قرن الله سبحانه و تعالى الزكاة بالصلاة في مواضيع شتى في كتابه، قال الله تعالى: { وَ أَقِيمُوا الصَّلاَة وَ آتُوا الزَّكَاةَ }(1) ، و قال تعالى:{ رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهُمْ تِجَارَةٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَ إِقَامِ الصَّلاَةِ وَ إِيتَاءِ الزَّكَاةِ }(2) ، و قال تعالى : { وَ يُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَ ذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }(3) .
و عن بريدة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: « ما حبس قومٌ الزكاةَ إلا حبس الله عنهم القطْرَ »(4) . و عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم: « ما خالطت الزكاة مالاً قط إلا أهلَكْتهُ ». و عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: « مَنْ كان عنده ما يُزكى ، و لم يزك، و مَنْ كان عنده ما يحج ، و لم يحج سأل الرَّجعة »، يعني قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ اِرْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صّالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ }(5).
وَلنلْحِقُ بهذا الفصل ذكر شيء من الصدقة و فضلها، و ما جاء فيها، و ما أعد الله تعالى للمتصدقين من الأجر و الثواب و دفع البلاء.
قال الله تعالى: { إِنَّ الله يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ }(6) ، و قال تعالى: { وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقَاتِ }(7) الآية.
و الآيات الكريمة في ذلك كثيرة ، و الأحاديث الصحيحة فيه مشهورة . و روى الترمذي في جامعه بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه ، و خير الجيران عند الله خيرهم لجاره »(8) ، و في صحيح مسلم و موطأ مالك و جامع الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « ما نقص مال من صدقة » أو قال: « ما نقصت صدقة من مال ، و ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، و ما تواضع عبدٌ إلا رفعه الله تعالى »(9) .
و دخلت امرأة شلاّء(10) على عائشة رضي الله عنه فقالت : كان أبي يحب الصدقة و أمي تبغضها ، لم تتصدق في عمرها إلا بقطعة شحم و خلقة. فرأيت في المنام كأن القيامة قد قامت ، و كانت أمي قد غطت عورتها بالخلقة ، وفي يدها الشحمة تلحسها من العطش، فذهبت إلى أبي و هو على حافة حوض يسقي الناس، فطلبت منه قدحًا من ماء فسقيت أمي، فنوديت من فوقي: ألا مَنْ سقاها فشل الله يدها ، فانتبهت كما ترين.
و وقف سائل على امرأة و هي تتعشى ، فقامت فوضعَتْ لقمةً في فيه ، ثم بكرت إلى زوجها في مزرعته ، فوضعت ولدها عنده، و قامت لحاجة تريد قضاءها فاختلسه الذئب فوقفت و قالت: يا رب ولدي . فأتاها آتٍ فأخذ بعنق الذئب فاستخرجت ولدها من غير أذى و لا ضرر. فقال لها : هذه اللقمة بتلك اللقمة التي وضعتها في فم السائل.
و قال النخعي : كانوا يرون أن الرجل الظلوم إذا تصدق بشيء دفع عنه البلاء. و كان الرجل يضع الصدقة في يد الفقير، و يتمثل قائمًا بين يديه و يسأله قبولها حتى يكون هو في صورة السائل.
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « الصدقة تسد سبعين بابًا من الشر » . و عنه صلى الله عليه و سلم قال : « ردوا صدمة البلاء، ولو بمثل رأس الطائر من طعام ». و رُوي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : « ردوا مذمَّة السائل و لو بظلف(11) محرق » و عنه أيضًا صلى الله عليه و سلم : « اتقوا النار و لو بشق تمرة »(12).
و قال عيسى عليه السلام: مَنْ رَدَّ خائبًا لم تغش الملائكة ذلك البيت سبعة أيام. و كان نبينا محمد صلى الله عليه و سلم يناول المسكين بيده. و عنه صلى الله عليه و سلم: « ما من مسلم يكسو مسلمًا ثوبًا، إلا كان في حفظ الله ما كانت عليه من رقعة ». و قال عبد العزيز بن عمير: الصلاة تبلغك نصف الطريق، و الصوم يبلغك باب الملك، و الصدقة تدخلك عليه. و عن الربيع بن خثيم أنه خرج في ليلة شاتية و عليه برنس خزّ(13) ، فرأى سائلاً فأعطاه إياه، و تلا قوله تعالى: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ }(14) . و روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال: « لا يرد القضاء إلا الدعاء ، و لا يزيد في العمر إلا البر، و إن سوء الخلق شؤم، و حسن الملكة نماء، و الصدقة تدفع ميتة السوء »(15) .
من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبهيشي . تحقيق الدكتور
مصطفى محمد الذهبي .
____________________________________________
(1)- سورة البقرة: 43.
(2)- سورة النور: 37.
(3)- سورة البينة: 5.
(4)- القطر: المطر.
(5)-سورة المؤمنون: 99 – 100.
(6)- سورة يوسف: 88.
(7)- سورة الأحزاب: 35.
(8)- أخرجه: الترمذي في البر و الصلة 1944.
(9)- أخرجه: مالك في الجامع 1885.
(10)- شلاّء: مشلولة اليد.
(11)- الظلف: للمواشي ما يقابل القدم البشرية.
(12)- أخرجه: البخاري في الزكاة 1413.
(13)- الخز: الحرير.
(14)- سورة آل عمران: 92.
(15)- أخرجه: أحمد في المسند 15649.