يتحدث الروائي كمال قرور عن روايته الأخيرة ” سيد الخراب ” التي تمزج بين الواقع والخيال وتستلهم أحداثها من التراث والتاريخ.
كما يبرز قرور، في هذا الحوار الذي أجراه معه “موقع الإذاعة الجزائرية”، أهداف المشروع الثقافي للألفية الجديدة ومنتدى المواطنة الذي أسسه رفقة نخبة من المثقفين بولاية العلمة والمتمثلة أساسا في التكريس للحوار الثقافي والمساهمة في بناء الوطن.
*** أطلقت العديد من المبادرات على غرار دعوتك إلى فتح نقاش حول المشروع الثقافي الجزائري في الألفية الجديدة.. غير أننا نلاحظ تراجع نشاطك في الآونة الأخيرة فهل هذا يعني أنك رفعت راية الاستسلام مثل بقية المثقفين الذين أعلنوا انسحابهم من المشهد الثقافي؟
المشروع موجود في شكل أسئلة أو أرضية ، ويحتاج إلى إثراء، كما يحتاج إلى جهد لإيصاله إلى عدد كبير من نخبتنا للإطلاع عليه وتفعيله في الواقع في شكل لقاءات وندوات ومحاضرات. يمكن لكل واحد أن يتجاوب مع المشروع حسب إمكاناته. لانكلف أحدا فوق طاقته. العمل يحتاج إلى مجهودات ومبادرات الجميع. أنا مجرد مواطن أعي خطورة المرحلة التي تحتاج إلى تكاثف الجميع. ماذا يفعل اليوم المثقفون في غياب مشروع حقيقي غير الصراعات والحروب الهامشية التي لا تكاد تنتهي بين مجموعة حتى تبدأ مع مجموعة أخرى؟ لا بد من ظهور المثقف الشريك للسلطة ليثبت وجوده وكفاءته، وفعاليته. المثقف الموظف انتهى دوره، إذ لابد من أفكار جديدة ومبادرات يقدمها المثقفون الشركاء.
مثلما قلت منتدى المواطنة جاء ليكرس أسئلة المشروع الثقافي ويروج لها، ويثير الأسئلة الفكرية والمعرفية والثقافية في هذا الواقع الراكد المكتفي بما هو كائن ولايعنيه التطلع والحلم. نظمنا لحد الآن حوالي عشر جلسات في السنة، وكان لها الصدى الطيب على الأقل في أوساط النخبة، وكان علينا أن نرتاح في فصل الصيف، وفي شهر رمضان خاصة لظهور النشاطات المناسباتية.
أبدا لم ولن ننسحب مثلما فعل الآخرون، لكننا ندعو الجميع لمؤازة المنتدى لأنه ليس حكرا على فئة دون أخرى إنما وجد ليكون للجميع دون إقصاء.
*** يبدو من خلال ما تضمنته فكرة المشروع الثقافي في الألفية الجديدة أنك تتفق مع دعوة المفكر الجزائري الراحل “مالك بن نبي” لعقد تحالف بين الثقافة الإسلامية و الثقافة الكونفوشية؟
مالك بن نبي مفكر عقلاني استطاع أن يفهم المرحلة الحضارية التي يمر بها العالم الإسلامي محور طانجة جاكرتا ويشخصها تشخيصا، ويعطي حلولا منطقية بعيدا عن التعصب والتهافت ومرض الأنا. استطعت أن استفيد من بعض أفكاره، وكما قلت نحن اليوم في حاجة إلى تكاتف الجهود. للبحث عن مشروع ثقافي يبادر إلى بلورته الجميع.ليسع الجميع، دون إقصاء أو تعال من أجل بناء الدولة.فكرة تحالف الثقافة الإسلامية مع الثقافة الكونفوشية، هي إحدى أفكار مفكرنا طرحها في ستينيات القرن الماضي،وكان يهدف من خلالها، إلى ضرورة تحالف الإسلام الحضاري مع الكونفوشيوسية، لإنقاذ السلم العالمي من بطش القوى العظمى انذاك.كان بن نبي قد تنبأ مبكرا، عشرون سنة تقريبا، بسقوط الشيوعية وتحالف الصهيونية مع المسيحية لمحاربة الإسلام، ورأينا فيما بعد كيف ظهرت كتابات محرضة على المسلمين وكانت النتيجة أن تبنى الساسة تلك الأفكار وراحوا ينفذونها في الميدان وكانت نتيجتها وخيمة على العالم الإسلامي. الفكرة مازالت صالحة إلى يومنا وتحتاج إلى من يفعلها.سنعمل جادين لتفعيلها.
***وهل وجدت تجاوبا مع هذا المشروع؟
هناك حكمة تقول إذا أردت أن تحصد بعد عام ازرع قمحا، وإذا أردت أن تحصد بعد عشر سنوات اغرس شجرة، وإذا أردت أن تبني مجتمعا ازرع حلما. نحن نزرع ونترك للآخرين الحصاد.نحن بادرنا بزرع المشروع في الأماكن التي رأيناها صالحة للزرع والغرس.
هناك تجاوب من بعض المثقفين، ولكن ليس في مستوى الطموح، ولكن المهم أننا بادرنا في انتظار تحرك الآخرين.هذا ليس مشروعي وحدي، إنه مشروع الجميع، وأنا مؤمن بأن النخبة مطالبة ببلورته اليوم قبل الغد.حتى يستفيد الجيل القادم من هذا المجهود.
***الملاحظ أنك مهتم في سائر أعمالك الروائية بتأصيل التراث الشعبي على حساب جمالية اللغة مثلما هو الحال في روايتك الأخيرة “سيد الخراب” التي كشفت الستار عن حالة من الخراب الذي يتحرك فيه المجتمع بكل تناقضاته.
“سيد الخراب” هي الرواية الثانية صدرت في هذه السنة 2010 بعد رواية “التراس” الفائزة بجائزة مالك حداد 2007. ما زلت وفيا لتجربتي الأولى المتواضعة، وهي البحث عن شكل فني يساعدني على البوح، ويعبر عن المآسي التي نعيشها. كل الأشكال المتاحة لا تستطيع أن تستوعب هذا الذي بداخلي من أفكار وتصورات وأخيلة وتراكمات.
ربما هذا هو السبب الذي جعلني أتأخر في الكتابة والنشر والظهور. كانت رسالتي تبحث عن شكلها النهائي .كان علي ألا أعيد تجارب الذين قرأتهم وتأثرت بهم.لم يكن مجديا ذلك .لأني كنت واعيا.
أما اللغة فهي وسيلة وليست غاية. ولذلك كان علي أن أخرجها من قمقمها القاموسي الأكاديمي الرسمي إلى لغة بسيطة سلسة يتحدثها الناس في الشارع ويعبرون بها عن الأحاسيس والأفكار والمكبوتات. كان الموقف في رواية سيد الخراب يفرض علي تجاوز اللغة الكلاسيكية في بعض الحالات، وترك الشخصيات تعبر بلغتها الحميمية التي لايمكن أن تعوضها أية لغة أخرى.
*** بعض الذين قرأوا روايتك ” الترّاس” الذي اختفى” تساءلوا عن الفائدة من إعادة الاعتبار للفروسية في عصر العولمة والتقدم التكنولوجي؟..
السؤال أثاره الصديق الروائي الخير شوار بعد صدور رواية التراس، وقد أجبته حينها: نحن لم ننخرط في الحضارة الحديثة تعطلنا قرونا، لأننا رفضنا التحديث، وبقينا عبيدا للجمود والتردد. لذلك بقينا خارج الحضارة المعاصرة، نتأثر وننفعل و لا نساهم في الإبداع والابتكار، حتى أصبحنا أشباحا عرضة للتعصب والتهور وسفك الدماء.فقدنا قيمتنا الحضارية، وبقينا معطلين. هذا هو جوهر المسألة.
كنت مرة في مقهى وسمعت صديقين بطالين يتحدثان عن الغزوات ويتمنيان لومازال عصرها لينخرطا فيها ويقتلان بالسيوف الأعداء.ويسبيان النساء وينهبان الأموال.
* ** كيف تنظر إلى الساحة الروائية بعد رحيل الطاهر وطار؟
رحيل الروائي الكبير الطاهر وطار خسارة للرواية وخسارة للجزائر. الرجل أضاف إلى السرد الجزائري الكثير، كما أضاف للمشهد الثقافي بأفكاره ونقاشاته وسجالاته ومبادراته وفعاليته.لا يجب أن نيأس لكل مرحلة رجالها. هناك أسماء في الجزائر كبيرة ومعروفة عربيا وعالميا يمكنها أن تسد هذا الفراغ. فقط أن تهبط من برجها إلى الواقع وتساهم بمبادراتها في تفعيل المشهد الثقافي وتأطيره .
كما يبرز قرور، في هذا الحوار الذي أجراه معه “موقع الإذاعة الجزائرية”، أهداف المشروع الثقافي للألفية الجديدة ومنتدى المواطنة الذي أسسه رفقة نخبة من المثقفين بولاية العلمة والمتمثلة أساسا في التكريس للحوار الثقافي والمساهمة في بناء الوطن.
*** أطلقت العديد من المبادرات على غرار دعوتك إلى فتح نقاش حول المشروع الثقافي الجزائري في الألفية الجديدة.. غير أننا نلاحظ تراجع نشاطك في الآونة الأخيرة فهل هذا يعني أنك رفعت راية الاستسلام مثل بقية المثقفين الذين أعلنوا انسحابهم من المشهد الثقافي؟
المشروع موجود في شكل أسئلة أو أرضية ، ويحتاج إلى إثراء، كما يحتاج إلى جهد لإيصاله إلى عدد كبير من نخبتنا للإطلاع عليه وتفعيله في الواقع في شكل لقاءات وندوات ومحاضرات. يمكن لكل واحد أن يتجاوب مع المشروع حسب إمكاناته. لانكلف أحدا فوق طاقته. العمل يحتاج إلى مجهودات ومبادرات الجميع. أنا مجرد مواطن أعي خطورة المرحلة التي تحتاج إلى تكاثف الجميع. ماذا يفعل اليوم المثقفون في غياب مشروع حقيقي غير الصراعات والحروب الهامشية التي لا تكاد تنتهي بين مجموعة حتى تبدأ مع مجموعة أخرى؟ لا بد من ظهور المثقف الشريك للسلطة ليثبت وجوده وكفاءته، وفعاليته. المثقف الموظف انتهى دوره، إذ لابد من أفكار جديدة ومبادرات يقدمها المثقفون الشركاء.
مثلما قلت منتدى المواطنة جاء ليكرس أسئلة المشروع الثقافي ويروج لها، ويثير الأسئلة الفكرية والمعرفية والثقافية في هذا الواقع الراكد المكتفي بما هو كائن ولايعنيه التطلع والحلم. نظمنا لحد الآن حوالي عشر جلسات في السنة، وكان لها الصدى الطيب على الأقل في أوساط النخبة، وكان علينا أن نرتاح في فصل الصيف، وفي شهر رمضان خاصة لظهور النشاطات المناسباتية.
أبدا لم ولن ننسحب مثلما فعل الآخرون، لكننا ندعو الجميع لمؤازة المنتدى لأنه ليس حكرا على فئة دون أخرى إنما وجد ليكون للجميع دون إقصاء.
*** يبدو من خلال ما تضمنته فكرة المشروع الثقافي في الألفية الجديدة أنك تتفق مع دعوة المفكر الجزائري الراحل “مالك بن نبي” لعقد تحالف بين الثقافة الإسلامية و الثقافة الكونفوشية؟
مالك بن نبي مفكر عقلاني استطاع أن يفهم المرحلة الحضارية التي يمر بها العالم الإسلامي محور طانجة جاكرتا ويشخصها تشخيصا، ويعطي حلولا منطقية بعيدا عن التعصب والتهافت ومرض الأنا. استطعت أن استفيد من بعض أفكاره، وكما قلت نحن اليوم في حاجة إلى تكاتف الجهود. للبحث عن مشروع ثقافي يبادر إلى بلورته الجميع.ليسع الجميع، دون إقصاء أو تعال من أجل بناء الدولة.فكرة تحالف الثقافة الإسلامية مع الثقافة الكونفوشية، هي إحدى أفكار مفكرنا طرحها في ستينيات القرن الماضي،وكان يهدف من خلالها، إلى ضرورة تحالف الإسلام الحضاري مع الكونفوشيوسية، لإنقاذ السلم العالمي من بطش القوى العظمى انذاك.كان بن نبي قد تنبأ مبكرا، عشرون سنة تقريبا، بسقوط الشيوعية وتحالف الصهيونية مع المسيحية لمحاربة الإسلام، ورأينا فيما بعد كيف ظهرت كتابات محرضة على المسلمين وكانت النتيجة أن تبنى الساسة تلك الأفكار وراحوا ينفذونها في الميدان وكانت نتيجتها وخيمة على العالم الإسلامي. الفكرة مازالت صالحة إلى يومنا وتحتاج إلى من يفعلها.سنعمل جادين لتفعيلها.
***وهل وجدت تجاوبا مع هذا المشروع؟
هناك حكمة تقول إذا أردت أن تحصد بعد عام ازرع قمحا، وإذا أردت أن تحصد بعد عشر سنوات اغرس شجرة، وإذا أردت أن تبني مجتمعا ازرع حلما. نحن نزرع ونترك للآخرين الحصاد.نحن بادرنا بزرع المشروع في الأماكن التي رأيناها صالحة للزرع والغرس.
هناك تجاوب من بعض المثقفين، ولكن ليس في مستوى الطموح، ولكن المهم أننا بادرنا في انتظار تحرك الآخرين.هذا ليس مشروعي وحدي، إنه مشروع الجميع، وأنا مؤمن بأن النخبة مطالبة ببلورته اليوم قبل الغد.حتى يستفيد الجيل القادم من هذا المجهود.
***الملاحظ أنك مهتم في سائر أعمالك الروائية بتأصيل التراث الشعبي على حساب جمالية اللغة مثلما هو الحال في روايتك الأخيرة “سيد الخراب” التي كشفت الستار عن حالة من الخراب الذي يتحرك فيه المجتمع بكل تناقضاته.
“سيد الخراب” هي الرواية الثانية صدرت في هذه السنة 2010 بعد رواية “التراس” الفائزة بجائزة مالك حداد 2007. ما زلت وفيا لتجربتي الأولى المتواضعة، وهي البحث عن شكل فني يساعدني على البوح، ويعبر عن المآسي التي نعيشها. كل الأشكال المتاحة لا تستطيع أن تستوعب هذا الذي بداخلي من أفكار وتصورات وأخيلة وتراكمات.
ربما هذا هو السبب الذي جعلني أتأخر في الكتابة والنشر والظهور. كانت رسالتي تبحث عن شكلها النهائي .كان علي ألا أعيد تجارب الذين قرأتهم وتأثرت بهم.لم يكن مجديا ذلك .لأني كنت واعيا.
أما اللغة فهي وسيلة وليست غاية. ولذلك كان علي أن أخرجها من قمقمها القاموسي الأكاديمي الرسمي إلى لغة بسيطة سلسة يتحدثها الناس في الشارع ويعبرون بها عن الأحاسيس والأفكار والمكبوتات. كان الموقف في رواية سيد الخراب يفرض علي تجاوز اللغة الكلاسيكية في بعض الحالات، وترك الشخصيات تعبر بلغتها الحميمية التي لايمكن أن تعوضها أية لغة أخرى.
*** بعض الذين قرأوا روايتك ” الترّاس” الذي اختفى” تساءلوا عن الفائدة من إعادة الاعتبار للفروسية في عصر العولمة والتقدم التكنولوجي؟..
السؤال أثاره الصديق الروائي الخير شوار بعد صدور رواية التراس، وقد أجبته حينها: نحن لم ننخرط في الحضارة الحديثة تعطلنا قرونا، لأننا رفضنا التحديث، وبقينا عبيدا للجمود والتردد. لذلك بقينا خارج الحضارة المعاصرة، نتأثر وننفعل و لا نساهم في الإبداع والابتكار، حتى أصبحنا أشباحا عرضة للتعصب والتهور وسفك الدماء.فقدنا قيمتنا الحضارية، وبقينا معطلين. هذا هو جوهر المسألة.
كنت مرة في مقهى وسمعت صديقين بطالين يتحدثان عن الغزوات ويتمنيان لومازال عصرها لينخرطا فيها ويقتلان بالسيوف الأعداء.ويسبيان النساء وينهبان الأموال.
* ** كيف تنظر إلى الساحة الروائية بعد رحيل الطاهر وطار؟
رحيل الروائي الكبير الطاهر وطار خسارة للرواية وخسارة للجزائر. الرجل أضاف إلى السرد الجزائري الكثير، كما أضاف للمشهد الثقافي بأفكاره ونقاشاته وسجالاته ومبادراته وفعاليته.لا يجب أن نيأس لكل مرحلة رجالها. هناك أسماء في الجزائر كبيرة ومعروفة عربيا وعالميا يمكنها أن تسد هذا الفراغ. فقط أن تهبط من برجها إلى الواقع وتساهم بمبادراتها في تفعيل المشهد الثقافي وتأطيره .
