الحمد لله
1. معلوم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنَّة
أن الأعمال والأقوال إنما تصح
وتُقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة ، فإن كانت العقيدة غير صحيحة : بطل
ما يتفرع عنها من أعمال وأقوال ،
كما قال تعالى : ( وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ
حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) المائدة/ 5 ،
وقال تعالى : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ
أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) الزمر/ 65 ،
والآيات في هذا المعنى كثيرة .
2. وقد دل كتاب الله المبين وسنَّة رسوله
الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة
والتسليم على أن العقيدة الصحيحة تتلخص في : الإيمان بالله ، وملائكته ،
وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، فهذه الأمور الستة
هي أصول العقيدة الصحيحة التي نزل بها كتاب الله العزيز، وبعث الله بها
رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم .
وأدلة هذه الأصول الستة في الكتاب والسنة كثيرة جدّاً ،
فمن ذلك قول الله سبحانه : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ
قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ
وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ) البقرة/ 177 ،
وقوله سبحانه : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ
وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن
رُّسُلِهِ ) الآية البقرة/ 285
، وقوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ
وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن
يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً )
النساء/ 136 .
أما الأحاديث الصحيحة الدالة على هذه الأصول فكثيرة جدّاً ، منها :
الحديث الصحيح المشهور الذي رواه مسلم في صحيحه
من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله وعليه وسلم عن الإيمان ،
فقال له : الإيمان : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم
الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره . الحديث ،
وأخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة .
وهذه الأصول الستة
يتفرع عنها جميع ما يجب على المسلم اعتقاده في حق
الله سبحانه ، وفي أمر المعاد ، وغير ذلك من أمور الغيب .
3. الإيمان بالله سبحانه : ويشمل الإيمان بأنه
الإله الحق المستحق للعبادة
دون كل ما سواه (توحيد الألوهية)*
لكونه خالق العباد ، والمحسن إليهم ، والقائم بأرزاقهم والعالم بسرِّهم
وعلانيتهم ، والقادر على إثابة مطيعهم ، وعقاب عاصيهم (توحيد الربوبية)*
ولهذه العبادة خلق الله الثقلين وأمرهم .
وحقيقة هذه العبادة : هي إفراد الله سبحانه
بجميع ما تعبّد العباد به ، من
دعاء ، وخوف ، ورجاء ، وصلاة ، وصوم ، وذبح ، ونذر ، وغير ذلك من
أنواع العبادة ، على وجه الخضوع له ، والرغبة ، والرهبة ، مع كمال الحب
له سبحانه ، والذل لعظمته .
ومن الإيمان بالله أيضاً : الإيمان بجميع ما
أوجبه على عباده ، وفرضه
عليهم ، من أركان الإسلام الخمسة الظاهرة وهي : شهادة أن لا إله إلا الله ،
وأن محمَّداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ،
وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً ، وغير ذلك من الفرائض التي
جاء بها الشرع المطهر .
وأهم هذه الأركان وأعظمها : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمَّداً رسول الله ،
فشهادة أن لا إله إلا الله تقتضي إخلاص العبادة لله وحده ، ونفيها عما سواه
، وهذا هو معنـى لا إله إلا الله ، فإن معناها : لا معبـود بحـق إلا الله ، فكل
ما عبد من دون الله من بشر أو ملك أو جني أو غيـر ذلك : فكله معبود
بالباطل ، والمعبود بالحق هو الله وحده
كما قال سبحانه : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ
الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ) الحج/ 62 .
ومن الإيمان بالله أيضاً : الإيمان بأسمائه
الحسنى ، وصفاته العليا الواردة
في كتابه العزيز ، والثابتة عن رسوله الأمين ، من غير تحريف ، ولا تعطيل
، ولا تكييف ، ولا تمثيل ، بل يجب أن تُمرَّ كما جاءت به ، بلا كيف ، مع
الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف الله عز وجل ،
يجب وصفه بها على الوجه اللائق به ، من غير أن يشابه خلقه في شيء
من صفاته (توحيد الأسماء والصفات)* ،
كما قال تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ
البَصِيرُ ) الشورى/ 11 .
4. الإيمان بالملائكة : ويتضمن الإيمان بهم
إجمالاً ، وتفصيلاً ، فيؤمن
المسلم بأن لله ملائكة خلقهم لطاعته ، ووصفهم بأنهم عبَاد مُكرَمون ، لا
يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ،
( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ
ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) الأنبياء/ 28 .
وهم أصناف كثيرة ، منهم الموكلون بحمل العرش ، ومنهم خزنة الجنَّة
والنَّار ، ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد .
ونؤمن على سبيل التفصيل بمن سمى الله ورسوله منهم : كجبريل ،
وميكائيل ، ومالك خازن النار ، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور ، وقد
جاء ذكره في أحاديث صحيحة ،
وقد ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله
عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خُلقت
الملائكة من نور ، وخُلق الجان من مارج من نار ، وخُلق آدم مما وصف
لكم ) أخرجه مسلم في صحيحه .
5. الإيمان بالكتب : يجب الإيمان إجمالاً بأن
الله سبحانه قد أنزل كتباً على
أنبيائه ورسله لبيان حقه والدعوة إليه ،
كما قال تعالى : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا
مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) الآية الحديد/ 25 .
ونؤمن على سبيل التفصيل بما سمى الله منها ، كالتوراة ، والإنجيل ،
والزبور ، والقرآن .
والقرآن الكريم هو أفضلها ، وخاتمها ، وهو المهيمن عليها ، والمصدق لها
، وهو الذي يجب على جميع الأمة اتباعه ، وتحكيمه ، مع ما صحت به
السنَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الله سبحانه بعث رسوله
محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى جميع الثقلين ،
وأنزل عليه هذا القرآن ليحكم به بينهم
وجعله شفاءً لما في الصدور ، وتبيانا لكل شيء ، وهدى
ورحمة للمؤمنين ،
كما قال تعالى : ( وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ
وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الأنعام/ 155 .
6. الإيمان بالرسل : يجب الإيمان بالرسل
إجمالاً ، وتفصيلاً ، فنؤمن أن الله
سبحانه أَرسل إلى عباده رسلاً منهم مبشرين ومنذرين ودعاة إلى الحق ،
فمن أجابهم : فاز بالسعادة ، ومن خالفهم باء بالخيبة والندامة ، وخاتمهم
وأفضلهم هو نبينا محمــد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ،
كما قال الله سبحانه : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ
اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ) النحل/ 36 .
ومَن سمَّى الله منهم أو ثبت عن رسول الله تسميته آمنَّا به على سبيل
التفصيل والتعيين ، كنوح ، وهود ، وصالح ، وإبراهيم ، وغيرهم ، عليهم
وعلى نبينا أفضل الصلاة ، وأزكى التسليم .
7. الإيمان باليوم الآخر ، وأما الإيمان باليوم
الآخر فيدخل فيه الإيمان بكل ما
أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم ما يكون بعد الموت ، كفتنة القبر
، وعذابه ، ونعيمه ، وما يكون يوم القيامة من الأهوال ، والشدائد ،
والصراط ، والميزان ، والحساب ، والجزاء ، ونشر الصحف بين الناس ،
فآخذٌ كتابه بيمينه ، وآخذٌ كتابه بشماله أو من وراء ظهره ، ويدخل في ذلك
أيضاً : الإيمان بالحوض المورود لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،
والإيمان بالجنَّة والنَّار ، ورؤية المؤمنين لربهم سبحانه ، وتكليمه إياهم ،
وغير ذلك مما جاء في القرآن الكريم والسنَّة الصحيحة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فيجب الإيمان بذلك كله ، وتصديقه على الوجه الذي بيَّنه
الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
8. الإيمان بالقدر ، وأما الإيمان بالقدَر
فيتضمن الإيمان بأمور أربعة : العلم
، والكتابة ، والخلق ، والمشيئة ،
(الأول : العلم : أي أن الله عَلِمَ ما الخلق عاملون بعلمه القديم .
الثاني : الكتابة : أي أن الله كَتَبَ مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ .
الثالث : المشيئة : أي أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، فليس في
السموات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئته سبحانه .
الرابع : الخلق والتكوين : أي أن الله خالق كل شيء ، ومن ذلك أفعال العباد
، فهم يعملونها حقيقة ، وهو خالقهم وخالق أفعالهم .
فمن آمن بهذه الأمور الأربعة فقد آمن بالقدر. )*
وينظر تفصيلها في أجوبة الأسئلة :
( 34732 ) و ( 49004 ) و ( 20806 ) .
9. ويدخل في الإيمان بالله : اعتقاد أن الإيمان
قول وعمل ، يزيد بالطاعة ،
وينقص بالمعصية ، وأنه لا يجوز تكفير أحد من المسلمين بشيء من
المعاصي التي دون الشرك والكفر ، كالزنا ، والسرقة ، وأكل الربا ، وشرب
المسكرات ، وعقوق الوالدين ، وغير ذلك من الكبائر ، ما لم يستحل ذلك ؛
لقول الله : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ )
النساء/ 48
وما ثبت في الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن الله يُخرج من النار من كان في قلبه
مثقال حبة من خردل من إيمان .
10. ومن الإيمان بالله : الحب في الله ،
والبغض في الله ، والموالاة في الله ،
والمعاداة في الله ، فيحب المؤمنُ المؤمنينَ ويواليهم ، ويبغض الكفار
ويعاديهم .
وعلى رأس المؤمنين من هذه الأمة : أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فأهل السنة والجماعة يحبونهم ، ويوالونهم ، ويعتقدون أنهم خير
الناس بعد الأنبياء
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس قرني ،
ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ) متفق على صحته .
ويعتقدون أن أفضلهم : أبو بكر الصدِّيق ، ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان ذو
النورين ، ثم علي المرتضى ، رضي الله عنهم أجمعين ، وبعدهم بقية
العشرة المبشرين بالجنَّة ، ثم بقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ،
ويمسكون عما شجر بين الصحابة ، ويعتقدون أنهم في ذلك مجتهدون ، من
أصاب فله أجران ، ومن أخطأ فله أجر ، ويحبون أهل بيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم المؤمنين به ، ويتولونهم ، ويتولون أزواج رسول الله صلى
الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ، ويترضون عنهم جميعاً .
ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، ويسبونهم ، ويغلون في أهل البيت ، ويرفعونهم فوق منزلتهم
التي أنزلهم الله عز وجل إياها ، كما يتبرؤون من طريقة النواصب الذين
يؤذون أهل البيت بقول أو عمل .
11. وجميع ما ذكرناه هو العقيدة الصحيحة
التي بعث الله بها رسوله محمَّداً
صلى الله عليه وسلم ، وهي عقيدة الفرقة الناجية ، أهل السنة والجماعة ،
التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال
طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم
حتى يأتي أمر الله سبحانه ) ،
وقال صلى الله عليه وسلم : ( افترقت اليهود على إحدى
وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ،
وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ،
فقال الصحابة : من هي يا رسول الله ؟
قال : من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي ) ،
وهي العقيدة التي يجب التمسك بها ، والاستقامة عليها ،
والحذر مما خالفها .
12. وأما المنحرفون عن هذه العقيدة ،
والسائرون على ضدها فهم أصناف
كثيرة ؛ فمنهم عبَّاد الأصنام والأوثان والملائكة والأولياء والجن والأشجار
والأحجار وغيرها ، فهؤلاء لم يستجيبوا لدعوة الرسل ، بل خالفوهم ،
وعاندوهم ، كما فعلت قريش وأصناف العرب
مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،
وكانوا يسألون معبوداتهم قضاء الحاجات ، وشفاء المرضى ،والنصر على
الأعداء ، ويذبحون لهم ، وينذرون لهم ، فلما أنكر عليهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذلك ، وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده : استغربوا ذلك
وأنكروه ، وقالوا : ( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا
لَشَيْءٌ عُجَابٌ ) ص/ 5 .
ثم تغيرت الأحوال ، وغلب الجهل على أكثر الخلق حتى عاد الأكثرون إلى
دين الجاهلية ، بالغلو في الأنبياء ، والأولياء ، ودعائهم ، والاستغاثة بهم ،
وغير ذلك من أنوع الشرك ، ولم يعرفوا معنى لا إله إلا الله كما عرف معناها
كفار العرب ، ولم يزل هذا الشرك يتفشى في الناس إلى عصرنا هذا بسبب
غلبة الجهل ، وبُعد العهد بعصر النبوة .
13. ومن العقائد الكفرية
المضادة للعقيدة الصحيحة ، والمخالفة لما جاءت
به الرسل عليهم الصلاة والسلام : ما يعتقده الملاحدة في هذا
العصر من أتباع " ماركس " ، و " لينين " ،
وغيرهما من دعاة الإلحاد والكفر ، سواء
سموا ذلك " اشتراكية " ، أو " شيوعية " ، أو " بعثية " ، أو غير ذلك من
الأسماء ، فإن من أصول هؤلاء الملاحدة : أنه لا إله ، والحياة مادة ، ومن
أصولهم : إنكار المعاد ، وإنكار الجنَّة والنَّار ، والكفر بالأديان كلها ، ومن
نظر في كتبهم ودرس ما هم عليه : علَم ذلك يقيناً ،
ولا ريب أن هذه العقيدة مضادة لجميع الأديان السماوية ،
ومفضية بأهلها إلى أسوأ العواقب في الدنيا والآخرة .
14. ومن العقائد المضادة للحق : ما يعتقده
بعض الباطنية ، وبعض المتصوفة
من أن بعض من يسمونهم بالأولياء يشاركون الله في التدبير ،
ويتصرفون في شؤون العالم ، ويسمونهم بالأقطاب ، والأوتاد ، والأغواث ،
وغير ذلك من الأسماء التي اخترعوها لآلهتهم ، وهذا من أقبح الشرك في
الربوبية ، وهو شرٌّ من شرك جاهلية العرب ؛ لأن كفار العرب لم يشركوا في
الربوبية ، وإنما أشركوا في العبادة ، وكان شركهم في حال الرخاء ، أما في
حال الشدة : فيخلصون لله العبادة ،
كما قال سبحانه : ( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ
دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ )
العنكبوت/ 65 ،
أما الربوبية: فكانوا معترفين بها لله وحده ،
كما قال سبحانه : ( وَلَئِن
سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) الزخرف/ 87 ،
وقال تعالى : ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن
يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ
وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ )
يونس/ 31 ،
والآيات في هذا المعنى كثيرة .
15. ومن العقائد المضادة للعقيدة الصحيحة في باب
الأسماء والصفات :
عقائد أهل البدع ، من الجهمية ، والمعتزلة ، ومن سلك سبيلهم في نفي
صفات الله عز وجل ، وتعطيله سبحانه من صفات الكمال ، ووصفه عز وجل
بصفة المعدومات ، والجمادات ، والمستحيلات ، تعالى الله عن قولهم علوّاً
كبيراً .
ويدخل في ذلك : مَن نفى بعض الصفات وأثبت بعضها ، كالأشاعرة ، فإنه
يلزمهم فيما أثبتوه من الصفات نظير ما فروا منه في الصفات التي نفوها
وتأولوا أدلتها ، فخالفوا بذلك الأدلة السمعية ، والعقلية ، وتناقضوا في ذلك
تناقضاً بيِّناً .
باختصار من رسالة " العقيدة الصحيحة وما يضادها "
للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
والله أعلم.
1. معلوم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنَّة
أن الأعمال والأقوال إنما تصح
وتُقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة ، فإن كانت العقيدة غير صحيحة : بطل
ما يتفرع عنها من أعمال وأقوال ،
كما قال تعالى : ( وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ
حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) المائدة/ 5 ،
وقال تعالى : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ
أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) الزمر/ 65 ،
والآيات في هذا المعنى كثيرة .
2. وقد دل كتاب الله المبين وسنَّة رسوله
الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة
والتسليم على أن العقيدة الصحيحة تتلخص في : الإيمان بالله ، وملائكته ،
وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، فهذه الأمور الستة
هي أصول العقيدة الصحيحة التي نزل بها كتاب الله العزيز، وبعث الله بها
رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم .
وأدلة هذه الأصول الستة في الكتاب والسنة كثيرة جدّاً ،
فمن ذلك قول الله سبحانه : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ
قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ
وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ) البقرة/ 177 ،
وقوله سبحانه : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ
وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن
رُّسُلِهِ ) الآية البقرة/ 285
، وقوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ
وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن
يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً )
النساء/ 136 .
أما الأحاديث الصحيحة الدالة على هذه الأصول فكثيرة جدّاً ، منها :
الحديث الصحيح المشهور الذي رواه مسلم في صحيحه
من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله وعليه وسلم عن الإيمان ،
فقال له : الإيمان : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم
الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره . الحديث ،
وأخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة .
وهذه الأصول الستة
يتفرع عنها جميع ما يجب على المسلم اعتقاده في حق
الله سبحانه ، وفي أمر المعاد ، وغير ذلك من أمور الغيب .
3. الإيمان بالله سبحانه : ويشمل الإيمان بأنه
الإله الحق المستحق للعبادة
دون كل ما سواه (توحيد الألوهية)*
لكونه خالق العباد ، والمحسن إليهم ، والقائم بأرزاقهم والعالم بسرِّهم
وعلانيتهم ، والقادر على إثابة مطيعهم ، وعقاب عاصيهم (توحيد الربوبية)*
ولهذه العبادة خلق الله الثقلين وأمرهم .
وحقيقة هذه العبادة : هي إفراد الله سبحانه
بجميع ما تعبّد العباد به ، من
دعاء ، وخوف ، ورجاء ، وصلاة ، وصوم ، وذبح ، ونذر ، وغير ذلك من
أنواع العبادة ، على وجه الخضوع له ، والرغبة ، والرهبة ، مع كمال الحب
له سبحانه ، والذل لعظمته .
ومن الإيمان بالله أيضاً : الإيمان بجميع ما
أوجبه على عباده ، وفرضه
عليهم ، من أركان الإسلام الخمسة الظاهرة وهي : شهادة أن لا إله إلا الله ،
وأن محمَّداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ،
وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً ، وغير ذلك من الفرائض التي
جاء بها الشرع المطهر .
وأهم هذه الأركان وأعظمها : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمَّداً رسول الله ،
فشهادة أن لا إله إلا الله تقتضي إخلاص العبادة لله وحده ، ونفيها عما سواه
، وهذا هو معنـى لا إله إلا الله ، فإن معناها : لا معبـود بحـق إلا الله ، فكل
ما عبد من دون الله من بشر أو ملك أو جني أو غيـر ذلك : فكله معبود
بالباطل ، والمعبود بالحق هو الله وحده
كما قال سبحانه : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ
الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ) الحج/ 62 .
ومن الإيمان بالله أيضاً : الإيمان بأسمائه
الحسنى ، وصفاته العليا الواردة
في كتابه العزيز ، والثابتة عن رسوله الأمين ، من غير تحريف ، ولا تعطيل
، ولا تكييف ، ولا تمثيل ، بل يجب أن تُمرَّ كما جاءت به ، بلا كيف ، مع
الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف الله عز وجل ،
يجب وصفه بها على الوجه اللائق به ، من غير أن يشابه خلقه في شيء
من صفاته (توحيد الأسماء والصفات)* ،
كما قال تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ
البَصِيرُ ) الشورى/ 11 .
4. الإيمان بالملائكة : ويتضمن الإيمان بهم
إجمالاً ، وتفصيلاً ، فيؤمن
المسلم بأن لله ملائكة خلقهم لطاعته ، ووصفهم بأنهم عبَاد مُكرَمون ، لا
يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ،
( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ
ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) الأنبياء/ 28 .
وهم أصناف كثيرة ، منهم الموكلون بحمل العرش ، ومنهم خزنة الجنَّة
والنَّار ، ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد .
ونؤمن على سبيل التفصيل بمن سمى الله ورسوله منهم : كجبريل ،
وميكائيل ، ومالك خازن النار ، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور ، وقد
جاء ذكره في أحاديث صحيحة ،
وقد ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله
عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خُلقت
الملائكة من نور ، وخُلق الجان من مارج من نار ، وخُلق آدم مما وصف
لكم ) أخرجه مسلم في صحيحه .
5. الإيمان بالكتب : يجب الإيمان إجمالاً بأن
الله سبحانه قد أنزل كتباً على
أنبيائه ورسله لبيان حقه والدعوة إليه ،
كما قال تعالى : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا
مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) الآية الحديد/ 25 .
ونؤمن على سبيل التفصيل بما سمى الله منها ، كالتوراة ، والإنجيل ،
والزبور ، والقرآن .
والقرآن الكريم هو أفضلها ، وخاتمها ، وهو المهيمن عليها ، والمصدق لها
، وهو الذي يجب على جميع الأمة اتباعه ، وتحكيمه ، مع ما صحت به
السنَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الله سبحانه بعث رسوله
محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى جميع الثقلين ،
وأنزل عليه هذا القرآن ليحكم به بينهم
وجعله شفاءً لما في الصدور ، وتبيانا لكل شيء ، وهدى
ورحمة للمؤمنين ،
كما قال تعالى : ( وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ
وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الأنعام/ 155 .
6. الإيمان بالرسل : يجب الإيمان بالرسل
إجمالاً ، وتفصيلاً ، فنؤمن أن الله
سبحانه أَرسل إلى عباده رسلاً منهم مبشرين ومنذرين ودعاة إلى الحق ،
فمن أجابهم : فاز بالسعادة ، ومن خالفهم باء بالخيبة والندامة ، وخاتمهم
وأفضلهم هو نبينا محمــد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ،
كما قال الله سبحانه : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ
اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ) النحل/ 36 .
ومَن سمَّى الله منهم أو ثبت عن رسول الله تسميته آمنَّا به على سبيل
التفصيل والتعيين ، كنوح ، وهود ، وصالح ، وإبراهيم ، وغيرهم ، عليهم
وعلى نبينا أفضل الصلاة ، وأزكى التسليم .
7. الإيمان باليوم الآخر ، وأما الإيمان باليوم
الآخر فيدخل فيه الإيمان بكل ما
أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم ما يكون بعد الموت ، كفتنة القبر
، وعذابه ، ونعيمه ، وما يكون يوم القيامة من الأهوال ، والشدائد ،
والصراط ، والميزان ، والحساب ، والجزاء ، ونشر الصحف بين الناس ،
فآخذٌ كتابه بيمينه ، وآخذٌ كتابه بشماله أو من وراء ظهره ، ويدخل في ذلك
أيضاً : الإيمان بالحوض المورود لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،
والإيمان بالجنَّة والنَّار ، ورؤية المؤمنين لربهم سبحانه ، وتكليمه إياهم ،
وغير ذلك مما جاء في القرآن الكريم والسنَّة الصحيحة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فيجب الإيمان بذلك كله ، وتصديقه على الوجه الذي بيَّنه
الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
8. الإيمان بالقدر ، وأما الإيمان بالقدَر
فيتضمن الإيمان بأمور أربعة : العلم
، والكتابة ، والخلق ، والمشيئة ،
(الأول : العلم : أي أن الله عَلِمَ ما الخلق عاملون بعلمه القديم .
الثاني : الكتابة : أي أن الله كَتَبَ مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ .
الثالث : المشيئة : أي أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، فليس في
السموات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئته سبحانه .
الرابع : الخلق والتكوين : أي أن الله خالق كل شيء ، ومن ذلك أفعال العباد
، فهم يعملونها حقيقة ، وهو خالقهم وخالق أفعالهم .
فمن آمن بهذه الأمور الأربعة فقد آمن بالقدر. )*
وينظر تفصيلها في أجوبة الأسئلة :
( 34732 ) و ( 49004 ) و ( 20806 ) .
9. ويدخل في الإيمان بالله : اعتقاد أن الإيمان
قول وعمل ، يزيد بالطاعة ،
وينقص بالمعصية ، وأنه لا يجوز تكفير أحد من المسلمين بشيء من
المعاصي التي دون الشرك والكفر ، كالزنا ، والسرقة ، وأكل الربا ، وشرب
المسكرات ، وعقوق الوالدين ، وغير ذلك من الكبائر ، ما لم يستحل ذلك ؛
لقول الله : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ )
النساء/ 48
وما ثبت في الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن الله يُخرج من النار من كان في قلبه
مثقال حبة من خردل من إيمان .
10. ومن الإيمان بالله : الحب في الله ،
والبغض في الله ، والموالاة في الله ،
والمعاداة في الله ، فيحب المؤمنُ المؤمنينَ ويواليهم ، ويبغض الكفار
ويعاديهم .
وعلى رأس المؤمنين من هذه الأمة : أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فأهل السنة والجماعة يحبونهم ، ويوالونهم ، ويعتقدون أنهم خير
الناس بعد الأنبياء
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس قرني ،
ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ) متفق على صحته .
ويعتقدون أن أفضلهم : أبو بكر الصدِّيق ، ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان ذو
النورين ، ثم علي المرتضى ، رضي الله عنهم أجمعين ، وبعدهم بقية
العشرة المبشرين بالجنَّة ، ثم بقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ،
ويمسكون عما شجر بين الصحابة ، ويعتقدون أنهم في ذلك مجتهدون ، من
أصاب فله أجران ، ومن أخطأ فله أجر ، ويحبون أهل بيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم المؤمنين به ، ويتولونهم ، ويتولون أزواج رسول الله صلى
الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ، ويترضون عنهم جميعاً .
ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، ويسبونهم ، ويغلون في أهل البيت ، ويرفعونهم فوق منزلتهم
التي أنزلهم الله عز وجل إياها ، كما يتبرؤون من طريقة النواصب الذين
يؤذون أهل البيت بقول أو عمل .
11. وجميع ما ذكرناه هو العقيدة الصحيحة
التي بعث الله بها رسوله محمَّداً
صلى الله عليه وسلم ، وهي عقيدة الفرقة الناجية ، أهل السنة والجماعة ،
التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال
طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم
حتى يأتي أمر الله سبحانه ) ،
وقال صلى الله عليه وسلم : ( افترقت اليهود على إحدى
وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ،
وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ،
فقال الصحابة : من هي يا رسول الله ؟
قال : من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي ) ،
وهي العقيدة التي يجب التمسك بها ، والاستقامة عليها ،
والحذر مما خالفها .
12. وأما المنحرفون عن هذه العقيدة ،
والسائرون على ضدها فهم أصناف
كثيرة ؛ فمنهم عبَّاد الأصنام والأوثان والملائكة والأولياء والجن والأشجار
والأحجار وغيرها ، فهؤلاء لم يستجيبوا لدعوة الرسل ، بل خالفوهم ،
وعاندوهم ، كما فعلت قريش وأصناف العرب
مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،
وكانوا يسألون معبوداتهم قضاء الحاجات ، وشفاء المرضى ،والنصر على
الأعداء ، ويذبحون لهم ، وينذرون لهم ، فلما أنكر عليهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذلك ، وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده : استغربوا ذلك
وأنكروه ، وقالوا : ( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا
لَشَيْءٌ عُجَابٌ ) ص/ 5 .
ثم تغيرت الأحوال ، وغلب الجهل على أكثر الخلق حتى عاد الأكثرون إلى
دين الجاهلية ، بالغلو في الأنبياء ، والأولياء ، ودعائهم ، والاستغاثة بهم ،
وغير ذلك من أنوع الشرك ، ولم يعرفوا معنى لا إله إلا الله كما عرف معناها
كفار العرب ، ولم يزل هذا الشرك يتفشى في الناس إلى عصرنا هذا بسبب
غلبة الجهل ، وبُعد العهد بعصر النبوة .
13. ومن العقائد الكفرية
المضادة للعقيدة الصحيحة ، والمخالفة لما جاءت
به الرسل عليهم الصلاة والسلام : ما يعتقده الملاحدة في هذا
العصر من أتباع " ماركس " ، و " لينين " ،
وغيرهما من دعاة الإلحاد والكفر ، سواء
سموا ذلك " اشتراكية " ، أو " شيوعية " ، أو " بعثية " ، أو غير ذلك من
الأسماء ، فإن من أصول هؤلاء الملاحدة : أنه لا إله ، والحياة مادة ، ومن
أصولهم : إنكار المعاد ، وإنكار الجنَّة والنَّار ، والكفر بالأديان كلها ، ومن
نظر في كتبهم ودرس ما هم عليه : علَم ذلك يقيناً ،
ولا ريب أن هذه العقيدة مضادة لجميع الأديان السماوية ،
ومفضية بأهلها إلى أسوأ العواقب في الدنيا والآخرة .
14. ومن العقائد المضادة للحق : ما يعتقده
بعض الباطنية ، وبعض المتصوفة
من أن بعض من يسمونهم بالأولياء يشاركون الله في التدبير ،
ويتصرفون في شؤون العالم ، ويسمونهم بالأقطاب ، والأوتاد ، والأغواث ،
وغير ذلك من الأسماء التي اخترعوها لآلهتهم ، وهذا من أقبح الشرك في
الربوبية ، وهو شرٌّ من شرك جاهلية العرب ؛ لأن كفار العرب لم يشركوا في
الربوبية ، وإنما أشركوا في العبادة ، وكان شركهم في حال الرخاء ، أما في
حال الشدة : فيخلصون لله العبادة ،
كما قال سبحانه : ( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ
دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ )
العنكبوت/ 65 ،
أما الربوبية: فكانوا معترفين بها لله وحده ،
كما قال سبحانه : ( وَلَئِن
سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) الزخرف/ 87 ،
وقال تعالى : ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن
يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ
وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ )
يونس/ 31 ،
والآيات في هذا المعنى كثيرة .
15. ومن العقائد المضادة للعقيدة الصحيحة في باب
الأسماء والصفات :
عقائد أهل البدع ، من الجهمية ، والمعتزلة ، ومن سلك سبيلهم في نفي
صفات الله عز وجل ، وتعطيله سبحانه من صفات الكمال ، ووصفه عز وجل
بصفة المعدومات ، والجمادات ، والمستحيلات ، تعالى الله عن قولهم علوّاً
كبيراً .
ويدخل في ذلك : مَن نفى بعض الصفات وأثبت بعضها ، كالأشاعرة ، فإنه
يلزمهم فيما أثبتوه من الصفات نظير ما فروا منه في الصفات التي نفوها
وتأولوا أدلتها ، فخالفوا بذلك الأدلة السمعية ، والعقلية ، وتناقضوا في ذلك
تناقضاً بيِّناً .
باختصار من رسالة " العقيدة الصحيحة وما يضادها "
للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
والله أعلم.