منتديات التاريخ المنسي
<div style="text-align: center;"><img src="https://i.servimg.com/u/f27/11/57/48/93/m0dy_n10.gif"><br></div>


منتديات التاريخ المنسي
<div style="text-align: center;"><img src="https://i.servimg.com/u/f27/11/57/48/93/m0dy_n10.gif"><br></div>

منتديات التاريخ المنسي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات التاريخ المنسيدخول

التاريخ المنسي


رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد
4 مشترك

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر - صفحة 2 Emptyرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

المقدمة:



بين
أسراب زهور ذات لون ذهبي......ولد حب ربط بين إنسانين.....ربط روحيهما مع
نفحة من رحيق تلك الأزهار وخلد أسميهما.......بين ثنايا التاريخ قصة لقلوب
غزاها الغرام فلم يهزم ولم يطويه الموت في ظلاله.....

وجاء الشتاء ليرسل رياحه العاتية لتطيح بما تلاقيه ......رياح القدر المليئة بلعنات قلوب حاقدة لتطير أوراق الزهور الذهبية ....
لكن
إذا كان الحب هو الذي يربط إنسانا وآخر إذا فلطالما كان الإنسان حيا لا
يستطيع أن يتوقف عن الحب بل يزداد حبه كل صباح حتى يأتي اليوم الذي يموت
فيه

إذا
كان الحب يعني أن ترتبط روحا اثنان حتى لو فرقهما الموت وأصبح كل في
عالم.....يبقى الحب حتى وإن ذهب المحبان....فالحب إذن هو إكسير الحياة.....

وهنا
قصة قلبين أزهر حبهما بين أسراب الزهور الذبية التي نبتت مع حبهما وهو
ينمو ويزدهر الى أن أصبح قوة تقف في وجه رياح الشتاء المظلم وبقيت تلك
الأزهار شاهد على حبهما


.......الزهور الذهبية....





||| الشخصيات |||




قصر (كازابيانكا) :

تعيش فيه اسرة (فان دييجو) ......


أسرة (فان دييجو) :


1- (فرناندو) : هو رئيس الأسرة والرجل الأكثر نفوذا في المنطقة وهو والد (الفريدو) و (سيسل)

2- (الفريدو) : الأبن الأكبر للسيد (فرناندو) وهو المسئول عن إدارة أملاك الأسرة كما أنه الوريث الشرعي (لفان دييجو)

3- (سيسل) : أخت (الفريدو) وابنة (فرناندو)


4- (آنا) : الأم الراحلة لكل من (الفريدو) و (سيسل) وزوجة (فرناندو)

5- السيدة (سوزي) : هى المربية الأساسية (لالفريدو) التي عاشت معه منذ ولد وعاشت مع السيدة (آنا) طويلا وتعتبر (الفريدو) كابن لها....


6- (لوسيانو) : هو كبير الخدم والمتحدث الرسمي باسم السيد (فرناندو) ...


7- (أنجليتا خوسيه) :هي بطلة القصة وهي من أصل كولومبي مدربة ماهرة للخيولالأصيلة وامرأة ذات جمال أخاذ نادر , رقيقة تتمنى السعادة وتحب والدها بشدة....

8- (خوسيه) :هو السائس الخاص بأسرة (فان دييجو) والمسئول عن الإسطبلات ومدرب الخيول وهو والد (أنجليتا)


قصر (روزانيرا) :

تعيش فيه عائلة (فلاديمير)

عائلة (فلاديمير) :


1- السيدة (ساندرا) :هي رئيسة الأسرة وهي أرملة لصديق قديم وعزيز للسيد (فرناندو)

2- (فلوريا) :هي البنة الوحيدة للأسرة الصديقة الوحيدة (لسيسل) وصديقة (الفريدو) منذ الصغر

3- (روبرتو) :هو أحد أقرباء الأسرة من بعيد أبواه يعيشان في أمريكا وهو لا يعتبر ثريافثراءه الوحيد هو علمه...


قصر (لوتشى أورو) :

تعيش فيه أسرة (ديميتريوس)

عائلة (ديميتريوس) :


1- (اندريه) :هو رئيس الأسرة على الرغم من صغر سنه وهو الصديق الحميم (لالفريدو)

2- (جابريلا) :هي والدة (اندريه) التي تؤمن بابنها وبذكاءه وتترك له أعمال الأسرة جميعا.

قرية أسترا : هي القرية المجاوري لأراضي القصور الثلاثة وتعيش فيها (نيلا) صديقة (أنجليتا) الحميمة







الفصل الأول



[[ القصور الثلاثة [[





إيطاليا – ميلانو – عام 1870 م



مع
نسمات إبريل الهادئة حيث الشمس ترسل أشعة كخيوط ذهبية تصل السماء بالأرض
...... إنطلقت عربة مكشوفة يجرها جوادان , عربة ذات اطار خشبي مطلي باللون
الأحمر حيث طلي كرسي السائق بنفس اللون وكان اللون في تعاكس صارخ مع لون
الخشب البني القاتم وهناك جلس بعض الفلاحون الإيطاليون الذاهبون في اتجاة
قرية (أسترا) الواقعة خلف التلة الخضراء من الجهة الغربية ومنهم من جلب معه
بعض أزواج من البط البري التي كانت تصدر صوتا عاليا يعيق نوم رجل عجوز في
مقدمة العربة , كان يسند رأسه على القش الأصفر اليابس الموضوع في هذا
المكان والذي كان رطبا بعض الشئ ....كان واضحا أن الرجل العجوز ليس من
إيطاليا على الإطلاق فلقد كان كولومبي الأصل ذو بشرة داكنة مائلة للحمرة
وشعره أسود كثيف تتخلله بعض الشعيرات البيضاء في مقدمة رأسه , كان يحاول
عبثا أن ينام لعله لايشعر بطول الرحلة الى قصر مخدومه فلقد أتى مع ابنته من
بلاد بعيدة نسبيا لأن السيد (فان دييجو) قال أنه سيدفع له راتبا لابأس به
وكان يحمل معه ابنته البالغة من العمر أربع وعشرون عاما والتي كانت تجلس
الى جانبه تتبادل حديثا طويلا مع الفلاحة التي تجاورها , كانت ابنته رائعة
الجمال يكاد يجزم أنها أروع امرأة كولومبية عرفها فلقد ورثت الجمال عن امها
, هكذا حدث نفسه بافتخار.....وعلم أن طبعها الفضولي لابد وأن يضغي عليها
فتناهى الى مسامعه اطراف من حديثها مع تلك الفلاحة التي لم تلاحظ اختلاف
لهجتها فلقد كانا يتحدثان الإيطالية بطلاقة وهذا لأنهم خدموا من قبل في وقت
نشأة ابنته (أنجيليتا) في بيت ايطالي فتربت (أنجيليتا) تعرف اللغتين
وتتقنهما اتقانا تاما وسمعها تسأل الفلاحة :


"إذن فقرية (استرا) هي القرية الوحيدة في هذة المنطقة المتطرفة من شرق ميلانو!! ولكن ماذا عن عائلة (فان دييجو) هل سمعت عنها ؟!..."


"أجل إنهم أصحاب قصر (كازابيانكا) الموجود في الجهة الشرقية من التلة لقد اقتربت العربة منه كثيرا "


"أهو القصر الوحيد هنا في هذا المكان ؟!.."



"بل
يجاوره قصران لعائلتي (فلاديمير) وعائلة (ديميتريوس) حيث يقع قصر عائلة
(فلاديمير) والذي يسمى (روزانيرا) في الجهة الغربية من (كازابيانكا) وهما
قريبان من بعضهما في حين يبعد قصر عائلة (ديميتريوس) والذي يسمى
(لوتشيأورو) قليلا عن أراضي القصرين بحوالي أربعة أميال ولكن هذا لايمنع
الصلة الوثيقة بين الثلاث اسرات كما أن كثير من عائلات خدم القصور الثلاثة
يعيشون في قرية (أسترا) والحق يقال أن قصر (كازابيانكا) هو أجملهم كما أن
السيد (فرناندو فان دييجو) رئيس الأسرة صاحب أكبر نفوذ هنا وهو الأغنى أيضا
والأكثر رفعة في المكانة ولكنه ازداد قسوة بعد موت زوجته (آنا)....لقد
كانت امرأة طيبة للغاية تساعد المحتاجين كما كانت فاتنة الجمال وذات عينان
لازورديتان فاتنتان وعلى الرغم انها انجبت ابن وابنة إلا أن ابنتها لم ترث
شيئا من جمالها بل لا أعتقد أنها تشبهها البتة أوهكذا يقال...بينما ورث
ابنها الأكبر كل ما لها....عيناها,ملامح وجهها,شعرها الكستنائي وطيبة قلبها
مما جعله هدفا لكل الفتيات النبيلات في المنطقة وخارق المنطقة.....وأظن أن
السيدة (ساندرا فلاديمير) الأرملة تريد تزويجه من ابنتها (ڤلوريا) الوحيدة
لتضمن لأبنتها معيشة هانئة ماتبقى من حياتها......كم أتوق الى حفل زفافهما
لابد وأن يكون أجمل حفل عرفه التاريخ...."



فابتسم
(خوسيه) الكولومبي العجوز وأكمل نومه وبعد ذلك بساعة ونصف كانا قد نزلا من
العربة وودعت ابنته (أنجيليتا) الفلاحة واعدة إياها بزيارة في القرية في
وقت قريب وتقدم الكولمبيان (خوسيه) وابنته الي أعتاب أراضي قصر
(كازابيانكا) ...كانت حديقته جميلة ذات طرقات متفرعة ممتلئة بالأزهار
ومجهزة لأستعمال الخيول وكان الخدم في كل مكان معظمهم ايطاليين وماإن وصلوا
الي النافورة التي تسبق بوابة القصر الرئيسية والتي كانت من الرخام
المتعدد الألوان والتي يتوسطها تمثال رائع لعاشق نبيل يقبل عروس بحر خارجة
من مياة النافورة بشكل رومانسي جميل وكان القصر مليئ بالحجرات وتوجد الى
جانبه بيوت ذات طابق واحد أوطابقين للخدم ومايتعلق بهم وملحق بهم مبنى كبير
للإسطبلات التي تحوي العديد من الخيول الأصيلة المتنوعة والتي ستكون مهمة
(خوسيه) وابنته..... قادهم رئيس الخدم الى الغرفة الخاصة بصاحب القصر
لعائلة (فان دييجو) السيد (فرناندو) .....عندما نهض (فرناندو) من كرسيه
تقدم بخطوات ثابتة متعالية نحو خادمه الجديد (خوسيه) وعامله بتكبر واضح
ذاكرا ماهي مهمته في الإعتناء بالخيول الأصيلة وتزويجها للحصول على سلالة
متميزة فهو يحضر افضل الخيول من مختلف أنحاء العالم كما أحضر حصانا جديدا
غير مروض لأبنه الأكبر الذي ناداه (ألفريدو) وطلب من (خوسيه) أن يروضه فقال
العجوزبلهجة ودودة :


"لقد دب الشيب في رأسي ياسيدي ولم أعد أفعل ذلك لكني واثق أن ابنتي الوحيدة (أنجيليتا) ستتولى هذة المهمة عن طيب خاطر....."

وهنا
نقل (فرناندو) عيناه ببرود تجاة الفتاة الفاتنة التي تقف الى جانب أبيها
فابتسمت له وحيته بخجل فلم يرد لها تحيتها بل قال بصوت قاسي :



"لا يهمني من الذي سيفعل , المهم أن تنفذ ما أقوله لك والآن سيريك (لوسيانو) مكان اقامتك"


وكان
(لوسيانو) هو رئيس الخدم في (كازابيانكا) كما كان ذات سلطة قوية فلقد كان
يتولى كل أمور السيد والمتحدث الرسمي بأسمه والذي يحل محله في بعض الحالات
الخاصة وكان جميع الخدم يهابونه ويعملون له ألف حساب وحمل الكولومبيان
حاجاتهما وذهبا لإكتشاف حجرتيهما.......




بعد
مغادرة (خوسيه) و (أنجيليتا) عم الهدوء غرفة (فرناندو) من جديد الذي ظل
ينظر الى جهة واحدة دون أن تطرف عيناه فلقد تذكر أن اليوم قد أقام مائدة
كبرى يجمع فيها افراد عائلة (فلاديمير) وعائلة (ديميتريوس) حين يجمع
الأولاد ويستطيع أن يفاتح ابنه بصراحة مطلقة عن رغبته في تزويجه من
(فلوريا) ابنة الأرملة (ساندرا فلاديمير) وصديقه الراحل (فرانسوا) وقد يضرب
عصفوران بحجر واحد ويري ماستؤل إليه الأمور مع ابنته الأخرى (سيسل) فقد
يعرض عليها (أندريه) الإبن الوحيد لعائلة (ديميتريوس) الزواج وسيكون هذا
أفضل مايمكن أن يحدث له فسوف يبني امبراطورية كبيرة وتدخل أملاك الأسرتين
العريقتين في أملاكه سيكون سيد المنطقة دون أدني شك كم حلم طويلا بجمع
الأسرتان ليكونا تحت امرته فلقد كان كل مايهمه الثراء والسلطة وبعدهما يأتي
الطوفان وفكر في نفسه بسخرية كم فرح لموت (آنا) زوجته والتي كانت عاطفية
تؤمن بالحب وبتلك الأشياء السخيفة ونقل عيناه لتقع على كرسي في أقصى الغرفة
قريب من المكتبة وقال محدثا نفسه كانت تجلس في هذا المكان دائما تطالع
رواية رومانسية للقرون الغابرة وكانت حينها عيناها تصفيان وتصبح رائعتان ,
تينيك العينين اللازورديتان ....فشعر بغصة في حلقه إذ تذكر أنها اشبعت رأس
ولديه بتلك الأفكار السخيفة والأقوال المهترئة والتي لاتلبث أن تجعل سيطرته
عليهما صعبا فلم يكن الزواج بالنسبة له سوى لتحقيق مصالح لطرفين الرابطة
حتى اتخذ عنده طابعا تجاريا محض وكان من السهل السيطرة على (سيسل) ابنته
فهي تميل اليه أكثر والى أفكاره ولكن المشكلة عنده كانت في (ألفريدو) ذلك
الشاب الطائش والذي من المفترض أن يستلم زمام امبراطوريته التجارية
والإجتماعية ولكن لم يبدو أبدا على استعداد لذلك.......




لم
يمضي وقت طويل على الكولومبيان -أوهكذا كان يسميهما الخدم- حتى شعرا
بالراحة في المنطقة وبدأا يمارسان عملهما بشكل جيد وكان الجميع يشيد بجمال
(أنجيليتا) وأدبها وأخلاقها الفذة فلقد كانت ذات طباع سامية تحب مساعدة
الجميع متفائلة وخفيفة الظل باختصار كانت تدخل البهجة على قلوب الجميع من
حولها فلقد كانت فاتنة في ريعان شبابها زهرة ناضرة تنتظر من سيقطفها ولم
تكن قد رأت أحدا من سادتها غير السيد (فرناندو) وكان رويته كافية لتنفرها
من الأسرة أجمع فلم تكن تميل اليه بل كانت في داخلها تكرهه وتكره أن يعامله
أبوها بخنوع شديد هكذا وبدأت الخادمات الشابات يخبرنها عن كل مايدور في
هذا البيت فعرفت أن الإبن الأكبر (ألفريدو) شاب وسيم لأقصى حد وعيناه هما
سر جماله و عينيه لازوردية تجعل أي فتاة تسقط صريعة لحبه كما كان جيد
الطباع حسن المعشررقيق القلب وكان يحب الشعر ويعزف الجيتار بطلاقة وكان
صديقا حميما (لأندريه ديميتريوس) منذ الصغر ولعل هذا هو الذي شجع (أندريه)
على أن ينظر بعين عاشقة لأخت صديقه الحميم (سيسل) ولكن تلك الأخيرة لم تكن
تبادله أدنى ذرة من العاطفة بل كانت تميل الى زميل لها في الجامعة وهو قريب
في الواقع لعائلة (فلاديمير) ويدعى (روبرتو) ولكنه لم يكن يأتي كثيرا
للدارفكانت تكتفي بارسال رسائل له بين الحين والآخر لتعرفه بكل مايجري هنا
وتعطيه لصديقتها الحميمة الخطيبة المستقبلية (لألفريدو) وهي (فلوريا
فلاديمير) وكان هذا طبعا دون علم والدها ولكن الجميع كان يعلم أن (أندريه)
كان أفضل عريس لها وكان أفضل خلفا وعلما منه كما كان ذات شأن عنه ومهابة
ولكن قلب (سيسل) لم يكترث لهذا أبدا.........




فابتسمت
انجيليتا وهي تسمع هذا وخرجت من المطبخ بطريق مختلف لاتؤدي الى الحديقة
مباشرة بل تؤدي الى ممرات القصر وظلت تفرج على التحف واللوحات لأفراد
الأسرة على مر العصور حتى وقعت عيناها على صورة امرأة شقراء فاتنة للغاية
عيناها لازوردية تبتسم لتضيف لسحرها سحرا آخر فظلت تحدق بها مدهوشة وقالت
بشهقة إعجاب :


"كم هي رائعة"

فسمعت صوتا من خلفها يقول :


"هذا أكيد فهي أمي (آنا ڤان دييجو) "


فاستدارت
(أنجيليتا) لترى محدثتها وكانت شابة في مثل سنها شعرها بني داكن لكنها
كانت عادية الجمال وعرفت على الفور أنها (سيسل فان دييجو) كانت تحمل عينا
والدها الباردتان التي تحدق بأي شئ أدنى منها بكبرياء واحتقار لاذع وقالت
لها دون أن تحيها :



"والآن وبعد أن انتهيت من التطلع لصور أفراد عائلتنا الأفضل أن تعودي لعملك "


فرحلت
(أنجيليتا) مسرعة شاعرة بالإحراج فهي لم ترتح (لسيسل) كذلك هل أفراد هذة
الأسرة بهذا البرود والتعالي ؟!....وعادت الى المطبخ مجددا لأنها لن تستطيع
الخروج من الباب الرئيسي وقابلت السيدة (سوزي) وهي رئيسة الخادمات
والمربية التي ربت أبناء السيد (فرناندو) منذ ولدا لقد كانت سيدة طيبة
للغاية سمينة وقصيرة ولكنها ذات صحة قوية وكالعادة رحبت بها بشدة حيث أنها
قالت لها في أول يوم رأتها أنها تشبه ابنتها التي توفيت منذ خمس سنوات
وقالت لها هذة المرة :


"عزيزتي (أنجيليتا) تبدين شاحبة ....يبدو أن الطعام الإيطالي لايعجبك أو لايتناسب مع ذوقك"


فردت (أنجيليتا) :


"ماذا تعنين ياسيدة (سوزي) هذا مستحيل فلا يوجد ماهو أشهى من الطعام الإيطالي ولكن ماكل هذا الطعام هل هناك حفل ما ؟!.."


"نعم
حفل العائلات أننا نسميها هكذا لأن السيد (فرناندو) يجمع فيه جيرانه من
عائلتي (ديميتريوس) و (فلاديمير) ليأكلا عنده آملا أن يحقق ماكان يصبو إليه
دائما"



"أتعنين أن يزوج ابنه (ألفريدو) من (فلوريا فلاديمير)؟!..."


"نعم
هذا صحيح أنه من ناحيته يرغب بذلك بشدة و (فلوريا) أصلا مدلهة في غرام
(ألفريدو) منذ كانا صغارا أما والدتها (ساندرا) فإنها تفضل أن يدق لسانها
على طاولة خشبية على أن تزوج ابنتها لرجل آخرغير (ألفريدو) "



"وماذا عن (ألفريدو) هل يحب (فلوريا) ؟!....."



"
آه ياعزيزتي...... السيد (ألفريدو) صعب التكهن بمشاعره وأحاسيسه فكل
مايهمه في العالم الفن والمسرح والروايات والأشعار مثل والدته السيدة (آنا)
واعتقد في داخلي أنه قد يميل الى (فلوريا) ولكنه لايحبها.....أو على الأقل
لايسهر الليالي يفكر بها....إنك لم تقابليه بعد أليس كذلك ؟!....."



"بل
أتجنب مقابلته....مع كل أسفي اعتبر أفراد هذة الأسرة جميعا متحجري القلوب
متعالون لايفكرون الا في أنفسهم ولاأريد مقابلة المزيد منهم أنا هنا
للإهتمام بالخيول ولاشئ غير ذلك.....في كل مرة يأتي السيد الشاب ليأخذ فرسا
ليمطتيه أحاول ألا أكون في طريقه فجل ماينقصني هو متكبر آخر!!!"




فضحكت السيدة (سوزي) ملئ شدقيها وقالت :


"لهذا
السبب عندما يأتي ليكلمني في المطبخ يتساءل قائلا(ذهبت لآخذ جوادي
(سيرجيو) ولكن مهلا....أين تلك الكولومبية التي يتحدث عنها الجميع)
وحينهاأقول له أي حجة قد تكون سبب اختفاءك....ياعزيزتي لقد ورث السيد
(ألفريدو) الكثير من صفات آل ( فان دييجو) ولكن أؤكد لك أنه ليس متكبرا بل
طيب القلب ودائما يكسر قواعد العائلات النبيلة في التحدث الى الخدم بطلاقة
وكأنهم أفراد أسرته ومصادقتهم وكسب ودهم فهو دائما يقول(إنهم يقومون على
خدمتنا في كل وقت كما أنهم يتعايشون مع أحداث حياتنا بل ويكون لهم دور فيها
وقد يسرون عنا في لحظات حزننا ويقيمون المآدب والزينة في لحظات أفراحنا
فكيف لانعتبرهم من أهلنا)"



فابتسمت
(أنجيليتا) لتلك المقولة وشعرت بشئ من الإرتياح لكلام (ألفريدو) ذاك وعادت
الى الإسطبل لتكمل عملها وقررت داخلها أنها لن تختفي من مجرد مقابلته بعد
الآن ثم دخلت على الحصان (روبن) الغير مروض والذي كلفها السيد (فرناندو)
نفسه بترويضه......كان فعلا حصانا صعب المراس وهائج دائما لكنه كان فرسا
رائع الجمال يقف بشموخ وكأنه يعتز بنفسه ولن يسمح لأحد بامتطاءه ولكنها
كانت في الأيام القليلة السابقة تلاطفه وتجعله يعتاد على وجودها وتطعمه
بنفسها فهي مؤمنة أن على الإنسان أن يصادق الحصان أولا قبل أن يفكر في
امتطاءه وأحدث هذا تقدما ملحوظا فلم يعد يزمجر بغضب بمجرد اقترابها بل
أحيانا يلمس رأسه بيدها الممتدة نحوه في مودة.......




بعد
أن أنهت عملها في وقت قياسي شعرت ببعض الملل فلقد ذهب والدها للقرية لجلب
بعض الأشياء وجميع الخدم مشغولون بمأدبة اليوم ففكرت أن تتمشى قليلا في
أملاك عائلة (فان دييجو) وعندما مرت بجانب القصر أطلقت نظرة على الباب
الرئيسي فوجدت سيارة تقف عند الباب وخرج منها شاب ومعه سيدة لاتصلح أن تكون
قرينة له بل تبدو وكأنها أمه وقام (لوسيانو) رئيس الخدم بتحيتهم وارشادهم
لدخول القصر فأكملت سيرها وهي مستغربة أن يأتي المدعوون باكرا هكذا وهذا
يعني أنهم فعلا معتادون عليهم كثيرا وفكرت ربما يكون ذلك الشاب هو (أندريه
ديميتريوس) وأمه.......



جابت
الحقول الواسعة وتأملت الأزهار الجميلة فرأت زهرة بنفسجية فاتنة فقطفت
إحداها واشتمتها بفرح ثم وضعتها في شعرها......لاتعلم كم من الوقت ظلت تسير
وشعرت فعلا أنها ابتعدت كثيرا عن القصر وندمت لأنها لم تحضر معها
جوادا...شعرت بتعب شديد فقررت أن ترتاح تحت شجرة ما....ومن استغرقت في
النوم ولكنها صحت على صوت غراب يصدر صوتا مزعجا فشعرت بالفزع وتساءلت كم من
الوقت نامت هنا ولكن الشمس كانت لاتزال مشرقة , ثم شعرت بحركة في الأوراق
المتشابكة التي أمامهاوظلت متوجسة الى أن وجدت بندقية مصوبة ناحيتها فصرخت
مذعورة قائلة :



"لا توقف!!!......توقف!!!..."



ونهضت
واقفة ولكن قدماها لم تحتملاها فترنح حتى أمسكتها ذراعان قويتان وأحاطتا
بجزعها فتماسكت وشعرت بدوار خفيف ولكنها سمعت صوت الرجل الذي يسندها قائلا
قائلا:



"ياإلهي
لم أظن أبدا أن أجد فتاة نائمة هنا.....ظننتك غزال وكنت أهم بصيدك فلا أحد
يمكنه أن ينام هنا....لولا أنك صرخت فلم أكن لأعرف أنك هنا....لاأظن أن
غزال سيقول توقف....توقف!!!!..."



وسمعت
ضحكة رقيقة فرفعت رأسها لتنظر له......كان أطول منها بقليل بشرته بيضاء
بياضا ناصعا وشعره كستنائي انفلق عند وسط رأسه لينساب على الجهتين بتماثل
ولكنه كان مشعث قليلا نتيجة للقفزة السريعة كانت عيناه لازورديتان فاتنتان
وحالمتان لأقصى درجة وتحت أنفه البارز كانت تقبع ابتسامة رقيقة حالمة
جميلة.......كان باختصار فاتن للغاية فنظرت اليه ببرود لأنها عرفت أنه
ابن(آنا) السيد (ألفريدو) لأنه كان يشبهها فعلا لحد رهيب وعرفت لما تدلهت
(فلوريا) في هواه ولما أغرمت معظم الفتيات به فلايمكن لأحد أن يقاوم سحره
ولكنها دفعته بقوة وقالت له:



"كدت تقتلني ذعرا ياسيد (ألفريدو) !!"


فاكتسحت وجهه الصدمة بطريقة سينمائية وقال مذهولا :


"
هل أعرفك؟!.....لو رأيتك من قبل لكنت قد تذكرت بالطبع فلا يمكن أن أنسى
امرأة رائعة الجمال هكذا وحادة الطباع أيضا.....كيف عرفت أني
(ألفريدو)؟!.... "



"لاشئ .....لاتهتم.....عرفتك من صورة السيدة (آنا)..!!"


"آه هل رأيت أمي.....لكنك لم تخبريني بعد من تكونين..."


"أنا (أنجيليتا خوسيه) وأعمل في الإسطبل"


فضحك بمرح وقال :


"إذن
انت هي الكولومبية...ياإلهي مايقولونه عنك صحيح فانت جميلة فعلا وتعرفين
كيف تظهرين جمالك....إن لتلك الزهرة التي تضعينها في شعرك وقع مدمر علي
وشعرك الأسود الرائع.....لا أظنني رأيت شعرا بهذا السواد في
حياتي.....دعيني ألمسه من فضلك"



وهم بامساك أحد اطراف شعرها فدفعته بغضب وقالت :


"انك تشبة السيدة(آنا) ولكن لا يبدو لي أنك ورثت عنها أي شئ من اللباقة والإحترام"


"ماذا
تقولين؟!....ومن أين تعرفين أمي لتقولي هذا....على أي حال آسف إن كنت
أزعجتك ولكنك فعلا عصبية لحد رهيب.....ألا تخافين أن أطلب من والدي ألا
يقبل عملك عنده لأنك عاملتني بجفاء ؟!...."



قال هذا بمرح وكأنه يحكي عن مسرحية كوميدية فقالت ببرود:


"وهل تغازلني وتتوقع مني أن أتقبل ذلك لمجرد أنني أعمل عندك.....إذن فلتعلم أنك مخطئ"


كانت
تشعر أنها ضاقت ذرعا بتكبرهؤلاء القوم فقررت أن ترد لهم الصاع صاعين وشعرت
في قرارة نفسها أنها لن تنال منه أي أذية بل شعرت بأنه يبدو رقيق القلب
وضحك بطرب وأحضر جواده الذي كان قد لحق به وقال :



"يبدو
أني أخفتك فعلا لأثير غضبك هذا لكن لاتهتمي...تبدين شاحبة للغاية وكأنك
على وشك الإغماء أرجو منك أن تركبي على جوادي فلا يمكنك أن تعودي الى القصر
سيرا على الأقدام وأنت بهذة الحالة.....هيا أصعدي....من فضلك هيا فلن
أعضك..."



وساعدها على الصعود وكانت تشعر فعلا بإعياء شديد وربط بندقيته في جواده ثم نظر إليها بابتسامة ساحرة وقال :


"على
الرغم مما قلتيه فأنا أظن أنك كنت مستمتعة فعلا بمغازلتي....كما لن
تستطيعي منعي من مغازلتك وقول كل مايأتي ببالي فهذا طبعي ولن أستطيع تغييره
مهما فعلت "



وحينها
شعرت أن رأسها يكاد ينفجر غيظا ورأته منشغلا بأن يحكم ربط حزامه الذي يبدو
أنه تراخى مع كل تلك الحركات فدفعت الحصان الى الركض سريعا وقالت في نفسها
غاضبة:



(إذن فليعد الى البيت هو سائرا فلن أحتمل أن يركب ورائي ويكمل كلامه الوقح معي وليذهب الى الجحيم!!!!......)



وقف
(ألفريدو) مذهولا لماحصل فلم يصدق أن تثار ثائرتها لدرجة أن تأخذ جواده
هاربة وتتركه وكأنها تعاقبه ولايدري ماهو السبب ولكن ذلك جعله ينفجر مقهقها
بصوت عالي فلم يتخيل أن أي امرأة في هذا العالم يمكن أن تعامله هكذا فهو
معتاد على الإعجاب الدائم من الفتيات من حوله ولكن لقاءه بتلك الفتاة سيبقى
في ذاكرته طوال العمر وفكر قليلا....لابد أن (أندريه) قريب بجواده من هنا
فظل يصفر في كل ناحية ومالبث بعد قليل أن سمع جوادا يقترب منه ورأي
(أندريه) قادما وهو يقول :



" ماذا؟!...هل أصطدت شيئا؟!..."

ولكنه وجده خاوي اليدين دون بندقية أوفرس فقال له :


" ماذا حصل ؟!....لايمكن أن تكون قد تعرضت للسرقة؟!..."


فزاد هذا من رغبة (ألفريدو) في الضحك وقال له :


"الواقع لم أكن الصياد هذة المرة بل كنت الضحية !!!!.."


وامتطى الحصان وراء (أندريه) ثم حكى له ماحصل فرد (أندريه) بعد أن فرغ (ألفريدو) من حكايته :


"يالها من فتاة غريبة فعلا..... ولابد أن تنال عقابها!!..."


فلم يرد عليه (ألفريدو) وبقي ساهما يفكر.........



عادت
(أنجيليتا) الى القصر ولاحظت أن سيارة أخرى قد أتت الى القصر فعلمت أن
الأسرة الأخرى قد أتت كذلك وكانت طيلة طريق العودة تفكر فيما حصل لها وما
ستكون نتائج تصرفها الفظ مع سيدها الشاب ولكنها اندهشت لأنها في داخلها
أحست أنه لن يؤذيها ولكنها لم تستطع أن تطمئن ودخلت الإسطبل ووضعت الفرس
مكانه واهتمت به وعادت الى غرفتها تفكر فيما وقع حتى سمعت والدها يتحدث الى
السيدة (سوزي) بالخارج فخرجت لملاقاتهم فقال الأب في اندهاش :



"أوه
هل عدت يا أبنتي من نزهتك....لم أعلم بذلك.....جاءت السيدة (سوزي) لتسأل
عنك فأخبرتها بأنك لم تعودي بعد.....لما تأخرت هكذا ياعزيزتي؟!..."




"آسفة يا أبي....كنت أتمشى فسرقني الوقت...تعالى ياسيدتي لنتكلم قليلا"



وبمجرد
أن دخلتا الغرفة وأغلقت الباب حكت لها عن كل شئ فاستاءت (سوزي) كثيرا من
تصرفها ووصفته بأنه وقاحة شديدة كان عليها ألا تفعلها مهما أسئ اليها فهو
سيدها كما أضافت أن (ألفريدو) يحب المزاح وإطراء من حوله وقالت في لهجة
رقيقة "كما أنه لم يكذب فأنت ساحرة الجمال ياعزيزتي ولابد أن تسلبي لب أي
شاب يراك" فشعرت (أنجيليتا) بالحرج الشديد وفكرت أنه ربما يخبر والده
(فرناندو) ذلك الرجل القاسي وقد يؤذي والدها أو يهينه لقاء مافعلت فخرجت
لتصحح مافعلت ولكنها وجدت نفسها قد تأخرت كثيرا فلقد طلب السيد (فرناندو)
والدها لمكتبه وعلمت من الخدم الآخرين أن السيد (ألفريدو) عاد وهو في مكتب
والده كذلك فغاص قلبها وأسرعت الى مكتب السيد (فرناندو) غير عابئة
باعتراضات (لوسيانو) الى أن وصلت الى الباب وهمت بالإقتراب والطرق فوقه
لكنه فتح فجأة وخرج منه (ألفريدو) ونظر اليها مدهوشا ونظرت اليه هي بحرج
وظل الإثنان يحدقان في بعضهما وقتا طويلا.....بدا على (ألفريدو) الجد
والتأمل فشعرت أنه سيقول لها شيئا لن يعجبها فاقتربت منه وكادت تهم بالكلام
لكنه رحل وتجاهلها تماما فحزنت حزنا رهيبا وأحست فعلا أنها ارتكبت خطأ لن
يغفره أبدا بل وشعرت أنه ليس طيبا كما قال لها حدسها بل هو فعلا قد ورث
الكثير من صفات آل (فان دييجو) ومالبث أن خرج والدها من مكتب (فرناندو)
ولكن لدهشتها لم يبدو عليه أي ضيق بل وقال عندما رآها:



"(أنجيليتا) ؟!......ماذا تفعلين هنا يابنيتي؟!...."


"ماذا تفعل انت هنا؟!....ظننت أن السيد (فرناندو) استدعاك ليهينك فقررت أن آتي لأدافع عنك"


فابتسم (خوسيه) بحنان وقال:

"يا
حبيبتي كم انت طيبة القلب....لكنك نسيت أني أقوم بواجبي على أكمل وجه وليس
هناك مايهينني عليه بل لقد استدعاني لأن السيد (ألفريدو) أقترح أن يحضر
نوعا من الخيول الإسبانية لنقوم بتزويجها للخيول التي عندنا لعلنا نحصل على
نوع أصيل لامثيل له وطلب رأيي في هذا......أتعرفين أن (ألفريدو) هذا شاب
لطيف للغاية لقد كان في غاية اللطف معي , استطيع القول أنه لايشبه والده في
شئ مطلقا.....أتصدقين أنه تحدث عنك في أثناء حديثنا.....لقد قال أنك جيدة
تجيدين الخيل.....هكذا قال أمام والده فزاد إيمانا بي وبعملنا أنا وأنت"



عندما
سمعت (أنجيليتا) كلام والدها شعرت بالدوار وعلمت أنه كان يسخر منها دون أن
يدري والدها وإلا لما ذهب هكذا دون قول كلمة لها ولكن غريب ألا يتطرق الى
مافعلته ويغطي عليها مع أن كانت له الفرصة كاملة وحمدت ربها بشدة أنه لم
يفعل.......



كانت
المأدبة كبيرة جدا عليها جميع أصناف الطعام وهناك في أقصي اليمين حوالي
ثمانية أشخاص يشكلون فرقة موسيقية يعزفون من أجل المدعويين مع أن عددهم لم
يتعدى العشرة , كان السيد (فرناندو) على رأس الطاولة يتحدث برسمية وبصوت
جاد بارد وكان قلما يبتسم وجلست السيدة (ساندرا فلاديمير) على يمينه وهي
تتكلم بتكلف وإنفة مع (جابريلا ديميتريوس) والتي كانت تقابلها فهي لم تكن
تحبها مطلقا وحمدت ربها أن (أندريه) ابن عائلة (ديميتريوس) لم يفكر في
الزواج من ابنتها (فلوريا) لأنها ماكانت لتقبل به أو بأمه وجلس (ألفريدو)
يطلق النكات ويتحدث بمرح شديد (لفلوريا) التي أمامه ولأخته التي تجاورها
وبقي (أندريه) الى جانبه صامتا يحدق بهيام في (سيسل) أخت صديقه وكانت في
بداية الجلسة تبادله بعض النظرات وتبتسم بأدب ولكنها شعرت أنه زاد عن حده
فبدأت تتجاهل نظراته كليا ولكنه لم يستطع أن يمنع نفسه من التحديق بها وبكل
لفتة أو حركة منها ولم يستطع التركيز في أي كلمة من كلام (ألفريدو) لأنه
كان مشغولا بها وكم كان يحز في نفسه أنها لم تبادله نفس الإهتمام وحانت
لحظة الرقص فنهض (ألفريدو) على الفور وراقص السيدة (ساندرا) وراقص
(فرناندو) (فلوريا) الصغيرة وراقص بعدها السيدة (جابريلا) ونهض (أندريه)
وطلب من (سيسل) الرقص معه فلم تستطع أن تعترض وظلا يرقصان سويا فترة طويلة
دون أن تأتي الجرأة (لأندريه) على أن يقول كلمة واحدة , كان كلامه في عينيه
ولكنها لم تفهم تلك اللغة وظلت تحدق في أخيها (ألفريدو) وهو يضحك ويرقص مع
هذة وهذة بينما هي عالقة مع هذا الصامت حتى شعرت بالضجر ولكن مالبث أن ضغط
على يدها بشدة فنظرت اليه وقال لها وكأنه كان يستجمع أطراف صوته :



" هل يكنني أن أتحدث معك قليلا......على انفراد؟!...."


فقالت بدهشة :


" أجل لابأس"


وشدها
من يدها في اتجاه الحديقة حتى وصل الى جذع شجرة كان قابعا في الطريق يشكل
مجلسا لشخصين متلاصقين فجلسا عليه وظل صامتا فترة من الزمن حتى قالت هي
بضجر:



"لابد أن السيدة (ساندرا) ستحكي لنا عن رحلتها الى واشنطن بعد قليل..."



فلم يرد وسكت دهرا ثم نظر اليها بتمعن شديد حتى شعرت بالحرج ثم قال فجأة :


" أنا أحبك"




فذهلت
(سيسل) وشعرت بإحراج شديد ولم تدري ماذا تقول أو تفعل وتمنت لو أن أخها
يلحظ اختفاءها ليأتي لينقذها من صديقه هذا ولم تدري هل تواجهه أم ماذا ثم
قالت محالة لكسب المزيد من الوقت :


"هذة مفاجأة لم أتوقعها حقا.....كما لم يلمح لي (ألفريدو) بشئ "


" (ألفريدو) لايعرف....لم أخبره شيئا....الواقع لم أصرح لأحد حتى لنفسي.....ولكنني أريد أن أعرف حقيقة مشاعرك.....بصراحة"


"هل أحببتني لأني شقيقة صديقك؟!....."


"تعلمين
أنه لا يمكن أن يكون السبب كما لا أريدك أن تجامليني أوتدعي بوجود مشاعر
لديك لمجرد أنك لا تريدين جرح مشاعر صديق أخيك الحميم.....فإن هذا لاعلاقة
له بصداقتي (لألفريدو) كما أنني أحب الصراحة في هذة الأمور"



فاحمر وجهها خجلا وكأنه قرأ جميع أفكارها وظلت صامتة تتلاعب بالخاتم الذي بيدها منتظرة عون السماء لكنه قال بعد صمتها بشكل مفاجئ :

"هل هناك شخص آخر؟!...."


فأجفلت وانتفضت من مكانها ونظرت اليه بدهشة وعندما اطمئنت أنه مجرد تخمين وليس معرفة بالحقيقة قالت بعد أن وجدت أنه خلاصها الوحيد :

"
الواقع نعم....هناك شخص آخر.....وليست المسألة لها علاقة بك فأنت شاب رائع
يا (أندريه) وأظن أن أي فتاة في الدنيا كانت تتمنى مشاعرك.....ولكن لأسف
تضيعها على الفتاة الخطأ"



فشعرت
أنه تحول الى تمثال متحجر بعد كلماتها لم يحرك ساكنا بل كادت تجزم أنه لم
يتنفس ولم تجرؤ على النظرالى وجهه ولم تدري كم لبثا جالسين دون أي كلمة
ولكنه نهض فجأة وقال:



".....هيا
بنا لابد أنهم يتساءلون عن مكان وجودنا الآن" فنهضت مسرعة وما لإن وصلا
معا حتى قال (ألفريدو) " هاي أين كنتما أنتما الإثنان لقد فاتتكما أجمل
رواية ولكن لا ياسيدة (ساندرا) لا تعيدي شيئا منها حتى يتعلما ألا يغادرا
فجأة هكذا "




ضحك
الجميع على كلام (ألفريدو) لكن (فرناندو) نظر الى ابنته في أمل ولكنه
وجدها قد بدى عليها الحرج بينما وقف (أندريه) ووجهه شاحب بشدة فعرف أن
الخطة التي رسمها لم تنجح وأن (أندريه) لن يكون (لسيسل) فشعر بالغضب يجتاحه
وفي هذة اللحظة كانت (فلوريا) قد استغلت غيابهما وجلست الى جانب (ألفريدو)
وظلت تتدلل عليه قدر إمكانها وتضع يدها على كتفه كحركة لكسب وده بين
الفينة والأخرى ولكنه كان دائما يمرح ويضحك ولايهتم لحركاتها تلك مما جعل
غضب (فرناندو) يتضاعف وهكذا اضطر (أندريه) الى الجلوس بجانب (سيسل) ما تبقى
من الليلة ولم يتبادلا كلمة واحدة طوال الأمسية بينما وقفت (أنجيليتا)
تراقبهم من خلف أحد الأعمدة ورأت أن (فلوريا) رائعة الجمال جدا واستغربت
عدم انتباه (ألفريدو) اليها كما أعجبها مرح (ألفريدو) وحديثه الشيق الذي لا
ينتهي وأعجبها كذلك الصداقة القوية بينه وبين (أندريه) كانا يبدوان
وكأنهما أخوان ولدا بنفس اليوم وعاشا نفس الأحداث بل وأحيانا كانا يقولا
نفس الجمل أويقول أحدهما نصفها ويكملها له الآخر ولكن (سيسل) لم تعجبها
مطلقا وعذرت (أندريه) أنه لم يبادلها كلمة........




كان
(ألفريدو) بعد مع حصل يراقب (أنجيليتا) ليل نهار دون أن تراه.....يراها
وهي تحادث هذة وتضحك مع هذة تحمل هذة بحركة رشيقة وتدلل هذة ,
تضحك.....تعبس...تقفز....تركض.... ما هذا الذي يحدث لي؟!....- هكذا حدث
نفسه - أنني أراقبها دون سبب واضح وتواصل كامل أراقب حركاتها أفكارها صوتها
كلماتها لكل من حولها.....أحلل كل كلمة لأخرج منها صفة ما قد تكون جزءا
ليكمل صورة شخصيتها بداخلي.....هنا جريئة....هنا شجاعة....هنا حادة....لا
ليست حادة.....لا يمكن لهذا الجمال أن يكون حادا...إنها مجرد لحظة غضب
لها....هنا فاتنة... هنا رقيقة....هنا عاطفية ....أجل إنها دائما عاطفية
هكذا هي قلبها بجمال وجهها....روحها بفتنة عينيها أجل هي....هي من كنت أبحث
عنها طوال حياتي...هي المياة التي كنت أنتظر أن تجري في وديان قلبي
المقفرة.....هي الوحيدة التي يمكن أن تكملني.....ولكن كيف؟!....كيف
هي؟!.... ولما هي؟!.....هي بالذات.......




في
تلك الأيام كان (ألفريدو) يسلم قلبه شيئا فشيئا لها ويتركها تغزوه في
خطوات ثابتة فما لبث يفكر في لقاءهما سويا يتذكر كل رؤية من عينيه لها كل
لفتة كل تكشيرة أعتلت وجهها وعندما سقطت بين يديه....يذكر كلماتها حرفا
حرفا ويحلل ويحلل حتى يلصق بها مايعجبه ويطرد عنها وعن صورتها في داخله
مالا يعجبه..... وعلم أنه لن يحتمل أن يبقى في الخفاء مدة طويلة بل
يجب...أن يواجهها.....على الفور.......

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر - صفحة 2 Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل العشرون

[[ التاريخ يعيد نفسه [[



في عتمة الليل كان العاشقان سعيدا متجاوران يستعيدان معا أجمل ذكرياتهما سويا فبالنسبة إلى (جوفاني) كانت ليلة عرس (كلوديا) أسوء ليلة في حياته لكن بعد أن أتت إليه من جديد أصبح هذا عيد بالنسبة له وأصبحا يتكلمان معا فيما سيفعلانه غدا فأخبرها (جوفاني) أنهما بعد أن يسجلا زواجهما رسميا سوف يبحث عن مكان ينتقلا إليه في الوقت الراهن فامتعضت (كلوديا) وقالت :





"ولكني ظنت أننا سنبقى هنا فأنا أحب هذا البيت...أنه بيت حبنا!!!"




"وأنا أحبه أكثر منك ولكن ربما يجدوننا هنا بسهولة فمن الأفضل أن نختبئ جيدا في أول فترة زواجنا حتى لا يدمروا سعادتنا...."






نفس الليلة كانت جحيما على (ماريوس) الذي أرسل رجاله في كل مكان بحثا عن عروسه ولم يفهم الذي جرى لها وصرخ بغضب في المدعوين أن يرحلوا فلم يعد هناك زفاف وتحول الحفل إلى مهزلة....كان (روبرتو) وزوجته (سيسل) يكادان يفقدان عقليهما فهي لم تترك حتى رسالة تقول فيها أين هي وكان السيد (فرناندو) يجلس على كرسيه بهدوء يراقب كل ما حوله ولكن بداخله نار يكاد يحترق بها هو الآخر.....لم يعلم ماذا يمكن أن يكون قد حصل لها وظل يتصفح وجوه الجميع لعله يجد الإجابة حتى وقعت عيناه على وجه (فلوريا) أرملة ابنه فوجد أن وجهها ممتقع بشدة وكأنها تخفي شيئا كما كان يبدو عليها أنها توقعت ما حصل فخرج صوته كالرعد ينادي بأسمها فانتفضت ثم اقتربت منه فقال :




"يبدو لي أنك تعرفين شيئا.....قولي ما لديك....فأي شئ مهما كان صغيرا يمكن أن يفيدنا في معرفة مكانها....تكلمي.."




"الواقع.....ليلة أمس يا سيدي...ليلة أمس.."



"ماذا جرى ليلة أمس؟!.....ارفعي صوتك...."




"ليلة أمس سمعت حديثا بين (كلوديا) ورجل غريب في غرفتها في منتصف الليل بعد أن نام الجميع......كان يعترف لها بحبه.....ولكنها طردته.....هذا كل ما حصل...."




فشهق الجميع مما سمعوا وانتفخ وجه (ماريوس) غضبا ثم قال :





"أمي.....من هو ذلك الرجل؟!.....ألم تعرفي من صوته من يكون؟!...."




"لا.....لم أستطع التعرف على صوته..."






قالت (فلوريا) هذا وهي لا تريد إثارة زوبعة...فلقد كانت تظن أنه (جوفاني) لأن (كلوديا) ذكرت اسمه ولكنها فضلت أن تصمت عند هذا الحد....فاقفهر وجه (فرناندو) وقال :





"إن (كلوديا) حفيدتي لن تفعل شيئا يزعجني أو يهين سمعة أسرتنا....أنا واثق من ذلك... فلننتظر إلى الغد.....لعلها خافت من الزواج وشعرت أنه خطوة كبيرة....سأوبخها عندما تعود......."





فصرخ (ماريوس) :






"ولكن هل تظن حقا أنها ستعود؟!....ألم تسمع؟!...رجل يخبرها بحبه .....أنا واثق أنه السبب وأنه إذا لم يكن خطفها أو أخذها فهي التي ذهبت إليه.."






"أصمت يا (ماريوس) .....ألم تسمع انها طردته؟!....ثم لو أرادت الهرب معه لفعلت هذا منذ الأمس......كما أن حفيدتي لا ترتكب مثل هذا الجرم.....سوف نبحث عنها في صباح الغد....وإن لم نجد شيئا....سوف نتصل بالشرطة.!!!"





وعلى أثر هذا ذهب كل إلى غرفته لكن (ماريوس) بقي طوال الليل يفكر فيما قالت أمه ووصل إلى ما كان خائفا حتى أن يفكر فيه.... (جوفاني).....





في الصباح التالي ذهبت (أنجيليتا) إلى غرفة ابنها علما منها أنه سيكون في أسوء أحواله النفسية فليلة أمس كانت عرس حبيبته وعندما دخلت لم تجد أحدا بالغرفة وعلمت أنه لم يعد إلى غرفته أبدا فقلقت عليه وتمنت ألا يكون قد أذى نفسه وتألم قلبها لألم ابنها ولكنها وجدته أمامها فنهضت وعانقته بشدة ثم ابتعدت قليلا ونظرت في عينيه قائلة :





" (جوفاني) حبيبي أين كنت ليلة أمس!؟..أنك تبدو.....سعيدا للغاية..!!!"





"أمي....أعلم أنك ستسعدين بقراري..... (كلوديا)...لم تتزوج ليلة أمس....لقد أتت إلي... ولقد تزوجنا..!!!...."




فاتسعت عيناها دهشة وقالت :




"ولكن....هل تزوجتها رسميا....ليلة أمس؟!.."





"...لا....صباح اليوم يا أمي....وأنت أول من أخبره بذلك ولكن لا تخبري أحدا.....سوف نغادر المكان خلال ساعة ولن نعود على ما اعتقد....سوف نعيش في ميلانو أو ربما روما....... سوف نختفي من هنا حتى لا تأتي أسرة (فان دييجو) وتحاصرنا.....لكن ما بك يا أمي؟!.... تبدين غير سعيدة.....أعلم أنه قرار خاطئ ومفاجئ ولكن لم يكن أمامنا سواه.....إن (فرناندو فان دييجو) لن يترك حفيدته تكرر خطأ أبنه.....وتتزوجني....ولكننا تزوجنا رغم أنفه....إنها الآن زوجتي رسميا....ولعلك تشعرين بأحاسيسنا الآن....كل ما أريده هو مباركتك لزواجنا.... وألا تقلقي علينا....وسأحدثك في أقرب فرصة...لكن يا أمي....لما تملأ الدموع عينيك؟!.."





"يا بني...أنا سعيدة لأجلك....سعيدة لأجل قلبك الهانئ.....ولو أنه كان تصرفا متسرعا منك... ولكن من شبه أباه فما ظلم.....أليس كذلك؟!....كم تشبهه.....الآن في هذة اللحظة....تلك النظرة الظافرة في عينيك تعيدني إلى تلك اللحظة....و (كلوديا)....كم تمنيت أن أقابلها وأقبلها بنفسي لابد أنها سعيدة للغاية....ولابد أن تصرفا كهذا أخذ منها شجاعة رهيبة لتفعله.... فلتحافظ عليها يا بني.....ولتحافظ على نفسك.....وكلما ابتعدت عن هنا كان أفضل....ولا تظهر كثيرا في المدينة....وسأرسل لك ما لك قريبا عندما ترسل لي العنوان حسنا؟!.."





"شكرا يا أمي....كنت أعلم أنك ستفهميني.....طمئني السيد (أندريه) علي.....والآن يجب أن أذهب فلدي الكثير لأفعله......أحبك يا أمي..."





ثم عانقها بقوة مودعا وغادر المكان من الباب الخلفي حتى لا يراه أحد بينما بقيت (أنجيليتا) في غرفة ابنها تشعر أن ما حدث مجرد حلم.....ذكريات دفينة في رأسها تعود لتعيشها من جديد ولم تصدق ما حصل.....لم تدري هل تفرح أم تحزن على ما سيحصل لأبنها وزوجته فيما بعد ذلك ولكنها فكرت أن حالهما أسوء من حالها هي و (ألفريدو) فيما مضى (فألفريدو) كان رجل الأسرة واستطاع أن يوقف سلطة أبيه وغطرسته عند حدها لأنه كان من الأسرة لأن (فرناندو) كان بحاجة إليه أما الآن.....فلا بد أن ذئاب (فان دييجو) جميعا سينهضون لينهشوا في لحم إبنها وانفطر قلبها ذعرا عليه.....






كان (دانيال) يجلس في مكتبه في المدينة عندما وجد رجلا يرتدي رداءا أسود لا يظهر ملامحه مقبلا عليه وعندما أغلق الباب أظهر نفسه.....كان (جوفاني) فاندهش (دانيال) من تصرفه وسأله :







"ما بك (جوفاني) ؟!.....لما هذا الغموض؟!....هل أنت هارب من الشرطة أو ما شابه؟!..."





"أسمع يا (دانيال).....أريدك أن تجد لي شقة في المدينة.....في أقصى ضواحيها بحيث لا يجدنا أحد....ولتكتبها باسم أحد خدمك....أي شخص غير معروف حتى لا يجدها أحد....وأرجو منك أن تفعل هذا خلال ثلاث ساعات...."






"ولكن ما الذي تقوله؟!.....لماذا؟!...هل قتلت أحدا؟!..."






"لقد تزوجت..... (كلوديا فان دييجو)..!!!!"





فسقط (دانيال) في كرسيه وقال مقطوع الأنفاس :





"كنت أفضل لو أنك قتلت أحدا.....ولكن هل انقرض العقلاء من هذة الدنيا؟!...هل تدرك المصيبة التي أقدمت على فعلها؟!....لابد وأن يقتلوك.....ولكن مهلا....ألم يفعل والدك الشئ نفسه؟!....ألم تقل لي أنك كنت غير مقتنع بفعلته؟!....ما الذي حصل إذا؟!... هل ركبتك روحه الراحلة أم ماذا؟!...."





"إهدأ يا (دانيال) وأخفض صوتك.....يمكنك أن تقول أنه أنسب حل لنا ولا تسألني لماذا.... أنا أحبها ولقد تزوجتها.....أنت لم ترني مطلقا منذ سافرت إلى ميلانو ولا تعرف شيئا عني إذا سألك أحد أفهمت؟!....والآن أفعل ما قلته لك بسرعة وسوف آتي لمقابلتك عند البرج بعد ثلاث ساعات بالتمام والكمال وستعطيني حينها مفتاح الغرفة....وداعا.."




"ولكن انتظر....هاي انتظر....ثلاث ساعات لا تكفي....انتظر...."




رحل (جوفاني) كما أتى فقال (دانيال) بيأس :




"سينفجر البركان عما قريب!!!..."





وفي قصر (فان دييجو) لم يستطع أفراد الأسرة جميعا النوم تلك الليلة ولم تفلح محاولات الخدم في البحث عن (كلوديا) و أجتمع أفراد الأسرة في غرفة واحدة ليتباحثوا في الأمر فقال (ماريوس) :





"أنا أعلم أين هي......إنها عند آل (ديمتريوس) ....أنا واثق!!!!"





فشهقت (سيسل) لأنها فهمت ما يرمي إليه لكن (روبرتو) و (فرناندو) لم يفهما فقال (فرناندو):




"ما الذي تعنيه؟!......ماذا ستفعل عند أعدائنا؟!...."





"جدي......هناك ما لا تعلمه عنها......لقد كان (جوفاني)....طوال تلك المدة صديقا (لكلوديا) وكانت هي تتعاطف معه بعد أن علمت الإجراءات التي إتخذناها لنمحو اسمه واسم أمه من حياتنا وكانا يمضيان الوقت معا ولكني تصرفت حيال هذا ووجهت له الإنذار عدة مرات ليبتعد عنها نهائيا وهذا ما فعله بعد خطبتنا ولكن يبدو أنه هو من جاء لها تلك الليلة....أنا واثق أن تلك الأفعال الدنيئة لا تصدر إلا منه...!!!"






جاء على وجه (فرناندو) أغرب التعبيرات ما بين الغضب الأعمي والدهشة والذهول الكامل ثم نهض بغضب وهتف بصوت أهتزت له جدران الغرفة :





"ما هذة السخافات؟!....إن حفيدتي لا تفعل هذا....ولكن كيف أخفيتم هذا عني؟!..... كيف تركتموها ترتبط بأي علاقة من أي نوع مع هذا الدنس الأصل؟!!!!.....كيف تركتم هذا الخطأ أما أعينكم دون أن تعودوا إلي؟!...."





فقالت (سيسل) محاولة تهدئة الموقف :






"لم نرد أن نزعجك يا أبي بأشياء يمكننا التعامل معها فنحن نعلم غضبك وإنزعاجك الشديد من تلك الأمور...."






"وتظنين أنكم تعاملتم معها؟!....كيف تخفين عني أمرا بهذة الخطورة يخص حفيدتي بحجة عدم إزعاجي.....لقد جن أفراد الأسرة جميعا.....هذا كله جنون...جنون كامل!!!!"





فوقف (روبرتو) وقال :




"أنا سأذهب بنفسي إلى آل (ديمتريوس) لأرى ما إذا كان هذا صحيحا"






وحاولت (سيسل) إيقافه فهي لا تريد فضائح ولم تفلح وهناك في قصر آل (ديمتريوس) جاء خادم إلى السيد (أندريه) يخبره بحضور السيد (روبرتو فلاديمير) إلى القصر فاندهش لهذا فالعلاقة بينهما مقطوعة تماما وانقبض قلب (أنجيليتا) فهي لم تخبر زوجها بعد عن ما فعل ابنها......ثم ذهبا سويا إلى غرفة الإستقبال فوجداه هناك....وبعد أن تبادل الرجلان تحية باردة أشار إليه (أندريه) بأن يجلس فقال (روبرتو) :





"لا أفضل الوقوف....فلم آتي إلا للحظة....جئت أسألك سؤال واحد....هل يعرف أبنكم (جوفاني) أين هي ابنتي (كلوديا) ؟!...هي لم تحضر زفافها ليلة أمس...وهي مختفية وأريد أن أعلم ما إذا كان لأبنكم دور في إختفائها...!!!"





"ماذا تقول؟!....إختفت؟!.....هذا أمر مؤسف للغاية.!!!"





فقاطعه (روبرتو) :






"دعك من المجاملات التي لا فائدة منها....أعلم جيدا أنك لست آسفا مطلقا وأريد أن أرى أبنك حالا وأسأله..."




"ابني (جوفاني) ليس هنا فهو لم يعد بعد من ميلانو لأنشغاله ببعض الأعمال في شركتنا.... وسواء صدقت أم لا فأنا فعلا آسف لما يحصل....ولست أفهم مطلقا ما علاقة إختفاء (كلوديا) بأبني (جوفاني) ....!!"






"لا تتظاهر بالبراءة....يعلم الجميع أن أبنك كان يتلاعب بعقل إبنتي ليوهمها بحب لا يحمله حقيقة لها.....هو يفعل ذلك لينتقم لنفسه منا ولكن لا....لن أسمح لصعلوك كهذا أن ينتقم مني عن طريق أبنتي.....أنه جبان!!!!"






"أخرس.....إياك أن تذكر أبني بهذة الطريقة.... (جوفاني) شاب عاقل ومحترم وهو لم يفعل شيئا من هذة السخافات التي تذكرها والرجل الجبان هو الذي يأتي إلى الناس ليهينهم في ديارهم.....أخرج من هنا....حالا..."






"سأخرج ولكن إن ثبت أن لأبنك يد في ما يحصل...سأنتقم منكم شر انتقام!!!!..."





ووجه الجملة الأخيرة إلى (أنجيليتا) شخصيا ثم رحل....فقال (أندريه) :






"يا له من مجنون....إذا ما حصل أي مكروه لأي فرد من عائلة (فان دييجو) فإنهم يشتبهون بنا على الفور.....هذا أمر سخيف....ولكن لما لم يعد (جوفاني) حتى الآن؟!...كان يفترض به أن يعود يوم أمس....سأتصل به في الشركة..."





وقررت (أنجيليتا) البقاء صامتة كما طلب إبنها حفاظا على سلامته ووعدها له وفوجئ (أندريه) أن ابنه فعلا ترك الشركة منذ أمس عصرا ولم يعد إلى القصر فبدأ يقلق هو الآخر وفكر في كلام (روبرتو) ولكنه لم يصدق وحاول سؤال (أنجيليتا) فأخبرته أنها لا تعلم شيئا.!!!....





في تلك الليلة كان العروسان ينامان دافئان في شقة صغيرة تحت إسمين مستعارين هانئان وسعيدان ولا يعلمان شيئا عما يحصل في تلك البقعة التي تضم أسرتيهما....أرسل (جوفاني) رسالة سرية إلى أمه تُسلم باليد ليخبرها عن مكانهما ويطالبها بأن تحضر بعد غد لزيارته ولكن في منتصف الليل بحيث لا يراها أحد وهذا ما فعلته (أنجيليتا) بعد أن مر اليومان كأنهما سنتان فالجميع في حالة توتر وأسرة (فان دييجو) مشتعلة تبحث كمن يبحث عن مجرم طليق وذهبت (أنجيليتا) بمنتهى السرية في عربة مستأجرة إلى حيث يسكن ابنها وزوجته ولفت شالا حول نصف وجهها حتى لا يتعرف عليها أحد وطرقت الباب ففتح لها (جوفاني) وأدخلها بهدوء وبعد أن أغلق الباب عانقها بقوة وسعادة ونظرت إلى وجهه.....كان يبدو مشرقا كما لم تره من قبل....نفس الإبتسامة التي كانت على وجهه وهو صغير عندما كان (ألفريدو) معهم....إبتسامة هناء وسعادة فقالت :




"مبارك لك يا بني.....أين هي العروس.؟!.."




فأحضر (كلوديا)......كانت أجمل بكثير من آخر مرة رأتها فيها.....كانت تتقدم بخجل إليها وما إن وصلت إليها حتى أرتمت في أحضانها فقلت (أنجيليتا) وعيناها تدمعان :





"حبيبتي كم أنت جميلة.....وكم كبرت ونضجت....ماذا فعل بك ذلك الولد؟!...لقد جعلك تزدادين جمالا....كم أنتما رائعان...مثل عصفورا الحب المغردان...آه يا حبيبتي...كيف حالك؟!...هل تأكلين بشكل جيد؟!....هل تطعمها جيدا يا (جوفاني) ؟!..."





"أجل يا أمي....لا تقلقي...أكل ما يهمك هو الطعام؟!..."




"أجل....لكن لا...لابد أن قلبها قد شبع....فهي سعيدة...أستطيع أن أرى هذا في عينيها"






فضحكت (كلوديا) وجرت إلى حضن (جوفاني) فأحتواها وظل ممسكا بها فمسحت (أنجيليتا) دموعها وقالت :




"كم هي تضحية عظيمة منك يا أبنتي.....بأن تضحي بعالمك لأجل من تحبين....عليك ألا تنسى تضحيتها هذة يا (جوفاني) ...."




فقالت (كلوديا) بخجل :




"لم تكن تضحية إلى هذا الحد....أنا كنت أنتظر أي فرصة لأخرج خارج هذا البيت الموحش الذي لا يوجد فيه سوى الأحقاد....كل شخص هناك يقدر مصيري كما يريد....كما أن (جوني) ضحى بعالمه لأجلي أيضا.....كان يجب أن أفعل هذا فأنا لم أكن إلا ملكا له منذ ولدت...."





فإزداد (جوفاني) من إحكام ذراعيه حولها فوضعت (أنجيليتا) كلتا يديها بحنان على وجه (جوفاني) و (كلوديا) وقالت :





"لتسعدا بحياتكما كل السعادة الموجودة في الدنيا ولتحققا كل أحلامكما.....ولكم ما بي أبكي؟!....إن لم أضحك وأفرح في ظرف كهذا فكيف سأفرح بعد الآن!؟...ولكن مهلا.....هناك يوم سيكون أكثر فرحة....عندما أرى أطفالكما يركضون حولي....ياه كم أتمنى هذا اليوم......!!!!"





فأحمر وجه (كلوديا) وبدأت بالسعال فضحك (جوفاني) وقال :







"كنت أقول (لكلوديا) إذا أنجبنا ولدا فلنسميه...... (ألفريدو) !!!!!"





"إنها فكرة رائعة يا بني......والآن يجب أن أذهب فلقد تأخرت....إنتبها لنفسيكما وأنا لن آتي لزيارتكما مجددا حتى لا يعلم أحد بمكانكما.....حاول يا (جوفاني) أن تطمئني عليكما كل ما استطعت.....واعتني بها جيدا...فليحفظكما الله يا ولدي...أني ذاهبة...."





وبعد أن رحلت تمدد الزوجان متعانقان على سريرهما تسند (كلوديا) رأسها على كتفه ثم قالت:




"هل أنت نائم يا حبيبي؟!...."




"لا......فلدي بعض الأعمال قبل أن أخلد إلى النوم......"




"وما هي؟!....هل ستنشغل منذ الآن وتتركني ونحن في شهر عسلنا؟!..."






"لا....لكن يجب أن يقوم كل زوج بواجبه وسوف أقوم بأول عمل لي الآن...سأدغدغك!!!"




وهجم عليها يدغدغها في كل مكان فظلت تضحك وتصرخ في آن معا وقال :



"وبعد هذا سأقوم بأعمالي الأخرى.....بتقبيلك..!!!!"




ثم أنهال على وجهها تقبيلا فازداد ضحكها وقالت :




"هذة هي أعمالك؟!.....توقف.....توقف حالا أنت تضحكني.!!!"





فرفع رأسه وتأمل وجهها المشتعل خجلا وقال :




"أنت ساخنة...يبدو لي أنك خجلة....هل أنت خجلة مني؟!...."




فأخفت وجهها في صدره وقالت :




"أجل أنا خجلة منك!!!...."






فابتعد عنها قليلا وقال بذعر :





"ولكن لماذا؟!....إننا متحابان وقد أصبحنا زوجا وزوجة منذ أيام ولا تزالين خجلة منى....هذا شئ مؤسف..."





"أصمت.....أنا خجلة منك لأنك.....لأنك....وسيم جدا!!!!"




فاقترب وقبل أنفها ثم قال :




"حقا أنا وسيم؟!....."




"أجل أنت وسيم للغاية.....وعيناك...لا أستطيع النظر لعينيك طويلا وهما تنظران إلي بكل هذا العشق.....إن عينيك اللازوردية جوهرتان من الجنة!..!!!..."






فدفن وجهه في صدرها وظل يقول :





"آه...أنا أشعر بالخجل....هذا شئ مخجل!!!"




كأنه يقلدها فظلا يضحكان سويا ثم خلدا إلى النوم.....






عندا عادت (أنجيليتا) وجدت (أندريه) بإنتظارها ووجهه متجهم فعرفت أن المشاكل ستبدأ فقال لها :





"إنك تعلمين كل شئ...أليس كذلك؟!....فلا يمكن أن يختفي أبنك منذ أيام وتبدين هادئة هكذا....وتخرجين في منتصف الليل....هل ذهبت للقاؤه؟!....أين هو؟!...هل (كلوديا) معه حقا؟!...."





فقالت بهدوء :




"أجل......لقد تزوجا!!!!...."




فارتعش (أندريه) في مكانه والغريب أنه لم ينطق بحرف....ولم يكلمها ثانية في هذا الموضوع وبقي يمارس حياته كالمعتاد دون أن يسألها حتى أين هو.....كانت (أنجيليتا) تعلم الصراع النفسي الذي يمر به فهو لم يتوقع هذا التصرف من (جوفاني) كما ذكره هذا بما فعله (ألفريدو) صديقه فلقد كان هو شاهدا على زواجهما ولكنها فرحت أنه لم يكلمها في الموضوع ثانية......





في الصباح التالي كانت (كلوديا) ترتدي أجمل فساتينها وقامت بتسريح شعرها بطريقة جديدة وربطت شريطة زرقاء في أحد خصلاته وقامت بنظيف البيت حتى جاء (جوفاني) ومعه اكياس الطعام والخضروات....دخل مسرعا وخصلات شعره تقطر مياة فقالت :




"حبيبي؟!.....لما أنت مبلل هكذا؟!....السماء تمطر؟!...."





"نعم إن الجو رهيب في الخارج....كما أني لا أعرف المنطقة....فلقد بحثت طويلا عن السوق.....أحضرت لك بعض الخضروات الطازجة....."





فاحمر وجهها ثم قالت :




" (جوني) أنا آسفة.....لكني....لا أجيد الطهو!!!"





"ماذا تعنين؟!.....ومن سيطعمني إذن؟!....الجيران؟!...."






فأعطته ظهرها لتخفي خجلها فاحتضنها من الخلف وقبل رأسها وقال :




"كنت أمزح أيتها الصغيرة.....اسمعي سوف أقوم أنا بطهيه.....لقد تعلمت الطهي فأنا أحبه فأنا اشعر أنه فن خاص.....وكنت أعلم أنك جاهلة كبيرة لأنك عشتي طوال حياتك حياة الأميرات في ذلك القصر وهذة فرصتي لأتفضل عليكي!!!"




"أسكت أيها المغرور.....أرنا قدراتك إن كنت فالحا..!!!"




فاتجها للمطبخ سويا وظلا يطهوان ويسببان الكوارث معا ويضحكان ثم قالت (كلوديا) :




"هاه...أشعر كأننا مثل الزوجين!!!.."




"ولكن حبيبتي نسيتي شيئا....إننا زوجان..!!!!"




"ماذا؟!....حقا....لم أستوعب هذة الفكرة بعد....!!!"




"نعم نعم؟!.....ومتى ستستوعبينها يا هانم؟!....بعد أن نكمل الأربعين؟!...."






"آه يا (جوني) كم أتمنى لو نشيخ معا ويصبح شعرك الفاحم هذا بلون فضي وأغلغل أصابعي فيه كما أفعل الآن وأولادنا يكبرون...."





"أجل يا حبيبتي...ننجب ولدا وبنتا...ونعيش في سويسرا ربما...في الريف البعيد....فلا يسعى أحد وراءنا أو يعرفنا....."



"(جوني) ....أشم رائحة حريق......"




"يا إلهي...!!!....أحترق الغداء.....يبدو أننا لن نتمكن من أن نشيخ معا...لأننا سنموت جوعا معا الآن!!!!!"





ومرت الأيام هادئة على العروسان يحاولان فيها تناسي واقعهما والعيش في أحلامهما وأهل (كلوديا) يزدادون جنونا كانوا جميعا قد وثقوا تماما أن الشابان تزوجا فلقد اختفى (جوفاني) كذلك وحزنت (سيسل) حزنا عميقا على خسارة ابنتها بهذا التصرف الطائش الأرعن....... السليلة الوحيدة لأسرة (فان دييجو) قد ارتكبت مثل هذا الجرم وكان (روبرتو) أسوء حالا منها بمراحل و (فلوريا) كانت دائما صامتة وشاردة كمن ضربها على رأسها فلم تعد تعطي أي استجابة لأي شئ أما (ماريوس) فكان يقذف بكل ما في طريقه ليهشمه فلقد كانت أعصابه محترقة لأقصى حد.....لأنه هكذا خسر أمام (جوفاني) وتمنى من كل قلبه لو أنها انتحرت أو اختطفت أو أي شئ على أن تكون ذهبت مع (جوفاني).....المذهل في الأمر أن السيد (فرناندو) بدلا أن يصيبه غضب عارم من هذا التصرف أصابه حزن يائس وقنوط قاتل وكأن آماله كلها تهدمت وكأن الحياة لم يعد لها معني......لقد كانت (كلوديا) من أحب....الشخص الوحيد الذي أحب...وأتت تلك الخادمة (أنجيليتا) بإبنها فأخذتها منه أيضا....لقد جردته تلك الصعلوكة من أعز ما يملك.....تماما.....شعر أنه بطريقة ما قد هزم.....وكعادته رفض الإعتراف لنفسه بهذا....ثم فكر قليلا وقرر أن يقوم بالتحذير الأخير قبل أن يتصرف.!!!







وهناك كانت (أنجيليتا) جالسة في حديقة القصر تروي الأزهار فعلى الرغم أنها مهمة الخدم إلا أنها كانت تحب أن تسقي الورود بنفسها فلقد ساعدها (أندريه) في زراعة حوض من الأزهار......سرحت بفكرها بعيدا وفجأة أحست بمن يقف خلفها فالتفتت وشهقت للمفاجأة..... لقد كان السيد (فرناندو) نفسه....كانت مفاجأة أذهلتها وكسرت السد الذي جمعت خلفه ذكرياتها القديمة في تلك الفيلا الصغيرة ويوم الجنازة عندا توسلت إليه أن تودع (ألفريدو) وما قاله لها وما فعله بهم....كل الذكريات تدفقت دفعة واحدة وتراجعت خطوة إلى الوراء....لكنه كان يبدو هادئا....نظراته المهيبة تبدو حزينة متجهمة من اليأس....لم يكن مهيبا ولا مرعبا....بل كان مجرد إنسان.....يقف أمامها بهدوء ثم قال :





" أعيدي لي حفيدتي....!!!"




فنهضت بذعر وقالت :




"سيد (فرناندو) ؟!....كيف أتيت إلى هنا؟!...."




"لا يهم كيف أتيت المهم كيف أتيت أنت.....كيف عدت لحياتنا.....أنا أعرف لماذا....لقد أتيت لتنتقمي مني.....أعرف أنك استغليت (أندريه ديمتريوس) لتعودي...كما استغليت ابني من قبل..!!!!"





"أنا لم أستغل (ألفريدو) أبدا......لقد أحببته فقط....لكنها المرة الأولى التي أسمعك فيها تناديه ابني......إن السنوات تغير الكثيرين..."






"تسخرين؟!....جاء اليوم الذي تسخر فيه الخادمة الكولومبية من أسيادها...جاء اليوم الذي ستنتقم فيه منهم....ولكن لما (كلوديا) ؟!...لم لم تختاري أي أحد غيرها؟!....لما لم تختاري (ماريوس) أو (سيسل) ؟!....ولكني أعلم مدى خبثك....تعلمين أنها الوحيدة التي....أحببتها الوحيدة....من كل أفراد أسرتي....لذا جاء انتقامك قويا.....ماذا تريديني أن افعل لتعيديها؟!....أعيديها إلي....هل تريدين مني أن اركع؟!...أن أعتذر؟!...أم تريدين المال؟!.. لا بأس أيتها الكولومبية لقد انتصرت....ها أنا أقر بذلك....أعيدي لي (كلوديا)..."





فاستدارت (أنجيليتا) لتخفي دموعها...على ما فات وما يظنه بحقها بعد أن ظلمها ثم قالت :




"أنا لم أخطف حفيدتك أو أخطط لإختفاءها....كما من المستحيل أن أؤذيها....لم أعد أريد شيئا منك.....الحق الوحيد الذي تألمت عندما أخذته مني هو وجودي يوم جنازة (ألفريدو) وتوديعه الوداع الأخير....وهذ لن تستطيع إرجاعه لي....."





"كم تريدين من المال؟!....أين خبأتها؟!...أم أنه أبنك؟!...هو الذي أخذها؟!....لقد خدع عقلها الصغير بتلك الأوهام التافهة التي تسمى الحب....نفس التمثيلية التي مثلتها على (ألفريدو) يا للسخرية!!!!"





"أرجوك.....على الرغم أنك راقبت حفيدتك طوال سنين حياتها وشاهدت كيف كبرت فأنت لا تعلم شيئا عنها أو كيف تفكر....لقد تزوج كل من (كلوديا) و (جوفاني) بإرادتهما....ولن تستطيع شيئا لتمنعهما.... (كلوديا) لم تعد حفيدتك بعد اليوم ولم تعد ملكا لأحد.....إنها امرأة مستقلة ذات إرادة ورغبة كبيرة في الحياة....لقد إتخذت قرار في حياتها بإرادتها وهي التي ستتحمل نتائجه....لو رأيت وجهها تلك الليلة وهي تنظر إلى (جوفاني) وتشرق فرحا.... لقد أصبحت امرأة كاملة الآن....الأفضل أن تكون رحيما معها وأن تحترم قرارها...وتتعلم من أخطاء الماضي..."





كانت تلك صدمة كبيرة (لفرناندو) حيث شعر أنها خطفت أنفاسه فوضع يده على صدره وهو يحاول أن يتنفس ثم قال :





"لا....لن أسمح بذلك مطلقا...لن أسمح لهذا الدم القذر أن يختلط بدمائنا ولو اضطررت لقتلها بنفسي.....لن يمنعني حبي لها من أنقاذ اسم الأسرة....لن يتكرر مع فعلته مع (ألفريدو).....فلقد تعلمت من الماضي ألا أترك خطأ فادحا كهذا أن يستمر لأجل فائدة مادية للأسرة.....أنت طبعا لن تخبريني عن مكانهما أليس كذلك؟!....لا بأس يا ابنة السائس.....سأجعل أبنك عبرة لك بما أنك لم تتعلمي من الماضي....لتعبثي معي مجددا.."





ورحل وترك (أنجيليتا) ترتعد رغما عنها قلقة على ابنها ثم حاولت تهدئة نفسها قائلة :




"لا.....لن يستطيع....لقد ورث (جوفاني) أصرار وقوة أبيه....سوف يكون بخير.....يجب ألا أزوره في الآونة الأخيرة حتى لا يتبعوني ويعرفوا مكانه..أتمنى أن يظلا بخير..."





كان (دانيال) يسير في أحد شوارع ميلانو ليوقع بعض الوراق وكان يمني نفسه أنه سيرى (ليتشا) بعد ساعة من الآن ويملي عينيه من وجهها الفاتن وابتسم لنفسه وهو يفكر في هذا ظهر فجأة رجل ضخم طلب إليه سيجار فانشغل بالبحث في حقيبته فقام الرجل بضربه ضربة أفقدته وعيه وعندما استيقظ وجد نفسه مقيد ورجال غريبوا الأشكال يحيطون به وكان سؤالهم الوحيد هو أين يسكن (جوفاني) فتجلد (دانيال) في البداية وقرر عدم البوح فقاموا بتلقينه كل أنواع العذاب المتعارف عليها وصمم أن يتحمل من أجل صديقه الوحيد دون أن يفكر في سلامته الشخصية ولكن بعد ساعة من العذاب المستمر سمع صوت صراخ امرأة وما إن ظهرت أمامه حتى انفطر قلبه....كانت (ليتشا) وحينها علم أن هؤلاء الرجال لن يتورعوا عن فعل شئ لأجل الوصول لما يريدون ولم يكن أمامه خيار......





دقت الساعة في الميدان معلنة الثانية بعد منتصف الليل فتقلبت (كلوديا) في السرير وفتحت عيناها فوجدت (جوفاني) لازال مستيقظا يحدق في السقف فقالت هامسة :





"لما لم تنم يا (جوني) ؟!....."




فوضع يده على خدها ثم قال :





"لا شئ يا حبيبتي....أني أفكر...لقد مضت عشرة أيام على زواجنا.....الأيام تمضي كما الثواني....لما تسير الأيام الجميلة بسرعة هكذا؟!...."




"حبيبي......حياتنا كلها ستكون أيام جميلة.....أعلم أنك تفكر في شئ آخر....في الواقع أليس كذلك؟!....فنحن لن نبقى هاربين مدى الحياة...أنا أيضا أفكر في تلك الأمور بشكل متواصل.... أنا لا أحب الحديث عنها مثلك كي لا أعكر صفو سعادتنا....أتعلم كل ما أريده أن أكون هكذا... بين ذراعيك......طوال حياتي.....لا أريد شيئا آخر من الدنيا صدقني..."





"كنت ستتزوجين (ماريوس) ....ماذا كان سيحدث لو لم أخطفك منه في الوقت المناسب هاه؟!......أنا امزح....الأمر أشبه بتكرار الطفولة....كنت أنا وهو نتنافس على صداقتك والآن على حبك.....لا أظنه سعيدا الآن بتلك النتيجة فهو فتى مدلل لأقصى حد إذا لم يحصل على ما يريد فقد يجن.....أنه رجل أحمق بلا مشاعر....."




"كنت دائما أكره (ماريوس) .....لأني كنت أشعر أنه لم يمتلك قلبا داخل صدره.....كان قلبه دائما متحجرا ولم أرى عينيه تدمع لأي سبب أبدا......على الرغم أنه كان طفلا سريع البكاء فيا مضى كنت أنت مثالا للرجل الحقيقي في نظري.....على الرغم أنهم أخبروني أنك مت ظللت دائما أنتظر أن تظهر لي وتعود في يوم من الأيام.....ولكن أتدري كنت دائما أتخيلك صغيرا كما تركتني....لم أتخيل شكلك أبدا عندما كبرت وبمرور السنين نسيت رفيقي الصغير بعد أن فقدت الأمل في عودته.....وعندما تقابلنا في تلك الحفلة عرفتني على الفور....وأنا لم أعرفك......."






"يالقلبك القاسي.....لازلت تذكرين كل هذا؟!....أما أنا فلقد فرحت كثيرا لأني تخلصت من صغيرة مزعجة مثلك...!!!"




فضربته بقبضتها على صدره وضحك الإثنان وأغلقا عيونهما ليحاولا النوم....





فجأة دفع الباب كما لو أصاب البيت زلزال وهجم حوالي عشرة رجال لداخل الغرفة فأصاب العروسان الذعر القاتل وهجم عليهم (جوفاني) ولكن سبعة منهم هجموا عليه وحده وأمسك ثلاثة (بكلوديا) وهي تصرخ طالبة النجدة دون أن تأتي لأحد الجرأة على مساعدتهم....... ظل (جوفاني) يصارع هؤلاء المجرمين وينادي على (كلوديا) وهي تناديه ولكن لم يتركوه ثوان إلا وأنهالوا عليه ضربا وأتجهوا به إلى الشرفة وظلوا يحرقوا ذراعه بالنار كل هذا التعذيب أمام (كلوديا) التي أصابتها نوبة من الصراخ الهيستيري ولكنهم ضربوها هي الأخرى حتى فقدت وعيها وأخذوها عنوة بعيدا عنه وحاول هو رغم آلامه أن يدفعهم ليلحقها لكنهم دفعوه ليسقط من الشرفة إلى أرضية الشارع وتتكسر عظامه وحملوا (كلوديا) ففتحت عينيها لتنظر إلى جسد (جوفاني) الذي تدفق منه الماء في الشارع ونادته للمرة الأخيرة ولكنه لم يجب هذة المرة......!!!

descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر - صفحة 2 Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل الحادي و العشرون

[[ رسالة خبأها الزمن [[


فتحت (كلوديا) عينيها فوجدت نفسها في غرفتها بقصر (كازابيانكا) وفجأة تدفقت الذكريات إلى رأسها فنهضت مذعورة فوجدت أمها و (فلوريا) جالستان في أقصى الغرفة وما إن عرفوا بنهوضها حتى استدعوا (ماريوس) الذي دخل ونظر إليها نظرة قاتلة......كان العرق يتصبب منها وهي ترتعش ثم قالت :



"ماذا فعلتم (بجوفاني) ؟!.....ماذا حصل له!؟....أمي؟!"




فصرخت (سيسل) :




"أوتجرؤين على مناداتي بأمك بعد الكارثة التي فعلتها؟!....أنت مجنونة؟!...كيف تجرأت ؟!...ماذا ظننت أننا سنفعل؟!..هل كنت تظنين أننا سنتركك تمرحين كما تريدين؟!.....هل نسيتي نفسك واسمك وشرف أسرتك أيتها الفاجرة؟!...أنت غبية..."



وصفعتها بكل قوتها فأمسكت بها (فلوريا) وحاولت إخراجها من الغرفة ونادت (ماريوس) حتى يتبعها فسار باتجاه الباب لكنه أقفله عليهما وأستدار إلى (كلوديا) التي تدفقت دموعها وهي تتذكر صورة زوجها وهو ملقى في الشارع وطين الشارع يغطي وجهه مخلوط بدماءه فقالت (لماريوس) :




"ماذا فعلتم به؟!....هل قتلتموه؟!....أرجوك أخبرني ماذا حصل....أتوسل إليك....."



فقام (ماريوس) بصفعها فتهاوت على فراشها تجهش بالبكاء وهي تنادي :




" (جوفاني) .... (جوفاني) !!!!"




فأثار هذا (ماريوس) للغاية وقال صارخا :



"أيتها المعتوهة الحقيرة....تفكرين به؟!...فكري بمصيرك قبل أن تفكري به......لقد لطخت أسماءنا جميعا بالوحل.....أيتها القذرة...... تهربين مني ويوم زفافنا؟!....لتلحقي بهذا السوقي....هل أطفأ نارك؟!....هل ظننت نفسك جولييت ورأيت فيه صورة روميو....نهاية مأساوية.....البكاء الدموع....الدماء والفراق...ياللعار... لقد خنتني ومع من؟!...مع ألد أعدائي....أتذهبين إليه؟!..أنت ملكي!!!"



"لست ملكك......كنت تعلم من البداية أني لم أحبك....أنا الآن زوجة (جوفاني) ومهما فعلتم لن تستطيعوا تغيير هذا....."



فأصابت تلك الكلمات (ماريوس) بالجنون وقال حانقا :




"بل ملكي....ملكي أنا.!!!!"




وتهجم عليها وبدأ بتمزيق ثيابها وفرض نفسه عليها فظلت تصرخ وتبكي وتنادي (جوفاني) حتى دخلت (فلوريا) وأبعدته عنها وصرخت :



"هل جننت؟!....أخرج....هيا حالا هيا...!!"



فخرج مهتاجا وحاولت (فلوريا) تهدئة (كلوديا) ولكنها قالت وسط بكائها :




"ماذا حدث (لجوفاني)؟!..... أرجوك أخبريني.......لابد أنك تعلمين....أرجوكي"




"لا أعلم يا (كلوديا) لا أحد يعلم عنه شيئا.....كل ما أعلمه أنهم تركوه حيث هو!!!"



فبدأت (كلوديا) بالصراخ حتى أغمي عليها من جديد.....





في تلك الأثناء كان (أندريه) قد علم أن (جوفاني) وجد في أحد الشوارع وتم نقله للمستشفى فأسرع إلى هناك فوجد (أنجيليتا) هناك وما إن رأته حتى رمت نفسها بين ذرعيه وهي تبكي وتصرخ قائلة :




"ابني يا (أندريه).....كيف حصل هذا؟!....أبني....لقد أذوه...لقد دمروه.... آه يا (أندريه).....أنجدني...."





فدخل إلى غرفة الكشف فوجده في حال يرثى لها وأجريت له عمليات لأجل كسور عظامه وعرف من الطبيب أنه نجى من الموت بأعجوبة......وإن قدماه الإثنان مكسوران وذراعه الأيمن أصيب بحروق من الدرجة الثانية وذراعه الأيسر مكسور وثلاثة من ضلوع صدره وذلك لحسن حظه لأنه سقط من الدور الثاني.....كما أصيب بنزيف داخلي في منطقة البطن كانت تلك كارثة حقيقية فلم يتعرف (أندريه) على وجه ابنه المتورم من شدة الضرب فشعر أن جسده كله يحترق بنيران الغضب وسأل الشرطة ولكنهم قالوا أنهم لم يجدوا أثرا لهؤلاء الرجال كما لا شئ يثبت أن هؤلاء الرجال كانوا من طرف أسرة (فان دييجو) فشعر (أندريه) بغضب رهيب لأنه لن يستطيع أدانتهم فاتجه إلى قصر (كازابيانكا)......لم يكن قد دخله منذ زواجه من (أنجيليتا) دخل دون أن يهتم لأي من الخدم وحتى (لوسيانو) رئيس الخدم لم يقوى على منعه وقال :



"أريد أن أقابل السيد (فرناندو فان دييجو) وحالا.....هيا أسرع بإبلاغه وإلا سأدخل بنفسي.....أنه في مكتبه أليس كذلك؟!....."




وأقتحم المكتب فوجد العجوز يجلس بوهن على مكتبه وهو يتصبب عرقا لم يكن (أندريه) قد رآه منذ سنوات عديدة وأنتابته الدهشة لرؤية ما آلت إليه حاله ثم قال بغضب :



"كل آل (ديمتريوس) يتمتعون بسوء الخلق......كيف تجرؤ على الدخول عنوة دون إستئذان ولكن هذا ليس مستغربا منك أبدا....."




فضرب (أندريه) سطح المكتب بكلتا يديه وقال بصوت هز القصر بأكمله :




"ما الذي فعلته؟!...كيف تجرأت على الاعتداء على (جوفاني ديمتريوس) بتلك الطريقة القذرة؟!.....من تظن نفسك؟!...ظننت أنك حكمت العالم ويمكنك فعل أي شئ؟!....إذا كنت تظن أنك ستنجو بفعلة كهذة فأنت تحلم..!!!"





"أخرس!!!!.....أو تجرؤ على أهانتي في بيتي...أيا كان ما حصل لذلك الكولومبي الأبله فهو يستحقه فلقد تجاوز حدوده وتعدى على أملاك غيره.....سيكون مصيره هو الموت!!!"




"هل تظن أن حفيدتك دمية تملكها؟!...هل تظن أن أرواح الناس لعبة؟!.....تذهب هباءا؟!.... لقد إزداد جبروتك وفاق كل حد.....هل تظن لأني سكت طوال تلك السنوات على أفعالك الدنيئة فأني سأسكت للأبد؟!....لا لقد بدأت الحرب يا (فرناندو).....وتذكر أنك من بدأها....سأحطمك وأفراد أسرتك جميعا......لتعديك على حقوق أبني....ولا تنسى أن (كلوديا) زوجته وستعيدها إليه عاجلا أم آجلا....."




وهنا دخل (ماريوس) الذي سمع الجلبة فقال صارخا :




"هذا هو المستحيل بعينه.....لن تقع عينا ذلك الوغد على (كلوديا) مجددا......سنعتبر زواجهما كأنه لم يكن....وإذا فكر ذلك الأبله في محاولة إسترجاعها فسأقتله بنفسي...أنت لست مرحبا بك هنا....أخرج حالا....أخرج..!!!"





"بلى سأخرج...ولكنكم ستندمون....جميعكم.....تظن أن نفوذك سوف ينقذك؟!....سأجد طريقة أكسر بها أنفك (فرناندو) !!!!"





وهم بالرحيل فقال (فرناندو) :




"يا لك من غبي يا (أندريه) !!!!...لم تتعظ من خطأ صديقك الحميم وتركت تلك الكولومبية ترث أموالك ولقبك وتعيش في بيتك وهي من كان سبب موت (ألفريدو)....لم تفهم ما أرادته من كل هذا......كانت تريد الأنتقام وأنت مجرد دمية بين يديها.....ستظل أحمقا ما تبقى من حياتك....."





"أنت من قتل (ألفريدو)!!.....قتلته مرتين!!!....مرة عندما فرقته عن (أنجيليتا).... ومرة عندما زوجته (فلوريا).....أنت القاتل الحقيقي هنا.....ولابد أنه يتعذب في قبره لأنك سرقت حق زوجته وأبنه....أبنه الحقيقي الذي يجب أن يرث الأرض التي تعيش عليها....ولكنه لن يتعذب في قبره طويلا.....أعدك (فان دييجو)....."




وخرج مسرعا......عندما كان (أندريه) يسير خارج القصر رأته (كلوديا) من نافذتها وأدركت أنه أتى من أجل (جوفاني) هذا يعني أنه مازال حيا!!....خرجت وتنصتت على غرفة (سيسل) وهي تحدث (فلوريا) فسمعتها تقول أنهم يخططون لأخراج (كلوديا) من هنا والسفر بها بعيدا حتى يتم إبطال زواجهما المسجل وهذا أيضا يؤكد أن (جوفاني) ما يزال حيا فحمدت ربها بشدة وعادت متثاقلة إلى سريرها....كانت في حالة مرضية سيئة جدا فكانت تغيب عن الوعي معظم اليوم كما كانت ترفض الطعام كليا.....شعرت أنه لم يعد يفيدها أن تعيش وهي بعيدة عن (جوفاني) ولم تنتظر طويلا حتى جاءها (ماريوس) ومعه (فلوريا) و (سيسل) يخبرانها بأمر سفرها السري إلى خارج إيطاليا مؤقتا حتى إبطال الزواج وقال (ماريوس) خاتما الكلام :




"لا تظني ولو للحظة أنك قادرة على الهرب والعودة إليه....كما لا تفكري في إخباره عن مكانك بأي صورة من الصور....على أية حال إذا عاود البحث عنك أو حاولت اللقاء به......سنقتله وأظن أنك أيقنت أن هذا أمر في غاية السهولة فلا تحاولي أن تجلبي له سوء الطالع.."




وحينها أدركت أنه لا أمل ثم قالت (سيسل) :




"سوف تغادرين بعد غد...فلتستعدي على الفور....!!!!"







"حاضر.....لكن ارجوكم.....لدي طلب واحد....أريد أن أرى (ليتشا) صديقتي..لآخر مرة"



فقال (ماريوس) :



"سأجعلك ترينها ولكن مع وجودي....لن نتركك وحدك أبدا من اليوم وحتى سفرك....أفهمت؟!..."




بعد بضع ساعات كانت (ليتشا) تطرق باب غرفة (كلوديا).....كانت (ليتشا) شاحبة بشدة وعلمت (كلوديا) أن السبب هو يوم إختطافها عندما أمسكوا (بدانيال) وأنهم عذبوها حتى يعرفوا مكان شقتهما فنظرت (كلوديا) بحقد (لماريوس) وقالت :



"يالكم من أوغاد!!!.....لم يسلم أحد من شركم....!!!"



فقال (ماريوس) بإبتسامة شريرة :



"من الأفضل أن تسرعي بتوديع صديقتك فلم يتبقى سوى خمس دقائق...!!!"



فقالت :



"عزيزتي....أنا آسفة لما حصل لكما بسببي....أعتذري (لدانيال) بالنيابة عني.... سوف أسافر ولا أدري إلى أين.....أرجوك أنتبهي إلى نفسك و (لدانيال)....وأريدك أن تأخذي تلك اللوحة وتحتفظي بها إنها لك....."



وأشارت إلى لوحة كانت قد رسمتها حديثا فاستغربت (ليتشا) لهذا ولكنها فهمت من نظرة (كلوديا) أنها تعني شيئا فأخذتها دون أن تظهر أي دهشة ولكن (ماريوس) أوقفها وظل يتفحص اللوحة واللوح الخشبي المثبتة عليه فلم يعثر على شئ فتركها تذهب بسلام وما إن وصلت (ليتشا) إلى بيتها حتى ظلت تتفحص اللوحة وتتحسسها إلى أن شعرت بجزء بارز تحت القماش في أسفل اللوحة فقامت بفصل القماش عن اللوح الخشبي فوجدت رسالة عليها تقول :




"عزيزتي (ليتشا) أنا كالسجينة هنا كما ترين....أكاد أموت لأعرف ما جرى (لجوفاني) يبدو لي أنها النهاية كما أشعر ان موتي موشك على القدوم....لذا أرجو منك أن تسلمي هذة الرسالة لزوجي شخصيا وقولي له أني بألف خير....سأفتقدك كثيرا..."




فدمعت عينا (ليتشا) تأثرا وتأسفت لحال صديقتها......





كان (أندريه) يتحدث إلى الطبيب حين خرجت (أنجيليتا) وهي تبكي من غرفة (جوفاني) فأحتواها (أندريه) وحاول تهدئتها فقالت أن (جوفاني) يرفض أن يأكل فحالته النفسية تحت الصفر وكأنه يريد لنفسه الموت....يرفض الطعام منذ أيام ويذهب فكره بعيدا لساعات دون أن يقول كلمة واحدة وقالت في النهاية :



"أتوسل إليك يا (أندريه) كلمه أنت...قد يسمع منك أكثر مني....أرجوك أفعل شيئا...."



فدخل إليه فوجده مستلقي والجبس يحيط بمعظم أجزاء جسمه وعلى وجهه نظرة قانطة.....



ينظر إلى النافذة المغلقة فقال له (أندريه) :



"هل أفتح لك الستائر يا (جوفاني) لترى السماء؟!....."



"لا....لا أريد أن أرى الضوء....أريد أن أبقى في الظلام..."



"لماذا؟!.....حتى لا يرى أحد دموعك؟!....."



فاندهش (جوفاني)......لم يعتقد أنها يمكن أن تلاحظ في الظلام....فتوقف عن كبت شهقاته فجلس (أندريه) إلى جانبه وقال له :



"لا تريد أن يرى أحد ضعفك وعجزك....هذا صعب عليك....أني أفهمك جيدا...فأنت مثله.... مثل (ألفريدو) تماما....كان يخبئ ضعفه خلف قناع اللامبالاة....يمكنك أن تخفي جرحك عن عدوك حتى لا يستغله ضدك.....لكن لما تخفيه عني وعن والدتك؟!...أنك تحتاج لقوتنا لتساعدك أن تقف على قدميك من جديد....."




فازدادت شهقات (جوفاني) وأصبح نحيبه مسموعا وقال :




"إنها النهاية.....سوف لن أستطيع الوقوف على قدمي مجددا....لقد انتهى كل شئ.... (كلوديا).....لقد أخذوها مني....لم يعد بإمكاني أستعادتها....أني عاجز كليا حتى عن تحريك إصبع.....من الأفضل أن أموت....أنه أفضل حل للجميع!!...."




"لا يا (جوفاني)....إياك أن تتلفظ بهذا الكلام....أنت لم تعد طفلا.....أنت رجل مسئول ولديك زوجة.....وهي مسئوليتك....ألم تفكر إذا ما تركتها ولم تسعى لإستعادتها فماذا سيحل بها... إنها مسئوليتك الآن.....أمك ألم تفكر بما سيحل بها إذا فقدتك أنت الآخر؟!....أنت رأيتها وعشت معها وهي تحاول أن تعيش بعد أن فقدت (ألفريدو)....هل تريد لها أن تموت كمدا؟!... وأنا؟!.....قد لا أكون والدك الحقيقي....ولكن لطالما أعتبرتك أبني...أبني الوحيد الذي لم أرزق به....أنت مثل (ألفريدو) وعليك أن تكمل طريقه.....هل تدري ماذا فعل (ألفريدو) عندما وقف العالم ضده وأبعده عن زوجته؟!.....حارب الجميع وجعلهم يتقبلون قراره رغما عنهم وأستعاد أمك.....وقف صامدا ولم يفكر لحظة أن يستسلم....إنها ليست ضربتهم الأولي لك... فلتجعلها الأخيرة!!!.....أنت قادر على ذلك أنا واثق....هيا أمسح دموعك يا بني.....ولتأكل وتستعيد صحتك بأقصى سرعة فأنا وأنت لدينا الكثير لنعمله....هيا فلتأكل..."




وقرب صينية الطعام من الفراش وبدأ بمسح دموعه بحنان الأب فنظر إليه (جوفاني) بتأثر وقال :




"سيد (أندريه).....أنا.....لم أناديك أبي وأنا أعنيها في حياتي.....ولم أفكر فيما فعلته لأجلي أنا وأمي....كنت آخذ منك دون تفكير....ولكني الآن أدرك أنك....بمثابة أبي حقا.....فسأناديك أبي وأنا أعينها منذ الآن....."






فقبل (أندريه) جبينه وساعده على الجلوس في تلك اللحظة دخلت (ليتشا) عليهم وكذلك السيدة (أنجيليتا) .....معها جواب (كلوديا) أخبرته (ليتشا) عن ما حصل معها ومع (دانيال) ولما لم يزره (دانيال) لأنه أيضا في المستشفى وشرحت له حال (كلوديا) وكيف رأتها وأعطتها الرسالة ففتحها له (أندريه) وقام (جوفاني) بقراءتها :









زوجي العزيز (جوفاني).....

أنا أبكي الآن بدل الدموع دما وأنا أفكر في ما حصل لك.....كل ذلك كان بسببي....أنا آسفة حقا على ما حصل.....لم أفكر في شئ منذ يوم الحادث إلا في اللحظة التي سأكون فيها بين ذراعيك من جديد......لكن يبدو أن هذة اللحظة لن تأتي....ما فعلناه كان خطأ فادحا ولم نتعلم من أخطاء الماضي ولكن جدي تعلم وحسب حسابا جيدا لخطواتنا وتصرف هذة المرة بطريقة جذرية.....ربما قدرنا فعلا أن لا نعيش سويا.....فعلينا أن نقبل به....وأن نعيش بسلام ونتلافى المزيد من الجرائم وسفك الدماء....ما حصل لك قد يحصل ما هو أكثر منه في المرة القادمة......وقد نفقد أرواحنا وحينها لن ينقذنا حبنا....أرجوك أنسى كل شئ عني كما سأفعل أنا لأجل سلامتنا وسلامة أفراد أسرتينا وليتوقف الصراع الدموي بينهما وللأبد.....لا مزيد من القتال....أرجوك سامحني على كل شئ ولا تبحث عني.....لأجل مصلحتنا نحن الإثنان....... لأني أعلم أنك حي في مكان ما من هذا العالم أستطيع أن أعيش أيضا لكن إذا مت فأنا أريد أن أموت معك لأنه حينها سأكون ميتة على أية حال....لنعش نحن الإثنان ونحب بعضنا بقلوبنا حتى لو لم نستطع أن نكون معا.....ولا تقلق من شئ....لن أتوقف عن حبك ولن أكون لرجل سواك.....عش سعيدا وحافظ على صحتك...يا حبيب روحي الوحيد

زوجتك (كلوديا)






بللت دموع (جوفاني) الورقة فأحتوت (أنجيليتا) رأس ابنها بين ذراعيها وهو يبكي ثم قال :



"لا.....لن أرضى بهذا....لقد قتلوا الأمل في قلبها....ولكنهم لن يفعلوا معي....لن أستسلم.... سوف تعودين من جديد بين ذراعي....وحينها لن يصيبك مكروه مجددا.......أني أقسم بذلك........."






كانت (كلوديا) تسير نحو السيارة التي ستقلها إلى محطة القطار لتسافر خارج إيطاليا....... عندما نظرت خلفها وجدت جدها....لم يكن قد رآها أو زارها من يوم الحادث فوقفت تحدق به وحدق هو بها بغضب مشبوب بالحزن والأسى فقالت :


"جدي....أنا..."


"أسكتي!!....لا تناديني جدي....لقد فقدت هذا الحق منذ زمن....أنت دون أفراد الأسرة جميعا.....أنت الوحيدة التي أستطعت أن تجلب العار الحقيقي لسمعة (فان دييجو).....الوحيدة التي أحببت.....لقد كان هذا خطأ أيضا.....غادري فهذا أفضل للجميع...."



ثم عاد لمكتبه وهو يصارع ألم قلبه الذي أصبح يأتيه كثيرا في الآونة الأخيرة ورحلت (كلوديا) وهي تبكي وعندما جلست بالسيارة جاء لها (ماريوس) وقال :



"سيلغى زواجك بأسرع وقت وعندما تعودين سأتزوجك على الفور وحينها....سأصفي حسابي معك على إنفراد.....أيتها العاهرة....."




ورحلت السيارة فنظرت (كلوديا) من الزجاج الخلفي وقالت في نفسها :



"بيتي (كازابيانكا)....ترى هل سأعود إليك ثانية حية؟!....لا أظن فإن لم أمت سأعود وقلبي ميت وسيكون الأمران واحد....وداعا...."



كانت الأشهر تمر بطيئة كالسنوات والعاشقان مفترقان يفصل بينها آلاف الأميال ولكن قلبيهما متصلان ينبضان بحب واحد....كانت (كلوديا) تصارع اليأس وحدها مع (فلوريا) في فرنسا يكاد القنوط يقتلها وهي لا تعلم إلى متى ستبقى هكذا جسد بلا روح....هي لا تريد شيئا سوى أن تراه مجددا ولو للحظات تريد أن تتأكد أنه بخير فقط لدقيقة واحدة....كانت تقضي لياليها مستيقظة لا تستطيع النوم ولا تتوقف عن البكاء...كانوا يجبرونها على الأكل لتبقى حية ولقد فقدت الكثير من وزنها ولم تعد تكترث لشئ وكذلك (جوفاني)....كان محبوسا على فراش المستشفى ليتعافى مما جرى له تكاد روحه أن تغادر جسده حزنا وهما وتعطشا لنصفه الآخر فلقد علم أنها سافرت ولم يدري إلى أين وهذا ما زاد يأسه وشعوره أنه ربما لن يستطيع أن يرها مجددا لكن أمه و (أندريه) كانا يبذلان ما بوسعهما لكي يبقوا لديه الأمل وخرج من المستشفى على عكازان وعاد لبيته ليحبس في غرفته يفكر في ما آلت إليه اموره....... حتى جاء صباح هادئ كانت الغيوم فيه منتشرة في السماء لكن دون قطرة واحدة...كان الجو مقبضا وأستطاع (جوفاني) أن يتخلص من أحدى عكازاته ووقف يحدق في السماء التي تشبه حياته إلى حد كبير إلى أن دخل عليه (أندريه).....كان يبدو قد كبر في السن كثيرا في الآونة الأخيرة ودخل معه ملف كبير مغلق في يده وقال :



" (جوفاني).....تبدو أفضل اليوم....عيد ميلاد سعيد...!!!"




"عيد ميلاد؟!...آه....فعلا اليوم عيد ميلادي.....يالهذة الصدفة....لقد فكرت في كيفية قضاءه مع (كلوديا) ووعدتني هي بشراء هدية لم أحلم بها...لا أصدق أنها ليست معي..."




"ستكون معك قريبا فما إن تستعدي صحتك حتى نذهب لنستعيدها.....المهم جئت أحدثك في شئ آخر.....اليوم هو اليوم الذي أنتظرته منذ عشر سنوات...فأنت اليوم قد أكملت خمسا وعشرين عاما وبالتالي يحق لك أن تأخذ هذا المظروف...."




"ما هذا؟!.....لا تقل لي أنها ملفات تولي شركاتك وأموالك فأنا لست جاهزا لذلك الآن.."



"أنظر إليها أولا......."




فنظر إليها فوجد خط كان قد رآه منذ زمن طويل ....ثم وجد إمضاء أبيه.....وقرأ :



"إلى (جوفاني فان دييجو) – من (ألفريدو فان دييجو)...."



فكاد يغمى عليه ونظر إلى (أندريه) والتساؤل يكاد يقتله فقال :




"أنه من أبيك.....هو آخر ما تركه والدك لك....ذات ليلة كان قد حلم شيئا ما لا أعلم ما هو وجهز بعض الأوراق ووضعها في هذا المظروف وأتى إلى وطلب مني أن أحتفظ به عندي حتى تبلغ أنت الخامسة والعشرين وإذا لم يكن حيا ليسلمه لك أسلمه لك أنا....لا أحد يعلم بوجود هذا المظروف مطلقا....حتى والدتك لا تعلم.....طلب مني والدك ألا أخبر أحدا مطلقا وهو أحد الأسباب التي جعلتني أبحث عنكما في كولومبيا....لقد كان أمانة علي أن أسلمها... أنا لا أعلم ما يوجد فيه.....فلتفتحه أنت......"



فأمسك به وفتحه ببطء وأخرج أوراق كثيرة منه....لكن عيناه فقدت القدرة على التركيز فلم يستطع رؤية شئ فقال :




"أرجوك أبي....هل لك أن تقرأ أنت....فأني منفعل جدا ولا أستطيع الرؤية بوضوح.."



فأخرج (أندريه) الورقة تلو الأخرى وقرأهم بصمت وعندا طال صمته قال (جوفاني) :




"أخبرني ما هذة الأوراق؟!....أرجوك أخبرني...."



"لا أصدق.....هذة الأوراق التي كانت بحوزة (فرناندو فان دييجو) والتي كانت تثبت هويتك وانتماءك إلى الأسرة والتي مزقها (فرناندو) ليخفي وجودك أنت وأمك....الأوراق جميعا سليمة....إنها الأصل!!.....عقد زواج (ألفريدو) و (أنجيليتا) الذي مضيت عليه بنفسي..... وهذة شهادة ميلادك الأصلية......وهذة وصية (ألفريدو).....يحدد فيها ما سيحدث لأملاك الأسرة....إنها تفيد بأنه ترك لك كل شئ....هذا غير معقول..."






فسقط (جوفاني) على سريره مذهولا....لم يكن بمقدور عقله أن يستوعب هذة المعجزة..... فبطريقة ما شعر (ألفريدو) بما سيحصل له ولأمه قبل أن يموت وشعر بما سيفعله (فرناندو) لهما فقام بحمايتهما على طريقته الخاصة.....وظلت الأفكار تدور بأسه حتى شعر أنه سينفجر ثم قطع (أندريه) حبل الصمت وقال :




"أنظر إلى هذا.....أنه خطاب......إنه لك يا (جوفاني).....وهناك واحد (لأنجيليتا) أيضا.."



"أرجوك استدعي أمي....لعلها تستطيع أن تفهمني ما يحصل الآن..."


وجاءت (أنجيليتا) وذهولها أكبر منهما وأمسكت الخطاب الذي يخصهما من (ألفريدو) وضمته إلى صدرها ولم تستطع كبت دموعها وفتح (جوفاني) الخطاب الخاص به فقرأ :


بني الحبيب (جوفاني).....

بما أنك تقرأ هذة الرسالة فلابد أنك شاب....شاب وسيم ينضح بالصحة...أنت أبني وستظل أبني الذي أفخر به....بني بما أنك قد أكملت الخامسة والعشرين فعليك أن تأخذ مكانك في عائلة (فان دييجو).....عليك أن تهتم بالأموال والشركات الخاصة بالأسرة فهو واجبك الذي سترثه مني كما ورثته عن أبي....وهو حقك الذي لن يسلبه أحد منك....تذكر دائما من تكون ولا تنسى مهما حاولوا أن ينسوك أنك من أسرة (فان دييجو) فحافظ على حقك وحارب من أجله.....كما أنا واثق أنك ستعتني بوالدتك جيدا ولست خائفا عليها وهي معك....فليساعدك الله يا بني......وتذكر دائما من تكون.....لقد قمت بواجبي الأخير تجاهك....فلتذكرني دائما...

والدك (ألفريدو فان دييجو)

قرأ الرسالة بصوت عال لكن صوته تهدج عن نصفها بعد أن غلبته الدموع....شعر أن روح والده موجودة معهم و (أندريه) يسند كتفيه من الخلف ليساعده على التماسك و (أنجيليتا) تبكي بصوت عال فأخذ (جوفاني) رسالة والدته ليقرأها لها فقرأ :



حبيبة عمري (أنجيليتا)

زوجتي الغالية....ساكنة قلبي الوحيدة....قد لا أكون معك وأنت تقرأين تلك الرسالة....لكن لتعلمي أنك الوحيدة التي أحببت طوال عمري.....جلست اليوم أفكر بأيامنا معا وذكرياتنا الجميلة التي ستظل في ذاكرتي فهي كنزي.....كنزي الحقيقي....يوم تلاقينا وصوبت البندقية نحوك.....عندما رأيتك علمت أنه ستكونين ذات شأن في حياتي....يوم رقصنا معا ملثمين... يوم طلبت منك الزواج ولم يكن في فمك سوى كلمة لا.....أذكر كيف شعرت بتوعك مفاجئ في معدتي حينها.....أذكر رقتك وحنانك والسلام الذي أجده وأنا بجانبك...نعم السلام....أنه كل ما أحتاج إليه....لن أتركك بلا سلام....ولن أترك (جوفاني) يتعذب....أنه ثمرة حبنا الذهبية..... لقد وعدتك ألا يمسك أحد وأنا حي.....ولكني شعرت أنه ربما لن أبقى حيا طويلا لأحميك.... كان علي القيام بواجبي.....كما أنا واثق أن (أندريه) قد فعل ما كنت سأفعله معكما لو كنت حيا.....أنه أنبل رجل قابلته في حياتي ولن يجد الإنسان صديقا مثله أبدا........حبي....... فلتمسحي دموعك ولتكون البسمة هي رفيقتك الوحيدة.....هذا ما أرجوه دائما....ولا تحزني على فراقي....ففي كل زهرة ذهبية من أزهار حبنا....ستجدين روحي فيها....هناك ساكنة لتطمئن عليك.....فلتحافظي على صحتك....يا حبيبتي الغالية.....

(ألفريدو)



فانهارت (أنجيليتا) باكية في حضن (أندريه) وغلب الحزن (أندريه) نفسه فتساقطت دموعه هو الآخر وضم الأم وأبنها إلى صدره ليمسح دموعهما ويدفن أحزانهما في صدره كما كان يفعل دائما وبقي الثلاثة هكذا هذة الليلة.....تحوم حولهم روح (ألفريدو) الراحلة


descriptionرواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر - صفحة 2 Emptyرد: رواية |||<الزهور الذهبية>|||....لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال....رواية طويلة من ثلاثة دفاتر

more_horiz
الفصل الثاني و العشرون والأخير

[[ نهاية المطاف [[


مر شهر آخر وبيت (كازابيانكا) في هدوء قاتل.....فبعد رحيل (كلوديا) أصبح كل فرد يجلس في غرفته دون أن يختلط بأحد.....لم يعد هناك كلام يشارك به على المائدة أو أي موضوع يتحدثون فيه.....تدهورت صحة (فرناندو) لحد كبير ولكنه لم يرد الإعتراف بهذا وشعرت (سيسل) بحزن رهيب وهي تراقب والدها الذي كانت نظرته فقط تكفي لإدخال الرهبة في قلوب الآخرين أصبح الآن يستند على قطع الأثاث ليصل لمبتغاه.....إزدادت التجاعيد في وجهه بشكل كبير وكان (روبرتو) أيضا قد فقد الكثير من وزنه ولم يكن له حديث إلا إذا قال أن ما حدث لأبنته جلب له الخزي والعار أما (ماريوس) فلم يكن يمر يوم دون أن يفتعل شجارا مع أحد ودون أن يهين أحد الخدم حتى إذا ذهب إلى النادي كان يتشاجر مع الآخرين وإذا تبارز مع أحد لا بد أن يصيب منافسه....كان كمن أصابه مس من الجنون وأصبح يستسيغ شرب الخمر كان يشعر أن كرامته قد ذلت لأن عدوه اللدود استطاع أن يخطف إمرأته منه بسهولة وأفرط في شرب الخمر فلم يكن هناك أحد يستطيع منعه فوالدته نفسها ليست هنا لتبقى معه وظل يتمايل حتى وصل إلى النافذة واسند رأسه عليها وهو يقول :




"ذلك الوغد......الوغد.....سأعلمه الأدب....."





وسمع صوت سيارة فنظر إلى الأسفل فوجد الخارج منها هو عدوه نفسه.!!....كان (جوفاني) يسير بشكل طبيعي ويتجه إلى الباب ومعه ثلاثة رجال آخرين لا يعرفهم ففرك عينيه وكأنه شعر أه بدأ يهلوس وحاول الوصول إلى باب غرفته ليرى ما يحصل وفعلا فتح (لوسيانو) رئيس الخدم البوابة قائلا :






"نعم سيدي؟!....هل من خدمة؟!...."




"أريد مقابلة السيد (فرناندو) حالا!!!......"




"لا يمكن هذا فهو مريض......كما لا يسمح...."




"ماذا؟!....لا يسمح لي بدخول (كازابيانكا) ؟!....أيها المحامي...أعطه الورق فورا...."




فقال المحامي :



"بموجب هذة الأوراق يعتبر السيد (جوفاني) هو صاحب هذا القصر فلا يمكن أن تمنعه من دخوله....!!"




فجمد الذهول عضلات (لوسيانو) ولكن (جوفاني) دفعه ودخل وسأل أحد الخدم الآخرين أن يرشدوه إلى حيث (فرناندو) وفعلا أدخلوه إلى مكتبه.....كان السيد (فرناندو) يجلس بهدوء على أحد المقاعد المريحة ويبدو عليه الإعياء ودخل عليه (جوفاني) ومعه المحامين فنظر إليه (فرناندو) بدهشة غاضبة وقال :





"من أنت؟!....كيف جئت إلى هنا؟!..."




"أنت إذن هو (فرناندو فان دييجو).....الرجل المخيف صاحب النفوذ الذي يسحق الآخرين تحت حذاءه دون أن يعرف معنى لكلمة رحمة.....أنك لا تبدو لي مخيفا على الإطلاق....لقد أخطأ الجميع بتقدير قوتك!!..."




"من أنت أيها الوقح ؟!.....وكيف تجرؤ على إهانتي في بيتي...أخرج حالا..."




"أخرج؟!...ولما أخرج؟!....أنه بيتي أنا....كما يحق لي أن أهينك في بيتي على ما أظن.... لم تتعرف علي؟!....لم تتعرف على الشخص الذي سلبت منه حقه وحياته؟!.....طبعا لا تذكر من أنا....فلقد كنت حينها صغيرا وضئيلا.....أنظر في عيني جيدا لعلك تتعرف علي..."




وتركه بضع ثوان فقال العجوز بصوت مبحوح :




"أنت....أبن الكولومبية!!!"




"ها مذهل ذاكرتك لا زالت بحالة جيدة....أنا هو (جوفاني ألفريدو)..... (فان دييجو) !!!"





"أخرس أنت لست من أسرتنا ولن تكون....أنت مجرد حثالة.....أردت أنت وأمك أن تمارسا علينا الألاعيب ليكون لكم من أملاكنا وفعلت نفس الشئ مع حفيدتي الساذجة فوقعت في شباكك....ولكن أقسم لك أن زواجك منها سأبطله ولن يكون له وجود....لست من تضعونه أمام الأمر الواقع.....سوف أحطمك أيها الأبله!!!!..."




"لسوء حظك يا سيد (فرناندو) أنني من أسرة (فان دييجو) شئت أم أبيت....كنت تظن أنك ستنجح في ظلمك لنا للأبد.....كل ما تقف عليه وكل ما تراه من حولك هو ملك لي.!!!.... ملك لي وحدي!!!!.."





"ما هذا الهراء الذي تنطق به؟!....!!!"





فرد أحد المحامين :




"نعم يا سيدي....هذة الأوراق تفيد بأن السيد (جوفاني) هو الوريث الشرعي لكل أملاك أسرة (فان دييجو)....إنها أوراق موثقة ولا يمكن إنكارها أو التراجع فيها بحكم أنه الأبن البكر للسيد (ألفريدو فان دييجو) الوريث الأول للأسرة...!!!"




"هذا مستحيل!!!.....إنها مكيدة.....لا يوجد شئ يثبت علاقة هذا الحقير هو وأمه بالأسرة"




"بلى يا سيدي....هذا المظروف يخص السيد (ألفريدو)....لقد كتبه قبل موته....فيه جميع الأوراق الخاصة (بجوفاني) والتي تثبت أحقيته في الميراث!!!"





فصرخت (سيسل) :




"هذا مستحيل..!!!!....."




كانت قد دخلت هي و (روبرتو) في نفس اللحظة التي بدأ فيها المحامي الكلام وسمعت كل ما جرى فقال (جوفاني) :





"نعم أنا مالك هذا المنزل وكل ما فيه وهذة وصية أبي تفيد بحقي في جميع الأملاك كما تحدد لكل فرد من أفراد الأسرة نصيبه من الميراث والذي سأكون سعيدا بإعطاءه إياه مقابل أن يخرج حالا من هنا!!.....لن يكون لكم مكان في هذا البيت بعد اليوم....أريد كل شخص أن يحزم أمتعته ويرحل فورا وسيصله نصيبه من الميراث في القريب العاجل...."




فقالت (سيسل) :




"ما الذي تخرف به؟!....هل جننت؟!....لا يمكنك طردنا من بيتنا.... ماذا حدث لهذا العالم؟!.....هل قلب رأسا على عقب؟!...."





"أجل....لم تظني انك ستوضعين في نفس الموقف الذي وضعت فيه أنا وأمي عندما طردتونا خارجا ورميتونا في العراء دون أي شئ....لا تظني أنني سأعامل أي فرد من أفراد هذة الأسرة برحمة فلن تكون في قلبي تجاهكم أبدا!!!....."







فرد (فرناندو) :




"هذا الحثالة يوسخ دارنا....أخرج....أخرج!!!....."




"بل أنت الذي سيخرج.....أرموه خارجا هيا!!...."




فسقط العجوز يصارع أنفاسه بعد أن جاءت له نوبة قلبية فارتمت (سيسل) عليه تبكي وتصرخ وهنا دخل (ماريوس) وهو يترنح من الخمر ويمسك بسيفه في يده وقال :





"أيها الوغد.....جئت من العدم لتدمر حياتنا....لن أسمح لك.....ستموت!!!!"





وأندفع بإتجاهه بالسيف فصرخت (سيسل) وأبتعد المحامون فأمسك (جوفاني) بيده وخلص السيف من قبضته لكن (ماريوس) كان يحمل خنجرا في جيبه فأخرجه وطعنه في بطنه بقوة وصرخ :




"فلتموت!!!!......يجب أن تموت!!!...."






فصرخ (جوفاني) ودفعه وهنا تدخل المحامون ليمنعوه وقام أحدهم بالإتصال بالشرطة واستدعوا الأطباء ليساعدوا (جوفاني).....كانت تلك نهاية هذا الموقف الدامي فلقد صمم (جوفاني) أن يدخل (ماريوس) السجن لمحاولته قتله وكان المحامين شهود ولم يوافق أن يسقط عنه التهمة لأنه أخيه إنتقاما منه وساءت حالة (فرناندو) لأقصى حد وأصبح يلازم السرير ويلتقط أنفاسه بصعوبة ومكث (جوفاني) مقيما في قصر (كازابيانكا) فعلى الرغم من إصابته صمم أن يبقى في (كازابيانكا) وتحطم قلب (سيسل) التي رأت أباها ينهار أمام عينيها وذلك الكولومبي انقض عليهم كالوحش فلم يسلم أحد من أنيابه ولكن لم يكن أمامهم شئ مطلقا ليفعلوه.....كانت (سيسل) مكتوفة اليدين أمام قوته فلم يستطع أحد أو يوفقه أو يواجهه......كأنه شبح الماضي الذي حاولوا جميعا أن يدفنوه ظهر ليطاردهم جميعا وعلى الرغم من إصابته إلا أنه وقف أمام (سيسل) وقال :





"أسمعي أنت رأيت ما حصل (لماريوس) بأم عينك.....أنا لن يردعني شئ عن فعل ما برأسي....هذا البيت أصبح لي وأنت ووالدك سأخرجك منه ولو بالقوة.....يمكن أن تتفادي المشاكل إذا أخبرتني عن مكان (كلوديا).....أخبريني أين هي وحينها سأقبل أن أتفاوض معك"




"هذا فقط في احلامك.....أيها المجنون ألا يكفيك ما فعلت بوالدي؟!....أنت وأمك....أنتم مصدر الشؤم في حياتنا.....أخذتم مني أخي والآن والدي....سوف لن أخبرك عن مكان (كلوديا) أبدا فلتفعل ما تشاء....فلتطردنا من بيتنا ولتقتل (ماريوس) ولكنك لن تنال ما تريد....لن أسمح لأبنتي أن تكون مع شخص مثلك أبدا!!!..."




"إذن أنت التي بدأت!!!...."





كانت (أنجيليتا) و (أندريه) حزينين أكثر منهم فرحين لما يحصل لآل (فان دييجو).....فعلى الرغم من أن حق (أنجيليتا) قد عاد لها وأن من العدل أن يحصل ما حصل لهم لكنها حزنت لأن تلك الأوراق أعطت قوة (لجوفاني) ليستطيع أن يصب غضبه عليهم.....لم تكن سعيدة أن يذهب أبنها ويحطم أفراد الأسرة واحدا تلو الآخر كما لم تكن سعيدة بما فعله بأخيه فلقد أعمى الغضب قلبه وقتل الإنسانية فيه والأدهى أنه طلب إليها المجيئ لقصر (كازابيانكا) بأقصى سرعة ولتستعد أن تقيم معه هنالك لفترة غير محدودة فجهزت حقيبة صغيرة لها ودخل عليها (أندريه) ليرى ما تفعل فكسى الحزن ملامحه وقال :




"كنت أحس أن هذا اليوم سيأتي....ستتركينني لتعودي لقصر (كازابيانكا)....ولن تعودي من هناك أليس كذلك؟!.....هو بيت ذكرياتك مع (ألفريدو)....سوف تنسيني وتعيشي مع ذكرى (ألفريدو) هناك...."




فجرت إليه وارتمت في حضنه وقالت :




"لا يا (أندريه)....لا يا حبيبي....لا شئ مما تتوهمه سيحصل....لم يعد هذا البيت يعني لي شيئا....منذ موت (ألفريدو)....أنا ذاهبة لكي أرقق قلب (جوفاني) وأهدئ من حدة تصرفاته....يجب أن يعرف أن الإنتقام هو أسوء شئ يمكن أن يفعله الإنسان....يجب أن أوقف ما يحصل ولعلنا نستطيع حينها أن نعيد (كلوديا) له ونطفئ تلك النيران قبل أن تلتهمنا جميعا....أرجوك يا عزيزي....لأجلي كن صبورا وأعدك أني سأعود....سترى...."





وأعطته قبلة أخيرة وذهبت بالعربة التي أرسلها لها (جوفاني) من قصر (كازابيانكا)........ شعرت بقلبها يتحرك من مكانه وهي تسير في أراضي (فان دييجو) وتذكرت المرة الأولى التي دخلت فيها هذا القصر الكبير وشعرت بالهيبة تماما كما تلك المرة منذ أكثر من عشرون عاما ورأت النافورة التي تسبق الباب الأمامي...كل شئ كما هو...الحديقة...حتى الأزهار نفسها.... لكن هي ليست كما هي.....ولا هو قلبها....بمجرد أن نزلت عن العربة فتح لها الباب على مصراعيه وظهر (لوسيانو) وياللمفاجأة فلقد أنحنى وحياها بإحترام للمرة الأولى في حياته وحياتها....ووجدت الخدم جميعا يقفون صفين في البهو الرئيسي ووجدت (جوفاني) يقف في أعلى الدرج الذي يواجه البوابة....يقف بشموخ كما والده وكأنه سيد البيت...لوهلة قصيرة شعرت أنها ترى حبيبها القديم أمام عينيها تحت ظلال الحزن الذي يخيم على هذا البيت ولكن (جوفاني) نزل الدرج ليظهر لها وجهه بكل ما يحمله من شبه (لألفريدو) وكل ما يحمله من إختلاف...تقدم منها وأمسك يدها وقبلها بهدوء قائلا :





"أمي.....لقد نفذت أخيرا الوعد الذي وعدته على نفسي منذ رأيتهم يطردونا في يوم جنازة أبي ويلحقون بنا أشد أنواع الذل.....وعدت أن أعيدك هنا مهما كلفني الأمر مرفوعة الرأس لنرد لهم كل ما ألحقوه بنا من أذى وكل ما دمروه من حياتنا....أنت الآن سيدة هذا البيت وهو ملكك.....الجميع فلتنحنوا لتحية سيدتكم...."




فانحنى جميع الخدم له وأغرورقت عيناها بالدموع.....نعم لقد ألحقوا بها الكثير من الذل.... ولن يمحى هذا الأثر من داخلها ما حيت......سارت ببطء في أرجاء بيتها القديم....ذلك البيت الذي عاشت فيه هي و (ألفريدو) في أول أيام زواجهما طافت في الغرف ووصلت إلى غرفة اللوحات التي يوجد بها صورة السيدة (آنا) التي رأتها أول مرة عندما جاءت إلى القصر كخادمة أسطبل....كانت الصورة كما هي ولكن إبتسامة (آنا) لها كانت مختلفة....وكأنها تعرفها وتحييها...سارت لترى صورة زوجها الحبيب (ألفريدو) يقف بزي عسكري لم تتحمل دموعها وهي تحدق به فأمسك بها (جوفاني) وقادها إلى غرفة (ألفريدو)...غرفتهما القديمة.....عندما فتح الباب ندت منها شهقة....للشوق إلى الماضي....لقد كان كل شئ كما كان....الأثاث كما هو الستائر الملاءات اللوحات حتى الكرسي الذي كان بجانب النافذة والذي كان يجلس عليه (ألفريدو) دائما فأنهارت باكية رامية نفسها على فراشها القديم فراش زوجها ظلت تبكي بحرقة كل السنين التي مضت آمالهم أحلامهم التي ضاعت وذكرياتهم الجميلة نعم لقد عادت إلى هناك ....عادت بفضله....كأنه يحميها يرد لها حقها كما لو كان حيا....حتى وهو ميت يحميها....ذراعاه تحاوط قدرها....بقيت هي هناك تلك الليلة هائمة بين الذكريات.......





في الصباح التالي أصر (جوفاني) أن تأكل الأفطار على المائدة وكأنه بيتها....تناولها الأفطار في تلك الغرفة يذكرها بتلك الأيام التي كان يحتقرها الجميع فيها وهي على المائدة فلا يوجه أحد إليها حديثا....نظرت إلى (جوفاني) وهو يأكل بهدوء....أيقنت أن (ألفريدو) حقا لم يمت طالما يعيش داخل (جوفاني) في كل حركة في كل كلمة وفعل يقوم به....أنه يحمل (ألفريدو) في دمه.....في ذلك الصباح لم تنزل (سيسل) أو (روبرتو) إلى الأفطار و (فرناندو) لم يتناول طعامه من شدة أعياءه فقام (جوفاني) بأخذ أمه إلى حجرة الجلوس وقام بإستدعاء (سيسل) و (روبرتو) وقال لهم :






"أن أمي ستقيم هنا من الآن فصاعدا....إنها سيدة البيت وأريدكم أن تحترموها دائما...."




ففقدت (سيسل) قدرتها على الإحتمال وقالت :





"أو تجرؤ على الطلب منا أن نحترمها ؟!....خسئت أنت وهي!!...أي لعنة سوداء أصابتنا يوم جاءت بكم إلى هنا؟!...."




فصرخ (جوفاني) :




"أخرسي يا امرأة!!!....أتظنين أنك تستطيعين إلحاق الأذى بأمي الآن؟!.....لقد اختلف الوضع....أنت في قبضتي ولن أرحمك أو أي أحد منكم وسأجعلكم تبكون بدل الدموع دما مقابل ما فعلتوه بي وبأمي...!!"





فصرخت (أنجيليتا) :



"توقف يا (جوفاني) !!!!....."






فنظر إليها بإندهاش فأكملت تحدث (سيسل) :






"أسمعي يا سيدة (سيسل)....أنا آسفة لما أصاب والدك....نحن لا نريد شيئا منكم....فقط أعيدوا لأبني زوجته....أنها أيضا تعيسة بدونه وسوف تعيدون الحياة لها إذا تركتموها تعود إليه....ستحل كل الأمور هكذا ويمكننا أن نترك الماضي وراء ظهورنا...."





"أنا لن أفعل أي شئ يمكن أن يريح أبنك هذا ولو للحظة حتى لو اضطررت أن أضحي بحياتي وبأبنتي نفسها!!!...."




ورحلت هي وزوجها خارجا فأمسك (جوفاني) بآنية الأزهار وقام برميها تجاه الباب بغضب وصرخ :




"اللعنة عليكم جميعا.!!!...."





ورمى بنفسه على الكرسي يمسك رأسه بين يديه بيأس فنظرت إليه (أنجيليتا)....تذكرت فجأة والدها (خوسيه)....لقد كان محقا فلو أنها لم تتزوجه لما عانى الجميع بهذا الشكل ولما جلس ابنها يصارع دموعه كي لا تنزل أمامها بكرامة رجل....ولكنها لم تندم على أي لحظة.... على أي شئ في حياتها مع (ألفريدو)....جلست إلى جواره وقالت بحنان :






"يا بني....أنه الإنتقام...هو من يأكل روحك....لن يستفيد أحد....أنت لن يرتاح فؤادك ولن تندمل جروحك القديمة....طالما يعيش هذا الوحش بداخلك......لا تكن قاسي ولا يكون انتقامك مدمرا.....لا تكن مثلهم....هذا ليس من شيمك.....هذا ليس ما علمك إياه (ألفريدو).."





"أمي....هل نسيتي ما فعلوه بكي؟!....بنا؟!....لولا أبي (أندريه)...لما كنا الآن أحياء....لقد حطموا ماضي وما فيه من ذكريات حلوة....حطموا حاضري وما فيه من نجاح....وحطموا مستقبلي وما فيه من أمل....كيف تريدين مني أن أسامحهم؟!...كيف تريدين مني أن أكون رحيما معهم؟!..... (كلوديا).....حبيبتي....إنها روحي....أخذوها مني....ليذلوني من جديد......سأجعلهم يدفعون ثمن بعادها عني كل لحظة....."




" (جوفاني) زوجتك ستعود لك.....أؤكد لك ذلك.....ولكن هذة الطريقة ليست الطريقة الصحيحة لتستعيدها.....أنت هكذا تطعن أسرتها.....ففي النهاية هم أسرتها.....هذا القصر.... قصر (كازابيانكا)....أنه لم يكن بيتي....ولن يكون بيتي قطعا...لا أشعر بالراحة فيه....لم أشعر يوما فيه إلا بالغربة ولن أبقى فيه....فأستعادتك له لن تفيد بني...فهو لم يكن يوما لنا........ ما ملكته حقا من تلك الأسرة ما زال ملكي ولم أفقده....قلب (ألفريدو)...أنه أثمن من كل ما يملك أفراد أسرة (فان دييجو) جميعا.....فنحن ملكنا ثروتهم الحقيقية أنا ملكت قلب (ألفريدو) وأنت ملكت قلب (كلوديا).....والآن سأتركك بني...فالتفكر جيدا...لتفكر.."




وخرجت وتركته......وبقي هو هناك.......محاطا بسياج من الألم.....!!!





كان السيد (فرناندو) نائما وعندما استيقظ فتح عينيه بصعوبة وحاول تحريك أصابعه ليتأكد أنه مازال حيا....شعر بغيامة حول عينيه....لم يعد يرى بوضوح....شعر بأن الهواء ثقيل من حوله.....شعر أن هناك أحد يراقبه.....ففتح عينيه أكثر ولفها في كل مكان حتى وقف عند النافذة.....أشعة الشمس التي دخلت غرفته دون استئذان....صورت له بعدا جديدا لما يراه.... شعر أنها هي من تراقبه.....زوجته الراحلة (آنا).....كانت تقف هناك تحدق به بنظرات حنونة يملؤها الإشفاق....لقد كانت دائما تشفق عليه....كان هذا يقتله....تسارعت أنفاسه وبدأ يتنشق الهواء بصعوبة وقال لها :






"أخرجي!!!.....أخرجي حالا.....لا أريدك هنا....لماذا جئت؟!...جئت لكي تشاهدي نهايتي؟!... لطالما أردت مشاهدتها أليس كذلك؟!....جئت لتشمتي بحالي....لا تنظري إلي تلك النظرات....تلك النظرات تمزقني....أنا لا أريد شفقتك!!!..."




فردت (آنا) عليه :




"لماذا يا (فرناندو) ؟!....لماذا فعلت كل هذا؟!....لماذا زرعت بذرة الدمار بنفسك فنمت حول بيتك أنت وأبتلعته؟!...نعم أشفق عليك...سأظل دائما أشفق عليك!!"





"أصمتي!!.....أخرجي!!....لا أريدك هنا.....أخرجي!!....."





وبدأ يصرخ بأعلى صوته فسمعه أهل الدار في الفجر وصعد الجميع إلى غرفته دخلت (سيسل) ودخلت (أنجيليتا) و أخيرا (جوفاني) ...... وأرتمت (سيسل) راكعة بجوار فراش أبيها تمسك بيده وتحاول تهدئته فنظر (فرناندو) إلى (جوفاني) فتخيل انه يرى (ألفريدو) فقال له :




"أنت......لقد أنجبتك (آنا) لتنتقم مني....كانت تلك وسيلة إنتقامها.....أنا لم أقتلك...لم أرد لك سوى أن تحقق ما تمنيته لك من ثراء وسلطة ونجاح....كنت أريد أن أراك كما تمنيت أنا أن أكون....لكنك خذلتني....وتبعت درب (آنا)....هل أنت سعيدة الآن يا (آنا)؟!....لقد لحقك أبنك....لقد فعل ما أردت ودمرني....دمر ما لم تستطيعي أنت تدميره....وأنت....أنت أيتها الكولومبية....لقد أرسلتك السماء لتكوني حظي الأسود ما حييت... (كلوديا)...أين أنت يا حبيبتي؟!.....يا حفيدتي الوحيدة....أنت الوحيدة التي أريدك هنا...وأنتم....فلتخرجوا جميعا.... أغربوا عن وجهي!!!....."





وظل يشهق بشدة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة....مات وهو لا يزال مصرا على رأيه....... لم يقتنع بما فعله من سوء وفساد....لم يستسمح من ظلمهم بل ظل يلصق بهم ما أصابه من سوء في حياته......وأنهارت (سيسل) باكية تبكي لفراق أبيها فقدتهم الواحد تلو الآخر أمها, أخيها والآن أبيها....سالت دموع (أنجيليتا) حزنا على ما أنتهت به حياة ذلك الرجل الجبار الذي أمسك مصيرها وقبض عليه بأصابع حديدية.....شعرت أنها للتو تحررت على الرغم أنه فقد سلطته عليها منذ زمن لكن لطالما هو كان يتنفس الهواء الذي تتنفسه كانت تشعر أنه بطريقة ما يتحكم في حياتها وسعادتها وكأن مخزون سعادتها كان مفتاحه ملك يمينه والآن قد مات ذلك الرجل ولم يعد هناك من يمكن أن يسيئ لها بأي شكل من الأشكال...







في الصباح أقيمت جنازة السيد (فرناندو) وحضرها جميع أهل القرية ليشهدوا موت ذلك الطاغية الذي حكم أراضيهم وهو ينظر إليهم بإزدراء من علياؤه.....شاهدوا جنازته ليستطيعوا أن يستوعبوا أنه مات فعلا وحضرتها (أنجيليتا) و (جوفاني) و (أندريه) و (روبرتو) ودفن إلى جانب زوجته (آنا) و (ألفريدو) في مدفن أسرة (فان دييجو) وحدث (جوفاني) نفسه أنه لا يستحق أن يدفن إلى جانبهم.....عادوا جميعا على القصر وعادت (سيسل) وهي تشعر أنها حقا فقدت كل شئ فحتى أبنتها قد فقدتها وأبيها وأخيها....وبيتها أسرتها جميعا وفكرت في كل ما فعله والدها (لألفريدو) وحدثت نفسها سر في صمت......... ما فائدة كل هذا؟!.....ما فائدة ذلك الحقد الذي جعلناه فردا في أسرتنا؟!....لقد أنتصر علينا الواحد تلو الآخر.....ربما لو أنهم فقط أستقبلوا (أنجيليتا) ذلك اليوم كزوجة وكذلك ابن (ألفريدو) وتعايشوا مع هذة الحقيقة لربما كانت آخر أيامهم أفضل من هذا....ماذا ستستفيد إن بقيت تعاديهم فلقد مات والدها ولم يستفد شيئا ولم يستطع هزيمتهم...شعرت أنه لا فائدة فلا يمكن لأحد أن يهرب من قدره....أتجهت نحو الهاتف وأتصلت (بفلوريا) لتعلمها بكل ما حصل لها ولوالدها و (لماريوس) وطلبت إليها أن تعود مع (كلوديا)......









كانت (أنجيليتا) تقف عند النافورة لتي تقابل باب القصر تحدق بها.....تلك الحورية التي يحيطها بذراعيه ذلك النبيل.....إنها حقا تشبهها وتشبه قصتها...ذلك النبيل الذي خطفها من عالمها لتسبح في عالمه....عالمه الجميل.....ثم سمعت سيارة تقترب من بعيد....ووقفت السيارة أمامها وخرجت منها إمرأتان.....أولهما (فلوريا) غريمتها القديمة والثانية كانت (كلوديا) !!!......كانت تبدو كمن خرج للتو من مرض قاتل...كانت شاحبة للغاية نظرت إليها بفرح وعانقتها وهي تبكي....تبكي حزنا على ما جرى لها ولزوجها (جوفاني) وتبكي لموت جدها وهو بعيد عنها وقالت لها (أنجيليتا) :





"أذهبي بسرعة...أذهبي إليه..!!..."





فجرت مسرعة إلى القصر لتبحث عنه في كل مكان.....حتى اخبرها أحد الخدم أنه ليس هنا وأنه خرج منذ الصباح فشعرت بحزن....كانت تتوق شوقا إليه....لم تفكر حتى في تحية والديها....فكرت وفكرت ثم ركبت جوادا وجرت به بسرعة إلى الكوخ السري.....في حديقة الأزهار الذهبية.....شعرت بقلبها هناك ينتظرها ووصلت بين تلك الأزهار التي أجتاح رحيقها أنفاسها وأهاج مشاعرها ونظرت إلى الكوخ الذي بنياه سويا فوجدت السلم ظاهرا فعرفت أنه في الأعلى....تسارعت ضربات قلبها وكأنها مراهقة ذاهبة لتقابل حبيبها السري....صعدت وجسدها كله يرتعش....دخلت إلى هناك فوجدته سارح وغارق في أفكاره ينظر من النافذة وظهره لها فنادته بوهن فلم يخرج إلا بقايا صوتها ولكنه سمعها....أحس بوجودها......... ألتفت لها جرى ناحيتها وحملها بين ذراعيه....دار بها في البيت كله حتى فقد توازنه وسقطا معا ولكنه احتفظ بها بين ذراعيه ضمها إليه بكل قوة بقيت في جسده....كيف تحمل هذة الفترة في فراقها عنه؟!....كيف استطاعت هي أن لا تسكن أحضانه كل هذا؟!....لم تكفهم دموعهم .......لم يكتفوا من قبلاتهم....لم يشبعوا من دفئ عناقاتهم وبقيا هكذا ساعات وساعات..... حتى رفع (جوفاني) وجهه اخيرا وقال :






"شكرا لك يا ربي!!!!......"






ولأول مرة في حياته منذ أن مات والده وجد أخيرا السلام في داخله...وغادرت جميع الأحقاد روحه وتركته لغير رجعة.....عاد الإثنان لقصر (كازابيانكا) وقام (جوفاني) بإخراج أخيه من السجن ليريح قلب (فلوريا) لكن (ماريوس) لم يتحمل أن ينظر في وجهه....لم يستطع أن ينسى كل الحقد الذي ولد به وورثه من دم أمه.....لم يصافح أخاه ولم يتصالح معه وسافر فورا خارج البلاد مع أمه كما عادت (سيسل) و (روبرتو) إلى أمريكا فلم تستطع (سيسل) أن تبقى في هذا القصر بعد الآن وأقنعت (كلوديا) زوجها أنها أيضا لا تستطيع البقاء فيه بعد رحيل الجميع عنه كما خيم الحزن على القصر بشكل غريب كما هي لا تريد أن تلد طفلها القادم في مكان كهذا فسافرا معا إلى روما وعاشا في قصر هناك أما (أنجيليتا) فذهبت لتزور أخيرا قبر (ألفريدو) وحدها كما تمنت دائما......ركعت هناك ووضعت أزهار الكلوديا على قبره وشعرت أنها لن تذرف الدموع مجددا فماضيها وأحزانها ستدفنها هنا لتبدأ حياة جديدة مليئة بالفرح والسعادة وقالت تحدق (ألفريدو) :





"عزيزي (ألفريدو)....إنها المرة الأخيرة التي سأتذكرك فيها...لقد تحققت أحلامنا التي تمنيناها سويا في أيام صبانا...والآن فلترقد بسلام....لقد حميتني دائما وخلفت وراءك صديقا حميما قام برعايتي بحياته وضحى بكل ما يملك في سبيل كسب قلبي....أسمح لي أن أحبه.... لأحبه بإخلاص وأعطيه ما تمنى دوما.....أنه رجل نبيل حقا....الوداع يا (ألفريدو)..... يا حبيب قلبي الغالي..."





وغادرت من هناك وحملت حقائبها من قصر (كازابيانكا) وهي راحلة نظرت خلفها وقالت :





"لا أستطيع أن أحبك أيها البيت العتيق.....فكما عشت أيام جميلة فيك خسرت فيك كل من أحبهم.....لا لن أستطيع أن أحبك.....ولن أعود إليك مجددا!!...."

رحلت مسرعة ودخلت قصر (روزانيرا) حيث يقف زوجها وحيدا بإنتظارها...وجدته في مكتبه واقفا يفكر.....فوضعت حقائبها أرضا وجرت إليه تحضنه من الخلف ففرح وضحك بسعادة وعانقها ثم أعطته زهرة كلوديا واحدة وأبتسمت له بحب كبير لأول مرة في حياتها وقالت :
" (أندريه)......أنا أحبك!!!......"
فدمعت عيناه وعانقها بقوة وقال :
"وأنا......سأظل طوال عمري أحبك.....أيتها السمراء الفاتنة!!!....."

مرت السنوات ورزق (جوفاني) و (كلوديا) بصبيان وبنت وكانا يزوران أبواهما من وقت لآخر أما قصر (كازابيانكا) فلقد بقي مهجورا منذ ذلك اليوم ولم يسكنه أحد........لم يسكنه سوى الأحزان...!!!...
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد