//
,قصص رواها الرسول صل الله عليه وسلم من صورصور من التربية أراد الشيخ أن يختبر تلميذه بعد أن قضى فترة بصحبته يعلمه ويرشده ، ويعرض عليه طرق التربية وفنون التعامل مع الناس ، فقال : يابني ؛ ما تقول في إنسان أخطأ حين أساء إلى غيره
صور من التربية
أراد الشيخ أن يختبر تلميذه بعد أن قضى فترة بصحبته يعلمه ويرشده ، ويعرض عليه طرق التربية وفنون التعامل مع الناس ، فقال : يابني ؛
ما
تقول في إنسان أخطأ حين أساء إلى غيره ، أيُعاقب وحده أم يُجمَل معه في
العقوبة غيرُه لقرابته منه ، أو لانتسابه إلى أهله وعشيرته ، أو لجنسه
ووطنه ؟ .
قال ...التلميذ : بل يُعاقب المسيء وحده ، ومن الظلم
معاقبة غيره بسببه ، فالله تعالى يقول : )... وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ
أُخْرَى ...) (الأنعام:164)
قال الشيخ : أحسنت ، فما تقول لرجل أراد أن يشكرك لجميلٍ صنعتـَه له ، فأخطأ دون أن يشعر ، أتعود لمعاقبته أم تنبهه؟ .
قال
التلميذ : قد أنبهه إن لزم الأمر ، وأتركه متجاوزاً عنه ، إذ ْ جانبه
الصواب حين أراد شكري ، وقد يكون خطؤه قولاً ، وقد يكون عملاً ، فعليّ
تصحيح عمله ، والتجاوز عن قوله .
قال الشيخ : أحسنت أيضاً – يا ولدي – فما تقول في إنسان أخطأ عن عمد في الإساءة إليك ؟
قال التلميذ : أعاقبه إن قدِرت ، وأكيل له الصاع صاعين ، ولا أبالي ، فهو يستحق ذلك .
قال
الشيخ : أيدك الله ، يا بني ، فما تقول أخيراً في رجل كان ظاهره غيرَ
باطنه . نفع الناس بقوله ، وضرّ نفسَه ، إذ ْ كان فعلُه غيرَ قوله .
قال التلميذ : على نفسها جنت براقش ، فهو كنافخ المسك على غيره ونافخ الكير على نفسه .
قال الشيخ : حفظك الله - يا بني – وزادك علماً وحُسْنَ عمل ، إني بك لفخور ، ولك داعٍ ، وبك مؤملٌ الخير الكثير .
قال التلميذ : أفلا تذكر لي – يا سيدي – أمثلة على ما امتحنْتني فيه ؟. كي أستفيد أمثلة تضيء لي دربي ؟
قال
الشيخ : بلى .. فلكل سؤال حادثة رواها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ،
فكانت الضياءَ الذي سلكوا على هداه طريقهم . والمنهج الذي اتخذوه ،
فأوصلهم إلى الهدف الصحيح .
أما مثال السؤال الأول :
فقد
قص علينا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن نبياً من الأنبياء صلوات
الله عليهم جميعاً نزل تحت شجرة ، فما استقر جالساً حتى قرصته نملة ،
فاستشاط غضباً ، وقام من فوره ، فأمر أتباعه أن يرفعوا مجلسه ، ففعلوا ،
فنظر إلى أسفل الشجرة ، فرأى النمل يسير بانتظام ، يحمل قوته إلى بيته أسفل
الشجرة ، ويعمل بدأَب ونشاط ، صاعداً نازلاً ، مغرّباً ومشرّقاً ، ولعل
نملة تأذ ّت حين جلس فوقها النبي ، فقرصته خوف أن يطحنها ، فلم يتمالك نفسه
أن أمر أتباعه أن يُضرموا النار في بيت النمل ، ففعلوا ، فأحرق النمل ،
وقضى على آلاف منه .
فأوحى الله تعالى إليه معاتباً ومعلماً : " فهلاّ
نملةً واحدة " رأيتَها تحتك ، فقتلتَها قصاصاً ؟! ما ذنب ما قتلته حرقاً ،
إنه ظلم بيّن ، وتصرّف لا ينبغي أن يكون .
صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق باب إذا وقع الذباب في إناء أحدكم
قال التلميذ : هلاّ أوضحت أكثر يا سيدي وبيّنتَ من العبَر والعظات ما يفيد ؟.
قال الشيخ : هذا واجب العلماء نحو تلاميذهم وعامّة المسلمين يا ولدي .
فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة :
1- أن العقوبة لمن اعتدى وأثم ، أما البريء فلا يُؤخذ بجريرة غيره .
2- وأن النمل – كغيره من المخلوقات – أمم أمثالُنا ، تسبّح الله وتحمده . فيجب الحفاظ – ما أمكن – عليه
3- أنه لا يعذِّب بالنار إلا رب النار ، هذا في شريعتنا – معشر المسلمين – ويعاقَب المسيء فقط .
قال التلميذ : جزاك الله – يا شيخي – خيراً ونفعنا بعلمك ,....
قال الشيخ : إن مدحتَني بما ليس فيّ قصمت ظهري ... ثم قال الشيخ :
أما مثال السؤال الثاني :
فقد
روى النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يفرح بعودة المسيء إلى رحاب
عفوه ، وتوبته عن المعاصي كثيراً ، ومثـّل له بفرح الرجل الذي أضاع راحلته
في الصحراء ،وعليها ماؤه وزاده ، فلما أيس من الحياة أعاد الله إليه راحلته
، فأخطأ الرجل حين أراد شكرالله تعالى .
قال التلميذ : وكيف ذاك يا سيدي ؟
قال
الشيخ : سافر رجل وحده في صحراء مترامية الأطراف – والسفر الفذ ّ( الفرد)
ليس حميداً ، وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم المسافر وحده ، فقال : هو
شيطان – سافر حاملاً على بعيره ما يحتاجه من ماء وزاد ، اخترقها يريد
الوصول إلى مبتغاه في الطرف الآخر منها ، جدّ السير فيها ، حتى إذا
أدركتـْه القالة ( القيلولة ) ربط راحلته إلى ظل شجرة ونام ، وكان نومه
طويلاً عميقاً ، لم يصحُ منه إلا وقد انفلتت الراحلة ، وغابت عنه ، فقام
مشدوها فزعاً ، يبحث عنها هنا وهناك ، فلم يجدها .. انطلق إلى أعلى كثيب
شرقاً ونظر إلى البعيد ، فلم يجدها ، وانطلق إلى كثيب في الغرب يرجو أن
يعثر عليها ، فخاب ظنه . هرول في كل الاتجاهات عله يعثر عليها أو على أثرها
، فعاد بخفي حنين .
عاد إلى الشجرة كليلاً مرهقاً ، خسر راحلته ، وخسر
معها زاده وماءه ، ، وأيقن بالهلاك ، فارتمى مكدوداً حزيناً ينتظر الموت ،
ويندب حظه ... وأخذه النوم مرة أخرى .
لما أفاق ، وجد راحلته ، فوق
رأسه ، فلم يصدّق حتى أخذ بلجامها ، وتحسسه مرات ومرات ، فلما تيقن أنه نجا
من الموت عطشاً وجوعاً وعادتْ إليه روحه ، وأخذه الفرح كل مأخذ قال من شدة
فرحه يشكر ربه سبحانه : " اللهم أنت عبدي ، وأنا ربك ؛ أخطأ من شدة الفرح "
.
إن الله تعالى أشد سروراً ، وأكثر فرحاً بتوبة عبده وعودته إليه -
إلى التقوى والرشاد - من هذا الرجل بعودة راحلته إليه ... رياض الصالحين ،
باب التوبة
قال التلميذ : سبحان الله ، لا إله إلا الله ؛ ما أكرم خالقنا ، وما أعظم عفوه ...
تبت إليك يارب ، فاقبلني في عبادك الصالحين
ثم
التفت إلى شيخه ، فرأى عينيه تدمعان وشفتيه تلهجان بذكر الله رب العالمين
... فانتظر قليلاً حتى هدأ الشيخ ... ثم نظر الشيخ إليه ، فقال :
أما السؤال الثالث :
فمثاله
ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن امرأة تحجّر قلبُها ، فكأنه
قـُدّ من صخر ، وغادرتـْه الرحمة ، فأمسى كهفاً مظلماً ، لا يعرف للخير
سبيلاً ولا للمعاني النبيلة طعماً ، طرقتْ بابَه الشفقةُ ، فصُدّتْ عنه ، ،
وعشعشت فيه الكراهية ونمَتْ .. لعل هرة أكثرَتْ الدخول عليها ، فطردَتـْها
! ثم طردَتها ، والحيوان أعجم لا تدفعه سوى غريزته ، تستقطبه الرحمة
فيُقدِم ، ويمنعه الأذى فيهرب . والهرة أَلوفٌ – من الطوّافات – تدخل
البيوت دون استئذان ، فإن رأتْ ترحيباً من أهل الدار أقامت ، وإن رأت
إعراضاً ولّتْ . أمّا أنْ تمسكها هذه المرأة القاسية ، فتربطها وتمنع عنها
الماء والطعام ، وتسمع مواءها ، فلا تكترث ، وأنينها فلا تهتم ، حتى تذبل
وتذوي ، فتموت صبراً ، فهذه غاية القسوة ، ونهاية في الظلم .
كان أولى
بها أنْ تتركها في أرض الله تأكل من هوامها وحشراتها ، تتصيّدها هنا وهناك ،
، ولن تعدم في أرض الله الواسعة ما يقيم أَوَدَها ، ويكفيها مؤونتها .
إن
الإسلام العظيم نبّه - فضلاً عن حقوق الإنسان في العيش الكريم والحرية –
إلى الرفق بالحيوان ، فلا يحمـّله ما لايُطيق ، ولا يشتدّ عليه بالضرب ،
ومن لم يكن كذلك فليس له من الإنسانية نصيب .
وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة في النار تخدشها هرة ، فقال : ما شأن هذه ؟
قالوا
: حبسَتها حتى ماتت جوعاً ، لا أطعمتـْها ، ولا أرسلَتـْها تأكل من خَشاش
الأرض حتى ماتت ..والبون واسع بين مَن نزل في البئر ، فسقى الكلبَ ، فغفر
الله تعالى له ، وبين هذه المرأة ، نعوذ بالله من مصير كمصيرها .
أما السؤال الرابع :
فمثاله ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم مصوراً الذي يأكل الدنيا بعلمه ، ولا يعرف لله وقاراً ، ولا للآخرة سبيلاً .
قال التلميذ : فما عاقبة هذا العالم – يا سيدي - ؟
قال الشيخ : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
يُجاء
بالرجل يوم القيامة ، فيُلقى في نار جهنم ، ويَلقى من العذاب ما يَلقى ،
فتندلق أمعاء بطنه في النار ، ويحترق أديمُه وأحشاؤه ، إنه ملأها في الدنيا
ما لذّ وطاب من الحرام ، حين أظهر للناس التقوى ، فغشّهم ، وأبطن الهوى ،
وتمادى في الضلالة ، ففضحه الله على هذه الصورة ، يراه الناس يدور بأقتابه (
أمعائه) في النار ، كما يدور الحمار برحاه ، فيدنون منه ، ويتعجبون .
من
يراه على هذه الصورة – وكانوا يعرفون فيه الصلاح والتقوى في الدنيا ، فقد
كان سَمْتُه سمتَ العلماء ، ومظهره مظهر الأتقياء ، وكان منظره في الدنيا
يدل على الاتزان والوقار ، فما باله الآن هكذا؟!! - يجتمعون عليه ويسألونه
متعجبين : لئن صرنا في النار الآن لقد كنا في الدنيا نعمل بعمل أهلها
فاسقين فاسدين ، فما بالك اليوم بيننا في النار ؟! كنت تأمرنا بالمعروف ،
وتنهانا عن المنكر ! تحضنا على الصدق والأمانة ، ونبذ الفساد والخيانة ،
وكنت تأمرنا بصون اللسان ، وغض البصر ، وحفظ الفرج ، وحُسن الطويّة !! كنت
تنهانا عن الغيبة والنميمة والفواحش ، وتنهانا عن أكل حقوق الناس وتنفـّرنا
من ذلك !! فما شأنك ؟ وما الذي قذفك بيننا؟!
وهناك – والعياذ بالله من
هذا المصير الأسود والفضيحة الكبيرة – حيث لا يستطيع الإنسان أن يُخفي
حقيقته ، أو يُدلّس على الناس ، هناك في النار حيث المستور مكشوف ، والباطن
معروف ، ولا مجال للإنكار ، والتزيي بزي الأبرار ، يقول واصفاً حقيقة حاله
في الدنيا بكلمات مختصرة اللفظ ، واضحة المعنى " كنت آمركم بالمعروف ولا
آتيه ، وأنهاكم عن المنكر ، وآتيه " ...
إن النار مصير مَن يُدعى إلى مكارم الأخلاق ، فيرفضها ، ويغرق في المفاسد ..
وهي – النار - أَولى بمن يدّعي الصلاح ظاهراً ، ويأكل الدنيا بالدين باطناً .. لقد أساء إلى نفسه ، وخسر ذاته .
وإن
حسرته على ما فرّط أشد من حسرة أولئك ، ولا سيّما حين يعلم أنّ مَنْ أخذ
بنصيحته نجا ، وفاز بالجنة ونعيمها ، وفاز برضا الله ورحمته ... وهو .. هو
في نارٍ تلظّى ، لا يصلاها إلا الأشقى ..
ويرفع الشيخ وتلميذه أيديَهما ، يدعُوانِ:
اللهم اجعل سرّنا كعلانيتنا ، وارزقنا التقوى ، والصدق في القول والعمل ، ونجّنا برحمتك من النار ... يا عزيز ياغفار .
صحيح البخاري باب بدء الخلق ، باب صفة النار وأنها مخلوقة
,قصص رواها الرسول صل الله عليه وسلم من صورصور من التربية أراد الشيخ أن يختبر تلميذه بعد أن قضى فترة بصحبته يعلمه ويرشده ، ويعرض عليه طرق التربية وفنون التعامل مع الناس ، فقال : يابني ؛ ما تقول في إنسان أخطأ حين أساء إلى غيره
صور من التربية
أراد الشيخ أن يختبر تلميذه بعد أن قضى فترة بصحبته يعلمه ويرشده ، ويعرض عليه طرق التربية وفنون التعامل مع الناس ، فقال : يابني ؛
ما
تقول في إنسان أخطأ حين أساء إلى غيره ، أيُعاقب وحده أم يُجمَل معه في
العقوبة غيرُه لقرابته منه ، أو لانتسابه إلى أهله وعشيرته ، أو لجنسه
ووطنه ؟ .
قال ...التلميذ : بل يُعاقب المسيء وحده ، ومن الظلم
معاقبة غيره بسببه ، فالله تعالى يقول : )... وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ
أُخْرَى ...) (الأنعام:164)
قال الشيخ : أحسنت ، فما تقول لرجل أراد أن يشكرك لجميلٍ صنعتـَه له ، فأخطأ دون أن يشعر ، أتعود لمعاقبته أم تنبهه؟ .
قال
التلميذ : قد أنبهه إن لزم الأمر ، وأتركه متجاوزاً عنه ، إذ ْ جانبه
الصواب حين أراد شكري ، وقد يكون خطؤه قولاً ، وقد يكون عملاً ، فعليّ
تصحيح عمله ، والتجاوز عن قوله .
قال الشيخ : أحسنت أيضاً – يا ولدي – فما تقول في إنسان أخطأ عن عمد في الإساءة إليك ؟
قال التلميذ : أعاقبه إن قدِرت ، وأكيل له الصاع صاعين ، ولا أبالي ، فهو يستحق ذلك .
قال
الشيخ : أيدك الله ، يا بني ، فما تقول أخيراً في رجل كان ظاهره غيرَ
باطنه . نفع الناس بقوله ، وضرّ نفسَه ، إذ ْ كان فعلُه غيرَ قوله .
قال التلميذ : على نفسها جنت براقش ، فهو كنافخ المسك على غيره ونافخ الكير على نفسه .
قال الشيخ : حفظك الله - يا بني – وزادك علماً وحُسْنَ عمل ، إني بك لفخور ، ولك داعٍ ، وبك مؤملٌ الخير الكثير .
قال التلميذ : أفلا تذكر لي – يا سيدي – أمثلة على ما امتحنْتني فيه ؟. كي أستفيد أمثلة تضيء لي دربي ؟
قال
الشيخ : بلى .. فلكل سؤال حادثة رواها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ،
فكانت الضياءَ الذي سلكوا على هداه طريقهم . والمنهج الذي اتخذوه ،
فأوصلهم إلى الهدف الصحيح .
أما مثال السؤال الأول :
فقد
قص علينا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن نبياً من الأنبياء صلوات
الله عليهم جميعاً نزل تحت شجرة ، فما استقر جالساً حتى قرصته نملة ،
فاستشاط غضباً ، وقام من فوره ، فأمر أتباعه أن يرفعوا مجلسه ، ففعلوا ،
فنظر إلى أسفل الشجرة ، فرأى النمل يسير بانتظام ، يحمل قوته إلى بيته أسفل
الشجرة ، ويعمل بدأَب ونشاط ، صاعداً نازلاً ، مغرّباً ومشرّقاً ، ولعل
نملة تأذ ّت حين جلس فوقها النبي ، فقرصته خوف أن يطحنها ، فلم يتمالك نفسه
أن أمر أتباعه أن يُضرموا النار في بيت النمل ، ففعلوا ، فأحرق النمل ،
وقضى على آلاف منه .
فأوحى الله تعالى إليه معاتباً ومعلماً : " فهلاّ
نملةً واحدة " رأيتَها تحتك ، فقتلتَها قصاصاً ؟! ما ذنب ما قتلته حرقاً ،
إنه ظلم بيّن ، وتصرّف لا ينبغي أن يكون .
صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق باب إذا وقع الذباب في إناء أحدكم
قال التلميذ : هلاّ أوضحت أكثر يا سيدي وبيّنتَ من العبَر والعظات ما يفيد ؟.
قال الشيخ : هذا واجب العلماء نحو تلاميذهم وعامّة المسلمين يا ولدي .
فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة :
1- أن العقوبة لمن اعتدى وأثم ، أما البريء فلا يُؤخذ بجريرة غيره .
2- وأن النمل – كغيره من المخلوقات – أمم أمثالُنا ، تسبّح الله وتحمده . فيجب الحفاظ – ما أمكن – عليه
3- أنه لا يعذِّب بالنار إلا رب النار ، هذا في شريعتنا – معشر المسلمين – ويعاقَب المسيء فقط .
قال التلميذ : جزاك الله – يا شيخي – خيراً ونفعنا بعلمك ,....
قال الشيخ : إن مدحتَني بما ليس فيّ قصمت ظهري ... ثم قال الشيخ :
أما مثال السؤال الثاني :
فقد
روى النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يفرح بعودة المسيء إلى رحاب
عفوه ، وتوبته عن المعاصي كثيراً ، ومثـّل له بفرح الرجل الذي أضاع راحلته
في الصحراء ،وعليها ماؤه وزاده ، فلما أيس من الحياة أعاد الله إليه راحلته
، فأخطأ الرجل حين أراد شكرالله تعالى .
قال التلميذ : وكيف ذاك يا سيدي ؟
قال
الشيخ : سافر رجل وحده في صحراء مترامية الأطراف – والسفر الفذ ّ( الفرد)
ليس حميداً ، وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم المسافر وحده ، فقال : هو
شيطان – سافر حاملاً على بعيره ما يحتاجه من ماء وزاد ، اخترقها يريد
الوصول إلى مبتغاه في الطرف الآخر منها ، جدّ السير فيها ، حتى إذا
أدركتـْه القالة ( القيلولة ) ربط راحلته إلى ظل شجرة ونام ، وكان نومه
طويلاً عميقاً ، لم يصحُ منه إلا وقد انفلتت الراحلة ، وغابت عنه ، فقام
مشدوها فزعاً ، يبحث عنها هنا وهناك ، فلم يجدها .. انطلق إلى أعلى كثيب
شرقاً ونظر إلى البعيد ، فلم يجدها ، وانطلق إلى كثيب في الغرب يرجو أن
يعثر عليها ، فخاب ظنه . هرول في كل الاتجاهات عله يعثر عليها أو على أثرها
، فعاد بخفي حنين .
عاد إلى الشجرة كليلاً مرهقاً ، خسر راحلته ، وخسر
معها زاده وماءه ، ، وأيقن بالهلاك ، فارتمى مكدوداً حزيناً ينتظر الموت ،
ويندب حظه ... وأخذه النوم مرة أخرى .
لما أفاق ، وجد راحلته ، فوق
رأسه ، فلم يصدّق حتى أخذ بلجامها ، وتحسسه مرات ومرات ، فلما تيقن أنه نجا
من الموت عطشاً وجوعاً وعادتْ إليه روحه ، وأخذه الفرح كل مأخذ قال من شدة
فرحه يشكر ربه سبحانه : " اللهم أنت عبدي ، وأنا ربك ؛ أخطأ من شدة الفرح "
.
إن الله تعالى أشد سروراً ، وأكثر فرحاً بتوبة عبده وعودته إليه -
إلى التقوى والرشاد - من هذا الرجل بعودة راحلته إليه ... رياض الصالحين ،
باب التوبة
قال التلميذ : سبحان الله ، لا إله إلا الله ؛ ما أكرم خالقنا ، وما أعظم عفوه ...
تبت إليك يارب ، فاقبلني في عبادك الصالحين
ثم
التفت إلى شيخه ، فرأى عينيه تدمعان وشفتيه تلهجان بذكر الله رب العالمين
... فانتظر قليلاً حتى هدأ الشيخ ... ثم نظر الشيخ إليه ، فقال :
أما السؤال الثالث :
فمثاله
ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن امرأة تحجّر قلبُها ، فكأنه
قـُدّ من صخر ، وغادرتـْه الرحمة ، فأمسى كهفاً مظلماً ، لا يعرف للخير
سبيلاً ولا للمعاني النبيلة طعماً ، طرقتْ بابَه الشفقةُ ، فصُدّتْ عنه ، ،
وعشعشت فيه الكراهية ونمَتْ .. لعل هرة أكثرَتْ الدخول عليها ، فطردَتـْها
! ثم طردَتها ، والحيوان أعجم لا تدفعه سوى غريزته ، تستقطبه الرحمة
فيُقدِم ، ويمنعه الأذى فيهرب . والهرة أَلوفٌ – من الطوّافات – تدخل
البيوت دون استئذان ، فإن رأتْ ترحيباً من أهل الدار أقامت ، وإن رأت
إعراضاً ولّتْ . أمّا أنْ تمسكها هذه المرأة القاسية ، فتربطها وتمنع عنها
الماء والطعام ، وتسمع مواءها ، فلا تكترث ، وأنينها فلا تهتم ، حتى تذبل
وتذوي ، فتموت صبراً ، فهذه غاية القسوة ، ونهاية في الظلم .
كان أولى
بها أنْ تتركها في أرض الله تأكل من هوامها وحشراتها ، تتصيّدها هنا وهناك ،
، ولن تعدم في أرض الله الواسعة ما يقيم أَوَدَها ، ويكفيها مؤونتها .
إن
الإسلام العظيم نبّه - فضلاً عن حقوق الإنسان في العيش الكريم والحرية –
إلى الرفق بالحيوان ، فلا يحمـّله ما لايُطيق ، ولا يشتدّ عليه بالضرب ،
ومن لم يكن كذلك فليس له من الإنسانية نصيب .
وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة في النار تخدشها هرة ، فقال : ما شأن هذه ؟
قالوا
: حبسَتها حتى ماتت جوعاً ، لا أطعمتـْها ، ولا أرسلَتـْها تأكل من خَشاش
الأرض حتى ماتت ..والبون واسع بين مَن نزل في البئر ، فسقى الكلبَ ، فغفر
الله تعالى له ، وبين هذه المرأة ، نعوذ بالله من مصير كمصيرها .
أما السؤال الرابع :
فمثاله ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم مصوراً الذي يأكل الدنيا بعلمه ، ولا يعرف لله وقاراً ، ولا للآخرة سبيلاً .
قال التلميذ : فما عاقبة هذا العالم – يا سيدي - ؟
قال الشيخ : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
يُجاء
بالرجل يوم القيامة ، فيُلقى في نار جهنم ، ويَلقى من العذاب ما يَلقى ،
فتندلق أمعاء بطنه في النار ، ويحترق أديمُه وأحشاؤه ، إنه ملأها في الدنيا
ما لذّ وطاب من الحرام ، حين أظهر للناس التقوى ، فغشّهم ، وأبطن الهوى ،
وتمادى في الضلالة ، ففضحه الله على هذه الصورة ، يراه الناس يدور بأقتابه (
أمعائه) في النار ، كما يدور الحمار برحاه ، فيدنون منه ، ويتعجبون .
من
يراه على هذه الصورة – وكانوا يعرفون فيه الصلاح والتقوى في الدنيا ، فقد
كان سَمْتُه سمتَ العلماء ، ومظهره مظهر الأتقياء ، وكان منظره في الدنيا
يدل على الاتزان والوقار ، فما باله الآن هكذا؟!! - يجتمعون عليه ويسألونه
متعجبين : لئن صرنا في النار الآن لقد كنا في الدنيا نعمل بعمل أهلها
فاسقين فاسدين ، فما بالك اليوم بيننا في النار ؟! كنت تأمرنا بالمعروف ،
وتنهانا عن المنكر ! تحضنا على الصدق والأمانة ، ونبذ الفساد والخيانة ،
وكنت تأمرنا بصون اللسان ، وغض البصر ، وحفظ الفرج ، وحُسن الطويّة !! كنت
تنهانا عن الغيبة والنميمة والفواحش ، وتنهانا عن أكل حقوق الناس وتنفـّرنا
من ذلك !! فما شأنك ؟ وما الذي قذفك بيننا؟!
وهناك – والعياذ بالله من
هذا المصير الأسود والفضيحة الكبيرة – حيث لا يستطيع الإنسان أن يُخفي
حقيقته ، أو يُدلّس على الناس ، هناك في النار حيث المستور مكشوف ، والباطن
معروف ، ولا مجال للإنكار ، والتزيي بزي الأبرار ، يقول واصفاً حقيقة حاله
في الدنيا بكلمات مختصرة اللفظ ، واضحة المعنى " كنت آمركم بالمعروف ولا
آتيه ، وأنهاكم عن المنكر ، وآتيه " ...
إن النار مصير مَن يُدعى إلى مكارم الأخلاق ، فيرفضها ، ويغرق في المفاسد ..
وهي – النار - أَولى بمن يدّعي الصلاح ظاهراً ، ويأكل الدنيا بالدين باطناً .. لقد أساء إلى نفسه ، وخسر ذاته .
وإن
حسرته على ما فرّط أشد من حسرة أولئك ، ولا سيّما حين يعلم أنّ مَنْ أخذ
بنصيحته نجا ، وفاز بالجنة ونعيمها ، وفاز برضا الله ورحمته ... وهو .. هو
في نارٍ تلظّى ، لا يصلاها إلا الأشقى ..
ويرفع الشيخ وتلميذه أيديَهما ، يدعُوانِ:
اللهم اجعل سرّنا كعلانيتنا ، وارزقنا التقوى ، والصدق في القول والعمل ، ونجّنا برحمتك من النار ... يا عزيز ياغفار .
صحيح البخاري باب بدء الخلق ، باب صفة النار وأنها مخلوقة