في الإسطبل"
فضحك بمرح وقال :
"إذن
انت هي الكولومبية...ياإلهي مايقولونه عنك صحيح فانت جميلة فعلا وتعرفين
كيف تظهرين جمالك....إن لتلك الزهرة التي تضعينها في شعرك وقع مدمر علي
وشعرك الأسود الرائع.....لا أظنني رأيت شعرا بهذا السواد في
حياتي.....دعيني ألمسه من فضلك"
وهم بامساك أحد اطراف شعرها فدفعته بغضب وقالت :
"انك تشبة السيدة(آنا) ولكن لا يبدو لي أنك ورثت عنها أي شئ من اللباقة والإحترام"
"ماذا
تقولين؟!....ومن أين تعرفين أمي لتقولي هذا....على أي حال آسف إن كنت
أزعجتك ولكنك فعلا عصبية لحد رهيب.....ألا تخافين أن أطلب من والدي ألا
يقبل عملك عنده لأنك عاملتني بجفاء ؟!...."
قال هذا بمرح وكأنه يحكي عن مسرحية كوميدية فقالت ببرود:
"وهل تغازلني وتتوقع مني أن أتقبل ذلك لمجرد أنني أعمل عندك.....إذن فلتعلم أنك مخطئ"
كانت
تشعر أنها ضاقت ذرعا بتكبرهؤلاء القوم فقررت أن ترد لهم الصاع صاعين وشعرت
في قرارة نفسها أنها لن تنال منه أي أذية بل شعرت بأنه يبدو رقيق القلب
وضحك بطرب وأحضر جواده الذي كان قد لحق به وقال :
"يبدو
أني أخفتك فعلا لأثير غضبك هذا لكن لاتهتمي...تبدين شاحبة للغاية وكأنك
على وشك الإغماء أرجو منك أن تركبي على جوادي فلا يمكنك أن تعودي الى القصر
سيرا على الأقدام وأنت بهذة الحالة.....هيا أصعدي....من فضلك هيا فلن
أعضك..."
وساعدها على الصعود وكانت تشعر فعلا بإعياء شديد وربط بندقيته في جواده ثم نظر إليها بابتسامة ساحرة وقال :
"على
الرغم مما قلتيه فأنا أظن أنك كنت مستمتعة فعلا بمغازلتي....كما لن
تستطيعي منعي من مغازلتك وقول كل مايأتي ببالي فهذا طبعي ولن أستطيع تغييره
مهما فعلت "
وحينها
شعرت أن رأسها يكاد ينفجر غيظا ورأته منشغلا بأن يحكم ربط حزامه الذي يبدو
أنه تراخى مع كل تلك الحركات فدفعت الحصان الى الركض سريعا وقالت في نفسها
غاضبة:
(إذن فليعد الى البيت هو سائرا فلن أحتمل أن يركب ورائي ويكمل كلامه الوقح معي وليذهب الى الجحيم!!!!......)
وقف
(ألفريدو) مذهولا لماحصل فلم يصدق أن تثار ثائرتها لدرجة أن تأخذ جواده
هاربة وتتركه وكأنها تعاقبه ولايدري ماهو السبب ولكن ذلك جعله ينفجر مقهقها
بصوت عالي فلم يتخيل أن أي امرأة في هذا العالم يمكن أن تعامله هكذا فهو
معتاد على الإعجاب الدائم من الفتيات من حوله ولكن لقاءه بتلك الفتاة سيبقى
في ذاكرته طوال العمر وفكر قليلا....لابد أن (أندريه) قريب بجواده من هنا
فظل يصفر في كل ناحية ومالبث بعد قليل أن سمع جوادا يقترب منه ورأي
(أندريه) قادما وهو يقول :
" ماذا؟!...هل أصطدت شيئا؟!..."
ولكنه وجده خاوي اليدين دون بندقية أوفرس فقال له :
" ماذا حصل ؟!....لايمكن أن تكون قد تعرضت للسرقة؟!..."
فزاد هذا من رغبة (ألفريدو) في الضحك وقال له :
"الواقع لم أكن الصياد هذة المرة بل كنت الضحية !!!!.."
وامتطى الحصان وراء (أندريه) ثم حكى له ماحصل فرد (أندريه) بعد أن فرغ (ألفريدو) من حكايته :
"يالها من فتاة غريبة فعلا..... ولابد أن تنال عقابها!!..."
فلم يرد عليه (ألفريدو) وبقي ساهما يفكر.........
عادت
(أنجيليتا) الى القصر ولاحظت أن سيارة أخرى قد أتت الى القصر فعلمت أن
الأسرة الأخرى قد أتت كذلك وكانت طيلة طريق العودة تفكر فيما حصل لها وما
ستكون نتائج تصرفها الفظ مع سيدها الشاب ولكنها اندهشت لأنها في داخلها
أحست أنه لن يؤذيها ولكنها لم تستطع أن تطمئن ودخلت الإسطبل ووضعت الفرس
مكانه واهتمت به وعادت الى غرفتها تفكر فيما وقع حتى سمعت والدها يتحدث الى
السيدة (سوزي) بالخارج فخرجت لملاقاتهم فقال الأب في اندهاش :
"أوه
هل عدت يا أبنتي من نزهتك....لم أعلم بذلك.....جاءت السيدة (سوزي) لتسأل
عنك فأخبرتها بأنك لم تعودي بعد.....لما تأخرت هكذا ياعزيزتي؟!..."
"آسفة يا أبي....كنت أتمشى فسرقني الوقت...تعالى ياسيدتي لنتكلم قليلا"
وبمجرد
أن دخلتا الغرفة وأغلقت الباب حكت لها عن كل شئ فاستاءت (سوزي) كثيرا من
تصرفها ووصفته بأنه وقاحة شديدة كان عليها ألا تفعلها مهما أسئ اليها فهو
سيدها كما أضافت أن (ألفريدو) يحب المزاح وإطراء من حوله وقالت في لهجة
رقيقة "كما أنه لم يكذب فأنت ساحرة الجمال ياعزيزتي ولابد أن تسلبي لب أي
شاب يراك" فشعرت (أنجيليتا) بالحرج الشديد وفكرت أنه ربما يخبر والده
(فرناندو) ذلك الرجل القاسي وقد يؤذي والدها أو يهينه لقاء مافعلت فخرجت
لتصحح مافعلت ولكنها وجدت نفسها قد تأخرت كثيرا فلقد طلب السيد (فرناندو)
والدها لمكتبه وعلمت من الخدم الآخرين أن السيد (ألفريدو) عاد وهو في مكتب
والده كذلك فغاص قلبها وأسرعت الى مكتب السيد (فرناندو) غير عابئة
باعتراضات (لوسيانو) الى أن وصلت الى الباب وهمت بالإقتراب والطرق فوقه
لكنه فتح فجأة وخرج منه (ألفريدو) ونظر اليها مدهوشا ونظرت اليه هي بحرج
وظل الإثنان يحدقان في بعضهما وقتا طويلا.....بدا على (ألفريدو) الجد
والتأمل فشعرت أنه سيقول لها شيئا لن يعجبها فاقتربت منه وكادت تهم بالكلام
لكنه رحل وتجاهلها تماما فحزنت حزنا رهيبا وأحست فعلا أنها ارتكبت خطأ لن
يغفره أبدا بل وشعرت أنه ليس طيبا كما قال لها حدسها بل هو فعلا قد ورث
الكثير من صفات آل (فان دييجو) ومالبث أن خرج والدها من مكتب (فرناندو)
ولكن لدهشتها لم يبدو عليه أي ضيق بل وقال عندما رآها:
"(أنجيليتا) ؟!......ماذا تفعلين هنا يابنيتي؟!...."
"ماذا تفعل انت هنا؟!....ظننت أن السيد (فرناندو) استدعاك ليهينك فقررت أن آتي لأدافع عنك"
فابتسم (خوسيه) بحنان وقال:
"يا
حبيبتي كم انت طيبة القلب....لكنك نسيت أني أقوم بواجبي على أكمل وجه وليس
هناك مايهينني عليه بل لقد استدعاني لأن السيد (ألفريدو) أقترح أن يحضر
نوعا من الخيول الإسبانية لنقوم بتزويجها للخيول التي عندنا لعلنا نحصل على
نوع أصيل لامثيل له وطلب رأيي في هذا......أتعرفين أن (ألفريدو) هذا شاب
لطيف للغاية لقد كان في غاية اللطف معي , استطيع القول أنه لايشبه والده في
شئ مطلقا.....أتصدقين أنه تحدث عنك في أثناء حديثنا.....لقد قال أنك جيدة
تجيدين الخيل.....هكذا قال أمام والده فزاد إيمانا بي وبعملنا أنا وأنت"
عندما
سمعت (أنجيليتا) كلام والدها شعرت بالدوار وعلمت أنه كان يسخر منها دون أن
يدري والدها وإلا لما ذهب هكذا دون قول كلمة لها ولكن غريب ألا يتطرق الى
مافعلته ويغطي عليها مع أن كانت له الفرصة كاملة وحمدت ربها بشدة أنه لم
يفعل.......
كانت
المأدبة كبيرة جدا عليها جميع أصناف الطعام وهناك في أقصي اليمين حوالي
ثمانية أشخاص يشكلون فرقة موسيقية يعزفون من أجل المدعويين مع أن عددهم لم
يتعدى العشرة , كان السيد (فرناندو) على رأس الطاولة يتحدث برسمية وبصوت
جاد بارد وكان قلما يبتسم وجلست السيدة (ساندرا فلاديمير) على يمينه وهي
تتكلم بتكلف وإنفة مع (جابريلا ديميتريوس) والتي كانت تقابلها فهي لم تكن
تحبها مطلقا وحمدت ربها أن (أندريه) ابن عائلة (ديميتريوس) لم يفكر في
الزواج من ابنتها (فلوريا) لأنها ماكانت لتقبل به أو بأمه وجلس (ألفريدو)
يطلق النكات ويتحدث بمرح شديد (لفلوريا) التي أمامه ولأخته التي تجاورها
وبقي (أندريه) الى جانبه صامتا يحدق بهيام في (سيسل) أخت صديقه وكانت في
بداية الجلسة تبادله بعض النظرات وتبتسم بأدب ولكنها شعرت أنه زاد عن حده
فبدأت تتجاهل نظراته كليا ولكنه لم يستطع أن يمنع نفسه من التحديق بها وبكل
لفتة أو حركة منها ولم يستطع التركيز في أي كلمة من كلام (ألفريدو) لأنه
كان مشغولا بها وكم كان يحز في نفسه أنها لم تبادله نفس الإهتمام وحانت
لحظة الرقص فنهض (ألفريدو) على الفور وراقص السيدة (ساندرا) وراقص
(فرناندو) (فلوريا) الصغيرة وراقص بعدها السيدة (جابريلا) ونهض (أندريه)
وطلب من (سيسل) الرقص معه فلم تستطع أن تعترض وظلا يرقصان سويا فترة طويلة
دون أن تأتي الجرأة (لأندريه) على أن يقول كلمة واحدة , كان كلامه في عينيه
ولكنها لم تفهم تلك اللغة وظلت تحدق في أخيها (ألفريدو) وهو يضحك ويرقص مع
هذة وهذة بينما هي عالقة مع هذا الصامت حتى شعرت بالضجر ولكن مالبث أن ضغط
على يدها بشدة فنظرت اليه وقال لها وكأنه كان يستجمع أطراف صوته :
" هل يكنني أن أتحدث معك قليلا......على انفراد؟!...."
فقالت بدهشة :
" أجل لابأس"
وشدها
من يدها في اتجاه الحديقة حتى وصل الى جذع شجرة كان قابعا في الطريق يشكل
مجلسا لشخصين متلاصقين فجلسا عليه وظل صامتا فترة من الزمن حتى قالت هي
بضجر:
"لابد أن السيدة (ساندرا) ستحكي لنا عن رحلتها الى واشنطن بعد قليل..."
فلم يرد وسكت دهرا ثم نظر اليها بتمعن شديد حتى شعرت بالحرج ثم قال فجأة :
فذهلت
(سيسل) وشعرت بإحراج شديد ولم تدري ماذا تقول أو تفعل وتمنت لو أن أخها
يلحظ اختفاءها ليأتي لينقذها من صديقه هذا ولم تدري هل تواجهه أم ماذا ثم
قالت محالة لكسب المزيد من الوقت :
"هذة مفاجأة لم أتوقعها حقا.....كما لم يلمح لي (ألفريدو) بشئ "
" (ألفريدو) لايعرف....لم أخبره شيئا....الواقع لم أصرح لأحد حتى لنفسي.....ولكنني أريد أن أعرف حقيقة مشاعرك.....بصراحة"
"هل أحببتني لأني شقيقة صديقك؟!....."
"تعلمين
أنه لا يمكن أن يكون السبب كما لا أريدك أن تجامليني أوتدعي بوجود مشاعر
لديك لمجرد أنك لا تريدين جرح مشاعر صديق أخيك الحميم.....فإن هذا لاعلاقة
له بصداقتي (لألفريدو) كما أنني أحب الصراحة في هذة الأمور"
فاحمر وجهها خجلا وكأنه قرأ جميع أفكارها وظلت صامتة تتلاعب بالخاتم الذي بيدها منتظرة عون السماء لكنه قال بعد صمتها بشكل مفاجئ :
"هل هناك شخص آخر؟!...."
فأجفلت وانتفضت من مكانها ونظرت اليه بدهشة وعندما اطمئنت أنه مجرد تخمين وليس معرفة بالحقيقة قالت بعد أن وجدت أنه خلاصها الوحيد :
"
الواقع نعم....هناك شخص آخر.....وليست المسألة لها علاقة بك فأنت شاب رائع
يا (أندريه) وأظن أن أي فتاة في الدنيا كانت تتمنى مشاعرك.....ولكن لأسف
تضيعها على الفتاة الخطأ"
فشعرت
أنه تحول الى تمثال متحجر بعد كلماتها لم يحرك ساكنا بل كادت تجزم أنه لم
يتنفس ولم تجرؤ على النظرالى وجهه ولم تدري كم لبثا جالسين دون أي كلمة
ولكنه نهض فجأة وقال:
".....هيا
بنا لابد أنهم يتساءلون عن مكان وجودنا الآن" فنهضت مسرعة وما لإن وصلا
معا حتى قال (ألفريدو) " هاي أين كنتما أنتما الإثنان لقد فاتتكما أجمل
رواية ولكن لا ياسيدة (ساندرا) لا تعيدي شيئا منها حتى يتعلما ألا يغادرا
فجأة هكذا "
ضحك
الجميع على كلام (ألفريدو) لكن (فرناندو) نظر الى ابنته في أمل ولكنه
وجدها قد بدى عليها الحرج بينما وقف (أندريه) ووجهه شاحب بشدة فعرف أن
الخطة التي رسمها لم تنجح وأن (أندريه) لن يكون (لسيسل) فشعر بالغضب يجتاحه
وفي هذة اللحظة كانت (فلوريا) قد استغلت غيابهما وجلست الى جانب (ألفريدو)
وظلت تتدلل عليه قدر إمكانها وتضع يدها على كتفه كحركة لكسب وده بين
الفينة والأخرى ولكنه كان دائما يمرح ويضحك ولايهتم لحركاتها تلك مما جعل
غضب (فرناندو) يتضاعف وهكذا اضطر (أندريه) الى الجلوس بجانب (سيسل) ما تبقى
من الليلة ولم يتبادلا كلمة واحدة طوال الأمسية بينما وقفت (أنجيليتا)
تراقبهم من خلف أحد الأعمدة ورأت أن (فلوريا) رائعة الجمال جدا واستغربت
عدم انتباه (ألفريدو) اليها كما أعجبها مرح (ألفريدو) وحديثه الشيق الذي لا
ينتهي وأعجبها كذلك الصداقة القوية بينه وبين (أندريه) كانا يبدوان
وكأنهما أخوان ولدا بنفس اليوم وعاشا نفس الأحداث بل وأحيانا كانا يقولا
نفس الجمل أويقول أحدهما نصفها ويكملها له الآخر ولكن (سيسل) لم تعجبها
مطلقا وعذرت (أندريه) أنه لم يبادلها كلمة........
كان
(ألفريدو) بعد مع حصل يراقب (أنجيليتا) ليل نهار دون أن تراه.....يراها
وهي تحادث هذة وتضحك مع هذة تحمل هذة بحركة رشيقة وتدلل هذة ,
تضحك.....تعبس...تقفز....تركض.... ما هذا الذي يحدث لي؟!....- هكذا حدث
نفسه - أنني أراقبها دون سبب واضح وتواصل كامل أراقب حركاتها أفكارها صوتها
كلماتها لكل من حولها.....أحلل كل كلمة لأخرج منها صفة ما قد تكون جزءا
ليكمل صورة شخصيتها بداخلي.....هنا جريئة....هنا شجاعة....هنا حادة....لا
ليست حادة.....لا يمكن لهذا الجمال أن يكون حادا...إنها مجرد لحظة غضب
لها....هنا فاتنة... هنا رقيقة....هنا عاطفية ....أجل إنها دائما عاطفية
هكذا هي قلبها بجمال وجهها....روحها بفتنة عينيها أجل هي....هي من كنت أبحث
عنها طوال حياتي...هي المياة التي كنت أنتظر أن تجري في وديان قلبي
المقفرة.....هي الوحيدة التي يمكن أن تكملني.....ولكن كيف؟!....كيف
هي؟!.... ولما هي؟!.....هي بالذات.......
في
تلك الأيام كان (ألفريدو) يسلم قلبه شيئا فشيئا لها ويتركها تغزوه في
خطوات ثابتة فما لبث يفكر في لقاءهما سويا يتذكر كل رؤية من عينيه لها كل
لفتة كل تكشيرة أعتلت وجهها وعندما سقطت بين يديه....يذكر كلماتها حرفا
حرفا ويحلل ويحلل حتى يلصق بها مايعجبه ويطرد عنها وعن صورتها في داخله
مالا يعجبه..... وعلم أنه لن يحتمل أن يبقى في الخفاء مدة طويلة بل
يجب...أن يواجهها.....على الفور.......
بين
أسراب زهور ذات لون ذهبي......ولد حب ربط بين إنسانين.....ربط روحيهما مع
نفحة من رحيق تلك الأزهار وخلد أسميهما.......بين ثنايا التاريخ قصة لقلوب
غزاها الغرام فلم يهزم ولم يطويه الموت في ظلاله.....
وجاء الشتاء ليرسل رياحه العاتية لتطيح بما تلاقيه ......رياح القدر المليئة بلعنات قلوب حاقدة لتطير أوراق الزهور الذهبية ....
لكن
إذا كان الحب هو الذي يربط إنسانا وآخر إذا فلطالما كان الإنسان حيا لا
يستطيع أن يتوقف عن الحب بل يزداد حبه كل صباح حتى يأتي اليوم الذي يموت
فيه
إذا
كان الحب يعني أن ترتبط روحا اثنان حتى لو فرقهما الموت وأصبح كل في
عالم.....يبقى الحب حتى وإن ذهب المحبان....فالحب إذن هو إكسير الحياة.....
وهنا
قصة قلبين أزهر حبهما بين أسراب الزهور الذبية التي نبتت مع حبهما وهو
ينمو ويزدهر الى أن أصبح قوة تقف في وجه رياح الشتاء المظلم وبقيت تلك
الأزهار شاهد على حبهما
.......الزهور الذهبية....
||| الشخصيات |||
قصر (كازابيانكا) :
تعيش فيه اسرة (فان دييجو) ......
أسرة (فان دييجو) :
1- (فرناندو) : هو رئيس الأسرة والرجل الأكثر نفوذا في المنطقة وهو والد (الفريدو) و (سيسل)
2- (الفريدو) : الأبن الأكبر للسيد (فرناندو) وهو المسئول عن إدارة أملاك الأسرة كما أنه الوريث الشرعي (لفان دييجو)
3- (سيسل) : أخت (الفريدو) وابنة (فرناندو)
4- (آنا) : الأم الراحلة لكل من (الفريدو) و (سيسل) وزوجة (فرناندو)
5- السيدة (سوزي) : هى المربية الأساسية (لالفريدو) التي عاشت معه منذ ولد وعاشت مع السيدة (آنا) طويلا وتعتبر (الفريدو) كابن لها....
6- (لوسيانو) : هو كبير الخدم والمتحدث الرسمي باسم السيد (فرناندو) ...
7- (أنجليتا خوسيه) :هي بطلة القصة وهي من أصل كولومبي مدربة ماهرة للخيولالأصيلة وامرأة ذات جمال أخاذ نادر , رقيقة تتمنى السعادة وتحب والدها بشدة....
8- (خوسيه) :هو السائس الخاص بأسرة (فان دييجو) والمسئول عن الإسطبلات ومدرب الخيول وهو والد (أنجليتا)
قصر (روزانيرا) :
تعيش فيه عائلة (فلاديمير)
عائلة (فلاديمير) :
1- السيدة (ساندرا) :هي رئيسة الأسرة وهي أرملة لصديق قديم وعزيز للسيد (فرناندو)
2- (فلوريا) :هي البنة الوحيدة للأسرة الصديقة الوحيدة (لسيسل) وصديقة (الفريدو) منذ الصغر
3- (روبرتو) :هو أحد أقرباء الأسرة من بعيد أبواه يعيشان في أمريكا وهو لا يعتبر ثريافثراءه الوحيد هو علمه...
قصر (لوتشى أورو) :
تعيش فيه أسرة (ديميتريوس)
عائلة (ديميتريوس) :
1- (اندريه) :هو رئيس الأسرة على الرغم من صغر سنه وهو الصديق الحميم (لالفريدو)
2- (جابريلا) :هي والدة (اندريه) التي تؤمن بابنها وبذكاءه وتترك له أعمال الأسرة جميعا.
قرية أسترا : هي القرية المجاوري لأراضي القصور الثلاثة وتعيش فيها (نيلا) صديقة (أنجليتا) الحميمة
الفصل الأول
[[ القصور الثلاثة [[
إيطاليا – ميلانو – عام 1870 م
[[ القصور الثلاثة [[
إيطاليا – ميلانو – عام 1870 م
مع
نسمات إبريل الهادئة حيث الشمس ترسل أشعة كخيوط ذهبية تصل السماء بالأرض
...... إنطلقت عربة مكشوفة يجرها جوادان , عربة ذات اطار خشبي مطلي باللون
الأحمر حيث طلي كرسي السائق بنفس اللون وكان اللون في تعاكس صارخ مع لون
الخشب البني القاتم وهناك جلس بعض الفلاحون الإيطاليون الذاهبون في اتجاة
قرية (أسترا) الواقعة خلف التلة الخضراء من الجهة الغربية ومنهم من جلب معه
بعض أزواج من البط البري التي كانت تصدر صوتا عاليا يعيق نوم رجل عجوز في
مقدمة العربة , كان يسند رأسه على القش الأصفر اليابس الموضوع في هذا
المكان والذي كان رطبا بعض الشئ ....كان واضحا أن الرجل العجوز ليس من
إيطاليا على الإطلاق فلقد كان كولومبي الأصل ذو بشرة داكنة مائلة للحمرة
وشعره أسود كثيف تتخلله بعض الشعيرات البيضاء في مقدمة رأسه , كان يحاول
عبثا أن ينام لعله لايشعر بطول الرحلة الى قصر مخدومه فلقد أتى مع ابنته من
بلاد بعيدة نسبيا لأن السيد (فان دييجو) قال أنه سيدفع له راتبا لابأس به
وكان يحمل معه ابنته البالغة من العمر أربع وعشرون عاما والتي كانت تجلس
الى جانبه تتبادل حديثا طويلا مع الفلاحة التي تجاورها , كانت ابنته رائعة
الجمال يكاد يجزم أنها أروع امرأة كولومبية عرفها فلقد ورثت الجمال عن امها
, هكذا حدث نفسه بافتخار.....وعلم أن طبعها الفضولي لابد وأن يضغي عليها
فتناهى الى مسامعه اطراف من حديثها مع تلك الفلاحة التي لم تلاحظ اختلاف
لهجتها فلقد كانا يتحدثان الإيطالية بطلاقة وهذا لأنهم خدموا من قبل في وقت
نشأة ابنته (أنجيليتا) في بيت ايطالي فتربت (أنجيليتا) تعرف اللغتين
وتتقنهما اتقانا تاما وسمعها تسأل الفلاحة :
"إذن فقرية (استرا) هي القرية الوحيدة في هذة المنطقة المتطرفة من شرق ميلانو!! ولكن ماذا عن عائلة (فان دييجو) هل سمعت عنها ؟!..."
"أجل إنهم أصحاب قصر (كازابيانكا) الموجود في الجهة الشرقية من التلة لقد اقتربت العربة منه كثيرا "
"أهو القصر الوحيد هنا في هذا المكان ؟!.."
"بل
يجاوره قصران لعائلتي (فلاديمير) وعائلة (ديميتريوس) حيث يقع قصر عائلة
(فلاديمير) والذي يسمى (روزانيرا) في الجهة الغربية من (كازابيانكا) وهما
قريبان من بعضهما في حين يبعد قصر عائلة (ديميتريوس) والذي يسمى
(لوتشيأورو) قليلا عن أراضي القصرين بحوالي أربعة أميال ولكن هذا لايمنع
الصلة الوثيقة بين الثلاث اسرات كما أن كثير من عائلات خدم القصور الثلاثة
يعيشون في قرية (أسترا) والحق يقال أن قصر (كازابيانكا) هو أجملهم كما أن
السيد (فرناندو فان دييجو) رئيس الأسرة صاحب أكبر نفوذ هنا وهو الأغنى أيضا
والأكثر رفعة في المكانة ولكنه ازداد قسوة بعد موت زوجته (آنا)....لقد
كانت امرأة طيبة للغاية تساعد المحتاجين كما كانت فاتنة الجمال وذات عينان
لازورديتان فاتنتان وعلى الرغم انها انجبت ابن وابنة إلا أن ابنتها لم ترث
شيئا من جمالها بل لا أعتقد أنها تشبهها البتة أوهكذا يقال...بينما ورث
ابنها الأكبر كل ما لها....عيناها,ملامح وجهها,شعرها الكستنائي وطيبة قلبها
مما جعله هدفا لكل الفتيات النبيلات في المنطقة وخارق المنطقة.....وأظن أن
السيدة (ساندرا فلاديمير) الأرملة تريد تزويجه من ابنتها (ڤلوريا) الوحيدة
لتضمن لأبنتها معيشة هانئة ماتبقى من حياتها......كم أتوق الى حفل زفافهما
لابد وأن يكون أجمل حفل عرفه التاريخ...."
فابتسم
(خوسيه) الكولومبي العجوز وأكمل نومه وبعد ذلك بساعة ونصف كانا قد نزلا من
العربة وودعت ابنته (أنجيليتا) الفلاحة واعدة إياها بزيارة في القرية في
وقت قريب وتقدم الكولمبيان (خوسيه) وابنته الي أعتاب أراضي قصر
(كازابيانكا) ...كانت حديقته جميلة ذات طرقات متفرعة ممتلئة بالأزهار
ومجهزة لأستعمال الخيول وكان الخدم في كل مكان معظمهم ايطاليين وماإن وصلوا
الي النافورة التي تسبق بوابة القصر الرئيسية والتي كانت من الرخام
المتعدد الألوان والتي يتوسطها تمثال رائع لعاشق نبيل يقبل عروس بحر خارجة
من مياة النافورة بشكل رومانسي جميل وكان القصر مليئ بالحجرات وتوجد الى
جانبه بيوت ذات طابق واحد أوطابقين للخدم ومايتعلق بهم وملحق بهم مبنى كبير
للإسطبلات التي تحوي العديد من الخيول الأصيلة المتنوعة والتي ستكون مهمة
(خوسيه) وابنته..... قادهم رئيس الخدم الى الغرفة الخاصة بصاحب القصر
لعائلة (فان دييجو) السيد (فرناندو) .....عندما نهض (فرناندو) من كرسيه
تقدم بخطوات ثابتة متعالية نحو خادمه الجديد (خوسيه) وعامله بتكبر واضح
ذاكرا ماهي مهمته في الإعتناء بالخيول الأصيلة وتزويجها للحصول على سلالة
متميزة فهو يحضر افضل الخيول من مختلف أنحاء العالم كما أحضر حصانا جديدا
غير مروض لأبنه الأكبر الذي ناداه (ألفريدو) وطلب من (خوسيه) أن يروضه فقال
العجوزبلهجة ودودة :
"لقد دب الشيب في رأسي ياسيدي ولم أعد أفعل ذلك لكني واثق أن ابنتي الوحيدة (أنجيليتا) ستتولى هذة المهمة عن طيب خاطر....."
وهنا
نقل (فرناندو) عيناه ببرود تجاة الفتاة الفاتنة التي تقف الى جانب أبيها
فابتسمت له وحيته بخجل فلم يرد لها تحيتها بل قال بصوت قاسي :
"لا يهمني من الذي سيفعل , المهم أن تنفذ ما أقوله لك والآن سيريك (لوسيانو) مكان اقامتك"
وكان
(لوسيانو) هو رئيس الخدم في (كازابيانكا) كما كان ذات سلطة قوية فلقد كان
يتولى كل أمور السيد والمتحدث الرسمي بأسمه والذي يحل محله في بعض الحالات
الخاصة وكان جميع الخدم يهابونه ويعملون له ألف حساب وحمل الكولومبيان
حاجاتهما وذهبا لإكتشاف حجرتيهما.......
بعد
مغادرة (خوسيه) و (أنجيليتا) عم الهدوء غرفة (فرناندو) من جديد الذي ظل
ينظر الى جهة واحدة دون أن تطرف عيناه فلقد تذكر أن اليوم قد أقام مائدة
كبرى يجمع فيها افراد عائلة (فلاديمير) وعائلة (ديميتريوس) حين يجمع
الأولاد ويستطيع أن يفاتح ابنه بصراحة مطلقة عن رغبته في تزويجه من
(فلوريا) ابنة الأرملة (ساندرا فلاديمير) وصديقه الراحل (فرانسوا) وقد يضرب
عصفوران بحجر واحد ويري ماستؤل إليه الأمور مع ابنته الأخرى (سيسل) فقد
يعرض عليها (أندريه) الإبن الوحيد لعائلة (ديميتريوس) الزواج وسيكون هذا
أفضل مايمكن أن يحدث له فسوف يبني امبراطورية كبيرة وتدخل أملاك الأسرتين
العريقتين في أملاكه سيكون سيد المنطقة دون أدني شك كم حلم طويلا بجمع
الأسرتان ليكونا تحت امرته فلقد كان كل مايهمه الثراء والسلطة وبعدهما يأتي
الطوفان وفكر في نفسه بسخرية كم فرح لموت (آنا) زوجته والتي كانت عاطفية
تؤمن بالحب وبتلك الأشياء السخيفة ونقل عيناه لتقع على كرسي في أقصى الغرفة
قريب من المكتبة وقال محدثا نفسه كانت تجلس في هذا المكان دائما تطالع
رواية رومانسية للقرون الغابرة وكانت حينها عيناها تصفيان وتصبح رائعتان ,
تينيك العينين اللازورديتان ....فشعر بغصة في حلقه إذ تذكر أنها اشبعت رأس
ولديه بتلك الأفكار السخيفة والأقوال المهترئة والتي لاتلبث أن تجعل سيطرته
عليهما صعبا فلم يكن الزواج بالنسبة له سوى لتحقيق مصالح لطرفين الرابطة
حتى اتخذ عنده طابعا تجاريا محض وكان من السهل السيطرة على (سيسل) ابنته
فهي تميل اليه أكثر والى أفكاره ولكن المشكلة عنده كانت في (ألفريدو) ذلك
الشاب الطائش والذي من المفترض أن يستلم زمام امبراطوريته التجارية
والإجتماعية ولكن لم يبدو أبدا على استعداد لذلك.......
لم
يمضي وقت طويل على الكولومبيان -أوهكذا كان يسميهما الخدم- حتى شعرا
بالراحة في المنطقة وبدأا يمارسان عملهما بشكل جيد وكان الجميع يشيد بجمال
(أنجيليتا) وأدبها وأخلاقها الفذة فلقد كانت ذات طباع سامية تحب مساعدة
الجميع متفائلة وخفيفة الظل باختصار كانت تدخل البهجة على قلوب الجميع من
حولها فلقد كانت فاتنة في ريعان شبابها زهرة ناضرة تنتظر من سيقطفها ولم
تكن قد رأت أحدا من سادتها غير السيد (فرناندو) وكان رويته كافية لتنفرها
من الأسرة أجمع فلم تكن تميل اليه بل كانت في داخلها تكرهه وتكره أن يعامله
أبوها بخنوع شديد هكذا وبدأت الخادمات الشابات يخبرنها عن كل مايدور في
هذا البيت فعرفت أن الإبن الأكبر (ألفريدو) شاب وسيم لأقصى حد وعيناه هما
سر جماله و عينيه لازوردية تجعل أي فتاة تسقط صريعة لحبه كما كان جيد
الطباع حسن المعشررقيق القلب وكان يحب الشعر ويعزف الجيتار بطلاقة وكان
صديقا حميما (لأندريه ديميتريوس) منذ الصغر ولعل هذا هو الذي شجع (أندريه)
على أن ينظر بعين عاشقة لأخت صديقه الحميم (سيسل) ولكن تلك الأخيرة لم تكن
تبادله أدنى ذرة من العاطفة بل كانت تميل الى زميل لها في الجامعة وهو قريب
في الواقع لعائلة (فلاديمير) ويدعى (روبرتو) ولكنه لم يكن يأتي كثيرا
للدارفكانت تكتفي بارسال رسائل له بين الحين والآخر لتعرفه بكل مايجري هنا
وتعطيه لصديقتها الحميمة الخطيبة المستقبلية (لألفريدو) وهي (فلوريا
فلاديمير) وكان هذا طبعا دون علم والدها ولكن الجميع كان يعلم أن (أندريه)
كان أفضل عريس لها وكان أفضل خلفا وعلما منه كما كان ذات شأن عنه ومهابة
ولكن قلب (سيسل) لم يكترث لهذا أبدا.........
فابتسمت
انجيليتا وهي تسمع هذا وخرجت من المطبخ بطريق مختلف لاتؤدي الى الحديقة
مباشرة بل تؤدي الى ممرات القصر وظلت تفرج على التحف واللوحات لأفراد
الأسرة على مر العصور حتى وقعت عيناها على صورة امرأة شقراء فاتنة للغاية
عيناها لازوردية تبتسم لتضيف لسحرها سحرا آخر فظلت تحدق بها مدهوشة وقالت
بشهقة إعجاب :
"كم هي رائعة"
فسمعت صوتا من خلفها يقول :
"هذا أكيد فهي أمي (آنا ڤان دييجو) "
فاستدارت
(أنجيليتا) لترى محدثتها وكانت شابة في مثل سنها شعرها بني داكن لكنها
كانت عادية الجمال وعرفت على الفور أنها (سيسل فان دييجو) كانت تحمل عينا
والدها الباردتان التي تحدق بأي شئ أدنى منها بكبرياء واحتقار لاذع وقالت
لها دون أن تحيها :
"والآن وبعد أن انتهيت من التطلع لصور أفراد عائلتنا الأفضل أن تعودي لعملك "
فرحلت
(أنجيليتا) مسرعة شاعرة بالإحراج فهي لم ترتح (لسيسل) كذلك هل أفراد هذة
الأسرة بهذا البرود والتعالي ؟!....وعادت الى المطبخ مجددا لأنها لن تستطيع
الخروج من الباب الرئيسي وقابلت السيدة (سوزي) وهي رئيسة الخادمات
والمربية التي ربت أبناء السيد (فرناندو) منذ ولدا لقد كانت سيدة طيبة
للغاية سمينة وقصيرة ولكنها ذات صحة قوية وكالعادة رحبت بها بشدة حيث أنها
قالت لها في أول يوم رأتها أنها تشبه ابنتها التي توفيت منذ خمس سنوات
وقالت لها هذة المرة :
"عزيزتي (أنجيليتا) تبدين شاحبة ....يبدو أن الطعام الإيطالي لايعجبك أو لايتناسب مع ذوقك"
فردت (أنجيليتا) :
"ماذا تعنين ياسيدة (سوزي) هذا مستحيل فلا يوجد ماهو أشهى من الطعام الإيطالي ولكن ماكل هذا الطعام هل هناك حفل ما ؟!.."
"نعم
حفل العائلات أننا نسميها هكذا لأن السيد (فرناندو) يجمع فيه جيرانه من
عائلتي (ديميتريوس) و (فلاديمير) ليأكلا عنده آملا أن يحقق ماكان يصبو إليه
دائما"
"أتعنين أن يزوج ابنه (ألفريدو) من (فلوريا فلاديمير)؟!..."
"نعم
هذا صحيح أنه من ناحيته يرغب بذلك بشدة و (فلوريا) أصلا مدلهة في غرام
(ألفريدو) منذ كانا صغارا أما والدتها (ساندرا) فإنها تفضل أن يدق لسانها
على طاولة خشبية على أن تزوج ابنتها لرجل آخرغير (ألفريدو) "
"وماذا عن (ألفريدو) هل يحب (فلوريا) ؟!....."
"
آه ياعزيزتي...... السيد (ألفريدو) صعب التكهن بمشاعره وأحاسيسه فكل
مايهمه في العالم الفن والمسرح والروايات والأشعار مثل والدته السيدة (آنا)
واعتقد في داخلي أنه قد يميل الى (فلوريا) ولكنه لايحبها.....أو على الأقل
لايسهر الليالي يفكر بها....إنك لم تقابليه بعد أليس كذلك ؟!....."
"بل
أتجنب مقابلته....مع كل أسفي اعتبر أفراد هذة الأسرة جميعا متحجري القلوب
متعالون لايفكرون الا في أنفسهم ولاأريد مقابلة المزيد منهم أنا هنا
للإهتمام بالخيول ولاشئ غير ذلك.....في كل مرة يأتي السيد الشاب ليأخذ فرسا
ليمطتيه أحاول ألا أكون في طريقه فجل ماينقصني هو متكبر آخر!!!"
فضحكت السيدة (سوزي) ملئ شدقيها وقالت :
"لهذا
السبب عندما يأتي ليكلمني في المطبخ يتساءل قائلا(ذهبت لآخذ جوادي
(سيرجيو) ولكن مهلا....أين تلك الكولومبية التي يتحدث عنها الجميع)
وحينهاأقول له أي حجة قد تكون سبب اختفاءك....ياعزيزتي لقد ورث السيد
(ألفريدو) الكثير من صفات آل ( فان دييجو) ولكن أؤكد لك أنه ليس متكبرا بل
طيب القلب ودائما يكسر قواعد العائلات النبيلة في التحدث الى الخدم بطلاقة
وكأنهم أفراد أسرته ومصادقتهم وكسب ودهم فهو دائما يقول(إنهم يقومون على
خدمتنا في كل وقت كما أنهم يتعايشون مع أحداث حياتنا بل ويكون لهم دور فيها
وقد يسرون عنا في لحظات حزننا ويقيمون المآدب والزينة في لحظات أفراحنا
فكيف لانعتبرهم من أهلنا)"
فابتسمت
(أنجيليتا) لتلك المقولة وشعرت بشئ من الإرتياح لكلام (ألفريدو) ذاك وعادت
الى الإسطبل لتكمل عملها وقررت داخلها أنها لن تختفي من مجرد مقابلته بعد
الآن ثم دخلت على الحصان (روبن) الغير مروض والذي كلفها السيد (فرناندو)
نفسه بترويضه......كان فعلا حصانا صعب المراس وهائج دائما لكنه كان فرسا
رائع الجمال يقف بشموخ وكأنه يعتز بنفسه ولن يسمح لأحد بامتطاءه ولكنها
كانت في الأيام القليلة السابقة تلاطفه وتجعله يعتاد على وجودها وتطعمه
بنفسها فهي مؤمنة أن على الإنسان أن يصادق الحصان أولا قبل أن يفكر في
امتطاءه وأحدث هذا تقدما ملحوظا فلم يعد يزمجر بغضب بمجرد اقترابها بل
أحيانا يلمس رأسه بيدها الممتدة نحوه في مودة.......
بعد
أن أنهت عملها في وقت قياسي شعرت ببعض الملل فلقد ذهب والدها للقرية لجلب
بعض الأشياء وجميع الخدم مشغولون بمأدبة اليوم ففكرت أن تتمشى قليلا في
أملاك عائلة (فان دييجو) وعندما مرت بجانب القصر أطلقت نظرة على الباب
الرئيسي فوجدت سيارة تقف عند الباب وخرج منها شاب ومعه سيدة لاتصلح أن تكون
قرينة له بل تبدو وكأنها أمه وقام (لوسيانو) رئيس الخدم بتحيتهم وارشادهم
لدخول القصر فأكملت سيرها وهي مستغربة أن يأتي المدعوون باكرا هكذا وهذا
يعني أنهم فعلا معتادون عليهم كثيرا وفكرت ربما يكون ذلك الشاب هو (أندريه
ديميتريوس) وأمه.......
جابت
الحقول الواسعة وتأملت الأزهار الجميلة فرأت زهرة بنفسجية فاتنة فقطفت
إحداها واشتمتها بفرح ثم وضعتها في شعرها......لاتعلم كم من الوقت ظلت تسير
وشعرت فعلا أنها ابتعدت كثيرا عن القصر وندمت لأنها لم تحضر معها
جوادا...شعرت بتعب شديد فقررت أن ترتاح تحت شجرة ما....ومن استغرقت في
النوم ولكنها صحت على صوت غراب يصدر صوتا مزعجا فشعرت بالفزع وتساءلت كم من
الوقت نامت هنا ولكن الشمس كانت لاتزال مشرقة , ثم شعرت بحركة في الأوراق
المتشابكة التي أمامهاوظلت متوجسة الى أن وجدت بندقية مصوبة ناحيتها فصرخت
مذعورة قائلة :
"لا توقف!!!......توقف!!!..."
ونهضت
واقفة ولكن قدماها لم تحتملاها فترنح حتى أمسكتها ذراعان قويتان وأحاطتا
بجزعها فتماسكت وشعرت بدوار خفيف ولكنها سمعت صوت الرجل الذي يسندها قائلا
قائلا:
"ياإلهي
لم أظن أبدا أن أجد فتاة نائمة هنا.....ظننتك غزال وكنت أهم بصيدك فلا أحد
يمكنه أن ينام هنا....لولا أنك صرخت فلم أكن لأعرف أنك هنا....لاأظن أن
غزال سيقول توقف....توقف!!!!..."
وسمعت
ضحكة رقيقة فرفعت رأسها لتنظر له......كان أطول منها بقليل بشرته بيضاء
بياضا ناصعا وشعره كستنائي انفلق عند وسط رأسه لينساب على الجهتين بتماثل
ولكنه كان مشعث قليلا نتيجة للقفزة السريعة كانت عيناه لازورديتان فاتنتان
وحالمتان لأقصى درجة وتحت أنفه البارز كانت تقبع ابتسامة رقيقة حالمة
جميلة.......كان باختصار فاتن للغاية فنظرت اليه ببرود لأنها عرفت أنه
ابن(آنا) السيد (ألفريدو) لأنه كان يشبهها فعلا لحد رهيب وعرفت لما تدلهت
(فلوريا) في هواه ولما أغرمت معظم الفتيات به فلايمكن لأحد أن يقاوم سحره
ولكنها دفعته بقوة وقالت له:
"كدت تقتلني ذعرا ياسيد (ألفريدو) !!"
فاكتسحت وجهه الصدمة بطريقة سينمائية وقال مذهولا :
"
هل أعرفك؟!.....لو رأيتك من قبل لكنت قد تذكرت بالطبع فلا يمكن أن أنسى
امرأة رائعة الجمال هكذا وحادة الطباع أيضا.....كيف عرفت أني
(ألفريدو)؟!.... "
"لاشئ .....لاتهتم.....عرفتك من صورة السيدة (آنا)..!!"
"آه هل رأيت أمي.....لكنك لم تخبريني بعد من تكونين..."
"أنا (أنجيليتا خوسيه) وأعمل في الإسطبل"
فضحك بمرح وقال :
"إذن
انت هي الكولومبية...ياإلهي مايقولونه عنك صحيح فانت جميلة فعلا وتعرفين
كيف تظهرين جمالك....إن لتلك الزهرة التي تضعينها في شعرك وقع مدمر علي
وشعرك الأسود الرائع.....لا أظنني رأيت شعرا بهذا السواد في
حياتي.....دعيني ألمسه من فضلك"
وهم بامساك أحد اطراف شعرها فدفعته بغضب وقالت :
"انك تشبة السيدة(آنا) ولكن لا يبدو لي أنك ورثت عنها أي شئ من اللباقة والإحترام"
"ماذا
تقولين؟!....ومن أين تعرفين أمي لتقولي هذا....على أي حال آسف إن كنت
أزعجتك ولكنك فعلا عصبية لحد رهيب.....ألا تخافين أن أطلب من والدي ألا
يقبل عملك عنده لأنك عاملتني بجفاء ؟!...."
قال هذا بمرح وكأنه يحكي عن مسرحية كوميدية فقالت ببرود:
"وهل تغازلني وتتوقع مني أن أتقبل ذلك لمجرد أنني أعمل عندك.....إذن فلتعلم أنك مخطئ"
كانت
تشعر أنها ضاقت ذرعا بتكبرهؤلاء القوم فقررت أن ترد لهم الصاع صاعين وشعرت
في قرارة نفسها أنها لن تنال منه أي أذية بل شعرت بأنه يبدو رقيق القلب
وضحك بطرب وأحضر جواده الذي كان قد لحق به وقال :
"يبدو
أني أخفتك فعلا لأثير غضبك هذا لكن لاتهتمي...تبدين شاحبة للغاية وكأنك
على وشك الإغماء أرجو منك أن تركبي على جوادي فلا يمكنك أن تعودي الى القصر
سيرا على الأقدام وأنت بهذة الحالة.....هيا أصعدي....من فضلك هيا فلن
أعضك..."
وساعدها على الصعود وكانت تشعر فعلا بإعياء شديد وربط بندقيته في جواده ثم نظر إليها بابتسامة ساحرة وقال :
"على
الرغم مما قلتيه فأنا أظن أنك كنت مستمتعة فعلا بمغازلتي....كما لن
تستطيعي منعي من مغازلتك وقول كل مايأتي ببالي فهذا طبعي ولن أستطيع تغييره
مهما فعلت "
وحينها
شعرت أن رأسها يكاد ينفجر غيظا ورأته منشغلا بأن يحكم ربط حزامه الذي يبدو
أنه تراخى مع كل تلك الحركات فدفعت الحصان الى الركض سريعا وقالت في نفسها
غاضبة:
(إذن فليعد الى البيت هو سائرا فلن أحتمل أن يركب ورائي ويكمل كلامه الوقح معي وليذهب الى الجحيم!!!!......)
وقف
(ألفريدو) مذهولا لماحصل فلم يصدق أن تثار ثائرتها لدرجة أن تأخذ جواده
هاربة وتتركه وكأنها تعاقبه ولايدري ماهو السبب ولكن ذلك جعله ينفجر مقهقها
بصوت عالي فلم يتخيل أن أي امرأة في هذا العالم يمكن أن تعامله هكذا فهو
معتاد على الإعجاب الدائم من الفتيات من حوله ولكن لقاءه بتلك الفتاة سيبقى
في ذاكرته طوال العمر وفكر قليلا....لابد أن (أندريه) قريب بجواده من هنا
فظل يصفر في كل ناحية ومالبث بعد قليل أن سمع جوادا يقترب منه ورأي
(أندريه) قادما وهو يقول :
" ماذا؟!...هل أصطدت شيئا؟!..."
ولكنه وجده خاوي اليدين دون بندقية أوفرس فقال له :
" ماذا حصل ؟!....لايمكن أن تكون قد تعرضت للسرقة؟!..."
فزاد هذا من رغبة (ألفريدو) في الضحك وقال له :
"الواقع لم أكن الصياد هذة المرة بل كنت الضحية !!!!.."
وامتطى الحصان وراء (أندريه) ثم حكى له ماحصل فرد (أندريه) بعد أن فرغ (ألفريدو) من حكايته :
"يالها من فتاة غريبة فعلا..... ولابد أن تنال عقابها!!..."
فلم يرد عليه (ألفريدو) وبقي ساهما يفكر.........
عادت
(أنجيليتا) الى القصر ولاحظت أن سيارة أخرى قد أتت الى القصر فعلمت أن
الأسرة الأخرى قد أتت كذلك وكانت طيلة طريق العودة تفكر فيما حصل لها وما
ستكون نتائج تصرفها الفظ مع سيدها الشاب ولكنها اندهشت لأنها في داخلها
أحست أنه لن يؤذيها ولكنها لم تستطع أن تطمئن ودخلت الإسطبل ووضعت الفرس
مكانه واهتمت به وعادت الى غرفتها تفكر فيما وقع حتى سمعت والدها يتحدث الى
السيدة (سوزي) بالخارج فخرجت لملاقاتهم فقال الأب في اندهاش :
"أوه
هل عدت يا أبنتي من نزهتك....لم أعلم بذلك.....جاءت السيدة (سوزي) لتسأل
عنك فأخبرتها بأنك لم تعودي بعد.....لما تأخرت هكذا ياعزيزتي؟!..."
"آسفة يا أبي....كنت أتمشى فسرقني الوقت...تعالى ياسيدتي لنتكلم قليلا"
وبمجرد
أن دخلتا الغرفة وأغلقت الباب حكت لها عن كل شئ فاستاءت (سوزي) كثيرا من
تصرفها ووصفته بأنه وقاحة شديدة كان عليها ألا تفعلها مهما أسئ اليها فهو
سيدها كما أضافت أن (ألفريدو) يحب المزاح وإطراء من حوله وقالت في لهجة
رقيقة "كما أنه لم يكذب فأنت ساحرة الجمال ياعزيزتي ولابد أن تسلبي لب أي
شاب يراك" فشعرت (أنجيليتا) بالحرج الشديد وفكرت أنه ربما يخبر والده
(فرناندو) ذلك الرجل القاسي وقد يؤذي والدها أو يهينه لقاء مافعلت فخرجت
لتصحح مافعلت ولكنها وجدت نفسها قد تأخرت كثيرا فلقد طلب السيد (فرناندو)
والدها لمكتبه وعلمت من الخدم الآخرين أن السيد (ألفريدو) عاد وهو في مكتب
والده كذلك فغاص قلبها وأسرعت الى مكتب السيد (فرناندو) غير عابئة
باعتراضات (لوسيانو) الى أن وصلت الى الباب وهمت بالإقتراب والطرق فوقه
لكنه فتح فجأة وخرج منه (ألفريدو) ونظر اليها مدهوشا ونظرت اليه هي بحرج
وظل الإثنان يحدقان في بعضهما وقتا طويلا.....بدا على (ألفريدو) الجد
والتأمل فشعرت أنه سيقول لها شيئا لن يعجبها فاقتربت منه وكادت تهم بالكلام
لكنه رحل وتجاهلها تماما فحزنت حزنا رهيبا وأحست فعلا أنها ارتكبت خطأ لن
يغفره أبدا بل وشعرت أنه ليس طيبا كما قال لها حدسها بل هو فعلا قد ورث
الكثير من صفات آل (فان دييجو) ومالبث أن خرج والدها من مكتب (فرناندو)
ولكن لدهشتها لم يبدو عليه أي ضيق بل وقال عندما رآها:
"(أنجيليتا) ؟!......ماذا تفعلين هنا يابنيتي؟!...."
"ماذا تفعل انت هنا؟!....ظننت أن السيد (فرناندو) استدعاك ليهينك فقررت أن آتي لأدافع عنك"
فابتسم (خوسيه) بحنان وقال:
"يا
حبيبتي كم انت طيبة القلب....لكنك نسيت أني أقوم بواجبي على أكمل وجه وليس
هناك مايهينني عليه بل لقد استدعاني لأن السيد (ألفريدو) أقترح أن يحضر
نوعا من الخيول الإسبانية لنقوم بتزويجها للخيول التي عندنا لعلنا نحصل على
نوع أصيل لامثيل له وطلب رأيي في هذا......أتعرفين أن (ألفريدو) هذا شاب
لطيف للغاية لقد كان في غاية اللطف معي , استطيع القول أنه لايشبه والده في
شئ مطلقا.....أتصدقين أنه تحدث عنك في أثناء حديثنا.....لقد قال أنك جيدة
تجيدين الخيل.....هكذا قال أمام والده فزاد إيمانا بي وبعملنا أنا وأنت"
عندما
سمعت (أنجيليتا) كلام والدها شعرت بالدوار وعلمت أنه كان يسخر منها دون أن
يدري والدها وإلا لما ذهب هكذا دون قول كلمة لها ولكن غريب ألا يتطرق الى
مافعلته ويغطي عليها مع أن كانت له الفرصة كاملة وحمدت ربها بشدة أنه لم
يفعل.......
كانت
المأدبة كبيرة جدا عليها جميع أصناف الطعام وهناك في أقصي اليمين حوالي
ثمانية أشخاص يشكلون فرقة موسيقية يعزفون من أجل المدعويين مع أن عددهم لم
يتعدى العشرة , كان السيد (فرناندو) على رأس الطاولة يتحدث برسمية وبصوت
جاد بارد وكان قلما يبتسم وجلست السيدة (ساندرا فلاديمير) على يمينه وهي
تتكلم بتكلف وإنفة مع (جابريلا ديميتريوس) والتي كانت تقابلها فهي لم تكن
تحبها مطلقا وحمدت ربها أن (أندريه) ابن عائلة (ديميتريوس) لم يفكر في
الزواج من ابنتها (فلوريا) لأنها ماكانت لتقبل به أو بأمه وجلس (ألفريدو)
يطلق النكات ويتحدث بمرح شديد (لفلوريا) التي أمامه ولأخته التي تجاورها
وبقي (أندريه) الى جانبه صامتا يحدق بهيام في (سيسل) أخت صديقه وكانت في
بداية الجلسة تبادله بعض النظرات وتبتسم بأدب ولكنها شعرت أنه زاد عن حده
فبدأت تتجاهل نظراته كليا ولكنه لم يستطع أن يمنع نفسه من التحديق بها وبكل
لفتة أو حركة منها ولم يستطع التركيز في أي كلمة من كلام (ألفريدو) لأنه
كان مشغولا بها وكم كان يحز في نفسه أنها لم تبادله نفس الإهتمام وحانت
لحظة الرقص فنهض (ألفريدو) على الفور وراقص السيدة (ساندرا) وراقص
(فرناندو) (فلوريا) الصغيرة وراقص بعدها السيدة (جابريلا) ونهض (أندريه)
وطلب من (سيسل) الرقص معه فلم تستطع أن تعترض وظلا يرقصان سويا فترة طويلة
دون أن تأتي الجرأة (لأندريه) على أن يقول كلمة واحدة , كان كلامه في عينيه
ولكنها لم تفهم تلك اللغة وظلت تحدق في أخيها (ألفريدو) وهو يضحك ويرقص مع
هذة وهذة بينما هي عالقة مع هذا الصامت حتى شعرت بالضجر ولكن مالبث أن ضغط
على يدها بشدة فنظرت اليه وقال لها وكأنه كان يستجمع أطراف صوته :
" هل يكنني أن أتحدث معك قليلا......على انفراد؟!...."
فقالت بدهشة :
" أجل لابأس"
وشدها
من يدها في اتجاه الحديقة حتى وصل الى جذع شجرة كان قابعا في الطريق يشكل
مجلسا لشخصين متلاصقين فجلسا عليه وظل صامتا فترة من الزمن حتى قالت هي
بضجر:
"لابد أن السيدة (ساندرا) ستحكي لنا عن رحلتها الى واشنطن بعد قليل..."
فلم يرد وسكت دهرا ثم نظر اليها بتمعن شديد حتى شعرت بالحرج ثم قال فجأة :
" أنا أحبك"
فذهلت
(سيسل) وشعرت بإحراج شديد ولم تدري ماذا تقول أو تفعل وتمنت لو أن أخها
يلحظ اختفاءها ليأتي لينقذها من صديقه هذا ولم تدري هل تواجهه أم ماذا ثم
قالت محالة لكسب المزيد من الوقت :
"هذة مفاجأة لم أتوقعها حقا.....كما لم يلمح لي (ألفريدو) بشئ "
" (ألفريدو) لايعرف....لم أخبره شيئا....الواقع لم أصرح لأحد حتى لنفسي.....ولكنني أريد أن أعرف حقيقة مشاعرك.....بصراحة"
"هل أحببتني لأني شقيقة صديقك؟!....."
"تعلمين
أنه لا يمكن أن يكون السبب كما لا أريدك أن تجامليني أوتدعي بوجود مشاعر
لديك لمجرد أنك لا تريدين جرح مشاعر صديق أخيك الحميم.....فإن هذا لاعلاقة
له بصداقتي (لألفريدو) كما أنني أحب الصراحة في هذة الأمور"
فاحمر وجهها خجلا وكأنه قرأ جميع أفكارها وظلت صامتة تتلاعب بالخاتم الذي بيدها منتظرة عون السماء لكنه قال بعد صمتها بشكل مفاجئ :
"هل هناك شخص آخر؟!...."
فأجفلت وانتفضت من مكانها ونظرت اليه بدهشة وعندما اطمئنت أنه مجرد تخمين وليس معرفة بالحقيقة قالت بعد أن وجدت أنه خلاصها الوحيد :
"
الواقع نعم....هناك شخص آخر.....وليست المسألة لها علاقة بك فأنت شاب رائع
يا (أندريه) وأظن أن أي فتاة في الدنيا كانت تتمنى مشاعرك.....ولكن لأسف
تضيعها على الفتاة الخطأ"
فشعرت
أنه تحول الى تمثال متحجر بعد كلماتها لم يحرك ساكنا بل كادت تجزم أنه لم
يتنفس ولم تجرؤ على النظرالى وجهه ولم تدري كم لبثا جالسين دون أي كلمة
ولكنه نهض فجأة وقال:
".....هيا
بنا لابد أنهم يتساءلون عن مكان وجودنا الآن" فنهضت مسرعة وما لإن وصلا
معا حتى قال (ألفريدو) " هاي أين كنتما أنتما الإثنان لقد فاتتكما أجمل
رواية ولكن لا ياسيدة (ساندرا) لا تعيدي شيئا منها حتى يتعلما ألا يغادرا
فجأة هكذا "
ضحك
الجميع على كلام (ألفريدو) لكن (فرناندو) نظر الى ابنته في أمل ولكنه
وجدها قد بدى عليها الحرج بينما وقف (أندريه) ووجهه شاحب بشدة فعرف أن
الخطة التي رسمها لم تنجح وأن (أندريه) لن يكون (لسيسل) فشعر بالغضب يجتاحه
وفي هذة اللحظة كانت (فلوريا) قد استغلت غيابهما وجلست الى جانب (ألفريدو)
وظلت تتدلل عليه قدر إمكانها وتضع يدها على كتفه كحركة لكسب وده بين
الفينة والأخرى ولكنه كان دائما يمرح ويضحك ولايهتم لحركاتها تلك مما جعل
غضب (فرناندو) يتضاعف وهكذا اضطر (أندريه) الى الجلوس بجانب (سيسل) ما تبقى
من الليلة ولم يتبادلا كلمة واحدة طوال الأمسية بينما وقفت (أنجيليتا)
تراقبهم من خلف أحد الأعمدة ورأت أن (فلوريا) رائعة الجمال جدا واستغربت
عدم انتباه (ألفريدو) اليها كما أعجبها مرح (ألفريدو) وحديثه الشيق الذي لا
ينتهي وأعجبها كذلك الصداقة القوية بينه وبين (أندريه) كانا يبدوان
وكأنهما أخوان ولدا بنفس اليوم وعاشا نفس الأحداث بل وأحيانا كانا يقولا
نفس الجمل أويقول أحدهما نصفها ويكملها له الآخر ولكن (سيسل) لم تعجبها
مطلقا وعذرت (أندريه) أنه لم يبادلها كلمة........
كان
(ألفريدو) بعد مع حصل يراقب (أنجيليتا) ليل نهار دون أن تراه.....يراها
وهي تحادث هذة وتضحك مع هذة تحمل هذة بحركة رشيقة وتدلل هذة ,
تضحك.....تعبس...تقفز....تركض.... ما هذا الذي يحدث لي؟!....- هكذا حدث
نفسه - أنني أراقبها دون سبب واضح وتواصل كامل أراقب حركاتها أفكارها صوتها
كلماتها لكل من حولها.....أحلل كل كلمة لأخرج منها صفة ما قد تكون جزءا
ليكمل صورة شخصيتها بداخلي.....هنا جريئة....هنا شجاعة....هنا حادة....لا
ليست حادة.....لا يمكن لهذا الجمال أن يكون حادا...إنها مجرد لحظة غضب
لها....هنا فاتنة... هنا رقيقة....هنا عاطفية ....أجل إنها دائما عاطفية
هكذا هي قلبها بجمال وجهها....روحها بفتنة عينيها أجل هي....هي من كنت أبحث
عنها طوال حياتي...هي المياة التي كنت أنتظر أن تجري في وديان قلبي
المقفرة.....هي الوحيدة التي يمكن أن تكملني.....ولكن كيف؟!....كيف
هي؟!.... ولما هي؟!.....هي بالذات.......
في
تلك الأيام كان (ألفريدو) يسلم قلبه شيئا فشيئا لها ويتركها تغزوه في
خطوات ثابتة فما لبث يفكر في لقاءهما سويا يتذكر كل رؤية من عينيه لها كل
لفتة كل تكشيرة أعتلت وجهها وعندما سقطت بين يديه....يذكر كلماتها حرفا
حرفا ويحلل ويحلل حتى يلصق بها مايعجبه ويطرد عنها وعن صورتها في داخله
مالا يعجبه..... وعلم أنه لن يحتمل أن يبقى في الخفاء مدة طويلة بل
يجب...أن يواجهها.....على الفور.......