اعتبر نحو 51 بالمائة من الجزائريين في
استبيان أجراه موقع الإذاعة الجزائرية الالكتروني أن الآليات التي اتخذتها
الدولة في إطار امتصاص البطالة تعد الأقل نجاعة، وأقل فاعلية.
وفي معرض الإجابة عن سؤال الاستبيان: [هل
ترى أن آليات دعم تشغيل الشباب (ANSEJ) والقروض المصغرة (ANGEM) تساعد على
استحداث مناصب شغل للشباب البطال؟]، اختار [34 بالمائة] من المستبينين
الإجابة بنعم، معتبرين هاتين القناتين يمكنها المساهمة استحداث مناصب شغل
للشباب البطال، في حين ذهب [15 بالمائة] إلى جهلهم بالموضوع، مختارين في
ذلك الإجابة بـ: لا أدري.
والمستقرأ من هذه النتيجة يحيل على قضية
أساسية رئيسة مفادها أن الإستراتيجية التي اتخذتها الدولة في حربها على
البطالة لا تزال بعيدة عن التطبيق لدى شريحة واسعة من الجزائريين.
وتجدر الإشارة إلى عامل الوقت الذي لا
يزال مبكرا للشخص للإدلاء برأيه في حصيلة تقييميه حول النتيجة الحقيقية
التي آلت إليها جهود الدولة الجزائرية في ميدان مكافحة البطالة والتي ظلت
شغلها الشاغل ، خصوصا في السنوات العشر الأخيرة، والتي يمكن اعتبارها قياسا
إلى الحجم المشكلة بكل ما تعنيه في علاقتها بمختلف المسارات الإنمائية
والاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن التحولات الاقتصادية في العالم وما يشهده
من أزمات تكاد تكون قليلة.
ثم أنه مع ذلك لا يمكن الإنكار بأي حال من
الأحوال فضاء التطورات الذي يعرفه ميدان مكافحة البطالة، والذي أصبح مجرد
الاستمرار في السعي للتخفيف من حدته عملية بالغة التعقيد، ليس في الجزائر
فحسب، بل وفي العالم أجمع، في ظل أزمة اقتصادية عصفت بالعالم ، ولا تزال
تداعياتها متواصلة حتى للآن.
ومن هنا، فذهاب [51 بالمائة] من
الجزائريين إلى التقليل من أهمية آليات دعم تشغيل الشباب والقروض المصغرة
في المساعدة على استحداث مناصب شغل للشباب البطال، لا يمكن أن يقرأ إلا
داخل تداعيات التأثر النفسي الجمعي، الذي ساهمت في صناعته وسائط إعلامية
متعددة، حملت الموضوع من دائرة المشكلة التي كان من المفروض البحث في الطرق
العلمية والعملية لمعالجتها إلى دائرة التهويل المثبط لفاعلية الفكر
الاقتصادي والاجتماعي والحياتي بوجه عام، مما خلق لدى الكثير شعورا عميقا
باستحالة معالجة المشكلة.
هذا يضاف إليه عنصر آخر، قوامه عدم معرفة
المواطن، أو جهله بالقنوات الرسمية التي بادرت الدولة بتفعيلها من أجل
القضاء على المشكل ، والذي أعطى نتائج مريحة مقارنة بحجم مشكلة البطالة
التي لم تسلم منها حتى أعرق الدول وأشدها إمساكا بلعبة الاقتصاد، وبأسرارها
التي حيرت الكثيرين.
هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال الادعاء
ببساطة موضوع يوصف في مدارج المنظومة الاقتصادية الحديثة، وفي العالم أجمع ،
بأنه من أشد التحديات التي تواجه الدول والتكتلات في القرن الحالي، كما لا
يعني أيضا التقليل من جهود الدولة الجزائرية في ميدان محاربة البطالة حتى
إلى غاية اليوم، والتي توجد ضمن الأوليات التي تضمنها البرنامجين الخماسيين
الماضيين، والبرنامج الخماسي الحالي الذي ينتهي في العام 2014، حيث تضمن
إجراءات وأجهزة وتدابير جديدة ترمي إلى ترقية سوق الشغل، وفتح فرص عمل
جديدة تحتاج في سوق طالبي العمل قليلا من الصبر.
جهود الدولة الجزائرية في
محاربة البطالة:
في خطاب له أمام الدورة 93 لمؤتمر العمل الدولي
بجنيف في ماي 2005 ، قال رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة: “أنه
مهما تكن الأسباب الاقتصادية التي أدت إلى تفاقم ظاهرة البطالة، فإنه لا
يمكن بأي حال تبرير المعاناة التي عاشها الملايين من الرجال والنساء
المحرومين من هذا الحق الأساسي، إذ بدون الحق في العمل، وفي عمل شريف، فإن
الحرية تبقى مجرد كلمة”.
كلمة رئيس الجمهورية لم تنطلق من فراغ، بل
لها ما يبررها وبلغة الأرقام والإحصائيات المتعلقة بسوق الشغل في الجزائر،
الذي عرف منذ النصف الثاني للثمانينيات إلى غاية عام 1999 ارتفاعا كبيرا
في نسبة البطالة وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من 30 بالمائة بفعل الأزمة
الاقتصادية الحادة التي عاشتها الجزائر خلال هذه الفترة، والتي ميزها تراجع
في حجم الاستثمارات، وانخفاض سعر النفط، حيث أدى إلى تقلص فرص العمل
المتاحة بدرجة كبيرة في نفس الوقت الذي سجل فيه تزايد أكبر لطالبي العمل،
إضافة لما ترتب عن الإصلاحات الاقتصادية التي تم مباشرتها وشروعها في تطبيق
مخطط إعادة الهيكلة الذي كانت أولى نتائجه غلق مئات المؤسسات وتسريح آلاف
العمال .
وفور انتخاب عبد العزيز بوتفليقة شرعت
الحكومة في إجراءات وتدابير استثنائية للتخفيف من حدة البطالة وانعكاساتها
السلبية، بوضع برامج عديدة لترقية الشغل وإنشاء هياكل متخصصة لتنفيذها مع
التركيز على حملة واسعة للتحسيس والتوجيه من أجل إنجاح هذه البرامج.
وبالموازاة مع البرامج التي وضعت للتطبيق
في مجال التشغيل، فإن الفترة من 1999 إلى 2004 عرفت انتعاشا اقتصاديا
معتبرا، حيث تم تجنيد إمكانيات مالية كبيرة سواء عن طريق الاستثمار المباشر
للدولة، أو بمساهمة الاستثمار الخاص الوطني والأجنبي.
وهذه الجهود استثمرت أيضا في إطار
البرنامج الخماسي 2005-2009 الخاص بالبرنامج الإضافي لدعم النمو الاقتصادي
بتخصيص إمكانيات مالية أخرى أكثر أهمية .
وكان لكل هذه الجهود نتائج إيجابية في
مجال التشغيل، كما كانت البداية لإعادة التوازن بين العرض والطلب في سوق
الشغل، ويظهر ذلك جليا من خلال نسبة البطالة التي تراجعت كثيرا حيث وصلت في
العام 2004 إلى 17.7 بالمائة حسب معايير المكتب الدولي للعمل.
كما أن الأهداف التي سطرت خلال البرنامج
الخماسي الثاني سعت إلى خلق مليوني منصب شغل سطرت لها برامج تشغيلية كبرى
ترجمت بإنشاء وزارة خاصة بالتشغيل والتضامن الوطني مهيكلة أساسا على
المستوى المركزي في مديريتين عامتين واحدة للتشغيل والأخرى للتضامن الوطني ،
إضافة إلى وكالات متخصصة وضعتها تحت وصاية الوزارة مباشرة وهي[الوكالة
الوطنية لدعم تشغيل الشباب/ الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر/ الوكالة
الوطنية للتشغيل / وكالة التنمية الاجتماعية/]، كما تم إنشاء مرصد وطني
للتشغيل ومكافحة الفقر، وهو ما سنعرض له في ما يلي:
الوكالة الوطنية للتشغيل:
مهمتها الأساسية تكمن في تنظيم سوق
الشغل وتسيير العرض والطلب، وتلعب في هذا الشأن دورا أساسيا في التقريب بين
طالبي العمل وأصحاب العمل، وتتكون هياكلها من: المديرية العامة/ 10 وكالات
جهوية / أكثر من 157 وكالة محلية.
وكالة التنمية الاجتماعية:
أنشئت عام 1996 في ظل تطبيق مخطط إعادة
الهيكلة بالجزائر هدفها التخفيف من حدة نتائج هذا المخطط على الفئات
الاجتماعية الضعيفة وذلك بوضع تدابير وبرامج لمحاربة البطالة والفقر
والتهميش. وتكمن مهامها في ترقية واختيار وتمويل كل العمليات الموجهة
للفئات الاجتماعية المحتاجة أو الذين مستهم البطالة أكثر، وهي ممولة من طرف
الدولة
كما يوجد من الأجهزة والبرامج ما يعتمد على صيغة أخرى في الإدماج وهي دعم
المبادرين من أجل خلق نشاطات لحسابهم الخاص، وتخص به كل من الوكالة الوطنية
لتسير القرض المصغر(ANGEM)، والوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب(ANSEJ) .
الوكالة الوطنية لتسيير القرض
المصغر:
أنشئت في 2004 كهيأة مهمتها تطبيق
سياسة الدولة في مجال محاربة البطالة والفقر عن طريق تدعيم أصحاب المبادرات
الفردية من أجل مساعدتهم على خلق نشاطات لحسابهم الخاص، وقد أوكلت لها دور
تقديم الدعم والاستشارة والمرافقة للمبادرين وضمان المتابعة لإنجاح
المشاريع المجسدة ، والمدعمة بقروض قروض صغيرة تصل حتى 500.000 دج موجه
لفئات البطالين والمحتاجين الذين بلغوا سن 18 سنة فما فوق ويمتلكون تأهيلا
أو معارف في نشاط معين .
والواضح أن القرض المصغر موجه إلى فئات
اجتماعية واسعة، خصوصا أصحاب الدخل المحدود ليمكنهم من الاستفادة من تمويل
لمبادراتهم، ومن بين الفئات الاجتماعية التي يقصدها البرنامج نجد المرأة
الماكثة بالبيت وذلك بمساعدتها على تطوير نشاط ببيتها يعود عليها وعلى
عائلتها بالمنفعة، أما صيغة التمويل فإنها موزعة إلى قرض من الوكالة بدون
فوائد وقرض بنكي بفوائد مخفضة ومساهمة مالية شخصية من المبادر.
وتعتمد الوكالة على هياكلها بالتنسيق مع
باقي هيئات ووكالات التشغيل وإشراك جمعيات من المجتمع المدني من أجل الوصول
إلى أكبر عدد من أصحاب المبادرات وذلك بتنظيم حملات إعلامية تحسيسية
وبالاحتكاك المباشر، بالفئات التي يقصدها الجهاز.
الوكالة الوطنية لدعم تشغيل
الشباب(ANSEJ):
هي هيأة ذات طابع خاص يتابع نشاطها
وزير التشغيل والتضامن الوطني أنشئت عام 1997، ويشكل جهاز دعم تشغيل الشباب
أحد الحلول الملائمة ضمن سلسلة الإجراءات المتخذة لمعالجة مشكل البطالة في
ظل المرحلة الانتقالية للاقتصاد الجزائري، وقد أوكلت لها المهام التالية:
*** تقديم الدعم والاستشارة لأصحاب
المبادرات لإنشاء مؤسسات مصغرة في مختلف مراحل المشروع.
*** إعلام المستثمر الشاب بالقوانين
المتعلقة بممارسة نشاطه.
*** إبلاغ أصحاب المبادرات المقبولة
بالدعم الممنوح لهم والامتيازات المقررة في جهاز المؤسسات المصغرة.
*** ضمان متابعة ومرافقة المؤسسات المصغرة
سواء خلال فترة الإنجاز أو بعد الاستغلال وحتى في حالة توسيع النشاط.
كما تخصص بإطار اجتماعي يضم أصحاب
المبادرات للاستثمار في مؤسسة مصغرة، الذين يظهرون استعدادا وميولا وتتراوح
أعمارهم مابين 19 إلى 35 سنة، بالإضافة إلى امتلاك مؤهلات مهنية أو مهارات
فنية في النشاط الذي يقترحونه، ويملكون الاستعداد للمشاركة بمساهمة شخصية
في تمويله.
وباستثناء النشاطات التجارية البحتة، فإن
الجهاز يمول كل نشاطات الإنتاج والخدمات مع مراعاة عامل المردودية في
المشروع بحجم استثماري قد يصل حتى 10 مليون دينار جزائري، أما صيغة التمويل
فإنها موزعة على:
*** قرض بدون فوائد من الوكالة.
*** قرض بفوائد مخفضة من البنك
*** مساهمة شخصية من صاحب المبادرة تحدد
وفقا للمبلغ الإجمالي للمشروع.
وقد سعت منذ تأسيسها إلى تحقيق عدد من
الأهداف أهمها: تشجيع خلق النشاطات من طرف الشباب أصحاب المبادرات،
بالإضافة إلى تشجيع كل الأشكال والإجراءات الرامية إلى ترقية تشغيل الشباب.
وتلعب الوكالة دورا توجيهيا وإعلاميا
كبيرا بفضل شبكتها المتكونة من 53 فرع عبر كامل ولايات الوطن وذلك من خلال
حملات إعلامية وتحسيسية متواصلة، ومرافقة كل شاب مبادر، وإعداد بطاقية عن
إمكانيات كل منطقة في الجزائر والفرص التي توفرها في مجال الاستثمار.
وقد استطاعت أن تحقق نتائج إيجابية في ظرف
زمني قصير نسبيا ، حيث تم خلال ست سنوات إنشاء أكثر من : 68.000 مؤسسة
مصغرة من طرف الشباب، والتي مكنت بدورها إنشاء أكثر من 135.000 منصب شغل
دائم بحجم استثماري إجمالي يفوق : 1.4 مليار دولار.
وفي الأخير فإنه لا بد أن نشير أيضا إلى
جهاز آخر جديد لدعم الاستثمار، وضع حيز التنفيذ ابتداء من سنة 2004 موجه
للأشخاص البطالين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 35/50 سنة ويحمل نفس
المواصفات التقنية لجهاز دعم تشغيل الشباب من حيث المحتوى والخطوات المتبعة
في تجسيد المبادرات المقدمة وبحجم استثماري يصل 5 مليون دينار جزائري أما
الهيأة المكلفة بهذا الجهاز فهي الصندوق الوطني للتأمين على البطالة أحد
صناديق الضمان الاجتماعي التابعة لوزارة العمل والضمان الاجتماعي.
نتائج مشجعة والدعوة إلى المواصلة
أكثر
فيما لا يزال مسعى الحكومة الجزائرية
متواصل وفق مخططاتها ومشاريعها التنموية للفترة الممتدة إلى غاية عام 2014،
إلى تقليص دائرة البطالة قدر الإمكان عبر عدة مراحل وبلوغ مستوى أقل من 6
في المائة، عبر توفير مليوني فرصة عمل ودعم الاستثمارات الخارجية،وتشجيع
مبادرات الشباب بإنشاء المؤسسات المصغرة، وتسهيل منح القروض البنكية.
تراجعت نسبة البطالة إلى 10.2 بالمائة بعد
أن كانت 11.3 في، 2008 و21.3، في سنة 2007 حسب الديوان الوطني للإحصائيات،
كما بلغ عدد العاطلين عن العمل المسجلين في الجزائر مليونا و720 ألف
بنهاية 2009، منهم 73.4 بالمائة من فئة أعمار أقل من 30 سنة، و86.7 بالمائة
إذا تم شمل الشباب الأقل من 35 سنة.
أما عدد الذين يشتغلون، فقد بلغ 9 ملايين
و492 ألف عامل، وهو عدد يتطابق مع نسبة 26.9 بالمائة من إجمالي السكان.
84.7 بالمائة.
ومن جهته كشف الديوان الوطني للإحصائيات
عن زيادة سنوية لليد العاملة في الجزائر بلغت 3.4 بالمائة، ما يتطلب توفير
450 ألف وظيفة جديدة سنويا، لضمان الحفاظ على معدل البطالة في حدود أقل من 7
بالمائة خلال الأعوام العشرة القادمة، مضيفا إن هذه الوضعية تتطلب تحقيق
نسبة نمو سنوية لا تقل عن 6 إلى 7 بالمائة في الفترة بين 2010 و2020، وهذه
الأرقام تطابقت مع أرقام هيئات دولية معترف بها، وعلى رأسها منظمة العمل
الدولية، والتي ختاما تعتمد مقياس قياس البطالة بـ1/2، وذلك مسعى الخماسية
القادمة