حلت السنة الجديدة الأمازيغية “تابورث
أوسقاس” ( باب السنة) أو “امنزو يناير” يوم 12 جانفي من كل سنة، حيث يدشن
هذا اليوم من سنة 2010 العام 2960 للرزنامة أو التأريخ الأمازيغي الذي
تعود بدايته إلى سنة 950 ما قبل الميلاد.
وتعتمد الرزنامة الأمازيغية أساسا على التغيرات الفصلية و المراحل
المختلفة لنمو النباتات المحددة للمواسم و الأشغال الفلاحية المنتظمة وفقا
لمواقع الكواكب كالقمر و الشمس .
أما من الناحية التاريخية فان تاريخ يناير يعود حسب الاحتمال الأكثر شيوعا
إلى تاريخ انتصار الملك البربري ششناقI على الفرعون بسوسن II عام 950 ما
قبل الميلاد مما سمح له باحتلال مصر حيث أسس الإمبراطورية الثالثة
والعشرين عاصمتها بوباستيس.
كما تحوم بعض الأساطير إلى يومنا هدا مفادها أن ” يناير” كان قد طلب من
“فورار” (فيفري) أن يعيره يوما لمعاقبة العجوز التي سخرت منه فكان أن حلت
ذلك اليوم عاصفة شديدة اختنقت العجوز على إثرها فأصبح ذلك اليوم في
الذاكرة الجماعية رمزا للعقاب الذي قد يحل على كل من تسول له نفسه
الاستخفاف من الطبيعة.
و يمثل شهر يناير بداية التاريخ الفلاحي وهي الفترة الفاصلة ما بين نمطين
شمسيين، وهما الانقلاب الشمسي الشتوي أو الصيفي و الاعتدال الربيعي أو
الخريفي الموافقة للشروع في جملة الطقوس المتعلقة بالأشغال الفلاحية
والزراعية بمنطقة القبائل.
و تتزامن السنة الأمازيغية الجديدة أيضا مع نفاذ المئونة الغذائية التي
كان يحتفظ بها الفلاحون للشتاء و المسماة ب ” العولة” . لذا فهي مناسبة
لتجديد القوي الروحية لديهم من خلال ممارسة بعض الطقوس و التضحيات لإبعاد
شبح الجوع و فأل النحس عن أنفسهم
و جذب أسباب الخير و السعادة و وفرة المحاصيل علما أن الاحتفال بهده الطقوس قد يأخذ أشكال مختلفة عبر مناطق البلاد.
و يبقى الاعتقاد الراسخ في هذا الشأن هو أنه “من يحتفل بيناير يبعد عن
نفسه الحسد و أذى الدهر” مما يعني أن جلب السلام و السعادة يستحقان بعض
التضحيات المتمثلة في غالب الأحيان فيما يسمى ب” أسفال” الذي هو عبارة عن
القيام بذبح ديك يفضل أن يكون بلدي على عتبة البيت ليكون التضحية التي من
شانها إبعاد الشر و جلب الخير.
و لا يزال الاحتفال بهذا اليوم في الأرياف يمارس عن طريق الطقوس الفلاحية
وأعمال الأرض خاصة. أما في المدن فيتلخص في إعداد ” ايمنسي نيناير” (عشاء
يناير) المتمثل في طبق من الكسكسى بلحم الدجاج و الخضر فيما يضيف له البعض
اللحم الجاف أو ما يسمى بالقديد.
وعلى ربة البيت “لال ابخام” في مثل هكذا مناسبة أن تسهر على أن يتناول
جميع أفراد الأسرة من هذا العشاء حتى التخمة خاصة الأطفال الذين تقوم
بتحذيرهم من ” عجوز يناير” التي ستأتي لتملئ بطونهم تبنا إذا لم يأكلوا
بما فيه الكفاية حتى إذا شبعوا قالوا ” نتشا نروا” ( أكلنا و شبعنا).
والجدير بالذكر أيضا أن الأسر يحرصن في هذه المناسبة على منح أطباق من
الكسكسى “ثونطيشت” (هدية) للجيران و الأقارب بل و حتى أفراد العائلة
الغائبين توضع لهم ملاعق فوق المائدة رمزا لحضورهم .
أما الأيام الموالية لأمنزو يناير فتقوم فيها العائلات بإحضار أطباق أخرى
بدون اللحم كطبق ” اوفتيان” وهو عبارة عن حساء من الحمص و القمح و الفول و
حبوب جافة أخرى للرمز إلى الخصوبة و وفرة المحاصيل بالإضافة إلى بعض
الفطائر المعسلة للتفاؤل بسنة حلوة مع الحرص على عدم تناول مأكولات متبلة
أو حامضة خوفا من جلب سنة بنفس المذاق.
كما يعمد البعض أيضا إلى الاحتفال بزواجهم في هذا الشهر تفاؤلا بالخصوبة الذي هو رمزا لها أو حتى قص شعر الصبي لأول مرة.
أما النساء فإنهن يتجملن بالكحول و الجوز فيما تحتفل البنات الصغار بتزويج
الدمى أو ب”عروس أنزار” لجلب الأمطار الغزيرة من خلال القيام بجولة عبر
بيوت القرية و هن يحملن عروس “رونجة ” و هي عبارة عن ملعقة خشبية مزينة
على شكل دمية ليتم جمع الحبوب الجافة التي تستخدم لإحضار طبق “اوفتيان”.
كما تجري العادة في ذات المناسبة بغرس نبات “الدفلى” بالحقول لإبعاد
الطفيليات والقيام أيضا بطلاء جدران البيوت ب” تومليلت” و تغيير ركائز
الكانون (الموقد).