منتديات التاريخ المنسي
<div style="text-align: center;"><img src="https://i.servimg.com/u/f27/11/57/48/93/m0dy_n10.gif"><br></div>


منتديات التاريخ المنسي
<div style="text-align: center;"><img src="https://i.servimg.com/u/f27/11/57/48/93/m0dy_n10.gif"><br></div>

منتديات التاريخ المنسي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات التاريخ المنسيدخول

التاريخ المنسي


descriptionالحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد Emptyالحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد

more_horiz
جائع أنا إليك.. عمر من الظمأ والانتظار. عمر من العقد والحواجز والتناقضات. عمر من الرغبة ومن الخجل، من القيم الموروثة، ومن الرغبات المكبوتة. عمر من الارتباك والنفاق.

على شفتيك رحت ألملم شتات عمري.

في قبلة منك اجتمعت كلّ أضدادي وتناقضاتي. واستيقظ الرجل الذي قتلته طويلاً مراعاة لرجل آخر، كان يوماً رفيق أبيك.

رجلٌ كاد يكون أباك.

على شفتيك وُلدتُ ومتُّ في وقتٍ واحد. قتلت رجلاً وأحييت آخر.

هل توقّف الزمن لحظتها؟

هل سوّى أخيراً بين عمرينا، هل ألغى ذاكرتنا بعض الوقت؟

لا أدري..

كلّ الذي كنت أدريه، أنك كنت لي، وأنني كنت أريد أن أصرخ لحظتها كما في إحدى صرخات "غوته" على لسان فاوست "قف أيها الزمن.. ما أجملك!".

ولكن الزمن لم يتوقف. كان يتربص بي كالعادة. يتآمر عليّ كالعادة. وكنت بعد لحظات تتأملين ساعتك في محاولة لإخفاء ارتباكك، وتذكيري بضرورة عودتك إلى الجامعة.

عرضت عليك فنجان قهوة في محاولة أخيرة لاستبقاك.

قلت وأنت أمام المرآة تضعين شيئاً من الترتيب في مظهرك، وتصففين شعرك وتعيدين جمعه:

- أفضل شيئاً بارداًً إذا أمكن..

تركتك في الصالون وذهبت إلى المطبخ. تعمدت ألا أستعجل في العودة، وكأنني فجأة أخجل من آثار قبلي على شفتيك.

وعندما عدت بعدها، كنت أمام المكتبة تلقين نظرة على عناوين الكتب، وتقلّبين بعضها. ثم سحبت من أحد الرفوف كتاباً صغيراً، سألتني وأنت تنظرين إلى غلافه:

- أليس هذا الديوان لصديقك الشاعر الذي حدّثتني عنه؟

أجبتك بسعادة وأنا أجد أخيراً في ذلك الموضوع مخرجاً لارتباكي:

- نعم.. هناك ديوان آخر له أيضاً تجدينه على الرفّ نفسه.

قلت:

- هل اسمه زياد الخليل؟ لقد سمعت هذا الاسم قبل اليوم.

قلبتِ الكتاب. رأيتك تتأملين طويلاً صورته على ظهر الكتاب. تقرئين بعض السطور.. ثم قلت:

- أيمكن لي أن أستعير منك هذين الديوانين؟. أفضّل أن أقرأهما على مهل هذا الصيف، فليس لي ما أطالعه.

أجبتك بحماسة، أو بحماقة:

- طبعا، إنها فكرة جيدة.. أنا واثق أن هذين الديوانين سيتركان تأثيرهما على كتاباتك. ستجدين أشياء رائعة خاصة في الديوان الأخير "مشاريع للحبّ القادم". إنه أجمل ما كتب زياد.

رحت بسعادة تخفين الكتابين في حقيبة يدك. كنت وقتها في سعادة طفلة تعود إلى بيتها بلعبٍ أحبّتها.

طبعاً، لم أكن أعي في ذلك الحين، أنني سأكون بعد ذلك لعبتك الأخرى، وأن هذين الكتابين سيتركان تأثيرهما أيضاً على مجرى قصتنا.

كنت تستعيدين تدريجياً وجهك العادي وملامحك الطبيعية.

وكأن زوبعة حبّي لم تمرّ بك. فهل كان ذلك تمثيلاً أم حقيقة؟

حاولت أن أنسى خيبتي معك، أمام تلك اللوحة التي كانت السبب الأول في زيارتك. حاولت أيضاً أن أخفّف من خيبتك.

قلت:

- سأرسمك، ستكون لوحتك تسليتي في هذا الصيف..

ثم أضفت دون أية نية خاصة:

- يجب أن تزوريني مرة أخرى لتجلسي أمامي، حتى أتمكن من رسمك. أو تعطيني صورة لك أنقل عنها ملامحك.

قلتِ وكأن الجواب كان جاهزاً لديك:

- لم يبقَ أمامي متّسع من الوقت لأعود إليك هذه الأيام، وليس في حوزتي أية صورة. يمكنك أن تستعين بصورتي الموجودة على ظهر كتابي، في انتظار أن أعود.

أعترف أنني لم أفهم في ذلك الحين أيضاً، إذا كان في جوابك شيء من التلميح لي بأنك لن تعودي إلى هذا البيت، أم أنك كنت تجيبيني بتلقائية بريئة لا أكثر؟

ألست أنت التي كنت تلحّين عليّ أن أرسمك؟

فلماذا حوّلت هذه اللوحة إلى قضية شخصية أنا وحدي معنيّ بها؟




لم أناقشك كثيرا. كنت أدري أنني في جميع الحالات سأرسمك. ربما لأنني لا أعرف كيف أرفض لك طلباً، وربما لأنني لا أعرف كيف سأقضي الصيف دون استحضارك ولو رسماً.

ذهبت ذلك اليوم بعدما وضعت قبلتين على خدّي، ووعدتني بلقاء قريب. لم يعد ممكناً بعد قبلتنا أن نتصافح..

كنت أعي أنّ شيئاً ما قد تغيّر في علاقتنا، ولم يعد ممكناً بعد اليوم لذلك المارد الذي انطلق فجأة من أعماقنا، أن يعود إلى قلب الزجاجة التي أغلقناها عليه لأسابيع كاملة.

كنت أعي أنني أنتقل معك في بضع لحظات من الحب إلى العشق. من العاطفة البريئة إلى الشهوة، وأنه سيكون من الصعب، بعد اليوم، أن أنسى مذاق قبلتك، وحرارة جسدك الملتصق بي للحظات.

كم دامت قبلتنا تلك.. دقيقتين؟ ثلاثاً؟ أم خمس دقائق للجنون لا غير؟

أيمكن أن تفعل تلك الدقائق القليلة كل الذي حلّ بي بعد ذلك؟

أيمكن أن تلغي خمس دقائق، خمسين سنة من عمري؟

وكيف لم أشعر بعدها بأيّ إحساس بالندم، بأيّ خجل تجاه ذكرى سي الطاهر؟ أنا الذي كنت أقترف يومها أول خيانة بالمفهوم الأخلاقي للخيانة.

لا.. لم يكن في قلبي سوى الحب.

كنت ممتلئاً بالعشق، بالشهوة، بالجنون. كنت أخيراً سعيداً. فلماذا أفسد سعادتي بالندم، بالتساؤلات التي ستوصلني إلى التعاسة؟

لا أذكر من قال " الندم هو الخطأ الثاني الذي نقترفه.." ولم يكن في القلب مساحة أخرى ولو صغيرة، يمكن أن يتسلل منها شيء آخر غير؟ الحبّ.

ألم يكن كلّ ذلك جنوناً.

كيف سمحت لنفسي أن أكون سعيداً إلى ذلك الحدّ، وأنا أدري أنني لم أمتلك منك شيئاً في النهاية، سوى بضع دقائق للفرح المسروق، وأن أمامي متسعاً من العمر.. للعذاب؟ إلى (ذاكرة الجسد)2


descriptionالحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد Emptyرد: الحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد

more_horiz
كان لرحيلك مذاق الفجيعة الأولى. والوحدة التي أحالتني في أيام إلى مرتبة لوحة يتيمة على جدار، تحضرني جملة تبدأ بها رواية أحببتها يوماً..
"ما أعظم الله! فهو عظيم بقدر ما أنا وحيد. إني لأرى المؤلف فيبدو لي كلوحة.."
وكنت أنا في عزلتي ووحدتي، ذلك المؤلف وتلك اللوحة معاً. فما أكبر وأبرد ذلك الكون الذي كنت معلّقاً على جداره، في انتظارك!
كنت أدخل بعدك منحدرات الخيبات النفسية والعاطفية في الوقت نفسه. وأعيش ذلك القلق الغامض، الذي يسبق ويلي دائماً كل معرض لي. وكنت أقوم تلقائياً بجردة لأفراحي وخيباتي.
انتهى معرضي إذاً. لم تهتم به غير صحافة فرنسية مختصّة كالعادة. وبعض المجلات العربية المهاجرة.
ولكن يمكن أن أقول إنه حصل على تغطية إعلامية كافية، وأن الذين كتبوا عنه أجمعوا على أنه حدث فني عربي في باريس.
وحدها الصحافة الجزائرية تجاهلته، عن إهمال لا غير، كالعادة. جريدة ومجلة أسبوعية واحدة، كتبتا عنه بطريقة مقتضبة. وكأنهما تعانيان فعلاً من قلة الصفحات، وليس من قلة المواد الصحافية.
بينما لم يحضر ذلك الصديق الصحافي، الذي وعدني بالحضور إلى باريس لقضايا شخصية، ولإجراء مقابلة مطوّلة معي بالمناسبة نفسها. ورغم أنني رجل غير مولع بالأضواء، والجلوس لعدة ساعات إلى صحافي للحديث عن نفسي، فإنني كنت أتمنى أن تتم تلك المقابلة، لأتمكن أخيراً من الحديث مطوّلاً إلى الشخص الوحيد الذي كان يعنيني حقاً.. القارئ الجزائري.
عبد القادر طلبني ليخبرني أنه اضطر للبقاء في الجزائر، لتغطية مهرجان ما من أحد المهرجانات التي ازدهرت هذه الأيام، لأسباب غامضة يعلمها الله.. وآخرون.

ولم أعتب عليه.. ليس هناك من مقارنة بين مهرجان أو ملتقى رسمي، يتم إعداده والإنفاق عليه بالعملة الصعبة وبين أي معرض مهما كان اسم صاحبه، والسنوات التي أخذتها منه تلك اللوحات.

في النهاية لا يمكن حتى أن أعتب على الصحافة الجزائرية.

ماذا يمكن أن يقدم معرض للوحات الفنية من متعة أو ترفيه للمواطن الجزائري الذي يعيش على وشك الانفجار، بل الانتحار، ولا وقت له للتأمل أو التذوق، والذي يفضّل على ذلك مهرجاناً لأغنية (الراي). يمكن أن يرقص.. ويصرخ.. ويغني فيها حتى الفجر، منفقاً على تلك الأغاني الشعبية المشبوهة، ما تجمّع في جيبه من دينارات، وما تراكم في جسده من "ليبيدو"؟
تلك "الثروة" الوحيدة التي يملكها شبابنا حقاً، والتي كعملتنا يدري أين ينفقها خارج الأسواق السوداء.. للبؤس.
بعضهم أدرك هذا قبل غيره.
سنة 1969، وفي عزّ الفراغ والبؤس الثقافي الذي كان يعيشه الوطن، اخترع أحدهم في بضعة أيام، أكبر مهرجان عرفته الجزائر وإفريقيا، كان اسمه "المهرجان الإفريقي الأول"، دعيت إليه قارة وقبائل إفريقية بأكملها لتغني وترقص _عارية أحياناً_ في شوارع الجزائر لمدة أسبوع كامل على شرف الثورة!
كم من ملايين أنفقت وقتها، على مهرجان للفرح ظلّ الأول والأخير. وكانت أهم إنجازاته التعتيم على محاكمة قائد تاريخي كان أثناء ذلك، يستجوب ويعذّب رجاله في الجلسات المغلقة.. باسم الثورة نفسها.
ودون أن تكون لي صداقة ما بذلك القائد، الذي كان اسمه الطاهر أيضاً، ولا أيّ عداء خاص لذلك الحاكم الذي كان يوماً مجاهداً وقائداً أيضاً، بدأت أعي لعبة السلطة، وشراهة الحكم. وأصبحت أحذر الأنظمة التي تكثر من المهرجانات والمؤتمرات.. إنها دائماً تخفي شيئاً ما!.
فهل هي مصادفة أن تبدأ مشكلاتي من ذلك الحين، ويولد أول مذاق للمرارة في حلقي يومها؟
عندما التقيت بذلك الصديق بعد أشهر، اعتذر لي بأسف صادق، ووعدني ألا يفوّت معرضي القادم.




ربّتّ على كتفه ضاحكاً وقلت:
- لا يهم.. بعد أيام لن يذكر أحد اسم ذلك المهرجان. ولكن التاريخ سيذكر اسمي لا محالة ولو بعد قرن!
قال لي بمزاحٍ لا يخلو من الجد:
- أتدري أنك مغرور؟
أجبته:
- أنا مغرور لكي لا أكون "محقوراً" فنحن لا نملك الخيار يا صاحبي. إننا ننتمي إلى أمة لا تحترم مبدعيها وإذا فقدنا غرورنا وكبريائنا، ستدوسنا أقدام الأميين والجهلة!
تساءلت بعدها أأكون مغروراً حقاً؟
اكتشفت بعد شيء من التفكير، أنني لا أكون مغروراً إلا لحظة أقف أمام لوحة بيضاء وأنا ممسك بفرشاة. كم بلزمني من الغرور لحظتها لأهزم بياضها وأفضّ بكارتها، وأتحايل على ارتباكي بفائض رجولتي، وعنفوان فرشاتي؟
ولكن..
ما أكاد أنتهي منها، وأمسح يدي من كل ما علق بها من ألوان حتى أرتمي على الأريكة المجاورة، وأتأملها مدهوشاً، وأنا أكتشف أنني الوحيد الذي كان يعرق وينزف أمامها..
وأنها أنثى عربية تتلقى ثورتي ببرود وراثي مخيف!
.. ولذا، حدث في لحظات انهياراتي وخيباتي الكبرى أن مزّقت إحداهنّ وألقيت بها في سلة المهملات، بعدما أصبح وجودها يضايقني.
هنالك لوحات هي من السذاجة والبرودة بحيث تخلق عندك عقدة رجولة.. وليس فقط عقدة إبداع!
ورغم ذلك، لن يعرف أحد هذا. وربما لن يتوقع ضعفي وهزائمي السرية أحدٌ.
فالآخرون لن يروا غير انتصاراتي، معلّقة على الجدران في إطار جميل. وأما سلال المهملات، فستبقى دائماً في ركن من مرسمي وقلبي، بعيدة عن الأضواء.
فالذي يجلس أمام مساحة بيضاء للخلق، لا بدّ أن يكون إلهاً أو عليه أن يغّير مهنته.
أأكون إلهاً؟ أنا الذي حولني حبك إلى مدينة إغريقية، لم يبق منها قائماً غير الأعمدة الشاهقة المتآكلة الأطراف؟
هل يفيد شموخي، وملح حبك يفتت أجزائي من الداخل كل يوم؟ شهران.. ولا شي سوى رقم هاتفي مستحيل.. وكلمات تركتها لي تجفّ لها الفرشاة.
وإذا بالصمت يصبح لوني المفضل.
كنت أدرى جدلية الرسم والكتابة كما أردتها أنت.
كنت تفرغين من الأشياء كلما كتبتِ عنها، وكأنك تقتلينها بالكلمات. وكنت كلما رسمت امتلأت بها أكثر، وكأنني أبعث الحياة في تفاصيلها المنسية. وإذا بي أزداد تعلقاً بها، وأنا أعلقها من جديد على جدران الذاكرة.
أن أرسمك، أليس يعني أن أسكنك غرف بيتي أيضاً، بعدما أسكنتك قلبي؟
حماقة قرّرت في البدء ألا أرتكبها. ولكنني اكتشفت ليلا بعد آخر عبثية قراري.
لماذا كان الليل هزيمتي؟
ألأنني كلما خلوت بنفسي خلوت بك، أم لأن للفن طقوس الشهوة السرية التي تولد غالباً ليلاً في ذلك الزمان الخارج عن الزمن..
والخارج عن القانون؟
على حافة العقل والجنون.. في ذلك الحد الذي تلغيه العتمة والفاصل بين الممكن والمستحيل..
كنت أقترفك..
كنت أرسم بشفتي حدود جسدك.
أرسم برجولتي حدود أنوثتك.
أرسم بأصابعي كل ما لا تصله الفرشاة..

descriptionالحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد Emptyرد: الحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد

more_horiz
بيد واحدة كنت أحتضنك.. وأزرعك وأقطفك.. وأعرّيك وألبسك وأغيّر تضاريس جسدك لتصبح على مقاييسي.
يا امرأة على شاكلة وطن..
امنحيني فرصة بطولة أخرى. دعيني بيدِ واحدة أغير مقاييسك للرجولة ومقاييسك للحب.. ومقاييسك للذّة! كم من الأيدي احتضنتك دون دفء! كم من الأيدي تتالت عليك.. وتركت أظافرها على عنقك، وإمضاءها أسفل جرحك. وأحبتك خطأ.. وآلمتك خطأ.
أحبك السراق والقراصنة.. وقاطعوا الطرق. ولم تقطع أيديهم.
ووحدهم الذين أحبوك دون مقابل، أصبحوا ذوي عاهات.
لهم كل شيء، ولا شيء غيرك لي.
أنت لي الليلة ككل ليلة. فمن سيأخذ طيفك مني؟ من سيصادر جسدك من سريري؟ من سيسرق عطرك من حواسي؟ ومن سيمنعني من استعادتك بيدي الثانية؟
أنت لذّتي السرية، وجنوني السري، ومحاولتي السرية للانقلاب على المنطق.
كلّ ليلة تسقط قلاعك في يدي، ويستسلم حراسك لي، وتأتين في ثياب نومك لتتمددي إلى جواري، فأمرر يدي على شعرك الأسود الطويل المبعثر على وسادتي، فترتعشين كطائر بلّله القطر. ثم يستجيب جسدك النائم لي.
كيف حدث هذا.. وما الذي أوصلني إلى هذا الجنون؟
ترى صوتك الذي تعودت عليه حد الإدمان، صوتك الذي كان يأتي شلال حبّ وموسيقى، فيتدحرج قطرات لذة عليّ؟
حبك هاتف يسأل "واشك؟"
يدثرني ليلاً بلحاف من القبل. يترك جواري عينيه قنديل شوق، عندما تنطفئ الأضواء.
يخاف عليّ من العتمة، يخاف عليّ من وحدتي ومن شيخوختي. فيعيدني إلى الطفولة دون استشارتي. يقصّ عليّ قصصاً يصدّقها الأطفال. يغنّي لي أغنيات ينام لسماعها الأطفال.
تُرى أكان يكذب؟ هل تكذب الأمهات أيضاً؟
هذا ما لا يصدقه الأطفال!
ما الذي أوصلني إلى جنوني؟
ترى قبلتك المسروقة من المستحيل. وهل تفعل القبل كلّ هذا؟.
أذكر أنني قرأت عن قُبل غيرت عمراً ولم أصدّق..
كيف يمكن لنيتشه فبلسوف القوة والرجل الذي نظر طويلاً للجبروت والتفوق أن يقع صريع قبلة واحدة، سرقها مصادفة في زيارة سياحية إلى معبد، صحبة " Lou" المرأة التي أحبها أكثر من كاتب وشاعر في عصرها. كان أحدهم " أبولينير" الذي تغزّل فيها طويلاً وبكاها أمام هذا الجسر نفسه، واجداً في اسمها المطابق بالفرنسية تماماً لاسم الذئب " Loup" دليلاً قاطعا على قدره معها؟
أما (نيتشه) القائل "عندما تزور امرأة لا تنس أن تصحب معك العصا" فقد كان أمامها رجلاً محطما، ضعيفاً، وبدون إرادة. حتى إن أمه قالت يوماً "لم تترك هذه المرأة أمام ابني سوى اختيار من بين ثلاثة: إما أن يتزوجها.. أو ينتحر.. أو يصبح مجنوناً!".
كان هذا حال "نيتشه" يوم أحب. فهل أخجل من ضعفي معك، وأنا لست فيلسوفاً للقوة، ولست شمشون الذي فقد شعره وقوته الأسطورية بسبب قبلة؟
هل أخجل من قبلتك، وهل أندم عليها، أنا الذي بدأ عمري على شفتيك؟
لا أدري كيف شفي "نيتشه" من امرأة لم يتزوجها. هل انتحر أم أصبح مجنوناً؟
أدري فقط، أنني قضيت شهرين وسط تقلّبات نفسية متناقضة، كدت ألامس فيها شيئاً يشبه الجنون، ذلك الجنون الذي كان يغريك، وكنت تتغزّلين لي به كثيراً، وتعتبرينه الصك الوحيد الذي يشهد للفنان بالعبقرية.
فليكن.. سأعترف لك اليوم، بعد كل تلك السنوات، أنني وصلت معك يوماً إلى ذلك الحد المخيف من اللاعقل.
أكان عشقاً فقط، أم لأهديك لا شعورياً اللعبة التي لم تكوني قد حصلت عليها بعد: ذلك الرجل المجنون الذي تحلمين به.
حدث كثيراً وقتها، أن استعدت قصتي معك فصلا فصلا.
كنت كل مرة أقع على استنتاجات متناقضة. مرة يبدو لي حبك قصة أسطورية أكبر منك ومني. شيئاً ربما كان مقدراً مسبقاً منذ قرون، منذ.. كانت قسنطينة مدينة تدعى (سيرتا).
ومرة أتساءل، ماذا لو كنت رجلاً استوقفتك ذاكرته وأغراك جنونه بقصة ما؟
ماذا لو كنت مجرد ضحية لجريمة أدبية ما، تحلمين بارتكابها في كتاب قادم؟
ثم فجأة تطغى طفولتك على الجانب "الإجرامي" فيك، فأذكر أنني كنت أيضاً نسخة عن والدك. وأنني بسبب قبلة حمقاء نسفت إلى الأبد ذاك الجسر السري الذي كان يجمعنا.
آنذاك، كنت أقرر الاعتذار منك. وأستيقظ من نومي وأتجه إلى مرسمي. أجلس طويلاً أمام لوحتك البيضاء وأتساءل: من أين أبدأك؟
أتأمل طويلاً صورتك، على ظهر روايتك التي أهديتنيها دون إهداء. أكتشف أن وجهك لا علاقة له بالصورة. فكيف أضع عمراً لوجهك الجديد والقديم معاً. كيف أنقل عنك نسخة دون أن أخونك؟
أتذكر وسط ارتباكي ( ليوناردو دافنشي)، ذلك الرسام العجيب الذي كان قادراً على أن يرسم بيده اليمنى ويده اليسرى بالإتقان نفسه. بأي يد تراه رسم (الجوكندا) ليمنحها الخلود والشهرة؟ وبأي يد يجب أن أرسمك أنا؟




ماذا لو كنت المرأة التي لا ترسم إلا باليد اليسرى، تلك التي لم تعد يدي؟
خطر ببالي مرة أن أرسمك بالمقلوب. وأجلس لأتفرج عليك عساني أكتشف أخيراً سرك. فربما كانت هذه الطريقة الوحيدة لفهمك.
فكرت حتى في إمكانية عرض تلك للوحة مقلوبة في معرض. سيكون اسمها "أنت".
سيتوقف أمامها الكثيرون. وقد يعجبون بها، دون أن يتعرف أحدهم تماما عليك.
أليس هذا ما تريدين في النهاية؟!
***
مرّ أكثر من أسبوع، وأكثر من نشرة جوية قبل أن يأتي صوتك ذات صباح دون مقدمات:
- كيف أنت؟
اندهش القلب الذي لم يتوقع هدية صباحية كتلك. وارتبك الكلام:
- وينك؟
كان صوتك يبدو قريباً أو هكذا خيّل لي. ولكنك أجبتني بضحكة أعرف مراوغتها:
- حاول أن تحزر!
أجبتك كمن يحلم:
- هل عدتِ إلى باريس؟
ضحكت وقلت:
- أي باريس.. أنا في قسنطينة. جئت هنا منذ أسبوع لأحضر زواج إحدى القريبات.. وقلت لا بد أن أطلبك من هنا. طمّني عنك ماذا تفعل في هذا الصيف.. ألم تسافر إلى أيّ مكان؟
اختصرت عذابي في بضع كلمات قلت:
- إنني متعب.. جدّ متعب.. كيف لم تتصلي بي حتى الآن؟
فقلت وكأنك طبيب سيكتب وصفة لمريض، أو شيخ يطلب منه كتابة حجاب أو تعاويذ سحرية:
- سأكتب لك.. والله سأكتب لك قريباً.. يجب أن تعذرني. أنت لا تدري كم الحياة هنا مزعجة وصعبة. إن الواحد لا يخلو لنفسه في هذه المدينة ولو لحظة. حتى الكلام على الهاتف مغامرة بوليسية..
- وماذا تفعلين؟
- لا شيء.. أنتقل من بيت إلى آخر، ومن دعوة إلى أخرى. حتى المدينة لم أتجول فيها على قدمي، لقد عبرتها بالسيارة فقط..
ثم أضفت وكأنك تذكرت فجأة شيئاً هاماً:
- أتدري.. أنت على حق. إن أجمل ما في قسنطينة، جسورها لا غير. لقد ذكرتك وأنا أعبرها..
كنت أود تلك اللحظة لو سألتك "هل تحبينني؟" ولكنني سألتك بحمافة:
- هل تحبينها؟.
أجبتني بعد شيء من الصمت، وكأنني طرحت عليك سؤالاً يستدعي التفكير:
- ربما بدأت أحبها..
قلت:
- شكراً..
ضحكت.. قلت وأنت تنهين المكالمة:
- أيها الأحمق.. لن تتغير!
***
المرء يفتح شباكه لينظر إلى الخارج.. ويفتح عينيه لينظر إلى الباطن.. وما النظر سوى تسلقك الجدار الفاصل بينك وبين الحرية..".
في ذلك الصباح، أشعلت سيجارة صباحية على غير عادتي. وجلست على شرفتي أمام فنجان قهوة، أتأمل نهر السين، وهو يتحرك ببطء تحت جسر ميرابو.
كانت زرقته الصيفية الجميلة، تستفزّني ذلك الصباح دون مبرر. تذكرني فجأة بالعيون الزرق التي لا أحبها.
أترى لأنه لا نهر في قسنطينة.. أعلنت العداء على هذا النهر؟
نهضت دون أن أكمل سيجارتي. كنت فجأة على عجل.
فليكن.. عفوك أيها النهر الحضاري. عفوك أيها الجسر التاريخي. عفوك صديقي (أبولينير). هذه المرة أيضاً سأرسم جسراً آخر غير هذا.
كنت هذه المرة ممتلئاً بك، بصوتك القادم من هناك، ليوقظ من جديد تلك المدينة داخلي.
ألم أكن قد لمست الفرشاة من ثلاثة أشهر. وكان داخلي شيء ما على وشك أن ينفجر بطريقة أو بأخرى. كل تلك الأحاسيس والعواطف المتضاربة، التي عشتها قبل رحيلك وبعده، والتي تراكمت داخلي كقنبلة موقوتة.
وكان لا بد أن أرسم لأرتاح أخيراً.
أرسم ملء يدي.. ملء أصابعي. أرسم بيدي الموجودة وبتلك المفقودة. أرسم بكل تقلباتي، بتناقضي وجنوني وعقلي، بذاكرتي ونسياني. حتى لا أموت قهرا ذات صيف، في مدينة فارغة إلا من السواح والحمام.

descriptionالحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد Emptyرد: الحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد

more_horiz
شكراااا الحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد 624285

descriptionالحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد Emptyرد: الحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد

more_horiz
مرسي بزاف على المجهود كروش

descriptionالحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد Emptyرد: الحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد

more_horiz
يعطييييييييييك العافية اخوي كروووووووش الحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد 717552

descriptionالحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد Emptyرد: الحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد

more_horiz
يعطيك الصحة

descriptionالحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد Emptyرد: الحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد

more_horiz
مشكور

descriptionالحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد Emptyرد: الحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد

more_horiz
مرسييييييي
رواية مافيش اروع منها

descriptionالحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد Emptyرد: الحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد

more_horiz
يعطيك الصحة

descriptionالحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد Emptyرد: الحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد

more_horiz
ثااااااااااااااانكس

descriptionالحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد Emptyرد: الحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد

more_horiz
merci bcp

descriptionالحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد Emptyرد: الحلقة التاسعة من سلسلة ذاكرة الجسد

more_horiz
لماااذا دومااااااااااااااااااااا الحب مرتبط بالعذااااااااااااااااااااااااااااااب............ولحظااات السعادة فيه قليييلة ..............وتبقى مجرد ذكرى.....نسترجععاا كلمااا نشعرناااااااااااااا بالإنزلاااق..وكأننا نريدهاااا ان تشدنااااا من جديد..لنرجع إلى نقطة البداية..
...أهي رغبتنا في ان نعيد لحظة السعادة تلك....أم هي رغبتنا في ان نغير مجرى الأحدااااث...
ام هي ..مجرد إرتبااطنا بشيئ من العذاب لأننا نحب................؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد