قال الله تعالى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَ قُومُوا لله قَانِتِينَ }(1) ، و قال تعالى : { وَ أَقِيمُوا الصَّلاًةَ وَ آتُوا الزَّكَاةَ }(2) ، و قال تعالى : { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا }(3) .
و اختلفوا في اشتقاق اسم الصلاة مِمَّ هو؟ فقيل : هو من الدعاء ، و تسمية الصلاة دعاءً معروفة في كلام العرب ، فسُمِّيت الصلاة صلاة لما فيها من دعاء، و قيل : سميت بذلك من الرحمة قال الله تعالى : { إِنَّ الله وَ مَلاَئِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ }(4) ، فهي من الله رحمة، و من الملائكة استغفار، و من الناس دعاء، قال صلى الله عليه و سلم : « اللَّهمَّ صَلِّ على آل أبي أوفى » أي : ارحمهم . و قيل : سميت بذلك من الاستقامة ، من قولهم : صليتَ العود على النار إذا قَوَّمْتَهُ.
و الصلاة تقيم العبد على طاعة الله و خدمته، و تنهاه عن خلافه، قال الله تعالى: { إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنْكَرِ }(5) . و قيل : لأنها صلة بين العبد و ربه ، و عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : « علو الإيمان الصلاة، فمَنْ فرغ لها قلبه، و حافظ عليها بحدودها فهو مؤمن ». و عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال و هو على المنبر: إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام، و ما أكمل لله تعالى صلاة! قيل : و كيف ذلك؟ قال : لا يتمُّ ركوعها و سجودها و خشوعها ، و تواضعه و إقباله على الله فيها . و قالت عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحدثنا و نحدثه ، فإذا حضرت الصلاة، فكأنه لم يعرفنا و لم نعرفه.
و قيل للحسن : ما بال المتهجِّدين(6) من أحسن الناس وجوهًا ؟ فقال : لأنهم خَلَوا بالرحمن ، فألبسهم نورًا من نوره.
و قال بعضهم : لا تفوت أحدًا صلاة في جماعة إلا بذنب. و كانت رابعة العدوية تصلي في اليوم و الليلة ، ألف ركعة و تقول : و الله ما أريد بها ثوابًا، و لكن ليسر ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و يقول للأنبياء عليهم الصلاة و السلام : انظروا إلى امرأة من أمتي ، هذا عملها في اليوم و الليلة.
و قال بعضهم : صليت خلف ذي النون المصري فلما أراد أن يكبِّر رفع يديه و قال : الله ثم بَهَتَ ، و بقي كأنه جسد لا روح فيه إعظامًا لربه جل و علا، ثم قال: الله أكبر فظننت أن قلبي انخلع من هيبة تكبيره.
و قيل : أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : يا داود كذب من ادَّعى محبتي ، وإذا جنَّ عليه الليل نام عني ، أليس كل محبٍّ يحبُّ الخلوة بحبيبه ؟ .
و كان سيدي أويس القرني لا ينام ليله و يقول: ما بال الملائكة لا يفترون و نحن نفتر؟ و قال حذيفة رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. و قال هشام بن عروة : كان أبي يطيل المكتوبة، و يقول: هي رأس المال. و قال أبو الطفيل : سمعت أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يقول: يا أيها الناس قوموا إلى نيرانكم فأطفئوها(7) ، و سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : « الصلاةُ إلى الصلاةِ كفَّارةٌ لما بينهما ما اجتُنِبَتِ الكبائر »(8) . و جزَّأ محمد بن المنكدر عليه و على أمه و على أخته الليل أثلاثًا، فماتت أخته، فجزأه عليه و على أمه، فماتت أمه فقام الليل كله.
و كان مسلم بن البشار إذا أراد أن يصلي في بيته يقول لأهله: تحدثوا فلست أسمع حديثكم. و كان إذا دخل البيت سكت أهله فلا يسمع لهم كلام ، فإذا قام إلى الصلاة تحدثوا و ضحكوا. و وقع حريق إلى جنبه و هو في الصلاة فما شعر به حتى أطفئ.
من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبهيشي . تحقيق الدكتور
مصطفى محمد الذهبي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- سورة البقرة: 238.
(2)- سورة البقرة: 43.
(3)- سورة النساء: 103.
(4)- سورة الأحزاب: 56.
(5)- سورة العنكبوت: 45.
(6)- المتهجدين: المصلين ليلاٍ.
(7)- لان الصلاة تثلج صدر الإنسان و تجعله مرتاح البال.
(8)- أخرجه: أحمد في المسند 9092.