شكل تحليل مرجعيات النظام السياسي الإسلامي موضوع مؤلف جديد قدمه الكاتب الصحفي صالح عوض تحت عنوان "النظام السياسي في الفكر العربي الإسلامي" الذي عاد في مختلف فصوله إلى الإجراءات المتوارثة في بناء النظام السياسي الإسلامي، مع مناقشة الأصيل الذي يستمد شرعيته من حقبة الوحي والخلافة الراشدة، إلى المنحرف الذي برز بوضوح أكثر خلال الحقب التي تلت الخلافة الراشدة، والتي ساهمت في إضفاء نوعا من الضبابية على إدراك فقه النظام السياسي الإسلامي. وأثناء تقديمه للكتاب الذي تم عرضه خلال الأيام التي احتضنت الطبعة الخامسة عشر لمعرض الجزائر الدولي للكتاب، كان لموقع الإذاعة الجزائرية فرصة الحديث مع المؤلف حول أهم القضايا والمفاهيم التي ضمنها كتابه، وعلاقاتها بمفهومي المرجعية والنظام السياسي الإسلامي، اللذين حمّلهما عنوان إصداره المشحون بعدد من بؤر القلق إزاء عدد من المسائل المتعلقة بمسألة الموروث في النظام السياسي، ومؤثر ذلك في الخيبة الحضارية العربية، ومسألة الحكم، والإمامة ومساءل النص ومختلف القراءة النصية التي تشرعن أحقبة الحاكم ابتداء من عهد النبوة فالخلافة الراشدة فالأمويين والعباسيين وصولا إلى العثمانيين، ومنعكس كل ذلك على وقعنا المعاصر.ــ ــــ ــــــ ـــــــ ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
وفي معرض رده عن سؤال لـ"موقع الإذاعة الجزائرية" دلالة النظام الذي حمله عنون كتابه ربط عوض مفهوم النظام بالمنتج الفكري الذي ساهم في صناعة النظام، ووسمه بالصفة التأطيرية الموحدة للعرب خلال مرحلة النبوة ومرحلة الخلافة الراشدة، وقد كانوا قبلها قوما تناحر وتفرقة، ونفي في الآن ذاته أن يكون المنتج الفكري الذي وحدهم هو الذي فرقهم، رابطا التفريق بقضية الانحطاط التي حرفتها الأمة عبر مراحل متعاقبة انطلاقا من العصر الأموي ووصولا إلى الحقبة الاستعمارية الحديثة، وما تنج عنها من تجزء وتشتت وتقسيم، وقتل لأي تصور نهضوي وحدوي جامع:
وعن حدود مرجعيات النظام السياسي الإسلامي التي تتشكل إطار المقاربة في الكتاب، قال عوض أنها تتحدد ضمن إطارين، يرتبط الأول بالنص المؤسس، والثانية ترتبط بالواقع الاجتماعي، ويمكن للتفاعل بين هذين الإطارين أن يشكل حدا مفهوميا للمرجعية، الذي سيساهم الامساس به دفعا لوحدة الأمة:
وعن سؤال حول حدود مرجعية النص في تحديد وحدة الفكر الإسلامي، قال عوض إن ما يتطرق إليه لا يعنى بالفكر الإسلامي بقدر ما يعنى بأزمة التفكك في المجتمعات العربية الإسلامية التي حصلت قبل الإسلام وبعده، مستثنيا منها حقبة النبوة والخلافة الراشدة التي تعد بحق الاستثناء الخاص الذي أمكن لتوحد العرب والمسلمين ضمن ما أسماه بالنظام السياسي الإسلامي.
وأضاف صاحب الكتاب أن ما قدمه العرب والمسلمون للعالم من تقاليد في تنصيب الحاكم يختلف كليا عن ما كان سائدا عند الرومان واليونان حيث يقرر ذلك النبلاء دون الرجوع للعامة، وهذا بخلاف ما قدمه العرب والمسلمون من إجراءات على قدر عال من الأهمية برز بإيجاب خلال حقبة الخلاف الراشدة والنبوة، وأنبنى على عنصري الشورى والبيعة، الذي سرعان ما تلاشى أمام ظهور تقاليد حكم جديدة في مرحلتي الحكم العضود والحكم الجبر، مما وطّن لانحراف سياسي بارز في موضوع تنصيب الحاكم:
وفي معرض رده عن السؤال حول مدى وضوح المرجعية النص في ضبط حدود النظام سياسي الواحد، خصوصا وأن الذين خرجوا عن الإمام علي، إنما خروجهم كان بنص، قال الباحث أن الخلافة الراشدة جمعت إليها نخبة من أهل الحل والعقد في الأمة، وهي النخبة التي أفرزها الواقع، واقع حضور غزوة بدر، وواقع حمل الرسالة من البداية، واقع موجهة التحديات الدعوة وبناء الدولة.
وأضاف أن الخروج عن الخلافة الراشدة لم يكن بنص، كما أن إتيان الحكم العضود "الحكم الأموي" لم يكن بنص، وحديث رسول الله واضح في الموضوع " الخلافة بعدي ثلاثين عاما، ثم حكم عضود، ثم حكم بالجبر".
والمستقرأ بالتركيز على هذه الحقب الثلاث هو أن الذي أصاب النظام السياسي الإسلامي هو ضربة قاتلة في بند تنصيب الحاكم، مما جرده من المشروعية التي لا تحققها البيعة من المحكوم للحاكم. فـ"الحاكم عليه جملة من الشروط، كما أن المحكوم علية جملة من الشروط، وبمجرد أن يستخدم الحاكم مال الأمة، أو صلاحيات في الأمة، أو أي شيء، فللأمة أن تبدله، وهذا ما نجده واضحا على خلفاء الحقبة الراشدة، من خلال مجموع السمات والقوانين التي العرض لها في هذا الكتاب، والتي تقدم لنظرية سياسية إسلامية:
وعن رؤيته للبنى الثقافية السائدة في المجتمع، والتي تؤسس لثقافة بيعة الحاكم، كما تؤسس لثقافة الرضا عنه، أو الرضا بجبروه، أو طاعته ولو كان عن ضلال، قال المتحدث أنه في هذه الحالة يحدث تأثير، ولكنه لا يحدث دفعة واحدة، والتاريخ يحيلنا عن أن الانحراف الذي حدث في صفين، والانحراف الذي حدث منذ اللحظات الأولى، لم يتبع بانحرافات كبير في القضاء، وفي مجموع الأنساق الثقافية التي كانت سائدة، وإنما الذي حدث هو استمرار الانحراف عن طريق الولاءات داخل المؤسسة السياسية التي نتج عنها وبداخلها مع مرور الوقت ظهور سياقات ثقافية وقضائية ومالية واجتماعية تابعة للسلطان:
وعن سؤال لموقع الإذاعة الجزائرية عن انعكاس الحقب الثلاث "الراشدة والأموية والعباسية" على ثقافة التفكير السياسي في الحقبة المعاصرة، قال عوض إنه وللأسف إن ثقافتنا هي منتج مشرعن لهذه المراحل الثلاثة، وقد أصبح الذي يكتب عن الحكم العباسي كأنه يكتب عن الحكم الإسلامي، والذي يكتب عن الحكم الأموي كأنه يكتب عن الحكم الإسلامي، وهنا نجد أنفسنا قد دخلنا في إشكالية خطير جدا، قوامها كله انحراف عن الجذور والأصول، وأصبحنا ننتج توليدا للمظالم، وتوليدا للحكم بالجبر، ومن نتائجها الملكيات وأشياء أخرى، التي هي منعكس لفكر سياسي موجود:
النظام السياسي في الفكر العربي الإسلامي كتاب حسب مؤلفه يتكون من ستة أبواب، يتضمن الباب الأول الحديث عن الأنظمة السياسية كانت سائدة قبل الإسلام، ثم الأنظمة السياسية في ظل الإسلام في بابه الثاني، وفي الباب الثالث يتطرق في بابه الثالث إلى الحكم في ظل النبوة والخلافة الراشدة بكثير من المناقشة والوصف، قبل الانتقال إلى مرحلة رابعة يتطرق فيها إلى الممالك التي حصلت ومواطئ الانحراف، وقبل أن يتحدث عن التشريع السياسي الإسلامي في مواجهة تحديات المجتمع، يتطرق المؤلف إلى أصول التشريع في النظام السياسي كإطار لمناقشة الموقف من التعددية السياسية، ومن الديمقراطية، ومن الآخر، ومن الرفاه الإجتماعي، بالإضافة إلى تحديد مفهوم الحق والواجب داخل النظام السياسي، وموقع كل هذا من مختلف النظم العالمية.
ومن بين أهم النتائج التي تم الخلوص إليها في هذا الدراسة أن العرب ما كنت لهم قيامة لولا الإطار المحمدي الذي جعل منهم دولة مخصوصة بنظام سياسي نوعي، وهو النظام وحده الذي يمكن أن يمد بالمشروع الوحدوي العربي ضمن أفق تنموي قادر على إضفاء الكثير من الأبعاد الحضارية وبقوة: