توصلت أغلب الفنون البصرية لشكل فني جديد يسمى بالفن الثلاثي الأبعاد، فالسينما والتلفزيون والأعمال المرسومة (المتحركة والثابتة) عرفته قبلهما،
ولكن المسرح لم يصل قبل عرض مسرحية "لينينغرادكا" إلى هذا الشكل الفني التفاعلي الجديد، بل إن الفكرة كانت تتردد في الأوساط المسرحية العربية حول تنفيذها، إلا أن المحاولات كفّت، وأجهض حلم التنفيذ، وتم اعتباره بمثابة ضرب من ضروب المستحيل.
مسرحية "لينينغرادكا" أو بترجمتها للعربية "ابنة لينينغراد"، هي فن جديد من فنون الفرجة المسرحية، تدمج بين أكثر من فن، من مسرح وسينما ووثائقي ومسرح دمى، حازت على أرفع جائزة مسرحية في عاصمة المسرح العالمي "موسكو"، هي جائزة القناع الذهبي في مهرجان موسكو الدولي للمسرح، بالإضافة إلى جائزة أفضل عمل مسرحي تجريبي للعام 2008 في بطرسبورغ (لينينغراد سابقا).
وتلقي لينينغرادكا الضوء على حقبة، قلّما تناولتها الأعمال المسرحية، من تاريخ روسيا، وهي حقبة الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد في العام 1941، حيث حدثت معارك كبرى، إبان العدوان النازي على المدينة السوفيتية "لينينغراد"، إلى أن انتصر الجيش الأحمر والمتطوعون الشعبيون من أبناء المدينة على القوات النازية التي مارست كل أشكال الهمجية بمدينتهم.
الأمر الذي حمله البعض محمل الإسقاط الواضح، والتلميح الصريح، على ما يحدث في منطقتنا من اعتداء الأقوياء على الضعفاء.. سيما حين يظهر بعض لقطات الفيلم مشاهد من فلسطين والعراق وأفغانستان ولبنان.
طاقم العمل
أنتج هذا العمل المتميز، الدكتور عبد السلام القبيلات، المخرج الأردني المقيم في روسيا، وأخرجه، ومثّل فيه، عدد من الممثلين والمخرجين الروس، على مدار ثلاث سنوات 3 سنوات من التجهيز الجاد والتدريب المضني.
وتحتم طبيعة هذا العرض الملحمي الإكثار من الشخصيات بشرية، إلا أن شكله المتجانس بين أكثر من ثلاثة أجناس فنية، أجبرت المخرجين على تقليص الأبطال من الشخصيات البشرية قدر الإمكان، ولذا فإن الكادر البشري في المسرحية ضخم، إلا أن ما تعرضه قليل لا يتجاوز 4 شخصيات، أما عن باقي الأبطال فهم شخصيات دمى، تحرك أحداث القصة باتجاه الحبكة.
فكرة العمل
تحاكي قصة المسرحية، حكاية امرأة عجوز عايشت الحرب، حالف الحظ طاقم المسرحية بالعثور عليها، فنقل قبيلات تفاصيل معاناتها أثناء حصار التسعمائة يوم في الحرب، وعلى الرغم من أن العمل قد يعتبر من أعمال المسرح الواقعي الروسي، إلا أنه يختلف بعض الشيء عن الأعمال المسرحية الروسية، وعلى وجه التحديد فإن لينينغرادكا تختلف كثيراً عن الأعمال الواقعية، فمحتواها يعتمد على فانتازيا الشخوص واللون والتحريك.
تبدأ قصة العمل، بإعادة العجوز فالا، من خلال تصوير مدروس، لطفولتها، عارضاً بتؤدة حبكة بقاء الطفلة فالنتينا(فالا) وأمها، مجبرة في مدينتها، عندما سرق الجرذ حقيبتها وتصاريح سفرهما، ثم يعرض شيئاً فشيئاً، ما كابدته فالا من مآسي الحصار القاتل الذي ضُرب على نافذة أوروبا (لينينغراد)، بعد وفاة أمها بالقصف، ورحيل أبيها إلى الجبهة، فما كان منها سوى أن اختبأت في الخزانة.
ثم تنتقل المسرحية التي عرضت على مسرح الفنون الأدائية في عمّان، إلى الميثولوجيا الروسية، وذلك من خلال إدخال الشخصيات الفنتازية التي تتحكم بباقي القصة، فيتدخل لإنقاذ فالا الطفلة، شخصية من الموروث الروسي، لقبها القبيلات بـ(الساكون) وهو مخلوق صغير وهمي، كان والد فالا أهداها إياه قبيل رحيله لجبهة الحرب.
كما يثري الخيال المسرحي في العمل، ذلك المزج بين السينما والمسرح والوثائقي، فإن إدخال تلك الشخصيات الخيالية، يزيده ثراءً، حيث تمر المسرحية بمعاناة الطفلة، مع الجوع والبرد الذي جعل منهم المخرج شخصيات في القصة، ويمكث البرد في جوف الجوع، ولا ينتهي العرض قبل التعرف على شخوص خيالية أخرى، مثل حارس الغابة واستنطاق كائنات غير إنسانية مثل الجرذ الذي يعكس الشخصية الانتهازية التي تعتاش من ضحايا وآلام الحروب.
ينتصر العمل، كما ينبغي، لمفاهيم الخير والعدالة والسلام، عارضاً صور ولقطات من العراق ولبنان وفلسطين، الأمر الذي يضاف لمحاولات عبد السلام لدمج تجربتين عظيمتين مع بعضهما، أصوله العربية، وحياته في الاتحاد السوفيتي وروسيا لاحقاً.
الفنون التقنية
منذ اللحظة الأولى للمسرحية، وأجواء المؤثرات الاحترافية، تسلب لب المشاهد، حتى أن الموسيقى في بعض الأوقات كادت تتحول لشخصية أو حدث من الأحداث في المسلسل، ويتجلى ذلك حين تتسلط الإضاءة على مجهار إلى يسار الشاشة، يتحرك على نمط المجهار الذي كان يعلن عن بدء أو انتهاء الغارات، وقت الحرب، كما تستحق المؤثرات البصرية الأخرى واللمسات الإخراجية الخاصة وفنون الجرافيك أن يتم تناولها في مادة بحثية خاصة.
وعلى الرغم من طول مدة العرض الذي عبرت عنها المخرجة مجد القصص بالممل، وعدم ملائمة هذا الطول مع نظرة المتلقي العربي للمسرح، إلا أن انبهاراً ملحوظا كان في أعين من تابعوها، وحصد التجريب المميز إعجاب الكثيرين من اختصاصي النقد المسرحي، والمخرجين المسرحين وسواهم.
خطوة جادة جديدة في دمج أكثر من شكل فني في شكل واحد، لعلنا سنراها في يوم من الأيام كشكل معترف به، من أجناس الفنون.. تسجل الخطوة الأولى فيها للمخرج عبد السلام قبيلات، وزملائه الآخرين.
ولكن المسرح لم يصل قبل عرض مسرحية "لينينغرادكا" إلى هذا الشكل الفني التفاعلي الجديد، بل إن الفكرة كانت تتردد في الأوساط المسرحية العربية حول تنفيذها، إلا أن المحاولات كفّت، وأجهض حلم التنفيذ، وتم اعتباره بمثابة ضرب من ضروب المستحيل.
مسرحية "لينينغرادكا" أو بترجمتها للعربية "ابنة لينينغراد"، هي فن جديد من فنون الفرجة المسرحية، تدمج بين أكثر من فن، من مسرح وسينما ووثائقي ومسرح دمى، حازت على أرفع جائزة مسرحية في عاصمة المسرح العالمي "موسكو"، هي جائزة القناع الذهبي في مهرجان موسكو الدولي للمسرح، بالإضافة إلى جائزة أفضل عمل مسرحي تجريبي للعام 2008 في بطرسبورغ (لينينغراد سابقا).
وتلقي لينينغرادكا الضوء على حقبة، قلّما تناولتها الأعمال المسرحية، من تاريخ روسيا، وهي حقبة الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد في العام 1941، حيث حدثت معارك كبرى، إبان العدوان النازي على المدينة السوفيتية "لينينغراد"، إلى أن انتصر الجيش الأحمر والمتطوعون الشعبيون من أبناء المدينة على القوات النازية التي مارست كل أشكال الهمجية بمدينتهم.
الأمر الذي حمله البعض محمل الإسقاط الواضح، والتلميح الصريح، على ما يحدث في منطقتنا من اعتداء الأقوياء على الضعفاء.. سيما حين يظهر بعض لقطات الفيلم مشاهد من فلسطين والعراق وأفغانستان ولبنان.
طاقم العمل
أنتج هذا العمل المتميز، الدكتور عبد السلام القبيلات، المخرج الأردني المقيم في روسيا، وأخرجه، ومثّل فيه، عدد من الممثلين والمخرجين الروس، على مدار ثلاث سنوات 3 سنوات من التجهيز الجاد والتدريب المضني.
وتحتم طبيعة هذا العرض الملحمي الإكثار من الشخصيات بشرية، إلا أن شكله المتجانس بين أكثر من ثلاثة أجناس فنية، أجبرت المخرجين على تقليص الأبطال من الشخصيات البشرية قدر الإمكان، ولذا فإن الكادر البشري في المسرحية ضخم، إلا أن ما تعرضه قليل لا يتجاوز 4 شخصيات، أما عن باقي الأبطال فهم شخصيات دمى، تحرك أحداث القصة باتجاه الحبكة.
فكرة العمل
تحاكي قصة المسرحية، حكاية امرأة عجوز عايشت الحرب، حالف الحظ طاقم المسرحية بالعثور عليها، فنقل قبيلات تفاصيل معاناتها أثناء حصار التسعمائة يوم في الحرب، وعلى الرغم من أن العمل قد يعتبر من أعمال المسرح الواقعي الروسي، إلا أنه يختلف بعض الشيء عن الأعمال المسرحية الروسية، وعلى وجه التحديد فإن لينينغرادكا تختلف كثيراً عن الأعمال الواقعية، فمحتواها يعتمد على فانتازيا الشخوص واللون والتحريك.
تبدأ قصة العمل، بإعادة العجوز فالا، من خلال تصوير مدروس، لطفولتها، عارضاً بتؤدة حبكة بقاء الطفلة فالنتينا(فالا) وأمها، مجبرة في مدينتها، عندما سرق الجرذ حقيبتها وتصاريح سفرهما، ثم يعرض شيئاً فشيئاً، ما كابدته فالا من مآسي الحصار القاتل الذي ضُرب على نافذة أوروبا (لينينغراد)، بعد وفاة أمها بالقصف، ورحيل أبيها إلى الجبهة، فما كان منها سوى أن اختبأت في الخزانة.
ثم تنتقل المسرحية التي عرضت على مسرح الفنون الأدائية في عمّان، إلى الميثولوجيا الروسية، وذلك من خلال إدخال الشخصيات الفنتازية التي تتحكم بباقي القصة، فيتدخل لإنقاذ فالا الطفلة، شخصية من الموروث الروسي، لقبها القبيلات بـ(الساكون) وهو مخلوق صغير وهمي، كان والد فالا أهداها إياه قبيل رحيله لجبهة الحرب.
كما يثري الخيال المسرحي في العمل، ذلك المزج بين السينما والمسرح والوثائقي، فإن إدخال تلك الشخصيات الخيالية، يزيده ثراءً، حيث تمر المسرحية بمعاناة الطفلة، مع الجوع والبرد الذي جعل منهم المخرج شخصيات في القصة، ويمكث البرد في جوف الجوع، ولا ينتهي العرض قبل التعرف على شخوص خيالية أخرى، مثل حارس الغابة واستنطاق كائنات غير إنسانية مثل الجرذ الذي يعكس الشخصية الانتهازية التي تعتاش من ضحايا وآلام الحروب.
ينتصر العمل، كما ينبغي، لمفاهيم الخير والعدالة والسلام، عارضاً صور ولقطات من العراق ولبنان وفلسطين، الأمر الذي يضاف لمحاولات عبد السلام لدمج تجربتين عظيمتين مع بعضهما، أصوله العربية، وحياته في الاتحاد السوفيتي وروسيا لاحقاً.
الفنون التقنية
منذ اللحظة الأولى للمسرحية، وأجواء المؤثرات الاحترافية، تسلب لب المشاهد، حتى أن الموسيقى في بعض الأوقات كادت تتحول لشخصية أو حدث من الأحداث في المسلسل، ويتجلى ذلك حين تتسلط الإضاءة على مجهار إلى يسار الشاشة، يتحرك على نمط المجهار الذي كان يعلن عن بدء أو انتهاء الغارات، وقت الحرب، كما تستحق المؤثرات البصرية الأخرى واللمسات الإخراجية الخاصة وفنون الجرافيك أن يتم تناولها في مادة بحثية خاصة.
وعلى الرغم من طول مدة العرض الذي عبرت عنها المخرجة مجد القصص بالممل، وعدم ملائمة هذا الطول مع نظرة المتلقي العربي للمسرح، إلا أن انبهاراً ملحوظا كان في أعين من تابعوها، وحصد التجريب المميز إعجاب الكثيرين من اختصاصي النقد المسرحي، والمخرجين المسرحين وسواهم.
خطوة جادة جديدة في دمج أكثر من شكل فني في شكل واحد، لعلنا سنراها في يوم من الأيام كشكل معترف به، من أجناس الفنون.. تسجل الخطوة الأولى فيها للمخرج عبد السلام قبيلات، وزملائه الآخرين.