62 عاما مرت على مصرع العائلة المالكة في العراق، ولا يبدو أن هذا الحدث سيطوى في الزمن كغيره من الاحداث التي تتالت على المنطقة العربية والعالم، فالمجزرة التي سببت نهاية حكم الأسرة الهاشمية ومقتل عدد من أسرة الملك فيصل الثاني و صعود نجم اللواء عبد الكريم قاسم، بعد ان خاض حمام دم للوصول إلى السلطة، خلّدت آثارها السوداء في تاريخ العراق، فلم يتم القتل في قبو مظلم كما حدث مع آل رومانوف، بل شهدت جنبات قصر الرحاب في بغداد والمنطقة المحيطة به على ذل ملك انهار داميا على عتبات قصره بعد ان انقلب عليه جنوده، و سمع دوي رصاصات الغدر التي أتت على أرواح الأمراء والأميرات في ذلك اليوم المشؤوم.

يوم 14 يوليو/ تموز 1958، دبت الحركة أبكر من المعتاد في قصر الرحاب، فقد كان من المقرر أن يمضي الملك الشاب، فيصل الثاني إلى إسطنبول، على متن طائرة “فايكاونت” تابعة للخطوط الجوية العراقية، رفقة رئيس وزرائه نوري سعيد ولفيف من وجهاء الدولة والوزراء، لحضور مؤتمر دول حلف بغداد، ثم كان من المقرر أن يتوجه الملك للندن للقاء خطيبته الأميرة فاضلة، سليلة الاسرة الخديوية، فقد كان هائما بها، وينتظر بفارغ الصبر أن تشاركه حياته وعرشه، بعد ان حدد موعد الزفاف في نفس السنة.

في الساعة الخامسة و15 دقيقة صباحا، دوّى صوت طلقات رصاص، أخذ يقترب شيئا فشيئا من القصر، اطل الملك فيصل الثاني من الشرفة، فيما تجمعت الأميرات حول الملكة الام نفيسة فزعات، لقد بدأ الانقلاب، في ذلك الصباح التموزي القائظ.

حاصرت 4 مدفعيات القصر، وتحولت المناوشات الخفيفة بين حراس القصر والجيش الى وابل من الرصاص انهال على القصر ما ان وصل النقيب عبد الستار العبوسي، الذي أجج نيران المعركة، وراح يحرض الجنود على اقتحام القصر.

فاوض الملك على الاستسلام حقنا للدماء، وخرج من بين الدخان وغبار القصر الذي تهدمت أجزاء منه، ومعه خاله الوصي السابق على العرش، الأمير عبد الإله، وجدته الملكة نفيسة، والاميرة عابدية والاميرة هيام والاميرة بديعة ومعهم طباخ تركي وأحد الحراس.

كانوا عزلا وقد رفعت الملكة نفيسة المصحف شفاعة تتقي به شر الجنود المحيطين بها.

“لا تدعوهم يخدعونكم” هكذا صرخ النقيب العبوسي قبل ان يفتح رشاشه ويردي جميع افراد العائلة المالكة قتلى على درجات قصرهم، واولهم الملك فيصل، الذي مات ولم يكمل عامه الثالث والعشرين.

واختلفت الروايات حول ما جرى في الساعات التالية، فقد قيل إن الملك ترك ينزف حتى الموت لساعات على الدرج دون إسعاف، وتقول رواية أخرى أنه نقل إلى المستشفى وهناك أجهز عليه أحد قادة الانقلاب بطلقة في الرأس.

أما خاله، الأمير عبد الإله، الذي كان مكروها من طرف الشعب العراقي، فقد تم ربطه بسيارة وسحله في أرجاء بغداد بينما رجمه الأطفال بالحجارة، كذلك سحلوا نوري السعيد باشا رئيس وزراء العراق حينها، ومثلوا بجثته، فقطعوا يديه وقدميه وعلقوه في شارع الرشيد.

وقتل في ذلك الصباح أيضا عدد من الاعيان والضيوف الأجانب، منهم رئيس الوزراء الأردن إبراهيم هاشم، الذي تصادف وجوده في العراق لبحث مسألة الاتحاد الهاشمي بين البلدين، وتم التمثيل بجثته وتمزيقها الى ان اختفى أثرها تماما.

لم تكن للعائلة المالكة الأخيرة في العراق أي من مظاهر الترف والبذخ التي يتميز بها الملوك، وأجمع المؤرخون لتلك الفترة على ان نمط حياتهم كان بعيدا عن اللهو وحياة الطبقات الحاكمة، رغم ذلك لم تشفع لهم عيشتهم البسيطة التي تتشابه مع عديد الاسر العراقية، في ان يقتلوا بوحشية، لكن قادة الانقلاب لم يهنؤوا طويلا بما فعلوا.

فبعد ان تولى زعيم الانقلاب عبد الكريم قاسم الحكم وأصبح أول رئيس لجمهورية العراق، انقلب عليه بعض من رفاقه في آذار 1963، وأعدموه رميا بالرصاص وقطعوا رأسه وبثوا العملية على التلفزيون العراقي.

وترأس العراق بعد عبد الكريم، العقيد عبد السلام عارف، ليموت في حادثة سقوط طائرة سنة 1966 ويتولى شقيقه عبد الرحمن عارف الرئاسة، لكن ليس لوقت طويل، ففي صباح 17 يوليو/جويلية 1968، انقلب البعثيون عليه وخلعوه وتولوا حكم العراق حتى سنة 2003، تاريخ احتلالها من طرف
أمريكا.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]