ذاكرة الجسد».. بـــين رقـــي الأدب وألـــق الدرامـــا
دمشق
تشرين دراما
الاحد5ايلول 2010
ريم الشالاتي
كثيراً ما كان الأدب ببعض أنواعه من رواية وقصة مادة للدراما سواء أكانت سينمائية أم تلفزيونية، وكثيراً ما كانت الأعمال السينمائية أو التلفزيونية التي تستند إلى قصة أو راوية أدبية أعمالاً هامة ومؤثرة، فكيف سيكون حال مسلسل تلفزيوني يستند إلى رواية تعد الأكثر طباعةً ومبيعاً وقراءةً في السنوات العشر الأخيرة في العالم العربي؟
رواية (ذاكرة الجسد) للكاتبة أحلام مستغانمي لم تكن من فراغ واحدة من أشهر وأجمل الروايات العربية في العصر الحديث، لأنها عدا عن كونها مكتوبة بلغة شاعرية عالية المستوى، وعدا عن عمقها في سبر النفس البشرية في لحظة حب واضحة أحياناً وملتبسة في أحايين كثيرة، فهي تقدم سيرة وطن ومسيرة نضال وحلم حرية دفع ثمنه الجزائريون مليون شهيد، على خلفية قصة حب استثنائية كان الأجمل فيها ما لم يحدث. من هنا كان التحدي كبيراً جداً أمام فريق عمل مسلسل (ذاكرة الجسد) بقيادة المايسترو نجدة أنزور لإنجاز عمل يقارب نجاح وشهرة الرواية، خصوصاً أنه يقدم لجمهور الدراما التلفزيونية العريض والذي يعشق عدد كبير منه عقد المقارنات التي غالباً ما تكون ظالمة.
بدأ المسلسل حلقاته الأولى بإخلاص شديد للرواية حتى ذهب البعض للتصور بأنه يرى في المسلسل جمال سليمان وهو يقرأ الرواية، ورغم ما في ذلك من ظلم للصورة الرومانسية المتناغمة مع الموسيقا التصويرية، والتي استطاع عبرها المخرج أن يروي مسلسله بالصور بمقاربة شاعرية رواية الكاتبة لروايتها بالكلمات، رغم ذلك أعتقد أن الإخلاص للرواية يعتبر ميزة أكثر مما هو مأخذ لأن كاتبة السيناريو استطاعت أن تمزج بين الأصل والفرع بطريقة متقنة أصبح معها الفصل غير ممكن، وهو أمر ليس مستغرب من كاتبة بحرفية وشاعرية ريم حنا. مع انتقال أحداث المسلسل من باريس إلى الجزائر بسبب زواج البطلة، أخذ المسلسل بالخروج شيئاً فشيئاً عن الرواية وخصوصاً تجاه علاقة فريدة بناصر. وبالرغم من أن عرض المسلسل لم ينته بعد إلا أني أعتبر هذا الخروج موفقاً سواء في مجال علاقة أسرة خالد بأسرة حياة أو في مجال علاقة فريدة بناصر، لأن توطيد علاقة أسرة خالد بأسرة حياة خلقت مناخاً بديلاً وطبيعياً للتواصل بين خالد وحياة بعد زواج الأخيرة. أما التركيز على علاقة فريدة بناصر فقد خلقت معادلاً موضوعياً لانتهاء قصة حياة وخالد، وكأن قدر هذا العمل أن يبقى محفوفاً بعذوبة الحب وعذاباته. بصورة أو بأخرى كانت فريدة بإخلاصها لحبها وتحديها أهلها والمجتمع في سبيل الحب، وجه آخر لحياة التي لم تستطع الإخلاص لخالد أو زياد أو للحب وتحدي رغباتها وتناقضاتها. تفاصيل حكاية ناصر واغترابه عن قيم مجتمع يقدس الأبطال بالكلام ويدنس طهرهم بالأفعال، نجحت إلى حد كبير في إيجاد مبررات ستدفع ناصر فيما بعد للانضمام لأحد الأحزاب المتدينة، وهو أمر لم يكن موجوداً بالرواية التي تترك للقارئ مجالاً أوسع للتحليل والاستنتاج، فيما يتبنى كاتب السيناريو كافة الشخصيات ويقف على مسافة واحدة منها، ليشرح وجهة نظرها ويقدم سبباً أو مبرراً لكل فعل أو رد فعل تقوم به. الأمر نفسه ينسحب على شخصية حياة التي قررت الزواج فجأة بمصطفى رغم علاقتها بخالد، ليبقى الغموض والتناقض السمة الغالبة على شخصية حياة، في الوقت الذي جعلت فيه ريم حنا زواج حياة رد فعل على خلافها العنيف مع خالد بعد استشهاد زياد، وكما كانت العلاقة ملتبسة بين الثلاثي (خالد – حياة – زياد) لعب المسلسل على الوتر نفسه لتزيد مشاهد زياد وحياة حيرة المتابع عن ماهية هذه العلاقة، فهل كانت علاقة حب من الطرفين ؟ أم أنها علاقة حب من طرف واحد (حياة)؟ أم أنها كانت خيالات وبنات أفكار العاشق المهووس خالد ولم يكن لقصة الحب تلك أساس في الواقع ؟ كما لعب المخرج على أداء حياة وميزانسين المشاهد التي جمعتها بزياد وخالد، ليزد الغموض أكثر حول هذه العلاقة التي جعل حياة فيها كفراشة تنجذب للضوء فتبهره وتحرقه قبل أن يحرقها، هذه المشاهد قربت حياة أكثر لقلب المشاهد حتى عطلت أحيانا المحاكمات العقلانية على سلوكها وتصرفاتها، كما ركزت مشاهد أخرى على تناقضات حياة حين رسمتها مرة بلون أحمر يغلي، ومرة بالأصفر الذي يشي بالغيرة، ومرة بالأبيض بمدلولاته الكثيرة، لتلعب أيضاً الإضاءة دوراً كبيراً عندما يركز المخرج في بعض المشاهد على نصف وجه حياة مضاء ونصفه الآخر بلا إضاءة، وكأن الصورة تفسر تناقض حياة وصراعها الداخلي بين الأبيض والأسود بين نوازع الخير والشر. وهنا لا ننسى طبعاً براعة أمل بوشوشة في فهم شخصية حياة بتفاصيلها الدقيقة، والتي مكنتها من تحويل حياة من شخصية من حرف وحبر إلى إنسانة من لحم ودم، كما لا ننسى بالتأكيد تأثير وجود جمال سليمان إلى جانبها ما سلمها مفاتيح كثيرة لأداء شخصية حياة. جمال سليمان الذي نجح بأداء أدوار كثيرة ومتنوعة عبر تاريخه الفني، كنت أعتقد انه لا يمكنه بحال من الأحوال كممثل تجاوز دور مطر أبو ربيع في مسلسل (ذكريات الزمن القادم) للكاتبة ريم حنا والمخرج هيثم حقي، ولا دور القائد أبو صالح في (التغريبة الفلسطينية) للكاتب الدكتور وليد سيف والمخرج حاتم علي. خالد بن طوبال في مسلسل (ذاكرة الجسد) دور آخر للفنان سليمان يضاف لسلسلة أدواره (علامة فارقة) أدهشنا بأدائه وأثبت من جديد أنه ممثل من طراز خاص، يستطيع أن يقدم ادواراً مدهشة عندما تكون مكتوبة على الورق بطريقة مغايرة. بما أني أتحدث عن أداء الممثلين فلا بد لي من القول بأن أغلبهم قدم أدواراً جيدة ومغايرة عما قدموه من قبل، خصوصاً لجهة شخصيات بعيدة عنهم من بلد مختلف بعادات وتقاليد مختلفة. جواد الشكرجي بشخصية سي الطاهر، ظافر العابدين بشخصية زياد، خالد القيش بشخصية حسان، آلاء عفاش بشخصية فريدة وزينة حلاق بدور عتيقة الذي كما قدم فرصة لزينة لترتقي بشخصية ثانوية إلى مصاف البطولة، قدم لنا فرصة لإعادة اكتشاف هذه الفنانة بأدائها اللافت الذي لم نلمحه سابقاً في كل ما قدمت.
وكما قدمت الكاتبة أحلام مستغانمي وصفاً رائعاً لمدينة قسنطينة في ثلاثيتها، استطاع المخرج أن ينقل هذا الوصف للمشاهد بالصور، واستطاع أن يمزج بحرفية عالية بين لوحات خالد ومشاهد بانورامية للمدينة. وكما قربت الرواية مدينة قسنطينة منا رغم بعدها جغرافياً عنا، قربها أكثر دخول نجدة أنزور أزقة المدينة وبيوتها القديمة، لنحس جمال جدرانها المنقوشة ودفء باحاتها السماوية المزدانة ببحرة ماء كما البيوت الدمشقية القديمة. المسلسل استطاع أيضاً تقريب اللهجة الجزائرية الصعبة بالنسبة إلينا لا بل جعلها محببة وجميلة، كما قدم أيضاً صورة عن الموروث الشعبي في الجزائر من ناحية تفاصيل العادات اليومية، اللباس الجزائري والحلي التقليدية، الأغاني التراثية، العادات والتقاليد، صحيح أن كل ذلك كان موجود في الرواية ولكن الصورة التلفزيونية أقوى كونها تصل لعدد أكبر من الناس.
كلمة أخيرة عن جمالية اللغة الشعرية ومدى صلاحية اللغة العربية في وصف اليومي والحياتي كالمشاعر والأحاسيس، فإذا كانت اللغة الشعرية واحدة من جماليات روايات أحلام مستغانمي، فإنها أجمل ما قدمه المسلسل كرد في وجه كل من يعتبر اللغة العربية جامدة، عتبي على صناع المسلسل أو على المدقق اللغوي مرور الكثير من الأخطاء اللغوية الفادحة كنصب المرفوع ورفع المجرور وغيرها.
قيل وسيقال الكثير عن تحويل الروايات الهامة إلى أعمال سينمائية أو تلفزيونية، ووقف الكثير مع التجربة والكثير ضدها، وستبقى المقارنات لعبة المشاهد المفضلة لينتصر للفيلم أو المسلسل على حساب الرواية مرة، وللرواية على حساب الفيلم أو المسلسل مرات عديدة، ولكني أعتقد أن عودة الرواية لتكون أساساً لمسلسل تلفزيوني حدث لا بد أن نتفاءل به، وأن مسلسلاً واحداً على الأقل على شاكلة (ذاكرة الجسد) حق لنا بذمة موسم درامي مسلسلاته تربو عن ثلاثين فيها الغث كما فيها السمين.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
دمشق
تشرين دراما
الاحد5ايلول 2010
ريم الشالاتي
كثيراً ما كان الأدب ببعض أنواعه من رواية وقصة مادة للدراما سواء أكانت سينمائية أم تلفزيونية، وكثيراً ما كانت الأعمال السينمائية أو التلفزيونية التي تستند إلى قصة أو راوية أدبية أعمالاً هامة ومؤثرة، فكيف سيكون حال مسلسل تلفزيوني يستند إلى رواية تعد الأكثر طباعةً ومبيعاً وقراءةً في السنوات العشر الأخيرة في العالم العربي؟
رواية (ذاكرة الجسد) للكاتبة أحلام مستغانمي لم تكن من فراغ واحدة من أشهر وأجمل الروايات العربية في العصر الحديث، لأنها عدا عن كونها مكتوبة بلغة شاعرية عالية المستوى، وعدا عن عمقها في سبر النفس البشرية في لحظة حب واضحة أحياناً وملتبسة في أحايين كثيرة، فهي تقدم سيرة وطن ومسيرة نضال وحلم حرية دفع ثمنه الجزائريون مليون شهيد، على خلفية قصة حب استثنائية كان الأجمل فيها ما لم يحدث. من هنا كان التحدي كبيراً جداً أمام فريق عمل مسلسل (ذاكرة الجسد) بقيادة المايسترو نجدة أنزور لإنجاز عمل يقارب نجاح وشهرة الرواية، خصوصاً أنه يقدم لجمهور الدراما التلفزيونية العريض والذي يعشق عدد كبير منه عقد المقارنات التي غالباً ما تكون ظالمة.
بدأ المسلسل حلقاته الأولى بإخلاص شديد للرواية حتى ذهب البعض للتصور بأنه يرى في المسلسل جمال سليمان وهو يقرأ الرواية، ورغم ما في ذلك من ظلم للصورة الرومانسية المتناغمة مع الموسيقا التصويرية، والتي استطاع عبرها المخرج أن يروي مسلسله بالصور بمقاربة شاعرية رواية الكاتبة لروايتها بالكلمات، رغم ذلك أعتقد أن الإخلاص للرواية يعتبر ميزة أكثر مما هو مأخذ لأن كاتبة السيناريو استطاعت أن تمزج بين الأصل والفرع بطريقة متقنة أصبح معها الفصل غير ممكن، وهو أمر ليس مستغرب من كاتبة بحرفية وشاعرية ريم حنا. مع انتقال أحداث المسلسل من باريس إلى الجزائر بسبب زواج البطلة، أخذ المسلسل بالخروج شيئاً فشيئاً عن الرواية وخصوصاً تجاه علاقة فريدة بناصر. وبالرغم من أن عرض المسلسل لم ينته بعد إلا أني أعتبر هذا الخروج موفقاً سواء في مجال علاقة أسرة خالد بأسرة حياة أو في مجال علاقة فريدة بناصر، لأن توطيد علاقة أسرة خالد بأسرة حياة خلقت مناخاً بديلاً وطبيعياً للتواصل بين خالد وحياة بعد زواج الأخيرة. أما التركيز على علاقة فريدة بناصر فقد خلقت معادلاً موضوعياً لانتهاء قصة حياة وخالد، وكأن قدر هذا العمل أن يبقى محفوفاً بعذوبة الحب وعذاباته. بصورة أو بأخرى كانت فريدة بإخلاصها لحبها وتحديها أهلها والمجتمع في سبيل الحب، وجه آخر لحياة التي لم تستطع الإخلاص لخالد أو زياد أو للحب وتحدي رغباتها وتناقضاتها. تفاصيل حكاية ناصر واغترابه عن قيم مجتمع يقدس الأبطال بالكلام ويدنس طهرهم بالأفعال، نجحت إلى حد كبير في إيجاد مبررات ستدفع ناصر فيما بعد للانضمام لأحد الأحزاب المتدينة، وهو أمر لم يكن موجوداً بالرواية التي تترك للقارئ مجالاً أوسع للتحليل والاستنتاج، فيما يتبنى كاتب السيناريو كافة الشخصيات ويقف على مسافة واحدة منها، ليشرح وجهة نظرها ويقدم سبباً أو مبرراً لكل فعل أو رد فعل تقوم به. الأمر نفسه ينسحب على شخصية حياة التي قررت الزواج فجأة بمصطفى رغم علاقتها بخالد، ليبقى الغموض والتناقض السمة الغالبة على شخصية حياة، في الوقت الذي جعلت فيه ريم حنا زواج حياة رد فعل على خلافها العنيف مع خالد بعد استشهاد زياد، وكما كانت العلاقة ملتبسة بين الثلاثي (خالد – حياة – زياد) لعب المسلسل على الوتر نفسه لتزيد مشاهد زياد وحياة حيرة المتابع عن ماهية هذه العلاقة، فهل كانت علاقة حب من الطرفين ؟ أم أنها علاقة حب من طرف واحد (حياة)؟ أم أنها كانت خيالات وبنات أفكار العاشق المهووس خالد ولم يكن لقصة الحب تلك أساس في الواقع ؟ كما لعب المخرج على أداء حياة وميزانسين المشاهد التي جمعتها بزياد وخالد، ليزد الغموض أكثر حول هذه العلاقة التي جعل حياة فيها كفراشة تنجذب للضوء فتبهره وتحرقه قبل أن يحرقها، هذه المشاهد قربت حياة أكثر لقلب المشاهد حتى عطلت أحيانا المحاكمات العقلانية على سلوكها وتصرفاتها، كما ركزت مشاهد أخرى على تناقضات حياة حين رسمتها مرة بلون أحمر يغلي، ومرة بالأصفر الذي يشي بالغيرة، ومرة بالأبيض بمدلولاته الكثيرة، لتلعب أيضاً الإضاءة دوراً كبيراً عندما يركز المخرج في بعض المشاهد على نصف وجه حياة مضاء ونصفه الآخر بلا إضاءة، وكأن الصورة تفسر تناقض حياة وصراعها الداخلي بين الأبيض والأسود بين نوازع الخير والشر. وهنا لا ننسى طبعاً براعة أمل بوشوشة في فهم شخصية حياة بتفاصيلها الدقيقة، والتي مكنتها من تحويل حياة من شخصية من حرف وحبر إلى إنسانة من لحم ودم، كما لا ننسى بالتأكيد تأثير وجود جمال سليمان إلى جانبها ما سلمها مفاتيح كثيرة لأداء شخصية حياة. جمال سليمان الذي نجح بأداء أدوار كثيرة ومتنوعة عبر تاريخه الفني، كنت أعتقد انه لا يمكنه بحال من الأحوال كممثل تجاوز دور مطر أبو ربيع في مسلسل (ذكريات الزمن القادم) للكاتبة ريم حنا والمخرج هيثم حقي، ولا دور القائد أبو صالح في (التغريبة الفلسطينية) للكاتب الدكتور وليد سيف والمخرج حاتم علي. خالد بن طوبال في مسلسل (ذاكرة الجسد) دور آخر للفنان سليمان يضاف لسلسلة أدواره (علامة فارقة) أدهشنا بأدائه وأثبت من جديد أنه ممثل من طراز خاص، يستطيع أن يقدم ادواراً مدهشة عندما تكون مكتوبة على الورق بطريقة مغايرة. بما أني أتحدث عن أداء الممثلين فلا بد لي من القول بأن أغلبهم قدم أدواراً جيدة ومغايرة عما قدموه من قبل، خصوصاً لجهة شخصيات بعيدة عنهم من بلد مختلف بعادات وتقاليد مختلفة. جواد الشكرجي بشخصية سي الطاهر، ظافر العابدين بشخصية زياد، خالد القيش بشخصية حسان، آلاء عفاش بشخصية فريدة وزينة حلاق بدور عتيقة الذي كما قدم فرصة لزينة لترتقي بشخصية ثانوية إلى مصاف البطولة، قدم لنا فرصة لإعادة اكتشاف هذه الفنانة بأدائها اللافت الذي لم نلمحه سابقاً في كل ما قدمت.
وكما قدمت الكاتبة أحلام مستغانمي وصفاً رائعاً لمدينة قسنطينة في ثلاثيتها، استطاع المخرج أن ينقل هذا الوصف للمشاهد بالصور، واستطاع أن يمزج بحرفية عالية بين لوحات خالد ومشاهد بانورامية للمدينة. وكما قربت الرواية مدينة قسنطينة منا رغم بعدها جغرافياً عنا، قربها أكثر دخول نجدة أنزور أزقة المدينة وبيوتها القديمة، لنحس جمال جدرانها المنقوشة ودفء باحاتها السماوية المزدانة ببحرة ماء كما البيوت الدمشقية القديمة. المسلسل استطاع أيضاً تقريب اللهجة الجزائرية الصعبة بالنسبة إلينا لا بل جعلها محببة وجميلة، كما قدم أيضاً صورة عن الموروث الشعبي في الجزائر من ناحية تفاصيل العادات اليومية، اللباس الجزائري والحلي التقليدية، الأغاني التراثية، العادات والتقاليد، صحيح أن كل ذلك كان موجود في الرواية ولكن الصورة التلفزيونية أقوى كونها تصل لعدد أكبر من الناس.
كلمة أخيرة عن جمالية اللغة الشعرية ومدى صلاحية اللغة العربية في وصف اليومي والحياتي كالمشاعر والأحاسيس، فإذا كانت اللغة الشعرية واحدة من جماليات روايات أحلام مستغانمي، فإنها أجمل ما قدمه المسلسل كرد في وجه كل من يعتبر اللغة العربية جامدة، عتبي على صناع المسلسل أو على المدقق اللغوي مرور الكثير من الأخطاء اللغوية الفادحة كنصب المرفوع ورفع المجرور وغيرها.
قيل وسيقال الكثير عن تحويل الروايات الهامة إلى أعمال سينمائية أو تلفزيونية، ووقف الكثير مع التجربة والكثير ضدها، وستبقى المقارنات لعبة المشاهد المفضلة لينتصر للفيلم أو المسلسل على حساب الرواية مرة، وللرواية على حساب الفيلم أو المسلسل مرات عديدة، ولكني أعتقد أن عودة الرواية لتكون أساساً لمسلسل تلفزيوني حدث لا بد أن نتفاءل به، وأن مسلسلاً واحداً على الأقل على شاكلة (ذاكرة الجسد) حق لنا بذمة موسم درامي مسلسلاته تربو عن ثلاثين فيها الغث كما فيها السمين.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]