أكّد الدكتور إلياس بوكراع المدير العام بالنيابة للمركز الإفريقي للدراسات والبحوث حول الإرهاب، هذا الاثنين، على قدرة الجزائر لتحصين منطقة الساحل الإفريقي ضدّ أي قلاقل لها صلة بالإرهاب والجريمة المنظمة.
وفي منتدى احتضنه مركز الشعب للدراسات الاستيراتجية، ركّز بوكراع في دراسة استيراتجية استعرضها بالمناسبة، على أنّ ثقل الجزائر ومكانتها المحورية، دفعا الغرب لمحاولة تحييد الدور الجزائري وإطلاق مزاعم مغلوطة بغرض النيل منها بكل الوسائل.
وإذ ألّح د/بوكراع على حتمية تحلي السلطات الجزائرية باليقظة اللازمة، لاحظ الأكاديمي الجزائري البارز أنّ الدعاية الغربية التي يتم التسويق لها، تراهن على عزل الجزائر والسعي لتحجيم دورها الاستيراتجي كدولة قائدة لمنطقة الساحل، عبر الإكثار من التشويش والتلويح بورقة التدخل العسكري الخارجي، معلّقا:” ما يحدث في دارفور مرشح للتكرار، والأمر برمته يشكّل تمهيدا لسيناريو ماكر جار حبكه”.
وبجانب تشديده على أنّ “ما يحدث في منطقة الساحل يستهدف الجزائر”، امتدح المحاضر مطوّلا ما تمتلكه الجزائر من مميزات مقارنة بدول الساحل الأخرى، حيث ذكر أّنّ الجزائر هي البلد الوحيد في منطقة الساحل الذي له المقدرة على تجميع جهود جميع بلدان المنطقة، والنأي بها عن مساومات الغرب ومناوراته لإرغام الأفارقة على تقديم تنازلات إضافية.
تعفين الساحل لاستنزاف ثرواته
شدّد د/بوكراع على أنّ ما يقع في منطقة الساحل منذ فترة غير قصيرة من أعمال عنف ومخططات تعفين، له صلة وثيقة بسعي المشوشين لاستنزاف ثروات منطقة تكتنز كميات ضخمة من الثروات الباطنية والموارد الطاقوية على غرار البترول، الغاز، اليورانيوم والذهب، مستدلا بكون ما تتعرض له بلدان الساحل ليس وليد اللحظة بل يمتد إلى زمن اكتشاف الثروات في المنطقة.
ولفت مسؤول المركز الإفريقي للدراسات حول الإرهاب، إلى أنّ الخطر الأكبر يكمن في تخطيط الغرب إلى تنفيذ تقسيمات كولونيالية متجددة تطال منطقة الساحل ومن ورائها القارة السمراء، وهو ما يفسر سعي دول غربية لإيجاد مسوغ لتدخلها عسكريا على سبيل التموقع والتحكم في الثروات الكثيرة، وهو ما ينطوي على خطر داهم يهدد المنطقة وينبغي التصدي له بحزم.
وأحال المحاضر على بحث الغرب لجعل منطقة الساحل معسكرا واسعا للجهاديين على منوال النموذج الباكستاني/الأفغاني، مع العمل على تحويل المنطقة إلى مرتع للجريمة المنظمة، وتركها مسرحا دائما لمواجهات وحروب بالوكالة بين قوى إقليمية ودولية.
القضاء على (القاعدة) ممكن في غضون أشهر قليلة
ألّح د/بوكراع على أنّ قوة ما يسمى بـ(تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) تكمن في ضعف الدول الأخرى، ما مكّن القاعدة – بحسبه – من توسيع تواجد عناصرها إلى حدود بوركينا فاسو، بعدما بقيت الجزائر هي الدولة الوحيدة التي تشن حرباً على الجماعات الإرهابية المسلحة.
وبمقابل إقراره بعدم إمكانية تجاهل تهديد القاعدة، جزم بوكراع أنّ القضاء على القاعدة ممكن جدا في غضون أشهر قليلة، خلافا لما يحاول الغرب تصويره، ذاهبا إلى أنّ شساعة منطقة الساحل (تربو عن 660 ألف كيلومتر مربع) تفرض تنسيقا شاملا يكفل تحييد القاعدة وعدم ترك الفضاء متاحا لمن يريدون الاستثمار في الاسلاموية وجر الساحل نحو مناخ راديكالي.
واعتبر الباحث في الشأن الأمني أنّ تحلي دول الساحل بالإرادة السياسية، سيسرّع نهاية القاعدة في بضع أشهر، ملاحظا أنّ هناك قطيعة بين (القاعدة) وما كان يسمى (الجماعة السلفية للدعوة والقتال) وليس “امتدادا تاريخيا” على حدّ زعم خبراء غربيين، مضيفا:”القاعدة هي سجل لعنف جديد مغاير لما كانت الجماعة السلفية تمارسه في الجزائر”، كما نبّه إلى أنّ هذه (القاعدة) تتمتع بإشهار ودعاية يصب لمصلحتها، على حد قوله.
الجريمة المنظمة تنذر بتهشيم اقتصاد الساحل
ذهب بوكراع إلى أنّ الجريمة المنظمة في صورة تهريب المخدرات وتبييض الأموال والاتجار بالبشر، يشكّل محورا لخطر أكبر ينذر بتهشيم الاقتصاد المنهك لدول الساحل.
ورأى بوكراع أنّ استمرار الوضع على ما هو عليه، سيفرز لوبيات مافيوزية تسيطر على ثروات الدول، وتقضي على توازنات القوى الحية وسائر المجموعات الاقتصادية الرسمية في بلدان المنطقة.
بوكراع صاحب عديد البحوث والكتب حول الظاهرة الاسلاموية والإرهاب في العالم، اعتبر أنّ القضاء على الإرهاب ليس مهمة عسكرية فحسب، بل يقوم أيضا على مشاركة كل القوى المجتمعية.
منطقة الساحل تمتد إلى السودان، غامبيا والرأس الأخضر
خلافا للمتعارف عليه، كشف بوكراع في دراسته أنّ منطقة الساحل تمتد إلى ليبيا، السودان والسينغال، كما تضم أطرافا من بوركينا فاسو، التشاد، الرأس الأخضر، غامبيا فضلا عن الجزائر، موريتانيا ، مالي والنيجر.
وإذ لفت الباحث إلى كون منطقة الساحل ظلت على الدوام منطقة عبور تجارية وممرا لتهريب العبيد منذ القرون الوسطى، قال إنّ الوضع فيها له صلة وثيقة بالتنوع العرقي واللغوي، ناهيك عن مشاكل الفقر والتنمية.
حيث ركّز على عدم مقدرة أنظمة كثير من دول المنطقة على تأمين نفسها، بجانب احتواء بوركينا فاسو لوحدها على 63 مجموعة عرقية، مالي (23)، فضلا عن عشرات المجموعات العرقية في النيجر، بينما تنفرد الجزائر وموريتانيا بكونهما الأكثر انسجاما.
ولم يفصل د/بوكراع راهن منطقة الساحل على التقسيمات التي حرصت أيادي الكولونيالية على تكريسها قبيل انسحابها من القارة السمراء، موضحا أنّ الفرنسيين حرصوا على التمكين للمسيحيين في عديد دول الساحل.
منطقة الساحل الأفقر في العالم و50 طنا من الهيرويين تعبرها سنويا
استنادا إلى شروحات بوكراع، فإنّ منطقة الساحل تعدّ الأفقر من نوعها في العالم، مبرزا أنّ 65 بالمائة من سكان الساحل يعيشون بدولار واحد يوميا، فضلا عن كون الأطفال والنساء يموتون بكثرة.
وذهب بوكراع إلى أنّ هذا الواقع هو الذي فسح المجال أمام اتساع نطاق المتاجرة في المخدرات، حيث ربط بين المجموعات المسلحة وتصاعد تهريب المخدرات اعتبارا من أمريكا ومناطق أخرى في العالم، لا سيما الكارتل الكولومبي المنظم الذي يخترق مالي – النيجر – التشاد – موريتانيا وإقليم دارفور.
ورأى بوكراع أنّ شبكات تهريب المخدرات تعمد إلى تعفين الوضع أمنيا للتعمية على نشاط مجموعاتها، والتي جعلت منطقة الساحل تستقطب كمية هائلة من رساميل الجريمة المنظمة.
وذكر المحاضر أنّ ما لا يقلّ عن 50 طنا من الهيرويين تنقل سنويا عبر دول الساحل، فضلا عن مائة مليون أورو تهرّب كل عام، وهو ما يعني أنّ تنظيما كالقاعدة له ميزانية ضخمة قد تفوق ميزانيات بعض دول الساحل.
ووصف بوكراع بعض نظم دول الساحل بـ”الضعيفة” التي تعيش على مساعدات غذائية أجنبية، ما يجعلها لا تتفاوض بشكل سليم على ثرواتها، وتوصّل أنّه حينما ترتفع نسبة النمو إلى 6 بالمائة في دول الساحل، ويتم القضاء على مشكل الفقر والجوع، سيكون الباب أمام أي مناورات، ويصير التجنيد في صفوف (القاعدة) معدوما.